Search
Close this search box.
Layer 5
.
فهرس جواهر البحار
كتاب العقل والعلم والجهل
كتاب العدل والمعاد
كتاب النبوة
كتاب تاريخ نبينا (ص)
كتاب الإمامة
كتاب تاريخ أميرالمؤمنين (ع)
كتاب تاريخ فاطمة والحسنين (ع)
كتاب تاريخ السجاد والباقر والصادق والكاظم (ع)
كتاب تاريخ الرضا والجواد والهادي والعسكري (ع)
كتاب تاريخ الحجة (عج)
كتاب السماء والعالم
كتاب الإيمان والكفر
كتاب العشرة
كتاب الآداب والسنن
كتاب الروضة
كتاب الطهارة
كتاب الصلاة
كتاب القرآن
كتاب الأدعية والأذكار
كتاب الصوم
كتاب الحج والعمرة
كتاب المزار
كتاب العقود والإيقاعات
الحديث: ١
/
ترتيب جواهر البحار: ٣٣٨٤

قال سعد بن عبد الله: حدّثنا من حضر موت الحسن بن عليّ بن محمّد العسكري (عليه السلام) ودفنه ممّن لا يوقف علی إحصاء عددهم ولا يجوز علی مثلهم التواطؤ بالكذب، وبعد فقد حضرنا في شعبان سنة ثمان وسبعين ومائتين _ وذلك بعد مضيّ أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكري (عليه السلام) بثماني عشرة سنة أو أكثر _ مجلس أحمد بن عبيد الله بن خاقان _ وهو عامل السلطان يومئذٍ علی الخراج والضياع بكورة قم وكان من أنصب خلق الله وأشدهم عداوة لهم _ فجرى ذكر المقيمين من آل أبي طالب بسرّ من رأی ومذاهبهم وصلاحهم وأقدارهم عند السلطان.

فقال أحمد بن عبيد الله: ما رأيت ولا عرفت بسرّ من رأی رجلاً من العلوية مثل الحسن بن عليّ بن محمّد بن الرضا (عليه السلام) ولا سمعت به في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته والسلطان وجميع بني هاشم وتقديمهم إيّاه علی ذوي السنّ منهم والخطر وكذلك القوّاد والوزراء والكتّاب وعوامّ الناس. وإنّي كنت قائماً ذات يوم علی رأس أبي وهو يوم مجلسه للناس إذ دخل عليه حجّابه، فقالوا له: ابن الرضا علی الباب، فقال بصوت عالٍ: ائذنوا له، فدخل رجل أسمر، أعين، حسن القامة، جميل الوجه، جيّد البدن، حدث السن، له جلالة وهيبة، فلمّا نظر إليه أبي قام، فمشى إليه خطوات، ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم ولا بالقوّاد ولا بأولياء العهد.

فلمّا دنا منه عانقه وقبّل وجهه ومنكبيه وأخذ بيده وأجلسه على مصلّاه الذي كان عليه وجلس إلى جنبه مقبلاً عليه بوجهه وجعل يكلّمه ويكنّيه ويفدّيه بنفسه وأبويه وأنا متعجّب ممّا أری منه إذ دخل عليه الحجّاب، فقالوا: الموفّق قد جاء وكان الموفّق إذا جاء ودخل على أبي تقدّم حجّابه وخاصّة قوّاده، فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدار سمّاطين إلى أن يدخل ويخرج فلم يزل أبي مقبلاً عليه يحدّثه حتّی نظر إلى غلمان الخاصّة فقال حينئذٍ: إذا شئت فقم، جعلني الله فداك يا أبا محمّد، ثمّ قال لغلمانه: خذوا به خلف السمّاطين لئلّا يراه الأمير _ يعني الموفّق _ وقام أبي فعانقه وقبّل وجهه ومضی.

فقلت لحجّاب أبي وغلمانه: ويلكم، من هذا الذي فعل به أبي؟ فقالوا: هذا رجل من العلوية _ يقال له الحسن بن عليّ _ يعرف بابن الرضا، فازددت تعجّباً، فلم أزل يومي ذلك قلقاً متفكّراً في أمره وأمر أبي، وما رأيت منه حتّی كان الليل وكانت عادته أن يصلّي العتمة، ثمّ يجلس فينظر فيما يحتاج من المؤامرة وما يرفعه إلى السلطان.

فلمّا نظر وجلس جئت فجلست بين يديه، فقال: يا أحمد، أ لك حاجة؟ قلت: نعم، يا أبت، إن أذنت سألتك عنها؟ فقال: قد أذنت لك يا بنيّ، فقل ما أحببت، فقلت: يا أبت، من الرجل الذي رأيتك الغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال والإكرام والتبجيل وفدّيته بنفسك وأبويك؟ فقال: يا بنيّ، ذلك ابن الرضا، ذاك إمام الرافضة، فسكت ساعة، فقال: يا بنيّ، لو زالت الخلافة عن خلفاء بني العباس ما استحقّها أحد من بني هاشم غير هذا، فإنّ هذا يستحقّها في فضله وعفافه وهديه وصيانة نفسه وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه، ولو رأيت أباه لرأيت رجلاً جليلاً نبيلاً خيراً فاضلاً.

فازددت قلقاً وتفكّراً وغيظاً على أبي ممّا سمعت منه فيه، ولم يكن لي همّة بعد ذلك إلّا السؤال عن خبره والبحث عن أمره، فما سألت عنه أحداً من بني هاشم والقوّاد والكتّاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس إلّا وجدته عندهم في غاية الإجلال والإعظام والمحل الرفيع والقول الجميل والتقديم له على أهل بيته ومشايخه وغيرهم، وكلّ يقول: هو إمام الرافضة، فعظم قدره عندي، إذ لم أر له وليّاً ولا عدوّاً إلّا وهو يحسن القول فيه والثناء عليه.

فقال له بعض أهل المجلس من الأشعريّين: يا با بكر، فما حال أخيه جعفر؟ فقال: ومن جعفر، فيسأل عن خبره أو يقرن به؟ إنّ جعفراً معلن بالفسق، ماجن، شرّيب للخمور، أقلّ من رأيت من الرجال وأهتكهم لستره بنفسه، فدم خمار قليل في نفسه خفيف، والله، لقد ورد علی السلطان وأصحابه في وقت وفاة الحسن بن عليّ (عليه السلام) ما تعجّبت منه وما ظننت أنّه يكون، وذلك أنّه لمّا اعتلّ بعث إلى أبي أنّ ابن الرضا قد اعتلّ، فركب من ساعته مبادراً إلى دار الخلافة ثمّ رجع مستعجلاً ومعه خمسة نفر من خدم أمير المؤمنين كلّهم من ثقاته وخاصّته فمنهم نحرير وأمرهم بلزوم دار الحسن‏ بن عليّ (عليه السلام) وتعرّف خبره وحاله وبعث إلى نفر من المتطبّبين، فأمرهم بالاختلاف إليه وتعاهده في صباح ومساء.

فلمّا كان بعد ذلك بيومين جاءه من أخبره أنّه قد ضعف فركب حتّى بكر إليه ثمّ أمر المتطبّبين بلزومه وبعث إلى قاضي القضاة فأحضره مجلسه وأمره أن يختار من أصحابه عشرة ممّن يوثق به في دينه وأمانته وورعه فأحضرهم، فبعث بهم إلى دار الحسن (عليه السلام) وأمرهم بلزومه ليلاً ونهاراً فلم يزالوا هناك حتّى توفّي لأيّام مضت من شهر ربيع الأوّل من سنة ستّين ومائتين فصارت سرّ من ‏رأى ضجّة واحدة: مات ابن الرضا (عليه السلام).

وبعث السلطان إلى داره من يفتّشها ويفتّش حجرها وختم علی جميع ما فيها وطلبوا أثر ولده وجاءوا بنساء يعرفن الحبل، فدخلن علی جواريه فنظر إليهنّ، فذكر بعضهنّ أنّ هناك جارية بها حبل، فأمر بها، فجعلت في حجرة ووكّل بها نحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم ثمّ أخذوا بعد ذلك في تهيئته وعطّلت الأسواق وركب أبي وبنو هاشم والقوّاد والكتّاب وسائر الناس إلى جنازته، فكانت سرّ من ‏رأی يومئذٍ شبيهاً بالقيامة.

فلمّا فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلی أبي عيسى بن المتوكّل، فأمره بالصلاة عليه، فلمّا وضعت الجنازة للصلاة دنا أبو عيسى منها فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلوية والعبّاسية والقوّاد والكتّاب والقضاة والفقهاء والمعدّلين، وقال: هذا الحسن بن عليّ بن محمّد بن الرضا (عليه السلام) مات حتف أنفه على فراشه، حضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان ومن المتطبّبين فلان وفلان ومن القضاة فلان وفلان ثمّ غطّی وجهه وقام فصلّى عليه وكبّر عليه خمساً وأمر بحمله وحمل من وسط داره ودفن في البيت الذي دفن فيه أبوه.

‏ فلمّا دفن وتفرّق الناس اضطرب السلطان وأصحابه في طلب ولده وكثر التفتيش في المنازل والدور وتوقّفوا عن قسمة ميراثه ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهّموا عليه الحبل ملازمين لها سنتين وأكثر حتّی تبيّن لهم بطلان الحبل فقسّم ميراثه بين أمّه وأخيه جعفر وادّعت أمّه وصيّته وثبت ذلك عند القاضي والسلطان علی ذلك يطلب أثر ولده، فجاء جعفر بعد قسمة الميراث إلى أبي وقال له: اجعل لي مرتبة أبي وأخي وأوصل إليك في كلّ سنة عشرين ألف دينار.

فزبره أبي وأسمعه وقال له: يا أحمق، إنّ السلطان _ أعزّه الله _ جرّد سيفه وسوطه في الذين زعموا أنّ أباك وأخاك أئمّة ليردّهم عن ذلك، فلم يقدر عليه ولم يتهيّأ له صرفهم عن هذا القول فيهما وجهد أن يزيل أباك وأخاك عن تلك المرتبة، فلم يتهيّأ له ذلك، فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجة بك إلى سلطان يرتّبك مراتبهم ولا غير سلطان، وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بها واستقلّه عند ذلك واستضعفه وأمر أن يحجب عنه فلم يأذن له بالدخول عليه حتّی مات أبي وخرجنا والأمر على تلك الحال والسلطان يطلب أثر ولد الحسن بن عليّ حتّی اليوم. فلم يزالوا هناك حتّی توفّي لأيّام مضت من شهر ربيع الأوّل من سنة ستّين ومائتين، فصارت سرّ من رأی ضجّة واحدة: «مات ابن الرضا (عليه السلام)».

وبعث السلطان إلی داره من يفتّشها ويفتّش حجرها، وختم علی جميع ما فيها وطلبوا أثر ولده، وجاءوا بنساء يعرفن الحبل، فدخلن علی جواريه فنظر إليهنّ، فذكر بعضهنّ أنّ هناك جارية بها حبل، فأمر بها فجعلت في حجرة، ووكّل بها نحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم. ثمّ أخذوا بعد ذلك في تهيئته، وعطّلت الأسواق، وركب أبي وبنو هاشم، والقوّاد والكتّاب وسائر الناس إلى جنازته، فكانت سرّ من رأی يومئذٍ شبيهاً بالقيامة.

المصدر الأصلي: إكمال الدين
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٥٠
، ص٣٢٥-٣٢٨
الحديث: ٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٣٣٨٥

قالت أمّ العسكري (عليه السلام): قال لي العسكري (عليه السلام) يوماً من الأيّام: تصيبني في سنة ستّين حزازة أخاف أن أنكب فيها نكبة، فإن سلمت منها فإلى سنة سبعين، فأظهرت الجزع، وبكيت، فقال (عليه السلام): لابدّ لي من وقوع أمر الله، فلا تجزعي، فلمّا أن كان أيّام صفر أخذها المقيم المقعد، وجعلت تقوم وتقعد، وتخرج في الأحايين إلى الجبل، وتجسّس الأخبار حتّی ورد عليها الخبر.

بيــان:
«أخذها المقيم المقعد»، أي الحزن الذي يقيمها ويقعدها.
المصدر الأصلي: بصائر الدرجات
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٥٠
، ص٣٣٠ _ ٣٣١
الحديث: ٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٣٣٨٦

مات العسكري (عليه السلام) يوم الجمعة مع صلاة الغداة، وكان في تلك الليلة قد كتب بيده كتباً كثيرةً إلى المدينة، وذلك في شهر ربيع الأوّل لثمانٍ خلون سنة ستّين ومائتين للهجرة، ولم يحضره في ذلك الوقت إلّا صقيل الجارية، وعقيد الخادم، ومن علم الله غيرهما.

قال عقيد: فدعا بماء قد أغلي بالمصطكي فجئنا به إليه، فقال: أبدأ بالصلاة جيئوني فجئنا به، وبسطنا في حجره المنديل وأخذ من صقيل الماء، فغسل به وجهه وذراعيه مرّة مرّة، ومسح على رأسه وقدميه مسحاً، وصلّى صلاة الصبح على فراشه، وأخذ القدح ليشرب فأقبل القدح يضرب ثناياه، ويده ترعد، فأخذت صقيل القدح من يده، ومضی من ساعته صلى الله عليه، ودفن في داره بسرّ من رأی إلى جانب أبيه (عليه السلام) وصار إلى كرامة الله جلّ جلاله، وقد كمل عمره تسعاً وعشرين سنة.

وقال لي ابن عبّاد في هذا الحديث: قدمت أمّ العسكري (عليه السلام) من المدينة _ واسمها حديث _
حين اتّصل بها الخبر إلى سرّ من رأی، فكانت لها أقاصيص يطول شرحها مع أخيه جعفر من مطالبته إيّاها بميراثه، وسعايته بها إلى السلطان، وكشف ما أمر الله عزّ وجلّ بستره. وادّعت عند ذلك صقيل أنها حامل، فحملت إلى دار المعتمد، فجعلن نساء المعتمد وخدمه، ونساء الموفّق وخدمه، ونساء القاضي ابن أبي الشوارب، يتعاهدن أمرها في كلّ وقت، ويراعونه إلى أن دهمهم أمر الصفّار، وموت عبيد الله بن يحيی بن خاقان بغتة، وخروجهم عن سرّ من رأی، وأمر صاحب الزنج بالبصرة وغير ذلك فشغلهم عنها.

المصدر الأصلي: إكمال الدين
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٥٠
، ص٣٣١-٣٣٢
الحديث: ٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٣٣٨٧

قال أبوالأدیان: كنت أخدم الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسی بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأحمل كتبه إلی الأمصار، فدخلت إليه في علّته التي توفّي فيها، فكتب معي كتباً، وقال (عليه السلام): تمضي بها إلی المدائن، فإنّك ستغيب خمسة عشر يوماً، فتدخل إلى سرّ من رأى يوم الخامس عشر، وتسمع الواعية في داري، وتجدني على المغتسل فقلت: يا سيّدي، فإذا كان ذلك فمن؟ قال (عليه السلام): من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم بعدي. فقلت: زدني، فقال (عليه السلام): من يصلّي عليّ فهو القائم بعدي. فقلت: زدني، فقال (عليه السلام): من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي. ثمّ منعتني هيبته أن أسأله ما في الهميان، وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها، ودخلت سرّ من رأى يوم الخامس عشر كما قال لي، فإذا أنا بالواعية في داره، وإذا أنا بجعفر بن عليّ أخيه بباب الدار، والشيعة حوله يعزّونه ويهنّئونه. فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد حالت الإمامة، لأنّي كنت أعرفه بشرب النبيذ، ويقامر في الجوسق، ويلعب بالطنبور.

فتقدّمت فعزّيت وهنّيت، فلم يسألني عن شيء ثمّ خرج عقيد، فقال: يا سيّدي، قد كفّن أخوك، فقم للصلاة عليه، فدخل جعفر بن عليّ والشيعة من حوله يقدمهم السمّان والحسن بن عليّ قتيل المعتصم المعروف بسلمة، فلمّا صرنا بالدار إذا نحن بالحسن بن عليّ (عليه السلام) على نعشه مكفّناً، فتقدّم جعفر بن عليّ ليصلّي على أخيه.

فلمّا همّ بالتكبير خرج صبيّ بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجبذ رداء جعفر بن عليّ، وقال: تأخّر يا عمّ، فأنا أحقّ بالصلاة على أبي، فتأخّر جعفر وقد اربدّ وجهه، فتقدّم الصبيّ فصلّى عليه، ودفن إلى جانب قبر أبيه. ثمّ قال: يا بصري، هات جوابات الكتب التي معك، فدفعتها إليه، وقلت في نفسي: هذه اثنتان بقي الهميان، ثمّ خرجت إلى جعفر بن عليّ وهو يزفر، فقال له حاجز الوشّاء: يا سيّدي من الصبيّ؟ ليقيم عليه الحجّة، فقال: والله، ما رأيت قطّ ولا عرفته.

فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم، فسألوا عن الحسن بن عليّ (عليه السلام) فعرفوا موته، فقالوا: فمن؟ فأشار الناس إلى جعفر بن عليّ، فسلّموا عليه وعزّوه وهنّؤوه وقالوا معنا كتب ومال، فتقول: ممّن الكتب؟ وكم المال؟ فقام ينفضّ أثوابه ويقول: يريدون منّا أن نعلم الغيب؟ فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان، وهميان فيه ألف دينار، عشرة دنانير منها مطليّة، فدفعوا الكتب والمال، وقالوا: الذي وجّه بك لأجل ذلك هو الإمام.

المصدر الأصلي: إكمال الدين
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٥٠
، ص٣٣٢-٣٣٣
الحديث: ٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٣٣٨٨

مرض أبو محمّد الحسن العسكري (عليه السلام) في أوّل شهر ربيع الأوّل سنة ستّين ومات في يوم الجمعة لثمان خلون من هذا الشهر في السنة المذكورة وله يوم وفاته ثمان وعشرون سنة فدفن في البيت الذي دفن أبوه من دارهما بسرّ من رأى وخلف ابنه المنتظر لدولة الحقّ‏ وكان قد أخفى مولده وستر أمره لصعوبة الوقت، وشدّة طلب سلطان الزمان له، واجتهاده في البحث عن أمره، لما شاع من مذهب الشيعة الإمامية فيه، وعرف من انتظارهم له، فلم يظهر ولده (عليه السلام) في حياته، ولا عرفه الجمهور بعد وفاته.

وتولّى جعفر بن عليّ أخو العسكري (عليه السلام) أخذ تركته، وسعى في حبس جواري العسكري (عليه السلام) واعتقال حلائله، وشنّع على أصحابه بانتظارهم ولده، وقطعهم بوجوده والقول بإمامته، وأغرى بالقوم حتّى أخافهم وشدّدهم وجرى على مخلّفي الهادي (عليه السلام) بسبب ذلك كلّ عظيمة من اعتقال، وحبس، وتهديد، وتصغير، واستخفاف، وذلّ، ولم يظفر السلطان منهم بطائل. وحاز جعفر ظاهر تركة العسكري (عليه السلام) واجتهد في القيام على الشيعة مقامه، فلم يقبل أحد منهم ذلك، ولا اعتقدوه فيه، فصار إلى سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه، وبذل مالاً جليلاً وتقرّب بكلّ ما ظنّ أنّه يتقرّب به، فلم ينتفع بشيء من ذلك.

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٥٠
، ص٣٣٤
(١) وهذه العبارات من كرامة المجلسي (رحمه الله) حیث إنّه ذكّرنا بتخریب الحرمین العسكریین (عليه السلام) في سامرّاء، كأنّه (رحمه الله) كتبه الیوم وأنذرنا ودفع عنّا الشبهة الآن.

دفع شبهة: قد وقعت داهية عظمى، وفتنة كبرى، في سنة ستّ ومائة بعد الألف من الهجرة في الروضة المنوّرة بسرّ من رأى، وذلك أنّه لغلبة الأروام وأجلاف العرب على سرّ من رأى، وقلّة اعتنائهم بإكرام الروضة المقدّسة، وجلاء السادات والأشراف لظلم الأروام عليهم منها، وضعوا ليلة من الليالي سراجاً داخل الروضة المطهّرة في غير المحلّ المناسب له، فوقعت من الفتيلة نار على بعض الفروش أو الأخشاب ولم يكن أحد حوالي الروضة فيطفيها. فاحترقت الفروش والصناديق المقدّسة والأخشاب والأبواب، وصار ذلك فتنة لضعفاء العقول من الشيعة والنصّاب من المخالفين، جهلاً منهم بأنّ أمثال ذلك لا يضرّ بحال هؤلاء الأجلّة الكرام، ولا يقدح في رفعة شأنهم عند الملك العلاّم وإنّما ذلك غضب على الناس، ولا يلزم ظهور المعجز في كلّ وقت، وإنّما هو تابع للمصالح الكلّية والأسرار في ذلك خفيّة وفيه شدّة تكليف، وافتتان وامتحان للمكلّفين، وقد وقع مثل ذلك في الروضة المقدّسة النبويّة بالمدينة أيضاً، صلوات الله على مشرّفها وآله.
قال الشيخ الفاضل الكامل السديد يحيى بن سعيد _ قدّس الله روحه _ في كتاب جامع الشرائع في باب اللعان أنّه إذا وقع بالمدينة يستحبّ أن يكون بمسجدها عند منبره (عليه السلام) ثمّ قال: وفي هذه السنة _ وهي سنة أربع وخمسين وستّمائة في شهر رمضان _ احترق المنبر وسقوف المسجد ثمّ عمل بدل المنبر.
وقال صاحب كتاب عيون التواريخ من أفاضل المخالفين في وقايع السنة الرابع والخمسين والستّمائة: وفي ليلة الجمعة أول ليلة من شهر رمضان، احترق مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة، وكان ابتداء حريقه من زاوية الغربية من الشمال، وكان أحد القومة قد دخل إلى خزانة ومعه نار، فعلقت في بعض الآلات، ثمّ اتّصلت بالسقف بسرعة، ثمّ دبّت في السقوف آخذة مقبلة فأعجلت الناس عن قطعها. فما كان إلّا ساعة حتّى احترق سقوف المسجد أجمع، ووقع بعض أساطينه وذاب رصاصها، وكلّ ذلك قبل أن ينام الناس، واحترق سقف الحجرة النبويّة _ على ساكنها أفضل الصلاة والسلام _ ووقع ما وقع منه بالحجرة، وبقي على حاله، وأصبح الناس يوم الجمعة فعزلوا موضع الصلاة.
والقرامطة هدموا الكعبة، ونقلوا الحجر الأسود، ونصبوها في مسجد الكوفة، وفي كلّ ذلك لم تظهر معجزة في تلك الحال، ولم يمنعوا من ذلك على الاستعجال، بل ترتّب على كلّ منها آثار غضب الله تعالی في البلاد والعباد بعدها بزمان، كما أنّ في هذا الاحتراق ظهرت آثار سخط الله على المخالفين في تلك البلاد، فاستولى الأعراب على الروم، وأخذوا منهم أكثر البلاد، وقتلوا منهم جمّاً غفيراً وجمعاً كثيراً، وتزداد في كلّ يوم نائرة الفتنة، والنهب والغارة في تلك الناحية اشتعالاً. وقد استولى الإفرنج على سلطانهم مراراً، وقتلوا منهم خلقاً كثيراً وكلّ هذه الأمور من آثار مساهلتهم في أمور الدين، وقلّة اعتنائهم بشأن أئمّة الدين (عليهم السلام).
وكفى شاهداً لما ذكرنا من أنّ هذه الأمور من آثار غضب الله تعالی: استيلاء بخت نصر على بيت المقدس، وتخريبه إيّاه، وهتك حرمته له، مع أنّه كان من أبنية الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) وأعظم معابدهم ومساجدهم، وقبلتهم في صلاتهم، وقتل آلافاً من أصفياء بني إسرائيل وصلحائهم وأخيارهم ورهبانهم وكلّ ذلك لعدم متابعتهم للأنبياء (عليه السلام) وترك نصرتهم، والاستخفاف بشأنهم، وشتمهم، وقتلهم ١ . (ص٣٣٧-٣٣٩)