Search
Close this search box.
Layer 5
.
فهرس جواهر البحار
كتاب العقل والعلم والجهل
كتاب العدل والمعاد
كتاب النبوة
كتاب تاريخ نبينا (ص)
كتاب الإمامة
كتاب تاريخ أميرالمؤمنين (ع)
كتاب تاريخ فاطمة والحسنين (ع)
كتاب تاريخ السجاد والباقر والصادق والكاظم (ع)
كتاب تاريخ الرضا والجواد والهادي والعسكري (ع)
كتاب تاريخ الحجة (عج)
كتاب السماء والعالم
كتاب الإيمان والكفر
كتاب العشرة
كتاب الآداب والسنن
كتاب الروضة
كتاب الطهارة
كتاب الصلاة
كتاب القرآن
كتاب الأدعية والأذكار
كتاب الصوم
كتاب الحج والعمرة
كتاب المزار
كتاب العقود والإيقاعات

أحاديث في وصايا أمير المؤمنين (ع) قبيل استشهاده، وفي ما دار بينه وبين أصبغ بن نباتة، وفي كيفية استشهاده وضربه من قبل الملعون ابن ملجم المرادي، وهذه أحاديث جليلة جمعها العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار، وقد اقتبس الشيخ حبيب الكاظمي بعض هذه الأحاديث وحذف أسانيدها مع مراعاة التبويب، فكانت جواهر البحار الذي بين يديك.

الحديث: ١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٨٩

قال الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام: لمّا حضرت والدي الوفاة، أقبل يوصي، فقال: هذا ما أوصى به عليّ بن أبي طالب عليه السلام، أخو محمّد رسول الله صلى الله عليه وآله وابن عمّه وصاحبه، أوّل وصيّتي: أنّي أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً رسوله وخيرته اختاره بعلمه …

ثمّ إنّي أوصيك يا حسن _ وكفى بك وصيّاً _ بما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وآله، فإذا كان ذلك يا بنيّ، الزم بيتك، وابك على خطيئتك، ولا تكن الدنيا أكبر همّك، وأوصيك يا بنيّ، بالصلاة عند وقتها، والزكاة في أهلها عند محلّها، والصمت عند الشبهة، والاقتصاد والعدل في الرضا والغضب …

وإيّاك ومواطن التهمة والمجلس المظنون به السوء، فإنّ قرين السوء يغرّ جليسه … ودع المماراة ومجاراة من لا عقل له ولا علم … وعليك فيها بالأمر الدائم الذي تطيقه … وكن لله ذاكراً على كلّ حال … وجاهد نفسك واحذر جليسك … وعليك بمجالس الذكر … .

المصدر الأصلي: المجالس للمفيد، الأمالي للطوسي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٢
، ص٢٠٢-٢٠٣
الحديث: ٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٩٠

قال الأصبغ بن نباتة: لمّا ضرب ابن ملجم _ لعنه الله _ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام غدونا عليه نفر من أصحابنا أنا والحارث وسويد بن غفلة وجماعة معنا، فقعدنا على الباب، فسمعنا البكاء فبكينا. فخرج إلينا الحسن بن عليّ عليه السلام، فقال: يقول لكم أمير المؤمنين عليه السلام: انصرفوا إلى منازلكم، فانصرف القوم غيري، فاشتدّ البكاء من منزله فبكيت.

وخرج الحسن عليه السلام وقال: أ لم أقل لكم: انصرفوا؟ فقلت: لا، والله، يا بن رسول الله، لا يتابعني نفسي، ولا يحملني رجلي أن أنصرف حتّى أرى أمير المؤمنين عليه السلام قال: فبكيت، ودخل فلم يلبث أن خرج فقال لي: ادخل.

فدخلت على أمير المؤمنين عليه السلام، فإذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء، قد نزف واصفرّ وجهه، ما أدري وجهه اصفرّ أو العمامة؟ فأكببت عليه فقبّلته وبكيت، فقال لي: لا تبك يا أصبغ، فإنّها _ والله _ الجنّة، فقلت له: جعلت فداك، إنّي أعلم _ والله _ أنّك تصير إلى الجنّة، وإنّما أبكي لفقداني إيّاك. يا أمير المؤمنين، جعلت فداك، حدّثني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله، فإنّي أراك لا أسمع منك حديثاً بعد يومي هذا أبداً.

قال عليه السلام: نعم، يا أصبغ، دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله يوماً، فقال لي: يا عليّ، انطلق حتّى تأتي مسجدي ثمّ تصعد منبري، ثمّ تدعو الناس إليك، فتحمد الله تعالی وتثني عليه وتصلّي عليّ صلاة كثيرة، ثمّ تقول: أيّها الناس، إنّي رسول رسول الله إليكم، وهو يقول لكم: إنّ لعنة الله ولعنة ملائكته المقرّبين وأنبيائه المرسلين ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه، أو ادّعى إلى غير مواليه، أو ظلم أجيراً أجره، فأتيت مسجده صلى الله عليه وآله وصعدت منبره، فلمّا رأتني قريش ومن كان في المسجد أقبلوا نحوي، فحمدت الله وأثنيت عليه وصلّيت على رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة كثيرة، ثمّ قلت: أيّها الناس، إنّي رسول رسول الله إليكم، وهو يقول لكم: ألا إنّ لعنة الله ولعنة ملائكته المقرّبين وأنبيائه المرسلين، ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه، أو ادّعى إلى غير مواليه، أو ظلم أجيراً أجره، فلم يتكلّم أحد من القوم إلّا عمر بن الخطّاب، فإنّه قال: قد أبلغت يا أبا الحسن، ولكنّك جئت بكلام غير مفسّر، فقلت: أبلّغ ذلك رسول الله.

فرجعت إلى النبيّ صلى الله عليه وآله فأخبرته الخبر، فقال صلى الله عليه وآله: ارجع إلى مسجدي حتّى تصعد منبري، فاحمد الله وأثن عليه وصلّ عليّ، ثمّ قل: أيّها الناس، ما كنّا لنجيئكم بشيء إلّا وعندنا تأويله وتفسيره، ألا وإنّي أنا أبوكم، ألا وإنّي أنا مولاكم، ألا وإنّي أنا أجيركم.

المصدر الأصلي: المجالس للمفيد، الأمالي للطوسي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٢
، ص٢٠٤-٢٠٥
الحديث: ٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٩١

قال السجّاد عليه السلام: لمّا ضرب ابن ملجم _ لعنه الله _ أمير المؤمنين عليه السلام، كان معه آخر فوقعت ضربته على الحائط، وأمّا ابن ملجم، فضربه فوقعت الضربة وهو ساجد على رأسه على الضربة التي كانت، فخرج الحسن والحسين عليهما السلام وأخذا ابن ملجم وأوثقاه.

واحتمل أمير المؤمنين عليه السلام فأدخل داره، فقعدت لبابة عند رأسه، وجلست أمّ كلثوم عند رجليه، ففتح عينيه فنظر إليهما، فقال: الرفيق الأعلى ﴿خَيرٌ مُّستَقَرّاً وَأَحسَنُ مَقِيلاً﴾. ضربة بضربة أو العفو إن كان ذلك. ثمّ عرق ثمّ أفاق، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يأمرني بالرواح إليه عشاء _ ثلاث مرّات _.

المصدر الأصلي: الأمالي للطوسي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٢
، ص٢٠٥-٢٠٦
الحديث: ٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٩٢

قال الباقر عليه السلام: إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام خرج يوقظ الناس لصلاة الصبح، فضربه عبد الرحمن بن ملجم بالسيف على أمّ رأسه، فوقع على ركبتيه، وأخذه فالتزمه حتّى أخذه الناس، وحمل عليّ عليه السلام حتّى أفاق، ثمّ قال للحسن والحسين عليهما السلام: احبسوا هذا الأسير، وأطعموه واسقوه وأحسنوا إساره، فإن عشت فأنا أولى بما صنع فيّ، إن شئت استقدت وإن شئت صالحت، وإن متّ فذلك إليكم، فإن بدا لكم أن تقتلوه فلا تمثّلوا به.

المصدر الأصلي: قرب الإسناد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٢
، ص٢٠٦
الحديث: ٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٩٣

قال عليّ عليه السلام _ وهو يوصي الحسن عليه السلام _ فقال: يا بنيّ، إنّي ميّت من ليلتي هذه، فإذا أنا متّ فاغسلني وكفّنّي وحنّطني بحنوط جدّك، وضعني على سريري، ولا يقربنّ أحد منكم مقدّم السرير، فإنّكم تكفونه، فإذا حمل المقدّم فاحملوا المؤخّر، فإذا المقدّم ذهب فاذهبوا حيث ذهب، فإذا وضع المقدّم فضعوا المؤخّر.

ثمّ تقدّم أي بنيّ، فصلّ عليّ، فكـبّر سبعاً، فإنّها لن تحلّ لأحد من بعدي إلّا لرجل من ولدي يخرج في آخر الزمان يقيم اعوجاج الحقّ، فإذا صلّيت فخطّ حول سريري، ثمّ احفر لي قبراً في موضعه إلى منتهى كذا وكذا، ثمّ شقّ لحداً فإنّك تقع على ساجة منقورة ادّخرها لي أبي نوح عليه السلام، وضعني في الساجة، ثمّ ضع عليّ سبع لبنات كبار، ثمّ ارقب هنيئة، ثمّ انظر، فإنّك لن تراني في لحدي.

المصدر الأصلي: فرحة الغريّ
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٢
، ص٢١٥
الحديث: ٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٩٤

قال أبو بصیر: سألت الباقر عليه السلام عن قبر أمير المؤمنين عليه السلام فإنّ الناس قد اختلفوا فيه، قال عليه السلام: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام دفن مع أبيه نوح في قبره، قلت: جعلت فداك، من تولّى دفنه؟ فقال عليه السلام: رسول الله صلى الله عليه وآله مع الكرام الكاتبين بالروح والريحان.

المصدر الأصلي: فرحة الغريّ
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٢
، ص٢١٨-٢١٩
الحديث: ٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٩٥

كانت إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بعد النبيّ صلى الله عليه وآله ثلاثين سنة، منها أربعة وعشرون سنة وأشهر ممنوعاً من التصرّف في أحكامها، مستعملاً للتقيّة والمداراة. ومنها خمس سنين وستّة أشهر ممتحناً بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين ومضطهداً بفتن الضالّين، كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاث عشرة سنة من نبوّته ممنوعاً من أحكامها، خائفاً ومحبوساً وهارباً ومطروداً، لا يتمكّن من جهاد الكافرين ولا يستطيع دفعاً عن المؤمنين، ثمّ هاجر وأقام بعد الهجرة عشر سنين مجاهداً للمشركين، ممتحناً بالمنافقين إلى أن قبضه الله إليه وأسكنه جنّات النعيم.

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٢
، ص٢٢٧
الحديث: ٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٩٦

إنّ نفراً من الخوارج اجتمعوا بمكّة فتذاكروا الأمراء فعابوهم وعابوا أعمالهم وذكروا أهل النهروان وترحّموا عليهم، فقال بعضهم لبعض: لو أنّا شرينا أنفسنا لله فأتينا أئمّة الضلال فطلبنا غرّتهم وأرحنا منهم العباد والبلاد وثأرنا بإخواننا الشهداء بالنهروان فتعاهدوا عند انقضاء الحجّ على ذلك.

فقال عبد الرحمن بن ملجم _ لعنه الله _: أنا أكفيكم عليّاً، وقال البرك بن عبيد الله التميمي: أنا أكفيكم معاوية، وقال عمرو بن بكر التميمي: أنا أكفيكم عمرو بن العاص، وتعاقدوا على ذلك وتوافقوا على الوفاء، واتّعدوا شهر رمضان في ليلة تسع عشرة منه، ثمّ تفرّقوا على ذلك.

فأقبل ابن ملجم _ لعنه الله وكان عداده في كندة _ حتّى قدم الكوفة، فلقي بها أصحابه فكتمهم أمره مخافة أن ينتشر منه شيء، فهو في ذلك إذ زار رجلاً من أصحابه ذات يوم من تيم الرباب، فصادف عنده قطام بنت الأخضر التيمية، وكان أمير المؤمنين عليه السلام قتل أباها وأخاها بالنهروان، وكانت من أجمل نساء أهل زمانها، فلمّا رآها ابن ملجم شغف بها واشتدّ إعجابه بها، وسأل في نكاحها وخطبها.

فقالت له: ما الذي تسمّي لي من الصداق؟ فقال لها: احتكمي ما بدا لك، فقالت له: أنا محتكمة عليك ثلاثة آلاف درهم ووصيفاً وخادماً وقتل عليّ بن أبي طالب، فقال لها: لك جميع ما سألت، فأمّا قتل عليّ بن أبي طالب، فأنّى لي بذلك؟ فقالت: تلتمس غرّته، فإن أنت قتلته شفيت نفسي وهنّأك العيش معي، وإن أنت قتلت فما عند الله خير لك من الدنيا، فقال: أما والله، ما أقدمني هذا المصر _ وقد كنت هارباً منه لا آمن مع أهلي _ إلّا ما سألتني من قتل عليّ بن أبي طالب، فلك ما سألت.

قالت: فأنا طالبة لك بعض من يساعدك على ذلك ويقوّيك، ثمّ بعثت إلى وردان بن مجالد من تيم الرباب فخبّرته الخبر، وسألته معونة ابن ملجم _ لعنه الله _ فتحمّل ذلك لها، وخرج ابن ملجم فأتى رجلاً من أشجع _ يقال له شبيب بن بجرة _ فقال: يا شبيب، هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وما ذاك؟ قال: تساعدني على قتل عليّ بن أبي طالب، وكان شبيب على رأي الخوارج، فقال له: يا بن ملجم هبلتك الهبول، لقد جئت شيئاً إدّاً، وكيف تقدر على ذلك؟

فقال له ابن ملجم: نكمن له في المسجد الأعظم، فإذا خرج لصلاة الفجر فتكنا به، فإن نحن قتلناه شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا. فلم يزل به حتّى أجابه، فأقبل معه حتّى دخلا المسجد الأعظم على قطام، وهي معتكفة في المسجد الأعظم قد ضربت عليها قبّة، فقالا لها: قداجتمع رأينا على قتل هذا الرجل، فقالت لهما: إذا أردتما ذلك فأتياني في هذا الموضع، فانصرفا من عندها. فلبثا أيّاماً، ثمّ أتياها ومعهما الآخر ليلة الأربعاء لتسعة عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، فدعت لهم بحرير فعصبّت به صدورهم، وتقلّدوا أسيافهم، ومضوا وجلسوا مقابل السدّة التي كان يخرج منها أمير المؤمنين عليه السلام إلى الصلاة، وقد كانوا قبل ذلك ألقوا إلى الأشعث بن قيس ما في نفوسهم من العزيمة على قتل أمير المؤمنين عليه السلام، وواطأهم على ذلك وحضر الأشعث بن قيس في تلك الليلة لمعونتهم على ما اجتمعوا عليه.

وكان حجر بن عديّ في تلك الليلة بائتاً في المسجد، فسمع الاشعث يقول: يا بن ملجم، النجاء النجاء لحاجتك، فقد فضحك الصبح، فأحسّ حجر بما أراد الأشعث، فقال له: قتلته يا أعور، وخرج مبادراً ليمضي إلى أمير المؤمنين عليه السلام ليخبره الخبر ويحذّره من القوم، وخالفه أمير المؤمنين عليه السلام من الطريق فدخل المسجد، فسبقه ابن ملجم فضربه بالسيف، وأقبل حجر والناس يقولون: قتل أمير المؤمنين عليه السلام.

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٢
، ص٢٢٨-٢٣٠
الحديث: ٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٩٧

فأمّا صاحب معاوية فإنّه قصده، فلمّا وقعت عينه عليه ضربه، فوقعت ضربته على إليته، فجاء الطبيب إليه فنظر إلى الضربة، فقال: إنّ السيف مسموم، فاختر، إمّا أن أحمي لك حديدة فأجعلها في الضربة، وإمّا أن أسقيك دواء فتبرأ وينقطع نسلك، فقال: أمّا النار فلا أطيقها، وأمّا النسل ففي يزيد وعبد الله ما يقرّ عيني، وحسبي بهما، فسقاه الدواء فعوفي، ولم يولد له بعد ذلك، وقال البرك بن عبد الله: إنّ لك عندي بشارة، قال: وما هي؟

فأخبره خبر صاحبه وقال: إنّ عليّاً قتل في هذه الليلة، فاحتبسني عندك، فإن قتل فأنت وليّ ما تراه في أمري وإن لم يقتل أعطيتك العهود والمواثيق أن أمضي فأقتله، ثمّ أعود إليك فأضع يدي في يدك، حتّى تحكم فيّ بما ترى، فحبسه عنده، فلمّا أتى الخبر أنّ عليّاً عليه السلام قتل في تلك الليلة خلّى سبيله.

المصدر الأصلي: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدید
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٢
، ص٢٣٢-٢٣٣
الحديث: ١٠
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٩٨

روي أنّ صعصعة بن صوحان استأذن على علي عليه السلام وقد أتاه عائداً لمّا ضربه ابن ملجم، فلم يكن عليه إذن، فقال صعصعة للآذن: قل له: يرحمك الله يا أمير المؤمنين حيّاً وميّتاً، فلقد كان الله في صدرك عظيماً، ولقد كنت بذات الله عليماً، فأبلغه الآذن مقالته، فقال: قل له: وأنت يرحمك الله، فلقد كنت خفيف المؤونة، كثير المعونة. ثمّ جمع له أطبّاء الكوفة، فلم يكن منهم أعلم بجرحه من أثير بن عمرو بن هاني السلولي، وكان مطبّباً صاحب الكرسيّ يعالج الجراحات، وكان من الأربعين غلاماً الذين كان ابن الوليد أصابهم في عين التمر فسباهم.

فلمّا نظر أثير إلى جرح أمير المؤمنين عليه السلام دعا برية شاة حارّة، فاستخرج منها عرقاً وأدخله في الجرح ثمّ نفخه، ثمّ استخرجه وإذا عليه بياض الدماغ، فقال: يا أمير المؤمنين، اعهد عهدك، فإنّ عدوّ الله قد وصلت ضربته إلى أمّ رأسك.

المصدر الأصلي: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدید
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٢
، ص٢٣٤
الحديث: ١١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٩٩

لمّا قتل عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال ابن عبّاس: هذا اليوم نقص الفقه والعلم من أرض المدينة، ثمّ قال: إنّ نقصان الأرض نقصان علمائها وخيار أهلها، إنّ الله لا يقبض هذا العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، ولكنّه يقبض العلم بقبض العلماء، حتّى إذا لم يبق عالم اتّخذ الناس رؤساء جهّالاً، فيسألوا فيفتوا بغير علم، فيضلّوا وأضلّوا.

المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٢
، ص٢٣٧
الحديث: ١٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٣٠٠

دعا عليّ عليه السلام حسناً وحسيناً عليهما السلام، فقال: أوصيكما بتقوى الله ولا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تبكيا على شيء زوي عنكما، قولا بالحقّ، وارحما اليتيم، وأعينا الضائع، واصنعا للأخرى، وكونا للظالم خصماً وللمظلوم ناصراً، اعملا بما في الكتاب ولا تأخذكما في الله لومة لائم.

المصدر الأصلي: كشف الغمّة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٢
، ص٢٤٥
الحديث: ١٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٣٠١

لمّا احتضر أمير المؤمنين عليه السلام جمع بنيه حسناً وحسيناً عليهما السلام وابن الحنفية والأصاغر من ولده فوصّاهم، وكان في آخر وصيّته: يا بنيّ، عاشروا الناس عشرة إن غبتم حنّوا إليكم، وإن فقدتم بكوا عليكم.

يا بنيّ، إنّ القلوب جنود مجنّدة تتلاحظ بالمودّة وتتناجى بها، وكذلك هي في البغض، فإذا أحببتم الرجل من غير خير سبق منه إليكم فارجوه، وإذا أبغضتم الرجل من غير سوء سبق منه إليكم فاحذروه.

المصدر الأصلي: الأمالي للطوسي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٢
، ص٢٤٧-٢٤٨
الحديث: ١٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٣٠٢

قال عبد الرحمن بن الحجّاج: بعث إليّ الكاظم عليه السلام بوصيّة أمير المؤمنين عليه السلام: ثمّ إنّي أوصيك يا حسن، وجميع أهل بيتي وولدي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ربّكم، ﴿وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾، ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾، فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام، وإنّ المبيرة الحالقة للدين فساد ذات البين، ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم. انظروا ذوي أرحامكم، فصلوهم يهوّن الله عليكم الحساب.

الله الله في الأيتام، فلا تغيّروا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم، فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من عال يتيماً حتّى يستغني، أوجب الله عزّ وجلّ له بذلك الجنّة، كما أوجب الله لآكل مال اليتيم النار.

الله الله في القرآن، فلا يسبقكم إلی العمل به غيركم.

الله الله في جيرانكم، فإنّ النبيّ صلى الله عليه وآله أوصى بهم، وما زال رسول الله صلى الله عليه وآله يوصي بهم حتّى ظننّا أنّه سيورّثهم.

الله الله في بيت ربّكم، فلا يخلو منكم ما بقيتم، فإنّه إن ترك لم تناظروا، وأدنى ما يرجع به من أمّه أن يغفر له ما سلف.

الله الله في الصلاة، فإنّها خير العمل وإنّها عمود دينكم.

الله الله في الزكاة، فإنّها تطفئ غضب ربّكم.

الله الله في شهر رمضان، فإنّ صيامه جنّة من النار.

الله الله في الفقراء والمساكين، فشاركوهم في معایشكم.

الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم، فإنّما يجاهد رجلان: إمام هدىً، أو مطيع له مقتدٍ بهداه.

الله الله في ذرّيّة نبيّكم، فلا يظلمنّ بحضرتكم وبين ظهرانيكم، وأنتم تقدرون على الدفع عنهم.

الله الله في أصحاب نبيّكم الذين لم يحدثوا حدثاً ولم يؤووا محدثاً، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى بهم، ولعن المحدث منهم ومن غيرهم، والمؤوي للمحدث.

الله الله في النساء وفيما ملكت أيمانكم، فإنّ آخر ما تكلّم به نبيّكم صلى الله عليه وآله أن قال: أوصيكم بالضعيفين: النساء، وما ملكت أيمانكم.

الصلاة الصلاة الصلاة، لا تخافوا في الله لومة لائم، يكفكم الله من آذاكم ومن بغى عليكم، ﴿قُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً﴾، كما أمركم الله عزّ وجلّ، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّي الله أمركم شراركم، ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم عليهم.

وعليكم يا بنيّ بالتواصل والتباذل والتبارّ، وإيّاكم والتقاطع والتدابر والتفرّق، ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ﴾ ﴿وَاتَّقُواْ الله إِنَّ الله شَدِيدُ العِقَابِ﴾ حفظكم الله من أهل بيت، وحفظ فيكم نبيّكم. أستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله، ثمّ لم يزل يقول: لا إله إلّا الله، حتّى قُبض _ صلوات الله عليه ورحمته _.

المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٢
، ص٢٤٨-٢٥٠
إیضاح: قال الفیروزآبادي: «الحالقة»: الخصلة التي من شأنها أن تحلق أي تهلك وتستأصل الدين، كما يستأصل الموسى الشعر؛ وقال ابن أبي الحديد بعد إيراد تلك الوصیّة في شرح نهج البلاغة: قوله: «فلا تغيّروا أفواههم» يحتمل تفسيران:
أحدهما: لا تجيعوهم، فإنّ الجائع فمه تتغيّر نكهته.
والثاني: لا تحوجوهم إلى تكرار الطلب والسؤال، فإنّ السائل ينضب ريقه، وتنشف لهواته، وتتغيّر ريح فمه؛ قوله: «لم تناظروا»، أي لم تمهلوا، بل ينزل عليكم العذاب من غير مهلة. (ص٢٥١)
الحديث: ١٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٣٠٣

قال إسماعيل بن عبد الله الصلعي _ وكانت له صحبة _: لمّا كثر الاختلاف بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وقتل عثمان بن عفّان، تخوّفت على نفسي الفتنة، فاعتزمت على اعتزال الناس، فتنحّيت إلى ساحل البحر، فأقمت فيه حيناً لا أدري ما فيه الناس، معتزلاً لأهل الهجر والأرجاف، فخرجت من بيتي لبعض حوائجي وقد هدأ الليل ونام الناس، فإذا أنا برجل على ساحل البحر يناجي ربّه ويتضرّع إليه بصوت أشجّ وقلب حزين، فآنست إليه من حيث لا يراني، فسمعته يقول: يا حسن الصحبة، يا خليفة النبيّين، يا أرحم الراحمين، البديء البديع الذي ليس مثلك شيء، والدائم غير الغافل، والحيّ الذي لا يموت، أنت كلّ يوم في شأن، أنت خليفة محمّد صلى الله عليه وآله وناصر محمّد صلى الله عليه وآله ومفضّل محمّد صلى الله عليه وآله، أسألك أن تنصر وصيّ محمّد صلى الله عليه وآله، وخليفة محمّد صلى الله عليه وآله، والقائم بالقسط بعد محمّد صلى الله عليه وآله، اعطف عليه بنصر أو توفّه برحمة، ثمّ رفع رأسه وجلس بقدر التشهّد، ثمّ إنّه سلّم فيما أحسب تلقاء وجهه، ثمّ مضى فمشى على الماء، فناديته من خلفه: كلّمني _ يرحمك الله _ فلم يلتفت، وقال: الهادي خلفك، فاسأله عن أمر دينك، قلت: من هو
_ يرحمك الله _؟ قال: وصيّ محمّد صلى الله عليه وآله من بعده.

فخرجت متوجّهاً إلى الكوفة، فأمسيت دونها، فبتّ قريباً من الحيرة، فلمّا جنّ لي الليل إذ أنا برجل قد أقبل حتّى استتر برابية، ثمّ صفّ قدميه فأطال المناجاة، فكان فيما قال: اللّهمّ، إنّي سرت فيهم بما أمرني رسولك وصفيّك فظلموني، وقتلت المنافقين كما أمرتني فجهّلوني، وقد مللتهم وملّوني، وأبغضتهم وأبغضوني، ولم تبق خلّة أنتظرها إلّا المرادي. اللّهمّ، فعجّل له الشقاء وتغمّدني بالسعادة، اللّهمّ، قد وعدني نبيّك أن تتوفّاني إليك إذا سألتك، اللّهمّ، وقد رغبت إليك في ذلك، ثمّ مضى، فتبعته فدخل منزله، فإذا هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: فلم ألبث إذ نادى المنادي بالصلاة، فخرج وتبعته حتّى دخل المسجد، فعمّه ابن ملجم _ لعنه الله _ بالسيف.

المصدر الأصلي: تنبيه الخاطر
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٢
، ص٢٥٢-٢٥٣
تذنیب: سئل الشيخ المفيد رحمة الله عليه في المسائل العكبرية: الإمام عندنا مجمع على أنّه يعلم ما يكون، فما بال أمير المؤمنين عليه السلام خرج إلى المسجد وهو يعلم أنّه مقتول، وقد عرف قاتله والوقت والزمان؟ وما بال الحسين بن عليّ عليه السلام سار إلى الكوفة، وقد علم أنّهم يخذلونه ولا ينصرونه، وأنّه مقتول في سفرته تيك؟ ولم لمّا حصروا وعرف أنّ الماء قد مُنع منه وأنّه إن حفر أذرعاً قريبة نبع الماء ولم يحفر وأعان على نفسه حتّى تلف عطشاً؟ والحسن عليه السلام وادع معاوية وهادنه وهو يعلم أنّه ينكث ولا يفي ويقتل شيعة أبيه عليه السلام؟
فأجاب الشيخ رحمة الله عليه عنها بقوله: وأمّا الجواب عن قوله: إنّ الإمام يعلم ما يكون، فإجماعنا أنّ الأمر على خلاف ما قال، وما أجمعت الشيعة على هذا القول، وإنّما إجماعهم ثابت على أنّ الإمام يعلم الحكم في كلّ ما يكون، دون أن يكون عالماً بأعيان ما يحدث ويكون على التفصيل والتمييز، وهذا يسقط الأصل الذي بنى عليه الأسئلة بأجمعها، ولسنا نمنع أن يعلم الإمام أعيان ما يحدث ويكون بإعلام الله تعالی له ذلك، فأمّا القول بأنّه يعلم كلّ ما يكون، فلسنا نطلقه ولا نصوّب قائله، لدعواه فيه من غير حجّة ولا بيان.
والقول بأنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يعلم قاتله والوقت الذي كان یقتل فيه، فقد جاء الخبر متظاهراً أنّه كان يعلم في الجملة أنّه مقتول، وجاء أيضاً بأنّه يعلم قاتله على التفصيل، فأمّا علمه بوقت قتله، فلم يأت عليه أثر على التحصيل ولو جاء به أثر لم يلزم فيه ما يظنّه المعترضون، إذ كان لا يمتنع أن يتعبّده الله تعالی بالصبر على الشهادة والاستسلام للقتل ليبلّغه بذلك علوّ الدرجات ما لا يبلغه إلّا به، ولعلمه بأنّه يطيعه في ذلك طاعة لو كلّفها سواه لم يردّها، ولا يكون بذلك أمير المؤمنين عليه السلام ملقياً بيده إلى التهلكة، ولا معيناً على نفسه معونة تستقبح في العقول.
وأمّا علم الحسين عليه السلام بأنّ أهل الكوفة خاذلوه، فلسنا نقطع على ذلك، إذ لا حجّة عليه من عقل ولا سمع، ولو كان عالماً بذلك لكان الجواب عنه ما قدّمناه في الجواب عن علم أمير المؤمنين عليه السلام بوقت قتله ومعرفة قاتله كما ذكرناه.
وأمّا دعواه علينا أنّا نقول: إنّ الحسين عليه السلام كان عالماً بموضع الماء قادراً عليه، فلسنا نقول ذلك، ولا جاء به خبر، على أنّ طلب الماء والاجتهاد فيه يقضي بخلاف ذلك، ولو ثبت أنّه كان عالماً بموضع الماء يمتنع في العقول أن يكون متعبّداً بترك السعي في طلب الماء من حيث كان ممنوعاً منه حسب ما ذكرناه في أمير المؤمنين عليه السلام، غير أنّ ظاهر الحال بخلاف ذلك على ما قدّمناه.
والكلام في علم الحسن عليه السلام بعاقبة موادعته معاوية بخلاف ما تقدّم، وقد جاء الخبر بعلمه بذلك، وكان شاهد الحال له يقضي به، غير أنّه دفع به عن تعجيل قتله وتسليم أصحابه له إلى معاوية، وكان في ذلك لطف في بقائه إلى حال مضيّه، ولطف لبقاء كثير من شيعته وأهله وولده، ودفع فساد في الدين هو أعظم من الفساد الذي حصل عند هدنته، وكان عليه السلام أعلم بما صنع لما ذكرناه، وبيّنّا الوجوه فيه، انتهى كلامه رفع الله مقامه.
وسأل السيّد مهنّا بن سنان العلّامة الحلّي _ نوّر الله ضريحه _ عن مثل ذلك في أمير المؤمنين عليه السلام، فأجاب بأنّه يحتمل أن يكون عليه السلام أُخبر بوقوع القتل في تلك الليلة، ولم يعلم في أيّ وقت من تلك الليلة أو أيّ مكان يقتل، وأنّ تكليفه عليه السلام مغاير لتكليفنا، فجاز أن يكون بذل مهجته الشريفة في ذات الله تعالی، كما يجب على المجاهد الثبات، وإن كان ثباته يفضي إلى القتل. (ص٢٥٧-٢٥٩)
الحديث: ١٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٣٠٤

لمّا توفّي عثمان وبايع الناس أمير المؤمنين عليه السلام، كان رجل يقال له حبيب بن المنتجب والياً على بعض أطراف اليمن من قبل عثمان، فأقرّه عليّ عليه السلام على عمله، وكتب إليه كتاباً يقول فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب إلى حبيب بن المنتجب، سلام عليك، أمّا بعد، فإنّي أحمد الله الذي لا إله إلّا هو، وأصلّي على محمّد عبده ورسوله، وبعد، فإنّي ولّيتك ما كنت عليه لمن كان من قبل، فأمسك على عملك، وإنّي أوصيك بالعدل في رعيّتك، والإحسان إلى أهل مملكتك، واعلم أنّ من ولّي على رقاب عشرة من المسلمين ولم يعدل بينهم حشره الله يوم القيامة ويداه مغلولتان إلى عنقه، لا يفكّها إلّا عدله في دار الدنيا، فإذا ورد عليك كتابي هذا فاقرأه على من قبلك من أهل اليمن، وخذ لي البيعة على من حضرك من المسلمين.

فإذا بايع القوم مثل بيعة الرضوان فامكث في عملك، وأنفذ إليّ منهم عشرة يكونون من عقلائهم وفصحائهم وثقاتهم ممّن يكون أشدّهم عوناً من أهل الفهم والشجاعة عارفين بالله، عالمين بأديانهم، وما لهم وما عليهم، وأجودهم رأياً، وعليك و عليهم السلام. وطوى الكتاب وختمه وأرسله مع أعرابي، فلمّا وصل إليه قبّله ووضعه على عينيه ورأسه.

فلمّا قرأه صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على محمّد وآله، ثمّ قال: أيّها الناس، اعلموا أنّ عثمان قد قضى نحبه، وقد بايع الناس من بعده العبد الصالح، والإمام الناصح، أخا رسول الله صلى الله عليه وآله وخليفته، وهو أحقّ بالخلافة وهو أخو رسول الله صلى الله عليه وآله وابن عمّه، وكاشف الكرب عن وجهه، وزوج ابنته ووصيّه، وأبو سبطيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فما تقولون في بيعته والدخول في طاعته؟

فضجّ الناس بالبكاء والنحيب، وقالوا: سمعاً وطاعة وحبّاً وكرامة لله ولرسوله ولأخي رسوله، فأخذ له البيعة عليهم عامّة، فلمّا بايعوا قال لهم: أريد منكم عشرة من رؤسائكم وشجعانكم أنفذهم إليه كما أمرني به، فقالوا: سمعاً وطاعة، فاختار منهم مائة ثمّ من المائة سبعين، ثمّ من السبعين ثلاثين، ثمّ من الثلاثين عشرة فيهم: عبد الرحمن بن ملجم المرادي _ لعنه الله _ وخرجوا من ساعتهم، فلمّا أتوه سلّموا عليه وهنّؤوه بالخلافة، فردّ  عليهم السلام ورحّب بهم.

فتقدّم ابن ملجم وقام بين يديه وقال: السلام عليك أيّها الإمام العادل، والبدر التمام، والليث الهمام، والبطل الضرغام، والفارس القمقام، ومن فضّله الله على سائر الأنام، صلّى الله عليك وعلى آلك الكرام، أشهد أنّك أمير المؤمنين صدقاً وحقّاً، وأنّك وصيّ رسول الله صلى الله عليه وآله والخليفة من بعده، ووارث علمه، لعن الله من جحد حقّك ومقامك، أصبحت أميرها وعميدها، لقد اشتهر بين البريّة عدلك، وهطلت شآبيب ١ فضلك وسحائب رحمتك ورأفتك عليهم، ولقد أنهضنا الأمير إليك، فسررنا بالقدوم عليك، فبوركت بهذه الطلعة المرضيّة، وهنّئت بالخلافة في الرعيّة.

ففتح أمير المؤمنين عليه السلام عينيه في وجهه، ونظر إلى الوفد فقرّبهم وأدناهم فلمّا جلسوا دفعوا إليه الكتاب، ففضّه وقرأه وسرّ بما فيه، فأمر لكلّ واحد منهم بحلّة يمانية، ورداء عدنية، وفرس عربية، وأمر أن يفتقدوا ويكرموا، فلمّا نهضوا قام ابن ملجم ووقف بين يديه وأنشد:

أنت المهيمن والمهذّب ذو الندى
و ابن الضراغم في الطراز الأوّل

الله خصّك يا وصيّ محمّد
وحباك فضلاً في الكتاب المنزل

و حباك بالزهراء بنت محمّد
حورية بنت النبيّ المرسل‏

ثمّ قال: يا أمير المؤمنين، ارم بنا حيث شئت لترى منّا ما يسرّك، فوالله، ما فينا إلّا كلّ بطل أهيس ٢ ، وحازم أكيس، وشجاع أشوس ٣ ، ورثنا ذلك عن الآباء والأجداد، وكذلك نورّثه صالح الأولاد.

فاستحسن أمير المؤمنين عليه السلام كلامه من بين الوفد فقال عليه السلام له: ما اسمك يا غلام؟ قال: اسمي عبد الرحمن، قال عليه السلام: ابن من؟ قال: ابن ملجم المرادي، قال عليه السلام له: أ مرادي أنت؟ قال: نعم، يا أمير المؤمنين، فقال عليه السلام: ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم، وجعل أمير المؤمنين عليه السلام يكرّر النظر إليه، ويضرب إحدى يديه على الأخرى ويسترجع، ثمّ قال له: ويحك، أ مراديّ أنت؟ قال: نعم، فعندها تمثّل عليه السلام يقول:

أنا أنصحك منّي بالوداد
مكاشفة وأنت من الأعادي‏

أريد حياته ويريد قتلي
عذيرك من خليلك من مراد

… قالت أمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين عليه السلام: لمّا كانت ليلة تسع عشرة من شهر رمضان، قدّمت إليه عند إفطاره طبقاً فيه قرصان من خبز الشعير، وقصعة فيها لبن وملح جريش، فلمّا فرغ من صلاته أقبل على فطوره، فلمّا نظر إليه وتأمّله، حرّك رأسه وبكى بكاءً شديداً عالياً، وقال: يا بنيّة، ما ظننت أنّ بنتاً تسوء أباها كما قد أسأت أنت إليّ، قالت: وماذا يا أباه؟ قال عليه السلام: يا بنيّة، أ تقدّمين إلى أبيك إدامين في فرد طبق واحد؟ أ تريدين أن يطول وقوفي غداً بين يدي الله عزّ وجلّ يوم القيامة؟ أنا أريد أن أتبع أخي وابن عمّي رسول الله صلى الله عليه وآله، ما قدّم إليه إدامان في طبق واحد إلى أن قبضه الله.

يا بنيّة، ما من رجل طاب مطعمه ومشربه وملبسه إلّا طال وقوفه بين يدي الله عزّ وجلّ يوم القيامة.

يا بنيّة، إنّ الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب، وقد أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله أنّ جبرئيل عليه السلام نزل إليه ومعه مفاتيح كنوز الأرض وقال: يا محمّد، السلام يقرئك السلام، ويقول لك: إن شئت صيّرت معك جبال تهامة ذهباً وفضّة، وخذ هذه مفاتيح كنوز الأرض ولا ينقص ذلك من حظّك يوم القيامة، قال صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل، وما يكون بعد ذلك؟ قال: الموت، فقال: إذاً لا حاجة لي في الدنيا، دعني أجوع يوماً وأشبع يوماً، فاليوم الذي أجوع فيه أتضرّع إلى ربّي وأسأله، واليوم الذي أشبع فيه أشكر ربّي وأحمده، فقال له جبرئيل: وفّقت لكلّ خير يا محمّد.

ثمّ قال عليه السلام: يا بنيّة، الدنيا دار غرور ودار هوان، فمن قدّم شيئاً وجده. يا بنيّة، والله، لا آكل شيئاً حتّى ترفعين أحد الإدامين، فلمّا رفعته تقدّم إلى الطعام، فأكل قرصاً واحداً بالملح الجريش، ثمّ حمد الله وأثنى عليه، ثمّ قام إلى صلاته فصلّى، ولم يزل راكعاً وساجداً ومبتهلاً ومتضرّعاً إلى الله سبحانه، ويكثر الدخول والخروج وهو ينظر إلى السماء وهو قلق يتململ، ثمّ قرأ سورة يس حتّى ختمها.

ثمّ رقد هنيئةً وانتبه مرعوباً، وجعل يمسح وجهه بثوبه، ونهض قائماً على قدميه وهو يقول: اللّهمّ، بارك لنا في لقائك، ويكثر من قول: لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم، ثمّ صلّى حتّى ذهب بعض الليل، ثمّ جلس للتعقيب، ثمّ نامت عيناه وهو جالس، ثمّ انتبه من نومته مرعوباً.

قالت أمّ كلثوم: كأنّي به وقد جمع أولاده وأهله، وقال عليه السلام لهم: في هذا الشهر تفقدوني، إنّي رأيت في هذه الليلة رؤياً هالتني، وأريد أن أقصّها عليكم، قالوا: وما هي؟ قال عليه السلام: إنّي رأيت الساعة رسول الله صلى الله عليه وآله في منامي وهو يقول لي: يا أبا الحسن، إنّك قادم إلينا عن قريب، يجيء إليك أشقاها فيخضب شيبتك من دم رأسك، وأنا _ والله _ مشتاق إليك، وإنّك عندنا في العشر الآخر من شهر رمضان، فهلمّ إلينا، فما عندنا خير لك وأبقى.

فلمّا سمعوا كلامه ضجّوا بالبكاء والنحيب وأبدوا العويل، فأقسم عليهم بالسكوت، فسكتوا، ثمّ أقبل يوصيهم ويأمرهم بالخير وينهاهم عن الشرّ.

قالت أمّ كلثوم: ولم يزل تلك الليلة قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً، ثمّ يخرج ساعة بعد ساعة يقلّب طرفه في السماء وينظر في الكواكب وهو يقول: والله، ما كذبت ولا كذبت، وإنّها الليلة التي وعدت بها، ثمّ يعود إلى مصلّاه ويقول: اللّهمّ، بارك لي في الموت، ويكثر من قول: ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾، «ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم» ويصلّي على النبيّ وآله، ويستغفر الله كثيراً.

قالت أمّ كلثوم: فلمّا رأيته في تلك الليلة قلقاً متململاً، كثير الذكر والاستغفار، أرقت معه ليلتي وقلت: يا أبتاه، ما لي أراك هذه الليلة لا تذوق طعم الرقاد؟ قال عليه السلام: يا بنيّة، إنّ أباك قتل الأبطال وخاض الأهوال وما دخل الخوف له جوف، وما دخل في قلبي رعب أكثر ممّا دخل في هذه الليلة. ثمّ قال: ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾، فقلت: يا أباه، ما لك تنعي نفسك منذ الليلة؟ قال عليه السلام: يا بنيّة، قد قرب الأجل وانقطع الأمل. قالت أمّ كلثوم: فبكيت، فقال عليه السلام لي: يا بنيّة، لا تبكينّ، فإنّي لم أقل ذلك إلّا بما عهد إليّ النبيّ صلى الله عليه وآله.

ثمّ إنّه نعس وطوى ساعة، ثمّ استيقظ من نومه وقال: يا بنيّة، إذا قرب وقت الأذان فأعلميني، ثمّ رجع إلى ما كان عليه أوّل الليل من الصلاة والدعاء والتضرّع إلى الله سبحانه وتعالى.

قالت أمّ كلثوم: فجعلت أرقب وقت الأذان، فلمّا لاح الوقت أتيته ومعي إناء فيه ماء، ثمّ أيقظته، فأسبغ الوضوء وقام ولبس ثيابه وفتح بابه، ثمّ نزل إلى الدار، وكان في الدار إوزّ قد أهدي إلى أخي الحسين عليه السلام، فلمّا نزل خرجن وراءه ورفرفن وصحن في وجهه، وكان قبل تلك الليلة لم يصحن، فقال عليه السلام: لا إله إلّا الله، صوارخ تتبعها نوائح، وفي غداة غدٍ يظهر القضاء، فقلت له: يا أباه، هكذا تتطيّر؟ فقال عليه السلام: يا بنيّة، ما منّا أهل البيت من يتطیّر ولا یتطیّر به، ولكن قول جرى على لساني، ثمّ قال: يا بنيّة، بحقّي عليك إلّا ما أطلقتيه، فقد حبست ما ليس له لسان ولا يقدر على الكلام إذا جاع أو عطش، فأطعميه واسقيه، وإلّا خلّي سبيله يأكل من حشائش الأرض.

فلمّا وصل إلى الباب فعالجه ليفتحه، فتعلّق الباب بمئزره، فانحلّ مئزره حتّى سقط، فأخذه وشدّه وهو يقول:

اشدد حيازيمك للموت
فإنّ الموت لاقيكا

ولا تجزع من الموت
إذا حلّ بناديكا

و لا تغترّ بالدهر
وإن كان يؤاتيكا

كما أضحكك الدهر
كذاك الدهر يبكيكا

ثمّ قال: اللّهمّ بارك لنا في الموت، اللّهمّ بارك لي في لقائك.

قالت أمّ كلثوم: وكنت أمشي خلفه، فلمّا سمعته يقول ذلك، قلت: واغوثاه، يا أبتاه، أراك تنعي نفسك منذ الليلة، قال عليه السلام: يا بنيّة، ما هو بنعاء، ولكنّها دلالات وعلامات للموت تتبع بعضها بعضاً، فأمسكي عن الجواب، ثمّ فتح الباب وخرج.

قالت أمّ كلثوم: فجئت إلى أخي الحسن عليه السلام فقلت: يا أخي، قد كان من أمر أبيك الليلة كذا وكذا، وهو قد خرج في هذا الليل الغلس، فالحقه.

فقام الحسن بن عليّ عليه السلام وتبعه، فلحق به قبل أن يدخل الجامع، فقال: يا أباه، ما أخرجك في هذه الساعة وقد بقي من الليل ثلثه؟ فقال عليه السلام: يا حبيبي ويا قرّة عيني، خرجت لرؤياً رأيتها في هذه الليلة أهالتني وأزعجتني وأقلقتني، فقال له: خيراً رأيت وخيراً يكون، فقصّها عليّ، فقال عليه السلام: يا بنيّ، رأيت كأنّ جبرئيل عليه السلام قد نزل عن السماء على جبل أبي قبيس، فتناول منه حجرين ومضى بهما إلى الكعبة وتركهما على ظهرها، وضرب أحدهما على الآخر فصارت كالرميم، ثمّ ذرّهما في الريح، فما بقي بمكّة ولا بالمدينة بيت إلّا ودخله من ذلك الرماد، فقال له: يا أبت، وما تأويلها؟ فقال عليه السلام: يا بنيّ، إن صدقت رؤياي فإنّ أباك مقتول، ولا يبقى بمكّة حينئذٍ ولا بالمدينة بيت إلّا ويدخله من ذلك غمّ ومصيبة من أجلي.

فقال الحسن عليه السلام: وهل تدري متى يكون ذلك يا أبت؟ قال عليه السلام: يا بنيّ، إنّ الله يقول:
﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾، ولكن عهد إليّ حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه يكون في العشر الأواخر من شهر رمضان، يقتلني ابن ملجم المرادي، فقلت له: يا أبتاه، إذا علمت منه ذلك فاقتله، قال عليه السلام: يا بنيّ، لا يجوز القصاص إلّا بعد الجناية، والجناية لم تحصل منه، يا بنيّ، لو اجتمع الثقلان الإنس والجنّ على أن يدفعوا ذلك لما قدروا، يا بنيّ، ارجع إلى فراشك، فقال الحسن عليه السلام: يا أبتاه، أريد أمضي معك إلى موضع صلاتك، فقال له: أقسمت بحقّي عليك إلّا ما رجعت إلى فراشك، لئلّا يتنغّص عليك نومك، ولا تعصني في ذلك.

فرجع الحسن عليه السلام فوجد أخته أمّ كلثوم قائمة خلف الباب تنتظره، فدخل فأخبرها بذلك، وجلسا يتحادثان وهما محزونان، حتّى غلب عليهما النعاس فقاما ودخلا إلى فراشهما وناما.

وسار أمير المؤمنين عليه السلام حتّى دخل المسجد، والقناديل قد خمد ضوؤها، فصلّى في المسجد ورده وعقّب ساعة، ثمّ إنّه قام وصلّى ركعتين، ثمّ علا المأذنة ووضع سبّابتيه في أذنيه وتنحنح، ثمّ أذّن وكان عليه السلام إذا أذّن لم يبق في بلدة الكوفة بيت إلّا اخترقه صوته …

وكان من كرم أخلاقه عليه السلام أنّه يتفقّد النائمين في المسجد ويقول للنائم: الصلاة، يرحمك الله، الصلاة، قم إلى الصلاة المكتوبة عليك، ثمّ يتلو عليه السلام: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاء وَالمُنكَرِ﴾؛ ففعل ذلك كما كان يفعله على مجاري عادته مع النائمين في المسجد، حتّى إذا بلغ إلى الملعون فرآه نائماً على وجهه قال له: يا هذا، قم من نومك هذا، فإنّها نومة يمقتها الله وهي نومة الشيطان ونومة أهل النار، بل نم على يمينك، فإنّها نومة العلماء، أو على يسارك، فإنّها نومة الحكماء، ولا تنم على ظهرك، فإنّها نومة الأنبياء …

وكان ابن ملجم ضربه ضربة خائفاً مرعوباً، ثم ولّى هارباً وخرج من المسجد وأحاط الناس بأمير المؤمنين عليه السلام وهو في محرابه يشدّ الضربة ويأخذ التراب ويضعه عليها، ثمّ تلا قوله تعالی: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾، ثمّ قال عليه السلام: جاء أمر الله، وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله … .

فلمّا سمع الناس الضجّة ثار إليه من كان في المسجد، وصاروا يدورون ولا يدرون أين يذهبون؟ من شدّة الصدمة والدهشة، ثمّ أحاطوا بأمير المؤمنين عليه السلام وهو يشدّ رأسه بمئزره، والدم يجري على وجهه ولحيته، وقد خضبت بدمائه وهو يقول: هذا ما وعد الله ورسوله وصدق الله ورسوله، فاصطفقت أبواب الجامع، وضجّت الملائكة في السماء بالدعاء، وهبّت ريح عاصف سوداء مظلمة، ونادى جبرئيل عليه السلام بين السماء والأرض بصوت يسمعه كلّ مستيقظ:

تهدّمت _ والله _ أركان الهدى، وانطمست _ والله _ نجوم السماء وأعلام التقى.

وانفصمت _ والله _ العروة الوثقى، قتل ابن عمّ محمّد المصطفى.

قتل الوصيّ المجتبى، قتل عليّ المرتضى، قتل _ والله _ سيّد الأوصياء.

قتله أشقى الأشقياء.

فلمّا سمعت أمّ كلثوم نعي جبرئيل، فلطمت على وجهها وخدّها وشقّت جيبها وصاحت: وا أبتاه، وا عليّاه، وا محمّداه، وا سيّداه، ثمّ أقبلت إلى أخويها الحسن والحسين عليهما السلام فأيقظتهما وقالت لهما: لقد قتل أبوكما، فقاما يبكيان، فقال لها الحسن عليه السلام: يا أختاه، كفّي عن البكاء، حتّى نعرف صحّة الخبر كيلا تشمت الأعداء، فخرجا فإذا الناس ينوحون وينادون: وا إماماه، وا أمير المؤمنيناه، قتل _ والله _ إمام عابد مجاهد لم يسجد لصنم، كان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله.

فلمّا سمع الحسن والحسين عليهما السلام صرخات الناس نادياً: وا أبتاه، واعليّاه، ليت الموت أعدمنا الحياة، فلمّا وصلا الجامع ودخلا، وجدا أبا جعدة بن هبيرة ومعه جماعة من الناس، وهم يجتهدون أن يقيموا الإمام في المحراب ليصلّي بالناس، فلم يطق على النهوض، وتأخّر عن الصفّ، وتقدّم الحسن عليه السلام فصلّى بالناس وأمير المؤمنين عليه السلام يصلّي إيماء من جلوس، وهو يمسح الدم عن وجهه وكريمه الشريف، يميل تارة ويسكن أخرى، والحسن عليه السلام ينادي: وا انقطاع ظهراه، يعزّ _ والله _ عليّ أن أراك هكذا …

ثمّ إنّ الخبر شاع في جوانب الكوفة وانحشر الناس حتّى المخدّرات خرجن من خدرهنّ إلى الجامع، ينظرن إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فدخل الناس الجامع فوجدوا الحسن عليه السلام ورأس أبيه في حجره، وقد غسل الدم عنه، وشدّ الضربة وهي بعدها تشخب دماً، ووجهه قد زاد بياضاً بصفرة، وهو يرمق السماء بطرفه، ولسانه يسبّح الله ويوحّده، وهو يقول: أسألك يا ربّ الرفيع الأعلى.

فأخذ الحسن عليه السلام رأسه في حجره فوجده مغشيّاً عليه، فعندها بكى بكاء شديداً، وجعل يقبّل وجه أبيه وما بين عينيه وموضع سجوده، فسقط من دموعه قطرات على وجه أمير المؤمنين عليه السلام، ففتح عينيه فرآه باكياً، فقال له: يا بنيّ، يا حسن، ما هذا البكاء؟ يا بنيّ، لا روع على أبيك بعد اليوم، هذا جدّك محمّد المصطفى صلى الله عليه وآله، وخديجة عليها السلام، وفاطمة عليها السلام والحور العين، محدقون منتظرون قدوم أبيك، فطب نفساً وقرّ عيناً، واكفف عن البكاء، فإنّ الملائكة قد ارتفعت أصواتهم إلى السماء. يا بنيّ، أ تجزع على أبيك وغداً تقتل بعدي مسموماً مظلوماً؟ ويقتل أخوك بالسيف هكذا، وتلحقان بجدّكما وأبيكما وأمّكما …

ثمّ انكبّ الحسن عليه السلام على أبيه يقبّله وقال له: يا أباه، هذا عدوّ الله وعدوّك، قد أمكن الله منه، فلم يجبه وكان نائماً، فكره أن يوقظه من نومه، فرقد ساعة ثمّ فتح عينيه وهو يقول: ارفقوا بي يا ملائكة ربّي، فقال له الحسن عليه السلام: هذا عدوّ الله وعدوّك ابن ملجم، قد أمكن الله منه، وقد حضر بين يديك.

ففتح أمير المؤمنين عليه السلام عينيه، ونظر إليه وهو مكتوف وسيفه معلّق في عنقه، فقال له بضعف وانكسار صوت ورأفة ورحمة: يا هذا، لقد جئت عظيماً، وارتكبت أمراً عظيماً وخطباً جسيماً، أ بئس الإمام كنت لك حتّى جازيتني بهذا الجزاء؟ أ لم أكن شفيقاً عليك وآثرتك على غيرك، وأحسنت إليك، وزدت في إعطائك؟ أ لم يكن يقال لي فيك كذا وكذا فخلّيت لك السبيل، ومنحتك عطائي، وقد كنت أعلم أنّك قاتلي لا محالة؟ ولكن رجوت بذلك الاستظهار من الله تعالی عليك، يا لكع، وعلّ أن ترجع عن غيّك، فغلبت عليك الشقاوة، فقتلتني يا شقيّ الأشقياء.

فدمعت عينا ابن ملجم _ لعنه الله _ وقال: يا أمير المؤمنين ﴿أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي ٱلنَّارِ﴾؟ قال عليه السلام له: صدقت، ثمّ التفت عليه السلام إلى ولده الحسن عليه السلام وقال له: ارفق يا ولدي بأسيرك وارحمه، وأحسن إليه وأشفق عليه، أ لا ترى إلى عينيه قد طارتا في أمّ رأسه، وقلبه يرجف خوفاً ورعباً وفزعاً؟

فقال له الحسن عليه السلام: يا أباه، قد قتلك هذا اللعين الفاجر، وأفجعنا فيك وأنت تأمرنا بالرفق به؟ فقال عليه السلام له: نعم، يا بنيّ، نحن أهل بيت لا نزداد على المذنب إلينا إلّا كرماً وعفواً، والرحمة والشفقة من شيمتنا لا من شيمته، بحقّي عليك، فأطعمه _ يا بنيّ _ ممّا تأكله، واسقه ممّا تشرب، ولا تقيّد له قدماً، ولا تغلّ له يداً …

قال محمّد بن الحنفية: ثمّ إنّ أبي عليه السلام قال: احملوني إلى موضع مصلّاي في منزلي، فحملناه إليه وهو مدنف والناس حوله، وهم في أمر عظيم باكين محزونين، قد أشرفوا على الهلاك من شدّة البكاء والنحيب، ثمّ التفت إليه الحسن عليه السلام وهو يبكي، فقال عليه السلام له: يا أبتاه، من لنا بعدك؟ لا كيومك إلّا يوم رسول الله صلى الله عليه وآله، من أجلك تعلّمت البكاء، يعزّ _ والله _ عليّ أن أراك هكذا، فناداه.

فقال عليه السلام: يا حسين، يا أبا عبد الله، ادن منّي، فدنا منه وقد قرحت أجفان عينيه من البكاء، فمسح الدموع من عينيه ووضع يده على قلبه، وقال له: يا بنيّ، ربط الله قلبك بالصبر، وأجزل لك ولإخوتك عظيم الأجر، فسكّن روعتك واهدأ من بكائك، فإنّ الله قد آجرك على عظيم مصابك.

ثمّ أدخل عليه السلام إلى حجرته وجلس في محرابه، وأقبلت زينب وأمّ كلثوم حتّى جلستا معه على فراشه، وأقبلتا تندبانه وتقولان: يا أبتاه، من للصغير حتّى يكبر؟ ومن للكبير بين الملأ؟ يا أبتاه، حزننا عليك طويل، وعبرتنا لا ترقأ ٤ ، فضجّ الناس من وراء الحجرة بالبكاء والنحيب، وفاضت دموع أمير المؤمنين عليه السلام عند ذلك، وجعل يقلّب طرفه وينظر إلى أهل بيته وأولاده، ثمّ دعا الحسن والحسين عليهما السلام وجعل يحضنهما ويقبّلهما، ثمّ أغمي عليه ساعة طويلة وأفاق، وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله يغمى عليه ساعة طويلة ويفيق أخرى؛ لأنّه كان مسموماً.

فلمّا أفاق ناوله الحسن عليه السلام قعباً من لبن، فشرب منه قليلاً ثمّ نحّاه عن فيه وقال: احملوه إلى أسيركم، ثمّ قال للحسن عليه السلام: بحقّي عليك يا بنيّ، إلّا ما طيّبتم مطعمه ومشربه، وارفقوا به إلى حين موتي، وتطعمه ممّا تأكل، وتسقيه ممّا تشرب حتّى تكون أكرم منه، فعند ذلك حملوا إليه اللبن، وأخبروه بما قال أمير المؤمنين عليه السلام في حقّه، فأخذ اللعين وشربه.

ولمّا حمل أمير المؤمنين عليه السلام إلى منزله، جاؤوا باللعين مكتوفاً إلى بيت من بيوت القصر فحبسوه فيه، فقالت له أمّ كلثوم _ وهي تبكي _: يا ويلك، أمّا أبي فإنّه لا بأس عليه، وإنّ الله مخزيك في الدنيا والآخرة، وإنّ مصيرك إلى النار خالداً فيها، فقال لها ابن ملجم _ لعنه الله _: ابكي إن كنت باكية، فوالله، لقد اشتريت سيفي هذا بألف وسمّمته بألف، ولو كانت ضربتي هذه لجميع أهل الكوفة، ما نجا منهم أحد …

قال محمّد بن الحنفية _ رضی الله عنه _ : وبتنا ليلة عشرين من شهر رمضان مع أبي وقد نزل السمّ إلى قدميه، وكان يصلّي تلك الليلة من جلوس، ولم يزل يوصينا بوصاياه ويعزّينا عن نفسه، ويخبرنا بأمره وتبيانه إلى حين طلوع الفجر، فلمّا أصبح استأذن الناس عليه، فأذن لهم بالدخول، فدخلوا عليه وأقبلوا يسلّمون عليه، وهو يردّ  عليهم السلام، ثمّ قال: أيّها الناس، اسألوني قبل أن تفقدوني، وخفّفوا سؤالكم لمصيبة إمامكم، فبكى الناس عند ذلك بكاء شديداً، وأشفقوا أن يسألوه تخفيفاً عنه، فقام إليه حجر بن عديّ الطائي وقال:

فيا أسفي على المولى التقيّ
أبو الأطهار حيدرة الزكيّ

إلى آخر الأبيات.

فلمّا بصر به وسمع شعره قال له: كيف لي بك إذا دعيت إلى البراءة منّي، فما عساك أن تقول؟ فقال: والله، يا أمير المؤمنين، لو قطّعت بالسيف إرباً إرباً وأضرم لي النار وألقيت فيها لآثرت ذلك على البراءة منك، فقال عليه السلام: وفّقت لكلّ خير يا حجر، جزاك الله خيراً عن أهل بيت نبيّك، ثمّ قال: هل من شربة من لبن؟ فأتوه بلبن في قعب، فأخذه وشربه كلّه، فذكر الملعون ابن ملجم وأنّه لم يخلف له شيئاً، فقال عليه السلام: ﴿وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَرًا مَّقْدُورًا﴾، اعلموا أنّي شربت الجميع ولم أبق لأسيركم شيئاً من هذا، ألا وإنّه آخر رزقي من الدنيا، فبالله عليك يا بنيّ، إلّا ما أسقيته مثل ما شربت، فحمل إليه ذلك فشربه …

ثمّ تزايد ولوج السمّ في جسده الشريف، حتّى نظرنا إلى قدميه وقد احمرّتا جميعاً، فكبر ذلك علينا وأيسنا منه، ثمّ أصبح ثقيلاً، فدخل الناس عليه، فأمرهم ونهاهم وأوصاهم، ثمّ عرضنا عليه المأكول والمشروب، فأبى أن يشرب فنظرنا إلى شفتيه وهما يختلجان بذكر الله تعالی، وجعل جبينه يرشح عرقاً وهو يمسحه بيده، قلت: يا أبت، أراك تمسح جبينك؟ فقال عليه السلام: يا بنيّ، إنّي سمعت جدّك رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إنّ المؤمن إذا نزل به الموت ودنت وفاته، عرق جبينه وصار كاللؤلؤ الرطب، وسكن أنينه.

ثمّ قال عليه السلام: يا أبا عبد الله، ويا عون، ثمّ نادى أولاده كلّهم بأسمائهم صغيراً وكبيراً واحداً بعد واحد، وجعل يودّعهم ويقول: الله خليفتي عليكم، أستودعكم الله وهم يبكون.

فقال له الحسن عليه السلام: يا أبه، ما دعاك إلى هذا؟ فقال عليه السلام له: يا بنيّ، إنّي رأيت جدّك رسول الله صلى الله عليه وآله في منامي قبل هذه الكائنة بليلة، فشكوت إليه ما أنا فيه من التذلّل والأذى من هذه الأمّة، فقال صلى الله عليه وآله لي: ادع عليهم، فقلت: اللّهمّ أبدلهم بي شرّاً منّي، وأبدلني بهم خيراً منهم، فقال صلى الله عليه وآله لي: قد استجاب الله دعاك، سينقلك إلينا بعد ثلاث، وقد مضت الثلاث.

يا أبا محمّد، أوصيك _ ويا أبا عبد الله _ خيراً، فأنتما منّي وأنا منكما، ثمّ التفت إلى أولاده الذين من غير فاطمة عليها السلام، وأوصاهم أن لا يخالفوا أولاد فاطمة عليها السلام _ يعني الحسن والحسين عليهما السلام _ ثمّ قال: أحسن الله لكم العزاء، ألا وإنّي منصرف عنكم وراحل في ليلتي هذه، ولاحق بحبيبي محمّد صلى الله عليه وآله كما وعدني …

ثمّ قال عليّ عليه السلام: يا أبا محمد ويا أبا عبد الله، كأنّي بكما وقد خرجت عليكما من بعدي الفتن من ههنا، واصبرا ﴿حَتَّىٰ يَحكُمَ ٱللهُ وَهُوَ خَيرُ ٱلحاكِمِينَ﴾.

ثمّ قال: يا أبا عبد الله، أنت شهيد هذه الأمّة، فعليك بتقوى الله والصبر على بلائه، ثمّ أغمي عليه ساعة وأفاق، وقال: هذا رسول الله صلى الله عليه وآله، وعمّي حمزة، وأخي جعفر، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وكلّهم يقولون: عجّل قدومك علينا، فإنّا إليك مشتاقون، ثمّ أدار عينيه في أهل بيته كلّهم وقال: أستودعكم الله جميعاً، سدّدكم الله جميعاً، حفظكم الله جميعاً، الله خليفتي عليكم وكفى بالله خليفة، ثمّ قال: وعليكم السلام يا رسل ربّي، ثمّ قال:
﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ العَامِلُونَ﴾ ،﴿إِنَّ اللّهََ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾. وعرق جبينه وهو يذكر الله كثيراً، وما زال يذكر الله كثيراً ويتشهّد الشهادتين، ثمّ استقبل القبلة وغمّض عينيه ومدّ رجليه ويديه وقال: أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، ثمّ قضى نحبه، وكانت وفاته في ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان، وكانت ليلة الجمعة سنة أربعين من الهجرة.

فعند ذلك صرخت زينب بنت عليّ عليه السلام وأمّ كلثوم وجميع نسائه، وقد شقّوا الجيوب ولطموا الخدود، وارتفعت الصيحة في القصر، فعلم أهل الكوفة أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد قبض، فأقبل النساء والرجال يهرعون أفواجاً أفواجاً، وصاحوا صيحة عظيمة، فارتجّت الكوفة بأهلها وكثر البكاء والنحيب، وكثر الضجيج بالكوفة وقبائلها ودورها وجميع أقطارها، فكان ذلك كيوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، فلمّا أظلم الليل تغيّر أفق السماء، وارتجّت الأرض وجميع من عليها بكوه، وكنّا نسمع جلبة وتسبيحاً في الهواء، فعلمنا أنّها من أصوات الملائكة، فلم يزل كذلك إلى أن طلع الفجر …

لمّا ألحد أمير المؤمنين عليه السلام وقف صعصعة بن صوحان العبدي _ رضی الله عنه _  على القبر، ووضع إحدى يديه على فؤاده والأخرى قد أخذ بها التراب ويضرب به رأسه، ثمّ قال: بأبي أنت وأمّي يا أمير المؤمنين، ثمّ قال: هنيئاً لك يا أبا الحسن، فلقد طاب مولدك، وقوي صبرك، وعظم جهادك، وظفرت برأيك، وربحت تجارتك، وقدمت على خالقك، فتلقّاك الله ببشارته، وحفّتك ملائكته، واستقررت في جوار المصطفى، فأكرمك الله بجواره، ولحقت بدرجة أخيك المصطفى، وشربت بكأسه الأوفى، فاسأل الله أن يمنّ علينا باقتفائنا أثرك، والعمل بسيرتك، والموالاة لأوليائك، والمعاداة لأعدائك، وأن يحشرنا في زمرة أوليائك، فقد نلت ما لم ينله أحد، وأدركت ما لم يدركه أحد، وجاهدت في سبيل ربّك بين يدي أخيك المصطفى حقّ جهاده، وقمت بدين الله حقّ القيام، حتّى أقمت السنن، وأبرت الفتن، واستقام الإسلام، وانتظم الإيمان، فعليك منّي أفضل الصلاة والسلام، بك اشتدّ ظهر المؤمنين، واتّضحت أعلام السبل، وأقیمت السنن، وما جمع لأحد مناقبك وخصالك، سبقت إلى إجابة النبيّ صلى الله عليه وآله مقدّماً مؤثّراً، وسارعت إلى نصرته، ووقيته بنفسك، ورميت سيفك ذا الفقار في مواطن الخوف والحذر، قصم الله بك كلّ جبّار عنيد، ودلّ بك كلّ ذي بأس شديد، وهدم بك حصون أهل الشرك والكفر والعدوان والردى، وقتل بك أهل الضلال من العدى، فهنيئاً لك يا أمير المؤمنين، كنت أقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه وآله قرباً وأوّلهم سلماً، وأكثرهم علماً وفهماً.

فهنيئاً لك يا أبا الحسن، لقد شرّف الله مقامك وكنت أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله نسباً، وأوّلهم إسلاماً، وأوفاهم يقيناً، وأشدّهم قلباً وأبذلهم لنفسه مجاهداً، وأعظمهم في الخير نصيباً، فلا حرّمنا الله أجرك ولا أذلّنا بعدك، فوالله، لقد كانت حياتك مفاتح للخير ومغالق للشرّ، وإنّ يومك هذا مفتاح كلّ شرّ ومغلاق كلّ خير، ولو أنّ الناس قبلوا منك ﴿لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم﴾، ولكنّهم آثروا الدنيا على الآخرة. ثمّ بكى بكاء شديداً وأبكى كلّ من كان معه، وعدلوا إلى الحسن والحسين عليهما السلام ومحمّد وجعفر والعبّاس ويحيى وعون وعبد الله، فعزّوهم في أبيهم عليه السلام.

وانصرف الناس، ورجع أولاد أمير المؤمنين عليه السلام وشيعتهم إلى الكوفة، ولم يشعر بهم أحد من الناس، فلمّا طلع الصباح وبزغت الشمس أخرجوا تابوتاً من دار أمير المؤمنين عليه السلام، وأتوا به إلى المصلّى بظاهر الكوفة، ثمّ تقدّم الحسن عليه السلام وصلّى عليه، ورفعه على ناقة وسيّرها مع بعض العبيد … .٥

/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٢
، ص٢٥٩-٢٩٦
(١) «الشَّآبِيب»: جمع «شُؤْبُوب»، وهو الدفعة من المطر وغيره. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج٢، ص٤٣٦.
(٢) «الأهيس»: الشجاع. تاج العروس، ج٩، ص٤٧.
(٣) «الأَشْوَس»: الجرِيء على القتال الشديد. تاج العروس، ج٨، ص٣٣١.
(٤) «رَقَأَت الدمْعَة»: جَفَّتْ وانقَطعت. لسان العرب، ج١، ص٨٨.
(٥) روی المجلسي رحمة الله عليه هذه الروایة الطویلة عن بعض الكتب القدیمة التي رآها ولكنّه لم یذكر اسمها.