Search
Close this search box.
Layer 5
.
فهرس جواهر البحار
كتاب العقل والعلم والجهل
كتاب العدل والمعاد
كتاب النبوة
كتاب تاريخ نبينا (ص)
كتاب الإمامة
كتاب تاريخ أميرالمؤمنين (ع)
كتاب تاريخ فاطمة والحسنين (ع)
كتاب تاريخ السجاد والباقر والصادق والكاظم (ع)
كتاب تاريخ الرضا والجواد والهادي والعسكري (ع)
كتاب تاريخ الحجة (عج)
كتاب السماء والعالم
كتاب الإيمان والكفر
كتاب العشرة
كتاب الآداب والسنن
كتاب الروضة
كتاب الطهارة
كتاب الصلاة
كتاب القرآن
كتاب الأدعية والأذكار
كتاب الصوم
كتاب الحج والعمرة
كتاب المزار
كتاب العقود والإيقاعات

أحاديث في زهد أمير المؤمنين (عليه السلام) وإعراضه عن الدنيا، وفي ورعه وعد مبالاته في الحق والعدل، وفي تصرفه بالأموال في حياته وما أورثه بعد استشهاده، وفي صفة مأكله ومشربه، وهذه أحاديث جليلة جمعها العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار، وقد اقتبس الشيخ حبيب الكاظمي بعض هذه الأحاديث وحذف أسانيدها مع مراعاة التبويب، فكانت جواهر البحار الذي بين يديك.

الحديث: ١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٢١

من أعلامه عليه السلام قوله: واعلم أنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، يسدّ فورة جوعه بقرصيه، لا يطعم الفلذة في حوله إلّا في سنّة أضحيته، ولن تقدروا على ذلك، فأعينوني بورع واجتهاد، وكأنّي بقائلكم يقول: إذا كان قوت ابن أبي طالب هذا، قعد به الضعف عن مبارزة الأقران ومنازعة الشجعان، والله، ما قلعت باب خيبر بقوّة جسدانية، ولا بحركة غذائية، ولكنّي أيّدت بقوّة ملكية، ونفس بنور بارئها مضيئة.

المصدر الأصلي: الخرائج والجرائح
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٠
، ص٣١٨
الحديث: ٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٢٢

ومن أعلامه عليه السلام أنّ كلامه الوارد في الزهد والمواعظ والتذكير والزواجر، إذا فكّر فيه المفكّر ولم يدر أنّه كلام عليّ عليه السلام لا يشكّ أنّه كلام من لا شغل له بغير العبادة ولا حظّ له في غير الزهادة، وهذه من مناقبه العجيبة التي جمع بها بين الأضداد ١ .

المصدر الأصلي: الخرائج والجرائح
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٠
، ص٣١٨-٣١٩
(١) قیل _ في هامش المطبوع من البحار _: إنّه لم یوجد في المصدر، فللوقوف علیه، راجع: الخرائج، ج٢، ص٥٤٢.
الحديث: ٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٢٣

قيل لعليّ عليه السلام: أعط هذه الأموال لمن يخاف عليه من الناس وفراره إلى معاوية، فقال عليه السلام: أ تأمرونّي أن أطلب النصر بالجور؟ لا، والله، لا أفعل ما طلعت شمس وما لاح في السماء نجم، والله، لو كان ما لهم لي لواسيت بينهم، وكيف وإنّما هو أموالهم؟

المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٠
، ص٣٢١
الحديث: ٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٢٤

وأتي إليه عليه السلام بمال فكوّم كومة من ذهب وكومة من فضّة وقال: يا صفراء اصفرّي، يا بيضاء ابيضّي وغرّي غيري‏.

هذا جناي وخياره فيه
وكلّ جان يده إلى فيه‏

المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٠
، ص٣٢٢
الحديث: ٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٢٥

قال الباقر عليه السلام: لقد ولي عليه السلام خمس سنين وما وضع آجرّة على آجرّة ولا لبنة على لبنة ولا أقطع قطيعاً ولا أورث بيضاء ولا حمراء.

المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٠
، ص٣٢٢
الحديث: ٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٢٦

قال سوید بن غفلة: دخلت عليه عليه السلام يوم عيد، فإذا عنده فاثور ١ عليه خبز السمراء، وصفحة فيها خطيفة ٢ وملبنة. فقلت: يا أمير المؤمنين، يوم عيد وخطيفة؟ فقال عليه السلام: إنّما هذا عيد من غفر له.

المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٠
، ص٣٢٦
(١) «الفاثُور»: الخِوان. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج٣، ص٤١٢.
(٢) «الخَطِيفَة»: لبن يطبخ بدقيق. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج٢، ص٤٩.
الحديث: ٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٢٧

وضع خوان من فالوذج‏ بين يديه عليه السلام فوجأ بإصبعه حتّى بلغ أسفله ثمّ سلّها ولم يأخذ منه شيئاً وتلمّظ بإصبعه وقال: طيّب طيّب، وما هو بحرام، ولكن أكره أن أعوّد نفسي بما لم أعوّدها.

وقال الصادق عليه السلام: أنّه عليه السلام مدّ يده إليه ثمّ قبضها، فقيل له في ذلك، فقال: ذكرت رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه لم يأكله، فكرهت أن آكله.

و عن الصادق عليه السلام: أنّه قالوا له: تحرّمه؟ قال عليه السلام: لا، ولكن أخشى‏ أن‏ تتوق‏ إليه نفسي، ثمّ تلا: ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا﴾.

المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٠
، ص٣٢٧
الحديث: ٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٢٨

إنّ عليّاً عليه السلام تزوّج ليلى فجعلت له حجلة، فهتكها وقال عليه السلام: حسب آل عليّ ما هم فيه.

المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٠
، ص٣٢٧
الحديث: ٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٢٩

إنّ علیّاً عليه السلام تزوّج امرأة فنجّدت ١ له بيتاً، فأبى أن يدخله.

المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٠
، ص٣٢٧
(١) «التنجید»: التزیین. لسان العرب، ج٣، ص٤١٦.
الحديث: ١٠
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٣٠

دخل ابن عبّاس على أمير المؤمنين عليه السلام وقال: إنّ الحاجّ قد اجتمعوا ليسمعوا منك _ وهو يخصف نعلاً _ قال عليه السلام: أما والله، إنّ لي لهما أحبّ إليّ من أمركم هذا إلّا أن أقيم حدّاً أو أدفع باطلاً.

و كتب عليه السلام إلى ابن عبّاس: أمّا بعد، فلا يكن حظّك في ولايتك مالاً تستفيده ولا غيظاً تشتفيه ولكن إماتة باطل وإحياء حقّ.

المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٠
، ص٣٢٨
الحديث: ١١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٣١

قال الباقر عليه السلام: إنّه ما ورد عليه أمران كلاهما لله رضىً، إلّا أخذ بأشدّهما على بدنه.

المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٠
، ص٣٢٩
الحديث: ١٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٣٢

قال معاوية لضرار بن ضمرة: صف لي عليّاً، قال: كان _ والله _ صوّاماً بالنهار قوّاماً بالليل، يحبّ من اللباس أخشنه، ومن الطعام أجشبه، وكان يجلس فينا، ويبتدئ إذا سكتنا، ويجيب إذا سألنا، يقسّم بالسويّة، ويعدل في الرعيّة، لا يخاف الضعيف من جوره، ولا يطمع القويّ في ميله، والله، لقد رأيته ليلة من الليالي، وقد أسدل الظلام سدوله وغارت نجومه، وهو يتململ في المحراب تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين.

ولقد رأيته مسيلاً للدموع على خدّه، قابضاً على لحيته، يخاطب دنياه فيقول: يا دنيا، أ بي تشوّقت ولي تعرّضت؟ لا حان حينك، فقد أبنتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك، فعيشك قصير وخطرك يسير، آه، من قلّة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق.

المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٠
، ص٣٢٩-٣٣٠
الحديث: ١٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٣٣

قال سوید بن غفلة: دخلت على عليّ بن أبي طالب عليه السلام العصر، فوجدته جالساً بين يديه صحيفة فيها لبن حازر، أجد ريحه من شدّة حموضته، وفي يده رغيف أرى قشار الشعير في وجهه، وهو يكسر بيده أحياناً، فإذا غلبه كسره بركبته وطرحه فيه، فقال: ادن، فأصب من طعامنا هذا، فقلت: إنّي صائم، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من منعه الصوم من طعام يشتهيه، كان حقّاً على الله أن يطعمه من طعام الجنّة ويسقيه من شرابها.

فقلت لجاريته وهي قائمة بقريب منه: ويحك يا فضّة، أ لا تتّقين الله في هذا الشيخ؟ أ لا تنخلون له طعاماً ممّا أرى فيه من النخالة؟ فقالت: لقد تقدّم إلينا أن لا ننخل له طعاماً.

ما قلت لها فأخبرته، فقال عليه السلام: بأبي وأمّي من لم ينخل له طعام، ولم يشبع من خبز البرّ ثلاثة أيّام حتّى قبضه الله عزّ وجلّ.

المصدر الأصلي: كشف الغمّة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٠
، ص٣٣١
الحديث: ١٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٣٤

قال أمير المؤمنين عليه السلام وقد أمر بكنس بيت المال ورشّه: يا صفراء، غرّي غيري، يا بيضاء، غرّي غيري.

المصدر الأصلي: كشف الغمّة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٠
، ص٣٣٣
الحديث: ١٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٣٥

خرج عليه السلام يوماً وعليه إزار مرقوع، فعوتب عليه، فقال: يخشع القلب بلبسه، ويقتدي به المؤمن إذا رآه عليّ.

المصدر الأصلي: كشف الغمّة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٠
، ص٣٣٤
الحديث: ١٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٣٦

خرج يوماً إلى السوق ومعه سيفه ليبيعه، فقال: من يشتري منّي هذا السيف؟ فوالذي فلق الحبّة، لطالما كشفت به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله، ولو كان عندي من إزار لما بعته.

المصدر الأصلي: كشف الغمّة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٠
، ص٣٣٥
الحديث: ١٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٣٧

كان عليه السلام قد ولّى على عكبرا رجلاً من ثقيف، قال: قال لي عليّ عليه السلام: إذا صلّيت الظهر غداً فعد إليّ، فعدت إليه في الوقت المعيّن، فلم أجد عنده حاجباً يحبسني دونه، فوجدته جالساً وعنده قدح وكوز ماء، فدعا بوعاء مشدود مختوم، فقلت في نفسي: لقد أمنني حتّى يخرج إليّ جوهراً.

فكسر الختم وحلّه فإذا فيه سويق، فأخرج منه فصبّه في القدح وصبّ عليه ماء، فشرب وسقاني، فلم أصبر فقلت: يا أمير المؤمنين، أ تصنع هذا في العراق وطعامه كما ترى في كثرته؟ فقال عليه السلام: أما والله، ما أختم عليه بخلاً به، ولكنّي أبتاع قدر ما يكفيني، فأخاف أن ينقص فيوضع فيه من غيره، وأنا أكره أن أدخل بطني إلّا طيّباً، فلذلك أحترز عليه كما ترى، فإيّاك وتناول ما لا تعلم حلّه.

المصدر الأصلي: كشف الغمّة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٠
، ص٣٣٥
الحديث: ١٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٣٨

قال الصادق عليه السلام: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يسلّم على النساء ويرددن  عليه السلام. وكان أمير المؤمنين عليه السلام يسلّم على النساء وكان يكره أن يسلّم على الشابّة منهنّ، ويقول: أتخوّف أن تعجبني صوتها، فيدخل عليّ أكثر ممّا أطلب من الأجر.

بيــان:
لعلّه عليه السلام إنّما فعل ذلك وقال ما قال، تعليماً للأمّة.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٠
، ص٣٣٥
الحديث: ١٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٣٩

قال عليّ عليه السلام: والله، لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم.

المصدر الأصلي: نهج البلاغة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٠
، ص٣٣٧
الحديث: ٢٠
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٤٠

قال عليّ بن أبي رافع: كنت على بيت مال عليّ بن أبي طالب عليه السلام وكاتبه وكان في بيته عقد لؤلؤ وهو كان أصابه يوم البصرة، قال: فأرسلت إلي بنت عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقالت لي: بلغني أنّ في بيت مال أمير المؤمنين عليه السلام عقد لؤلؤ وهو في يدك وأنا أحبّ أن تعيرنيه أتجمّل به في أيّام عيد الأضحى، فأرسلت إليها وقلت: عارية مضمونة، يا ابنة أمير المؤمنين، فقالت: نعم، عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة أيّام، فدفعته إليها.

وإنّ أمير المؤمنين عليه السلام رآه عليها فعرفه، فقال لها: من أين صار إليك هذا العقد؟ فقالت: استعرته من ابن أبي رافع خازن بيت مال أمير المؤمنين لأتزيّن به في العيد ثمّ أردّه.

قال: فبعث إليّ أمير المؤمنين عليه السلام فجئته، فقال أ تخون المسلمين يا ابن أبي رافع؟ فقلت له: معاذ الله أن أخون المسلمين، فقال عليه السلام: كيف أعرت بنت أمير المؤمنين العقد الذي في بيت مال المسلمين بغير إذني ورضاهم؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّها ابنتك وسألتني أن أعيرها إيّاه تتزيّن به، فأعرتها إيّاه، عارية مضمونة مردودة وضمنته في مالي وعليّ أن أردّه مسلّماً إلى موضعه.

فقال عليه السلام: ردّه من يومك، وإيّاك أن تعود لمثل هذا، فتنالك عقوبتي، ثمّ أولى لابنتي لو كانت أخذت العقد على غير عارية مضمونة مردودة، لكانت إذن أوّل هاشميّة قطعت يدها في سرقة.

قال: فبلغ مقالته ابنته فقالت له: يا أمير المؤمنين، أنا ابنتك وبضعة منك، فمن أحقّ بلبسه منّي؟ فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام: يا بنت عليّ بن أبي طالب، لا تذهبي بنفسك عن الحقّ، أ  كلّ نساء المهاجرين تتزيّن في هذا العيد بمثل هذا، فقبضته منها ورددته إلى موضعه؟

المصدر الأصلي: تنبيه الخاطر
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٠
، ص٣٣٧-٣٣٨
الحديث: ٢١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٤١

من كتاب له عليه السلام إلى عثمان بن حنيف الأنصاري، وهو عامله على البصرة، وقد بلغه أنّه دعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها: أمّا بعد، يا بن حنيف، فقد بلغني أنّ رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها، يستطاب لك الألوان، وتنقل إليك الجفان ١ ، وما ظننت أنّك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ وغنيّهم مدعوّ، فانظر إلى ما تقضمه ٢ من هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه.

ألا وإنّ لكلّ مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ٣ ، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد.

فوالله، ما كنزت من دنياكم تبراً، ولا ادّخرت من غنائمها وفراً، ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً، بلى، كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السماء، فشحّت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين، ونعم الحكم الله، وما أصنع بفدك وغير فدك؟ والنفس مظانّها في غد جدث تنقطع في ظلمته آثارها، وتغيب أخبارها، وحفرة لو زيد في فسحتها وأوسعت يدا حافرها، لأضغطها الحجر والمدر، وسدّ فرجها التراب المتراكم.

وإنّما هي نفسي أروضها بالتقوى، لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق، ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفّى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القزّ.

ولكن هيهات، أن يغلبني هواي، ويقيّدني جشعي إلى تخيّر الأطعمة، ولعلّ بالحجاز أو باليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع، أو أن أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى ٤ وأكباد حرّى، أو أكون كما قال القائل:

وحسبك داء أن تبیت ببطنه
وحولك أكباد تحنّ الی القدّ

أ أقنع من نفسي بأن يقال: أمير المؤمنين، ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش؟

فما خلقت ليشغلني أكل الطيّبات كالبهيمة المربوطة همّها علفها، أو المرسلة شغلها تقمّهما، تكترش من أعلافها وتلهو عمّا يراد بها، أو أترك سدىً، أو أهمل عابثاً، أو أجرّ حبل الضلالة، أو أعتسف طريق المتاهة.

وكأنّي بقائلكم يقول: إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب، فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران ومنازلة الشجعان، ألا وإنّ الشجرة البرّيّة أصلب عوداً، والرواتع الخضرة أرقّ جلوداً، والنباتات العذیة أقوى وقوداً وأبطأ خموداً، وأنا من رسول الله صلى الله عليه وآله كالصنو من الصنو والذراع من العضد.

والله، لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت عنها، ولو أمكنت الفرصة من رقابها لسارعت إليها، وسأجهد في أن أطهّر الأرض من هذا الشخص المعكوس والجسم المركوس ٥ ، حتّى تخرج المدرة من بين حبّ الحصيد.

إليك عنّي يا دنيا، فحبلك على غاربك، قد انسللت من مخالبك، وأفلت من حبائلك، واجتنبت الذهاب في مداحضك، أين القرون الذين غررتهم بمداعبك؟ أين الأمم الذين فتنتهم بزخارفك؟ ها، هم رهائن القبور ومضامين اللحود.

والله، لو كنت شخصاً مرئيّاً وقالباً حسّياً، لأقمت عليك حدود الله في عباد غررتهم بالأمانيّ، وأمم ألقيتهم في المهاوي، وملوك أسلمتهم إلى التلف، وأوردتهم موارد البلاء، إذ لا ورد ولا صدر، هيهات، من وطأ دحضك زلق، ومن ركب لججك غرق، ومن ازورّ عن حبالك وفّق، والسالم منك لا يبالي إن ضاق به مناخه، والدنيا عنده كيوم حان انسلاخه.

اعزبي عنّي، فوالله، لا أذلّ لك فتستذلّيني، ولا أسلس لك فتقوديني، وأيم الله، يميناً أستثني فيها بمشيئة الله، لأروضنّ نفسي ریاضة تهشّ معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوماً، وتقنع بالملح مأدوماً، ولأدعنّ مقلتي كعين ماء نضب معينها، مستفرغة دموعها.

أ تمتلئ السائمة من رعيها فتبرك؟ وتشبع الربيضة عن عشبها فتربض؟ ويأكل عليّ من زاده فيهجع؟ قرّت إذاً عينه إذا اقتدى بعد السنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة والسائمة المرعيّة، طوبى لنفس أدّت إلى ربّها فرضها، وعركت بجنبها بؤسها ٦ ، وهجرت في الليل غمضها حتّى إذا غلب الكرى عليها افترشت أرضها وتوسّدت كفّها في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم، وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم، وهمهمت بذكر ربّهم شفاههم، وتقشّعت بطول استغفارهم ذنوبهم، فاتّق الله يا بن حنيف، ولتكفك أقراصك ليكون من النار خلاصك.

المصدر الأصلي: نهج البلاغة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٠
، ص٣٤٠-٣٤٢
(١) «الْجَفْنَة»: وعاء الأطعمة، وجمعها: «جِفَان». مفردات ألفاظ القرآن، ص١٩٧.
(٢) «القَضْم»: الأكل بأطراف الأسنان. لسان العرب، ج١٢، ص٤٨٧.
(٣) «الطِّمر»: الثوب الخلق البالي. إنّما جعلهما اثنين؛ لأنّهما إزار ورداء لا بد منهما، أي للجسد والرأس. شرح نهج البلاغة (لابن أبي الحديد)، ج١٦، ص٢٠٧.
(٤) «غَرثی»: جمع «الغَرسان» وهو الجائع. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج٣، ص٣٥٣.
(٥) أراد به «معاویة».
(٦) «عركت بجنبها بؤسها»: صبرت على بؤسها والمشقّة التي تنالها. شرح نهج البلاغة (لابن أبي الحديد)، ج١٦، ص٢٩٥.
الحديث: ٢٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢١٤٢

قال أمير المؤمنين عليه السلام: … ولو شئت لتسربلت بالعبقريّ المنقوش من ديباجكم، ولأكلت لباب هذا البرّ بصدور دجاجكم، ولشربت الماء الزلال برقيق زجاجكم، ولكنّي أصدّق الله جلّت عظمته حيث يقول: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ ۞ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ﴾. فكيف أستطيع الصبر على نار لو قذفت بشررة إلى الأرض لأحرقت نبتها، ولو اعتصمت نفس بقلّة لأنضجها وهج النار في قلّتها؟ وإنّما خيّر لعليّ أن يكون عند ذي العرش مقرّباً أو يكون في لظى خسيئاً مبعداً، مسخوطاً عليه بجرمه مكذّباً.

والله، لأن أبيت على حسك السعدان مرقداً وتحتي أطمار على سفاها ممدّداً، أو أجرّ في أغلالي مصفّداً، أحبّ إليّ من أن ألقى في القيامة محمّداً صلى الله عليه وآله خائناً في ذي يتمة، أظلمه بفلسه متعمّداً، ولم أظلم اليتيم وغير اليتيم لنفس تسرع إلى البلى قفولها، ويمتدّ في أطباق الثرى حلولها، وإن عاشت رويداً فبذي العرش نزولها …

ألا إنّ الحديث ذو شجون، فلا يقولنّ قائلكم إنّ كلام عليّ متناقض؛ لأنّ الكلام عارض، ولقد بلغني أنّ رجلاً من قطّان المدائن تبع بعد الحنيفية علوجه، ولبس من نالة دهقانه منسوجه، وتضمّخ بمسك هذه النوافج صباحه، وتبخّر بعود الهند رواحه، وحوله ريحان حديقة يشمّ تفّاحه، وقد مدّ له مفروشات الروم على سرره، تعساً له بعد ما ناهز السبعين من عمره، وحوله شيخ يدبّ على أرضه من هرمه، وذا يتمة تضوّر من ضرّه ومن قرمه، فما واساهم بفاضلات من علقمه، لئن أمكنني الله منه لأخضمنّه خضم البرّ، ولأقيمنّ عليه حدّ المرتدّ، ولأضربنّه الثمانين بعد حدّ، ولأسدّنّ من جهله كلّ مسدّ …

والله، لقد رأيت عقيلاً ١ أخي وقد أملق حتّى استماحني من برّكم صاعة، وعاودني في عشر وسق من شعيركم، يطعمه جياعه ويكاد يلوي ثالث أيّامه خامصاً ما استطاعه، ورأيت أطفاله شعث الألوان من ضرّهم، كأنّما اشمأزّت وجوههم من قرّهم. فلمّا عاودني في قوله وكرّره أصغيت إليه سمعي، فغرّه وظنّني أوتغ ٢ ديني فأتبع ما سرّه، أحميت له حديدة ينزجر إذ لا يستطيع منها دنوّاً ولا يصبر، ثمّ أدنيتها من جسمه، فضجّ من ألمه ضجيج ذي دنف يئنّ من سقمه، وكاد يسبّني سفهاً من كظمه، ولحرقة في لظى أضنى له من عدمه.

فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل، أ تئنّ من حديدة أحماها إنسانها لمدعبه، وتجرّني إلى نار سجرها جبّارها من غضبه؟ أ تئنّ من الأذى ولا أئنّ من لظى؟ …

وأعجب بلا صنع منّا من طارق طرقنا بملفوفات زمّلها في وعائها، ومعجونة بسطها في إنائها، فقلت له: أ صدقة أم نذر أم زكاة؟ وكلّ ذلك يحرم علينا أهل بيت النبوّة، وعوّضنا منه خمس ذي القربى في الكتاب والسنّة.

فقال لي: لا ذاك ولا ذاك، ولكنّه هديّة، فقلت له: ثكلتك الثواكل، أ فعن دين الله تخدعني بمعجونة عرّقتموها بقندكم؟ وخبيصة صفراء أتيتموني بها بعصير تمركم؟ أ مختبط أم ذو جنّة أم تهجر؟ أ ليست النفوس عن مثقال حبّة من خردل مسؤولة؟ فماذا أقول في معجونة أتزقّمها معمولة؟

والله، لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها، واسترقّ لي قطّانها مذعنة بأملاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها شعيرة فألوكها، ما قبلت ولا أردت، ولدنياكم أهون عندي من ورقة في في جرادة تقضمها، وأقذر عندي من عراقة خنزير يقذف بها أجذمها، وأمرّ على فؤادي من حنظلة يلوكها ذو سقم فيبشمها، فكيف أقبل ملفوفات عكمتها في طيّها؟ ومعجونة كأنّها عجنت بريق حيّة أو قيئها؟ …

فدعوني أكتفي من دنياكم بملحي وأقراصي، فبتقوى الله أرجو خلاصي، ما لعليّ ونعيم يفنى، ولذّة تنحتها المعاصي؟ سألقى وشيعتي ربّنا بعيون ساهرة، وبطون خماص ﴿لِيُمَحِّصَ الله الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الكَافِرِينَ﴾، ونعوذ بالله من سيّئات الأعمال، وصلّى الله على محمّد وآله.

بيــان:
قوله عليه السلام: «ولو اعتصمت»، أي بعد قذف الشررة لو التجأت نفس أيّ رأس جبل، لأنضج تلك النفس و«هجّ النار» _ بسكون الهاء _ أي اتّقادها وحرّها؛ والضمير في «قلّتها» للنفس أو للنار، والإضافة للملابسة.
و«الأطمار»: جمع طمر _ بالكسر _ وهو الثوب الخلق البالي.
و«السفا»: التراب الذي تسفيه الريح، وكلّ شجر له شوك، والضمير في «سفاها» راجع إلى الأرض بقرينة المقام أو إلى حسك السعدان، أي ما ألقته الرياح من تلك الأشجار ...
وفائدة ذكر هذه الفقرة أنّ البيتوتة على حسك السعدان على قسمين:
الأوّل: البيتوتة على الساقط منه والشدّة فيها قليلة.
الثاني: البيتوتة عليه حين هو على الشجرة والشدّة فيها عظيمة، ولا سيّما إذا لم يكن مع فراش، وهو المراد هنا ...
والمراد بالتناقض هنا عدم التناسب، ولقد أبدع من حمله على ظاهره وأوّله بأنّ المعنى: لا يزعم زاعم أنّه مناقض لكلام آخر له مذكور في الكافي موافقاً لقوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ﴾، كما توهّمه عاصم بن زياد.
ومعنى عارض أنّه لا يلزم طريقة واحدة بل هو بحسب اقتضاء المقام، فإن كان في مقام بيان حال الأمراء حسن فيه ذمّ الزينة وأكل الطيّبات، وإن كان في مقام بيان حال الرعيّة قبح فيه الذمّ المذكور، إلّا إذا لم يكن مؤمناً وافياً بحقوق ماله، كما سيشير إليه انتهى. ولا يخفى ما فيه.
والرجل الذي ذمّه يحتمل أن يكون معاوية، بل هو الظاهر.
فـ «المدائن»: جمع المدينة لا الناحية الموسومة بذلك، والمراد بـ «علوجه» آباؤه الكفرة شبّههم في كفرهم بالعلوج.
و«النالة»: جمع النائل وهو العطاء، أي ليس من عطايا دهقانه أو ممّا أصاب وأخذ منه ما نسجه الدهقان ...
و«تضمّخ» بالطيب: تلطّخ به؛ و«النوافج»: جمع نافجة معرّب نافة، ونفح الطّيب نفاحاً _ بالضمّ _ أي فاح.
إنّه دخل على امرأة وهي «تتضوّر» من شدّة الحمى، أي تتلوّى وتصيح وتتقلّب ظهراً لبطن ...
و«القرم»: شدّة شهوة اللحم، و«العلقم»: الحنظل وكلّ شيء مرّ، وإنّما شبّه ما يأكله من الحرام بالعلقم لسوء عاقبته، وكثيراً ما يشبّه الحرام في عرف العرب والعجم بسمّ الحيّة والحنظل.
و«الخضم»: الأكل بأقصى الأضراس؛ و«ضرب الثمانين»: لشرب الخمر أو قذف المحصنة.
وقوله: «ولأسدّنّ من جهله كلّ مسدّ» كناية عن إتمام الحجّة وقطع أعذاره، أو تضييق الأمر عليه.
و«الإملاق»: الفقر؛ و«الاستماحة»: طلب السماحة والجود.
قوله: «يكاد يلوي» لعلّه من «ليّ الغريم» وهو مطله، أي يماطل أولاده في ثالث الأيّام ما استطاع حال كونه خامصاً، أي جائعاً.
و«الأشعث»: المغبّر الرأس؛ و«اشمأزّ الرجل»: انقبض.
و«القرّ» _ بالضمّ _: البرد؛ و«أُوتغ»: أهلك ...
قوله عليه السلام: «زملها»، أي لفّها؛ و«العراقة» _ بالضمّ _: العظم إذا أكل لحمه؛ وضمير «أجذمها» للدنيا أو الجرادة بأدنى ملابسة؛ «والجذام»: هو الداء المعروف المسريّ، وفيه من المبالغات في الإنكار ما لا يتصوّر فوقها؛ فـ«بَشَمها»، أي لفظها بغضاً وعداوةً لها، فلفظه مع اختلال ذائقته يدلّ على كمال مرارته، وملفوظه أقذر من ملفوظ غيره لمرارة فيه ولتوهّم سراية مرضه أيضاً؛ و«عكمت المتاع»: شددته؛ والمراد بـ «الطيّ» هنا ما يطوى فيه الشيء. (ص٣٥٠-٣٥٥)
المصدر الأصلي: الأمالي للصدوق
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٠
، ص٣٤٦-٣٤٨
(١) عقیل بن أبي طالب (م٦٠هـ): أكبر أولاد أبي طالب، عالم بأیّام العرب وأنسابها، ولفقره وكثرة عیاله مال في خلافة أخیه أمیرالمؤمنین عليه السلام إلی معاویة، وعمي في آخر عمره. راجع: الأعلام، ج٤، ص٢٤٢.
(٢) أوتِغُ: أُهلِكُ. لسان العرب، ج٨، ص٤٥٨.