Search
Close this search box.
Layer 5
.
فهرس جواهر البحار
كتاب العقل والعلم والجهل
كتاب العدل والمعاد
كتاب النبوة
كتاب تاريخ نبينا (ص)
كتاب الإمامة
كتاب تاريخ أميرالمؤمنين (ع)
كتاب تاريخ فاطمة والحسنين (ع)
كتاب تاريخ السجاد والباقر والصادق والكاظم (ع)
كتاب تاريخ الرضا والجواد والهادي والعسكري (ع)
كتاب تاريخ الحجة (عج)
كتاب السماء والعالم
كتاب الإيمان والكفر
كتاب العشرة
كتاب الآداب والسنن
كتاب الروضة
كتاب الطهارة
كتاب الصلاة
كتاب القرآن
كتاب الأدعية والأذكار
كتاب الصوم
كتاب الحج والعمرة
كتاب المزار
كتاب العقود والإيقاعات

أحاديث في ما جرى على الإمام موسى بن جعفر (ع) في سجن هارون المسمى بالرشيد، وفي كيفية استشهاده وفي تشييعه ودفنه، وهذه أحاديث جليلة جمعها العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار، وقد اقتبس الشيخ حبيب الكاظمي بعض هذه الأحاديث وحذف أسانيدها مع مراعاة التبويب، فكانت جواهر البحار الذي بين يديك.

الحديث: ١
/
ترتيب جواهر البحار: ٣١٧٤

قال عبد الله القروي: دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح، فقال لي: ادن منّي، فدنوت حتّى حاذيته، ثمّ قال لي: أشرف إلى البيت في الدار، فأشرفت فقال: ما ترى في البيت؟ قلت: ثوباً مطروحاً، فقال: انظر حسناً، فتأمّلت ونظرت فتيقّنت، فقلت: رجل ساجد، فقال لي: تعرفه؟ قلت: لا، قال: هذا مولاك، قلت: ومن مولاي؟ فقال: تتجاهل عليّ؟ فقلت: ما أتجاهل، ولكنّي لا أعرف لي مولى.

فقال: هذا أبو الحسن موسى بن جعفر، إنّي أتفقّده الليل والنهار، فلم أجده في وقت من الأوقات إلّا على الحال التي أخبرك بها، إنّه يصلّي الفجر فيعقّب ساعة في دبر صلاته إلى أن تطلع الشمس، ثمّ يسجد سجدة، فلا يزال ساجداً حتّى تزول الشمس، وقد وكّل من يترصّد له الزوال، فلست أدري متى يقول الغلام: قد زالت الشمس، إذ يثب فيبتدئ بالصلاة، من غير أن يجدّد وضوءاً، فأعلم أنّه لم ينم في سجوده ولا أغفى.

فلا يزال كذلك إلى أن يفرغ من صلاة العصر، فإذا صلّى العصر سجد سجدة، فلا يزال ساجداً إلى أن تغيب الشمس، فإذا غابت الشمس وثب من سجدته فصلّى المغرب من غير أن يحدث حدثاً، ولا يزال في صلاته وتعقيبه إلى أن يصلّي العتمة، فإذا صلّى العتمة أفطر على شويّ يؤتى به، ثمّ يجدّد الوضوء، ثمّ يسجد ثمّ يرفع رأسه، فينام نومة خفيفة، ثمّ يقوم فيجدّد الوضوء، ثمّ يقوم فلا يزال يصلّي في جوف الليل حتّى يطلع الفجر، فلست أدري متى يقول الغلام: إنّ الفجر قد طلع، إذ قد وثب هو لصلاة الفجر، فهذا دأبه منذ حوّل إليّ، فقلت: اتّق الله، ولا تحدثنّ في أمره حدثاً يكون منه زوال النعمة، فقد تعلم أنّه لم يفعل أحد بأحد منهم سوء إلّا كانت نعمته زائلة.

فقال: قد أرسلوا إليّ في غير مرّة يأمرونني بقتله، فلم أجبهم إلى ذلك، وأعلمتهم أنّي لا أفعل ذلك، ولو قتلوني ما أجبتهم إلى ما سألوني، فلمّا كان بعد ذلك حوّل إلى الفضل بن يحيى البرمكي، فحبس عنده أيّاماً، فكان الفضل بن الربيع يبعث إليه في كلّ ليلة مائدة، ومنع أن يدخل إليه من عند غيره، فكان لا يأكل ولا يفطر إلّا على المائدة التي يؤتى بها، حتّى مضى على تلك الحال ثلاثة أيّام ولياليها.

فلمّا كانت الليلة الرابعة، قدّمت إليه مائدة للفضل بن يحيى قال: ورفع يده إلى السماء، فقال: يا ربّ، إنّك تعلم أنّي لو أكلت قبل اليوم كنت قد أعنت على نفسي، قال: فأكل فمرض، فلمّا كان من غد بعث إليه بالطبيب ليسأله عن العلّة، فقال له الطبيب: ما حالك؟ فتغافل عنه، فلمّا أكثر عليه أخرج إليه راحته فأراها الطبيب، ثمّ قال: هذه علّتي وكانت خضرة وسط راحته تدلّ على أنّه سمّ، فاجتمع في ذلك الموضع، فانصرف الطبيب إليهم وقال: والله، لهو أعلم بما فعلتم به منكم، ثمّ توفّي.

المصدر الأصلي: عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، الأمالي للصدوق
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٨
، ص٢١۰-٢١٢
الحديث: ٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٣١٧٥

قال الفضل بن الربیع: خرجت من عند هارون ووافيت موسى بن جعفر (عليه السلام) _ وهو في حبسه _ فرأيته قائماً يصلّي، فجلست حتّى سلّم ثمّ أبلغته سلام أمير المؤمنين، وأعلمته بالذي أمرني به في أمره، وأنّي قد أحضرت ما وصله به، فقال (عليه السلام): إن كنت أمرت بشيء غير هذا، فافعله؟ فقلت: لا وحقّ جدّك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ما أمرت إلّا بهذا، فقال (عليه السلام): لا حاجة لي في الخلع والحملان والمال إذ كانت فيه حقوق الأمّة، فقلت: ناشدتك بالله أن لا تردّه، فيغتاظ، فقال (عليه السلام): اعمل به ما أحببت، وأخذت بيده وأخرجته من السجن.

ثمّ قلت له: يا بن رسول الله، أخبرني بالسبب الذي نلت به هذه الكرامة من هذا الرجل، فقد وجب حقّي عليك لبشارتي إيّاك، ولما أجراه الله عزّ وجلّ على يدي من هذا الأمر، فقال (عليه السلام): رأيت النبيّ (صلى الله عليه وآله) ليلة الأربعاء في النوم فقال (صلى الله عليه وآله) لي: يا موسى، أنت محبوس مظلوم؟ فقلت: نعم، يا رسول الله، محبوس مظلوم، فكرّر عليّ ذلك ثلاثاً، ثمّ قال (صلى الله عليه وآله): ﴿وَإِن أَدرِي لَعَلَّهُ فِتنَةٌ لَّكُم وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾، أصبح غداً صائماً وأتبعه بصيام الخميس والجمعة، فإذا كان وقت الإفطار فصلّ اثنتي عشرة ركعة، تقرأ في كلّ ركعة الحمد واثنتي عشرة مرّة ﴿قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، فإذا صلّيت منها أربع ركعات، فاسجد، ثمّ قل: «يا سابق الفوت، يا سامع كلّ صوت، يا محيي العظام وهي رميم بعد الموت، أسألك باسمك العظيم الأعظم أن تصلّي على محمّد عبدك ورسولك، وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين، وأن تعجّل لي الفرج ممّا أنا فيه»، ففعلت فكان الذي رأيت.

المصدر الأصلي: عيون أخبار الرضا (عليه السلام)
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٨
، ص٢١٤-٢١٥
الحديث: ٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٣١٧٦

قال الفضل: كنت أحجب للرشيد فأقبل عليّ يوماً غضبان وبيده سيف يقلّبه فقال لي: يا فضل، بقرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لئن لم تأتني بابن عمّي لآخذنّ الذي فيه عيناك، فقلت: بمن أجيئك؟ فقال: بهذا الحجازي، قلت: وأيّ الحجازیين؟ قال: موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب.

قال الفضل: فخفت من الله عزّ وجلّ إن جئت به إليه، ثمّ فكّرت في النقمة، فقلت له أفعل، فقال: ائتني بسوّاطين وهبنازين وجلّادين، قال: فأتيته بذلك ومضيت إلى منزل أبي إبراهيم موسى بن جعفر (عليه السلام)، فأتيت إلى خربة فيها كوخ من جرائد النخل، فإذا أنا بغلام أسود، فقلت له: استأذن لي على مولاك يرحمك الله، فقال لي: لج، ليس له حاجب ولا بوّاب، فولجت‏ إليه، فإذا أنا بغلام أسود بيده مقصّ يأخذ اللحم من جبينه وعرنين أنفه من كثرة سجوده، فقلت له: السلام عليك يا ابن رسول الله، أجب الرشيد، فقال (عليه السلام): ما للرشيد وما لي؟ أ ما تشغله نعمته عنّي؟ ثمّ قام مسرعاً وهو يقول: لولا أنّي سمعت في خبر عن جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّ طاعة السلطان للتقيّة واجبة إذاً ما جئت، فقلت له: استعدّ للعقوبة يا أبا إبراهيم، رحمك الله، فقال (عليه السلام): أ ليس معي من يملك الدنيا والآخرة؟ ولن يقدر اليوم على سوء بي إن شاء الله.

قال الفضل بن الربيع: فرأيته وقد أدار يده يلوح على رأسه ثلاث مرّات فدخلت إلى الرشيد فإذا هو كأنّه امرأة ثكلى قائم حيران، فلمّا رآني قال لي: يا فضل، فقلت: لبّيك، فقال: جئتني بابن عمّي، قلت: نعم، قال: لا تكون أزعجته، فقلت: لا، قال: لا تكون أعلمته أنّي عليه غضبان، فإنّي قد هيّجت على نفسي ما لم أرده، ائذن له بالدخول، فأذنت له، فلمّا رآه وثب إليه قائماً وعانقه وقال له: مرحباً بابن عمّي وأخي ووارث نعمتي، ثمّ أجلسه على فخذه، وقال له: ما الذي قطعك عن زيارتنا؟ فقال (عليه السلام): سعة ملكك وحبّك للدنيا، فقال: ايتوني بحقّة الغالية، فأتي بها، فغلفه بيده، ثمّ أمر أن يحمل بين يديه خلع وبدرتان دنانير، فقال موسى بن جعفر (عليه السلام): والله، لو لا أنّي أرى من أزوّجه بها من عزّاب بني أبي طالب لئلّا ينقطع نسله أبداً ما قبلتها، ثمّ تولّى وهو يقول: الحمد لله ربّ العالمين. ‏

فقال الفضل: يا أمير المؤمنين، أردت أن تعاقبه فخلعت عليه وأكرمته؟ فقال لي: يا فضل، إنّك لمّا مضيت لتجيئني به رأيت أقواماً قد أحدقوا بداري، بأيديهم حراب قد غرسوها في أصل الدار، يقولون: إن آذى ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خسفنا به، وإن أحسن إليه انصرفنا
عنه وتركناه.

فتبعته فقلت له: ما الذي قلت حتّى كفيت أمر الرشيد؟ فقال (عليه السلام): دعاء جدّي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، كان إذا دعا به ما برز إلى عسكر إلّا هزمه، ولا إلى فارس إلّا قهره، وهو دعاء كفاية البلاء. قلت: وما هو؟ قال (عليه السلام): قلت: «اللّهمّ بك أساور، وبك أحاول، وبك أحاور، وبك أصول، وبك أنتصر، وبك أموت، وبك أحيا، أسلمت نفسي إليك، وفوّضت أمري إليك، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم، اللّهمّ إنّك خلقتني ورزقتني وسترتني، وعن العباد بلطف ما خوّلتني أغنيتني، وإذا هويت رددتني، وإذا عثرت قوّمتني، وإذا مرضت شفيتني، وإذا دعوت أجبتني، يا سيّدي، ارض عنّي، فقدأرضيتني».

المصدر الأصلي: عيون أخبار الرضا (عليه السلام)
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٨
، ص٢١٥-٢١٧
الحديث: ٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٣١٧٧

لمّا حبس الرشيد موسى بن جعفر (عليه السلام) جنّ عليه الليل، فخاف ناحية هارون أن يقتله، فجدّد موسى (عليه السلام) طهوره واستقبل بوجهه القبلة، وصلّى لله عزّ وجلّ أربع ركعات، ثمّ دعا بهذه الدعوات، فقال: يا سيّدي، نجّني من حبس هارون، وخلّصني من يده، يا مخلّص الشجر من بين رمل وطين وماء، ويا مخلّص اللبن من بين فرث ودم، ويا مخلّص الولد من بين مشيمة ورحم، ويا مخلّص النار من بين الحديد والحجر، ويا مخلّص الروح من بين الأحشاء والأمعاء، خلّصني من يدي هارون.

المصدر الأصلي: عيون أخبار الرضا (عليه السلام)
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٨
، ص٢١٩
الحديث: ٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٣١٧٨

كانت للكاظم (عليه السلام) _ بضع عشرة سنة _ كلّ يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس إلى وقت الزوال، فكان هارون ربما صعد سطحاً يشرف منه على الحبس الذي حبس فيه الكاظم (عليه السلام) فكان يرى الكاظم (عليه السلام) ساجداً، فقال للربيع: ما ذاك الثوب الذي أراه كلّ يوم في ذلك الموضع؟ قال: يا أمير المؤمنين، ما ذاك بثوب، وإنّما هو موسى بن جعفر (عليه السلام)، له كلّ يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال، قال الربيع: فقال لي هارون: أما إنّ هذا من رهبان بني هاشم، قلت: فما لك فقد ضيّقت عليه في الحبس؟ قال: هيهات، لا بدّ من ذلك.

المصدر الأصلي: عيون أخبار الرضا (عليه السلام)
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٨
، ص٢٢۰-٢٢١
الحديث: ٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٣١٧٩

لمّا قبض الرشيد على الكاظم (عليه السلام) وهو عند رأس النبيّ (صلى الله عليه وآله) قائماً يصلّي، فقطع عليه صلاته وحمل وهو يبكي ويقول: إليك أشكو يا رسول الله ما ألقى، وأقبل الناس من كلّ جانب يبكون ويضجّون، فلمّا حمل إلى بين يدي الرشيد شتمه وجفاه.

فلمّا جنّ عليه الليل أمر ببيتين فهيّئا له، فحمل موسى بن جعفر (عليه السلام) إلى أحدهما في خفاء، ودفعه إلى حسّان السروي، وأمره أن يصير به في قبّة إلى البصرة، فيسلّمه إلى عيسى بن جعفر بن أبي جعفر _ وهو أميرها _ ووجّه قبّة أخرى علانية نهاراً إلى الكوفة معها جماعة، ليعمّي على الناس أمر موسى بن جعفر (عليه السلام).

المصدر الأصلي: عيون أخبار الرضا (عليه السلام)
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٨
، ص٢٢١
الحديث: ٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٣١٨٠

وخرج سليمان بن أبي جعفر من قصره إلى الشطّ، فسمع الصياح والضوضاء، فقال لولده وغلمانه: ما هذا؟ قالوا: السندي بن شاهك، ينادي على موسى بن جعفر (عليه السلام) على نعش، فقال لولده وغلمانه: يوشك أن يفعل هذا به في الجانب الغربي، فإذا عبر به فانزلوا مع غلمانكم، فخذوه من أيديهم، فإن مانعوكم فاضربوهم وخرّقوا ما عليهم من السواد.

فلمّا عبروا به نزلوا إليهم، فأخذوه من أيديهم وضربوهم وخرّقوا عليهم سوادهم، ووضعوه في مفرق أربعة طرق وأقام المنادين ينادون: ألا من أراد الطيّب بن الطيّب موسى بن جعفر (عليه السلام) فليخرج، وحضر الخلق وغسّل وحنّط بحنوط فاخر، وكفّنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفين وخمسمائة دينار، عليها القرآن كلّه، واحتفى ومشى في جنازته متسلّباً مشقوق الجيب إلى مقابر قريش، فدفنه هناك.

المصدر الأصلي: إكمال الدين، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٨
، ص٢٢٧
الحديث: ٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٣١٨١

قال إبراهيم بن أبي محمود: قلت للرضا (عليه السلام): الإمام يعلم إذا مات؟ قال (عليه السلام): نعم، يعلم بالتعليم حتّى يتقدّم في الأمر، قلت: علم الكاظم (عليه السلام) بالرطب والريحان المسمومين اللذين بعث إليه يحيى بن خالد؟ قال (عليه السلام): نعم، قلت: فأكله وهو يعلم؟ قال (عليه السلام): أنساه لينفذ فيه الحكم.

بيــان:
ما ذكر في هذا الخبر أحد الوجوه في الجمع بين ما دلّ على علمهم بما يؤول إليه أمرهم وبالأسباب التي يترتّب عليها هلاكهم مع تعرّضهم لها، وبين عدم جواز إلقاء النفس إلى التهلكة.
ويمكن أن يقال مع قطع النظر عن الخبر: أنّ التحرّز عن أمثال تلك الأمور إنّما يكون فيمن لم يعلم جميع أسباب التقادير الحتمية، وإلّا فيلزم أن لا يجري عليهم شيء من التقديرات المكروهة، وهذا ممّا لا يكون؛ والحاصل أنّ أحكامهم الشرعية منوطة بالعلوم الظاهرة لا بالعلوم الإلهامية، وكما أنّ أحوالهم في كثير من الأمور مبائنة لأحوالنا، فكذا تكاليفهم مغايرة لتكاليفنا، على أنّه يمكن أن يقال: لعلّهم علموا أنّهم لو لم يفعلوا ذلك لأهلكوهم بوجه أشنع من ذلك، فاختاروا أيسر الأمرين، والعلم بعصمتهم وجلالتهم وكون جميع أفعالهم جارية على قانون الحقّ والصواب كافٍ لعدم التعرّض لبيان الحكمة في خصوصيّات أحوالهم لأولي الألباب. وقد مرّ بعض الكلام في ذلك في باب شهادة أمير المؤمنين، وباب شهادة الحسن، وباب شهادة الحسين (عليهم السلام).
المصدر الأصلي: بصائر الدرجات، مختصر البصائر
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٨
، ص٢٣٦
الحديث: ٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٣١٨٢

إنّ هارون الرشيد أنفذ إلى الكاظم (عليه السلام) جارية خصيفة، لها جمال ووضاءة لتخدمه في السجن، فقال: قل له: ﴿بَل أَنتُم بِهَدِيَّتِكُم تَفرَحُونَ﴾، لا حاجة لي في هذه ولا في أمثالها، فاستطار هارون غضباً وقال: ارجع إليه وقل له: ليس برضاك حبسناك، ولا برضاك أخذناك، واترك الجارية عنده وانصرف، فمضى ورجع، ثمّ قام هارون عن مجلسه، وأنفذ الخادم إليه ليستفحص عن حالها، فرآها ساجدة لربّها، لا ترفع رأسها تقول: قدّوس سبحانك سبحانك، فقال هارون: سحرها _ والله _ موسى بن جعفر (عليه السلام) بسحره عليّ بها، فأتي بها وهي ترعد شاخصة نحو السماء بصرها.فقال: ما شأنك؟ قالت: شأني الشأن البديع، إنّي كنت عنده واقفة، وهو قائم يصلّي ليله ونهاره.

فلمّا انصرف عن صلاته بوجهه وهو يسبّح الله ويقدّسه، قلت: يا سيّدي، هل لك حاجة أعطيكها؟ قال: وما حاجتي إليك؟ قلت: إنّي أدخلت عليك لحوائجك، قال: فما بال هؤلاء؟ قالت: فالتفتّ فإذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها من أوّلها بنظري، ولا أوّلها من آخرها، فيها مجالس مفروشة بالوشي والديباج، وعليها وصفاء ووصائف لم أر مثل وجوههم حسناً، ولا مثل لباسهم لباساً، عليهم الحرير الأخضر، والأكاليل والدرّ والياقوت، وفي أيديهم الأباريق والمناديل ومن كلّ الطعام، فخررت ساجدة حتّى أقامني هذا الخادم، فرأيت نفسي حيث كنت.

فقال هارون: يا خبيثة، لعلّك سجدت فنمت فرأيت هذا في منامك؟ قالت: لا والله يا سيّدي، إلّا قبل سجودي رأيت، فسجدت من أجل ذلك، فقال الرشيد: اقبض هذه الخبيثة إليك، فلا يسمع هذا منها أحد، فأقبلت في الصلاة، فإذا قيل لها في ذلك، قالت: هكذا رأيت العبد الصالح (عليه السلام)، فسئلت عن قولها، قالت: إنّي لمّا عاينت من الأمر، نادتني الجواري يا فلانة، ابعدي عن العبد الصالح، حتّى ندخل عليه، فنحن له دونك …

فما زالت كذلك حتّى ماتت، وذلك قبل موت موسى (عليه السلام) بأيّام يسيرة.

المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٨
، ص٢٣٨-٢٣٩
الحديث: ١۰
/
ترتيب جواهر البحار: ٣١٨٣

قال الرضا (عليه السلام): فلولا أنّ الله يدافع عن أوليائه وينتقم لأوليائه من أعدائه؟ أ ما رأيت ما صنع الله بآل برمك، وما انتقم الله للكاظم (عليه السلام)؟ وقد كان بنو الأشعث ١ على خطر عظيم فدفع الله عنهم بولايتهم للكاظم (عليه السلام).

المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٨
، ص٢٤٩
(١) جعفر بن محمّد بن الأشعث: هو رأس بني الأشعث من أمراء الدولة العبّاسیة وولي خراسان ومع ذلك یقول بإمامة موسی بن جعفر (عليه السلام)، كان بینه وبین یحیی بن خالد البرمكي سعایة وعداوة. راجع: أعيان الشيعة، ج٤، ص١٥٣.