Search
Close this search box.
Layer 5
.
فهرس جواهر البحار
كتاب العقل والعلم والجهل
كتاب العدل والمعاد
كتاب النبوة
كتاب تاريخ نبينا (ص)
كتاب الإمامة
كتاب تاريخ أميرالمؤمنين (ع)
كتاب تاريخ فاطمة والحسنين (ع)
كتاب تاريخ السجاد والباقر والصادق والكاظم (ع)
كتاب تاريخ الرضا والجواد والهادي والعسكري (ع)
كتاب تاريخ الحجة (عج)
كتاب السماء والعالم
كتاب الإيمان والكفر
كتاب العشرة
كتاب الآداب والسنن
كتاب الروضة
كتاب الطهارة
كتاب الصلاة
كتاب القرآن
كتاب الأدعية والأذكار
كتاب الصوم
كتاب الحج والعمرة
كتاب المزار
كتاب العقود والإيقاعات

أحاديث في إخبار الإمام الرضا (ع) هرثمة بن أعين بتفاصيل شهادته على يد الطاغية مأمون العباسي بالسم الذي يدس له في العنب والرمان، وفي تكفينه وغسله ودفنه، وهذه أحاديث جليلة جمعها العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار، وقد اقتبس الشيخ حبيب الكاظمي بعض هذه الأحاديث وحذف أسانيدها مع مراعاة التبويب، فكانت جواهر البحار الذي بين يديك.

الحديث: ١
/
ترتيب جواهر البحار: ٣٢٧٣

قال هرثمة بن أعين‏: كنت ليلة بين يدي المأمون حتّى مضى من الليل أربع ساعات، ثمّ أذن لي في الانصراف، فانصرفت، فلمّا مضى من الليل نصفه قرع قارع الباب، فأجابه بعض غلماني، فقال له: قل لهرثمة: أجب سيّدك، فقمت مسرعاً وأخذت عليّ أثوابي، وأسرعت إلى سيّدي الرضا (عليه السلام)، فدخل الغلام بين يديّ ودخلت وراءه، فإذا أنا بسيّدي في صحن داره جالس.

فقال (عليه السلام): يا هرثمة، فقلت: لبّيك يا مولاي، فقال (عليه السلام) لي: اجلس، فجلست، فقال (عليه السلام) لي: اسمع وع يا هرثمة، هذا أوان رحيلي إلى الله تعالی ولحوقي بجدّي وآبائي (عليهم السلام)، وقد بلغ الكتاب أجله، وقد عزم هذا الطاغي على سمّي في عنب ورمّان مفروك ١ ، فأمّا العنب فإنّه يغمس السلك في السمّ ويجذبه بالخيط في العنب، وأمّا الرمّان فإنّه يطرح السمّ في كفّ بعض غلمانه ويفرك الرمّان بيده ليلطخ حبّه في ذلك السمّ، وإنّه سيدعوني في ذلك اليوم المقبل، ويقرّب إليّ الرمّان والعنب، ويسألني أكلهما، فآكلهما، ثمّ ينفذ الحكم ويحضر القضاء.

فإذا أنا متّ فسيقول: أنا أغسّله بيدي، فإذا قال ذلك، فقل له عنّي بينك وبينه: إنّه قال لي: لا تتعرّض لغسلي ولا لتكفيني ولا لدفني، فإنّك إن فعلت ذلك عاجلك من العذاب ما أخّر عنك، وحلّ بك أليم ما تحذر، فإنّه سينتهي. فقلت: نعم يا سيّدي، قال: فإذا خلّى بينك وبين غسلي، فسيجلس في علو من أبنيته، مشرفاً على موضع غسلي لينظر، فلا تعرّض _ يا هرثمة _ لشيء من غسلي حتّى ترى فسطاطاً أبيض قد ضربت في جانب الدار، فإذا رأيت ذلك فاحملني في أثوابي التي أنا فيها، فضعني من وراء الفسطاط وقف من ورائه، ويكون من معك دونك ولا تكشف عن الفسطاط حتّى تراني فتهلك.

فإنّه سيشرف عليك ويقول لك: يا هرثمة، أ ليس زعمتم أنّ الإمام لا يغسّله إلّا إمام مثله، فمن يغسّل أبا الحسن عليّ بن موسى، وابنه محمّد بالمدينة من بلاد الحجاز ونحن بطوس؟ فإذا قال ذلك فأجبه وقل له: إنّا نقول: إنّ الإمام لا يجب أن يغسّله إلّا إمام، فإن تعدّى متعدٍّ وغسّل الإمام لم تبطل إمامة الإمام لتعدّي غاسله، ولا بطلت إمامة الإمام الذي بعده بأن غلب على غسل أبيه، ولو ترك أبو الحسن عليّ بن موسى (عليه السلام) بالمدينة لغسّله ابنه محمّد الجواد (عليه السلام) ظاهراً مكشوفاً، ولا يغسّله الآن أيضاً إلّا هو من حيث يخفى.

فإذا ارتفع الفسطاط فسوف تراني مدرجاً في أكفاني، فضعني على نعش واحملني. فإذا أراد أن يحفر قبري، فإنّه سيجعل قبر أبيه هارون الرشيد قبلة لقبري، ولا يكون ذلك أبداً، فإذا ضربت المعاول نبت عن الأرض ولم ينحفر منها شيء، ولا مثل قلامة ظفر، فإذا اجتهدوا في ذلك وصعب عليهم فقل له عنّي: إنّي أمرتك أن تضرب معولاً واحداً في قبلة قبر أبيه هارون الرشيد، فإذا ضربت نفذ في الأرض إلى قبر محفور وضريح قائم. فإذا انفرج ذلك القبر فلا تنزلني إليه حتّى يفور من ضريحه الماء الأبيض، فيمتلئ منه ذلك القبر، حتّى يصير الماء مع وجه الأرض.

ثمّ يضطرب فيه حوت بطوله، فإذا اضطرب فلا تنزلني إلى القبر إلّا إذا غاب الحوت وغار الماء، فأنزلني في ذلك القبر وألحدني في ذلك الضريح، ولا تتركهم يأتوا بتراب يلقونه عليّ، فإنّ القبر ينطبق بنفسه ويمتلئ، قلت: نعم، يا سيّدي، ثمّ قال (عليه السلام) لي: احفظ ما عهدت إليك واعمل به ولا تخالف، قلت: أعوذ بالله أن أخالف لك أمراً يا سيّدي.

قال هرثمة: ثمّ خرجت باكياً حزيناً، فلم أزل كالحبّة على المقلاة لا يعلم ما في نفسي إلّا الله تعالى. ثمّ دعاني المأمون فدخلت إليه، فلم أزل قائماً إلى ضحى النهار، ثمّ قال المأمون: امض يا هرثمة إلى الرضا (عليه السلام)، فاقرئه منّي السلام، وقل له: تصير إلينا أو نصير إليك؟ فإن قال لك: بل نصير إليه، فتسأله عنّي أن يقدم ذلك. فجئته فإذا اطّلعت عليه قال لي: يا هرثمة، أ ليس قد حفظت ما أوصيتك به؟ قلت: بلى، قال (عليه السلام): قدّموا نعلي، فقد علمت ما أرسلك به. قال: فقدّمت نعله ومشى إليه، فلمّا دخل المجلس قام إليه المأمون قائماً فعانقه، وقبّل بين عينيه، وأجلسه إلى جانبه على سريره، وأقبل عليه يحادثه ساعة من النهار طويلة، ثمّ قال لبعض غلمانه: يؤتى بعنب ورمّان.

قال هرثمة: فلمّا سمعت ذلك لم أستطع الصبر، ورأيت النفضة ٢ قد عرضت في بدني، فكرهت أن يتبيّن ذلك فيّ، فتراجعت القهقرى حتّى خرجت فرميت نفسي في موضع من الدار. فلمّا قرب زوال الشمس أحسست بسيّدي قد خرج من عنده ورجع إلى داره، ثمّ رأيت الآمر قد خرج من عند المأمون بإحضار الأطبّاء والمترفّقين. قلت ما هذا؟ فقيل لي: علّة عرضت لأبي الحسن عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام)، فكان الناس في شكّ وكنت على يقين، لما أعرف منه. قال: فلمّا كان من الثلث الثاني من الليل علا الصياح، وسمعت الوجبة من الدار، فأسرعت فيمن أسرع، فإذا نحن بالمأمون مكشوف الرأس محلّ الأزرار قائماً على قدميه ينتحب ويبكي، فوقفت فيمن وقفوا وأنا أتنفّس الصعداء.

ثمّ أصبحنا، فجلس المأمون للتعزية ثمّ قام فمشى إلى الموضع الذي فيه سيّدنا (عليه السلام) فقال: أصلحوا لنا موضعاً، فإنّي أريد أن أغسّله، فدنوت منه، فقلت له ما قاله سيّدي بسبب الغسل والتكفين والدفن، فقال لي: لست أعرض لذلك. ثمّ قال: شأنك يا هرثمة، فلم أزل قائماً حتّى رأيت الفسطاط قد ضرب، فوقفت من ظاهره وكلّ من في الدار دوني، وأنا أسمع التكبير والتهليل والتسبيح، وتردّد الأواني، وصبّ الماء، وتضوّع الطيب الذي لم أشمّ أطيب منه، فإذا أنا بالمأمون قد أشرف عليّ من بعض علالي داره، فصاح بي: يا هرثمة، أ ليس زعمتم أنّ الإمام لا يغسّله إلّا إمام مثله؟ فأين محمّد بن عليّ الجواد (عليه السلام) ابنه عنه؟ وهو بمدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) وهذا بطوس بخراسان؟

قلت له: يا أمير المؤمنين، إنّا نقول إنّ الإمام لا يجب أن يغسّله إلّا إمام مثله، فإن تعدّى متعدٍّ فغسّل الإمام لم تبطل إمامة الإمام لتعدّي غاسله، ولا بطلت إمامة الإمام الذي بعده، بأن غلب على غسل أبيه، ولو ترك أبو الحسن عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) بالمدينة لغسّله ابنه محمّد الجواد (عليه السلام) ظاهراً، ولا يغسّله الآن أيضاً إلّا هو من حيث يخفى.

فسكت عنّي ثمّ ارتفع الفسطاط، فإذا أنا بسيّدي (عليه السلام) مدرج في أكفانه، فوضعته على نعشه، ثمّ حملناه فصلّى عليه المأمون وجميع من حضر، ثمّ جئنا إلى موضع القبر، فوجدتهم يضربون بالمعاول دون قبر هارون ليجعلوه قبلة لقبره، والمعاول تنبو عنه لا تحفر ذرّة من تراب الأرض، فقال لي: ويحك يا هرثمة، أ ما ترى الأرض كيف تمتنع من حفر قبر له؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّه قد أمرني أن أضرب معولاً واحداً في قبلة قبر أمير المؤمنين أبيك الرشيد لا أضرب غيره، قال: فإذا ضربت يا هرثمة، يكون ماذا؟ قلت: إنّه أخبر أنّه لا يجوز أن يكون قبر أبيك قبلة لقبره، فإن أنا ضربت هذا المعول الواحد نفذ إلى قبر محفور من غير يد تحفره، وبان ضريح في وسطه، فقال المأمون: سبحان الله، ما أعجب هذا الكلام! ولا عجب من أمر أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فاضرب يا هرثمة حتّى نرى.

قال هرثمة: فأخذت المعول بيدي فضربت في قبلة قبر هارون الرشيد، فنفذ إلى قبر محفور، وبان ضريح في وسطه، والناس ينظرون إليه، فقال: أنزله إليه يا هرثمة، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّ سيّدي أمرني أن لا أنزل إليه حتّى ينفجر من أرض هذا القبر ماء أبيض فيمتلئ منه القبر، حتّى يكون الماء مع وجه الأرض، ثمّ يضطرب فيه حوت بطول القبر، فإذا غاب الحوت وغار الماء، وضعته على جانب قبره، وخلّيت بينه وبين ملحده، قال: فافعل يا هرثمة ما أمرت به.

قال هرثمة: فانتظرت ظهور الماء والحوت، فظهر ثمّ غاب وغار الماء والناس ينظرون إليه، ثمّ جعلت النعش إلى جانب قبره، فغطّي قبره بثوب أبيض لم أبسطه، ثمّ أنزل به إلى قبره بغير يدي ولا يد أحد ممّن حضر، فأشار المأمون إلى الناس أن هالوا التراب بأيديكم فاطرحوه فيه، فقلت: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فقال: ويحك، فمن يملؤه؟ فقلت: قد أمرني أن لا يطرح عليه التراب، وأخبرني أنّ القبر يمتلئ من ذات نفسه، ثمّ ينطبق ويتربّع على وجه الأرض، فأشار المأمون إلى الناس أن كفّوا، قال: فرموا ما في أيديهم من التراب، ثمّ امتلأ القبر وانطبق وتربّع على وجه الأرض.

فانصرف المأمون وانصرفت، ودعاني المأمون وخلا بي، ثمّ قال: أسألك بالله يا هرثمة، لمّا أصدقتني عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) _ قدّس الله روحه _ بما سمعته منك، فقلت: قد أخبرت أمير المؤمنين بما قال لي، فقال: بالله، إلّا ما قد صدقتني عمّا أخبرك به غير الذي قلت لي، قلت: يا أمير المؤمنين، فعمّا تسألني؟ فقال: يا هرثمة، هل أسرّ إليك شيئاً غير هذا؟ قلت: نعم، قال: ما هو؟ قلت: خبر العنب والرمّان.

فأقبل المأمون يتلوّن ألواناً يصفرّ مرّة ويحمرّ أخرى ويسودّ أخرى ثمّ تمدّد مغشيّاً عليه، فسمعته في غشيته وهو يهجر، ويقول: ويل للمأمون من الله، ويل له من رسوله، ويل له من عليّ، ويل للمأمون من فاطمة، ويل للمأمون من الحسن والحسين، ويل للمأمون من علي بن الحسن، ويل له من محمّد بن عليّ، ويل للمأمون من جعفر بن محمّد، ويل له من موسى بن جعفر، ويل له من علي بن موسى الرضا (عليهم السلام)، هذا _ والله _ هو الخسران المبين _ يقول هذا القول ويكرّره _.

فلمّا رأيته قد أطال ذلك ولّيت عنه، وجلست في بعض نواحي الدار، فجلس ودعاني، فدخلت إليه وهو جالس كالسكران، فقال: والله، ما أنت أعزّ عليّ منه ولا جميع من في الأرض والسماء، لئن بلغني أنّك أعدت بعد ما سمعت ورأيت شيئاً ليكوننّ هلاكك فيه، فقلت: يا أمير المؤمنين، إن ظهرت على شيء من ذلك منّي، فأنت في حلّ من دمي، قال: لا والله، أو تعطيني عهداً وميثاقاً على كتمان هذا وترك إعادته، فأخذ عليّ العهد والميثاق وأكّده عليّ، فلمّا ولّيت عنه صفق بيده وقال: ﴿يَستَخفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَستَخفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُم إِذ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرضَى مِنَ القَولِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعمَلُونَ مُحِيطًا﴾. وكان للرضا (عليه السلام) من الولد محمّد الجواد (عليه السلام)، وكان يقال له: الرضا، والصادق، والصابر، والفاضل، وقرّة أعين المؤمنين، وغيظ الملحدين.

المصدر الأصلي: عيون أخبار الرضا (عليه السلام)
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٩
، ص٢٩٣-٢٩٩
(١) «المفروك»: الفاكهة البالغة حتّي خرج حبّها من قشرها. راجع لسان العرب، ج١۰، ص٤٧٤.
(٢) «النُفَضة»: الرعدة. لسان العرب، ج٧، ص٢٤۰.
الحديث: ٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٣٢٧٤

قال أبو الصلت الهروي: بينا أنا واقف بين يدي الرضا (عليه السلام)، إذ قال لي: يا أبا الصلت، ادخل هذه القبّة التي فيها قبر هارون وائتني بتراب من أربعة جوانبها، قال: فمضيت فأتيت به، فلمّا مثلت بين يديه قال لي: ناولني هذا التراب _ وهو من عند الباب _ فناولته فأخذه وشمّه ثمّ رمى به، ثمّ قال (عليه السلام): سيحفر لي هاهنا فتظهر صخرة لو جمع عليها كلّ معول بخراسان لم يتهيّأ قلعها، ثمّ قال: في الذي عند الرجل والذي عند الرأس مثل ذلك، ثمّ قال: ناولني هذا التراب فهو من تربتي.

ثمّ قال (عليه السلام): سيحفر لي في هذا الموضع فتأمرهم أن يحفروا إلى سبع مراقي إلى أسفل وأن تشقّ لي ضريحه، فإن أبوا إلّا أن يلحدوا فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين وشبراً، فإنّ الله تعالی سيوسّعه ما يشاء، وإذا فعلوا ذلك فإنّك ترى عند رأسي نداوة، فتكلّم بالكلام الذي أعلّمك، فإنّه ينبع الماء حتّى يمتلئ اللحد وترى فيه حيتاناً صغاراً، ففتّت ١ لها الخبز الذي أعطيك، فإنّها تلتقطه فإذا لم يبق منه شي‏ء خرجت منه حوتة كبيرة، فالتقطت الحيتان الصغار حتّى لا يبقى منها شي‏ء، ثمّ تغيب، فإذا غابت فضع يدك على الماء، ثمّ تكلّم بالكلام الذي أعلّمك، فإنّه ينضب ٢ الماء ولا يبقى منه شي‏ء ولا تفعل ذلك إلّا بحضرة المأمون‏، ثمّ قال (عليه السلام): يا أبا الصلت، غداً أدخل على هذا الفاجر، فإن أنا خرجت مكشوف الرأس فتكلّم، أكلّمك، وإن خرجت وأنا مغطّی الرأس فلا تكلّمني.

قال أبو الصلت: فلمّا أصبحنا من الغد لبس ثيابه وجلس فجعل في محرابه ينتظر فبينا هو كذلك إذ دخل عليه غلام المأمون، فقال له: أجب أمير المؤمنين، فلبس نعله ورداءه وقام ومشى وأنا أتّبعه حتّى دخل على المأمون وبين يديه طبق عليه عنب وأطباق فاكهة وبيده عنقود عنب قد أكل بعضه وبقي بعضه، فلمّا أبصر الرضا (عليه السلام) وثب إليه فعانقه وقبّل ما بين عينيه وأجلسه معه، ثمّ ناوله العنقود وقال: يا ابن رسول الله، ما رأيت عنباً أحسن من هذا.

فقال له الرضا (عليه السلام): ربما كان عنباً حسناً يكون من الجنّة، فقال له: كل منه، فقال له الرضا (عليه السلام): تعفيني عنه، فقال: لا بدّ من ذلك وما يمنعك منه، لعلّك تتّهمنا بشي‏ء، فتناول العنقود، فأكل منه ثمّ ناوله، فأكل منه الرضا (عليه السلام) ثلاث حبّات ثمّ رمى به وقام، فقال المأمون: إلى أين؟ فقال (عليه السلام): إلى حيث وجّهتني، وخرج مغطّى الرأس، فلم أكلّمه حتّى دخل الدار، فأمر أن يغلق الباب فغلق، ثمّ نام على فراشه ومكثت واقفاً في صحن الدار مهموماً محزوناً.

فبينا أنا كذلك إذ دخل عليّ شابّ حسن الوجه، قطط الشعر، أشبه الناس بالرضا (عليه السلام)، فبادرت إليه وقلت له: من أين دخلت والباب مغلق؟ فقال (عليه السلام): الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق، فقلت له: ومن أنت؟ فقال (عليه السلام) لي: أنا حجّة الله عليك يا أبا الصلت، أنا محمّد بن عليّ الجواد. ثمّ مضى نحو أبيه، فدخل وأمرني بالدخول معه.

فلمّا نظر إليه الرضا (عليه السلام) وثب إليه فعانقه وضمّه إلى صدره، وقبّل ما بين عينيه ثمّ سحبه سحباً في فراشه، وأكبّ عليه الجواد (عليه السلام) يقبّله ويسارّه بشيء لم أفهمه … ثمّ قال (عليه السلام) لي: يا أبا الصلت، علّمني الكلام الذي تكلّمت به، قلت: والله، لقد نسيت الكلام من ساعتي، وقد كنت صدقت، فأمر بحبسي ودفن الرضا (عليه السلام)، فحبست سنة فضاق عليّ الحبس، وسهرت الليلة ودعوت الله تعالی بدعاء ذكرت فيه محمّداً وآله (عليهم السلام)، وسألت الله تعالی بحقّهم أن يفرّج عنّي، فلم أستتمّ الدعاء حتّى دخل عليّ الجواد (عليه السلام).

فقال (عليه السلام): يا أبا الصلت، ضاق صدرك؟ فقلت: إي والله، قال (عليه السلام): قم، فأخرجني، ثمّ ضرب يده إلى القيود التي كانت ففكّها، وأخذ بيدي وأخرجني من الدار والحرسة والغلمة يرونني، فلم يستطيعوا أن يكلّموني، وخرجت من باب الدار، ثمّ قال (عليه السلام) لي: امض في ودائع الله، فإنّك لن تصل إليه، ولا يصل إليك أبداً، فقال أبو الصلت: فلم ألتق مع المأمون إلى هذا الوقت.

المصدر الأصلي: الأمالي للصدوق، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٩
، ص٣۰۰-٣۰٣
(١) «فَتَّتَ»: دَقَّ وكسَرَ. راجع: لسان العرب، ج٢، ص٦٤.
(٢) «یَنضَبُ»: یسیل ویذهب إلی الأرض. لسان العرب، ج١، ص٧٦٢.