Search
Close this search box.
Layer 5
.
فهرس جواهر البحار
كتاب العقل والعلم والجهل
كتاب العدل والمعاد
كتاب النبوة
كتاب تاريخ نبينا (ص)
كتاب الإمامة
كتاب تاريخ أميرالمؤمنين (ع)
كتاب تاريخ فاطمة والحسنين (ع)
كتاب تاريخ السجاد والباقر والصادق والكاظم (ع)
كتاب تاريخ الرضا والجواد والهادي والعسكري (ع)
كتاب تاريخ الحجة (عج)
كتاب السماء والعالم
كتاب الإيمان والكفر
كتاب العشرة
كتاب الآداب والسنن
كتاب الروضة
كتاب الطهارة
كتاب الصلاة
كتاب القرآن
كتاب الأدعية والأذكار
كتاب الصوم
كتاب الحج والعمرة
كتاب المزار
كتاب العقود والإيقاعات

أحاديث في غزوة بدر الكبرى ورافقها من أحداث، وتفسير قول الله سبحانه: (وَيُنَزِّلُ عَلَيكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذهِبَ عَنكُم رِجزَ الشَّيطَانِ وَلِيَربِطَ عَلَى قُلُوبِكُم وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقدَامَ)، واستحقار المشركين للمسلمين في بادئ الأمر، والاصطفاف للقتال وأول من استشهد وكيفية موت أبي لهب، وهذه أحاديث جليلة جمعها العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار، وقد اقتبس الشيخ حبيب الكاظمي بعض هذه الأحاديث وحذف أسانيدها مع مراعاة التبويب المتبع في البحار، فكانت جواهر البحار الذي بين يديك.

الحديث: ١
/
ترتيب جواهر البحار: ١٣٩٠

قال الطبرسي رحمة الله عليه: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيكُم مِّن السَّمَاء مَاء﴾، أي مطراً ﴿لِيُطَهِّرَكُم بِهِ﴾، وذلك لأنّ المسلمين قد سبقهم الكفار إلى الماء، فنزلوا على كثيب رمل، وأصبحوا محدثين مجنبين، وأصابهم الظمأ، ووسوس إليهم الشيطان، وقال: إنّ عدوّكم قد سبقكم إلى الماء وأنتم تصلّون مع الجنابة والحدث، وتسوخ أقدامكم في الرمل، فمطرهم الله حتّى اغتسلوا به من الجنابة، وتطهّروا به من الحدث، وتلبّدت ١ به أرضهم، وأوحلت ٢ أرض عدوّهم، ﴿وَيُذهِبَ عَنكُم رِجزَ الشَّيطَانِ﴾ أي وسوسته بما مضى ذكره، أو الجنابة التي أصابتكم بالاحتلام، ﴿وَلِيَربِطَ عَلَى قُلُوبِكُم﴾ أي وليشدّ على قلوبكم، أي يشجّعها، ﴿وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقدَامَ﴾ بتلبيد الأرض، وقيل: بالصبر وقوّة القلب.

المصدر الأصلي: مجمع البيان
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٢٢٣
(١) «تَلَبَّدَ»: لَصِقَ. لسان العرب، ج٣، ص٣٨٥.
(٢) «أَوْحَلَ»: أَثْقَلَ. لسان العرب، ‌ج١١، ص٧٢٣.
الحديث: ٢
/
ترتيب جواهر البحار: ١٣٩١

فلمّا نظرت قريش إلى قلّة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله قال أبو جهل: ما هم إلّا أكلة رأس، لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم أخذاً باليد. وقال عتبة بن ربيعة: أ ترى لهم كميناً أو مدداً؟ فبعثوا عمر بن وهب الجمحي وكان فارساً شجاعاً، فجال بفرسه حتّى طاف على عسكر رسول الله صلى الله عليه وآله، ثمّ رجع، فقال: ما لهم كمين ولا مدد، ولكن نواضح يثرب قد حملت الموت الناقع، أ ما ترونهم خرساً لا يتكلّمون، يتلمّظون تلمّظ الأفاعي؟ ما لهم ملجأ إلّا سيوفهم وما أراهم يولّون حتّى يقتلوا، ولا يقتلون حتّى يقتلوا بعددهم، فارتؤوا رأيكم، فقال له أبو جهل: كذبت وجبنت.

المصدر الأصلي: مجمع البيان
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٢٢٤
الحديث: ٣
/
ترتيب جواهر البحار: ١٣٩٢

فأنزل الله سبحانه: ﴿وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلمِ فَاجنَح لَهَا﴾؛ فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: يا معاشر قريش، إنّي أكره أن أبدأكم، فخلّوني والعرب وارجعوا.

فقال عتبة: ما ردّ هذا قوم قطّ فأفلحوا، ثمّ ركب جملاً له أحمر، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يجول بين العسكرين وينهى عن القتال، فقال صلى الله عليه وآله: إن يك عند أحد خير فعند صاحب الجمل الأحمر، وإن يطيعوه يرشدوا.

وخطب عتبة، فقال في خطبته: يا معاشر قريش، أطيعوني اليوم، واعصوني الدهر، إنّ محمّداً له إلّ وذمّة، وهو ابن عمّكم، فخلّوه والعرب، فإن يك صادقاً فأنتم أعلى عيناً به، وإن يك كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمره، فغاظ أبا جهل قوله وقال له: جبنت وانتفخ سحرك.

المصدر الأصلي: مجمع البيان
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٢٢٤
الحديث: ٤
/
ترتيب جواهر البحار: ١٣٩٣

برز حمزة لعتبة، وبرز عبيدة لشيبة، وبرز عليّ عليه السلام للوليد، فقتل حمزة عتبة، وقتل عبيدة شيبة، وقتل عليّ عليه السلام الوليد، وضرب شيبة رجل عبيدة فقطعها فاستنقذه حمزة وعلي عليه السلام، وحمل عبيدة حمزة وعليّ عليه السلام حتّى أتيا به رسول الله صلى الله عليه وآله فاستعبر، فقال: يا رسول الله، أ لست شهيداً؟ قال صلى الله عليه وآله: بلى أنت أوّل شهيد من أهل بيتي، وقال أبو جهل لقريش: لا تعجلوا ولا تبطروا كما بطر ابنا ربيعة، عليكم بأهل يثرب، فاجزروهم جزراً، وعليكم بقريش، فخذوهم أخذاً حتّى ندخلهم مكّة، فنعرّفهم ضلالتهم التي هم عليها.

وجاء إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، فقال لهم: أنا جارٍ لكم، ادفعوا إليّ رايتكم، فدفعوا إليهم راية الميسرة وكانت الراية مع بني عبد الدار، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال لأصحابه: غضّوا أبصاركم، وعضّوا على النواجد، ورفع يده، فقال: يا ربّ، إن تهلك هذه العصابة لا تعبد، ثمّ أصابه الغشي فسري عنه، وهو يسلت ١ العرق عن وجهه، فقال: هذا جبرئيل، قد أتاكم في ألف من الملائكة مردفين.

المصدر الأصلي: مجمع البيان
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٢٢٥-٢٢٦
(١) «يَسلُتُ»: یَمسَحُ ویُمیط. راجع: النهاية في غريب الحديث والأثر، ج٢، ص٣٨٧.
الحديث: ٥
/
ترتيب جواهر البحار: ١٣٩٤

وروى أبو أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبيه، قال: لقد رأينا يوم بدر وإنّ أحدنا يشير بسيفه إلى المشرك، فيقع رأسه من جسده قبل أن يصل إليه السيف.

المصدر الأصلي: مجمع البيان
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٢٢٦
الحديث: ٦
/
ترتيب جواهر البحار: ١٣٩٥

قال ابن عبّاس: حدّثني رجل من بني غفار، قال: أقبلت أنا وابن عمّ لي، حتّى صعدنا في جبل يشرف بنا على بدر، ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون الدبرة ١ ، فبينا نحن هناك إذ دنت منّا سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل، فسمعنا قائلاً يقول: أقدم حيزوم ٢ ، وقال: فأمّا ابن عمّي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه، وأمّا أنا فكدت أهلك، ثمّ تماسكت.

المصدر الأصلي: مجمع البيان
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٢٢٦
(١) «الدَبرَة»: الهزیمة في القتال. لسان العرب، ج٤، ص٢٦٩.
(٢) قال ابن الأثیر: إنّ «حیزوم» اسم فرس جبريل، أراد: «أقدم يا حَيْزُوم»، فحذف حرف النداء. راجع: النهاية في غريب الحديث والأثر، ج١، ص٤٦٧.
الحديث: ٧
/
ترتيب جواهر البحار: ١٣٩٦

قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله: كنت غلاماً للعبّاس بن عبد المطّلب وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت، وأسلمت أمّ الفضل وأسلمت، وكان العبّاس يهاب قومه ويكره أن يخالفهم وكان يكتم إسلامه، وكان ذا مال كثير متفرّق في قومه، وكان أبو لهب عدوّ الله قد تخلّف عن بدر، وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة، وكذلك صنعوا لم يتخلّف رجل إلّا بعث مكانه رجلاً.

فلمّا جاء الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش، كبته الله وأخزاه ووجدنا في أنفسنا قوّة وعزّاً، قال: وكنت رجلاً ضعيفاً، وكنت أعمل القداح أنحتها في حجرة زمزم، فوالله، إنّي لجالس فيها أنحت القدح وعندي أمّ الفضل جالسة، وقد سرّنا ما جاءنا من الخبر إذ أقبل الفاسق أبو لهب يجرّ رجليه حتّى جلس على طنب الحجرة، وكان ظهره إلى ظهري، فبينا هو جالس إذ قال الناس: هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب وقد قدم، فقال أبو لهب: هلمّ إليّ يا بن أخي، فعندك الخبر، فجلس إليه والناس قيام عليه، فقال: يا بن أخي، أخبرني كيف كان أمر الناس؟ قال: لا شيء، والله، إن كان إلّا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا ويأسرونا كيف شاؤوا، وأيم الله، مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجالاً بيضاً على خيل بلق بين السماء والأرض ما تليق شيئاً ولا يقوم لها شيء.

قال أبو رافع: فرفعت طرف الحجرة بيدي ثمّ قلت: تلك الملائكة، فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة فثاورته فاحتملني وضرب بي الأرض، ثمّ برك عليّ يضربني وكنت رجلاً ضعيفاً، فقامت أمّ الفضل إلى عمود من عمد الحجرة، فأخذته فضربته ضربة فلقت رأسه شجّة منكرة، وقالت: تستضعفه إن غاب عنه سيّده، فقام مولّياً ذليلاً، فوالله، ما عاش إلّا سبع ليالٍ حتّى رماه الله بالعدسة ١ فقتله، ولقد تركه ابناه ليلتين أو ثلاثة، ما يدفنانه حتّى أنتن في بيته _ وكانت قريش تتّقي العدسة كما يتّقي الناس الطاعون _ حتّى قال لهما رجل من قريش: أ لا تستحيان أنّ أباكما قد أنتن في بيته، لا تغيّبانه؟ فقالا: إنّا نخشى هذه القرحة. قال: فانطلقا فأنا معكما، فما غسّلوه إلّا قذفاً بالماء عليه من بعيد، ما يمسّونه، ثمّ احتملوه فدفنوه بأعلى مكّة إلى جدار، وقذفوا عليه الحجارة حتّى واروه.

المصدر الأصلي: مجمع البيان
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٢٢٧-٢٢٨
(١) «العَدَسَة»: بَثرة قاتلة كالطاعون. لسان العرب، ج٦، ص١٣٢.
الحديث: ٨
/
ترتيب جواهر البحار: ١٣٩٧

كان الذي أسر العبّاس أبا اليسر كعب بن عمرو أخا بني سلمة، وكان أبو اليسر رجلاً مجموعاً، وكان العبّاس رجلاً جسيماً، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لأبي اليسر: كيف أسرت العبّاس يا أبا اليسر؟ فقال: يا رسول الله، لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده، هيئته كذا وكذا؛ فقال صلى الله عليه وآله: لقد أعانك عليه ملك كريم.

المصدر الأصلي: مجمع البيان
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٢٢٨
الحديث: ٩
/
ترتيب جواهر البحار: ١٣٩٨

قال الطبرسي رحمة الله عليه: ﴿وَإِذ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطَانُ أَعمَالَهُم﴾ أي حسّنها في نفوسهم، وذلك أنّ إبليس حسّن لقريش مسيرهم إلى بدر لقتال النبيّ صلى الله عليه وآله، ﴿وَقَالَ لَا غالِبَ لَكُمُ اليَومَ مِنَ النَّاسِ﴾، أي لا يغلبكم أحد من الناس لكثرة عددكم وقوّتكم؛ ﴿وَإِنِّي﴾ مع ذلك ﴿جَارٌ لَكُم﴾، أي ناصر لكم، ودافع عنكم السوء، وقيل: معناه وإنّي عاقد لكم عقد الأمان من عدوّكم؛ ﴿فَلَمَّا تَرَاءتِ الفِئَتَانِ﴾، أي التقت الفرقتان؛ ﴿نَكَصَ عَلَى عَقِبَيهِ﴾ أي رجع القهقرى منهزماً وراءه، ﴿وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنكُم إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَونَ﴾، أي رجعت عمّا كنت ضمنت لكم من الأمان والسلامة؛ لأنّي أرى من الملائكة الذين جاءوا لنصر المسلمين ما لا ترون، وكان إبليس يعرف الملائكة وهم كانوا لا يعرفونه.

المصدر الأصلي: مجمع البيان
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٢٣٦
الحديث: ١٠
/
ترتيب جواهر البحار: ١٣٩٩

قال الطبرسی رحمه الله: ورأيت في كلام الشيخ المفيد رحمه الله أنّه يجوّز أن يقدر الله تعالی الجنّ ومن جرى مجراهم على أن يجتمعوا ويعتمدوا ببعض جواهرهم على بعض حتّى يتمكّن الناس من رؤيتهم، ويتشبّهوا بغيرهم من أنواع الحيوان؛ لأنّ أجسامهم من الرقّة على ما يمكن ذلك فيها.

وقد وجدنا الإنسان يجمع الهواء ويفرّقه، ويغيّر صور الأجسام الرخوة ضروباً من التغيير، وأعيانها لم تزد ولم تنقص، وقد استفاض الخبر بأنّ إبليس تراءى لأهل دار الندوة في صورة شيخ من أهل نجد، وحضر يوم بدر في صورة سراقة، وأنّ جبرئيل ظهر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله في صورة دحية الكلبي. قال: وغير محال أيضاً أن يغيّر الله صورهم ويكشفها في بعض الأحوال فيراهم الناس لضرب من الامتحان.

المصدر الأصلي: مجمع البيان
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٢٣٧-٢٣٨
الحديث: ١١
/
ترتيب جواهر البحار: ١٤٠٠

لمّا أمسى رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر والناس محبوسون بالوثاق، بات ساهراً أوّل الليل، فقال له أصحابه: ما لك لا تنام؟ فقال صلى الله عليه وآله: سمعت أنين عمّي العبّاس في وثاقه، فأطلقوه، فسكت، فنام رسول الله صلى الله عليه وآله.

المصدر الأصلي: مجمع البيان
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٢٤٠
الحديث: ١٢
/
ترتيب جواهر البحار: ١٤٠١

ثمّ أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله كفّاً من حصى، فرمى به في وجوه قريش، وقال: «شاهت الوجوه»، فبعث الله رياحاً تضرب وجوه قريش فكانت الهزيمة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اللّهمّ لا يفلتنّ فرعون هذه الأمّة أبو جهل بن هشام، فقتل منهم سبعون، وأسر منهم سبعون، والتقى عمرو بن الجموع مع أبي جهل، فضرب عمرو أبا جهل على فخذه، وضرب أبو جهل عمرواً على يده، فأبانها من العضد فعلقت بجلده، فاتّكأ عمرو على يده برجله ثمّ رمى في السماء فانقطعت الجلدة، ورمى بيده.

وقال عبد الله بن مسعود: انتهيت إلى أبي جهل وهو يتشحّط في دمه، فقلت: الحمد لله الذي أخزاك، فرفع رأسه، فقال: إنّما أخزى الله عبد ابن أمّ عبد، لمن الدين ويلك؟ قلت: لله ولرسوله وإنّي قاتلك، ووضعت رجلي على عنقه، فقال: لقد ارتقيت مرتقاً صعباً يا رويعي الغنم، أما إنّه ليس شيء أشدّ من قتلك إيّاي في هذا اليوم، أ لا تولّى قتلي رجل من المطلّبيّين، أو رجل من الأحلاف؟ فاقتلعت بيضة كانت على رأسه فقتلته وأخذت رأسه، وجئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فقلت: يا رسول الله، البشرى، هذا رأس أبي جهل بن هشام، فسجد لله شكراً.

المصدر الأصلي: تفسير القمي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٢٥٧-٢٥٨
الحديث: ١٣
/
ترتيب جواهر البحار: ١٤٠٢

وأسر أبو بشر الأنصاري العبّاس بن عبد المطّلب وعقيل بن أبي طالب، وجاء بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له: أعانك عليهما أحد؟ قال: نعم، رجل عليه ثياب بيض، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ذاك من الملائكة، ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وآله للعبّاس: افد نفسك وابن أخيك، فقال: يا رسول الله، قد كنت أسلمت، ولكنّ القوم استكرهوني، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الله أعلم بإسلامك، إن يكن ما تذكر حقّاً فإنّ الله يجزيك عليه، فأمّا ظاهر أمرك فقد كنت علينا، ثمّ قال صلى الله عليه وآله: يا عبّاس، إنّكم خاصمتم الله فخصمكم.

المصدر الأصلي: تفسير القمي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٢٥٨
الحديث: ١٤
/
ترتيب جواهر البحار: ١٤٠٣

قال النبيّ صلى الله عليه وآله يوم بدر: لا تأسروا أحداً من بني عبد المطّلب، فإنّما أخرجوا كرهاً.

المصدر الأصلي: الأمالي للطوسي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٢٧٣
/
ترتيب جواهر البحار: ١٤٠٤

بعث رسول الله عليّاً عليه السلام في غزوة بدر أن يأتيه بالماء حين سكت أصحابه عن إيراده، فلمّا أتى القليب وملأ القربة فأخرجها، جاءت ريح فأهرقته، ثمّ عاد إلى القليب وملأ القربة فجاءت ريح فأهرقته، وهكذا في الثالثة، فلمّا كانت الرابعة ملأها فأتى به النبيّ صلى الله عليه وآله وأخبره بخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أمّا الريح الأولى: فجبرئيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك، والريح الثانية: ميكائيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك، والريح الثالثة: إسرافيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك.

المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٢٨٦
الحديث: ١٦
/
ترتيب جواهر البحار: ١٤٠٥

نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن قتل أبي البختري، وكان قد لبس السلاح بمكّة يوماً قبل الهجرة في بعض ما كان ينال النبيّ صلى الله عليه وآله من الأذى، وقال: لا يعرض اليوم أحد لمحمّد بأذى إلّا وضعت فيه السلاح، فشكر ذلك له النبيّ صلى الله عليه وآله.

وقال أبو داود المازني: فلحقته يوم بدر، فقلت له: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن قتلك إن أعطيت بيدك، قال: وما تريد إليّ؟ إن كان قد نهى عن قتلي فقد كنت أبليته ذلك، فأمّا أن أعطى بيدي، فو اللّات والعزّى، لقد علمت نسوة بمكّة أنّي لا أعطى بيدي، وقد عرفت أنّك لا تدعني، فافعل الذي تريد، فرماه أبو داود بسهم، وقال: اللّهمّ سهمك وأبو البختري عبدك، فضعه في مقتله، وأبو البختري دارع، ففتق السهم الدرع فقتله.

المصدر الأصلي: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدید
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٣٠٢-٣٠٣
الحديث: ١٧
/
ترتيب جواهر البحار: ١٤٠٦

قال الباقر عليه السلام: كان إبليس يوم بدر يقلّل المؤمنين في أعين الكفّار، ويكثّر الكفّار في أعين الناس، فشدّ عليه جبرئيل بالسيف فهرب منه وهو يقول: يا جبرئيل، إنّي مؤجّل حتّى وقع في البحر. قال زرارة: فقلت للباقر عليه السلام: لأيّ شيء كان يخاف وهو مؤجّل؟ قال عليه السلام: يقطع بعض أطرافه.

المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٣٠٤-٣٠٥
الحديث: ١٨
/
ترتيب جواهر البحار: ١٤٠٧

قال الصادق عليه السلام: كأنّي أنظر إلى القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف على ظهر النجف، ركب فرساً أدهم أبلق ما بين عينيه شمراخ ١ ، ثمّ ينتفض به فرسه، فلا يبقى أهل بلدة إلّا وهم يظنّون أنّه معهم في بلادهم. فإذا نشر راية رسول الله صلى الله عليه وآله انحطّ عليه ثلاثة عشر ألف ملك، وثلاثة عشر ملكاً كلّهم ينظرون القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهم الذين كانوا مع نوح عليه السلام في السفينة، والذين كانوا مع إبراهيم عليه السلام حيث ألقي في النار، وكانوا مع عيسى عليه السلام حين رفع، وأربعة آلاف مسوّمين ومردفين، وثلاثمائة وثلاثة عشر ملكاً ملائكة يوم بدر، وأربعة آلاف ملك الذين هبطوا يريدون القتال مع الحسين عليه السلام فلم يؤذن لهم.

المصدر الأصلي: إكمال الدين
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٣٠٥
(١) «فرس ذو شِمْراخ»: ذو غرّة دقيقة مستطيلة سائلة على الأنف. الطراز الأوّل، ج٥، ص١٤٠.
الحديث: ١٩
/
ترتيب جواهر البحار: ١٤٠٨

قال الباقر عليه السلام في قوله: ﴿وَلَقَد كُنتُم تَمَنَّونَ المَوتَ﴾: إنّ المؤمنين لمّا أخبرهم الله بمنازل شهدائهم يوم بدر من الجنّة، رغبوا في ذلك، وقالوا: اللّهمّ أرنا قتالاً نستشهد فيه، فأراهم الله إيّاه يوم أحد، فلم يثبتوا إلّا من شاء الله منهم.

المصدر الأصلي: تفسير القمي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٣٠٧
الحديث: ٢٠
/
ترتيب جواهر البحار: ١٤٠٩

قال عليّ عليه السلام: رأيت الخضر في المنام قبل بدر بليلة، فقلت له: علّمني شيئاً أنصر به على الأعداء؟ فقال: قل: «يا هو، يا من لا هو إلّا هو»، فلمّا أصبحت قصصتها على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لي: يا عليّ، علّمت الاسم الأعظم. وكان على لساني يوم بدر.

المصدر الأصلي: التوحيد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٣١٠
الحديث: ٢١
/
ترتيب جواهر البحار: ١٤١٠

كان النبيّ صلى الله عليه وآله ليلة بدر قائماً يصلّي ويبكي ويستعبر ويخشع ويخضع كاستطعام المسكين، ويقول: «اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني»، ويخرّ ساجداً ويخشع في سجوده ويكثر التضرّع، فأوحى الله إليه: قد أنجزنا وعدك، وأيّدناك بابن عمّك عليّ، ومصارعهم على يديه، وكفيناك المستهزئين به، فعلينا فتوكّل، وعليه فاعتمد، فأنا خير من توكّلت عليه، وهو أفضل من اعتمد عليه.

المصدر الأصلي: كنز الفوائد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٣١٧-٣١٨
الحديث: ٢٢
/
ترتيب جواهر البحار: ١٤١١

جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أميّة بعد مصاب أهل بدر وهو في الحجر، وكان عمير شيطاناً من شياطين قريش، وكان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه بمكّة، وكان ابنه وهيب بن عمير في أسارى بدر، فذكر أصحاب القليب ومصابهم، فقال صفوان: والله، ليس في العيش خير بعدهم، فقال له عمير: صدقت والله، أما والله، لولا دين عليّ ليس له عندي قضاء، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمّد حتّى أقتله، فإنّ لي قبلهم علّة، ابني أسير في أيديهم. فقال صفوان: فعليّ دينك أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي، أواسيهم أسوتهم ما بقوا، قال عمير: فاكتم عليّ شأني وشأنك، قال: أفعل. ثمّ إنّ عميراً أمر بسيفه فشحذ له وسمّ، ثمّ انطلق حتّى قدم المدينة.

فلمّا دخل على النبيّ صلى الله عليه وآله، فقال: أنعموا صباحاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: قد أكرمنا الله بتحيّة خير من تحيّتك يا عمير، بالسلام تحيّة أهل الجنّة، ما جاء بك يا عمير؟ قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه، قال صلى الله عليه وآله: فما بال السيف في عنقك؟ قال: قبّحها الله من سيوف، وهل أغنت شيئاً؟ قال صلى الله عليه وآله: اصدقني بالذي جئت له، قال: ما جئت إلّا لذلك، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله: بلى، قعدت أنت وصفوان بن أميّة في الحجر، فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثمّ قلت: لولا دين عليّ وعلی عيالي لخرجت حتّى أقتل محمّداً، فتحمّل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني، والله حائل بيني وبينك.

فقال عمير: أشهد أنّك رسول الله، قد كنّا نكذّبك، وهذا أمر لم يحضره إلّا أنا وصفوان، فوالله، إنّي لأعلم ما أتاك به إلّا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثمّ تشهّد شهادة الحقّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: «فقّهوا أخاكم في دينه، وعلّموه القرآن، وأطلقوا له أسيره»، ففعلوا؛ ثمّ قال: يا رسول الله، إنّي كنت جاهداً في إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله، وإنّي أحبّ أن تأذن لي فأقدم مكّة، فأدعوهم إلى الله وإلى الإسلام، لعلّ الله أن يهديهم، وإلّا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم. فأذن له، فلحق بمكّة.

وكان صفوان حين خرج عمير يقول لقريش: أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيّام تنسيكم وقعة بدر، وكان صفوان يسأل عنه الركبان حتّى قدم راكب فأخبره بإسلامه، فحلف أن لا يكلّمه أبداً، ولا ينفعه بنفع أبداً، فلمّا قدم مكّة أقام بها يدعو إلى الإسلام ويؤذي من خالفه، فأسلم على يديه ناس كثيرة.

المصدر الأصلي: المنتقى في مولد المصطفى صلى الله عليه وآله
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٣٢٦-٣٢٧
الحديث: ٢٣
/
ترتيب جواهر البحار: ١٤١٢

فلمّا أصبحوا عدّل رسول الله صلى الله عليه وآله الصفوف، وخطب المسلمين، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أمّا بعد، فإنّي أحثّكم على ما حثّكم الله عليه، وأنهاكم عمّا نهاكم الله عنه، فإنّ الله عظيم شأنه يأمر بالحقّ، ويحبّ الصدق، ويعطي على الخير أهله على منازلهم عنده، به يذكرون، وبه يتفاضلون، وإنّكم قد أصبحتم بمنزل من منازل الحقّ، لا يقبل الله فيه من أحد إلّا ما ابتغى به وجهه، وإنّ الصبر في مواطن البأس ممّا يفرّج الله به الهمّ وينجّي به من الغمّ، تدركون به النجاة في الآخرة، فيكم نبيّ الله يحذّركم ويأمركم، فاستحيوا اليوم أن يطّلع الله على شيء من أمركم يمقتكم عليه، فإنّه تعالی يقول: ﴿لَمَقتُ الله أَكبَرُ مِن مَقتِكُم أَنفُسَكُم﴾.

انظروا إلى الذي أمركم به من كتابه وأراكم من آياته، وما أعزّ كم به بعد الذلّة! فاستمسكوا به له يرض ربّكم عنكم، وأبلوا ربّكم في هذه المواطن أمراً تستوجبوا به الذي وعدكم من رحمته ومغفرته، فإنّ وعده حقّ، وقوله صدق، وعقابه شديد، وإنّما أنا وأنتم بالله الحيّ القيّوم، إليه ألجأنا ظهورنا، وبه اعتصمنا وعليه توكّلنا، وإليه المصير، ويغفر الله لي وللمسلمين.

المصدر الأصلي: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدید
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٣٣٣-٣٣٤
الحديث: ٢٤
/
ترتيب جواهر البحار: ١٤١٣

خرج النبيّ صلى الله عليه وآله من العريش إلى الناس فينظر القتال، فحرّض المسلمين وقال: «كلّ امرئ بما أصاب»، وقال صلى الله عليه وآله: «والذي نفسي بيده، لا يقاتلهم اليوم في حملة، فيقتل صابراً محتسباً، مقبلاً غير مدبر، إلّا أدخله الله الجنّة».

فقال عمر بن حمام الجويني وفي يديه تمرات يأكلهنّ: بخ بخ، أ فما بيني وبين أن أدخل الجنّة إلّا أن يقتلني هؤلاء؟ ثمّ قذف التمرات من يده، وأخذ سيفه فقاتل القوم حتّى قتل.

المصدر الأصلي: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدید
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٣٣٩
الحديث: ٢٥
/
ترتيب جواهر البحار: ١٤١٤

قال عوف لرسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر: يا رسول الله، ما يضحك الربّ من عبده؟ قال صلى الله عليه وآله: غمسه يده في العدوّ حاسراً. فنزع عوف درعاً كانت عليه وقذفها، ثمّ أخذ سيفه فقاتل القوم حتّى قتل.

بيــان:
و«ضحك الربّ تعالى»: كناية عن غاية رضاه؛ و«غمس اليد في العدوّ»: كناية عن دخوله بينهم، وجهده في مقاتلتهم. (ص٣٦٦)
المصدر الأصلي: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدید
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٣٣٩
الحديث: ٢٦
/
ترتيب جواهر البحار: ١٤١٥

وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله كفّاً من البطحاء فرماهم بها، وقال: «شاهت الوجوه، اللّهمّ أرعب قلوبهم، وزلزل أقدامهم»، فانهزم المشركون لا يلوون على شيء، والمسلمون يتّبعونهم يقتلون ويأسرون.

المصدر الأصلي: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدید
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٣٤٠
الحديث: ٢٧
/
ترتيب جواهر البحار: ١٤١٦

وأصاب حارثة بن سراقة _ وهو يكرع في الحوض _ سهم من المشركين، فوقع في نحره فمات، فلقد شرب القوم آخر النهار من دمه، وبلغ أمّه وأخته وهما بالمدينة مقتله.

فقالت أمّه: والله، لا أبكي عليه حتّى يقدم رسول الله صلى الله عليه وآله، فأسأله فإن كان في الجنّة لم أبك عليه، وإن كان في النار بكيته، لعمر الله، فأعولته.فلمّا قدم رسول الله صلى الله عليه وآله من بدر، جاءت أمّه إليه، فقالت: يا رسول الله، قد عرفت موضع حارثة من قلبي، فأردت أن أبكي عليه، ثمّ قلت: لا أفعل حتّى أسأل رسول الله صلى الله عليه وآله عنه، فإن كان في الجنّة لم أبكه، وإن كان في النار بكيته، فأعولته.

فقال النبيّ صلى الله عليه وآله: هبلت ١ ، أ جنّة واحدة؟ إنّها جنان كثيرة، والذي نفسي بيده، إنّه لفي الفردوس الأعلى، قالت: لا أبكي عليه أبداً. ودعا رسول الله صلى الله عليه وآله حينئذٍ بماء في إناء فغمس يده فيه ومضمض فاه، ثمّ ناول أمّ حارثة بن سراقة فشربت، ثمّ ناولت ابنتها فشربت، ثمّ أمرهما فنضحتا في جيوبهما ثمّ رجعتا من عند النبيّ صلى الله عليه وآله، وما بالمدينة امرأتان أقرّ عيناً منهما ولا أسرّ.

المصدر الأصلي: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدید
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٣٤١
(١) «هَبَلتَ»: فَقَدتَ عقلك. لسان العرب، ج١١، ص٦٨٦.
الحديث: ٢٨
/
ترتيب جواهر البحار: ١٤١٧

فلمّا رجعت قريش إلى مكّة، قام فيهم أبو سفيان بن حرب، فقال: يا معشر قريش، لا تبكوا على قتلاكم، ولا تنح عليهم نائحة، ولا يندبهم شاعر، وأظهروا الجلد والعزاء، فإنّكم إذا نحتم عليهم نائحة وبكيتموهم بالشعر، أذهب ذلك غيظكم، فأكلّكم عن عداوة محمّد وأصحابه، مع أنّ محمّداً وأصحابه إن بلغهم ذلك شمتوا بكم، فتكون أعظم المصيبتين، ولعلّكم تدركون ثأركم، فالدهن والنساء عليّ حرام حتّى أغزو محمّداً.

فمكث قريش شهراً لا يبكيهم شاعر، ولا تنوح عليهم نائحة، ومشت نساء من قريش إلى هند بنت عتبة، فقلن: أ لا تبكين على أبيك وأخيك وعمّك وأهل بيتك؟ فقالت: حلاقي ١ أن أبكيهم، فيبلغ محمّداً وأصحابه فيشمتوا بنا ونساء بني الخزرج، لا والله، حتّى أثار محمّداً وأصحابه، والدهن عليّ حرام إن دخل رأسي حتّى نغزو محمّداً، والله، لو أعلم أنّ الحزن يذهب من قلبي لبكيت، ولكن لا يذهبه إلّا أن أرى ثأري بعيني من قتلة الأحبّة، فمكثت على حالها لا تقرب الدهن ولا قربت فراش أبي سفيان من يوم حلفت حتّى كانت وقعة أحد.

المصدر الأصلي: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدید
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٣٤١-٣٤٢
(١) ورد في المصدر: «حلأني». شرح نهج البلاغة (لابن أبي الحديد)، ج١٤، ص١٥٣.
الحديث: ٢٩
/
ترتيب جواهر البحار: ١٤١٨

قال رفاعة بن رافع: إن كنّا لنسمع لإبليس يومئذٍ خواراً ودعاء بالثبور والويل، والتصوّر في صورة سراقة بن جعشم حتّى هرب فاقتحم البحر، ورفع يديه مادّاً لهما، يقول: يا ربّ، ما وعدتني، ولقد كانت قريش بعد ذلك تعيّر سراقة بما صنع يومئذٍ، فيقول: والله، ما صنعت شيئاً.

فروي عن عمارة الليثي، قال: حدّثني شيخ صيّاد من الحيّ، كان يومئذٍ على ساحل البحر، قال: سمعت صياحاً: يا ويلاه، يا ويلاه، قد ملأ الوادي، يا حرباه، يا حرباه، فنظرت فإذا سراقة بن جعشم فدنوت منه، فقلت: ما لك؟ فداك أبي وأمّي، فلم يرجع إليّ شيئاً، ثمّ أراه اقتحم البحر ورفع يديه مادّاً، يقول: يا ربّ، ما وعدتني، فقلت في نفسي: جنّ _ وبيت الله _ سراقة، وذلك حين زاغت الشمس، وذاك عند انهزامهم يوم بدر.

المصدر الأصلي: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدید
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٣٤٢-٣٤٣
الحديث: ٣٠
/
ترتيب جواهر البحار: ١٤١٩

قال نوفل بن معاوية: انهزمنا يوم بدر ونحن نسمع كوقع الحصا في الطساس ١ بين أيدينا ومن خلفنا، فكان ذلك أشدّ الرعب علينا.

المصدر الأصلي: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدید
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٣٤٤
(١) «الطِسَاس»: جمع «طَسّ» وهو لغة في «الطست». راجع: مجمع البحرين، ج٤، ص ٨٢.
الحديث: ٣١
/
ترتيب جواهر البحار: ١٤٢٠

وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر بالقليب أن تعوّر، ثمّ أمر بالقتلى فطرحوا فيها كلّهم إلّا أميّة بن خلف، فإنّه كان مسمناً انتفخ من يومه، فلمّا أرادوا أن يلقوه تزايل لحمه، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله: اتركوه، فأقرّوه وألقوا عليه من التراب والحجارة ما غيّبه. ثمّ وقف على أهل القليب فناداهم رجلاً رجلاً: هل وجدتم ما وعد ربّكم حقّاً؟ فإنّي قد وجدت ما وعدني ربّي حقّاً، بئس القوم كنتم لنبيّكم، كذّبتموني وصدّقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس؛ فقالوا: يا رسول الله، أ تنادي قوماً قد ماتوا؟ فقال صلى الله عليه وآله: لقد علموا أنّ ما وعدهم ربّهم حقّ.

وفي رواية أخرى: فقال صلى الله عليه وآله: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنّهم لا يستطيعون أن يجيبوني.

المصدر الأصلي: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدید
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٣٤٦
الحديث: ٣٢
/
ترتيب جواهر البحار: ١٤٢١

وروي أنّه صلى الله عليه وآله صلّی العصر بالأثيل، فلمّا صلّى ركعة تبسّم، فلمّا سلّم سئل عن تبسّمه، فقال: مرّ بي ميكائيل وعلى جناحه النقع فتبسّم إليّ، وقال: إنّي كنت في طلب القوم، وأتاني جبرئيل على فرس أنثى معقود الناصية، قد عصم ثنيّته الغبار ١ ، فقال: يا محمّد، إنّ ربّي بعثني إليك وأمرني أن لا أفارقك حتّى ترضى، فهل رضيت؟ فقلت: نعم.

المصدر الأصلي: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدید
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٣٤٧
(١) «عَصَمَ ثَنِيَّتَه الغُبار»: لَزِقَ به. تاج العروس، ج١٧، ص٤٨٦.
الحديث: ٣٣
/
ترتيب جواهر البحار: ١٤٢٢

هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة، وبقيت زينب بمكّة مع أبي العاص، فلمّا سارت قريش إلى بدر سار أبو العاص معهم، فأصيب في الأسرى يوم بدر، فأتى به النبيّ صلى الله عليه وآله فكان عنده مع الأسارى. فلمّا بعث أهل مكّة في فداء أساراهم بعثت زينب في فداء أبي العاص بعلها بمال، وكان فيما بعثت به قلادة كانت خديجة أمّها أدخلتها بها على أبي العاص ليلة زفافها عليه، فلمّا رآها رسول الله صلى الله عليه وآله رقّ لها شديدة، وقال للمسلمين: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردّوا عليها ما بعثت به من الفداء فافعلوا، فقالوا: نعم يا رسول الله، نفديك بأنفسنا وأموالنا، فردّوا عليها ما بعثت به، وأطلقوا لها أبا العاص بغير فداء.

قال ابن أبي الحديد: قرأت على النقيب أبي جعفر يحيى بن أبي زيد البصري العلوي هذا الخبر، فقال: أ ترى أبا بكر وعمر لم يشهدا هذا المشهد؟ أ ما كان يقتضي التكرّم والإحسان أن يطيّب قلب فاطمة عليها السلام ويستوهب لها من المسلمين؟ أ تقصر منزلتها عند رسول الله صلى الله عليه وآله من منزلة زينب أختها وهي سيّدة نساء العالمين؟ هذا إذا لم يثبت لها حقّ لا بالنحلة ولا بالإرث.

فقلت له: فدك _ بموجب الخبر الذي رواه أبو بكر _ قد صار حقّاً من حقوق المسلمين، فلم يجز له أن يأخذه منهم، فقال: وفداء أبي العاص قد صار حقّاً من حقوق المسلمين، وقد أخذه رسول الله صلى الله عليه وآله منهم.

فقلت: رسول الله صلى الله عليه وآله صاحب الشريعة والحكم حكمه، وليس أبو بكر كذلك، فقال: ما قلت: هلّا أخذه أبو بكر من المسلمين قهراً فدفعه إلى فاطمة عليها السلام؟ وإنّما قلت: هلّا استنزل المسلمين عنه واستوهب منهم لها كما استوهب رسول الله صلى الله عليه وآله فداء أبي العاص؟ أ تراه لو قال: «هذه بنت نبيّكم صلى الله عليه وآله، قد حضرت لطلب هذه النخلات، أ فتطيبون عنها نفساً؟» كانوا منعوها ذلك؟

المصدر الأصلي: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدید
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٣٤٩-٣٥٠
الحديث: ٣٤
/
ترتيب جواهر البحار: ١٤٢٣

قالت زینب: بينا أنا أتجهّز للحوق بأبي إذ لقيتني هند بنت عتبة، فقالت: أ لم تبلغني يا بنت محمّد، أنّك تريدين اللحوق بأبيك؟ فقلت: ما أردت ذلك، فقالت: أي بنت عمّ، لا تفعلي إن كانت لك حاجة في متاع أو فيما يرفق‏ بك في سفرك أو مال تبلغين به إلى أبيك، فإنّ عندي حاجتك، فلا تضطنّي منّي، فإنّه لا يدخل بين النساء ما يدخل بين الرجال؛ قالت: وأيم الله، إنّي لأظنّها حينئذٍ صادقة، ما أظنّها قالت حينئذٍ إلّا لتفعل ولكنّي خفتها فأنكرت أن أكون أريد ذلك؛ قالت: وتجهّزت حتّى‏ فرغت‏ من‏ جهازي‏، فحملني أخو بعلي وهو كنانة بن الربيع.

قال محمّد بن إسحاق: قدم لها كنانة بن الربيع بعيراً، فركبته وأخذ قوسه وكنانته وخرج بها نهاراً يقود بعيرها وهي في هودج لها وتحدّث بذلك الرجال من‏ قريش والنساء وتلاومت في ذلك وأشفقت‏ أن تخرج ابنة محمّد صلى الله عليه وآله من بينهم على تلك الحال، فخرجوا في طلبها سراعاً حتّى أدركوها بذي طوىً، فكان أوّل من سبق إليها هبار بن الأسود بن المطّلب بن أسد ونافع بن عبد القيس الفهري، فروعها هبار بالرمح وهي في الهودج وكانت حاملاً، فلمّا رجعت طرحت ذا بطنها وكانت من خوفها رأت دماً وهي في الهودج، فلذلك أباح رسول الله صلى الله عليه وآله يوم فتح مكّة دم هبّار بن الأسود.

المصدر الأصلي: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدید
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٣٥٠-٣٥١
الحديث: ٣٥
/
ترتيب جواهر البحار: ١٤٢٤

أقام أبو العاص بمكّة على شركه، وأقامت زينب عند أبيها بالمدينة، قد فرّق بينهما الإسلام حتّى إذا كان الفتح. خرج أبو العاص تاجراً إلى الشام بمال له وأموال لقريش أبضعوا بها معه، وكان رجلاً مأموناً. فلمّا فرغ من تجارته وأقبل قافلاً لقيته سريّة لرسول الله صلى الله عليه وآله فأصابوا ما معه، وأعجزهم هو هارباً، فخرجت السريّة بما أصابت من ماله حتّى قدمت به على رسول الله صلى الله عليه وآله وخرج أبو العاص تحت الليل حتّى دخل على زينب منزلها فاستجار بها فأجارته، وإنّما جاء في طلب ماله الذي أصابته تلك السريّة.

فلمّا كـبّر رسول الله صلى الله عليه وآله في صلاة الصبح وكـبّر الناس معه، صرخت زينب من صفّة النساء: أيّها الناس، إنّي قد آجرت أبا العاص بن الربيع، فصلّى رسول الله صلى الله عليه وآله بالناس الصبح، فلمّا سلّم من الصلاة أقبل عليهم، فقال صلى الله عليه وآله: أيّها الناس، هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا: نعم، قال صلى الله عليه وآله: أما والذي نفس محمّد بيده، ما علمت بشيء ممّا كان حتّى سمعتم إنّه يجير على الناس أدناهم.

ثمّ انصرف، فدخل على ابنته زينب، فقال صلى الله عليه وآله: أي بنيّة، أكرمي مثواه، وأحسني قراه، ولا يصلنّ إليك، فإنّك لا تحلّين له. ثمّ بعث إلى تلك السريّة الذين كانوا أصابوا ماله، فقال لهم: إنّ هذا الرجل منّا بحيث علمتم، وقد أصبتم له مالاً، فإن تحسنوا وتردّوا عليه الذي له فإنّا نحبّ ذلك، وإن أبيتم فهو فيء الله الذي أفاءه عليكم، وأنتم أحقّ به. فقالوا: يا رسول الله، بل نردّه عليه، فردّوا عليه ماله ومتاعه، حتّى أنّ الرجل كان يأتي بالحبل، ويأتي الآخر بالشنّة ١ ، ويأتي الآخر بالإداوة ٢ ، والآخر بالشظاظ ٣ ، حتّى ردّوا ماله ومتاعه بأسره من عند آخره، ولم يفقد منه شيئاً.

ثمّ احتمل إلى مكّة، فلمّا قدمها أدّى إلى كلّ ذي مال من قريش ماله ممّن كان بضع معه بشيء حتّى إذا فرغ من ذلك، قال لهم: يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟ قالوا: لا، فجزاك الله خيراً، لقد وجدناك وفيّاً كريماً، قال: فإنّي أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله، والله، ما منعني من الإسلام عنده إلّا تخوّفاً أن تظنّوا أنّي أردت أن آكل أموالكم وأذهب بها، فإذا سلّمها الله لكم وأدّاها إليكم، فإنّي أشهدكم أنّي قد أسلمت واتّبعت دين محمّد صلى الله عليه وآله، ثمّ خرج سريعاً حتّى قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة.

المصدر الأصلي: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدید
/
المصدر من بحار الأنوار: ج١٩
، ص٣٥٢-٣٥٤
(١) «الشَنّ»: القِربة القدیمة الصغیرة. لسان العرب، ج١٣، ص٢٤١.
(٢) «الإداوَة»: مِطهَرة للماء. كتاب العين، ج٨، ص٩٥.
(٣) «الشِظاظ»: العُود الذي يُدخل في عُرْوة الجُوالِق. لسان العرب، ج٧، ص٤٤٥.