Search
Close this search box.
Layer 5
.
فهرس جواهر البحار
كتاب العقل والعلم والجهل
كتاب العدل والمعاد
كتاب النبوة
كتاب تاريخ نبينا (ص)
كتاب الإمامة
كتاب تاريخ أميرالمؤمنين (ع)
كتاب تاريخ فاطمة والحسنين (ع)
كتاب تاريخ السجاد والباقر والصادق والكاظم (ع)
كتاب تاريخ الرضا والجواد والهادي والعسكري (ع)
كتاب تاريخ الحجة (عج)
كتاب السماء والعالم
كتاب الإيمان والكفر
كتاب العشرة
كتاب الآداب والسنن
كتاب الروضة
كتاب الطهارة
كتاب الصلاة
كتاب القرآن
كتاب الأدعية والأذكار
كتاب الصوم
كتاب الحج والعمرة
كتاب المزار
كتاب العقود والإيقاعات

عهد الإمام علي (عليه السلام) إلى مالك الأشتر، كتبها حينما ولاّه بلاد مصر، وهذا الكتاب من أهم وأطول كتب أمير المؤمنين (عليه السلام). كان عهد الإمام إلى الأشتر يهدف لتأسيس نظام إداري وحقوقي على الصعيد الإسلامي يبدأ من الحاكم نفسه، وهذه أحاديث جليلة جمعها العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار، وقد اقتبس الشيخ حبيب الكاظمي بعض هذه الأحاديث وحذف أسانيدها مع مراعاة التبويب، فكانت جواهر البحار الذي بين يديك.

الحديث: ١
/
ترتيب جواهر البحار: ٦٩٠٤

هذا ما أمر به عبد الله عليّ أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولّاه مصر جباية خراجها، ومجاهدة عدوّها، واستصلاح أهلها، وعمارة بلادها:

أمره بتقوى الله وإيثار طاعته واتّباع ما أمره الله به في كتابه من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحد إلّا باتّباعها، ولا يشقى إلّا مع جحودها وإضاعتها، وأن ينصر الله بيده وقلبه ولسانه، فإنّه قد تكفّل بنصر من نصره إنّه قويّ عزيز، وأمره أن يكسر من نفسه عند الشهوات، فـ ﴿إِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيٓۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾، وأن يعتمد كتاب الله عند الشبهات، فإنّ فيه تبيان كلّ شيء وهدىً ورحمة لقوم يؤمنون، وأن يتحرّى رضا الله، ولا يتعرّض لسخطه، ولا يصرّ على معصيته، فإنّه لا ملجأ من الله إلّا إليه.

ثمّ اعلم _ يا مالك _ أنّي قد وجّهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور، وإنّ الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم، وإنّما يستدلّ على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده …

وأشعر قلبك الرحمة للرعيّة والمحبّة لهم واللطف بالإحسان إليهم، ولا تكوننّ عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين، وإمّا نظير لك في الخلق …

وإذا أعجبك ما أنت فيه من سلطانك فحدثت لك به أبّهة أو مخيلة، فانظر إلى عظم ملك الله فوقك، وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك …

أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصّتك ومن أهلك ومن لك فيه هوىً من رعيّتك، فإنّك إن لا تفعل تظلم ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجّته، وكان لله حرباً حتّى ينزع ويتوب، وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة وتعجيل نقمة من إقامة على ظلم، فإنّ الله يسمع دعوة المظلومين وهو للظالمين بمرصاد، ومن يكن كذلك فهو رهين هلاك في الدنيا والآخرة.

وليكن أحبّ الأمور إليك أوسطها في الحقّ، وأعمّها في العدل، وأجمعها للرعية، فإنّ سخط العامّة يجحف برضى الخاصّة، وإنّ سخط الخاصّة يغتفر مع رضا العامّة …

وإنّما عمود الدين وجماع المسلمين والعدّة للأعداء أهل العامّة من الأمّة فليكن لهم صغوك، واعمد لأعمّ الأمور منفعة وخيرها عاقبة، ولا قوّة إلّا بالله، وليكن أبعد رعيّتك منك وأشنؤهم عندك أطلبهم لعيوب الناس، فإنّ في الناس عيوباً الوالي أحقّ من سترها، فلا تكشفنّ ما غاب عنك، وأستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحبّ ستره من رعيّتك …

لا تدخلنّ في مشورتك بخيلاً يخذلك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جباناً يضعف عليك الأمور، ولا حريصاً يزيّن لك الشره بالجور، فإنّ البخل والجور والحرص غرائز شتّى يجمعها سوء الظنّ بالله، كمونها في الأشرار …

وألصق بأهل الورع والصدق وذوي العقول والأحساب، ثمّ رضهم على أن لا يطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله، فإنّ كثرة الإطراء تحدث الزهو وتدني من الغرّة، والإقرار بذلك يوجب المقت من الله، لا يكوننّ المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء، فإنّ في ذلك تزهيد لأهل الإحسان في الإحسان وتدريب لأهل الإساءة، فألزم كلّاً منهم ما ألزم نفسه أدباً منك، ينفعك الله به وتنفع به أعوانك …

ولا تنقض سنّة صالحة عمل بها صدور هذه الأمّة واجتمعت بها الألفة وصلحت عليها الرعيّة ولا تحدثنّ سنّة تضرّ بشيء ممّا مضى من تلك السنن، فيكون الأجر لمن سنّها والوزر عليك بما نقضت منها …

ثمّ اعلم أنّ الرعيّة طبقات لا يصلح بعضاً إلّا ببعض، ولا غنى ببعضها عن بعض، فمنها جنود الله، ومنها كتّاب العامّة والخاصّة، ومنها قضاة العدل، ومنها عمّال الإنصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمّة ومسلمة الناس، ومنها التجّار وأهل الصناعات، ومنها طبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة، وكلّاً قد سمّی الله سهمه، ووضع على حدّ فريضته في كتابه أو سنّة نبيّه (صلى الله عليه وآله)، وعهد عندنا محفوظ.

فالجنود بإذن الله حصون الرعيّة وزين الولاة وعزّ الدين وسبيل الأمن والخفض، وليس تقوم الرعيّة إلّا بهم، ثمّ لا قوام للجنود إلّا بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يصلون به إلى جهاد عدوّهم ويعتمدون عليه، ويكون من وراء حاجاتهم، ثمّ لا بقاء لهذين الصنفين إلّا بالصنف الثالث من القضاة والعمّال والكتّاب لما يحكمون من الأمور، ويظهرون من الإنصاف ويجمعون من المنافع ويؤتمنون عليه من خواصّ الأمور وعوامّها، ولا قوام لهم جميعاً إلّا بالتجّار وذوي الصناعات فيما يجمعون من مرافقهم ويقيمون من أسواقهم، ويكفونهم من الترفّق بأيديهم ممّا لا يبلغه رفق غيرهم … ثمّ تفقّد أمورهم بما يتفقّد الوالد من ولده …

وإن استشهد أحد من جنودك وأهل النكاية في عدوّك فأخلفه في عياله بما يخلف به الوصيّ الشفيق الموثّق به، حتّى لا يرى عليهم أثر فقده، فإنّ ذلك يعطف عليك قلوب شيعتك ويستشعرون به طاعتك، ويسلسون لركوب معاريض التلف الشديد في ولايتك …

وليس لقاضيين من أهل الملّة أن يقيما على اختلاف في الحكم دون ما رفع ذلك إلى وليّ الأمر فيكم، فيكون هو الحاكم بما علّمه الله، ثمّ يجتمعان على حكمه فيما وافقهما أو خالفهما، فانظر في ذلك نظراً بليغاً، فإنّ هذا الدين قد كان أسيراً بأيدي الأشرار، يعمل فيه بالهوى وتطلب به الدنيا، واكتب إلى قضاة بلدانك فليرفعوا إليك كلّ حكم اختلفوا فيه على حقوقه، ثمّ تصفّح تلك الأحكام، فما وافق كتاب الله وسنّة نبيّه والأثر من إمامك فأمضه واحملهم عليه، وما اشتبه عليك فاجمع له الفقهاء بحضرتك، فناظرهم فيه، ثمّ أمض ما يجتمع عليه أقاويل الفقهاء بحضرتك من المسلمين، فإنّ كلّ أمر اختلف فيه الرعيّة مردود إلى حكم الإمام، وعلى الإمام الاستعانة بالله، والاجتهاد في إقامة الحدود، وجبر الرعيّة على أمره، ولا قوّة إلّا بالله …

فاصطف لولاية أعمالك أهل الورع والعلم والسياسة، وتوخّ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام، فإنّهم أكرم أخلاقاً وأصحّ أعراضاً وأقلّ في المطامع أشرافاً وأبلغ في عواقب الأمور نظراً من غيرهم، فليكونوا أعوانك على ما تقلّدت، ثمّ أسبغ عليهم في العمّالات ووسّع عليهم في الأرزاق، فإنّ في ذلك قوّة لهم على استصلاح أنفسهم، وغنىً لهم عن تناول ما تحت أيديهم، وحجّة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك.

ثمّ تفقّد أعمالهم وابعث العيون عليهم من أهل الصدق والوفاء، فإنّ تعهّدك في السرّ أمورهم حدوة ١ لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعيّة، وتحفّظ من الأعوان، فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهداً، فبسطت عليه العقوبة في بدنه وأخذته بما أصاب من عمله، ثمّ نصبته بمقام المذلّة فوسمته بالخيانة، وقلّدته عار التهمة.

فليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، فإنّ الجلب لا يدرك إلّا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم له أمره إلّا قليلاً …

ثمّ لا يكن اختيارك إيّاهم على فراستك واستنامتك وحسن الظنّ بهم، فإنّ الرجال يعرفون فراساة الولاة بتضرّعهم وخدمتهم، وليس وراء ذلك من النصيحة والأمانة شيء، ولكن اختبرهم بما ولّوا للصالحين قبلك، فأعمد لأحسنهم كان في العامّة أثراً وأعرفهم فيها بالنبل والأمانة، فإنّ ذلك دليل على نصيحتك لله ولمن ولّيت أمره، ثمّ مرهم بحسن الولاية ولين الكلمة، واجعل لرأس كلّ أمر من أمورك رأساً منهم …

ثمّ الله الله، في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم والمساكين والمحتاجين وذوي البؤس والزمنى، فإنّ في هذه الطبقة قانعاً ومعترّاً، فاحفظ الله ما استحفظك من حقّه فيها، واجعل لهم قسماً من غلّات صوافي الإسلام في كلّ بلد، فإنّ للأقصى منهم مثل الذي للأدنى.

وكلّاً قد استرعيت حقّه فلا يشغلنّك عنهم نظر، فإنّك لا تعذر بتضييع الصغير لإحكامك الكبير المهمّ، فلا تشخص همّك عنهم، ولا تصعّر خدّك لهم، وتواضع لله يرفعك الله، واخفض جناحك للضعفاء وأر بهم إلى ذلك منك حاجة.

وتفقّد من أمورهم ما لا يصل إليك منهم ممّن تقتحمه العيون وتحقره الرجال، ففرّغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع، فليرفع إليك أمورهم، ثمّ اعمل فيهم بالإعذار إلى الله يوم تلقاه، فإنّ هؤلاء أحوج إلى الإنصاف من غيرهم.

وكلّ فأعذر إلى الله في تأدية حقّه إليه، وتعهّد أهل اليتم والزمانة والرقّة في السنّ ممّن لا حيلة له، ولا ينصب للمسألة نفسه، فأجر لهم أرزاقاً، فإنّهم عباد الله فتقرّب إلى الله بتخلّصهم، وضعهم مواضعهم في أقواتهم وحقوقهم، فإنّ الأعمال تخلص بصدق النيّات …

واستعن بالله، واجعل لذوي الحاجات منك قسماً تفرّغ لهم فيه شخصك وذهنك من كلّ شغل، ثمّ تأذن لهم عليك، وتجلس لهم مجلساً تتواضع فيه لله الذي رفعك، وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك، تخفض لهم في مجلسك ذلك جناحك، وتلين لهم كنفك في مراجعتك ووجهك، حتّى يكلّمك متكلّمهم غير متعتع، فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول في غير موطن: «لن تقدّس أمّة لا يؤخذ للضعيف فيها حقّه من القويّ غير متعتع» …

ثمّ أمض لكلّ يوم، فإنّ لكلّ يوم ما فيه، واجعل لنفسك فيما بينك وبين الله أفضل تلك المواقيت وأجزل تلك الأقسام، وإن كانت كلّها لله إذ صحّت فيها النيّة، وسلمت منها الرعيّة، وليكن في خاصّ ما تخلّص لله به دينك إقامة فرائضه التي هي له خاصّة، فأعط الله من بدنك في ليلك ونهارك ما يجب، فإنّ الله جعل النافلة لنبيّه خاصّة دون خلقه فقال: ﴿وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِۦ نَافِلَةٗ لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامٗا مَّحۡمُودٗا﴾، فذلك أمر اختصّ الله به نبيّه وأكرمه به ليس لأحد سواه، وهو لمن سواه تطوّع، فإنّه يقول:
﴿وَمَن تَطَوَّعَ خَيرًا فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَليمٌ﴾

فإذا قمت في صلاتك بالناس فلا تطوّلنّ، ولا تكوننّ منفّراً ولا مضيّعاً، فإنّ في الناس من به العلّة وله الحاجة، وقد سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين وجّهني إلى اليمن: كيف أصلّي بهم؟ فقال (صلى الله عليه وآله): «صلّ بهم كصلاة أضعفهم، وكن بالمؤمنين رحيماً».

وبعد هذا فلا تطوّلنّ احتجابك عن رعيّتك، فإنّ احتجاب الولاة عن الرعيّة شعبة من الضيق وقلّة علم بالأمور، والاحتجاب يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه، فيصغر عندهم الكبير ويعظم الصغير ويقبح الحسن ويحسن القبيح ويشاب الحقّ بالباطل، وإنّما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور …

وإيّاك والدماء وسفكها بغير حلّها، فإنّه ليس شيء أدعى لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحرى لزوال نعمة وانقطاع مدّة من سفك الدماء بغير الحقّ، والله مبتدئ بالحكم بين العباد فيما يتسافكون من الدماء، فلا تصوننّ سلطانك بسفك دم حرام، فإنّ ذلك يخلقه ويزيله، فإيّاك والتعرّض لسخط الله، فإنّ الله قد جعل لوليّ من قتل مظلوماً سلطاناً، قال الله: ﴿وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومٗا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلۡطَٰنٗا فَلَا يُسۡرِف فِّي ٱلۡقَتۡلِۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورٗا﴾

وإيّاك والإعجاب بنفسك، والثقة بما يعجبك منها، وحبّ الإطراء، فإنّ ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه، ليمحق ما يكون من إحسان المحسن …

ثمّ املك حميّة أنفك وسورة حدّتك وسطوة يدك وغرب لسانك، واحترس كلّ ذلك بكفّ البادرة وتأخير السطوة، وارفع بصرك إلى السماء عند ما يحضرك منه، حتّى يسكن غضبك فتملك الاختيار، ولن تحكّم ذلك من نفسك حتّى تكثر همومك بذكر المعاد … .

المصدر الأصلي: تحف العقول
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٤
، ص٢٤۰-٢٦٥
(١) «الحَدوَة»: السوق والبعث. راجع: شرح نهج البلاغة (لابن أبي الحديد)، ج١٧، ص٧۰.