Search
Close this search box.
Layer 5
.
فهرس جواهر البحار
كتاب العقل والعلم والجهل
كتاب العدل والمعاد
كتاب النبوة
كتاب تاريخ نبينا (ص)
كتاب الإمامة
كتاب تاريخ أميرالمؤمنين (ع)
كتاب تاريخ فاطمة والحسنين (ع)
كتاب تاريخ السجاد والباقر والصادق والكاظم (ع)
كتاب تاريخ الرضا والجواد والهادي والعسكري (ع)
كتاب تاريخ الحجة (عج)
كتاب السماء والعالم
كتاب الإيمان والكفر
كتاب العشرة
كتاب الآداب والسنن
كتاب الروضة
كتاب الطهارة
كتاب الصلاة
كتاب القرآن
كتاب الأدعية والأذكار
كتاب الصوم
كتاب الحج والعمرة
كتاب المزار
كتاب العقود والإيقاعات
الحديث: ١
/
ترتيب جواهر البحار: ٣٣٧٦

جلس العسكري (عليه السلام) عند عليّ بن أوتاش _ وكان شديد العداوة لآل محمّد (عليهم السلام) غليظاً على آل أبي طالب _ وقيل له: افعل به وافعل، فما أقام إلّا يوماً حتّى وضع خدّه له، وكان لا يرفع بصره إليه إجلالاً وإعظاماً، وخرج من عنده وهو أحسن الناس بصيرة وأحسنهم قولاً فيه.

المصدر الأصلي: إعلام الوری، الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٥٠
، ص٣٠٧
الحديث: ٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٣٣٧٧

دخل العبّاسيون علی صالح بن وصيف ١ ، ودخل صالح بن علي وغيره من المنحرفين عن هذه الناحية علی صالح بن وصيف عندما حبس العسكري (عليه السلام) فقال له: ضيّق عليه ولا توسّع، فقال لهم صالح: ما أصنع به؟ وقد وكلت به رجلين شرّ من قدرت عليه، فقد صارا من العبادة والصلاة إلى أمر عظيم، ثمّ أمر بإحضار الموكّلين، فقال لهما: ويحكما، ما شأنكما في أمر هذا الرجل؟

فقالا له: ما نقول في رجل يصوم نهاره، ويقوم ليله كلّه، لا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة، فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا؟ فلمّا سمع ذلك العبّاسيون، انصرفوا خاسئين.

المصدر الأصلي: إعلام الوری، الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٥٠
، ص٣٠٨-٣٠٩
(١) صالح بن وصیف (م٢٥٦هـ ): من قوّاد المتوكّل العبّاسي ومن بعده یلي أمر المهتدي، حتّی قتل علی أیدي بعض أعداءه. راجع: تاريخ مدينة دمشق، ج٢٣، ص٤٠٢.
الحديث: ٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٣٣٧٨

إنّ إسحاق الكندي ١ _ كان فيلسوف العراق في زمانه _ أخذ في تأليف تناقض القرآن، وشغل نفسه بذلك، وتفرّد به في منزله، وإنّ بعض تلامذته دخل يوماً على الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) فقال له العسكري (عليه السلام): أ ما فيكم رجل رشيد يردع أستاذكم الكندي عمّا أخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟ فقال التلميذ: نحن من تلامذته، كيف يجوز منّا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره؟

فقال العسكري (عليه السلام): أ تؤدّي إليه ما ألقيه إليك؟ قال: نعم، قال (عليه السلام): فصر إليه، وتلطّف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله، فإذا وقعت الأنسة في ذلك، فقل: قد حضرتني مسألة أسألك عنها، فإنّه يستدعي ذلك منك، فقل له: إن أتاك هذا المتكلّم بهذا القرآن، هل يجوز أن يكون مراده بما تكلّم به منه غير المعاني التي قد ظننتها أنّك ذهبت إليها؟ فإنّه سيقول إنّه من الجائز، لأنّه رجل يفهم إذا سمع، فإذا أوجب ذلك فقل له: فما يدريك لعلّه قد أراد غير الذي ذهبت أنت إليه، فتكون واضعاً لغير معانيه.

فصار الرجل إلى الكندي وتلطّف إلى أن ألقى عليه هذه المسألة، فقال له: أعد عليّ، فأعاد عليه، فتفكّر في نفسه، ورأى ذلك محتملاً في اللغة، وسائغاً في النظر.

المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٥٠
، ص٣١١
(١) كذا ورد في المصدر [راجع: مناقب آل أبي طالب، ج٤، ص٤٢٤] والظاهر أنّ الصواب «ابن إسحاق الكندي» وهو یعقوب بن إسحاق المشهور بـ «فیلسوف العرب». راجع: الأعلام، ج٨، ص١٩٥.
الحديث: ٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٣٣٧٩

قال عليّ بن عاصم الكوفي الأعمی: دخلت على سيّدي الحسن العسكري (عليه السلام) فسلّمت عليه فردّ عليّ السلام، وقال (عليه السلام): مرحباً بك يا بن عاصم، اجلس هنيئاً لك يا بن عاصم، أ تدري ما تحت قدميك؟ فقلت: يا مولاي، إنّي أرى تحت قدمي هذا البساط  _ كـرّم الله وجه صاحبه _ فقال (عليه السلام) لي: يا بن عاصم، اعلم أنّك على بساط جلس عليه كثير من النبيّين والمرسلين، فقلت: يا سيّدي، ليتني كنت لا أفارقك ما دمت في دار الدنيا، ثمّ قلت في نفسي: ليتني كنت أرى هذا البساط.

فعلم الإمام (عليه السلام) ما في ضميري، فقال: ادن منّي، فدنوت منه فمسح يده على وجهي، فصرت بصيراً بإذن الله. ثمّ قال: هذا قدم أبينا آدم، وهذا أثر هابيل، وهذا أثر شيث، وهذا أثر إدريس، وهذا أثر هود، وهذا أثر صالح، وهذا أثر لقمان، وهذا أثر إبراهيم، وهذا أثر لوط، وهذا أثر شعيب، وهذا أثر موسى، وهذا أثر داود، وهذا أثر سليمان، وهذا أثر الخضر، وهذا أثر دانيال، وهذا أثر ذي القرنين، وهذا أثر عدنان، وهذا أثر عبد المطّلب، وهذا أثر عبد الله، وهذا أثر عبد مناف (عليهم السلام) وهذا أثر جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا أثر جدّي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).

قال عليّ بن عاصم: فأهويت على الأقدام كلّها فقبّلتها، وقبّلت يد الإمام (عليه السلام) وقلت له: إنّي عاجز عن نصرتكم بيدي، وليس أملك غير موالاتكم، والبراءة من أعدائكم، واللعن لهم في خلواتي، فكيف حالي يا سيّدي؟

فقال (عليه السلام): حدّثني أبي عن جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من ضعف على نصرتنا أهل البيت، ولعن في خلواته أعداءنا بلّغ الله صوته إلى جميع الملائكة، فكلّما لعن أحدكم أعداءنا صاعدته الملائكة، ولعنوا من لا يلعنهم، فإذا بلغ صوته إلى الملائكة، استغفروا له وأثنوا عليه، وقالوا: اللّهمّ صلّ على روح عبدك هذا الذي بذل في نصرة أوليائه جهده، ولو قدر على أكثر من ذلك لفعل، فإذا النداء من قبل الله تعالى يقول: يا ملائكتي، إنّي قد أجبت دعاءكم في عبدي هذا، وسمعت نداءكم وصلّيت على روحه مع أرواح الأبرار، وجعلته من المصطفين الأخيار. ١

/
المصدر من بحار الأنوار: ج٥٠
، ص٣١٦-٣١٧
(١) قد روی المجلسي (رحمه الله) هذه الروایة عن بعض مؤلّفات أصحابنا ولم یسمّه.
الحديث: ٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٣٣٨٠

كتب العسكري (عليه السلام) إلى عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي ١ : «واعتصمت بحبل الله، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، والجنّة للموحّدين، والنار للملحدين، ولا عدوان إلّا على الظالمين، ولا إله إلّا الله أحسن الخالقين، والصلاة على خير خلقه محمّد وعترته الطاهرين (عليهم السلام).

وعليك بالصبر وانتظار الفرج، فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج، ولا تزال شيعتنا في حزن حتّى يظهر ولدي الذي بشّر به النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. فاصبر يا شيخي، يا أبا الحسن، عليّ أمر جميع شيعتي بالصبر، فـ﴿إِنَّ الأَرضَ لِلَّهِ يورِثُها مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ وَالعاقِبَةُ لِلمُتَّقينَ﴾، والسلام عليك وعلى جميع شيعتنا، ورحمة الله وبركاته، وصلّى الله على محمّد وآله».

المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٥٠
، ص٣١٧-٣١٨
(١) عليّ بن الحسین ابن بابویه (م٣٢٩هـ): شیخ القمّیین في عصره، وهو والد الشیخ الصدوق (رحمه الله)، [راجع: رجال النجاشي، ص٢٦١]. ولبعض المحقّقین كلام في هذه المكاتبة. انظر: خاتمة مستدرك الوسائل، ج٣، ص٢٧٨.
الحديث: ٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٣٣٨١

ورد على القاسم بن العلا نسخة ما كان خرج من لعن ابن هلال، وكان ابتداء ذلك أن كتب (عليه السلام) إلى قوّامه بالعراق: احذروا الصوفي المتصنّع. قال: وكان من شأن أحمد بن هلال أنّه قد كان حجّ أربعاً وخمسين حجّة، عشرون منها على قدميه، وكان رواة أصحابنا بالعراق لقوه وكتبوا منه فأنكروا ما ورد في مذمّته، فحملوا القاسم بن العلا على أن يراجع في أمره

فخرج إليه: «قد كان أمرنا نفذ إليك في المتصنّع ابن هلال _ لا رحمه الله _ بما قد علمت لم يزل _ لا غفر الله له ذنبه، ولا أقاله عثرته _ دخل في أمرنا بلا إذن منّا ولا رضیً، يستبدّ برأيه فيتحامى من ديوننا، لا يمضي من أمرنا إيّاه إلّا بما يهواه ويريد، أرداه الله في نار جهنّم، فصبرنا عليه حتّى بتر الله عمره بدعوتنا. وكنّا قد عرّفنا خبره قوماً من موالينا في أيّامه _ لا رحمه الله _ وأمرناهم بإلقاء ذلك إلى الخلّص من موالينا، ونحن نبرأ إلى الله من ابن هلال _ لا رحمه الله _ وممّن لا يبرأ منه. وأعلم الإسحاقي _ سلّمه الله وأهل بيته _ ممّا أعلمناك من حال أمر هذا الفاجر، وجميع من كان سألك ويسألك عنه من أهل بلده والخارجين، ومن كان يستحقّ أن يطّلع على ذلك، فإنّه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يؤدّيه عنّا ثقاتنا، قد عرفوا بأنّنا نفاوضهم سرّنا، ونحمّله إيّاه إليهم، وعرفنا ما يكون من ذلك إن شاء الله».

المصدر الأصلي: معرفة الرجال
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٥٠
، ص٣١٨-٣١٩
الحديث: ٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٣٣٨٢

حكى بعض الثقات بنيسابور أنّه خرج لإسحاق بن إسماعيل من العسكري (عليه السلام) توقيع: يا إسحاق بن إسماعيل، سترنا الله وإيّاك بستره، وتولاّك في جميع أمورك بصنعه، قد فهمت كتابك _ رحمك الله _ ونحن _ بحمد الله ونعمته _ أهل بيت نرقّ على موالينا، ونسرّ بتتابع إحسان الله إليهم وفضله لديهم، ونعتدّ بكلّ نعمة ينعمها الله عزّ وجلّ عليهم. فأتمّ الله عليكم بالحقّ، ومن كان مثلك ممّن قد رحمه وبصّره بصيرتك، ونزع عن الباطل، ولم يعم في طغيانه بعمه، فإنّ تمام النعمة دخولك الجنّة. وليس من نعمة _ وإن جلّ أمرها وعظم خطرها _ إلّا والحمد لله تقدّست أسماءه عليها يؤدّي شكرها.

وأنا أقول: الحمد لله مثل ما حمد الله به حامد إلى أبد الأبد، بما منّ به عليك من نعمته، ونجّاك من الهلكة، وسهّل سبيلك على العقبة. وأيم الله، إنّها لعقبة كؤود، شديد أمرها، صعب مسلكها، عظيم بلاؤها، طويل عذابها، قديم في الزبر الأولى ذكرها. ولقد كانت منكم أمور في أيّام الماضي، إلى أن مضى لسبيله صلى الله على روحه وفي أيّامي هذه، كنتم فيها غير محمودي الشأن ولا مسدّدي التوفيق.

واعلم يقيناً يا إسحاق، أنّ من خرج من هذه الحياة الدنيا أعمی ﴿فَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾. إنّها يا بن إسماعيل، ليس ﴿تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَلَٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ﴾، وذلك قول الله عزّ وجلّ في محكم كتابه للظالم: ﴿رَبِّ لِمَ حَشَرتَني أَعمى وَقَد كُنتُ بَصيراً﴾، قال الله عزّ وجلّ: ﴿كَذَٰلِكَ أَتَتۡكَ ءَايَٰتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمَ تُنسَىٰ﴾.

وأيّ آية يا إسحاق، أعظم من حجّة الله عزّ وجلّ على خلقه، وأمينه في بلاده، وشاهده على عباده، من بعد ما سلف من آبائه الأوّلين من النبيّين وآبائه الآخرين من الوصيّين _ عليهم أجمعين رحمة الله وبركاته _ ؟ فأين يتاه بكم؟ وأين تذهبون كالأنعام على وجوهكم؟ عن الحقّ تصدفون، وبالباطل تؤمنون، وبنعمة الله تكفرون أو تكذّبون، فمن يؤمن ببعض الكتاب ويكفّر ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم ومن غيركم إلّا خزي في الحياة الدنيا الفانية، وطول عذاب الآخرة الباقية، وذلك _ والله _ الخزي العظيم.

إنّ الله _ بفضله ومنّه _ لمّا فرض عليكم الفرائض، لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليكم، بل رحمة منه _ لا إله إلّا هو _ عليكم، ﴿لِيَميزَ اللَّهُ الخَبيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ ،﴿وَلِيَبۡتَلِيَ﴾ الله ﴿مَا فِي صُدُورِكُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمۡ﴾، ولتألفوا إلى رحمته، ولتتفاضل منازلكم في جنّته. ففرض عليكم الحجّ والعمرة، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصوم، والولاية، وكفا بهم لكم باباً ليفتحوا أبواب الفرائض، ومفتاحاً إلى سبيله. ولولا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) والأوصياء (عليهم السلام) من بعده لكنتم حياری كالبهائم، لا تعرفون فرضاً من الفرائض، وهل يدخل قرية إلّا من بابها.

فلمّا منّ عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيّه، قال الله عزّ وجلّ لنبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَامَ دِيناً﴾، وفرض عليكم لأوليائه حقوقاً أمركم بأدائها إليهم، ليحلّ لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومأكلكم ومشربكم، ويعرّفكم بذلك النماء والبركة والثروة، وليعلم من يطيعه منكم بالغيب، قال الله عزّ وجلّ: ﴿قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡراً إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰ﴾. واعلموا أنّ ﴿مَن يَبۡخَلۡ فَإِنَّمَا يَبۡخَلُ عَن نَّفۡسِهِ﴾، وأنّ الله هو الغنيّ وأنتم الفقراء لا إله إلّا هو.

ولقد طالت المخاطبة فيما بيننا وبينكم فيما هو لكم وعليكم، ولولا ما يجب من تمام النعمة من الله عزّ وجلّ عليكم، لما أريتكم منّي خطّاً، ولا سمعتم منّي حرفاً من بعد الماضي (عليه السلام).

أنتم في غفلة عمّا إليه معادكم، ومن بعدالثاني رسولي، وما ناله منكم حين أكرمه الله بمصيره إليكم، ومن بعد إقامتي لكم إبراهيم بن عبدة، وفّقه الله لمرضاته وأعانه علی طاعته، وكتابه الذي حمله محمّد بن موسى النيسابوري والله المستعان علی كلّ حال، وإنّي أراكم مفرطين في جنب الله فتكونون من الخاسرين.

فبعداً وسحقاً لمن رغب عن طاعة الله، ولم يقبل مواعظ أوليائه، وقد أمركم الله عزّ وجلّ بطاعته لا إله إلّا هو، وطاعة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبطاعة أولي الأمر (عليهم السلام) فرحم الله ضعفكم، وقلّة صبركم عمّا أمامكم، فما أغرّ الإنسان بربّه الكريم، واستجاب الله _ تعالى _ دعائي فيكم، وأصلح أموركم علی يدي، فقد قال الله جلّ جلاله: ﴿يَوۡمَ نَدۡعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمۡ﴾، وقال جلّ جلاله: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيداً﴾، وقال الله جلّ جلاله: ﴿كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ﴾. فما أحبّ أن يدعو الله جلّ جلاله بي ولا بمن هو في أيّامي إلّا حسب رقّتي عليكم، وما انطوی لكم عليه من حبّ بلوغ الأمل في الدارين جميعاً، والكينونة معنا في الدنيا والآخرة.

يا إسحاق _ يرحمك الله ويرحم من هو وراءك _ فقد بيّنت لك بياناً وفسّرت لك تفسيراً، وفعلت بكم فعل من لم يفهم هذا الأمر قطّ، ولم يدخل فيه طرفة عين، ولو فهمت الصمّ الصلاب بعض ما في هذا الكتاب، لتصدّعت قلقاً خوفاً من خشية الله، ورجوعاً إلى طاعة الله عزّ وجلّ. فاعملوا من بعد ما شئتم ﴿سَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾، ﴿وَٱلۡعَاقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ﴾، والحمد لله كثيراً ربّ العالمين.

وأنت رسولي يا إسحاق، إلى إبراهيم بن عبده _ وفّقه الله _ أن يعمل بما ورد عليه في كتابي مع محمّد بن موسى النيسابوري إن شاء الله، ورسولي إلى نفسك، وإلى كلّ من خلّفت ببلدك، أن تعملوا بما ورد عليكم في كتابي مع محمّد بن موسى النيسابوري إن شاء الله.

ويقرأ إبراهيم بن عبده كتابي هذا علی من خلفه ببلده حتّى لا يتساءلون، وبطاعة الله يعتصمون، والشيطان بالله عن أنفسهم يجتنبون ولا يطيعون، وعلی إبراهيم بن عبده سلام الله ورحمته وعليك يا إسحاق، وعلی جميع مواليّ السلام كثيراً، سدّدكم الله جميعاً بتوفيقه. وكلّ من قرأ كتابنا هذا من مواليّ من أهل بلدك ومن هو بناحيتكم، ونزع عمّا هو عليه من الانحراف عن الحقّ، فليؤدِّ حقوقنا إلى إبراهيم، وليحمل ذلك إبراهيم بن عبده إلی الرازي (رض) أو إلی من يسمّي له الرازي، فإنّ ذلك عن أمري ورأيي إن شاء الله.

ويا إسحاق، اقرأ كتابي علی البلالي (رض) فإنّه الثقة المأمون، العارف بما يجب عليه، واقرأه علی المحمودي _ عافاه الله _ فما أحمدنا له لطاعته، فإذا وردت بغداد، فاقرأه على الدهقان وكيلنا وثقتنا، والذي يقبض من موالينا وكلّ من أمكنك من موالينا، فأقرئهم هذا الكتاب، وينسخه من أراد منهم نسخة إن شاء الله.

ولا يكتم أمر هذا عمّن شاهده من موالينا، إلّا من شيطان مخالف لكم، فلا تنثرنّ الدرّ بين أظلاف الخنازير، ولا كرامة لهم. وقد وقّعنا في كتابك بالوصول، والدعاء لك ولمن شئت، وقد أجبنا سعيداً عن مسألته والحمد لله، ﴿فَمَاذَا بَعۡدَ ٱلۡحَقِّ إِلَّا ٱلضَّلَالُ﴾، فلا تخرجنّ من البلد حتّى تلقی العمري _ رضي الله عنه برضاي عنه _ وتسلّم عليه وتعرفه ويعرفك، فإنّه الطاهر الأمين العفيف القريب منّا وإلينا، فكلّ ما يحمل إلينا من شيء من النواحي فإليه يصير آخر أمره، ليوصل ذلك إلينا، والحمد لله كثيراً.

سترنا الله وإيّاكم _ يا إسحاق _ بستره وتولاّك في جميع أمورك بصنعه، والسلام عليك وعلی جميع مواليّ ورحمة الله وبركاته، وصلّى الله علی سيّدنا النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) تسليماً كثيراً.

المصدر الأصلي: معرفة الرجال
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٥٠
، ص٣١٩-٣٢٣
الحديث: ٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٣٣٨٣

إنّ الحسين بن الحسن بن جعفر بن محمّد بن إسماعيل بن جعفر الصادق (عليه السلام) كان بقم يشرب الخمر علانية، فقصد يوماً لحاجة باب أحمد بن إسحاق الأشعري _ وكان وكيلاً في الأوقاف بقم _ فلم يأذن له ورجع إلى بيته مهموماً.

فتوجّه أحمد بن إسحاق إلى الحجّ، فلمّا بلغ سرّ من رأی، استأذن على أبي محمّد الحسن العسكري (عليه السلام) فلم يأذن له، فبكى أحمد لذلك طويلاً وتضرّع حتّى أذن له. فلمّا دخل قال: يا بن رسول الله، لم منعتني الدخول عليك؟ وأنا من شيعتك ومواليك؟ قال (عليه السلام): لأنّك طردت ابن عمّنا عن بابك، فبكی أحمد وحلف بالله أنّه لم يمنعه من الدخول عليه، إلّا لأن يتوب من شرب الخمر، قال (عليه السلام): صدقت، ولكن لا بدّ عن إكرامهم واحترامهم على كلّ حال، وأن لا تحقّرهم ولا تستهين بهم لانتسابهم إلينا، فتكون من الخاسرين.

فلمّا رجع أحمد إلى قم أتاه أشرافهم، وكان الحسين معهم، فلمّا رآه أحمد وثب إليه واستقبله وأكرمه وأجلسه في صدر المجلس، فاستغرب الحسين ذلك منه واستبدعه وسأله عن سببه، فذكر له ما جرى بينه وبين العسكري (عليه السلام) في ذلك. فلمّا سمع ذلك ندم من أفعاله القبيحة، وتاب منها، ورجع إلى بيته وأهرق الخمور وكسر آلاتها، وصار من الأتقياء المتورّعين، والصلحاء المتعبّدين، وكان ملازماً للمساجد معتكفاً فيها حتّی أدركه الموت، ودفن قريباً من مزار فاطمة (عليها السلام).

المصدر الأصلي: تاريخ قم
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٥٠
، ص٣٢٣-٣٢٤