Search
Close this search box.
Layer 5
.
فهرس جواهر البحار
كتاب العقل والعلم والجهل
كتاب العدل والمعاد
كتاب النبوة
كتاب تاريخ نبينا (ص)
كتاب الإمامة
كتاب تاريخ أميرالمؤمنين (ع)
كتاب تاريخ فاطمة والحسنين (ع)
كتاب تاريخ السجاد والباقر والصادق والكاظم (ع)
كتاب تاريخ الرضا والجواد والهادي والعسكري (ع)
كتاب تاريخ الحجة (عج)
كتاب السماء والعالم
كتاب الإيمان والكفر
كتاب العشرة
كتاب الآداب والسنن
كتاب الروضة
كتاب الطهارة
كتاب الصلاة
كتاب القرآن
كتاب الأدعية والأذكار
كتاب الصوم
كتاب الحج والعمرة
كتاب المزار
كتاب العقود والإيقاعات
الحديث: ١
/
ترتيب جواهر البحار: ٣٢٨٦

لمّا أراد المأمون أن يزوّج ابنته أمّ الفضل أبا جعفر محمّد بن عليّ (عليه السلام) بلغ ذلك العبّاسيين فغلظ عليهم، واستنكروه منه، وخافوا أن ينتهي الأمر معه إلى ما انتهى مع الرضا (عليه السلام) فخاضوا في ذلك واجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه، فقالوا: ننشدك الله يا أمير المؤمنين، أن تقيم على هذا الأمر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا (عليه السلام) فإنّا نخاف أن يخرج به عنّا أمر قد ملّكناه الله عزّ وجلّ، وينزع منّا عزّاً قد ألبسناه الله، وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديماً وحديثاً، وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك، من تبعيدهم والتصغير بهم، وقد كنّا في وهلة من عملك مع الرضا (عليه السلام) ما عملت فكفانا الله المهمّ من ذلك، فالله الله، أن تردّنا إلى غمّ قد انحسر عنّا، واصرف رأيك عن ابن الرضا (عليه السلام) واعدل إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره.

فقال لهم المأمون: أمّا ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه، ولو أنصفتم القوم لكانوا أولى بكم، وأمّا ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان قاطعاً للرحم، وأعوذ بالله من ذلك، والله، ما ندمت على ما كان منّي من استخلاف الرضا (عليه السلام) ولقد سألته أن يقوم بالأمر وأنزعه من نفسي فأبى، ﴿وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قَدَراً مَّقۡدُوراً﴾.

وأمّا أبو جعفر محمّد بن علي الجواد (عليه السلام) فقد اخترته لتبريزه على كافّة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنّه، والأعجوبة فيه بذلك، وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلمون أنّ الرأي ما رأيت فيه فقالوا له: إنّ هذا الفتى وإن راقك منه هديه، فإنّه صبيّ لا معرفة له ولا فقه، فأمهله ليتأدّب ثمّ اصنع ما تراه بعد ذلك، فقال لهم: ويحكم، إنّي أعرف بهذا الفتى منكم، وإنّ أهل هذا البيت علمهم من الله تعالی وموادّه وإلهامه، لم تزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حدّ الكمال، فإن شئتم فامتحنوا الجواد (عليه السلام) بما يتبيّن لكم به ما وصفت لكم من حاله.

قالوا: قد رضينا لك _ يا أمير المؤمنين _ ولأنفسنا بامتحانه، فخلّ بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشريعة، فإن أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره، وظهر للخاصّة والعامّة سديد رأي أمير المؤمنين فيه، وإن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه، فقال لهم المأمون: شأنكم وذلك متى أردتم. فخرجوا من عنده واجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم _ وهو يومئذٍ قاضي الزمان _ على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك، وعادوا إلى المأمون وسألوه أن يختار لهم يوماً للاجتماع، فأجابهم إلى ذلك.

فاجتمعوا في اليوم الذي اتّفقوا عليه، وحضر معهم يحيى بن أكثم، وأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر دست ١ ، ويجعل له فيه مسورتان، ففعل ذلك وخرج الجواد (عليه السلام) _ وهو يومئذٍ ابن تسع سنين وأشهر _ فجلس بين المسورتين وجلس يحيى بن أكثم بين يديه، وقام الناس في مراتبهم، والمأمون جالس في دست متّصل بدست الجواد (عليه السلام).

فقال يحيى بن أكثم للمأمون: يأذن لي أمير المؤمنين أن أسأل الجواد (عليه السلام) عن مسألة؟ فقال له المأمون: استأذنه في ذلك.

فأقبل عليه يحيى بن أكثم، فقال: أ تأذن لي _ جعلت فداك _ في مسألة؟ فقال الجواد (عليه السلام): سل إن شئت، قال يحيى: ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيداً؟ فقال الجواد (عليه السلام): قتله في حلّ أو حرم، عالماً كان المحرم أو جاهلاً، قتله عمداً أو خطأ، حرّاً كان المحرم أو عبداً، صغيراً كان أو كبيراً، مبتدئاً بالقتل أو معيداً، من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها، من صغار الصيد أم من كبارها، مصرّاً على ما فعل أو نادماً، في الليل كان قتله للصيد أم في النهار، محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحجّ كان محرماً؟

قال الجواد (عليه السلام) ليحيى بن اكثم: أخبرني عن رجل نظر إلى امرأة في أوّل النهار، فكان نظره إليها حراماً عليه، فلمّا ارتفع النهار حلّت له، فلمّا زالت الشمس حرمت عليه، فلمّا كان وقت العصر حلّت له، فلمّا غربت الشمس حرمت عليه، فلمّا دخل وقت العشاء الآخرة حلّت له، فلمّا كان وقت انتصاف الليل حرمت عليه، فلمّا طلع الفجر حلّت له، ما حال هذه المرأة، وبماذا حلّت له وحرمت عليه؟ فقال له يحيى بن أكثم: لا والله، لا أهتدي إلى جواب هذا السؤال، ولا أعرف الوجه فيه، فإن رأيت أن تفيدناه.

فقال الجواد (عليه السلام): هذه أمة لرجل من الناس، نظر إليها أجنبيّ في أوّل النهار، فكان نظره إليها حراماً عليه، فلمّا ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلّت له، فلمّا كان عند الظهر أعتقها فحرمت عليه، فلمّا كان وقت العصر تزوّجها فحلّت له، فلمّا كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه، فلمّا كان وقت العشاء الآخرة كفّر عن الظهار فحلّت له، فلمّا كان نصف الليل طلّقها واحدة، فحرمت عليه، فلمّا كان عند الفجر راجعها فحلّت له.

المصدر الأصلي: الاحتجاج
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٥٠
، ص٧٤-٧٨
(١) «الدَسْت»: الوسادة. منهاج البراعة، ج١٦، ص١٥٥.
الحديث: ٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٣٢٨٧

روي أنّ المأمون بعد ما زوّج ابنته أمّ الفضل الجواد (عليه السلام) كان في مجلس وعنده الجواد (عليه السلام) ويحيى بن أكثم وجماعة كثيرة، فقال له يحيى بن أكثم: ما تقول يا بن رسول الله، في الخبر الذي روي «أنّه نزل جبرئيل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: يا محمّد، إنّ الله عزّ وجلّ يقرئك السلام ويقول لك: سل أبا بكر، هل هو عنّي راضٍ، فإنّي عنه راضٍ»؟

فقال الجواد (عليه السلام): لست بمنكر فضل أبي بكر، ولكن يجب على صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجّة الوداع: «قد كثرت عليّ الكذابة وستكثر، فمن كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار، فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله وسنّتي، فما وافق كتاب الله وسنّتي فخذوا به، وما خالف كتاب الله وسنّتي فلا تأخذوا به» وليس يوافق هذا الخبر كتاب الله، قال الله تعالی: ﴿وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ وَنَعۡلَمُ مَا تُوَسۡوِسُ بِهِ نَفۡسُهُ وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ﴾، فالله عزّ وجلّ خفي عليه رضا أبي بكر من سخطه حتّى سأل من مكنون سرّه؟ هذا مستحيل في العقول.

ثمّ قال يحيى بن أكثم: وقد روي أنّ «مثل أبي بكر وعمر في الأرض، كمثل جبرئيل وميكائيل في السماء»؟ فقال: وهذا أيضاً يجب أن ينظر فيه، لأنّ جبرئيل وميكائيل ملكان مقرّبان لم يعصيا الله قطّ، ولم يفارقا طاعته لحظة واحدة، وهما قد أشركا بالله عزّ وجلّ وإن أسلما بعد الشرك، وكان أكثر أيّامهما في الشرك بالله، فمحال أن يشبّههما بهما.

قال يحيى: وقد روي أيضاً «أنّهما سيّدا كهول أهل الجنّة»، فما تقول فيه؟ فقال (عليه السلام): وهذا الخبر محال أيضاً؛ لأنّ أهل الجنّة كلّهم يكونون شباباً، ولا يكون فيهم كهل، وهذا الخبر وضعه بنو أميّة لمضادّة الخبر الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحسن والحسين (عليهما السلام)بأنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة.

فقال يحيى بن أكثم: وروي «أنّ عمر بن الخطّاب سراج أهل الجنّة»؟ فقال (عليه السلام): وهذا أيضاً محال؛ لأنّ في الجنّة ملائكة الله المقرّبين، وآدم ومحمّد وجميع الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) لا تضيء بأنوارهم حتّى تضيء بنور عمر.

فقال يحيى: وقد روي «أنّ السكينة تنطق على لسان عمر»؟ فقال (عليه السلام): لست بمنكر فضائل عمر، ولكنّ أبا بكر أفضل من عمر، فقال على رأس المنبر: إنّ لي شيطاناً يعتريني، فإذا ملت فسدّدوني.

فقال يحيى: قد روي «أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لو لم أبعث لبعث عمر»؟ فقال (عليه السلام): كتاب الله أصدق من هذا الحديث، يقول الله في كتابه: ﴿وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ مِيثَٰقَهُمۡ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ﴾، فقد أخذ الله ميثاق النبيّين، فكيف يمكن أن يبدّل ميثاقه؟ وكان الأنبياء (عليه السلام) لم يشركوا طرفة عين، فكيف يبعث بالنبوّة من أشرك وكان أكثر أيّامه مع الشرك بالله؟ وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): نبّئت وآدم بين الروح والجسد.

فقال يحيى بن أكثم: وقد روي «أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ما احتبس الوحي عنّي قطّ، إلّا ظننته قد نزل على آل الخطّاب»؟ فقال (عليه السلام): وهذا محال أيضاً لأنّه لا يجوز أن يشكّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في نبوّته، قال الله تعالی: ﴿اللَّهُ يَصطَفي مِنَ المَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النّاسِ﴾، فكيف يمكن أن تنتقل النبوّة ممّن اصطفاه الله تعالی إلى من أشرك به؟

قال يحيى بن أكثم: روي «أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لو نزل العذاب لما نجا منه إلّا عمر»، فقال (عليه السلام): وهذا محال أيضاً، إنّ الله تعالی يقول: ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ﴾ فأخبر سبحانه أن لا يعذّب أحداً مادام فيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما داموا يستغفرون الله تعالی.

المصدر الأصلي: الاحتجاج
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٥٠
، ص٨٠-٨٣