Search
Close this search box.
Layer 5
.
فهرس جواهر البحار
كتاب العقل والعلم والجهل
كتاب العدل والمعاد
كتاب النبوة
كتاب تاريخ نبينا (ص)
كتاب الإمامة
كتاب تاريخ أميرالمؤمنين (ع)
كتاب تاريخ فاطمة والحسنين (ع)
كتاب تاريخ السجاد والباقر والصادق والكاظم (ع)
كتاب تاريخ الرضا والجواد والهادي والعسكري (ع)
كتاب تاريخ الحجة (عج)
كتاب السماء والعالم
كتاب الإيمان والكفر
كتاب العشرة
كتاب الآداب والسنن
كتاب الروضة
كتاب الطهارة
كتاب الصلاة
كتاب القرآن
كتاب الأدعية والأذكار
كتاب الصوم
كتاب الحج والعمرة
كتاب المزار
كتاب العقود والإيقاعات

أحاديث في مواعظ الإمام الكاظم (ع)، وفي وصاياه لهشام، وفي أن المؤمن لا ينفك عن البلاء، وفي التزهيد بالدنيا، وفي ضرورة الحفاظ على الحشمة بين الإخوان، وهذه أحاديث جليلة جمعها العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار، وقد اقتبس الشيخ حبيب الكاظمي بعض هذه الأحاديث وحذف أسانيدها مع مراعاة التبويب، فكانت جواهر البحار الذي بين يديك.

الحديث: ١
/
ترتيب جواهر البحار: ٧٤١٣

وصيّته (عليه السلام) لهشام وصفته للعقل: يا هشام، لكلّ شيء دليل، ودليل العاقل التفكّر، ودليل التفكّر الصمت، ولكلّ شيء مطيّة، ومطيّة العاقل التواضع، وكفى بك جهلاً أن تركب ما نهيت عنه.

يا هشام، لو كان في يدك جوزة وقال الناس: «في يدك لؤلؤة» ما كان ينفعك وأنت تعلم أنّها جوزة، ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس: «إنّها جوزة» ما ضرّك وأنت تعلم أنّها لؤلؤة …

يا هشام، ما من عبد إلّا وملك آخذ بناصيته، فلا يتواضع إلّا رفعه الله ولا يتعاظم إلّا وضعه الله.

يا هشام، إنّ لله على الناس حجّتين: حجّة ظاهرة، وحجّة باطنة: فأمّا الظاهرة فالرسول والأنبياء والأئمّة، وأمّا الباطنة فالعقول.

يا هشام، إنّ العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره، ولا يغلب الحرام صبره.

يا هشام، من سلّط ثلاثاً على ثلاث فكأنّما أعان هواه على هدم عقله: من أظلم نور فكره بطول أمله، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه، وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه، فكأنّما أعان هواه على هدم عقله، ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه.

يا هشام، كيف يزكو عند الله عملك، وأنت قد شغلت عقلك عن أمر ربّك، وأطعت هواك على غلبة عقلك؟

يا هشام، الصبر على الوحدة علامة قوّة العقل، فمن عقل عن الله تبارك وتعالى اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها، ورغب فيما عند ربّه، وكان الله آنسه في الوحشة وصاحبه في الوحدة وغناه في العيلة ومعزّه في غير عشيرة.

يا هشام، نصب الخلق لطاعة الله ولا نجاة إلّا بالطاعة، والطاعة بالعلم، والعلم بالتعلّم، والتعلّم بالعقل يعتقد، ولا علم إلّا من عالم ربّاني، ومعرفة العالم بالعقل.

يا هشام، قليل العمل من العاقل مقبول مضاعف، وكثير العمل من أهل الهوى والجهل مردود.

يا هشام، إنّ العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة، ولم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا، فلذلك ربحت تجارتهم.

يا هشام، إن كان يغنيك ما يكفيك فأدنى ما في الدنيا يكفيك، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس شيء من الدنيا يغنيك.

يا هشام، إنّ العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب؟ وترك الدنيا من الفضل، وترك الذنوب من الفرض.

يا هشام، إنّ العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة، لأنّهم علموا أنّ الدنيا طالبة ومطلوبة، والآخرة طالبة ومطلوبة، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتّى يستوفي منها رزقه، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه وآخرته.

يا هشام، من أراد الغنى بلا مال، وراحة القلب من الحسد، والسلامة في الدين، فليتضرّع إلى الله في مسألته بأن يكمّل عقله، فمن عقل قنع بما يكفيه، ومن قنع بما يكفيه استغنى، ومن لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغنى أبداً.

يا هشام، إنّ الله جلّ وعزّ حكى عن قوم صالحين أنّهم قالوا: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ﴾ حين علموا أنّ القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها، إنّه لم يخف الله من لم يعقل عن الله، ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه، ولا يكون أحد كذلك إلّا من كان قوله لفعله مصدّقاً، وسرّه لعلانيته موافقاً، لأنّ الله لم يدلّ على الباطن الخفيّ من العقل إلّا بظاهر منه وناطق عنه.

يا هشام، كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: «ما من شيء عبد الله به أفضل من العقل، وما تمّ عقل امرئ حتّى يكون فيه خصال شتّى: الكفر والشرّ منه مأمونان، والرشد والخير منه مأمولان، وفضل ماله مبذول، وفضل قوله مكفوف، نصيبه من الدنيا القوت، ولا يشبع من العلم دهره، الذلّ أحبّ إليه مع الله من العزّ مع غيره، والتواضع أحبّ إليه من الشرف، يستكثر قليل المعروف من غيره، ويستقلّ كثير المعروف من نفسه، ويرى الناس كلّهم خيراً منه وأنّه شرّهم في نفسه، وهو تمام الأمر» …

يا هشام، لا تمنحوا الجهّال الحكمة فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم …

يا هشام، لا دين لمن لا مروّة له، ولا مروّة لمن لا عقل له، وإنّ أعظم الناس قدراً الذي لا يرى الدنيا لنفسه خطراً، أما إنّ أبدانكم ليس لها ثمن إلّا الجنّة، فلا تبيعوها بغيرها.

يا هشام، إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: لا يجلس في صدر المجلس إلّا رجل فيه ثلاث خصال: يجيب إذا سئل، وينطق إذا عجز القوم عن الكلام، ويشير بالرأي الذي فيه صلاح أهله، فمن لم يكن فيه شيء منهنّ فجلس فهو أحمق».

وقال الحسن بن عليّ (عليه السلام): إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها، قيل: يا بن رسول الله، ومن أهلها؟ قال: الذين قصّ الله في كتابه وذكرهم فقال: ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الۡأَلۡبَٰبِ﴾ قال (عليه السلام): هم أولوا العقول».

وقال عليّ بن الحسين (عليه السلام): «مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح، وأدب العلماء زيادة في العقل، وطاعة ولاة العدل تمام العزّ، واستثمار المال تمام المروّة، وإرشاد المستشير قضاء لحقّ النعمة، وكفّ الأذى من كمال العقل، وفيه راحة البدن عاجلاً وآجلاً».

يا هشام، إنّ العاقل لا يحدّث من يخاف تكذيبه، ولا يسأل من يخاف منعه، ولا يعد ما لا يقدر عليه، ولا يرجو ما يعنّف برجائه، ولا يتقدّم على ما يخاف العجز عنه، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يوصي أصحابه يقول: «أوصيكم بالخشية من الله في السرّ والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والاكتساب في الفقر والغنى، وأن تصلوا من قطعكم، وتعفوا عمّن ظلمكم، وتعطوا على من حرمكم، وليكن نظركم عبراً، وصمتكم فكراً، وقولكم ذكراً، وطبيعتكم السخاء، فإنّه لا يدخل الجنّة بخيل، ولا يدخل النار سخيّ.

يا هشام، رحم الله من استحيا من الله حقّ الحياء، فحفظ الرأس وما حوى، والبطن وما وعى، وذكر الموت والبلى، وعلم أنّ الجنّة محفوفة بالمكاره والنار محفوفة بالشهوات.

يا هشام، من كفّ نفسه عن أعراض الناس أقاله الله عثرته يوم القيامة، ومن كفّ غضبه عن الناس كفّ الله عنه غضبه يوم القيامة.

يا هشام، إنّ العاقل لا يكذب وإن كان فيه هواه …

يا هشام، أفضل ما يتقرّب به العبد إلى الله بعد المعرفة به: الصلاة، وبرّ الوالدين، وترك الحسد والعجب والفخر …

يا هشام، إنّ كلّ الناس يبصر النجوم، ولكن لا يهتدي بها إلّا من يعرف مجاريها ومنازلها، وكذلك أنتم تدرسون الحكمة، ولكن لا يهتدي بها منكم إلّا من عمل بها.

يا هشام، إنّ المسيح (عليه السلام) قال للحواريّين: يا عبيد السوء، يهولكم طول النخلة وتذكرون شوكها ومؤونة مراقيها، وتنسون طيب ثمرها ومرافقها، كذلك تذكرون مؤونة عمل الآخرة، فيطول عليكم أمده وتنسون ما تفضون إليه من نعيمها ونورها وثمرها.

يا عبيد السوء، نقّوا القمح وطيّبوه وأدقّوا طحنه، تجدوا طعمه ويهنئكم أكله، كذلك فأخلصوا الإيمان وأكملوه، تجدوا حلاوته وينفعكم غبّه.

بحقّ أقول لكم: لو وجدتم سراجاً يتوقّد بالقطران في ليلة مظلمة لاستضأتم به ولم يمنعكم منه ريح نتنه، كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممّن وجدتموها معه ولا يمنعكم منه سوء رغبته فيها.

يا عبيد الدنيا، بحقّ أقول لكم: لا تدركون شرف الآخرة إلّا بترك ما تحبّون، فلا تنظروا بالتوبة غداً، فإنّ دون غدٍ يوماً وليلة، وقضاء الله فيهما يغدو ويروح.

بحقّ أقول لكم: إنّ من ليس عليه دين من الناس، أروح وأقلّ همّاً ممّن عليه الدين، وإنّ أحسن القضاء وكذلك من لم يعمل الخطيئة أروح همّاً ممّن عمل الخطيئة، وإنّ أخلص التوبة وأناب، وإنّ صغار الذنوب ومحقّراتها من مكائد إبليس، يحقّرها لكم ويصغّرها في أعينكم فتجتمع وتكثر فتحيط بكم.

بحقّ أقول لكم: إنّ الناس في الحكمة رجلان: فرجل أتقنها بقوله وصدّقها بفعله، ورجل أتقنها بقوله وضيّعها بسوء فعله، فشتّان بينهما، فطوبى للعلماء بالفعل، وويل للعلماء بالقول.

ياعبيد السوء، اتّخذوا مساجد ربّكم سجوناً لأجسادكم وجباهكم، واجعلوا قلوبكم بيوتاً للتقوى، ولا تجعلوا قلوبكم مأوى للشهوات، إنّ أجزعكم عند البلاء لأشدّكم حبّاً للدنيا، وإنّ أصبركم على البلاء لأزهدكم في الدنيا.

يا عبيد السوء، لا تكونوا شبيهاً بالحداء الخاطفة ولا بالثعالب الخادعة ولا بالذئاب الغادرة ولا بالأسد العاتية، كما تفعل بالفراس كذلك تفعلون بالناس، فريقاً تخطفون وفريقاً تخدعون وفريقاً تغدرون بهم.

بحقّ أقول لكم: لا يغني عن الجسد أن يكون ظاهره صحيحاً وباطنه فاسداً، كذلك لا تغني أجسادكم التي قد أعجبتكم وقد فسدت قلوبكم، وما يغني عنكم أن تنقّوا جلودكم وقلوبكم دنسة، لا تكونوا كالمنخل يخرج منه الدقيق الطيّب ويمسك النخالة، كذلك أنتم تخرجون الحكمة من أفواهكم ويبقى الغلّ في صدوركم.

يا عبيد الدنيا، إنمّا مثلكم مثل السراج، يضيء للناس ويحرق نفسه.

يا بني إسرائيل، زاحموا العلماء في مجالسهم ولو جثوّاً على الركب، فإنّ الله يحيي القلوب الميّتة بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر …

يا هشام، قلّة المنطق حكم عظيم، فعليكم بالصمت، فإنّه دعة حسنة وقلّة وزر وخفّة من الذنوب، فحصّنوا باب الحلم، فإنّ بابه الصبر، وإنّ الله عزّ وجلّ يبغض الضحّاك من غير عجب، والمشّاء إلى غير أرب، ويجب على الوالي أن يكون كالراعي لا يغفل عن رعيّته ولا يتكـبّر عليهم، فاستحيوا من الله في سرائركم كما تستحيون من الناس في علانيتكم، واعلموا أنّ الكلمة من الحكمة ضالّة المؤمن، فعليكم بالعلم قبل أن يرفع، ورفعه غيبة عالمكم بين أظهركم.

يا هشام، تعلّم من العلم ما جهلت، وعلّم الجاهل ممّا علّمت، وعظّم العالم لعلمه، ودع منازعته، وصغّر الجاهل لجهله ولا تطرده، ولكن قربّه وعلّمه …

يا هشام، قال الله جلّ وعزّ: وعزّتي وجلالي وعظمتي وقدرتي وبهائي وعلوّي في مكاني، لا يؤثر عبد هواي على هواه إلّا جعلت الغنى في نفسه، وهمّه في آخرته، وكففت عليه ضيعته، وضمّنت السماوات والأرض رزقه، وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر.

يا هشام، الغضب مفتاح الشرّ، وأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وإن خالطت الناس فإن استطعت أن لا تخالط أحداً منهم إلّا من كانت يدك عليه العليا فافعل …

يا هشام، قول الله: ﴿هَلۡ جَزَآءُ الۡإِحۡسَٰانِ إِلَّا الۡإِحۡسَٰانُ﴾ جرت في المؤمن والكافر والبرّ والفاجر، من صنع إليه معروف فعليه أن يكافئ به، وليست المكافأة أن تصنع كما صنع حتّى ترى فضلك، فإن صنعت كما صنع فله الفضل بالابتداء.

يا هشام، إنّ مثل الدنيا مثل الحيّة مسّها ليّن، وفي جوفها السمّ القاتل، يحذرها الرجال ذوو العقول، ويهوي إليها الصبيان بأيديهم …

يا هشام، مثل الدنيا مثل ماء البحر، كلّما شرب منه العطشان ازداد عطشاً حتّى يقتله …

يا هشام، تمثّلت الدنيا للمسيح (عليه السلام) في صورة امرأة زرقاء، فقال لها: كم تزوّجت؟ فقالت: كثيراً، قال: فكلّ طلّقك؟ قالت: لا، بل كلّاً قتلت، قال المسيح (عليه السلام): فويح لأزواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بالماضين؟

يا هشام، إنّ ضوء الجسد في عينه، فإن كان البصر مضيئاً استضاء الجسد كلّه، وإنّ ضوء الروح العقل، فإذا كان العبد عاقلاً كان عالماً بربّه، وإذا كان عالماً بربّه أبصر دينه، وإن كان جاهلاً بربّه لم يقم له دين، وكما لا يقوم الجسد إلّا بالنفس الحيّة، فكذلك
لا يقوم الدين إلّا بالنيّة الصادقة، ولا تثبت النيّة الصادقة إلّا بالعقل.

يا هشام، إنّ الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا، فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولا تعمر في قلب المتكـبّر الجبّار، لأنّ الله جعل التواضع آلة العقل، وجعل التكـبّر من آلة الجهل، أ لم تعلم أنّ من شمخ إلى السقف برأسه شجّه، ومن خفض رأسه استظلّ تحته وأكنّه، وكذلك من لم يتواضع لله خفضه الله، ومن تواضع لله رفعه.

يا هشام، ما أقبح الفقر بعد الغنى! وأقبح الخطيئة بعد النسك! وأقبح من ذلك العابد لله ثمّ يترك عبادته!

يا هشام، لا خير في العيش إلّا لرجلين: لمستمع واعٍ، وعالم ناطق.

يا هشام، ما قسم بين العباد أفضل من العقل، نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل، ما بعث الله نبيّاً إلّا عاقلاً حتّى يكون عقله أفضل من جميع جهد المجتهدين، وما أدّى العبد فريضة من فرائض الله حتّى عقل منه.

يا هشام، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا رأيتم المؤمن صموتاً فادنوا منه، فإنّه يلقى الحكمة، والمؤمن قليل الكلام كثير العمل، والمنافق كثير الكلام قليل العمل».

يا هشام، أوحى الله تعالى إلى داود (عليه السلام): قل لعبادي: لا تجعلوا بيني وبينهم عالماً مفتوناً بالدنيا فيصدّهم عن ذكري وعن طريق محبّتي ومناجاتي، أولئك قطّاع الطريق من عبادي، إنّ أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع محبّتي ومناجاتي من قلوبهم.

يا هشام، من تعظّم في نفسه لعنته ملائكة السماء وملائكة الأرض، ومن تكـبّر على إخوانه واستطال عليهم فقد ضادّ الله، ومن ادّعى ما ليس له فهو أعنى لغير رشده.

يا هشام، أوحى الله تعالى إلى داود (عليه السلام): يا داود، حذّر فأنذر أصحابك عن حبّ الشهوات، فإنّ المعلّقة قلوبهم شهوات الدنيا قلوبهم محجوبة عنّي …

يا هشام، إيّاك ومخالطة الناس والأنس بهم، إلّا أن تجد منهم عاقلاً ومأموناً، فأنس به، واهرب من سائرهم كهربك من السباع الضارية، وينبغي للعاقل إذا عمل عملاً  أن يستحيي من الله …

وإيّاك أن تغلب الحكمة وتضعها في الجهالة، فقلت له: فإن وجدت رجلاً طالباً له غير أنّ عقله لا يتّسع لضبط ما ألقي إليه؟ قال (عليه السلام): فتلطّف له في النصيحة، فإن ضاق قلبه فلا تعرضنّ نفسك للفتنة، واحذر ردّ المتكـبّرين … واعلم أنّ الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم، ولكن رفعهم بقدر عظمته ومجده، ولم يؤمن الخائفين بقدر خوفهم ولكن آمنهم بقدر كرمه وجوده، ولم يفرّج المحزونين بقدر حزنهم ولكن بقدر رأفته ورحمته، فما ظنّك بالرؤوف الرحيم الذي يتودّد إلى من يؤذيه بأوليائه فكيف بمن يؤذى فيه؟ وما ظنّك بالتوّاب الرحيم الذي يتوب على من يعاديه؟ فكيف بمن يترضّاه، ويختار عداوة الخلق فيه؟

يا هشام، من أحبّ الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه، وما أوتي عبد علماً فازداد للدنيا حبّاً إلّا ازداد من الله بعداً وازداد الله عليه غضباً …

قال هشام: فقلت له: فأيّ الأعداء أوجبهم مجاهدة؟ قال (عليه السلام): أقربهم إليك وأعداهم لك وأضرّهم بك وأعظمهم لك عداوة وأخفاهم لك شخصاً مع دنوّه منك، ومن يحرّض أعداءك عليك _ وهو إبليس الموكّل بوسواس من القلوب _ فله فلتشتدّ عداوتك، ولا يكوننّ أصبر على مجاهدتك لهلكتك منك على صبرك لمجاهدته، فإنّه أضعف منك ركناً في قوّته، وأقلّ منك ضرراً في كثرة شرّه، إذا أنت اعتصمت بالله فقد هديت إلى صراط مستقيم.

يا هشام، من أكرمه الله بثلاث فقد لطف به: عقل يكفيه مؤونة هواه، وعلم يكفيه مؤونة جهله، وغنىً يكفيه مخافة الفقر.

يا هشام، احذر هذه الدنيا واحذر أهلها، فإنّ الناس فيها على أربعة أصناف: رجل متردّئ معانق لهواه ومتعلّم مقرئ، كلّما ازداد علماً ازداد كبراً، يستعلي بقراءته وعلمه على من هو دونه، وعابد جاهل يستصغر من هو دونه في عبادته، يحبّ أن يعظّم ويوقّر، وذو بصيرة عالم عارف بطريق الحقّ يحبّ القيام به فهو عاجز أو مغلوب ولا يقدر على القيام بما يعرفه فهو محزون مغموم بذلك، فهو أمثل أهل زمانه وأوجههم عقلاً … .

المصدر الأصلي: تحف العقول
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٥
، ص٢٩٦-٣١٦
الحديث: ٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٧٤١٤

قال الكاظم (عليه السلام): المؤمن مثل كفّتي الميزان، كلّما زيد في إيمانه زيد في بلائه.

المصدر الأصلي: تحف العقول
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٥
، ص٣٢٠
الحديث: ٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٧٤١٥

قال الكاظم (عليه السلام) عند قبر حضره: إنّ شيئاً هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوّله، وإنّ شيئاً هذا أوّله لحقيق أن يخاف آخره.

المصدر الأصلي: تحف العقول
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٥
، ص٣٢٠
الحديث: ٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٧٤١٦

قال الكاظم (عليه السلام): اشتدّت مؤونة الدنيا والدين: فأمّا مؤونة الدنيا فإنّك لا تمدّ يدك إلى شيء منها إلّا وجدت فاجراً قد سبقك إليه، وأمّا مؤونة الآخرة فإنّك لا تجد أعواناً يعينونك عليه.

المصدر الأصلي: تحف العقول
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٥
، ص٣٢٠
الحديث: ٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٧٤١٧

قال الكاظم (عليه السلام): لا تذهب الحشمة بينك وبين أخيك وأبق منها، فإنّ ذهابها ذهاب الحياء.

المصدر الأصلي: تحف العقول
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٥
، ص٣٢٠
الحديث: ٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٧٤١٨

قال الكاظم (عليه السلام) لبعض ولده: يا بنيّ، إيّاك أن يراك الله في معصية نهاك عنها، وإيّاك أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بها، وعليك بالجدّ، ولا تخرجنّ نفسك من التقصير في عبادة الله وطاعته، فإنّ الله لا يعبد حقّ عبادته، وإيّاك والمزاح، فإنّه يذهب بنور إيمانك ويستخفّ مروّتك، وإيّاك والضجر والكسل، فإنّهما يمنعان حظّك من الدنيا والآخرة.

المصدر الأصلي: تحف العقول
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٥
، ص٣٢٠-٣٢١
الحديث: ٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٧٤١٩

قال الكاظم (عليه السلام): اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الإخوان والثقات الذين يعرّفونكم عيوبكم، ويخلصون لكم في الباطن، وساعة تخلون فيها للذّاتكم في غير محرّم، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات، ولا تحدّثوا أنفسكم بفقر ولا بطول عمر، فإنّه من حدّث نفسه بالفقر بخل، ومن حدّثها بطول العمر يحرص، اجعلوا لأنفسكم حظّاً من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال وما لا يثلم المروّة وما لا سرف فيه، واستعينوا بذلك على أمور الدين، فإنّه روي: «ليس منّا من ترك دنياه لدينه أو ترك دينه لدنياه».

المصدر الأصلي: تحف العقول
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٥
، ص٣٢١
الحديث: ٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٧٤٢٠

قال الكاظم (عليه السلام): تفقّهوا في دين الله، فإنّ الفقه مفتاح البصيرة، وتمام العبادة إلى المنازل الرفيعة، والرتب الجليلة في الدين والدنيا، وفضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب، ومن لم يتفقّه في دينه لم يرض الله له عملاً.

المصدر الأصلي: تحف العقول
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٥
، ص٣٢١
الحديث: ٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٧٤٢١

قال الكاظم (عليه السلام): كلّما أحدث الناس من الذنوب ما لم يكونوا يعملون، أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعدّون.

المصدر الأصلي: تحف العقول
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٥
، ص٣٢٢
الحديث: ١٠
/
ترتيب جواهر البحار: ٧٤٢٢

قال أبو حنيفة: حججت في أيّام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، فلمّا أتيت المدينة دخلت داره، فجلست في الدهليز أنتظر إذنه، إذ خرج صبيّ يدرج، فقلت: يا غلام، أين يضع الغريب الغائط من بلدكم؟ قال: على رسلك، ثمّ جلس مستنداً إلى الحائط، ثمّ قال: توقّ شطوط الأنهار ومساقط الثمار وأفنية المساجد وقارعة الطريق، وتوار خلف جدار وشل ثوبك، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها، وضع حيث شئت، فأعجبني ما سمعت من الصبيّ، فقلت له: ما اسمك؟ فقال (عليه السلام): أنا موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، فقلت له: يا غلام، ممّن المعصية؟ فقال (عليه السلام): إنّ السيّئات لا تخلو من إحدى ثلاث: إمّا أن تكون من الله _ وليست منه _ فلا ينبغي للربّ أن يعذّب العبد على ما لا يرتكب، وإمّا أن تكون منه ومن العبد _ وليست كذلك _ فلا ينبغي للشريك القويّ أن يظلم الشريك الضعيف، وإمّا أن تكون من العبد _ وهي منه _ فإن عفا فبكرمه وجوده، وإن عاقب فبذنب العبد وجريرته، قال أبو حنيفة: فانصرفت ولم ألق الصادق (عليه السلام)، واستغنيت بما سمعت.

المصدر الأصلي: تحف العقول
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٥
، ص٣٢٢-٣٢٤
الحديث: ١١
/
ترتيب جواهر البحار: ٧٤٢٣

رأى الكاظم (عليه السلام) رجلان يتسابّان فقال: البادي أظلم، ووزره ووزر صاحبه عليه ما لم يعتد المظلوم.

المصدر الأصلي: تحف العقول
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٥
، ص٣٢٤
الحديث: ١٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٧٤٢٤

قال الكاظم (عليه السلام): ينادي منادٍ يوم القيامة: ألا من كان له على الله أجر فليقم، فلا يقوم إلّا ﴿عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ﴾.

المصدر الأصلي: تحف العقول
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٥
، ص٣٢٤
الحديث: ١٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٧٤٢٥

قال السندي بن شاهك _ وكان الذي وكّله الرشيد بحبس موسى بن جعفر (عليه السلام) _ لمّا حضرته الوفاة: دعني أكفّنك، فقال (عليه السلام): إنّا أهل بيت حجّ صرورتنا ومهور نسائنا وأكفاننا من طهور أموالنا.

المصدر الأصلي: تحف العقول
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٥
، ص٣٢٤
الحديث: ١٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٧٤٢٦

سمع (عليه السلام) رجلاً يتمنّى الموت، فقال (عليه السلام) له: هل بينك وبين الله قرابة يحاميك لها؟ قال: لا، قال (عليه السلام): فهل لك حسنات قدمتها تزيد على سيّئاتك؟ قال: لا، قال (عليه السلام): فأنت إذاً تتمنّى هلاك الأبد.

المصدر الأصلي: كشف الغمّة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٥
، ص٣٢٧
الحديث: ١٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٧٤٢٧

قال موسی بن جعفر (عليه السلام): وجدت علم الناس في أربع: أوّلها: أن تعرف ربّك، والثانية: أن تعرف ما صنع بك، والثالثة: أن تعرف ما أراد منك، والرابعة: أن تعرف ما يخرجك من دينك.

المصدر الأصلي: كشف الغمّة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٥
، ص٣٢٨
الحديث: ١٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٧٤٢٨

قال عليّ بن سوید: كتبت إلى أبي الحسن موسى (عليه السلام) وهو في الحبس أسأله فيه عن حاله وعن جواب مسائل كتبت بها إليه فكتب: … ‏ادع إلى صراط ربّك فينا من رجوت إجابته، ولا تحصر حصرنا، ووال آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا تقل لما بلغك عنّا أو نسب إلينا: «هذا باطل» وإن كنت تعرف خلافه، فإنّك لا تدري لما قلناه، وعلى أيّ وجه وصفناه، آمن بما أخبرتك ولا تفش ما استكتمتك، أخبرك أنّ من أوجب حقّ أخيك أن لا تكتمه شيئاً ينفعه لأمر دنياه ولأمر آخرته.

المصدر الأصلي: معرفة الرجال
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٥
، ص٣٢٨-٣٢٩
الحديث: ١٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٧٤٢٩

قال الكاظم (عليه السلام): المعروف غلّ لا يفكّه إلّا مكافأة أو شكر، لو ظهرت الآجال افتضحت الآمال، من ولّده الفقر أبطره الغنى، من لم يجد للإساءة مضضاً ١ لم يكن للإحسان عنده موقع، ما تسابّ اثنان إلّا انحطّ الأعلى إلى مرتبة الأسفل.

المصدر الأصلي: الدرّة الباهرة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٥
، ص٣٣٣
(١) «المَضَض»: وجع المصيبة. لسان العرب، ج٧، ص٢٣٣.
الحديث: ١٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٧٤٣٠

قال الكاظم (عليه السلام): أولى العلم بك ما لا يصلح لك العمل إلّا به، وأوجب العمل عليك ما أنت مسؤول عن العمل به، وألزم العلم لك ما دلّك على صلاح قلبك، وأظهر لك فساده، وأحمد العلم عاقبة ما زاد في علمك العاجل، فلا تشتغلنّ بعلم ما لا يضرّك جهله، ولا تغفلنّ عن علم ما يزيد في جهلك تركه.

المصدر الأصلي: أعلام الدين
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٥
، ص٣٣٣