Search
Close this search box.
Layer 5
.
فهرس جواهر البحار
كتاب العقل والعلم والجهل
كتاب العدل والمعاد
كتاب النبوة
كتاب تاريخ نبينا (ص)
كتاب الإمامة
كتاب تاريخ أميرالمؤمنين (ع)
كتاب تاريخ فاطمة والحسنين (ع)
كتاب تاريخ السجاد والباقر والصادق والكاظم (ع)
كتاب تاريخ الرضا والجواد والهادي والعسكري (ع)
كتاب تاريخ الحجة (عج)
كتاب السماء والعالم
كتاب الإيمان والكفر
كتاب العشرة
كتاب الآداب والسنن
كتاب الروضة
كتاب الطهارة
كتاب الصلاة
كتاب القرآن
كتاب الأدعية والأذكار
كتاب الصوم
كتاب الحج والعمرة
كتاب المزار
كتاب العقود والإيقاعات

وهذه أحاديث جليلة جمعها العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار،وقد اقتبس الشيخ حبيب الكاظمي بعض هذه الأحاديث وحذف أسانيدها مع مراعاة التبويب، فكانت جواهر البحار الذي بين يديك.

الحديث: ١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٩٤

قال الباقر عليه السلام: والله، إن كان عليّ عليه السلام ليأكل أكل العبد ويجلس جلسة العبد، وإن كان ليشتري القميصين السنبلانيّين فيخيّر غلامه خيرهما ثمّ يلبس الآخر، فإذا جاز أصابعه قطعه، وإذا جاز كعبه حذفه‏.

المصدر الأصلي: الأمالي للصدوق
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص١٠٢
الحديث: ٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٩٥

كان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام إذا أتي بالمال أدخله بيت مال المسلمين ثمّ جمع المستحقّين ثمّ ضرب يده في المال فنثره يمنة ويسرة وهو يقول: يا صفراء، يا بيضاء، لا تغرّيني، غرّي غيري.

هذا جناي وخياره فيه
إذ كلّ جانٍ يده إلى فيه‏

ثمّ لا يخرج حتّى يفرق ما في بيت مال المسلمين، ويؤتي كلّ ذي حقّ حقّه، ثمّ يأمر أن يكنس ويرشّ، ثمّ يصلّي فيه ركعتين، ثمّ يطلّق الدنيا ثلاثاً، يقول بعد التسليم: يا دنيا، لا تتعرّضين لي ولا تتشوّقين إليّ ولا تغرّيني، فقد طلّقتك ثلاثاً، لا رجعة لي عليك‏.

المصدر الأصلي: الأمالي للصدوق
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص١٠٣
الحديث: ٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٩٦

قال الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كتب إلى عمّاله: أدقّوا أقلامكم، وقاربوا بين سطوركم، واحذفوا عنّي فضولكم، واقصدوا قصد المعاني، وإيّاكم والإكثار، فإنّ أموال المسلمين لا تحتمل الإضرار.

المصدر الأصلي: الخصال
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص١٠٥
الحديث: ٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٩٧

قال جعفر بن عقبة: قال الرضا عليه السلام: إنّ عليّاً عليه السلام لم يبت بمكّة بعد إذ هاجر منها حتّى قبضه الله عزّ وجلّ إليه، قلت له: ولم ذاك؟ قال عليه السلام: كان يكره أن يبيت بأرض قد هاجر منها رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان يصلّي العصر ويخرج منها ويبيت بغيرها.

المصدر الأصلي: علل الشرائع، عيون أخبار الرضا عليه السلام
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص١٠٧
الحديث: ٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٩٨

عن هلال بن مسلم الجحدري، عن جدّه، قال: شهدت عليّ بن أبي طالب عليه السلام أتي بمال عند المساء، فقال: اقسموا هذا المال، فقالوا: قد أمسينا يا أمير المؤمنين، فأخّره إلى غد، فقال عليه السلام لهم: تقبلون أن أعيش إلى غد؟ فقالوا: ماذا بأيدينا؟ قال عليه السلام: فلا تؤخّروه حتّى تقسّموه، فأتي بشمع فقسّموا ذلك المال من تحت ليلتهم.

المصدر الأصلي: الأمالي للطوسي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص١٠٧
الحديث: ٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٩٩

قال الصادق عليه السلام: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول للناس بالكوفة: يا أهل الكوفة، أ تروني لا أعلم ما يصلحكم؟ بلى، ولكنّي أكره أن أصلحكم بفساد نفسي.

المصدر الأصلي: المجالس للمفيد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص١١٠
الحديث: ٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٠٠

دخل عليه عليه السلام عمرو بن العاص ليلة وهو في بيت المال، فطفئ السراج وجلس في ضوء القمر، ولم يستحلّ أن يجلس في الضوء بغير استحقاق.

المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص١١٦
الحديث: ٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٠١

قال عليه السلام فيما ردّه على المسلمين من قطائع عثمان: والله، لو وجدته قد تزوّج به النساء وملك به الإماء لرددته؛ فإنّ في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق.

المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص١١٦
الحديث: ٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٠٢

قال الحسين عليه السلام: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليّ عليه السلام يسعى بقوم، فأمرني أن دعوت له قنبراً، فقال له عليّ عليه السلام: اخرج إلى هذا الساعي، فقل له: قد أسمعتنا ما كره الله تعالى، فانصرف في غير حفظ الله تعالى.

المصدر الأصلي: كشف الغمّة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص١١٩
الحديث: ١٠
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٠٣

إنّ سودة بنت عمارة الهمدانية ١ دخلت على معاوية بعد موت علي عليه السلام، فجعل يؤنّبها على تحريضها عليه أیّام صفّين، وآل أمره إلى أن قال: ما حاجتك؟ قالت: إنّ الله مسائلك عن أمرنا، وما افترض عليك من حقّنا ولا يزال يتقدّم علينا من قبلك من يسمو بمكانك، ويبطش بقوّة سلطانك، فيحصدنا حصيد السنبل، ويدوسنا دوس الحرمل، يسومنا الخسف، ويذيقنا الحتف، هذا بسر بن أرطاة قدم علينا فقتل رجالنا، وأخذ أموالنا، ولولا الطاعة لكان فينا عزّ ومنعة، فإن عزلته عنّا شكرناك وإلّا كفرناك.

فقال معاوية: إيّاي تهدّدين بقومك يا سودة؟ لقد هممت أن أحملك على قتب أشوس، فأردّك إليه فينفذ فيك حكمه، فأطرقت سودة ساعة، ثمّ قالت:

صلّی الإله علی روح تضمّنها
قبر فأصبح فیه العدل مدفوناً

قد حالف الحقّ لا یبغی به بدلاً
فصار بالحقّ والإیمان مقروناً

فقال معاوية: من هذا يا سودة؟ قالت: هو _ والله _ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، والله، لقد جئته في رجل كان قد ولاّه صدقاتنا فجار علينا، فصادفته قائماً يصلّي، فلمّا رآني انفتل من صلاته ثمّ أقبل عليّ برحمة ورفق ورأفة وتعطّف، وقال: أ لك حاجة؟ قلت: نعم، فأخبرته الخبر، فبكى، ثمّ قال: اللّهمّ، أنت الشاهد عليّ وعليهم، وأنّي لم آمرهم بظلم خلقك، ثمّ أخرج قطعة جلد فكتب فيها:﴿بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ ۞ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الكَيْلَ وَالمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾؛ فإذا قرأت كتابي هذا، فاحتفظ بما في يدك من عملنا حتّى يقدم عليك من يقبضه منك، والسلام.

ثمّ دفع الرقعة إليّ، فوالله، ما ختمها بطين ولا خزنها، فجئت بالرقعة إلى صاحبه فانصرف عنّا معزولاً، فقال معاوية: اكتبوا لها كما تريد، واصرفوها إلى بلدها غير شاكية.

المصدر الأصلي: كشف الغمّة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص١١٩-١٢٠
(١) سودة بنت عمارة بن الأسك: شاعرة كانت تحرّض الناس علی نصرة أمیرالمؤمنین عليّ عليه السلام یوم صفّین. راجع: أعيان الشيعة، ج٧، ص٣٢٤.
الحديث: ١١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٠٤

دخل ضرار بن ضمرة الليثي على معاوية، فقال له: صف لي عليّاً، فقال: أ ولا تعفيني من ذلك؟ فقال: لا أعفيك، فقال: كان _ والله _ بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلاً ويحكم عدلاً، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، كان _ والله _ غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلّب كفّيه، ويخاطب نفسه، ويناجي ربّه، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب.

كان _ والله _ فينا كأحدنا يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع دنوّه منّا وقربنا منه لا نكلّمه لهيبته، ولا نرفع عيننا لعظمته، فإن تبسّم فمن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظّم أهل الدين، ويحبّ المساكين، لا يطمع القويّ في باطله، ولا ييأس الفقير من عدله. فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله ١ ، وغارت نجومه وهو قائم في محرابه قابض على لحيته، يتململ تململ السليم ٢، ويبكي بكاء الحزين، فكأنّي الآن أسمعه وهو يقول: يا دنيا، يا دنيّة، أ بي تعرّضت؟ أم إليّ تشوّقت؟ هيهات هيهات، غرّي غيري لا حاجة لي فيك، قد بتتّك ثلاثاً لا رجعة لي فيها، فعمرك قصير، وخطرك يسير، وأملك حقير، آه آه، من قلّة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق، وعظم المورد.

فوكفت ٣ دموع معاوية على لحيته فنشفّها بكمّه، واختنق القوم بالبكاء، ثمّ قال: كان _ والله _ أبو الحسن كذلك، فكيف صبرك عنه يا ضرار؟ قال: صبر من ذبح ولدها على صدرها، فهي لا ترقى عبرتها ولا تسكن حسرتها، ثمّ قام وخرج وهو باكٍ.

فقال معاوية: أما إنّكم لو فقدتموني لما كان فيكم من يثني عليّ هذا الثناء، فقال بعض من حضر: الصاحب على قدر صاحبه.

المصدر الأصلي: إرشاد القلوب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص١٢٠-١٢١
(١) «السُدُول»: جمع السُدْل، وهي: السِتر. لسان العرب، ج١١، ص٣٣٣.
(٢) «السَليم»: اللديغ. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج٢، ص٣٩٦.
(٣) «وَكَفَ»: سَالَ. لسان العرب، ج٩، ص٣٦٢.
الحديث: ١٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٠٥

قال الأصبغ بن نباتة: كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا أراد أن يوبّخ الرجل يقول: والله، لأنت أعجز من التارك الغسل يوم الجمعة، وإنّه لا يزال في طهر إلى الجمعة الأخرى.

المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص١٢٣
الحديث: ١٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٠٦

قال أمير المؤمنين عليه السلام _ في احتجاج على عاصم بن زياد حين لبس العباء، وترك الملاء ١ ، وشكاه أخوه الربيع بن زياد إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قد غمّ أهله، وأحزن ولده بذلك _: عليّ بعاصم بن زياد، فجيء به، فلمّا رآه عبس في وجهه، فقال له: أ ما استحييت من أهلك، أ ما رحمت ولدك؟ أ ترى الله أحلّ لك الطيّبات وهو يكره أخذك منها؟ أنت أهون على الله من ذلك، أ وليس الله يقول: ﴿وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ ۞ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ﴾؟ أ وليس يقول: ﴿مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ۞ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ﴾ _ إلى قوله _: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ﴾؟ فبالله، لابتذال نعم الله بالفعال أحبّ إليه من ابتذالها بالمقال، وقد قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾.

فقال عاصم: يا أمير المؤمنين، فعلی ما اقتصرت في مطعمك على الجشوبة، وفي ملبسك على الخشونة؟ فقال عليه السلام: ويحك، إنّ الله تعالی فرض على أئمّة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس، كيلا يتبيّغ بالفقير فقره، فألقى عاصم بن زياد العباء ولبس الملاء.

المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص١٢٣-١٢٤
(١) «الْمُلَاء»: كلّ ثوب ليّن رقيق. مجمع البحرين، ج١، ص٣٩٨.
الحديث: ١٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٠٧

قال برید بن معاویة: قال الصادق عليه السلام: بعث أمير المؤمنين عليه السلام مصدّقاً ١ من الكوفة إلى باديتها، فقال: يا عبد الله، انطلق وعليك بتقوى الله وحده لا شريك له، ولا تؤثرنّ دنياك على آخرتك، وكن حافظاً لما ائتمنتك عليه مراعياً لحقّ الله فيه، حتّى تأتي نادي بني فلان، فإذا قدمت فانزل بماءهم من غير أن تخالط أبياتهم، ثمّ امض إليهم بسكينة ووقار حتّى تقوم بينهم فتسلّم عليهم، ثمّ قل لهم: يا عباد الله، أرسلني إليكم وليّ الله لآخذ منكم حقّ الله في أموالكم، فهل لله في أموالكم من حقّ فتؤدّوه إلى وليّه؟ فإن قال لك قائل: لا، فلا تراجعه، وإن أنعم لك منهم منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو تعده إلّا خيراً.

فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلّا بإذنه، فإنّ أكثره له، فقل: يا عبد الله، أ تأذن لي في دخول مالك؟ فإن أذن لك فلا تدخله دخول متسلّط عليه فيه، ولا عنف به، فاصدع المال صدعين، ثمّ خيّره أيّ الصدعين شاء، فأيّهما اختار فلا تعرّض له، ثمّ اصدع الباقي صدعين، ثمّ خيّره فأيّهما اختار فلا تعرّض له، ولا تزال كذلك حتّى يبقى ما فيه وفاء لحقّ الله تبارك وتعالى في ماله. فإذا بقي ذلك فاقبض حقّ الله منه، وإن استقالك فأقله، ثمّ اخلطهما واصنع مثل الذي صنعت أوّلاً حتّى تأخذ حقّ الله في ماله، فإذا قبضته فلا توكّل به إلّا ناصحاً شفيقاً أميناً حفيظاً غير معنف بشيء منها، ثمّ احدر كلّ ما اجتمع عندك من كلّ نادٍ إلينا نصيّره حيث أمر الله عزّ وجلّ.

فإذا انحدر فيها رسولك فأوعز إليه أن لا يحول بين ناقة وبين فصيلها، ولا يفرّق بينهما، ولا يمصرنّ ٢ لبنها فيضرّ ذلك بفصيلها، ولا يجهد بها ركوباً، وليعدل بينهنّ في ذلك، وليوردهنّ كلّ ماء يمرّ به، ولا يعدل بهنّ عن نبت الأرض إلى جوادّ الطريق في الساعة التي فيها تريح وتغبق، وليرفق بهنّ جهده حتّى يأتينا بإذن الله سحاحاً سماناً غير متعبات ولا مجهدات، فنقسمهنّ بإذن الله على كتاب الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه وآله على أولياء الله، فإنّ ذلك أعظم لأجرك وأقرب لرشدك، ينظر الله إليها وإليك وإلى جهدك ونصيحتك لمن بعثك وبعثت في حاجته، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ما ينظر الله إلى وليّ له يجهد نفسه بالطاعة والنصيحة له ولإمامه، إلّا كان معنا في الرفيق الأعلى.

ثمّ بكى الصادق عليه السلام ثمّ قال: يا بريد، لا، والله، ما بقيت لله حرمة إلّا انتهكت، ولا عمل بكتاب الله ولا سنّة نبيّه في هذا العالم، ولا أقيم في هذا الخلق حدّ منذ قبض الله أمير المؤمنين عليه السلام، ولا عمل بشيء من الحقّ إلى يوم الناس هذا.

ثمّ قال عليه السلام: أما والله، لا تذهب الأيّام والليالي حتّى يحيي الله الموتى، ويميت الأحياء، ويردّ الله الحقّ إلى أهله، ويقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه ونبيّه صلى الله عليه وآله، فأبشروا ثمّ أبشروا ثمّ أبشروا، فوالله، ما الحقّ إلّا في أيديكم.

المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص١٢٦-١٢٧
(١) «المُصَدِّق»: العامل للأخذ وقبول الزكاة. راجع: لسان العرب، ج١٠، ص١٩٦.
(٢) «المَصْر»: حلب كلّ ما في الضرع. لسان العرب، ج٥، ص١٧٥.
الحديث: ١٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٠٨

قال الصادق عليه السلام: مرّ أمير المؤمنين عليه السلام على جارية قد اشترت لحماً من قصّاب، وهي تقول: زدني، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: زدها، فإنّه أعظم للبركة.

المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص١٢٩
الحديث: ١٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٠٩

قال الصادق عليه السلام: ما أكل رسول الله صلى الله عليه وآله متّكئاً منذ بعثه الله عزّ وجلّ إلى أن قبضه تواضعاً لله عزّ وجلّ، وما رأى ركبتيه أمام جليسه في مجلس قطّ، ولا صافح رسول الله صلى الله عليه وآله رجلاً قطّ فنزع يده حتّى يكون الرجل هو الذي ينزع يده، ولا كافأ رسول الله صلى الله عليه وآله بسيّئة قطّ، قال الله له: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ﴾ ففعل. وما منع سائلاً قطّ، إن كان عنده أعطى وإلّا قال: يأتي الله به، ولا أعطى على الله عزّ وجلّ شيئاً قطّ إلّا أجازه الله، إن كان ليعطي الجنّة فيجيز الله عزّ وجلّ له ذلك.

قال: وكان أخوه من بعده _ والذي ذهب بنفسه _ ما أكل من الدنيا حراماً قطّ حتّى خرج منها، والله، إن كان ليعرض له الأمران كلاهما لله عزّ وجلّ طاعة فيأخذ بأشدّهما على بدنه، والله، لقد أعتق ألف مملوك لوجه الله عزّ وجلّ دبرت ١ فيهم يداه، والله، ما أطاق عمل رسول الله صلى الله عليه وآله من بعده أحد غيره، والله، ما نزلت برسول الله صلى الله عليه وآله نازلة قطّ إلّا قدّمه فيها ثقة به منه، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وآله ليبعثه برايته، فيقاتل جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، ثمّ ما يرجع حتّى يفتح الله عزّ وجلّ له.

المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص١٣٠-١٣١
(١) «دَبِرَ»: جَرَحَ. مجمع البحرين، ج٣، ص٢٩٩.
الحديث: ١٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢١٠

قيل لأمير المؤمنين عليه السلام: ما شأنك جاورت المقبرة؟ فقال عليه السلام: إنّي أجدهم جيران صدق، يكفّون السيّئة ويذكّرون الآخرة.

المصدر الأصلي: الدعوات
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص١٣٢
الحديث: ١٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢١١

قال زين العابدين عليه السلام: ما أصيب أمير المؤمنين عليه السلام بمصيبة إلّا صلّى في ذلك اليوم ألف ركعة، وتصدّق على ستّين مسكيناً، وصام ثلاثة أيّام.

المصدر الأصلي: الدعوات
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص١٣٢
الحديث: ١٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢١٢

قال زين العابدين عليه السلام: ما أصيب أمير المؤمنين عليه السلام بمصيبة إلّا صلّى في ذلك اليوم ألف ركعة، وتصدّق على ستّين مسكيناً، وصام ثلاثة أيّام.

المصدر الأصلي: الدعوات
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص١٣٢
الحديث: ٢٠
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢١٣

قال ابن أبي الحدید: وأمّا فضائله فإنّها قد بلغت من العظم والانتشار مبلغاً يسمج ١ معه التعرّض لذكرها والتصدّي لتفصيلها …

وما أقول في رجل أقرّ له أعداؤه وخصومه بالفضل، ولم يمكنهم جهل مناقبه ولا كتمان فضائله؟ فقد علمت أنّه استولى بنو أميّة على سلطان الإسلام في شرق الأرض وغربها، واجتهدوا بكلّ حيلة في إطفاء نوره والتحريف عليه ووضع المعایب والمثالب له، ولعنوه على جميع المنابر وتوعّدوا مادحيه بل حبسوهم وقتلوهم، ومنعوا من رواية حديث يتضمّن له فضيلة أو يرفع له ذكراً، حتّى حظروا أن يسمّى أحد باسمه، فما زاده ذلك إلّا رفعة وسموّاً، وكان كالمسك كلّما ستر انتشر عرفه ٢ ، وكلّما كتم تضوّع نشره، وكالشمس لا تستر بالراح، وكضوء النهار إن حجبت عنه عين واحدة أدركته عيون كثيرة أخرى.

وما أقول في رجل تعزى إليه كلّ فضيلة، وتنتهي إليه كلّ فرقة؟ فهو رئيس الفضائل وينبوعها، وأبو عذرها، وسابق مضمارها، ومجلي حلبتها، كلّ من برع فيها بعده فمنه أخذ، وله اقتفى وعلى مثاله احتذى.

وقد عرفت أنّ أشرف العلوم هو العلم الإلهي؛ لأنّ شرف العلم بشرف المعلوم ومعلومه أشرف الموجودات، فكان هو أشرف العلوم، ومن كلامه عليه السلام اقتبس وعنه نقل، وإليه انتهى ومنه ابتدئ، فإنّ المعتزلة الذين هم أهل التوحيد والعدل وأرباب النظر ومنهم تعلّم الناس هذا الفنّ، تلامذته وأصحابه؛ لأنّ كبيرهم واصل بن عطاء تلميذ أبي هاشم عبد الله بن محمّد بن الحنفية، وأبو هاشم تلميذ أبيه، وأبوه تلميذه عليه السلام، وأمّا الأشعرية فإنّهم ينتمون إلى أبي الحسن عليّ بن أبي بشير الأشعري، وهو تلميذ أبي عليّ الجبّائي، وأبو عليّ أحد مشايخ المعتزلة، فالأشعريّة ينتهون بالأخرة إلى أستاذ المعتزلة ومعلّمهم وهو عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وأمّا الإمامية والزيدية فانتماؤهم إليه ظاهر.

ومن العلوم: علم الفقه، وهو أصله وأساسه، وكلّ فقيه في الإسلام فهو عيال عليه ومستفيد من فقهه، أمّا أصحاب أبي حنيفة كأبي يوسف ومحمّد وغيرهما فأخذوا عن أبي حنيفة، وأمّا الشافعي فقرأ على محمّد بن الحسن فيرجع فقهه أيضاً إلى أبي حنيفة، وأبو حنيفة قرأ على جعفر بن محمّد عليه السلام وجعفر عليه السلام قرأ على أبيه، وينتهي الأمر إلى عليّ عليه السلام وأمّا مالك بن أنس فقرأ على ربيعة الرأي، وقرأ ربيعة على عكرمة، وقرأ عكرمة على عبد الله بن عبّاس، وقرأ عبد الله بن عبّاس على عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وإن شئت رددت إلى فقه الشافعي بقراءته على مالك كان لك ذلك. فهؤلاء الفقهاء الأربعة، وأمّا فقه الشيعة فرجوعه إليه ظاهر.

وأيضاً فإنّ فقهاء الصحابة كانوا عمر بن الخطّاب وعبد الله بن عبّاس، وكلاهما أخذا عن عليّ عليه السلام. أمّا ابن عبّاس فظاهر، وأمّا عمر فقد عرف كلّ أحد رجوعه إليه في كثير من المسائل التي أشكلت عليه وعلى غيره من الصحابة، وقوله غير مرّة: «لولا عليّ لهلك عمر». وقوله: «لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو حسن»، وقوله: «لا يفتينّ أحد في المسجد وعليّ عليه السلام حاضر»، فقد عرف بهذا الوجه أيضاً انتهاء الفقه إليه، وقد روت العامّة والخاصّة قوله صلى الله عليه وآله: «أقضاكم عليّ» والقضاء هو الفقه، فهو إذن أفقهم …

ومن العلوم: علم تفسير القرآن، وعنه أخذ ومنه فرّع، وإذا رجعت إلى كتب التفسير علمت صحّة ذلك؛ لأنّ أكثره عنه وعن عبد الله بن عبّاس، وقد علم الناس حال ابن عبّاس في ملازمته وانقطاعه إليه، وإنّه تلميذه وخرّيجه، وقيل له: أين علمك من علم ابن عمّك؟ فقال: كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط.

ومن العلوم: علم الطريقة والحقيقة وأحوال التصوّف، وقد عرفت أنّ أرباب هذا الفنّ في جميع بلاد الإسلام إليه ينتهون وعنده يقفون، وقد صرّح بذلك الشبلي والجنيد والسريّ وأبو يزيد البسطامي وأبو محفوظ معروف الكرخي، ويكفيك دلالة على ذلك الخرقة التي هي شعارهم إلى اليوم، وكونهم يسندونها بإسناد متّصل إليه عليه السلام.

ومن العلوم: علم النحو والعربيّة، وقد علم الناس كافّة أنّه هو الذي ابتدعه وأنشأه وأملى على أبي الأسود الدؤلي جوامعه وأصوله …

أمّا الشجاعة، فإنّه أنسى الناس فيها ذكر من كان قبله، ومحا اسم من يأتي بعده، ومقاماته في الحرب مشهورة يضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة، وهو الشجاع الذي ما فرّ قطّ، ولا ارتاع من كتيبة، ولا بارز أحداً إلّا قتله، ولا ضرب ضربةً قطّ فاحتاجت الأولى إلى الثانية، وفي الحديث: «كانت ضرباته وتراً»، ولمّا دعا معاوية إلى المبارزة ليستريح الناس من الحرب بقتل أحدهما، قال له عمرو: لقد أنصفك. فقال معاوية: ما غششتني منذ نصحتني إلّا اليوم، أ تأمرني بمبارزة أبي حسن وأنت تعلم أنّه الشجاع المطرق؟ أراك طمعت في إمارة الشام بعدي، وكانت العرب تفتخر بوقوفها في الحرب في مقابلته، فأمّا قتلاه فافتخار رهطهم بأنّه عليه السلام قتلهم أظهر وأكثر.

قالت أخت عمرو بن عبد ودّ، ترثيه:

لو كان قاتل عمرو غیر قاتله
بكیته أبداً ما دمت في الأبد

لكنّ قاتله من لا نظیر له
وكان یدّعی أبوه بیضة البلد

وانتبه معاوية يوماً فرأى عبد الله بن الزبير جالساً تحت رجليه على سريره، فقال له عبد الله يداعبه: يا أمير المؤمنين، لو شئت أن أفتك بك لفعلت، فقال: لقد شجعت بعدنا يا أبا بكر، قال: وما الذي تنكره من شجاعتي وقد وقفت في الصفّ إزاء عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: لا جرم، إنّه قتلك وأباك بيسرى يديه، وبقيت اليمنى فارغة يطلب من يقتله بها، وجملة الأمر أنّ كلّ شجاع في الدنيا إليه ينتهي، وباسمه ينادي في مشارق الأرض ومغاربها.

وأمّا القوّة والأيد فبه يضرب المثل فيهما؛ قال ابن قتيبة في المعارف: ما صارع أحداً قطّ إلّا صرعه، وهو الذي قلع باب خيبر، واجتمع عليه عصبة من الناس ليقلبوه فلم يقلبوه، وهو الذي اقتلع هبل من أعلى الكعبة وكان عظيماً جدّاً، فألقاه إلى الأرض، وهو الذي اقتلع الصخرة العظيمة في أيّام خلافته بعد عجز الجيش كلّه عنها، فأنبط الماء من تحتها.

وأمّا السخاء والجود فحاله فيه ظاهرة، كان يصوم ويطوي ويؤثر بزاده … وقال عدوّه ومبغضه _ الذي يجتهد في وصمه وعيبه _ معاوية بن أبي سفيان لمحفن بن أبي محفن الضبّي _ لمّا قال: جئتك من عند أبخل الناس _: ويحك، كيف تقول إنّه أبخل الناس ولو ملك بيتاً من تبر ٣ وبيتاً من تبن ٤ لأنفد تبره قبل تبنه؟ وهو الذي كان يكنس بيوت الأموال ويصلّي فيها، وهو الذي قال: يا صفراء، ويا بيضاء، غرّي غيري، وهو الذي لم يخلّف ميراثاً، وكانت الدنيا كلّها بيده إلّا ما كان من الشام.

أمّا الحلم والصفح، فكان أحلم الناس من ذنب، وأصفحهم عن مسيء، وقد ظهرت صحّة ما قلناه يوم الجمل حيث ظفر بمروان بن الحكم، وكان أعدى الناس له وأشدّهم بغضاً، فصفح عنه، وكان عبد الله بن الزبير يشتمه على رؤوس الأشهاد، وخطب يوم البصرة، فقال: «قد أتاكم الوغب اللئيم عليّ بن أبي طالب»، وكان عليّ عليه السلام يقول: «مازال الزبير رجلاً منّا أهل البيت حتّى شبّ عبد الله»، فظفر به يوم الجمل فأخذه أسيراً، فصفح عنه وقال: اذهب، فلا أرينّك، لم يزده على ذلك، وظفر بسعيد بن العاص بعد وقعة الجمل بمكّة، وكان له عدوّاً فأعرض عنه ولم يقل له شيئاً.

وقد علمتم ما كان من عائشة في أمره، فلمّا ظفر بها أكرمها وبعث معها إلى المدينة عشرين امرأة من نساء عبد القيس، عمّمهنّ بالعمائم وقلّدهنّ بالسيوف، فلمّا كانت ببعض الطريق ذكرته بما لا يجوز أن يذكر به وتأنّفت، وقالت: هتك سرّي برجاله وجنده الذين وكّلهم بي، فلمّا وصلت المدينة ألقى النساء عمائمهنّ وقلن لها: إنّما نحن نسوة.

وحاربه أهل البصرة وضربوا وجهه ووجوه أولاده بالسيف، وشتموه ولعنوه، فلمّا ظفر بهم رفع السيف عنهم.

ونادى مناديه في أقطار العسكر: ألا لا يتّبع مولٍّ، ولا يجهز على جريح، ولا يقتل مستأثر، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن تحيز إلى عسكر الإمام فهو آمن، ولم يأخذ أثقالهم ولا سبي ذراريهم ولا غنم شيئاً من أموالهم، ولو شاء أن يفعل كلّ ذلك لفعل، ولكنّه أبى إلّا الصفح والعفو.

وتقبّل سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله يوم فتح مكّة، فإنّه عفا والأحقاد لم تبرد والإساءة لم تنس، ولمّا ملك عسكر معاوية عليه الماء وأحاطوا بشريعة الفرات وقالت رؤساء الشام له: اقتلهم بالعطش كما قتلوا عثمان عطشاً، سألهم عليّ عليه السلام وأصحابه أن يسوّغوا لهم شرب الماء، فقالوا: لا، والله، ولا قطرة حتّى تموت ظمأ كما مات ابن عفّان.

فلمّا رأى عليه السلام أنّه الموت لا محالة، تقدّم بأصحابه وحمل على عساكر معاوية حملات كثيفة، حتّى أزالهم عن مراكزهم بعد قتل ذريع سقطت منه الرؤوس والأيدي، وملكوا عليهم الماء، وصار أصحاب معاوية في الفلاة لا ماء لهم، فقال له أصحابه وشيعته: امنعهم الماء يا أمير المؤمنين، كما منعوك، ولا تسقهم منه قطرة، واقتلهم بسيوف العطش، وخذهم قبضاً بالأيدي، فلا حاجة لك إلى الحرب، فقال عليه السلام: لا والله، لا أكافيهم بمثل فعلهم، افسحوا لهم عن بعض الشريعة، ففي حدّ السيف ما يغني عن ذلك. فهذه إن نسبْتها إلى الحلم والصفح فناهيك بها جمالاً وحسناً، وإن نسبتها إلى الدين والورع فأخلق بمثلها أن تصدر عن مثله عليه السلام.

أمّا الجهاد في سبيل الله، فمعلوم عند صديقه وعدوّه أنّه سيّد المجاهدين، وهل الجهاد لأحد من الناس إلّا له؟ وقد عرفت أنّ أعظم غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وآله وأشدّها نكاية في المشركين بدر الكبرى، قتل فيها سبعون من المشركين، قتل عليّ عليه السلام نصفهم وقتل المسلمون والملائكة النصف الآخر. وإذا رجعت إلى مغازي محمّد بن عمر الواقدي وتاريخ الأشراف ليحيى بن جابر البلاذري وغيرهما علمت صحّة ذلك، دع من قتله في غيرها كأحد والخندق وغيرهما، وهذا الفصل لا معنى للإطناب فيه؛ لأنّه من المعلومات الضرورية كالعلم بوجود مكّة ومصر ونحوهما.

أمّا الفصاحة، فهو إمام الفصحاء وسيّد البلغاء، وعن كلامه قيل: دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين، ومنه تعلّم الناس الخطابة والكتابة، وقال عبد الحميد بن يحيى ٥ : حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع ٦ ففاضت ثمّ فاضت. وقال ابن نباتة ٧ : حفظت من الخطابة كنزاً لا يزيده الإنفاق إلّا سعة وكثرة، حفظت مائة فصل من مواعظ عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

ولمّا قال محفن ابن أبي محفن لمعاوية: جئتك من عند أعيى الناس، قال له: ويحك، كيف يكون أعيى الناس؟ فوالله، ما سنّ الفصاحة لقريش غيره؟ ويكفي هذا الكتاب الذي نحن شارحوه دلالة على أنّه لا يجارى في الفصاحة ولا يبارى في البلاغة، وحسبك أنّه لم يدوّن لأحد من فصحاء الصحابة العشر ولا نصف العشر ممّا دوّن له، وكفاك في هذا الباب ما يقوله أبو عثمان الجاحظ في مدحه في كتاب البيان والتبيين وفي غيره من كتبه.

وأمّا سجاحة الأخلاق وبشر الوجه وطلاقة المحيا والتبسّم، فهو المضروب به المثل فيه حتّى عابه بذلك أعداؤه، وقال عمرو بن العاص لأهل الشام: إنّه ذو دعابة شديدة. وقال عليّ عليه السلام في ذاك: «عجباً لابن النابغة! يزعم لأهل الشام أنّ فيّ دعابة وأنّي امرؤ تلعابة، أعافس ٨ وأمارس»، وعمرو بن العاص إنّما أخذها عن عمر لقوله لمّا عزم على استخلافه: «لله أبوك، لولا دعابة فيك»، إلّا أنّ عمر اقتصر عليها وعمرو زاد فيها ونسجها، قال صعصعة بن صوحان وغيره من شيعته وأصحابه: كان فينا كأحدنا، لين جانب، وشدّة تواضع، وسهولة قياد، وكنّا نهابه مهابة الأسير المربوط للسيّاف الواقف على رأسه.

وقال معاوية لقيس بن سعد: رحم الله أبا حسن، فلقد كان هشّاً بشّاً ذا فكاهة، قال قيس: نعم، كان رسول الله صلى الله عليه وآله يمزح ويبسم إلى أصحابه، وأراك تسرّ حسواً في ارتغاء رفعه، وتعيبه بذلك، أما والله، لقد كان مع تلك الفكاهة والطلاقة أهيب من ذي لبدتين قد مسّه الطوى، تلك هيبة التقوى، ليس كما يهابك طغام أهل الشام، وقد بقي هذا الخلق متوارثاً متناقلاً في محبّيه وأوليائه إلى الآن، كما بقي الجفاء والخشونة والوعورة ٩ في الجانب الآخر، ومن له أدنى معرفة بأخلاق الناس وعوائدهم يعرف ذلك.

وأمّا الزهد في الدنيا، فهو سيّد الزهّاد، وبدل الأبدال، وإليه يشدّ الرحال وعنده تنفض الأحلاس، ما شبع من طعام قطّ، وكان أخشن الناس مأكلاً وملبساً. قال عبد الله بن أبي رافع: دخلت إليه يوم عيد، فقدّم جراباً مختوماً، فوجدنا فيه خبز شعير يابساً مرصوصاً، فقدّم فأكل، فقلت: يا أمير المؤمنين فكيف تختمه؟ قال: خفت هذين الولدين أن يلتّاه بسمن أو زيت.

وكان ثوبه مرقوعاً بجلد تارة وبليف أخرى، ونعلاه من ليف، وكان يلبس الكرابيس الغليظ، فإذا وجد كمّه طويلاً قطعه بشفرة فلم يخطّه، فكان لا يزال متساقطاً على ذراعيه حتّى يبقى سدىً لا لحمة له، وكان يأتدم إذا ائتدم بخلّ أو بملح، فإن ترقّى عن ذلك فببعض نبات الأرض، فإن ارتفع عن ذلك فبقليل من ألبان الإبل. ولا يأكل اللحم إلّا قليلاً ويقول: لا تجعلوا قلوبكم مقابر الحيوان، وكان مع ذلك أشدّ الناس قوّة وأعظمهم أيداً، لم ينقّص الجوع قوّته ولا يخور الإقلال منّته، وهو الذي طلّق الدنيا، وكانت الأموال تجبى إليه من جميع بلاد الإسلام إلّا من الشام، وكان يفرّقها ويمزّقها …

وأمّا العبادة، فكان أعبد الناس وأكثرهم صلاة وصوماً، ومنه تعلّم الناس صلاة الليل، وملازمة الأوراد، وقيام النافلة، وما ظنّك برجل يبلغ من محافظته على ورده أن يبسط له قطع ما بين الصفّين ليلة الهرير، فيصلّي عليه ورده والسهام تقع بين يديه تمرّ على صماخيه يميناً وشمالاً، فلا يرتاع لذلك ولا يقوم حتّى يفرغ من وظيفته، وما ظنّك برجل كانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده؟

وأنت إذا تأمّلت دعواته ومناجاته، ووقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه وإجلاله، وما يتضمّنه من الخضوع لهيبته والخشوع لعزّته والاستخذاء له، عرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص، وفهمت من أيّ قلب خرجت وعلى أيّ لسان جرت؟ وقيل لعليّ بن الحسين عليه السلام _ وكان الغاية في العبادة _: أين عبادتك من عبادة جدّك؟ قال عليه السلام: عبادتي عند عبادة جدّي كعبادة جدّي عند عبادة رسول الله صلى الله عليه وآله.

وأمّا قراءة القرآن والاشتغال به، فهو المنظور إليه في هذا الباب، اتّفق الكلّ على أنّه كان يحفظ القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يكن غيره يحفظه، ثمّ هو أوّل من جمعه، نقلوا كلّهم أنّه تأخّر عن بيعة أبي بكر فأهل الحديث لا يقولون ما تقوله الشيعة من أنّه تأخّر مخالفة للبيعة، بل يقولون: تشاغل بجمع القرآن، فهذا يدلّ على أنّه أوّل من جمع القرآن؛ لأنّه لو كان مجموعاً في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله لما احتاج إلى أن يتشاغل بجمعه بعد وفاته.

وإذا رجعت إلى كتب القراءة وجدت أئمّة القراءة كلّهم يرجعون إليه، كأبي عمرو بن أبي العلاء وعاصم بن أبي النجود وغيرهما؛ لأنّهم يرجعون إلى أبي عبد الرحمن السلمي الفارسي، وأبو عبد الرحمن كان تلميذه وعنه أخذ القرآن، فقد صار هذا الفنّ من الفنون التي تنتهي إليه أيضاً مثل كثير ممّا سبق.

وأمّا الرأي والتدبير، فكان من أشدّ الناس رأياً وأصحّهم تدبيراً، وهو الذي أشار إلى عمر لمّا عزم على أن يتوجّه بنفسه إلى حرب الروم والفرس بما أشار، وهو الذي أشار على عثمان بأمور كان صلاحه فيها، ولو قبلها لم يحدث عليه ما حدث، وإنّما قال أعداؤه: لا رأي له؛ لأنّه كان متقيّداً بالشريعة لا يرى خلافها، ولا يعمل بما يقتضي الدين تحريمه. وقد قال عليه السلام: «لولا التقى لكنت أدهى العرب» وغيره من الخلفاء كان يعمل بمقتضى ما يستصلحه ويستوفقه، سواء كان مطابقاً للشرع أو لم يكن، ولا ريب أنّ من يعمل بما يؤدّي إليه اجتهاده، ولا يقف مع ضوابط وقيود يمتنع لأجلها ممّا يرى الصلاح فيه، تكون أحواله الدنيوية إلى الانتظام أقرب، ومن كان بخلاف ذلك يكون أحواله الدنيوية إلى الانتشار أقرب.

وأمّا السياسة، فإنّه كان شديد السياسة، خشناً في ذات الله، لم يراقب ابن عمّه في عمل كان ولّاه إيّاه، ولا راقب أخاه عقيلاً في كلام جبهه به … ومن جملة سياسته حروبه في أيّام خلافته بالجمل وصفين والنهروان، وفي أقلّ القليل منها مقنع، فإنّ كلّ سائس في الدنيا لم يبلغ فتكه وبطشه وانتقامه مبلغ العشر ممّا فعل عليه السلام في هذه الحروب بيده وأعوانه، فهذه هي خصائص البشر ومزاياهم قد أوضحنا أنّه فيها الإمام المتّبع فعله والرئيس المقتفى أثره.

وما أقول في رجل يحبّه أهل الذمّة على تكذيبهم بالنبوّة، وتعظّمه الفلاسفة على معاندتهم لأهل الملّة، وتصوّر ملوك الفرنج والروم صورته في بيعها وبيوت عباداتها حاملاً سيفه مشمّراً لحربه، وتصوّر ملوك الترك والديلم صورته على أسيافها؟ كان على سيف عضد الدولة بن بويه وسيف أبيه ركن الدولة، وكان على سيف الأرسلان وابنه ملكشاه صورته، كأنّهم يتفاءلون به النصر والظفر.

وما أقول في رجل أحبّ كلّ أحد أن يتكثّر به، وودّ كلّ أحد أن يتجمّل ويتحسّن بالانتساب إليه؟ حتّى الفتوّة التي أحسن ما قيل في حدّها: أن لا تستحسن من نفسك ما تستقبحه من غيرك، فإنّ أربابها نسبوا أنفسهم إليه، وصنّفوا في ذلك كتباً، وجعلوا لذلك إسناداً أنهوه إليه وقصّروه عليه، وسمّوه سيّد الفتيان، وعضدوا مذاهبهم بالبيت المشهور المرويّ أنّه سمع من السماء يوم أحد: «لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا عليّ».

وما أقول في رجل أبوه أبو طالب سيّد البطحاء، وشيخ قريش، ورئيس مكّة؟ قالوا: قلّ أن يسود فقير، وساد أبو طالب وهو فقير لا مال له، وكانت قريش تسمّيه الشيخ، وفي حديث عفيف الكندي: لمّا رأى النبيّ صلى الله عليه وآله يصلّي في مبدء الدعوة ومعه غلام وامرأة، قال: فقلت للعبّاس: أيّ شيء هذا؟ قال: هذا ابن أخي يزعم أنّه رسول من الله إلى الناس، ولم يتبعه على قوله إلّا هذا الغلام وهو ابن أخي أيضاً، وهذه الامرأة وهي زوجته، قال: فقلت: فما الذي تقولونه أنتم؟ قال: ننتظر ما يفعل الشيخ _ قال: يعني أبا طالب _ وهو الذي كفّل رسول الله صلى الله عليه وآله صغيراً، وحماه وحاطه كبيراً، ومنعه من مشركي قريش ولقي لأجله عناءً عظيماً، وقاسى بلاء شديداً وصبر على نصره والقيام بأمره، وجاء في الخبر أنّه لمّا توفّي أبو طالب أوحي إليه وقيل له: اخرج منها، فقد مات ناصرك.

وله مع شرف هذه الأبوّة أنّ ابن عمّه محمّد صلى الله عليه وآله سيّد الأولين والآخرين، وأخاه جعفر ذو الجناحين الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: أشبهت خلقي وخلقي، وزوجته سيّدة نساء العالمين وابنيه سيّدا شباب أهل الجنّة، فآباؤه آباء رسول الله صلى الله عليه وآله، وأمّهاته أمّهات رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو مسوط ١٠ بلحمه ودمه، لم يفارقه منذ خلق الله آدم إلى أن مات عبد المطّلب، بين الأخوين عبد الله وأبي طالب وأمّهما واحدة، فكان منهما سيّد الناس هذا الأوّل وهذا الثاني، وهذا المنذر وهذا الهادي.

وما أقول في رجل سبق الناس إلى الهدى، وآمن بالله وعبده؟ وكلّ من في الأرض يعبد الحجر ويجحد الخالق، لم يسبقه أحد إلى التوحيد إلّا السابق إلى كلّ خير محمّد رسول الله صلى الله عليه وآله. ذهب أكثر أهل الحديث إلى أنّه أوّل الناس اتّباعاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وإيماناً به، ولم يختلف في ذلك إلّا الأقلّون. وقد قال هو عليه السلام: «أنا الصدّيق الأكبر وأنا الفاروق الأوّل، أسلمت قبل إسلام الناس، وصلّيت قبل صلاتهم»، ومن وقف على كتب أصحاب الأحاديث تحقّق وعلمه واضحاً، وإليه ذهب الواقدي وابن جرير الطبري، وهو القول الذي رجّحه ونصره صاحب كتاب الاستيعاب، وبالله التوفيق.

المصدر الأصلي: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدید
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص١٣٩-١٥٢
(١) «یَسمُجُ»: یَقبَحُ. لسان العرب، ج٢، ص ٣٠٠.
(٢) «العَرف»: الریح. لسان العرب، ج٩، ص٢٤٠.
(٣) «التِبْر»: الذهب. لسان العرب، ج٤، ص٨٨.
(٤) «التِبْن»: عَصيفة الزرع من البُرّ. لسان العرب، ج١٣، ص٧١.
(٥) عبد الحمید بن یحیی(م١٣٢ه‍): المعروف بعبد الحمید الكاتب، كان عالماً بالأدب والكتابة، ضرب به المثل في البلاغة، اختصّ بمروان بن محمّد، آخر ملوك بني أميّة. راجع: الأعلام، ج٣، ص٢٨٩.
(٦) یعني بالأصلع أمیرالمؤمنین عليه السلام، ذكره حقداً له.
(٧) عبد الرحيم بن محمّد بن إسماعيل ابن نباتة (م٣٧٤ه‍): المعروف بابن نباتة الخطيب، كان مقدّماً في علوم الأدب، وأجمعوا على أنّ خطبه لم يعمل مثلها في موضوعها. راجع: الأعلام، ج٣، ص٣٤٧.
(٨) «المُعافَسَة»: المُلاعَبَة. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج٣، ص٢٦٣.
(٩) «الوُعُورَة»: عدم السهل. راجع: لسان العرب، ج٥، ص٢٨٥.
(١٠) «مَسُوط»: مخلوط وممزوج. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج٢، ص٤٢١.
الحديث: ٢١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢١٤

قال علي عليه السلام: والله، لقد رقّعت مدرعتي هذه حتّى استحييت من راقعها، ولقد قال لي قائل: أ لا تنبذها عنك؟ فقلت: اعزب عنّي، فعند الصباح يحمد القوم السرى ١ .

المصدر الأصلي: نهج البلاغة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص١٦٠
(١) مثل یضرب لمحتمل المشقّة العاجلة رجاء الراحة الآجلة. شرح نهج البلاغة (لابن أبي الحديد)، ج٩، ص٢٣٤.