Search
Close this search box.
Layer 5
.
فهرس جواهر البحار
كتاب العقل والعلم والجهل
كتاب العدل والمعاد
كتاب النبوة
كتاب تاريخ نبينا (ص)
كتاب الإمامة
كتاب تاريخ أميرالمؤمنين (ع)
كتاب تاريخ فاطمة والحسنين (ع)
كتاب تاريخ السجاد والباقر والصادق والكاظم (ع)
كتاب تاريخ الرضا والجواد والهادي والعسكري (ع)
كتاب تاريخ الحجة (عج)
كتاب السماء والعالم
كتاب الإيمان والكفر
كتاب العشرة
كتاب الآداب والسنن
كتاب الروضة
كتاب الطهارة
كتاب الصلاة
كتاب القرآن
كتاب الأدعية والأذكار
كتاب الصوم
كتاب الحج والعمرة
كتاب المزار
كتاب العقود والإيقاعات

أحاديث في أحداث ما بعد واقعة عاشوراء ومرور السبايا من آل محمد (ص) بالكوفة وخطبة السيدة زينب (س) فيها، وخطبة أم كلثوم وفاطمة الصغرى (س)، وفي خطبة الإمام علي بن الحسين (ع)، وهذه أحاديث جليلة جمعها العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار، وقد اقتبس الشيخ حبيب الكاظمي بعض هذه الأحاديث وحذف أسانيدها مع مراعاة التبويب، فكانت جواهر البحار الذي بين يديك.

الحديث: ۱
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٨٦

وسار ابن سعد بالسبي المشار إليه، فلمّا قاربوا الكوفة اجتمع أهلها للنظر إليهنّ، قال: فأشرفت امرأة من الكوفيات، فقالت: من أيّ الأسارى أنتنّ؟ فقلن: نحن أسارى آل محمّد (عليهم السلام)، فنزلت من سطحها وجمعت ملاء وأزراً ومقانع، فأعطتهنّ فتغطّين.

وكان مع النساء عليّ بن الحسين (عليه السلام) قد نهكته العلّة، والحسن بن الحسن المثنّى، وكان قد واسى عمّه وإمامه في الصبر على الرماح، وإنّما ارتثّ ۱ وقد أثخن بالجراح، وكان معهم أيضاً زيد وعمرو ولدا الحسن السبط (عليه السلام)، فجعل أهل الكوفة ينوحون ويبكون، فقال عليّ بن الحسين (عليه السلام): أ تنوحون وتبكون من أجلنا؟ فمن قتلنا؟

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١۰٨
(۱) «ارتُثّ فلان»: حمل من المعركة رثيثاً، أي جريحاً وبه رمق. لسان العرب، ج٢، ص١٥١.
الحديث: ۲
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٨٧

قال بشير بن خزيم الأسدي: ونظرت إلى زينب بنت عليّ (عليه السلام) يومئذٍ، ولم أر _ والله _ خفرة ١ قطّ أنطق منها، كأنّما تفرغ عن لسان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا، فارتدّت الأنفاس، وسكنت الأجراس؛ ثمّ قالت: الحمد لله والصلاة على أبي محمّد وآله الطيّبين الأخيار، أمّا بعد، يا أهل الكوفة، ياأهل الختل والغدر، أ تبكون؟ فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة، إنّما مثلكم كمثل ﴿الَّتِي نَقَضَت غَزلَهَا مِن بَعدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيمَانَكُم دَخَلاً بَينَكُم﴾. ألا وهل فيكم إلّا الصلف ٢ والنطف ٣ ، وملق الإماء، وغمز الأعداء، أو كمرعى على دمنة، أو كفضّة على ملحودة؟ ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم، وفي العذاب أنتم خالدون، أ تبكون وتنتحبون؟

إي والله، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنآنها، ولن ترحضوها ٤ بغسلٍ بعدها أبداً وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم الأنبياء، وسيّد شباب أهل الجنّة، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، ومنار حجّتكم، ومدرة ٥ سنّتكم؟

ألا ساء ما تزرون، وبعداً لكم وسحقاً، فلقد خاب السعي وتبّت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضربت عليكم الذلّة والمسكنة.

ويلكم، يا أهل الكوفة، أيّ كبد لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فريتم؟ وأيّ كريمة له أبرزتم؟ وأيّ دم له سفكتم؟ وأيّ حرمة له انتهكتم؟ لقد جئتم بهم صلعاء ٦ عنقاء سوّاء فقماء ٧ _ وفي بعضها خرقاء شوهاء _ كطلاع الأرض وملاء السماء. أ فعجبتم أن قطرت السماء دماً ﴿وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخزَى وَهُم لَا يُنصَرُونَ﴾، فلايستخفنّكم المهل، فإنّه لا تحفزه البدار، ولا يخاف فوت الثأر، وإنّ ربّكم لبالمرصاد.

قال: فوالله، لقد رأيت الناس يومئذٍ حيارى يبكون، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم، ورأيت شيخاً واقفاً إلى جنبي يبكي حتّى اخضلّت لحيته، وهويقول: بأبي أنتم وأمّي، كهولكم خير الكهول، وشبابكم خير الشباب ونساؤكم خير النساء، ونسلكم خير نسل، لا يخزى ولا يبزى ٨ .

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١۰٨-١١۰
(١) «الخَفَرُ»: شدّة الحياء، و«امرأة خَفِرَة»: حييّة مُتَخَفِّرَة. كتاب العين، ج٤، ص٢٥٣.
(٢) «الصَّلَف»: مجاوزة قدر الظرف. كتاب العين، ج٧، ص١٢٥.
(٣) «النَّطَف»: العَيب. لسان العرب، ج٩، ص٣٣٤.
(٤) «الرُحض»: الغسل. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج٢، ص٢۰٨.
(٥) «المِدْرَه»: زعيم القوم وخطيبهم والمتكلّم عنهم، والذى يرجعون إلى رأيه. النهاية في غريب الحديث والأثر،
ج٤، ص٣۰٩.
(٦) «الصَلْعاء»: الداهية الشديدة. لسان العرب، ج٨، ص٢۰٥.
(٧) «الفَقْماء»: المائلةُ الحَنَك، وقيل: هو تقدّم الثنايا السفلى حتّى لا تقع عليها العلي. لسان العرب، ج١٢، ص٤٥٧.
(٨) «يُبْزَى»: يُقْهر ويُغلب. لسان العرب، ج١٤، ص٧٣.
الحديث: ٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٨٨

قال زيد بن موسى: حدّثني أبي، عن جدّي قال: خطبت فاطمة الصغرى بعد أن ردّت من كربلا، فقالت: الحمد لله عدد الرمل والحصى، وزنة العرش إلى الثرى، أحمده وأؤمن به وأتوكّل عليه، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله، وأنّ ولده ذبحوا بشطّ الفرات بغير ذحل ١ ولا ترات، إلى أن قالت:

أمّا بعد، يا أهل الكوفة، يا أهل المكر والغدر والخيلاء، فإنّا أهل بيت ابتلانا الله بكم، وابتلاكم بنا، فجعل بلاءنا حسناً، وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا، فنحن عيبة علمه، ووعاء فهمه وحكمته، وحجّته في الأرض لبلاده ولعباده، أكرمنا الله بكرامته، وفضّلنا بنبيّه محمّد (صلى الله عليه وآله) على كثير ممّن خلق تفضيلاً بيّناً، فكذّبتمونا وكفّرتمونا، ورأيتم قتالنا حلالاً، وأموالنا نهباً، كأنّا أولاد ترك أو كابل، كما قتلتم جدّنا بالأمس، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدّم، قرّت بذلك عيونكم، وفرحت قلوبكم، افتراء منكم على الله، ومكراً مكرتم ﴿وَاللَّهُ خَيرُ المَاكِرِينَ﴾.

فلا تدعونّكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا، ونالت أيديكم من أموالنا، فإنّ ما أصابنا من المصائب الجليلة والرزايا العظيمة ﴿فِي كِتَابٍ مِّن قَبلِ أَن نَّبرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ۞ لِكَيلَا تَأسَوا عَلَى مَا فَاتَكُم وَلَا تَفرَحُوا بِمَا آتَاكُم وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُختَالٍ فَخُورٍ﴾؛ تبّاً لكم، فانتظروا اللعنة والعذاب، وكأن قد حلّ بكم، وتواترت من السماء نقمات فيسحتكم بما كسبتم، ويذيق بعضكم بأس بعض، ثمّ تخلّدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ﴿أَلاَ لَعنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾.

ويلكم، أ تدرون أيّة يد طاعنتنا منكم؟ وأيّة نفس نزعت إلى قتالنا؟ أم بأيّة رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا؟ قست قلوبكم، وغلظت أكبادكم، وطبع على أفئدتكم، وختم على سمعكم وبصركم، وسوّل لكم الشيطان وأملى لكم، وجعل على بصركم غشاوة، فأنتم لا تهتدون …

فارتفعت الأصوات بالبكاء، وقالوا: حسبك يا ابنة الطيّبين، فقد أحرقت قلوبنا، وأنضجت نحورنا، وأضرمت أجوافنا، فسكتت _ عليها وعلى أبيها وجدّتها السلام _.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١١۰-١١٢
(١) «الذَحْل»: الثأْر. لسان العرب، ج١١، ص٢٥٦.
الحديث: ٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٨٩

وخطبت أمّ كلثوم بنت عليّ (عليه السلام) في ذلك اليوم من وراء كلّتها ١ ، رافعة صوتها بالبكاء، فقالت: يا أهل الكوفة، سوأة لكم، ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه، وانتهبتم أمواله وورثتموه، وسبيتم نساءه ونكبتموه، فتبّاً لكم وسحقاً، ويلكم، أ تدرون أيّ دواه دهتكم؟ وأيّ وزر على ظهوركم حملتم؟ وأيّ دماء سفكتموها؟ وأيّ كريمة أصبتموها؟ وأيّ صبيّة سلبتموها؟ وأيّ أموال انتهبتموها؟ قتلتم خير رجالات بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله)، ونزعت الرحمة من قلوبكم، ألا إنّ حزب الله هم الفائزون، و﴿حِزبَ الشَّيطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ﴾

فضجّ الناس بالبكاء، والحنين والنوح، ونشر النساء شعورهنّ ووضعن التراب على رؤوسهنّ، وخمشن وجوههنّ، وضربن خدودهنّ، ودعون بالويل والثبور وبكى الرجال، فلم ير باكية وباكٍ أكثر من ذلك اليوم.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١١٢
(١) «الكِلّة»: الستر الرقيق يُخاط. لسان العرب، ج١١، ص٥٩٥.
الحديث: ٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٩٠

ثمّ إنّ زين العابدين (عليه السلام) أومأ إلى الناس أن اسكتوا، فسكتوا، فقام قائماً فحمد الله وأثنى عليه، وذكر النبيّ وصلّى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، أنا ابن المذبوح بشطّ الفرات، من غير ذحل ولا ترات، أنا ابن من انتهك حريمه، وسلب نعيمه، وانتهب ماله، وسبي عياله، أنا ابن من قتل صبراً، وكفى بذلك فخراً.

أيّها الناس، ناشدتكم بالله، هل تعلمون أنّكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة، وقاتلتموه وخذلتموه؟ فتبّاً لما قدّمتم لأنفسكم وسوأة لرأيكم، بأيّة عين تنظرون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ يقول لكم: «قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي، فلستم من أمّتي»؟

فارتفعت أصوات الناس من كلّ ناحية، ويقول بعضهم لبعض: هلكتم وما تعلمون، فقال (عليه السلام): رحم الله امرأ قبل نصيحتي، وحفظ وصيّتي في الله وفي رسوله وأهل بيته، فإنّ لنا في رسول الله أسوة حسنة، فقالوا بأجمعهم: نحن كلّنا يا بن رسول الله، سامعون مطيعون حافظون لذمامك، غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك، فمرنا بأمرك يرحمك الله، فأنا حرب لحربك وسلم لسلمك، لنأخذنّ يزيد ونبرأ ممّن ظلمك وظلمنا.

فقال (عليه السلام): هيهات هيهات، أيّها الغدرة المكرة، حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم، أ تريدون أن تأتوا إليّ كما أتيتم إلى آبائي من قبل؟ كلّا، وربّ الراقصات، فإنّ الجرح لمّا يندمل، قتل أبي (عليه السلام) بالأمس وأهل بيته معه، ولم ينسني ثكل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وثكل أبي وبني أبي، ووجده بين لهاتي، ومرارته بين حناجري وحلقي، وغصصه يجري في فراش صدري ومسألتي أن لا تكونوا لنا ولا علينا … .

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١١٢-١١٤
الحديث: ٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٩١

قال مسلم الجصّاص: دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة بالكوفة، فبينما أنا أجصّص الأبواب وإذا أنا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة، فأقبلت على خادم كان معنا فقلت: ما لي أرى الكوفة تضجّ؟ قال: الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد، فقلت: من هذا الخارجي؟ فقال: الحسين بن عليّ (عليه السلام).

فتركت الخادم حتّى خرج، ولطمت وجهي حتّى خشيت على عيني أن يذهب، وغسلت يدي من الجصّ، وخرجت من ظهر القصر، وأتيت إلى الكناس، فبينما أنا واقف والناس يتوقّعون وصول السبايا والرؤوس، إذ قد أقبلت نحو أربعين شقّة، تحمل على أربعين جملاً، فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة (عليها السلام)، وإذا بعليّ بن الحسين (عليه السلام) على بعير بغير وطاء، وأوداجه تشخب دماً، وهو مع ذلك يبكي ١ .

/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٤
(١) قد رأی العلّامة المجلسي (رحمة الله عليه) هذه الروایة وما تلیها في بعض الكتب المعتبرة.
الحديث: ٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٩٢

وصار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز، فصاحت بهم أمّ كلثوم، وقالت: يا أهل الكوفة، إنّ الصدقة علينا حرام، وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلى الأرض كلّ ذلك، والناس يبكون على ما أصابهم.

ثمّ إنّ أمّ كلثوم أطلعت رأسها من المحمل، وقالت لهم: صه يا أهل الكوفة، تقتلنا رجالكم، وتبكينا نساؤكم؟ فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء، فبينما هي تخاطبهنّ إذا بضجّة قد ارتفعت، فإذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين (عليه السلام) وهو رأس زهري قمري أشبه الخلق برسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولحيته كسواد السبج ١ قد انتصل منها الخضاب، ووجهه دارة قمر طالع والرمح تلعب بها يميناً وشمالاً.

فالتفتت زينب فرأت رأس أخيها، فنطحت جبينها بمقدّم المحمل، حتّى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها، وأومأت إليه بخرقة وجعلت تقول:

يا هلالاً لمّا استتمّ كمالاً
غاله خسفه فأبدا غروباً

ما توهّمت يا شقيق فؤادي
كان هذا مقدّراً مكتوباً

يا أخي، فاطم الصغيرة كلّمها
فقد كاد قلبها أن يذوبا

يا أخي، قلبك الشفيق علينا
ما له قد قسى وصار صليباً

يا أخي، لو ترى عليّاً لدى الأسر
مع اليتم لا يطيق وجوباً

كلّما أوجعوه بالضرب ناداك
بذلّ يغيض دمعاً سكوباً

يا أخي، ضمّه إليك وقرّبه
وسكّن فؤاده المرعوبا

ما أذلّ اليتيم حين ينادي
بأبيه ولا يراه مجيباً ٢

/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١١٤-١١٥
(١) «السَبَج»: خَرَز أَسود. لسان العرب، ج٢، ص٢٩٤.
(٢) رأی العلّامة المجلسي (رحمة الله عليه) هذه الحكایة في بعض الكتب المعتبرة ولم یسمّه.
الحديث: ٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٩٣

ثمّ إنّ ابن زياد جلس في القصر للناس، وأذن إذناً عامّاً وجيء برأس الحسين (عليه السلام) فوضع بين يديه، وأدخل نساء الحسين (عليه السلام) وصبيانه إليه، فجلست زينب بنت عليّ (عليه السلام) متنكّرة، فسأل عنها فقيل: هذه زينب بنت عليّ، فأقبل عليها، فقال: الحمد لله الذي فضحكم، وأكذب أحدوثتكم، فقالت: إنّما يفتضح الفاسق، ويكذب الفاجر، وهو غيرنا.

فقال ابن زياد: كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟ فقالت: ما رأيت إلّا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّ وتخاصم، فانظر لمن الفلج ١ يومئذٍ، ثكلتك أمّك يا بن مرجانة، فغضب وكأنّه همّ بها، فقال له عمرو بن حريث: إنّها امرأة، والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها، فقال لها ابن زياد: لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين، والعصاة المردة من أهل بيتك.

فقالت: لعمري، لقد قتلت كهلي، وقطعت فرعي، واجتثثت أصلي، فإن كان هذا شفاؤك فقد اشتفيت، فقال ابن زياد: هذه سجّاعة، ولعمري، لقد كان أبوك سجّاعاً شاعراً، فقالت: يا بن زياد، ما للمرأة والسجاعة.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١١٥-١١٦
(١) «الفَلْج»: الظفر والفوز. لسان العرب، ج٢، ص٣٤٧.
الحديث: ٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٩٤

قالت زینب (عليه السلام): وإنّ لي عن السجاعة لشغلاً، وإنّي لأعجب ممّن يشتفي بقتل أئمّته، ويعلم أنّهم منتقمون منه في آخرته.

المصدر الأصلي: مثير الأحزان
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١١٦
الحديث: ١۰
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٩٥

فوضع الرأس بين يدي ابن زیاد، ينظر إليه ويتبسّم وبيده قضيب يضرب به ثناياه، وكان إلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهوشيخ كبير، فلمّا رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال: ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين، فوالله الذي لا إله إلّا هو، لقد رأيت شفتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليهما ما لا أحصيه يقبّلهما، ثمّ انتحب باكياً، فقال له ابن زياد: أبكى الله عينيك، أ تبكي لفتح الله؟ والله، لولا أنّك شيخ كبير قد خرفت وذهب عقلك، لضربت عنقك، فنهض زيد بن أرقم من بين يديه وصار إلى منزله.

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١١٦
الحديث: ١١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٩٦

ثمّ رفع زيد صوته يبكي وخرج، وهويقول: ملك عبد حرّاً، أنتم يا معشر العرب، العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة (عليها السلام) وأمّرتم ابن مرجانة، حتّى يقتل خياركم ويستعبد أشراركم، رضيتم بالذلّ، فبعداً لمن رضي.

المصدر الأصلي: تسلية المجالس
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١١٧
الحديث: ١٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٩٧

ثمّ التفت ابن زياد إلى عليّ بن الحسين (عليها السلام) فقال: من هذا؟ فقيل: عليّ بن الحسين، فقال: أ ليس قد قتل الله عليّ بن الحسين؟ فقال عليّ (عليه السلام): قد كان لي أخ يسمى عليّ بن الحسين، قتله الناس، فقال: بل الله قتله، فقال عليّ (عليه السلام): ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوتِهَا وَالَّتِي لَم تَمُت فِي مَنَامِهَا﴾، فقال ابن زياد: ولك جرأة على جوابي؟ اذهبوا به فاضربوا عنقه، فسمعت عمّته زينب، فقالت: يا بن زياد، إنّك لم تبق منّا أحداً، فان عزمت على قتله فاقتلني معه.

المصدر الأصلي: اللهوف، مثير الأحزان
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١١٧
الحديث: ١٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٩٨

تعلّقت بعليّ بن الحسین (عليه السلام) زينب عمّته، وقالت: يا بن زياد، حسبك من دمائنا، واعتنقته وقالت: والله، لا أفارقه، فإن قتلته فاقتلني معه، فنظر ابن زياد إليها وإليه ساعة، ثمّ قال: عجباً للرحم! والله، إنّي لأظنّها ودّت أنّي قتلتها معه، دعوه، فإنّي أراه لما به.

المصدر الأصلي: الإرشاد، مثير الأحزان
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١١٧-١١٨
الحديث: ١٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٩٩

فقال عليّ بن الحسین (عليه السلام) لعمّته: اسكتي يا عمّة حتّى أكلّمه، ثمّ أقبل (عليه السلام) فقال: أ بالقتل تهدّدني يا بن زياد؟ أ ما علمت أنّ القتل لنا عادة، وكرامتنا الشهادة؟ ثمّ أمر ابن زياد بعليّ بن الحسين (عليه السلام) وأهله، فحملوا إلى دار إلى جنب المسجد الأعظم، فقالت زينب بنت عليّ (عليه السلام): لا يدخلنّ علينا عربية إلّا أمّ ولد أو مملوكة، فإنّهنّ سبين وقد سبينا.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١١٨
الحديث: ١٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٠٠

قال أنس بن مالك: شهدت عبيد الله بن زياد وهو ينكت بقضيب على أسنان الحسين (عليه السلام)، ويقول: إنّه كان حسن الثغر، فقلت: أمَ والله، لأسوءنّك، لقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقبّل موضع قضيبك من فيه.

المصدر الأصلي: مثير الأحزان
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١١٨
الحديث: ١٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٠١

ولمّا أصبح عبيد الله بن زياد بعث برأس الحسين (عليه السلام) فدير به في سكك الكوفة وقبائلها، فروي عن زيد بن أرقم: أنّه مرّ به عليّ وهو على رمح، وأنا في غرفة لي، فلمّا حاذاني سمعته يقرأ: ﴿أَم حَسِبتَ أَنَّ أَصحَابَ الكَهفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِن آيَاتِنَا عَجَبًا﴾، فقف _ والله _ شعري عليّ، وناديت: رأسك يا بن رسول الله، أعجب وأعجب.

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٢١
الحديث: ١٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٠٢

وقال شهر بن حوشب: بينما أنا عند أمّ سلمة، إذ دخلت صارخة تصرخ وقالت: قتل الحسين (عليه السلام)، قالت أمّ سلمة: فعلوها، ملأ الله قبورهم ناراً.

المصدر الأصلي: مثير الأحزان
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٢٤
الحديث: ١٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٠٣

وأمّا يزيد بن معاوية فإنّه لمّا وصل كتاب عبيد الله ووقف عليه، أعاد الجواب إليه يأمره فيه بحمل رأس الحسين (عليه السلام) ورؤوس من قتل معه، وحمل أثقاله ونسائه وعياله، فاستدعى ابن زياد بمخفر بن ثعلبة العائذي فسلّم إليه الرؤوس والنساء، فسار بهم إلى الشام كما يسار سبايا الكفّار، يتصفّح وجوههنّ أهل الأقطار.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٢٤
الحديث: ١٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٠٤

ذكر أبو مخنف: أنّ عمر بن سعد لمّا دفع الرأس إلى خولي الأصبحي _ لعنهما الله _ ليحمله إلى ابن زياد _ عليه اللعنة _ أقبل به خولي ليلاً فوجد باب القصر مغلقاً، فأتى به منزله، وله امرأتان امرأة من بني أسد، وأخرى حضرمية يقال لها النوار، فآوى إلى فراشها، فقالت له: ما الخبر؟ فقال: جئتك بالذهب، هذا رأس الحسين معك في الدار.

فقالت: ويلك، جاء الناس بالذهب والفضّة، وجئت برأس ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والله، لا يجمع رأسي ورأسك وسادة أبداً، قالت: فقمت من فراشي فخرجت إلى الدار، ودعا الأسدية فأدخلها عليه، فما زالت _ والله _ أنظر إلى نور مثل العمود يسطع من الإجانة التي فيها رأس الحسين (عليه السلام) إلى السماء، ورأيت طيوراً بيضاً ترفرف حولها وحول الرأس.

المصدر الأصلي: الكامل لابن الأثیر، المناقب، مثير الأحزان
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٢٥
الحديث: ٢۰
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٠٥

وسار القوم برأس الحسين (عليه السلام) ونسائه والأسرى من رجاله، فلمّا قربوا من دمشق دنت أمّ كلثوم من شمر _ وكان في جملتهم _ فقالت: لي إليك حاجة، فقال: ما حاجتك؟ فقالت: إذا دخلت بنا البلد، فاحملنا في درب قليل النظّارة، وتقدّم إليهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل، وينحّونا عنها، فقد خزينا من كثرة النظر إلينا ونحن في هذه الحال.

فأمر في جواب سؤالها أن يجعل الرؤوس على الرماح في أوساط المحامل، بغياً منه وكفراً، وسلك بهم بين النظّارة على تلك الصفّة، حتّى أتى بهم باب دمشق، فوقفوا على درج باب المسجد الجامع حيث يقام السبي.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٢٧
الحديث: ٢١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٠٦

قال سهل بن سعد: فبينا أنا كذلك، حتّى رأيت الرايات يتلو بعضها بعضاً، فإذا نحن بفارس بيده لواء منزوع السنان، عليه رأس من أشبه الناس وجهاً برسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإذا أنا من ورائه رأيت نسوة على جمال بغير وطاء، فدنوت من أولاهم، فقلت: يا جارية، من أنت؟ فقالت: أنا سكينة بنت الحسين (عليه السلام)، فقلت لها: أ لك حاجة إليّ؟ فأنا سهل بن سعد ممّن رأى جدّك وسمعت حديثه، قالت: يا سعد، قل لصاحب هذا الرأس أن يقدّم الرأس أمامنا حتّى يشتغل الناس بالنظر إليه، ولا ينظروا إلى حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله).

المصدر الأصلي: المناقب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٢٨
الحديث: ٢٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٠٧

فروي أنّ بعض فضلاء التابعين، لمّا شهد برأس الحسين (عليه السلام) بالشام أخفى نفسه شهراً من جميع أصحابه، فلمّا وجدوه بعد إذ فقدوه سألوه عن سبب ذلك، فقال: أ لا ترون ما نزل بنا؟ ثمّ أنشأ يقول:

جاءوا برأسك يا ابن بنت محمّد
قتلوا جهاراً عامدين رسولاً

قتلوك عطشاناً ولمّا يرقبوا
في قتلك التأويل والتنزيلا

ويكبّرون بأن قتلت وإنّما
قتلوا بك التكبير والتهليلا

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٢٩
الحديث: ٢٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٠٨

وجاء شيخ فدنا من نساء الحسين (عليه السلام) وعياله، وهم أقيموا على درج باب المسجد، فقال: الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم، وأراح البلاد من رجالكم وأمكن أمير المؤمنين منكم.

فقال له عليّ بن الحسين (عليه السلام): يا شيخ، هل قرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: فهل عرفت هذه الآية: ﴿قُل لَّا أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجرًا إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُربَى﴾؟ قال الشيخ: قد قرأت ذلك، فقال له عليّ بن الحسین (عليه السلام): فنحن القربى يا شيخ.

فهل قرأت هذه الآية: ﴿وَاعلَمُوا أَنَّمَا غَنِمتُم مِّن شَيءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُربَى﴾؟ قال: نعم، قال عليّ بن الحسین (عليه السلام): فنحن القربى يا شيخ.

وهل قرأت هذه الآية: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا﴾؟ قال الشيخ: قد قرأت ذلك، قال عليّ بن الحسین (عليه السلام): فنحن أهل البيت الذين خصّصنا بآية الطهارة، ياشيخ.

فبقي الشيخ ساكتاً نادماً على ما تكلّم به، وقال: بالله، إنّكم هم؟ فقال عليّ بن الحسين (عليه السلام): تالله، إنّا لنحن هم من غير شكّ، وحقّ جدّنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنّا لنحن هم.

فبكى الشيخ ورمى عمامته، ورفع رأسه إلى السماء وقال: اللّهمّ، إنّي أبرأ إليك من عدوّ آل محمّد (عليهم السلام) من جنّ وإنس، ثمّ قال: هل لي من توبة؟ فقال (عليه السلام) له: نعم، إن تبت تاب الله عليك وأنت معنا، فقال: أنا تائب.

فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ فأمر به فقتل.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٢٩
الحديث: ٢٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٠٩

ثمّ أدخل ثقل الحسين (عليه السلام) ونساؤه ومن تخلّف من أهله على يزيد وهم مقرّنون في الحبال، فلمّا وقفوا بين يديه وهم على تلك الحال، قال له عليّ بن الحسين (عليه السلام): أنشدك الله يا يزيد، ما ظنّك برسول الله (صلى الله عليه وآله) لو رآنا على هذه الحالة؟ فأمر يزيد بالحبال فقطّعت، ثمّ وضع رأس الحسين (عليه السلام) بين يديه وأجلس النساء خلفه لئلّا ينظرن إليه، فرآه عليّ بن الحسين (عليه السلام)، فلم يأكل الرؤوس بعد ذلك أبداً.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٣١-١٣٢
الحديث: ٢٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧١٠

قالت فاطمة بنت الحسين (عليه السلام): يا يزيد، بنات رسول الله سبايا؟ فبكى الناس وبكى أهل داره حتّى علت الأصوات، فقال عليّ بن الحسين (عليه السلام): فقلت وأنا مغلول: أ تأذن لي في الكلام؟ فقال: قل، ولا تقل هجراً؟ فقال: لقد وقفت موقفاً لا ينبغي لمثلي أن يقول الهجر، ما ظنّك برسول الله (صلى الله عليه وآله) لو رآني في الغلّ؟ فقال لمن حوله: حلّوه.

المصدر الأصلي: مثير الأحزان
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٣٢
الحديث: ٢٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧١١

وأمّا زينب، فإنّها لمّا رأته أهوت إلى جيبها فشقّته، ثمّ نادت بصوت حزين تفزع القلوب: يا حسيناه، يا حبيب رسول الله، يا بن مكّة ومنى، يا بن فاطمة الزهراء سيّدة النساء، يا بن بنت المصطفى، فأبكت _ والله _ كلّ من كان في المجلس، ويزيد ساكت.

ثمّ جعلت امرأة من بني هاشم في دار يزيد تندب على الحسين (عليه السلام) وتنادي: وا حبيباه، يا سيّد أهل بيتاه، يا بن محمّداه، يا ربيع الأرامل واليتامى، يا قتيل أولاد الأدعياء، فأبكت كلّ من سمعها.

ثمّ دعا يزيد بقضيب خيزران، فجعل ينكت به ثنايا الحسين (عليه السلام)، فأقبل عليه أبو برزة الأسلمي وقال: ويحك يا يزيد، أ تنكت بقضيبك ثغر الحسين بن فاطمة (عليه السلام)؟ أشهد لقد رأيت النبيّ (صلى الله عليه وآله) يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن (عليه السلام) ويقول: أنتما سيّدا شباب أهل الجنّة، فقتل الله قاتلكما ولعنه وأعدّ له جهنّم ﴿وَسَاءت مَصِيرًا﴾.

قال: فغضب يزيد وأمر بإخراجه، فأخرج سحباً قال: فجعل يزيد يتمثّل بأبيات ابن الزبعرى:

ليت أشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الأسل

فأهلّوا واستهلّوا فرحاً
ثمّ قالوا يا يزيد لا تشل‏

المصدر الأصلي: مثير الأحزان
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٣٢-١٣٣
الحديث: ٢٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧١٢

فقامت زينب بنت عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فقالت: الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على رسوله وآله أجمعين، صدق الله كذلك يقول: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَستَهزِؤُون﴾.

أ ظننت يا يزيد، حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى، أنّ بنا على الله هواناً وبك عليه كرامة؟ وأنّ ذلك لعظم خطرك عنده؟ فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك، جذلان مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأمور متّسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا.

مهلاً مهلاً، أ نسيت قول الله تعالی: ﴿وَلاَ يَحسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُملِي لَهُم خَيرٌ لِّأَنفُسِهِم إِنَّمَا نُملِي لَهُم لِيَزدَادُوا إِثمًا وَلَهمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾.

أ من العدل _ يا بن الطلقاء _ تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبايا؟ قد هتكت ستورهنّ، وأبديت وجوههنّ، تحدو بهنّ الأعداء من بلد إلى بلد، ويستشرفهنّ أهل المناهل والمناقل، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد، والدنيّ والشريف، ليس معهنّ من رجالهنّ وليّ، ولا من حماتهنّ حميّ؟

وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء، ونبت لحمه بدماء الشهداء؟ وكيف يستبطئ في بغضنا _ أهل البيت _ من نظر إلينا بالشنف والشنآن، والإحن والأضغان؟ ثمّ تقول غير متأثّم ولا مستعظم:

وأهلّوا واستهلّوا فرحاً
ثمّ قالوا يا يزيد لا تشل

منتحياً على ثنايا أبي عبد الله (عليه السلام) سيّد شباب أهل الجنّة، تنكتها بمخصرتك، وكيف لا تقول ذلك؟ وقد نكأت القرحة واستأصلت الشأفة بإراقتك دماء ذرّيّة محمّد (صلى الله عليه وآله) ونجوم الأرض من آل عبد المطّلب، وتهتف بأشياخك، زعمت أنّك تناديهم، فلتردنّ وشيكاً موردهم، ولتودّنّ أنّك شللت وبكمت، ولم يكن قلت ما قلت، وفعلت ما فعلت.

اللّهمّ خذ بحقّنا، وانتقم من ظالمنا، وأحلل غضبك بمن سفك دماءنا وقتل حماتنا، فوالله، ما فريت إلّا جلدك، ولاجززت إلّا لحمك، ولتردنّ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما تحمّلت من سفك دماء ذرّيّته، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته، حيث يجمع الله شملهم ويلمّ شعثهم، ويأخذ بحقّهم: ﴿وَلاَ تَحسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَموَاتًا بَل أَحيَاء عِندَ رَبِّهِم يُرزَقُونَ﴾، حسبك بالله حاكماً، وبمحمّد (صلى الله عليه وآله) خصيماً، وبجبرئيل ظهيراً، وسيعلم من سوّى لك ومكّنك من رقاب المسلمين، ﴿بِئسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾، وأيّكم ﴿شرّ مكاناً وأضعف جنداً﴾؟ ولئن جرّت علي الدواهي مخاطبتك، إنّي لاستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، وأستكبر توبيخك، لكنّ العيون عبرى، والصدور حرّى.

ألا فالعجب كلّ العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا، والأفواه تتحلّب من لحومنا، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل وتعفوها أمّهات الفراعل ولئن اتّخذتنا مغنماً، لتجدنا وشيكاً مغرماً، حين لا تجد إلّاما قدّمت: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلعَبِيدِ﴾؛ فإلى الله المشتكى، وعليه المعوّل.

فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله، لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارهاً، وهل رأيك إلّا فند، وأيّامك إلّا عدد، وجمعك إلّا بدد؟ يوم يناد المناد: ﴿أَلاَ لَعنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾، فالحمد لله الذي ختم لأوّلنا بالسعادة، ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد، ويحسن علينا الخلافة، إنّه رحیم ودود و﴿حَسبُنَا اللَّهُ وَنِعمَ الوَكِيلُ﴾.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٣٣-١٣٥
الحديث: ٢٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧١٣

فقال عليّ بن الحسين (عليه السلام): يا بن معاوية وهند وصخر، لم تزل النبوّة والإمرة لآبائي وأجدادي من قبل أن تولد، ولقد كان جدّي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في يوم بدر وأحد والأحزاب في يده راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبوك وجدّك في أيديهما رايات الكفّار، ثمّ جعل عليّ بن الحسين (عليه السلام) يقول:

ما ذا تقولون إذ قال النبيّ لكم
ما ذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي عند مفتقدي
منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم

ثمّ قال عليّ بن الحسين (عليه السلام): ويلك يا يزيد، إنّك لو تدري ماذا صنعت، وما الذي ارتكبت من أبي وأهل بيتي وأخي وعمومتي إذاً لهربت في الجبال، وافترشت الرماد، ودعوت بالويل والثبور، أن يكون رأس أبي الحسين بن فاطمة وعليّ (عليهم السلام) منصوباً على باب مدينتكم، وهو وديعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيكم، فأبشر بالخزي والندامة غداً، إذا جمع الناس ليوم القيامة.

المصدر الأصلي: المناقب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٣٥-١٣٦
الحديث: ٢٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧١٤

فقالت فاطمة بنت الحسين (عليه السلام): ولمّا جلسنا بين يدي يزيد رقّ لنا، فقام إليه رجل من أهل الشام أحمر، فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه الجارية _ يعنيني _ وكنت جارية وضيئة، فأرعدت وظننت أنّ ذلك جائز لهم، فأخذت بثياب عمّتي زينب (عليها السلام)، وكانت تعلم أنّ ذلك لا يكون …

فقالت عمّتي للشامي: كذبت _ والله _ ولؤمت، والله، ما ذلك لك ولا له، فغضب يزيد وقال: كذبت، والله، إنّ ذلك لي ولو شئت أن أفعل لفعلت، قالت: كلّا، والله، ما جعل الله لك ذلك إلّا أن تخرج من ملّتنا، وتدين بغيرها، فاستطار يزيد غضباً وقال: إيّاي تستقبلين بهذا؟ إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك، قالت زينب: بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وأبوك وجدّك إن كنت مسلماً، قال: كذبت يا عدوّة الله، قالت له: أنت أمير، تشتم ظالماً وتقهر لسلطانك، فكأنّه استحيا وسكت، وعاد الشامي فقال: هب لي هذه الجارية فقال له يزيد: اعزب، وهب الله لك حتفاً قاضياً.

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٣٦
الحديث: ٣۰
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧١٥

روي أن يزيد لعنه الله أمر بمنبر وخطيب، ليخبر الناس بمساوي الحسين وعليّ (عليهما السلام) وما فعلا، فصعد الخطيب المنبر، فحمدالله وأثنى عليه، ثمّ أكثر الوقيعة في عليّ والحسين (عليهما السلام)، وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد _ لعنهما الله _ فذكرهما بكلّ جميل، فصاح به عليّ بن الحسين (عليه السلام): ويلك أيّها الخاطب، اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق، فتبّوأ مقعدك من النار.

ثمّ قال عليّ بن الحسين (عليه السلام): يا يزيد، ائذن لي حتّى أصعد هذه الأعواد فأتكلّم بكلمات لله فيهنّ رضاً، ولهؤلاء الجلساء فيهنّ أجر وثواب، فأبى يزيد عليه ذلك. فقال الناس: يا أمير المؤمنين، ائذن له فليصعد المنبر فلعلّنا نسمع منه شيئاً، فقال: إنّه إن صعد لم ينزل إلّا بفضيحتي وبفضيحة آل أبي سفيان، فقيل له: يا أمير المؤمنين، وما قدر ما يحسن هذا؟ فقال: إنّه من أهل بيت قد زقّوا العلم زقّاً، فلم يزالوا به حتّى أذن له.

فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ خطب خطبة أبكى منها العيون، وأوجل منها القلوب، ثمّ قال: أيّها الناس، أعطينا ستّاً وفضّلنا بسبع: أعطينا العلم، والحلم، والسماحة، والفصاحة، والشجاعة، والمحبّة في قلوب المؤمنين، وفضّلنا بأنّ منّا النبيّ المختارمحمّداً، ومنّا الصدّيق، ومنّا الطيّار، ومنّا أسد الله وأسد رسوله، ومنّا سبطا هذه الأمّة، من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي.

أيّها الناس، أنا ابن مكّة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى، أنا ابن خير من انتعل واحتفى، أنا ابن خير من طاف وسعى، أنا ابن خير من حجّ ولبّى، أنا ابن من حمل على البراق في الهوا، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أنا ابن من بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى، أنا ابن من ﴿دَنَا فَتَدَلَّى ۞ فَكَانَ قَابَ قَوسَينِ أَو أَدنَى﴾، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن محمّد المصطفى.

أنا ابن عليّ المرتضى، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتّى قالوا: لا إله إلا الله، أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسيفين، وطعن برمحين، وهاجر الهجرتين، وبايع البيعتين، وقاتل ببدر وحنين، ولم يكفر بالله طرفة عين، أنا ابن ﴿صَالِحُ المُؤمِنِينَ﴾، ووراث النبيّين، وقامع الملحدين، ويعسوب المسلمين، ونور المجاهدين، وزين العابدين، وتاج البكّائين، وأصبر الصابرين، وأفضل القائمين من آل ياسين رسول ربّ العالمين.

أنا ابن المؤيّد بجبرئيل، المنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين، وقاتل المارقين والناكثين والقاسطين، والمجاهد أعداءه الناصبين، وأفخر من مشى من قريش أجمعين، وأوّل من أجاب واستجاب لله ولرسوله من المؤمنين، وأوّل السابقين، وقاصم المعتدين، ومبيد المشركين، وسهم من مرامي الله على المنافقين، ولسان حكمة العابدين، وناصر دين الله، ووليّ أمر الله، وبستان حكمة الله، وعيبة علمه.

سمح، سخيّ، بهيّ، بهلول، زكيّ، أبطحي، رضيّ، مقدام، همّام، صابر صوّام، مهذّب، قوّام، قاطع الأصلاب، ومفرّق الأحزاب، أربطهم عناناً، وأثبتهم جناناً، وأمضاهم عزيمة، وأشدّهم شكيمة، أسد باسل، يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنّة، وقربت الأعنّة طحن الرّحا، ويذروهم فيها ذرو الريح الهشيم، ليث الحجاز، وكبش العراق، مكّي، مدني، خيفي، عقبي، بدري، أحدي، شجري، مهاجري، من العرب سيّدها، ومن الوغى ليثها، وارث المشعرين وأبو السبطين: الحسن والحسين (عليهما السلام)، ذاك جدّي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).

ثمّ قال: أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيّدة النساء، فلم يزل يقول: أنا أنا، حتّى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب، وخشي يزيد لعنه الله أن يكون فتنة، فأمر المؤذّن فقطع عليه الكلام.

فلمّا قال المؤذّن: الله أكبر، الله أكبر، قال عليّ (عليه السلام): لا شيء أكبر من الله.

فلمّا قال: أشهد أن لا إله إلّا الله، قال عليّ بن الحسين (عليه السلام): شهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي.

فلمّا قال المؤذّن: أشهد أنّ محمّداً (صلى الله عليه وآله) رسول الله، التفت من فوق المنبر إلى يزيد، فقال: محمّد (صلى الله عليه وآله) هذا جدّي أم جدّك يا يزيد؟ فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت وكفرت، وإن زعمت أنّه جدّي فلم قتلت عترته؟ وفرغ المؤذّن من الأذان والإقامة وتقدّم يزيد، فصلّى صلاة الظهر.

المصدر الأصلي: المناقب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٣٧-١٣٩
الحديث: ٣١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧١٦

قالت فاطمة بنت عليّ بن الحسین (عليه السلام): ثمّ إنّ يزيد لعنه الله أمر بنساء الحسين (عليه السلام)، فحبسن مع عليّ بن الحسين (عليه السلام) في محبس لا يكنّهم من حرّ ولا قرّ، حتّى تقشّرت وجوههم، ولم يرفع ببيت المقدس حجر على وجه الأرض إلّا وجد تحته دم عبيط، وأبصر الناس الشمس على الحيطان حمراء كأنّها الملاحف المعصفرة، إلى أن خرج عليّ بن الحسين (عليه السلام) بالنسوة، وردّ رأس الحسين (عليه السلام) إلى كربلاء.

المصدر الأصلي: الأمالي للصدوق
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٤۰
الحديث: ٣٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧١٧

ورأت سكينة في منامها _ وهي بدمشق _ كأنّ خمسة نجب من نور قد أقبلت وعلى كلّ نجيب شيخ، والملائكة محدقة بهم، ومعهم وصيف يمشي فمضى النجب وأقبل الوصيف إليّ وقرب منّي، وقال: يا سكينة، إنّ جدّك يسلّم عليك، فقلت: وعلى رسول الله السلام، يا رسول الله، من أنت؟ قال: وصيف من وصائف الجنّة، فقلت: من هؤلاء المشيخة الذين جاءوا على النجب؟ قال: الأوّل: آدم صفوة الله، والثاني: إبراهيم خليل الله، والثالث: موسى كليم الله، والرابع: عيسى روح الله (عليهم السلام). فقلت: من هذا القابض على لحيته يسقط مرّة ويقوم أخرى؟ فقال: جدّك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلت: وأين هم قاصدون؟ قال: إلى أبيك الحسين (عليه السلام) فأقبلت أسعى في طلبه، لأعرّفه ما صنع بنا الظالمون بعده.

فبينما أنا كذلك، إذ أقبلت خمسة هوادج من نور، في كلّ هودج امرأة، فقلت: من هذه النسوة المقبلات؟ قال: الأولى: حوّاء أمّ البشر، الثانية: آسية بنت مزاحم، والثالثة: مريم ابنة عمران، والرابعة: خديجة بنت خويلد، فقلت: من الخامسة الواضعة يدها على رأسها، تسقط مرّة وتقوم أخرى؟ فقال: جدّتك فاطمة بنت محمّد أمّ أبيك (عليها السلام).

فقلت: والله، لأخبرنّها ما صنع بنا، فلحقتها ووقفت بين يديها أبكي وأقول: يا أمّتاه، جحدوا _ والله _ حقّنا، يا أمّتاه، بدّدوا _ والله _ شملنا، يا أمّتاه، استباحوا _ والله _ حريمنا، يا أمّتاه، قتلوا _ والله _ الحسين أبانا.

فقالت: كفّي صوتك، يا سكينة، فقد أحرقت كبدي، وقطّعت نياط قلبي هذا قميص أبيك الحسين (عليه السلام) معي لا يفارقني حتّى ألقى الله به، ثمّ انتبهت وأردت كتمان ذلك المنام وحدّثت به أهلي، فشاع بين الناس.

المصدر الأصلي: مثير الأحزان
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٤۰-١٤١
الحديث: ٣٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧١٨

قال زين العابدين (عليه السلام): لمّا أتي برأس الحسين (عليه السلام) إلى يزيد، كان يتّخذ مجالس الشراب ويأتي برأس الحسين (عليه السلام) ويضعه بين يديه، ويشرب عليه، فحضر في مجلسه ذات يوم رسول ملك الروم، وكان من أشراف الروم وعظمائهم، فقال: يا ملك العرب، هذا رأس من؟ فقال له يزيد: ما لك ولهذا الرأس؟ فقال: إنّي إذا رجعت إلى ملكنا يسألني عن كلّ شيء رأيته، فأحببت أن أخبره بقصّة هذا الرأس وصاحبه حتّى يشاركك في الفرح والسرور، فقال له يزيد: هذا رأس الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال الرومي: ومن أمّه؟ فقال: فاطمة بنت رسول الله (عليها السلام).

فقال النصراني: أفّ لك ولدينك، لي دين أحسن من دينك، إنّ أبي من حوافد داود (عليه السلام) وبيني وبينه آباء كثيرة، والنصارى يعظّموني ويأخذون من تراب قدميّ تبرّكاً بأبي من حوافد داود (عليه السلام)، وأنتم تقتلون ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما بينه وبين نبيّكم إلّا أمّ واحدة؟ فأيّ دين دينكم؟

ثمّ قال ليزيد: هل سمعت حديث كنيسة الحافر؟ … وفي تلك البلدة كنائس كثيرة أعظمها كنيسة الحافر في محرابها حقّة ذهب معلّقة، فيها حافر يقولون: إنّ هذا حافر حمار كان يركبه عيسى (عليه السلام)، وقد زيّنوا حول الحقّة بالذهب والديباج، يقصدها في كلّ عام عالم من النصارى، ويطوفون حولها ويقبّلونها ويرفعون حوائجهم إلى الله تعالی .

هذا شأنهم ودأبهم بحافر حمار، يزعمون أنّه حافر حمار كان يركبه عيسى (عليه السلام) نبيّهم، وأنتم تقتلون ابن بنت نبيّكم؟ فلا بارك الله تعالی فيكم ولا في دينكم، فقال يزيد: اقتلوا هذا النصراني، لئلّا يفضحني في بلاده، فلمّا أحسّ النصراني بذلك قال له: تريد أن تقتلني؟ قال: نعم.

قال: اعلم أنّي رأيت البارحة نبيّكم في المنام يقول لي: يا نصراني، أنت من أهل الجنّة، فتعجّبت من كلامه، وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً (صلى الله عليه وآله) رسول الله، ثمّ وثب إلى رأس الحسين (عليه السلام) فضمّه إلى صدره، وجعل يقبّله ويبكي حتّى قتل.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٤١-١٤٢
الحديث: ٣٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧١٩

قال يزيد لعنه الله لعليّ بن الحسين (عليه السلام): اذكر حاجاتك الثلاث اللاتي وعدتك بقضائهنّ.

فقال (عليه السلام): الأولى: أن تريني وجه سيّدي وأبي ومولاي الحسين (عليه السلام) فأتزوّد منه، وأنظر إليه وأودّعه، والثانية: أن تردّ علينا ما أخذ منّا، والثالثة: إن كنت عزمت على قتلي أن توجّه مع هؤلاء النسوة من يردّهنّ إلى حرم جدّهنّ (صلى الله عليه وآله).

فقال: أمّا وجه أبيك فلن تراه أبداً، وأمّا قتلك فقد عفوت عنك، وأمّا النساء فما يؤدّيهنّ إلى المدينة غيرك، وأمّا ما أخذ منكم فأنا أعوّضكم عنه أضعاف قيمته، فقال (عليه السلام): أمّا ما لك فما نريده، وهو موفّر عليك، وإنّما طلبت ما أخذ منّا لأنّ فيه مغزل فاطمة بنت محمّد (عليها السلام) ومقنعتها وقلادتها وقميصها، فأمر بردّ ذلك وزاد عليه مائتي دينار، فأخذها زين العابدين (عليه السلام) وفرّقها في الفقراء والمساكين، ثمّ أمر بردّ الأسارى وسبايا البتول إلى أوطانهم بمدينة الرسول (صلى الله عليه وآله).

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٤٤
الحديث: ٣٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٢٠

قال ابن نما (رحمة الله عليه): وحدّثني جماعة من أهل مصر أنّ مشهد الرأس عندهم يسمّونه مشهد الكريم، عليه من الذهب شيء كثير، يقصدونه في المواسم ويزورونه ويزعمون أنّه مدفون هناك.

والذي عليه المعوّل من الأقوال: أنّه أعيد إلى الجسد بعد أن طيف به في البلاد ودفن معه.

المصدر الأصلي: مثير الأحزان
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٤٤
الحديث: ٣٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٢١

فأمّا رأس الحسين (عليه السلام) فروي أنّه أعيد فدفن بكربلا مع جسده الشريف، وكان عمل الطائفة على هذا المعنى المشار إليه، ورويت آثار مختلفة كثيرة.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٤٤
الحديث: ٣٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٢٢

ولمّا رجعت نساء الحسين (عليه السلام) وعياله من الشام، وبلغوا إلى العراق، قالوا للدليل: مرّ بنا على طريق كربلا، فوصلوا إلى موضع المصرع، فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من بني هاشم، ورجلاً من آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد وردوا لزيارة قبر الحسين (عليه السلام)، فوافوا في وقت واحد، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم، وأقاموا المأتم المقرحة للأكباد، واجتمع إليهم نساء ذلك السواد وأقاموا على ذلك أيّاماً.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٤٦
الحديث: ٣٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٢٣

ثمّ انفصلوا من كربلا طالبين المدينة، قال بشير بن حذلم: فلمّا قربنا منها نزل عليّ بن الحسين (عليه السلام) فحطّ رحله، وضرب فسطاطه وأنزل نساءه وقال: يا بشير، رحم الله أباك، لقد كان شاعراً، فهل تقدر على شئ منه؟ قلت: بلى، يا بن رسول الله، إنّي لشاعر، قال: فادخل المدينة وانع الحسین (عليه السلام)، قال بشير: فركبت فرسي وركضت حتّى دخلت المدينة، فلمّا بلغت مسجد النبيّ (صلى الله عليه وآله) رفعت صوتي بالبكاء وأنشأت أقول:

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها
قتل الحسين فأدمعي مدرار

الجسم منه بكربلاء مضرّج
والرأس منه على القناة يدار

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٤٧
الحديث: ٣٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٢٤

قال الراوي: فضربت فرسي حتّى رجعت إليهم، فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع، فنزلت عن فرسي وتخطّيت رقاب الناس حتّى قربت من باب الفسطاط، وكان عليّ بن الحسين (عليه السلام) داخلاً ومعه خرقة يمسح بها دموعه، وخلفه خادم معه كرسيّ فوضعه له وجلس عليه، وهو لا يتمالك من العبرة، وارتفعت أصوات الناس بالبكاء، وحنين الجواري والنساء، والناس من كلّ ناحية يعزّونه؛ فضجّت تلك البقعة ضجّة شديدة، فأومأ بيده أن: اسكتوا، فسكنت فورتهم.

فقال (عليه السلام): ﴿الحَمدُ للَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ ۞ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ ۞ مَلِكِ يَومِ الدِّينِ﴾، بارئ الخلائق أجمعين، الذي بعد فارتفع في السماوات العلى، وقرب فشهد النجوى، نحمده على عظائم الأمور، وفجائع الدهور، وألم الفجائع، ومضاضة اللواذع، وجليل الرزء، وعظيم المصائب الفاضعة، الكاظّة الفادحة الجائحة.

أيّها الناس، إنّ الله _ وله الحمد _ ابتلانا بمصائب جليلة، وثلمة في الإسلام عظيمة، قتل الحسین (عليه السلام) وعترته، وسبي نساؤه وصبيّته، وداروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان، وهذه الرزيّة التي لا مثلها رزيّة.

أيّها الناس، فأيّ رجالات منكم يسرّون بعد قتله؟ أم أيّة عين منكم تحبس دمعها وتضنّ عن انهمالها، فلقد بكت السبع الشداد لقتله، وبكت البحار بأمواجها والسماوات بأركانها، والأرض بأرجائها، والأشجار بأغصانها، والحيتان، ولجج البحار والملائكة المقرّبون، وأهل السماوات أجمعون.

أيّها الناس، أيّ قلب لا ينصدع لقتله؟ أم أيّ فؤاد لا يحنّ إليه؟ أم أيّ سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام؟

أيّها الناس، أصبحنا مطرودين مشرّدين مذودين شاسعين عن الأمصار، كأنّا أولاد ترك وكابل، من غير جرم اجترمناه، ولا مكروه ارتكبناه، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها، ﴿مَّا سَمِعنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ﴾، ﴿إِن هَذَا إِلَّا اختِلَاقٌ﴾، والله، لو أنّ النبيّ تقدّم إليهم في قتالنا كما تقدّم إليهم في الوصایة بنا، لما ازدادوا على ما فعلوا بنا، فـ ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعونَ﴾، من مصيبة ما أعظمها! وأوجعها! وأفجعها! وأكظّها! وأفظّها! وأمرّها! وأفدحها! فعند الله نحتسب فيما أصابنا وما بلغ بنا إنّه ﴿عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ﴾.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٤٨-١٤٩
الحديث: ٤۰
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٢٥

قال الصادق (عليه السلام): إنّ زين العابدين (عليه السلام) بكى على أبيه أربعين سنة: صائماً نهاره، قائماً ليله؛ فإذا حضر الإفطار جاءه غلامه بطعامه وشرابه، فيضعه بين يديه فيقول: كلْ يا مولاي، فيقول: قتل ابن رسول الله جائعاً، قتل ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عطشاناً، فلا يزال يكرّر ذلك ويبكي حتّى يبلّ طعامه من دموعه، ثمّ يمزج شرابه بدموعه، فلم يزل كذلك حتّى لحق باللهعزّ وجلّ.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٤٩
الحديث: ٤١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٢٦

وحدّث مولىً للسجّاد (عليه السلام) أنّه برز يوماً إلى الصحراء قال: فتبعته فوجدته قد سجد على حجارة خشنة، فوقفت وأنا أسمع شهيقه وبكاءه، وأحصيت عليه ألف مرّة: لا إله إلّا الله حقّاً حقّاً، لاإله إلّا الله تعبّداً ورقّاً، لا إله إلّا الله إيماناً وصدقاً.

ثمّ رفع رأسه من السجود وإنّ لحيته ووجهه قد غمر بالماء من دموع عينيه، فقلت: يا سيّدي، أ ما آن لحزنك أن ينقضي، ولبكائك أن تقلّ؟ فقال (عليه السلام) لي: ويحك، إنّ يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (عليهم السلام) كان نبيّاً ابن نبيّ، كان له اثنا عشر ابناً، فغيّب الله سبحانه واحداً منهم فشاب رأسه من الحزن، واحدودب ظهره من الغمّ، وذهب بصره من البكاء وابنه حيّ في دار الدنيا، وأنا فقدت أبي وأخي وسبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين، فكيف ينقضي حزني ويقلّ بكائي؟

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٤٩
الحديث: ٤٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٢٧

قال الباقر (عليه السلام): سألت أبي عليّ بن الحسين (عليه السلام) عن حمل يزيد له، فقال: حملني على بعير يطلع بغير وطاء، ورأس الحسين (عليه السلام) على علم، ونسوتنا خلفي على بغال فأكّف ١ ، والفارطة خلفنا وحولنا بالرماح، إن دمعت من أحدنا عين قرع رأسه بالرمح … .

المصدر الأصلي: إقبال الأعمال
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٥٤
(١) «أَكَّفَ»: عمل أُكافاً وهو شبه الرِحال والأَقتاب. لسان العرب، ج٩، ص٨.
الحديث: ٤٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٢٨

قال حاجب عبيد الله بن زياد: إنّه لمّا جيء برأس الحسين (عليه السلام) أمر فوضع بين يديه في طست من ذهب، وجعل يضرب بقضيب في يده على ثناياه ويقول: لقد أسرع الشيب إليك يا أبا عبد الله، فقال رجل من القوم: مه، فانّي رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يلثم حيث تضع قضيبك، فقال: يوم بيوم بدر، ثمّ أمر بعليّ بن الحسين (عليه السلام) فغلّ وحمل مع النسوة والسبايا إلى السجن، وكنت معهم، فما مررنا بزقاق إلّا وجدناه ملأ رجال ونساء، يضربون وجوههم ويبكون، فحبسوا في سجن وطبّق عليهم.

المصدر الأصلي: الأمالي للصدوق
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٥٤
الحديث: ٤٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٢٩

قال عليّ بن الحسين (عليه السلام): يا عمّة اسكتي، ففي الباقي من الماضي اعتبار، وأنت _ بحمد الله _ عالمة غير معلّمة، فهمة غير مفهّمة، إنّ البكاء والحنين لا يردان من قد أباده الدهر، فسكتت، ثمّ نزل (عليه السلام) وضرب فسطاطه وأنزل نساءه ودخل الفسطاط.

المصدر الأصلي: الاحتجاج
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٦٤
الحديث: ٤٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٣٠

قال الصادق (عليه السلام): لمّا أدخل رأس الحسين بن عليّ (عليه السلام) على يزيد لعنه الله وأدخل عليه عليّ بن الحسين (عليه السلام) وبنات أمير المؤمنين (عليه السلام) _ عليه وعليهنّ السلام _ كان عليّ بن الحسين (عليه السلام) مقيّداً مغلولاً، فقال يزيد _ لعنه الله _: يا عليّ بن الحسين، الحمد لله الذي قتل أباك.

فقال عليّ بن الحسين (عليه السلام): لعنة الله على من قتل أبي، فغضب يزيد وأمر بضرب عنقه.

فقال عليّ بن الحسين (عليه السلام): فإذا قتلتني فبنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) من يردّهم إلى منازلهم، وليس لهم محرم غيري؟ فقال: أنت تردّهم إلى منازلهم، ثمّ دعا بمبرد فأقبل يبرد الجامعة من عنقه بيده، ثمّ قال له: يا عليّ بن الحسين، أ تدري ما الذي أريد بذلك؟ قال (عليه السلام): بلى، تريد أن لا يكون لأحد عليّ منّة غيرك، فقال يزيد: هذا _ والله _ ما أردت، ثمّ قال يزيد: يا عليّ بن الحسين، ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم﴾، فقال عليّ بن الحسين (عليه السلام): كلّا، ما هذه فينا نزلت، إنّما نزلت فينا: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُم إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبلِ أَن نَّبرَأَهَا﴾، فنحن الذين لا نأسى على ما فاتنا ولا نفرح بما آتانا منها.

المصدر الأصلي: تفسير القمي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٦٩
الحديث: ٤٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٣١

قال الصادق (عليه السلام): لمّا قتل الحسين (عليه السلام) أقامت امرأته الكلبية عليه مأتماً، وبكت وبكين النساء والخدم حتّى جفّت دموعهنّ وذهبت، فبينا هي كذلك إذا رأت جارية من جواريها تبكي ودموعها تسيل، فدعتها فقالت لها: ما لك أنت من بيننا تسيل دموعك؟ قالت: إنّي لمّا أصابني الجهد شربت شربة سويق، قال: فأمرت بالطعام والأسوقة، فأكلت وشربت وأطعمت وسقت، وقالت: إنّما نريد بذلك أن نتقوّى على البكاء على الحسين (عليه السلام).

وأهدي إلى الكلبية جؤناً لتستعين بها على مأتم الحسين (عليه السلام)، فلمّا رأت الجؤن قالت: ما هذه؟ قالوا: هديّة أهداها فلان لتستعيني بها على مأتم الحسين (عليه السلام)، فقالت: لسنا في عرس، فما نصنع بها؟ ثمّ أمرت بهنّ فأخرجن من الدار، فلمّا أخرجن من الدار لم يحسّ لها حسّ، كأنّما طرن بين السماء والأرض، ولم ير لهنّ بعد خروجهنّ من الدار أثر.

بيــان:
«الجوني»: ضرب من القطا سود البطون والأجنحة.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٧۰
الحديث: ٤٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٣٢

قال الصادق (عليه السلام): لمّا قدم عليّ بن الحسين (عليه السلام)، وقد قتل الحسين بن عليّ (عليه السلام)، استقبله إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله، وقال: يا عليّ بن الحسين، من غلب؟ وهو يغطّي رأسه في المحمل. فقال له عليّ بن الحسين (عليه السلام): إذا أردت أن تعلم من غلب ودخل وقت الصلاة، فأذّن ثمّ أقم.

المصدر الأصلي: الأمالي للطوسي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٧٧
الحديث: ٤٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٣٣

قال عليّ بن الحسين (عليه السلام): بلغني يا زائدة، أنّك تزور قبر الحسین (عليه السلام) أحياناً؟ فقلت: إنّ ذلك لكما بلغك، فقال (عليه السلام) لي: فلما ذا تفعل ذلك ولك مكان عند سلطانك الذي لايحتمل أحداً على محبّتنا وتفضيلنا، وذكر فضائلنا والواجب على هذه الأمّة من حقّنا؟ فقلت: والله، ما أريد بذلك إلّا الله ورسوله، ولا أحفل بسخط من سخط، ولايكبر في صدري مكروه ينالني بسببه، فقال: والله، إنّ ذلك لكذلك، فقلت: والله، إنّ ذلك لكذلك _ يقولها ثلاثاً وأقولها ثلاثاً _ فقال (عليه السلام): أبشر ثمّ أبشر ثمّ أبشر، فلأخبرنّك بخبر كان عندي في النخب المخزون، إنّه لمّا أصابنا بالطفّ ما أصابنا، وقتل أبي (عليه السلام) وقتل من كان معه من ولده وإخوته وسائر أهله، وحملت حرمه ونساؤه على الأقتاب، يراد بنا الكوفة، فجعلت أنظر إليهم صرعى، ولم يواروا فيعظم ذلك في صدري، ويشتدّ لما أرى منهم قلقي، فكادت نفسي تخرج.

وتبيّنت ذلك منّي عمّتي زينب بنت عليّ الكبرى (عليها السلام)، فقالت: ما لي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وأبي وإخوتي؟ فقلت: وكيف لا أجزع وأهلع، وقد أرى سيّدي وإخوتي وعمومتي وولد عمّي وأهلي مضرجين بدمائهم، مرمّلين بالعراء، مسلّبين، لا يكفّنون ولا يوارون، ولا يعرج عليهم أحد، ولا يقربهم بشر كأنّهم أهل بيت من الديلم والخزر … .

المصدر الأصلي: كامل الزيارة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٧٩
الحديث: ٤٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٣٤

قال المنهال بن عمرو: أنا _ والله _ رأيت رأس الحسين (عليه السلام) حين حمل وأنا بدمشق، وبين يديه رجل يقرأ الكهف حتّى بلغ قوله ﴿أَم حَسِبتَ أَنَّ أَصحَابَ الكَهفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِن آيَاتِنَا عَجَبًا﴾؛ فأنطق الله الرأس بلسان ذرب ذلق، فقال (عليه السلام): أعجب من أصحاب الكهف، قتلي وحملي.

المصدر الأصلي: الخرائج والجرائح
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٨٨
الحديث: ٥۰
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٣٥

قال عمر بن عليّ بن الحسين: لمّا قتل الحسين بن عليّ (عليه السلام) لبس نساء بني هاشم السواد والمسوح، وكنّ لا يشتكين من حرّ ولا برد، وكان عليّ بن الحسين (عليه السلام) يعمل لهنّ الطعام للمأتم.

المصدر الأصلي: المحاسن
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٨٨
الحديث: ٥١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٣٦

روي أنّه لمّا حمل عليّ بن الحسين (عليه السلام) إلى يزيد لعنه الله همّ بضرب عنقه، فوقّفه بين يديه وهو يكلّمه، ليستنطقه بكلمة يوجب بها قتله وعليّ (عليه السلام) يجيبه حسب ما يكلّمه، وفي يده سبحة صغيرة يديرها بأصابعه، وهو يتكلّم، فقال له يزيد: أكلّمك وأنت تجيبني وتدير أصابعك بسبحة في يدك؟ فكيف يجوز ذلك؟ فقال: حدّثني أبي عن جدّي: أنّه كان إذا صلّى الغداة وانفتل، لا يتكلّم حتّى يأخذ سبحة بين يديه، فيقول: اللّهمّ إنّي أصبحت أسبّحك وأمجّدك وأحمدك وأهلّلك بعدد ما أدير به سبحتي، ويأخذ السبحة ويديرها، وهو يتكلّم بما يريد من غير أن يتكلّم بالتسبيح، وذكر أنّ ذلك محتسب له وهو حرز إلى أن يأوي إلى فراشه، فإذا آوى إلى فراشه قال مثل ذلك القول، ووضع سبحته تحت رأسه، فهي محسوبة له من الوقت إلى الوقت، ففعلت هذا اقتداء بجدّي، فقال له يزيد: لست أكلّم أحداً منكم إلّا ويجيبني بما يعوذ به، وعفا عنه ووصله وأمر بإطلاقه.

المصدر الأصلي: الدعوات
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٢۰۰