Search
Close this search box.
Layer 5
.
فهرس جواهر البحار
كتاب العقل والعلم والجهل
كتاب العدل والمعاد
كتاب النبوة
كتاب تاريخ نبينا (ص)
كتاب الإمامة
كتاب تاريخ أميرالمؤمنين (ع)
كتاب تاريخ فاطمة والحسنين (ع)
كتاب تاريخ السجاد والباقر والصادق والكاظم (ع)
كتاب تاريخ الرضا والجواد والهادي والعسكري (ع)
كتاب تاريخ الحجة (عج)
كتاب السماء والعالم
كتاب الإيمان والكفر
كتاب العشرة
كتاب الآداب والسنن
كتاب الروضة
كتاب الطهارة
كتاب الصلاة
كتاب القرآن
كتاب الأدعية والأذكار
كتاب الصوم
كتاب الحج والعمرة
كتاب المزار
كتاب العقود والإيقاعات

أحاديث في إسلام أبي ذر (رحمه الله) وقصته مع الصلاة، ونفيه إلى الربذة من قبل عثمان بن عفان، ووفاته في الربذة ومن تولى دفنه من الصالحين، وفي دعاء أبي ذر المعروف في السماء، وهذه أحاديث جليلة جمعها العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار، وقد اقتبس الشيخ حبيب الكاظمي بعض هذه الأحاديث وحذف أسانيدها مع مراعاة التبويب، فكانت جواهر البحار الذي بين يديك.

الحديث: ١
/
ترتيب جواهر البحار: ١٦٨٨

قال الهادي عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان من خيار أصحابه عنده أبو ذرّ الغفاري، فجاءه ذات يوم، فقال: يا رسول الله، إنّ لي غنيمات قدر ستّين شاة، فأكره أن أبدو فيها وأفارق حضرتك وخدمتك، وأكره أن أكلها إلى راعٍ فيظلمها ويسيء رعايتها، فكيف أصنع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ابد فيها، فبدا فيها. فلمّا كان في اليوم السابع جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا ذرّ، قال: لبّيك يا رسول الله، قال صلى الله عليه وآله: ما فعلت غنيماتك؟ قال: يا رسول الله، إنّ لها قصّة عجيبة؛ قال صلى الله عليه وآله: وما هي؟

قال: يا رسول الله، بينا أنا في صلاتي إذ عدا الذئب على غنمي، فقلت: يا ربّ، صلاتي، ويا ربّ، غنمي، فآثرت صلاتي على غنمي وأخطر الشيطان ببالي: يا أبا ذرّ، أين أنت إن عدت الذئاب على غنمك وأنت تصلّي فأهلكتها، وما يبقى لك في الدنيا ما تتعيّش به؟ فقلت للشيطان: «يبقى لي توحيد الله تعالی والإيمان برسول الله صلى الله عليه وآله، وولاية أخيه سيّد الخلق بعده عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وموالاة الأئمّة الهادين الطاهرين من ولده، ومعاداة أعدائهم، وكلّ ما فات من الدنيا بعد ذلك سهل»، فأقبلت على صلاتي، فجاء ذئب فأخذ حملاً فذهب به وأنا أحسّ به، إذ أقبل على الذئب أسد فقطعه نصفين، واستنقذ الحمل وردّه إلى القطيع …

فلمّا جاء أبو ذرّ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا ذرّ، إنّك أحسنت طاعة الله، فسخّر الله لك من يطيعك في كفّ العوادي عنك، فأنت من أفاضل من مدحه الله بأنّه يقيم الصلاة.

المصدر الأصلي: تفسير الإمام العسكري عليه السلام
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٢
، ص٣٩٣-٣٩٤
الحديث: ٢
/
ترتيب جواهر البحار: ١٦٨٩

عن بعض أهل الشام، قال: لمّا سيّر عثمان أبا ذرّ من المدينة إلى الشام كان يقصّ علينا، فيحمد الله فيشهد شهادة الحقّ، ويصلّي على النبيّ صلى الله عليه وآله ويقول:

«أمّا بعد، فإنّا كنّا في جاهليتنا قبل أن ينزل علينا الكتاب ويبعث فينا الرسول، ونحن نوفي بالعهد، ونصدّق الحديث، ونحسن الجوار، ونقري الضيف، ونواسي الفقير. فلمّا بعث الله تعالی فينا رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنزل علينا كتابه كانت تلك الأخلاق يرضاها الله ورسوله، وكان أحقّ بها أهل الإسلام، وأولى أن يحفظوها، فلبثوا بذلك ما شاء الله أن يلبثوا.

ثمّ إنّ الولاة قد أحدثوا أعمالاً قباحاً ما نعرفها: من سنّة تطفى، وبدعة تحيى، وقائل بحقّ مكذّب، وأثرة لغير تقيّ، وأمين مستأثر عليه من الصالحين. اللّهمّ، إن كان ما عندك خيراً لي فاقبضني إليك غير مبدّل ولا مغيّر، وكان يعيد هذا الكلام ويبديه.»

فأتى حبيب بن مسلمة معاوية بن أبي سفيان، فقال: إنّ أبا ذرّ يفسد عليك الناس بقوله: كيت وكيت، فكتب معاوية إلى عثمان بذلك، فكتب عثمان: أخرجه إليّ، فلمّا صار إلى المدينة نفاه إلى الربذة.

المصدر الأصلي: المجالس للمفيد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٢
، ص٣٩٥
الحديث: ٣
/
ترتيب جواهر البحار: ١٦٩٠

لمّا أخرج عثمان أبا ذرّ الغفاري من المدينة إلى الشام كان يقوم في كلّ يوم فيعظ الناس ويأمرهم بالتمسّك بطاعة الله، ويحذّرهم من ارتكاب معاصيه، ويروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله ما سمعه منه في فضائل أهل بيته _ عليه و عليهم السلام _
ويحضّهم على التمسّك بعترته.

فكتب معاوية إلى عثمان: أمّا بعد، فإنّ أبا ذرّ يصبح إذا أصبح ويمسي إذا أمسى وجماعة من الناس كثيرة عنده، فيقول: كيت وكيت، فإن كان لك حاجة في الناس قبلي فأقدم أبا ذرّ إليك، فإنّي أخاف أن يفسد الناس عليك، والسلام.

فكتب إليه عثمان: أمّا بعد، فأشخص إليّ أبا ذرّ حين تنظر في كتابي هذا والسلام … فقال عثمان: والله، لا جمعتني وإيّاك دار، قد خرفت وذهب عقلك، أخرجوه من بين يديّ حتّى تركبوه قتب ناقته بغير وطاء، ثمّ انجوا به الناقة وتعتعوه حتّى توصلوه الربذة، فنزّلوه بها من غير أنيس، حتّى يقضي الله فيه ما هو قاضٍ، فأخرجوه متعتعاً ملهوزاً ١ بالعصيّ، وتقدّم ألّا يشيّعه أحد من الناس.

فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فبكى حتّى بلّ لحيته بدموعه، ثمّ قال: أ هكذا يصنع بصاحب رسول الله صلى الله عليه وآله؟ ﴿إنّا لله وإنّا إلَيهِ رَاجِعُونَ﴾، ثمّ نهض ومعه الحسن والحسين عليهما السلام وعبد الله بن العبّاس والفضل وقثم وعبيد الله حتّى لحقوا أبا ذرّ فشيّعوه.

فلمّا بصر بهم أبو ذرّ حنّ إليهم وبكى عليهم، وقال: بأبي وجوه إذا رأيتها ذكرت بها رسول الله صلى الله عليه وآله وشملتني البركة برؤيتها، ثمّ رفع يديه إلى السماء وقال: اللّهمّ، إنّي أحبّهم، ولو قطعت إرباً إرباً في محبّتهم ما زلت عنها ابتغاء وجهك والدار الآخرة، فارجعوا رحمكم الله، والله أسأل أن يخلفني فيكم أحسن الخلافة، فودّعه القوم ورجعوا وهم يبكون على فراقه.

المصدر الأصلي: المجالس للمفيد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٢
، ص٣٩٥-٣٩٧
(١) «اللَّهز»: الضرب بجُمْع اليد في الصدر. لسان العرب، ج٥، ص٤٠٧.
الحديث: ٤
/
ترتيب جواهر البحار: ١٦٩١

مكث أبو ذرّ بالربذة حتّى مات، فلمّا حضرته الوفاة قال لامرأته: اذبحي شاة من غنمك واصنعيها، فإذا نضجت فاقعدي على قارعة الطريق، فأوّل ركب ترينهم قولي: يا عباد الله المسلمين، هذا أبو ذرّ صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله قد قضى نحبه ولقي ربّه، فأعينوني عليه وأجيبوه، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرني أنّي أموت في أرض غربة، وأنّه يلي غسلي ودفني والصلاة عليّ رجال من أمّتي صالحون.

المصدر الأصلي: معرفة‌ الرجال
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٢
، ص٣٩٩
الحديث: ٥
/
ترتيب جواهر البحار: ١٦٩٢

قال محمّد بن علقمة النخعي: خرجت في رهط أريد الحجّ، منهم مالك بن الحارث الأشتر، حتّى قدمنا الربذة، فإذا امرأة على قارعة الطريق تقول: يا عباد الله المسلمين، هذا أبو ذرّ صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله قد هلك غريباً، ليس لي أحد يعينني عليه، فنظر بعضنا إلى بعض، وحمدنا الله على ما ساق إلينا، واسترجعنا على عظم المصيبة، ثمّ أقبلنا معها فجهّزناه وتنافسنا في كفنه حتّى خرج من بيننا بالسواء، ثمّ تعاونّا على غسله حتّى فرغنا منه، ثمّ قدمنا مالك الأشتر فصلّى بنا عليه ثمّ دفنّاه.

فقام الأشتر على قبره، ثمّ قال: اللّهمّ، هذا أبو ذرّ صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله عبدك في العابدين، وجاهد فيك المشركين، لم يغيّر ولم يبدّل، لكنّه رأى منكراً فغيّره بلسانه وقلبه حتّى جفي ونفي وحرم واحتقر، ثمّ مات وحيداً غريباً؛ اللّهمّ، فاقصم من حرمه ونفاه من مهاجره وحرم رسولك صلى الله عليه وآله، فرفعنا أيدينا جميعاً وقلنا: آمين، ثمّ قدّمت الشاة التي صنعت فقالت: إنّه قد أقسم عليكم ألّا تبرحوا حتّى تتغدّوا، فتغدّينا وارتحلنا.

المصدر الأصلي: معرفة الرجال
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٢
، ص٣٩٩-٤٠٠
الحديث: ٦
/
ترتيب جواهر البحار: ١٦٩٣

قال الصادق عليه السلام: إنّ أبا ذرّ أتى رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه جبرئيل في صورة دحية الكلبي وقد استخلاه رسول الله صلى الله عليه وآله، فلمّا رآهما انصرف عنهما ولم يقطع كلامهما، فقال جبرئيل: يا محمّد، هذا أبو ذرّ قد مرّ بنا ولم يسلّم علينا، أما لو سلّم لرددنا عليه. يا محمّد، إنّ له دعاء يدعو به معروفاً عند أهل السماء فاسأله عنه إذا عرجت إلى السماء.

فلمّا ارتفع جبرئيل عليه السلام جاء أبو ذرّ إلى النبيّ صلى الله عليه وآله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: ما منعك يا أبا ذرّ أن تكون سلّمت علينا حين مررت بنا؟ فقال: ظننت يا رسول الله، أنّ الذي معك دحية الكلبي قد استخليته لبعض شأنك، فقال: ذاك جبرئيل عليه السلام وقد قال: أما لو سلّم علينا لرددنا عليه.

فلمّا علم أبو ذرّ أنّه كان جبرئيل عليه السلام دخله من الندامة _ حيث لم يسلّم عليه _ ما شاء الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: ما هذا الدعاء الذي تدعو به؟ فقد أخبرني جبرئيل عليه السلام أنّ لك دعاء تدعو به معروفاً في السماء، فقال: نعم، يا رسول الله، أقول: اللّهمّ إنّي أسألك الأمن والإيمان والتصديق بنبيّك، والعافية من جميع البلاء، والشكر على العافية، والغنى عن شرار الناس.

المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٢
، ص٤٠٠-٤٠١
الحديث: ٧
/
ترتيب جواهر البحار: ١٦٩٤

قال الصادق عليه السلام: كان أبو ذرّ (رضی الله عنه) يقول في خطبته: يا مبتغي العلم، كأنّ شيئاً من الدنيا لم يكن شيئاً إلّا ما ينفع خيره، ويضرّ شرّه إلّا من رحم الله.

يا مبتغي العلم، لا يشغلك أهل ولا مال عن نفسك، أنت يوم تفارقهم كضيف بتّ فيهم ثمّ غدوت عنهم إلى غيرهم، والدنيا والآخرة كمنزل تحوّلت منه إلى غيره، وما بين الموت والبعث إلّا كنومة نمتها، ثمّ استيقظت منها.

يا مبتغي العلم، قدّم لمقامك بين يدي الله، فإنّك مثاب بعملك، كما تدين تدان يا مبتغي العلم.

المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٢
، ص٤٠١-٤٠٢
الحديث: ٨
/
ترتيب جواهر البحار: ١٦٩٥

قال الصادق عليه السلام: جاء رجل إلى أبي ذرّ، فقال: يا أبا ذرّ، ما لنا نكره الموت؟ فقال: لأنّكم عمّرتم الدنيا، وأخربتم الآخرة، فتكرهون أن تنقلوا من عمران إلى خراب، فقال له: فيكف ترى قدومنا على الله؟ فقال: أمّا المحسن منكم فكالغائب يقدم على أهله، وأمّا المسيء فكالآبق يرد على مولاه؛ قال: فكيف ترى حالنا عند الله؟ قال: أعرضوا أعمالكم على الكتاب، إنّ الله يقول: ﴿إِنَّ الأَبرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ۞ وَإِنَّ الفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ﴾؛ فقال الرجل: فأين رحمة الله؟ قال: ﴿رَحمَتَ الله قَرِيبٌ مِنَ المُحسِنِينَ﴾. قال الصادق عليه السلام: وكتب رجل إلى أبي ذرّ _ رضی الله عنه _ : يا أبا ذرّ، أطرفني بشيء من العلم، فكتب إليه: إنّ العلم كثير، ولكن إن قدرت على أن لا تسيء إلى من تحبّه فافعل، فقال له الرجل: وهل رأيت أحداً يسيء إلى من يحبّه؟ فقال: نعم، نفسك أحبّ الأنفس إليك، فإذا أنت عصيت الله فقد أسأت إليها.

المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٢
، ص٤٠٢
الحديث: ٩
/
ترتيب جواهر البحار: ١٦٩٦

قال الصادق عليه السلام: كان رجل بالمدينة يدخل مسجد الرسول صلى الله عليه وآله، فقال: اللّهمّ آنس وحشتي، وصل وحدتي، وارزقني جليساً صالحاً.

فإذا هو برجل في أقصى المسجد فسلّم عليه وقال له: من أنت يا عبد الله؟ فقال: أنا أبو ذرّ، فقال الرجل: الله أكبر، الله أكبر، فقال أبو ذرّ: ولم تكـبّر يا عبد الله؟ فقال: إنّي دخلت المسجد فدعوت الله عزّ وجلّ أن يؤنس وحشتي، وأن يصل وحدتي وأن يرزقني جليساً صالحاً، فقال له أبو ذرّ: أنا أحقّ بالتكبير منك، إذ كنت ذلك الجليس، فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أنا وأنتم على ترعة يوم القيامة حتّى يفرغ الناس من الحساب، قم يا عبد الله، فقد نهى السلطان عن مجالستي.

المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٢
، ص٤٠٣-٤٠٤
الحديث: ١٠
/
ترتيب جواهر البحار: ١٦٩٧

قال النبيّ صلى الله عليه وآله: يا أبا ذرّ، إنّي أحبّ لك ما أحبّ لنفسي، إنّي أراك ضعيفاً فلا تأمّرنّ على اثنين، ولا تولّينّ مال يتيم.

المصدر الأصلي: الأمالي للطوسي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٢
، ص٤٠٦
الحديث: ١١
/
ترتيب جواهر البحار: ١٦٩٨

كتب أبو ذرّ إلى حذيفة بن اليمان، يشكو إليه ما صنع به عثمان:

بسم الله الرحمن الرحيم: أمّا بعد يا أخي، فخف الله مخافة يكثر منها بكاء عينيك، وحرّر قلبك، وسهّر ليلك، وانصب بدنك في طاعة ربّك، فحقّ لمن علم أنّ النار مثوى من سخط الله عليه أن يطول بكاؤه ونصبه وسهر ليله، حتّى يعلم أنّه قد رضي الله عنه، وحقّ لمن علم أنّ الجنّة مثوى من رضي الله عنه أن يستقبل الحقّ كي يفوز بها، ويستصغر في ذات الله الخروج من أهله وماله، وقيام ليله وصيام نهاره وجهاد الظالمين الملحدين بيده ولسانه حتّى يعلم أنّ الله أوجبها له، وليس بعالم ذلك دون لقاء ربّه، وكذلك ينبغي لكلّ من رغب في جوار الله ومرافقة أنبيائه أن يكون.

يا أخي، أنت ممّن أستريح إلى الضريح إليه ببثّي وحزني، وأشكو إليه تظاهر الظالمين عليّ، إنّي رأيت الجور يعمل به بعيني، وسمعته يقال فرددته فحرّمت العطاء وسيّرت إلى البلاد، وغرّبت عن العشيرة والإخوان وحرم الرسول صلى الله عليه وآله، وأعوذ بربّي العظيم أن يكون هذا منّي له شكوى إن ركب منّي ما ركب، بل أنبأتك أنّي قد رضيت ما أحبّ لي ربّي وقضاه عليّ، وأفضيت ذلك إليك لتدعو الله لي ولعامّة المسلمين بالروح والفرج، وبما هو أعمّ نفعاً وخير مغبّة وعقبى، والسلام.

فكتب إليه حذيفة: بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد يا أخي، فقد بلغني كتابك تخوّفني به، وتحذّرني فيه منقلبي، وتحثّني فيه على حظّ نفسي، فقديماً يا أخي، كنت بي وبالمؤمنين حفيّاً لطيفاً وعليهم حدباً شفيقاً، ولهم بالمعروف آمراً، وعن المنكرات ناهياً، وليس يهدي إلى رضوان الله إلّا هو، لا إله إلّا هو، ولا يتناهى من سخطه إلّا بفضل رحمته وعظيم منّه.

فنسأل الله ربّنا لأنفسنا وخاصّتنا وعامّتنا وجماعة أمّتنا مغفرة عامّة ورحمة واسعة، وقد فهمت ما ذكرت من تسييرك يا أخي، وتغريبك وتطريدك، فعزّ _ والله _ عليّ يا أخي، ما وصل إليك من مكروه، ولو كان يفتدى ذلك بمال لأعطيت فيه مالي، طيّبة بذلك نفسي، يصرف الله عنك بذلك المكروه، والله، لو سألت لك المواساة ثمّ أعطيتها لأحببت احتمال شطر ما نزل بك، ومواساتك في الفقر والأذى والضرر، لكنّه ليس لأنفسنا إلّا ما شاء ربّنا.

يا أخي، فافزع بنا إلى ربّنا، ولنجعل إليه رغبتنا، فإنّا قد استحصدنا ٢ ، واقترب الصرام، فكأنّي وإيّاك قد دعينا فأجبنا، وعرضنا على أعمالنا فاحتجنا إلى ما أسلفنا.

يا أخي، ولا تأس على ما فاتك، ولا تحزن على ما أصابك، واحتسب فيه الخير وارتقب فيه من الله أسنى الثواب.

يا أخي، لا أرى الموت لي ولك إلّا خيراً من البقاء، فإنّه قد أظلّتنا فتن يتلو بعضها بعضاً كقطع الليل المظلم، قد ابتعثت من مركبها ووطئت في حطامها، تشهر فيها السيوف، وينزل فيها الحتوف، فيها يقتل من اطّلع لها، والتبس بها وركض فيها، ولا تبقى قبيلة من قبائل العرب من الوبر والمدر إلّا دخلت عليهم.

فأعزّ أهل ذلك الزمان أشدّهم عتوّاً، وأذلّهم أتقاهم، فأعاذنا الله وإيّاك من زمان هذه حال أهله فيه، لن أدع الدعاء لك في القيام والقعود والليل والنهار، وقد قال الله _ ولا خلف لموعوده _: ﴿ادعُونِي أَستَجِب لَكُم إِنَّ الَّذِينَ يَستَكبِرُونَ عَن عِبَادَتِي سَيَدخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾؛ فنستجير بالله من التكـبّر عن عبادته، والاستنكاف عن طاعته، جعل الله لنا ولك فرجاً ومخرجاً عاجلاً برحمته، والسلام عليك.

المصدر الأصلي: الفصول المختارة١
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٢
، ص٤٠٨-٤١٠
(١) ولم نعثر علی الروایة في المطبوع من الفصول المختارة. فراجع.
(٢) «استحصَدَ»: حان وقت حصاده. الطراز الأوّل، ج٥، ص٣٢٣.
الحديث: ١٢
/
ترتيب جواهر البحار: ١٦٩٩

قال الباقر عليه السلام: أتى أبا ذرّ رجل يبشّره بغنم له قد ولدت، فقال: يا أبا ذرّ، أبشر، فقد ولدت غنمك وكثرت، فقال: ما يسرّني كثرتها وما أحبّ ذلك، فما قلّ وكفى أحبّ إليّ ممّا كثر وألهى، إنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: على حافتي الصراط يوم القيامة الرحم والأمانة، فإذا مرّ عليه الوصول للرحم المؤدّي للأمانة، لم يتكفّأ به في النار.

المصدر الأصلي: كتاب الحسين بن سعيد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٢
، ص٤١٠
الحديث: ١٣
/
ترتيب جواهر البحار: ١٧٠٠

قال الصادقان عليهما السلام: إنّ أبا ذرّ عيّر رجلاً على عهد النبيّ صلى الله عليه وآله بأمّه فقال له: يا بن السوداء _ وكانت أمّه سوداء _ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: تعيّره بأمّه يا أبا ذر؟ فلم يزل أبو ذرّ یمرّغ ١ وجهه في التراب حتّى رضي رسول الله صلى الله عليه وآله عنه.

المصدر الأصلي: كتاب الحسين بن سعيد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٢
، ص٤١١
(١) «مَرَّغَه في التراب»: مَعَّكه وألزقه به. لسان العرب، ج٨، ص٤٤٩.
الحديث: ١٤
/
ترتيب جواهر البحار: ١٧٠١

قال عليّ عليه السلام لأبي ذرّ لمّا أخرج إلى الربذة: يا أبا ذرّ، إنّك غضبت لله فارج من غضبت له، إنّ القوم خافوك على دنياهم، وخفتهم على دينك، فاترك في أيديهم ما خافوك عليه، واهرب منهم بما خفتهم عليه، فما أحوجهم إلى ما منعتهم، وأغناك عمّا منعوك، وستعلم من الرابح غداً والأكثر حسداً.

ولو أنّ السماوات والأرض كانتا على عبد رتقاً ثمّ اتّقى الله، لجعل الله له منهما مخرجاً لا يؤنسنّك إلّا الحقّ، ولا يوحشنّك إلّا الباطل، فلو قبلت دنياهم لأحبّوك، ولو قرضت منها لآمنوك.

المصدر الأصلي: نهج البلاغة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٢
، ص٤١١
الحديث: ١٥
/
ترتيب جواهر البحار: ١٧٠٢

ثمّ تكلّم الحسين عليه السلام، فقال: يا عمّاه، إنّ الله تعالی قادر أن يغيّر ما قد ترى، ‏ والله ﴿كُلَّ يَومٍ هُوَ في شَأنٍ﴾، وقد منعك القوم دنياهم ومنعتهم دينك، فما أغناك عمّا منعوك وأحوجهم إلى ما منعتهم، فاسأل الله الصبر والنصر، واستعذ به من الجشع والجزع، فإنّ الصبر من الدين والكرم وإنّ الجشع لا يقدّم رزقاً والجزع لا يؤخّر أجلاً.

المصدر الأصلي: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدید
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٢
، ص٤١٢
الحديث: ١٦
/
ترتيب جواهر البحار: ١٧٠٣

قال ابن عبّاس: كان النبيّ صلى الله عليه وآله ذات يوم في مسجد قباء، وعنده نفر من أصحابه، فقال: أوّل من يدخل عليكم الساعة رجل من أهل الجنّة؛ فلمّا سمعوا ذلك، قام نفر منهم فخرجوا وكلّ واحد منهم يحبّ أن يعود ليكون هو أوّل داخل فيستوجب الجنّة، فعلم النبيّ صلى الله عليه وآله ذلك منهم، فقال لمن بقي عنده من أصحابه: سيدخل عليكم جماعة يستبقوني، فمن بشّرني بخروج آزار فله الجنّة.

فعاد القوم ودخلوا ومعهم أبو ذرّ، فقال صلى الله عليه وآله لهم: في أيّ شهر نحن من الشهور الرومية؟ فقال أبو ذرّ: قد خرج آزار يا رسول الله، فقال: قد علمت ذلك يا با ذرّ، ولكن أحببت أن يعلم قومي أنّك رجل من الجنّة، وكيف لا تكون كذلك وأنت المطرود عن حرمي بعدي لمحبّتك لأهل بيتي، فتعيش وحدك وتموت وحدك، ويسعد بك قوم يتولّون تجهيزك ودفنك، أولئك رفقائي في ﴿جَنّةُ الخُلدِ التي وُعِدَ المُتّقون﴾.

المصدر الأصلي: معاني الأخبار
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٢
، ص٤٢٣-٤٢٤
الحديث: ١٧
/
ترتيب جواهر البحار: ١٧٠٤

قال الصادق عليه السلام: كان أكثر عبادة أبي ذرّ التفكّر والاعتبار.

المصدر الأصلي: الخصال
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٢
، ص٤٣١
الحديث: ١٨
/
ترتيب جواهر البحار: ١٧٠٥

قال الصادق عليه السلام: رئي أبو ذرّ _ رضی الله عنه _  يسقي حماراً له بالربذة، فقال له بعض الناس: أ ما لك _ يا أبا ذرّ _ من يسقي لك هذا الحمار؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ما من دابّة إلّا وهي تسأل كلّ صباح: اللّهمّ ارزقني مليكاً صالحاً يشبعني من العلف، ويرويني من الماء، ولا يكلّفني فوق طاقتي، فأنا أحبّ أن أسقيه بنفسي.

المصدر الأصلي: المحاسن
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٢
، ص٤٣٤
الحديث: ١٩
/
ترتيب جواهر البحار: ١٧٠٦

قال عليّ عليه السلام: وعك ١ أبو ذرّ _ رضی الله عنه _  فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت: يا رسول الله، إنّ أبا ذرّ قد وعك، فقال: امض بنا إليه نعوده، فمضينا إليه جميعاً. فلمّا جلسنا قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كيف أصبحت يا أبا ذرّ؟ قال: أصبحت وعكاً يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وآله: أصبحت في روضة من رياض الجنّة قد انغمست في ماء الحيوان، وقد غفر الله لك ما يقدح في دينك، فأبشر يا أبا ذرّ.

المصدر الأصلي: الدعوات
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٢
، ص٤٣٤
(١) «الوَعْك»: الحُمَّى. لسان العرب، ج١٠، ص٥١٤.
الحديث: ٢٠
/
ترتيب جواهر البحار: ١٧٠٧

لمّا مات ذرّ بن أبي ذرّ مسح أبو ذرّ القبر بيده، ثمّ قال: رحمك الله يا ذرّ، والله، إن كنت بي بارّاً، ولقد قبضت وإنّي عنك لراضٍ، أما والله، ما بي فقدك وما عليّ من غضاضة، وما لي إلى أحد سوى الله من حاجة، ولولا هول المطّلع لسرّني أن أكون مكانك. ولقد شغلني الحزن لك عن الحزن عليك، والله، ما بكيت لك، ولكن بكيت عليك، فليت شعري، ماذا قلت وماذا قيل لك، ثمّ قال: اللّهمّ إنّي قد وهبت له ما افترضت عليه من حقّي، فهب له ما افترضت عليه من حقّك، فأنت أحقّ بالجود منّي.

المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٢
، ص٤٣٥