Search
Close this search box.
Layer 5
.
فهرس جواهر البحار
كتاب العقل والعلم والجهل
كتاب العدل والمعاد
كتاب النبوة
كتاب تاريخ نبينا (ص)
كتاب الإمامة
كتاب تاريخ أميرالمؤمنين (ع)
كتاب تاريخ فاطمة والحسنين (ع)
كتاب تاريخ السجاد والباقر والصادق والكاظم (ع)
كتاب تاريخ الرضا والجواد والهادي والعسكري (ع)
كتاب تاريخ الحجة (عج)
كتاب السماء والعالم
كتاب الإيمان والكفر
كتاب العشرة
كتاب الآداب والسنن
كتاب الروضة
كتاب الطهارة
كتاب الصلاة
كتاب القرآن
كتاب الأدعية والأذكار
كتاب الصوم
كتاب الحج والعمرة
كتاب المزار
كتاب العقود والإيقاعات

الأحاديث في إخبار النبيّ (صلى الله عليه وآله) أمته بما سيجرى على أهل بيته (عليهم السلام)، وفي أحداث آخر الزمان، وفي فضل زيارة الحسين (عليه السلام)، وهذه أحاديث جليلة جمعها العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار، وقد اقتبس الشيخ حبيب الكاظمي بعض هذه الأحاديث وحذف أسانيدها مع مراعاة التبويب، فكانت جواهر البحار الذي بين يديك.

الحديث: ١
/
ترتيب جواهر البحار: ١٩٣٥

كان رسول الله صلى الله عليه وآله جالساً ذات يوم، إذا أقبل الحسن عليه السلام، فلمّا رآه بكى ثمّ قال: إليّ إليّ يا بنيّ، فما زال يدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليمنى.

ثمّ أقبل الحسين عليه السلام، فلمّا رآه بكى ثمّ قال صلى الله عليه وآله: إليّ إليّ يا بنيّ، فما زال يدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليسرى.

ثمّ أقبلت فاطمة عليها السلام، فلمّا رآها بكى ثمّ قال صلى الله عليه وآله: إليّ إليّ يا بنيّة، فأجلسها بين يديه.

ثمّ أقبل أمير المؤمنين عليه السلام، فلمّا رآه بكى ثمّ قال صلى الله عليه وآله: إليّ إليّ يا أخي، فما زال يدنيه حتّى أجلسه إلى جنبه الأيمن.

فقال له أصحابه: يا رسول الله، ما ترى واحداً من هؤلاء إلّا بكيت، أ وما فيهم من تسرّ برؤيته؟ فقال صلى الله عليه وآله: والذي بعثني بالنبوّة واصطفاني على جميع البريّة، إنّي وإيّاهم لأكرم الخلق على الله عزّ وجلّ، وما على وجه الأرض نسمة أحبّ إليّ منهم.

أمّا عليّ بن أبي طالب عليه السلام فإنّه أخي وشقيقي، وصاحب الأمر بعدي وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة، وصاحب حوضي وشفاعتي، وهو مولى كلّ مسلم وإمام كلّ مؤمن، وقائد كلّ تقيّ، وهو وصيّي وخليفتي على أهلي وأمّتي في حياتي وبعد موتي، محبّه محبّي، ومبغضه مبغضي، وبولايته صارت أمّتي مرحومة، وبعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة، وإنّي بكيت حين أقبل؛ لأنّي ذكرت غدر الأمّة به بعدي، حتّى أنّه ليزال عن مقعدي وقد جعله الله له بعدي، ثمّ لا يزال الأمر به حتّى يضرب على قرنه ضربةً تخضب منها لحيته في أفضل الشهور ﴿شَهرُ رَمَضَانَ الذي أُنزِلَ فِيهِ القُرآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالفُرقَانِ﴾.

وأمّا ابنتي فاطمة عليها السلام فإنّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، وهي بضعة منّي، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبيّ، وهي الحوراء الإنسيّة، متى قامت في محرابها بين يدي ربّها جلّ جلاله، زهر نورها لملائكة السماء، كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عزّ وجلّ لملائكته: يا ملائكتي، انظروا إلى أمتي فاطمة عليها السلام سيّدة إمائي، قائمةً بين يديّ، ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، أشهدكم أنّي قد آمنت شيعتها من النار. وإنّي لمّا رأيتها ذكرت ما یصنع بها بعدي، كأنّي بها وقد دخل الذلّ بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصبت حقّها، ومنعت إرثها، وكسرت جنبتها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي: يا محمّداه، فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث.

فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية، تتذكّر انقطاع الوحي عن بيتها مرّة، وتتذكّر فراقي أخرى، وتستوحش إذا جنّها الليل، لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجّدت بالقرآن، ثمّ ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيّام أبيها عزيزة، فعند ذلك يؤنسها الله تعالی ذكره بالملائكة، فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران، فتقول: يا فاطمة، ﴿إِنَّ اللّهََ اصطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ العَالَمِينَ﴾، يا فاطمة، ﴿اقنُتِي لِرَبِّكِ وَاسجُدِي وَاركَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾، ثمّ يبتدئ بها الوجع فتمرض، فيبعث الله عزّ وجلّ إليها مريم بنت عمران تمرّضها وتؤنسها في علّتها، فتقول عند ذلك: يا ربّ، إنّي قد سئمت الحياة وتبرّمت بأهل الدنيا، فألحقني بأبي، فيلحقها الله عزّ وجلّ بي فتكون أوّل من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم عليّ محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة، فأقول عند ذلك: اللّهمّ العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وذلّل من أذلّها، وخلّد في نارك من ضرب جنبيها حتّى ألقت ولدها، فتقول الملائكة عند ذلك: آمين.

وأمّا الحسن عليه السلام فإنّه ابني وولدي ومنّي، وقرّة عيني، وضياء قلبي، وثمرة فؤادي، وهو سيّد شباب أهل الجنّة، وحجّة الله على الأمّة، أمره أمري، وقوله قولي، من تبعه فإنّه منّي، ومن عصاه فليس منّي، وإنّي لمّا نظرت إليه تذكّرت ما يجري عليه من الذلّ بعدي، فلا يزال الأمر به حتّى يُقتل بالسمّ ظلماً وعدواناً، فعند ذلك تبكي الملائكة والسبع الشداد لموته، ويبكيه كلّ شيء حتّى الطير في جوّ السماء، والحيتان في جوف الماء، فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمى العيون، ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب، ومن زاره في بقيعه، ثبتت قدمه على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام.

وأمّا الحسين عليه السلام فإنّه منّي، وهو ابني وولدي، وخير الخلق بعد أخيه، وهو إمام المسلمين، ومولى المؤمنين، وخليفة ربّ العالمين، وغياث المستغيثين، وكهف المستجيرين، وحجّة الله على خلقه أجمعين، وهو سيّد شباب أهل الجنّة، وباب نجاة الأمّة، أمره أمري، وطاعته طاعتي، من تبعه فإنّه منّي، ومن عصاه فليس منّي، وإنّي لمّا رأيته تذكّرت ما يصنع به بعدي، كأنّي به وقد استجار بحرمي وقربي فلا يجار، فأضمّه في منامه إلى صدري وآمره بالرحلة عن دار هجرتي، وأبشّره بالشهادة، فيرتحل عنها إلى أرض مقتله وموضع مصرعه، أرض كرب وبلاء، وقتل وفناء، تنصره عصابة من المسلمين، أولئك من سادة شهداء أمّتي يوم القيامة، كأنّي أنظر إليه وقد رمي بسهم فخرّ عن فرسه صريعاً، ثمّ يذبح كما يذبح الكبش مظلوماً.

ثمّ بكى رسول الله صلى الله عليه وآله وبكى من حوله، وارتفعت أصواتهم بالضجيج، ثمّ قام صلى الله عليه وآله وهو يقول: اللّهمّ، إنّي أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي، ثمّ دخل منزله.

المصدر الأصلي: الأمالي للصدوق
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٨
، ص٣٧-٤٠
الحديث: ٢
/
ترتيب جواهر البحار: ١٩٣٦

قالت أمّ الفضل بن العبّاس: لمّا ثقل رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه الذي توفّي فيه، أفاق إفاقة ونحن نبكي، فقال صلى الله عليه وآله: ما الذي يبكيكم؟ قلت: يا رسول الله، نبكي لغير خصلة، نبكي لفراقك إيّانا، ولانقطاع خبر السماء عنّا، ونبكي الأمّة من بعدك، فقال صلى الله عليه وآله: أما إنّكم المقهورون والمستضعفون من بعدي.

المصدر الأصلي: المجالس للمفید، الأمالي للطوسي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٨
، ص٤٠
الحديث: ٣
/
ترتيب جواهر البحار: ١٩٣٧

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لتنقضنّ عرى الإسلام عروة عروة، كلّما نقضت عروة تشبّث الناس بالتي تليها، فأوّلهنّ نقض الحكم وآخرهنّ الصلاة.

المصدر الأصلي: الأمالي للطوسي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٨
، ص٤٠-٤١
الحديث: ٤
/
ترتيب جواهر البحار: ١٩٣٨

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يأتي على الناس زمان الصابر منهم على دينه كالقابض على الجمر.

المصدر الأصلي: الأمالي للطوسي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٨
، ص٤٧
الحديث: ٥
/
ترتيب جواهر البحار: ١٩٣٩

قال عليّ عليه السلام: كنّا جلوساً عند النبيّ صلى الله عليه وآله وهو نائم ورأسه في حجري، فتذاكرنا الدجّال فاستيقظ النبيّ صلى الله عليه وآله محمرّاً وجهه، فقال: لغير الدجّال أخوف عليكم من الدجّال: الأئمّة المضلّون، وسفك دماء عترتي من بعدي، أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم.

المصدر الأصلي: الأمالي للطوسي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٨
، ص٤٨
الحديث: ٦
/
ترتيب جواهر البحار: ١٩٤٠

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يأتي على الناس زمان يذوب فيه قلب المؤمن في جوفه كما يذوب الآنك _ يعني الرصاص _ في النار وما ذاك إلّا لما يرى من البلاء والأحداث في دينهم لا يستطيع له غيراً.

المصدر الأصلي: الأمالي للطوسي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٨
، ص٤٨
الحديث: ٧
/
ترتيب جواهر البحار: ١٩٤١

قال سلمان الفارسي: كنت جالساً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضته التي قبض فيها، فدخلت فاطمة عليها السلام فلمّا رأت ما بأبيها من الضعف، بكت حتّى جرت دموعها على خدّيها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: ما يبكيك يا فاطمة؟ قالت عليها السلام: يا رسول الله، أخشى الضيعة على نفسي وولدي بعدك، فاغرورقت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله بالبكاء.

ثمّ قال صلى الله عليه وآله: يا فاطمة، أ ما علمت أنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا؟ وأنّه حتم الفناء على جميع خلقه، وأنّ الله تبارك وتعالى اطّلع إلى الأرض اطّلاعة فاختارني منهم وجعلني نبيّاً، واطّلع إلى الأرض اطّلاعة ثانية، فاختار منها زوجك، فأوحى الله إليّ أن أزوّجك إيّاه، وأن أتّخذه وليّاً ووزيراً، وأن أجعله خليفتي في أمّتي، فأبوك خير أنبياء الله ورسله، وبعلك خير الأوصياء، وأنت أوّل من يلحق بي من أهلي.

ثمّ اطّلع إلى الأرض اطّلاعة ثالثة فاختارك وولدك وأنت سيّدة نساء أهل الجنة، وابناك حسن وحسين عليهما السلام سيّدا شباب أهل الجنّة، وأبناء بعلك أوصيائي إلى يوم القيامة، كلّهم هادون مهديّون، والأوصياء بعدي: أخي عليّ عليه السلام ثمّ حسن وحسين عليهما السلام ثمّ تسعة من ولد الحسين عليه السلام في درجتي، وليس في الجنّة درجة أقرب إلى الله عزّ وجلّ من درجتي، ودرجة أوصيائي، وأبي إبراهيم عليه السلام … .

يا عليّ، إنّ الله تبارك وتعالى قد قضى الفرقة والاختلاف على هذه الأمّة، ولو شاء لجمعهم على الهدى حتّى لا يختلف اثنان من هذه الأمّة، ولا ينازع في شيء من أمره، ولا يجحد المفضول ذا الفضل فضله، ولو شاء لعجّل النقمة والتغيير حتّى يكذّب الظالم، ويعلم الحقّ أين مصيره؟ ولكنّه جعل الدنيا دار الأعمال وجعل الآخرة دار القرار ﴿لِيَجزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجزِيَ الَّذِينَ أَحسَنُوا بِالحُسنَى﴾. فقال عليّ عليه السلام: الحمد لله شكراً على نعمائه، وصبراً على بلائه.

المصدر الأصلي: كمال الدين
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٨
، ص٥٢-٥٤
الحديث: ٨
/
ترتيب جواهر البحار: ١٩٤٢

قال عليّ عليه السلام: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض طرق المدينة … فلمّا خلا له الطريق اعتنقني ثمّ أجهش باكياً وقال: بأبي الوحيد الشهيد، فقلت: يا رسول الله، ما يبكيك؟ فقال صلى الله عليه وآله: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلّا من بعدي، أحقاد بدر وترات أحد، قلت: في سلامة من ديني؟ قال صلى الله عليه وآله: في سلامة من دينك، فأبشر يا عليّ.

فإنّ حياتك وموتك معي، وأنت أخي وأنت وصيّي وأنت صفيّي ووزيري ووارثي، والمؤدّي عنّي وأنت تقضي ديني وتنجز عداتي عنّي، وأنت تبرئ ذمّتي وتؤدّي أمانتي، وتقاتل على سنّتي الناكثين من أمّتي والقاسطين والمارقين، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى، ولك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه قومه وكادوا يقتلونه.

فاصبر لظلم قريش إيّاك، وتظاهرهم عليك، فإنّك بمنزلة هارون من موسى ومن تبعه، وهم بمنزلة العجل ومن تبعه، وإنّ موسى أمر هارون _ حين استخلفه عليهم _ إن ضلّوا فوجد أعواناً أن يجاهدهم بهم، وإن لم يجد أعواناً أن يكفّ يده ويحقن دمه، ولا يفرّق بينهم.

يا عليّ، ما بعث الله رسولاً إلّا وأسلم معه قومه طوعاً، وقوم آخرون كرهاً، فسلّط الله الذين أسلموا كرهاً على الذين أسلموا طوعاً، فقتلوهم ليكون أعظم لأجورهم. يا عليّ، إنّه ما اختلفت أمّة بعد نبيّها إلّا ظهر أهل باطلها على أهل حقّها، وإنّ الله قضى الفرقة والاختلاف على هذه الأمّة.

المصدر الأصلي: كتاب سليم بن قیس الهلالي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٨
، ص٥٤-٥٥
الحديث: ٩
/
ترتيب جواهر البحار: ١٩٤٣

قال زائدة: قال السجّاد عليه السلام: بلغني _ يا زائدة _ أنّك تزور قبر الحسين عليه السلام أحياناً؟ فقلت: إنّ ذلك لكما بلغك، فقال عليه السلام لي: فلماذا تفعل ذلك ولك مكان عند سلطانك الذي لا يحتمل أحداً على محبّتنا وتفضيلنا وذكر فضائلنا، والواجب على هذه الأمّة من حقّنا؟

فقلت: والله، ما أريد بذلك إلّا الله ورسوله، ولا أحفل بسخط من سخط، ولا يكبر في صدري مكروه ينالني بسببه. فقال عليه السلام: «والله، إنّ ذلك لكذلك» يقولها ثلاثاً وأقولها ثلاثاً، فقال عليه السلام: أبشر ثمّ أبشر ثمّ أبشر، فلأخبرنّك بخبر كان عندي في النخب المخزونة: إنّه لمّا أصابنا بالطفّ ما أصابنا، وقتل أبي عليه السلام وقتل من كان معه من ولده وإخوته وسائر أهله، وحملت حرمه ونساؤه على الأقتاب يراد بنا الكوفة، فجعلت أنظر إليهم صرعى ولم يواروا، فيعظم ذلك في صدري، ويشتدّ لما أرى منهم قلقي فكادت نفسي تخرج، وتبيّنت ذلك منّي عمّتي زينب بنت عليّ الكبرى عليها السلام فقالت: ما لي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وأبي وإخوتي؟ فقلت: وكيف لا أجزع ولا أهلع، وقد أرى سيّدي وإخوتي وعمومتي وولد عمّي وأهلي مصرعين بدمائهم مرمّلين بالعراء، مسلّبين لا يكفّنون ولا يوارون، ولا يعرّج عليهم أحد، ولا يقربهم بشر، كأنّهم أهل بيت من الديلم والخزر.

فقالت: لا يجزعنّك ما ترى، فوالله، إنّ ذلك لعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله إلى جدّك وأبيك وعمّك، ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمّة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات أنّهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرّقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرّجة، وينصبون لهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء عليه السلام لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيّام، وليجتهدنّ أئمّة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلّا ظهوراً، وأمره إلّا علوّاً. فقلت: وما هذا العهد وما هذا الخبر؟

فقالت: حدّثتني أمّ أيمن أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله زار منزل فاطمة عليها السلام في يوم من الأيّام، فعملت له حريرة ١ ، وأتاه عليّ عليه السلام بطبق فيه تمر، ثمّ قالت أمّ أيمن: فأتيتهم بعسّ ٢ فيه لبن وزبد، فأكل رسول الله صلى الله عليه وآله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام من تلك الحريرة، وشرب رسول الله صلى الله عليه وآله وشربوا من ذلك اللبن، ثمّ أكل وأكلوا من ذلك التمر والزبد، ثمّ غسل رسول الله صلى الله عليه وآله يده وعليّ عليه السلام يصبّ عليه الماء.

فلمّا فرغ من غسل يده مسح وجهه، ثمّ نظر إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام نظراً عرفنا فيه السرور في وجهه، ثمّ رمق بطرفه نحو السماء مليّاً، ثمّ وجّه وجهه نحو القبلة وبسط يديه ودعا، ثمّ خرّ ساجداً وهو ينشج ٣ فأطال النشوج وعلا نحيبه، وجرت دموعه، ثمّ رفع رأسه وأطرق إلى الأرض، ودموعه تقطر كأنّها صوب المطر، فحزنت فاطمة وعليّ والحسن والحسين عليهم السلام وحزنت معهم لما رأينا من رسول الله صلى الله عليه وآله، وهبناه أن نسأله حتّى إذا طال ذلك، قال له عليّ عليه السلام وقالت له فاطمة عليها السلام: ما يبكيك يا رسول الله؟ لا أبكى الله عينيك، فقد أقرح قلوبنا ما نرى من حالك؟

فقال صلى الله عليه وآله: يا أخي، سررت بكم سروراً ما سررت مثله قطّ، وإنّي لأنظر إليكم وأحمد الله على نعمته عليّ فيكم، إذ هبط عليّ جبرئيل، فقال: يا محمّد، إنّ الله تبارك وتعالى اطّلع على ما في نفسك، وعرف سرورك بأخيك وابنتك وسبطيك، فأكمل لك النعمة، وهنّاك العطيّة بأن جعلهم وذرّيّاتهم ومحبّيهم وشيعتهم معك في الجنّة، لا يفرّق بينك وبينهم، يحبون كما تحبى، ويعطون كما تعطى، حتّى ترضى وفوق الرضا، على بلوى كثيرة تنالهم في الدنيا، ومكاره تصيبهم بأيدي أناس ينتحلون ملّتك، ويزعمون أنّهم من أمّتك براء من الله ومنك، خبطاً خبطاً، وقتلاً قتلاً، شتّى مصارعهم، نائية قبورهم، خيرة من الله لهم ولك فيهم، فاحمد الله عزّ وجلّ على خيرته وارض بقضائه، فحمدت الله ورضيت بقضائه بما اختاره لكم …

ثمّ يبعث الله قوماً من أمّتك، لا يعرفهم الكفّار، لم يشركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولا نيّة، فيوارون أجسامهم، ويقيمون رسماً لقبر سيّد الشهداء بتلك البطحاء يكون علماً لأهل الحقّ، وسبباً للمؤمنين إلى الفوز، وتحفّه ملائكة من كلّ سماء مائة ألف ملك في كلّ يوم وليلة، ويصلّون عليه، ويسبّحون الله عنده، ويستغفرون الله لزوّاره، ويكتبون أسماء من يأتيه زائراً من أمّتك، متقرّباً إلى الله وإليك بذلك، وأسماء آبائهم وعشائرهم وبلدانهم، ويسِمّون ٤ في وجوههم بميسم نور عرش الله: «هذا زائر قبر خير الشهداء وابن خير الأنبياء». فإذا كان يوم القيامة، سطع في وجوههم من أثر ذلك الميسم نور، تغشى منه الأبصار، يدلّ عليهم ويعرفون به.

وكأنّي بك يا محمّد، بيني وبين ميكائيل، وعليّ عليه السلام أمامنا، ومعنا من ملائكة الله ما لا يحصى عدده، ونحن نلتقط من ذلك الميسم في وجهه من بين الخلائق حتّى ينجيهم الله من هول ذلك اليوم وشدائده، وذلك حكم الله وعطاؤه لمن زار قبرك _ يا محمّد _ أو قبر أخيك أو قبر سبطيك، لا يريد به غير الله جلّ وعزّ، وسيجدّ أناس _ حقّت عليهم من الله اللعنة والسخط _ أن يعفوا رسم ذلك القبر ويمحوا أثره، فلا يجعل الله تبارك وتعالى لهم إلى ذلك سبيلاً، ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فهذا أبكانى وأحزنني.

قالت زينب عليها السلام: فلمّا ضرب ابن ملجم _ لعنه الله _ أبي عليه السلام ورأيت أثر الموت منه، قلت له: يا أبه، حدّثتني أمّ أيمن بكذا وكذا، وقد أحببت أن أسمعه منك، فقال عليه السلام: يا بنيّة، الحديث كما حدّثتك أمّ أيمن، وكأنّي بك وببنات أهلك سبايا بهذا البلد، أذلّاء خاشعين، تخافون أن يتخطّفكم الناس، فصبراً، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، ما لله على الأرض يومئذٍ وليّ غيركم وغير محبّيكم وشيعتكم.

ولقد قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله حين أخبرنا بهذا الخبر: إنّ إبليس في ذلك اليوم يطير فرحاً، فيجول الأرض كلّها في شياطينه وعفاريته، فيقول: يا معشر الشياطين، قد أدركنا من ذرّيّة آدم الطلبة، وبلغنا في هلاكهم الغاية، وأورثناهم السوء إلّا من اعتصم بهذه العصابة، فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم وحملهم على عداوتهم وإغرائهم بهم وبأوليائهم، حتّى تستحكم ضلالة الخلق وكفرهم، ولا ينجو منهم ناجٍ ﴿وَلَقَد صَدَّقَ عَلَيهِم إِبلِيسُ ظَنَّهُ﴾ وهو كذوب، إنّه لا ينفع مع عداوتكم عمل صالح، ولا يضرّ مع محبّتكم وموالاتكم ذنب غير الكبائر.

قال زائدة: ثمّ قال عليّ بن الحسين عليه السلام بعد أن حدّثني بهذا الحديث: خذه إليك، وأمّا لو ضربت في طلبه آباط الإبل حولاً لكان قليلاً ٥ .

المصدر الأصلي: كامل الزیارة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٨
، ص٥٦-٦١
(١) «الحَرِيرَة»: الحسا المطبوخ من الدقيق والدسم والماء. راجع: النهاية في غريب الحديث والأثر، ج١، ص٣٦٥.
(٢) «العُسّ»: القدح الضخم. لسان العرب، ج٦، ص١٤٠.
(٣) «يَنْشِج»: إذا كان له صوت معه توجّع وبكاء، كما يردّد الصبىّ بكاءه فى صدره. راجع: النهاية في غريب الحديث والأثر، ج٥، ص٥٣.
(٤) كذا في البحار، ولكن في المصدر «یوسِمون». راجع: كامل الزيارات، ص٢٦٥.
(٥) لا یخفی أنّ المجلسي رحمة الله عليه ذكر أنّ المصدر لهذه الروایة بطولها هو كتاب كامل الزیارة، ولكنّه من إضافات الناسخ للكتاب كما ذكره الناسخ في أوّل الروایة. راجع: كامل الزيارات، ص٢٥٩. وانظر أیضاً: خاتمة مستدرك الوسائل، ج٣، ص٢٤٨.
الحديث: ١٠
/
ترتيب جواهر البحار: ١٩٤٤

قال الصادق عليه السلام: لمّا أسري بالنبيّ صلى الله عليه وآله قيل له: إنّ الله مختبرك في ثلاث لينظر كيف صبرك؟ قال صلى الله عليه وآله: أسلّم لأمرك يا ربّ، ولا قوّة لي على الصبر إلّا بك، فما هنّ؟ قيل: أوّلهنّ: الجوع والأثرة على نفسك وعلى أهلك لأهل الحاجة، قال: قبلت _ يا ربّ _ ورضيت وسلّمت، ومنك التوفيق والصبر.

وأمّا الثانية: فالتكذيب والخوف الشديد، وبذلك مهجتك فيّ، ومحاربة أهل الكفر بمالك ونفسك، والصبر على ما يصيبك منهم من الأذى ومن أهل النفاق، والألم في الحرب والجراح، قال صلى الله عليه وآله: يا ربّ، قبلت ورضيت وسلّمت، ومنك التوفيق والصبر.

وأمّا الثالثة: فما يلقى أهل بيتك من بعدك من القتل: أمّا أخوك فيلقى من أمّتك الشتم والتعنيف والتوبيخ والحرمان والجهد والظلم وآخر ذلك القتل، فقال صلى الله عليه وآله: يا ربّ، سلّمت وقبلت، ومنك التوفيق والصبر … .

المصدر الأصلي: كامل الزیارة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٨
، ص٦١-٦٢
الحديث: ١١
/
ترتيب جواهر البحار: ١٩٤٥

قال أمير المؤمنين عليه السلام: زارنا رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أهدت لنا أمّ أيمن لبناً وزبداً وتمراً، فقدّمناه فأكل منه، ثمّ قام النبيّ صلى الله عليه وآله زاوية البيت وصلّى ركعات، فلمّا أن كان في آخر سجوده، بكى بكاء شديداً فلم يسأله أحد منّا إجلالاً له، فقام الحسين عليه السلام فقعد في حجره وقال له: يا أبت، لقد دخلت بيتنا فما سررنا بشيء كسرورنا بذلك، ثمّ بكيت بكاء غمّنا، فلم بكيت؟

فقال صلى الله عليه وآله: يا بنيّ، أتاني جبرئيل آنفاً فأخبرني أنّكم قتلى، وأنّ مصارعكم شتّى، فقال عليه السلام: يا أبت، فما لمن يزور قبورنا على تشتّتها؟ فقال صلى الله عليه وآله: يا بنيّ، أولئك طوائف من أمّتي يزورونكم يلتمسون بذلك البركة، وحقيق عليّ أن آتيهم يوم القيامة حتّى أخلّصهم من أهوال الساعة من ذنوبهم، ويسكنهم الله الجنّة.

المصدر الأصلي: الأمالي للطوسي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٢٨
، ص٨٠-٨١