Search
Close this search box.
Layer 5
.
فهرس جواهر البحار
كتاب العقل والعلم والجهل
كتاب العدل والمعاد
كتاب النبوة
كتاب تاريخ نبينا (ص)
كتاب الإمامة
كتاب تاريخ أميرالمؤمنين (ع)
كتاب تاريخ فاطمة والحسنين (ع)
كتاب تاريخ السجاد والباقر والصادق والكاظم (ع)
كتاب تاريخ الرضا والجواد والهادي والعسكري (ع)
كتاب تاريخ الحجة (عج)
كتاب السماء والعالم
كتاب الإيمان والكفر
كتاب العشرة
كتاب الآداب والسنن
كتاب الروضة
كتاب الطهارة
كتاب الصلاة
كتاب القرآن
كتاب الأدعية والأذكار
كتاب الصوم
كتاب الحج والعمرة
كتاب المزار
كتاب العقود والإيقاعات

وهذه أحاديث جليلة جمعها العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار، وقد اقتبس الشيخ حبيب الكاظمي بعض هذه الأحاديث وحذف أسانيدها مع مراعاة التبويب، فكانت جواهر البحار الذي بين يديك.

الحديث: ١
/
ترتيب جواهر البحار: ٥١١٠

حجّ هشام بن عبد الملك سنة من السنين، وكان قد حجّ في تلك السنة محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام) وابنه جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام)، فقال الصادق (عليه السلام) في بعض كلامه: الحمد لله الذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً، وأكرمنا به، فنحن صفوة الله على خلقه، وخيرته من عباده، فالسعيد من اتّبعنا، والشقيّ من عادانا وخالفنا، ومن الناس من يقول: إنّه يتولّانا وهو يوالي أعداءنا، ومن يليهم من جلسائهم وأصحابهم أعداؤنا، فهو لم يسمع كلام ربّنا ولم يعمل به.

قال جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام): فأخبر مسيلمة بن عبد الملك أخاه بما سمع فلم يعرض لنا حتّى انصرف إلى دمشق وانصرفنا إلى المدينة، فأنفذ بريداً إلى عامل المدينة بإشخاص أبي وإشخاصي معه، فأشخصنا، فلمّا وردنا دمشق حجبنا ثلاثة أيّام، ثمّ أذن لنا في اليوم الرابع، فدخلنا وإذا هو قد قعد على سرير الملك، وجنده وخاصّته وقوف على أرجلهم سماطين متسلّحين، وقد نصب البرجاس ١ حذاه وأشياخ قومه يرمون.

فلمّا دخلنا وأبي أمامي يقدمني عليه بدأه _ وأنا خلفه على يد أبي _ حتّى حاذيناه، فنادى أبي: يا محمّد، ارم مع أشياخ قومك الغرض، وإنّما أراد أن يهتك بأبي وظنّ أنّه يقصّر ويخطئ، ولا يصيب إذا رمى، فيشتفي منه بذلك، فقال له أبي: قد كبرت عن الرمي فإن رأيت أن تعفيني، فقال: وحقّ من أعزّنا بدينه ونبيّه محمّد (صلى الله عليه وآله)، لا أعفيك.

ثمّ أومى إلى شيخ من بني أميّة أن أعطه قوسك، فتناول أبي عند ذلك قوس الشيخ، ثمّ تناول منه سهماً فوضعه في كبد القوس، ثمّ انتزع ورمى وسط الغرض فنصبه فيه، ثمّ رمى فيه الثانية فشقّ فواق سهمه الى نصله، ثمّ تابع الرمي حتّى شقّ تسعة أسهم بعضها في جوف بعض، وهشام يضطرب في مجلسه، فلم يتمالك أن قال: أجدت يا أبا جعفر، وأنت أرمى العرب والعجم، كلّا، زعمت أنّك قد كبرت عن الرمي؟ ثمّ أدركته ندامة على ما قال، وكان هشام لم يكنّ أحداً قبل أبي ولا بعده في خلافته، فهمّ به وأطرق إطراقة يرتوي فيه رأياً، وأبي واقف بحذاه مواجهاً له، وأنا وراء أبي.

فلمّا طال وقوفنا بين يديه غضب أبي فهمّ به، وكان أبي (عليه السلام)، إذا غضب نظر الى السماء نظر غضبان، يتبيّن للناظر الغضب في وجهه، فلمّا نظر هشام إلى ذلك من أبي قال له: يا محمّد، اصعد، فصعد أبي الى سريره وأنا أتّبعه.

فلمّا دنى من هشام قام إليه فاعتنقه وأقعده عن يمينه، ثمّ اعتنقني وأقعدني عن يمين أبي، ثمّ أقبل على أبي بوجهه، فقال له: يا محمّد، لا تزال العرب والعجم تسودها قريش ما دام فيهم مثلك، لله درّك، من علّمك هذا الرمي، وفي كم تعلّمته؟ فقال له أبي (عليه السلام): قد علمت أنّ أهل المدينة يتعاطونه فتعاطيته أيّام حداثتي ثمّ تركته، فلمّا أراد أمير المؤمنين منّي ذلك عدت فيه.

فقال له: ما رأيت مثل هذا الرمي قطّ مذ عقلت، وما ظننت أنّ في الأرض أحداً يرمى مثل هذا الرمي، أين رمي جعفر من رميك؟ فقال (عليه السلام): إنّا نحن نتوارث الكمال والتمام والدين، إذ أنزل الله على نبيّه في قوله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَ رَضيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ ديناً﴾، والأرض لا تخلو ممّن يكمل هذه الأمور التي يقصر عنها غيرنا.

قال (عليه السلام): فلمّا سمع ذلك من أبي انقلبت عينه اليمنى فأحولت واحمرّ وجهه، وكان ذلك علامة غضبه إذا غضب، ثمّ أطرق هنيئة ثمّ رفع رأسه فقال لأبي (عليه السلام): أ لسنا بني عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد؟ فقال أبي (عليه السلام): نحن كذلك، ولكنّ الله جلّ ثناؤه اختصّنا من مكنون سرّه وخالص علمه بما لم يخصّ به أحداً غيرنا، فقال: أ ليس الله جلّ ثناؤه بعث محمّداً (صلى الله عليه وآله) من شجرة عبد مناف إلى الناس كافّة أبيضها وأسودها وأحمرها؟ من أين ورثتم ما ليس لغيركم، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) مبعوث إلى الناس كافّة، وذلك قول الله تبارك وتعالى:
﴿وَ ما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَ الْأَرْضِ﴾ إلى آخر الآية، فمن أين ورثتم هذا العلم؟ … وليس بعد محمّد (صلى الله عليه وآله) نبيّ ولا أنتم أنبياء؟ … فقال (عليه السلام): من قوله تعالی لنبيّه: ﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِه﴾ فالذي أبداه فهو للناس كافّة، والذي لم يحرّك به لسانه أمر الله أن يخصّنا به من دون غيرنا، فلذلك كان يناجي أخاه عليّاً من دون أصحابه، وأنزل الله بذلك قرآناً في قوله: ﴿وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ﴾، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: سألت الله أن يجعلها أذنك يا عليّ، فلذلك قال عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بالكوفة: علّمني رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألف باب من العلم يفتح كلّ باب ألف باب، خصّه به رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مكنون سرّه، فكما خصّ الله أكرم الخلق عليه، كذلك خصّ نبيّه أخاه عليّاً من مكنون سرّه وعلمه بما لم يخصّ به أحداً من قومه حتّى صار إلينا، فتوارثنا من دون أهلها.

فقال هشام بن عبد الملك: إنّ عليّاً كان يدّعي علم الغيب، والله لم یطلع على غيبه أحداً، فمن أين ادّعى ذلك؟ فقال أبي (عليه السلام): إنّ الله جلّ ذكره أنزل على نبيّه كتاباً بيّن فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة في قوله: ﴿وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾، ﴿وَ هُدىً وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقينَ﴾ وفي قوله: ﴿كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ في إِمامٍ مُبينٍ﴾ وفي قوله: ﴿وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً﴾ وفي قوله: ﴿بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ﴾، وأوحى الله إلى نبيّه أن لا يبقى في غيبه وسرّه ومكنون علمه شيء إلّا يناجي به عليّاً، فأمره أن يؤلّف القرآن من بعده، ويتولّى غسله وتكفينه وتحنيطه من دون قومه …

فركبنا دوابّنا منصرفين، وقد سبقنا بريد من عند هشام إلى عامل مدين على طريقنا إلى المدينة، أنّ ابني أبي تراب الساحرين محمّد بن عليّ وجعفر بن محمّد الكذّابين _ بل هو الكذّاب لعنه الله _ فيما يظهران من الإسلام وردا عليّ، فلمّا صرفتهما إلى المدينة، مالا الى القسّيسين والرهبان من كفّار النصارى وتقرّبا إليهم بالنصرانية، فكرهت أن أنكل بهما لقرابتهما، فإذا قرأت كتابي هذا فناد في الناس: برئت الذمة ممّن يشاريهم أو يبايعهم أو يصافحهم أو يسلّم عليهم، فإنّهما قد ارتدّا عن الإسلام، ورأى أمير المؤمنين أن يقتلهما ودوابّهما وغلمانهما ومن معهما أشرّ قتلة.

قال: فورد البريد إلى مدينة مدين، فلمّا شارفنا مدينة مدين، قدّم أبي غلمانه ليرتادوا له منزلاً، ويشتروا لدوابّنا علفاً، ولنا طعاماً، فلمّا قرب غلماننا من باب المدينة أغلقوا الباب في وجوهنا، وشتمونا وذكروا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وقالوا: لا نزول لكم عندنا، ولا شرى ولا بيع، يا كفّار، يا مشركين، يا مرتدّين، يا كذّابين، يا شرّ الخلائق أجمعين، فوقف غلماننا على الباب حتّى انتهينا إليهم فكلّمهم أبي (عليه السلام)، وليّن لهم القول، وقال لهم: اتّقوا الله ولا تغلطون، فلسنا كما بلغكم، ولا نحن كما تقولون، فاسمعونا.

فقال أبي (عليه السلام): فهبنا كما تقولون، افتحوا لنا الباب، وشارونا وبايعونا كما تشارون وتبايعون اليهود والنصارى والمجوس، فقالوا: أنتم أشرّ من اليهود والنصارى والمجوس، لأنّ هؤلاء يؤدّون الجزية، وأنتم ما تؤدّون، فقال لهم أبي (عليه السلام): افتحوا لنا الباب وأنزلونا، وخذوا منّا الجزية كما تأخذون منهم، فقالوا: لا نفتح، ولا كرامة لكم حتّى تموتوا على ظهور دوابّكم جياعاً مياعاً، وتموت دوابّكم تحتكم.

فوعظهم أبي (عليه السلام) فازدادوا عتوّاً ونشوزاً قال: فثنّى أبي برجله عن سرجه وقال لي: مكانك يا جعفر، لا تبرح، ثمّ صعد الجبل المطلّ على مدينة مدين، وأهل مدين ينظرون إليه ما يصنع؟ فلمّا صار في أعلاه استقبل بوجهه المدينة وحده، ثمّ وضع إصبعيه في أذنيه، ثمّ نادى بأعلى صوته: ﴿وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗا﴾ إلى قوله ﴿بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾، نحن _ والله _ بقيّة الله في أرضه، فأمر الله ريحاً سوداء مظلمة فهبّت واحتملت صوت أبي (عليه السلام)، فطرحته في أسماع الرجال والنساء والصبيان، فما بقي أحد من الرجال والنساء والصبيان إلّا صعد السطوح وأبي مشرف عليهم، وصعد فيمن صعد شيخ من أهل مدين كبير السن، فنظر إلى أبي (عليه السلام) على الجبل، فنادى بأعلى صوته: اتّقوا الله يا أهل مدين، فإنّه قد وقف الموقف الذي وقف فيه شعيب (عليه السلام) حين دعا على قومه، فإن أنتم لم تفتحوا الباب ولم تنزلوه، جاءكم من العذاب وأتى عليكم، وقد أعذر من أنذر.

ففزعوا وفتحوا الباب وأنزلونا، وكتب العامل بجميع ذلك إلى هشام، فارتحلنا في اليوم الثاني، فكتب هشام إلى عامل مدين يأمره بأن يأخذ الشيخ فيطمّوه ٢ ، فأخذوه فطمّوه _ رحمة الله عليه وصلواته _ وكتب إلى عامل مدينة الرسول أن يحتال في سمّ أبي في طعام أو شراب، فمضى هشام ولم يتهيّأ له في أبي شيء من ذلك.

المصدر الأصلي: دلائل الإمامة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٦٩
، ص١٨١-١٨٩
(١) «البُرْجَاس»: غرض في الهواء على رأس رمح ونحوه، يرمى به. تاج العروس، ج٨، ص٢۰١.
(٢) «طَمَّ الشيءَ»: غَمَره. لسان العرب، ج١٢، ص٣٧۰.