Search
Close this search box.
Layer 5
.
فهرس جواهر البحار
كتاب العقل والعلم والجهل
كتاب العدل والمعاد
كتاب النبوة
كتاب تاريخ نبينا (ص)
كتاب الإمامة
كتاب تاريخ أميرالمؤمنين (ع)
كتاب تاريخ فاطمة والحسنين (ع)
كتاب تاريخ السجاد والباقر والصادق والكاظم (ع)
كتاب تاريخ الرضا والجواد والهادي والعسكري (ع)
كتاب تاريخ الحجة (عج)
كتاب السماء والعالم
كتاب الإيمان والكفر
كتاب العشرة
كتاب الآداب والسنن
كتاب الروضة
كتاب الطهارة
كتاب الصلاة
كتاب القرآن
كتاب الأدعية والأذكار
كتاب الصوم
كتاب الحج والعمرة
كتاب المزار
كتاب العقود والإيقاعات

أحاديث في صلح الإمام الحسن (ع) مع معاوية، وفي كيفية هذا الصلح، وفي أن معاوية كان بصدد إبادة الشيعة، وفي إخبار أمير المؤمنين (ع) بظهور المهدي في آخر الزمان، وهذه أحاديث جليلة جمعها العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار، وقد اقتبس الشيخ حبيب الكاظمي بعض هذه الأحاديث وحذف أسانيدها مع مراعاة التبويب، فكانت جواهر البحار الذي بين يديك.

الحديث: ١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٤٧٨

دسّ معاوية إلى عمرو بن حريث والأشعث بن قيس، وإلى حجر بن الحارث وشبث بن ربعي دسيساً أفرد كلّ واحد منهم بعين من عيونه: أنّك إن قتلت الحسن بن عليّ (عليه السلام)، فلك مائتا ألف درهم وجند من أجناد الشام وبنت من بناتي. فبلغ الحسن (عليه السلام) فاستلأم ١ ولبس درعاً وكفرها، وكان يحترز ولا يتقدّم للصلاة بهم إلّا كذلك، فرماه أحدهم في الصلاة بسهم فلم يثبت فيه لما عليه من اللامّة، فلمّا صار في مظلم ساباط، ضربه أحدهم بخنجر مسموم فعمل فيه الخنجر، فأمر أن یعدل به إلى بطن جريحى، وعليها عمّ المختار بن أبي عبيد بن مسعود بن قيلة، فقال المختار لعمّه: تعال، حتّى نأخذ الحسن (عليه السلام) ونسلّمه إلى معاوية فيجعل لنا العراق، فنذر بذلك الشيعة من قول المختار لعمّه، فهمّوا بقتل المختار، فتلطّف عمّه لمسألة الشيعة بالعفو عن المختار، ففعلوا.

فقال الحسن (عليه السلام): ويلكم، والله، إنّ معاوية لا يفي لأحد منكم بما ضمنه في قتلي، وإنّي أظنّ أنّي إن وضعت يدي في يده فأسالمه لم يتركني أدين لدين جدّي (صلى الله عليه وآله)، وإنّي أقدر أن أعبد الله عزّ وجلّ وحدي، ولكنّي كأنّي أنظر إلى أبنائكم واقفين على أبواب أبنائهم، يستسقونهم ويستطعمونهم، بما جعله الله لهم فلا يسقون ولا يطعمون، فبعداً وسحقاً لما كسبته أيديهم ﴿وَسَيَعلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾، فجعلوا يعتذرون بما لا عذر لهم فيه.

فكتب الحسن (عليه السلام) من فوره ذلك إلى معاوية: أمّا بعد، فإنّ خطبي انتهى إلى اليأس من حقّ أحييه وباطل أميته، وخطبك خطب من انتهى إلى مراده، وإنّني أعتزل هذا الأمر وأخلّيه لك، وإن كان تخليتي إيّاه شرّاً لك في معادك، ولي شروط أشترطها، لا تبهظنّك ٢ إن وفيت لي بها بعهد، ولا تخفّ إن غدرت _ وكتب الشروط في كتاب آخر فيه يمنّيه بالوفاء، وترك الغدر _ وستندم يا معاوية، كما ندم غيرك ممّن نهض في الباطل، أو قعد عن الحقّ حين لم ينفع الندم، والسلام.

بيــان:
قال الصدوق (رحمه الله): فإن قال قائل: من هو النادم الناهض؟ والنادم القاعد؟ قلنا: هذا الزبير ذكره أمير المؤمنين (عليه السلام): ما أيقن بخطأ ما أتاه، وباطل ما قضاه، وبتأويل ما عزّاه، فرجع عنه القهقرى، ولو وفى بما كان في بيعته لمحا نكثه، ولكنّه أبان ظاهراً الندم والسريرة إلى عالمها.

وهذا عبد الله بن عمر بن الخطّاب، روى أصحاب الأثر في فضائله أنّه قال: مهما آسا عليه من شيء، فإنّي لا آسا على شيء أسفي على أنّي لم أقاتل الفئة الباغية مع علي (عليه السلام). فهذا ندم القاعد.

وهذه عائشة، روى الرواة أنّها لمّا أنّبها مؤنّب ٣ فيما أتته، قالت: قضي القضاء وجفّت الأقلام، والله، لو كان لي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) عشرون ذكراً كلّهم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فثكلتهم بموت وقتل، كان أيسر عليّ من خروجي على عليّ (عليه السلام) ومسعاي التي سعيت، فإلى الله شكواي لا إلى غيره.

وهذا سعد بن أبي وقّاص لمّا أنهى إليه أنّ عليّاً (عليه السلام) قتل ذا الثدية، أخذه ما قدّم وما أخّر، وقلق ونزق، وقال: والله، لو علمت أنّ ذلك كذلك لمشيت إليه ولو حبواً. ولمّا قدم معاوية دخل إليه سعد، فقال له: يا أبا إسحاق، ما الذي منعك أن تعينني على الطلب بدم الإمام المظلوم؟ فقال: كنت أقاتل معك عليّاً (عليه السلام)؟ وقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى؟ قال: أنت سمعت هذا من رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: نعم، وإلّا صمّتا، قال: أنت الآن أقلّ عذراً في القعود عن النصرة، فوالله، لو سمعت هذا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما قاتلته.

وقد أحال، فقد سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعليّ (عليه السلام) أكثر من ذلك فقاتله، وهو بعد مفارقته للدنيا يلعنه ويشتمه، ويرى أنّ ملكه وثبات قدرته بذلك، إلّا أنّه أراد أن يقطع عذر سعد في القعود عن نصره ﴿وَاللَّهُ المُستَعَانُ﴾. (ص٣٣-٣٥)
المصدر الأصلي: علل الشرائع
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
(١) «اسْتَلْأَمَ الرجل»: لبس لأمته؛ و«اللأْمَة»: الدرع. كتاب العين، ج٨، ص٣٤٦.
(٢) «يَبْهَظُ»: یثقل ویبلغ مشقّة. راجع: لسان العرب، ج٧، ص٤٣٦.
(٣) «التَّأْنِيب»: المبالغة في التوبيخ والتعنيف. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج١، ص٧٣.
الحديث: ٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٤٧٩

قال معاوية للحسن (عليه السلام) بعد الصلح: اذكر فضلنا، فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على محمّد النبيّ (صلى الله عليه وآله) وآله (عليهم السلام)، ثمّ قال: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أنا ابن البشير النذير، أنا ابن المصطفى بالرسالة، أنا ابن من صلّت عليه الملائكة، أنا ابن من شرفت به الأمّة، أنا ابن من كان جبرئيل السفير من الله إليه، أنا ابن من بعث رحمة للعالمين، صلّى الله عليه وآله أجمعين.

فلم يقدر معاوية يكتم عداوته وحسده، فقال: يا حسن، عليك بالرطب فانعته لنا، قال (عليه السلام): نعم يا معاوية، الريح تلقّحه، والشمس تنفخه، والقمر يلوّنه، والحرّ ينضجه، والليل يبرده.

ثمّ أقبل على منطقه فقال: أنا ابن المستجاب الدعوة.

أنا ابن من كان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى، أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن مكّة ومنى، أنا ابن من خضعت له قريش رغماً، أنا ابن من سعد تابعه وشقي خاذله، أنا ابن من جعلت الأرض له طهوراً ومسجداً، أنا ابن من كانت أخبار السماء إليه تترى، أنا ابن من أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

فقال معاوية: أظنّ نفسك يا حسن، تنازعك إلى الخلافة، فقال (عليه السلام): ويلك يا معاوية، إنّما الخليفة من سار بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعمل بطاعة الله، ولعمري، إنّا لأعلام الهدى ومنار التقى، ولكنّك يا معاوية، ممّن أباد السنن، وأحيا البدع، واتّخذ عباد الله خولاً، ودين الله لعباً، فكأن قد أخمل ما أنت فيه، فعشت يسيراً، وبقيت عليك تبعاته.

المصدر الأصلي: تحف العقول
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٤١-٤٢
الحديث: ٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٤٨٠

روي عن الحارث الهمداني قال: لمّا مات عليّ (عليه السلام) جاء الناس إلى الحسن (عليه السلام) وقالوا: أنت خليفة أبيك ووصيّه، ونحن السامعون المطيعون لك فمرنا بأمرك، فقال (عليه السلام): كذبتم، والله، ما وفيتم لمن كان خيراً منّي، فكيف تفون لي؟ وكيف أطمئنّ إليكم ولا أثق بكم؟ إن كنتم صادقين فموعد ما بيني وبينكم معسكر المدائن، فوافوا إلى هناك، فركب (عليه السلام) وركب معه من أراد الخروج، وتخلّف عنه كثير، فما وفوا بما قالوه وبما وعدوه، وغرّوه كما غرّوا أمير المؤمنين (عليه السلام) من قبله، فقام خطيباً وقال (عليه السلام): غررتموني كما غررتم من كان من قبلي، مع أيّ إمام تقاتلون بعدي، مع الكافر الظالم الذي لم يؤمن بالله ولا برسوله قطّ، ولا أظهر الإسلام هو وبني أميّة إلّا فرقاً من السيف؟ ولو لم يبق لبني أميّة إلّا عجوز درداء، لبغت دين الله عوجاً، وهكذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ثمّ وجّه إليه قائداً في أربعة آلاف _ وكان من كندة _ وأمره أن يعسكر بالأنبار ولا يحدث شيئاً حتّى يأتيه أمره، فلمّا توجّه إلى الأنبار ونزل بها، وعلم معاوية بذلك، بعث إليه رسلاً وكتب إليه معهم: أنّك إن أقبلت إليّ أولّك بعض كور الشام والجزيرة، غير منفس عليك، وأرسل إليه بخمسمائة ألف درهم، فقبض الكندي عدوّ الله المال، وقلب على الحسن (عليه السلام)، وصار إلى معاوية في مائتي رجل من خاصّته وأهل بيته.

فبلغ ذلك الحسن (عليه السلام)، فقام خطيباً وقال: هذا الكندي توجّه إلى معاوية وغدر بي وبكم، وقد أخبرتكم مرّة بعد مرّة أنّه لا وفاء لكم، أنتم عبيد الدنيا، وأنا موجّه رجلاً آخر مكانه، وإنّي أعلم أنّه سيفعل بي وبكم ما فعل صاحبه، ولا يراقب الله فيّ ولا فيكم، فبعث إليه رجلاً من مراد في أربعة آلاف، وتقدّم إليه بمشهد من الناس وتوكّد عليه، وأخبره أنّه سيغدر كما غدر الكندي، فحلف له بالأيمان التي لا تقوم لها الجبال أنّه لا يفعل، فقال الحسن (عليه السلام): إنّه سيغدر.

فلمّا توجّه إلى الأنبار أرسل معاوية إليه رسلاً وكتب إليه بمثل ما كتب إلى صاحبه، وبعث إليه بخمسة آلاف درهم، ومنّاه أيّ ولاية أحبّ من كور الشام والجزيرة، فقلب على الحسن (عليه السلام)، وأخذ طريقه إلى معاوية، ولم يحفظ ما أخذ عليه من العهود، وبلغ الحسن (عليه السلام) ما فعل المرادي، فقام خطيباً فقال: قد أخبرتكم مرّة بعد أخرى أنّكم لا تفون لله بعهود، وهذا صاحبكم المرادي، غدر بي وبكم وصار إلى معاوية.

ثمّ كتب معاوية إلى الحسن (عليه السلام): يا بن عمّ، لا تقطع الرحم الذي بينك وبيني، فإنّ الناس قد غدروا بك وبأبيك من قبلك. فقالوا: إن خانك الرجلان وغدروا بك فإنّا مناصحون لك، فقال لهم الحسن (عليه السلام): لأعودنّ هذه المرّة فيما بيني وبينكم، وإنّي لأعلم أنّكم غادرون ما بيني وبينكم، إنّ معسكري بالنخيلة فوافوني هناك، والله، لا تفون لي بعهدي، ولتنقضنّ الميثاق بيني وبينكم.

ثمّ إنّ الحسن (عليه السلام) أخذ طريق النخيلة، فعسكر عشرة أيّام، فلم يحضره إلّا أربعة آلاف، فانصرف إلى الكوفة فصعد المنبر وقال: يا عجباً من قوم لا حياء لهم ولا دين! ولو سلّمت له الأمر _ فأيم الله _ لاترون فرجاً أبداً مع بني أميّة، والله، ليسومونكم سوء العذاب حتّى تتمنّوا أنّ عليكم جيشاً جيشاً، ولو وجدت أعواناً ما سلّمت له الأمر، لأنّه محرّم على بني أميّة، فأفّ وترحاً يا عبيد الدنيا.

وكتب أكثر أهل الكوفة إلى معاوية: فإنّا معك، وإن شئت أخذنا الحسن (عليه السلام) وبعثناه إليك، ثمّ أغاروا على فسطاطه، وضربوه بحربة، وأخذ مجروحاً، ثمّ كتب جواباً لمعاوية: إنّما هذا الأمر لي والخلافة لي ولأهل بيتي، وإنّها لمحرّمة عليك وعلى أهل بيتك، سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والله، لو وجدت صابرين عارفين بحقّي غير منكرين ما سلّمت لك ولا أعطيتك ما تريد، وانصرف إلى الكوفة.

المصدر الأصلي: الخرائج والجرائح
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٤٣-٤٥
الحديث: ٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٤٨١

سار معاوية نحو العراق ليغلب عليه، فلمّا بلغ جسر منبج تحرّك الحسن (عليه السلام) وبعث حجر بن عديّ يأمر العمّال بالمسير، واستنفر الناس للجهاد، فتثاقلوا عنه، ثمّ خفّوا ومعه أخلاط من الناس، بعضهم شيعة له ولأبيه، وبعضهم محكّمة يؤثرون قتال معاوية بكلّ حيلة، وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم، وبعضهم شكّاك، وبعضهم أصحاب عصبية اتّبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين. فسار حتّى أتى حمّام عمر، ثمّ أخذ على دير كعب، فنزل ساباط دون القنطرة وبات هناك.

فلمّا أصبح أراد أن يمتحن أصحابه، ويستبرئ أحوالهم له في الطاعة ليتميّز بذلك أولياؤه من أعدائه، ويكون على بصيرة من لقاء معاوية وأهل الشام، فأمر أن ينادي في الناس بالصلاة جامعة، فاجتمعوا فصعد المنبر فخطبهم، فقال: الحمد لله كلّما حمده حامد، وأشهد أن لا إله إلّا الله، كلّما شهد له شاهد وأشهد أنّ محمداً (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله، أرسله بالحقّ بشيراً وائتمنه على الوحي.

أمّا بعد، فإنّي _ والله _ لأرجو أن أكون قد أصبحت _ بحمد الله ومنّه _ وأنا أنصح خلق الله لخلقه، وما أصبحت محتملاً على مسلم ضغينة، ولا مريداً له بسوء ولا غائلة، ألا وإنّ ما تكرهون في الجماعة خير لكم ممّا تحبّون في الفرقة، ألا وإنّي ناظر لكم خيراً من نظركم لأنفسكم، فلا تخالفوا أمري، ولا تردّوا عليّ رأيي، غفر الله لي ولكم، وأرشدني وإيّاكم لما فيه المحبّة والرضا. فنظر الناس بعضهم إلى بعض، وقالوا: ما ترونه يريد بما قال؟ قالوا: نظنّه _ والله _ يريد أن يصالح معاوية، ويسلّم الأمر إليه، فقالوا: كفر _ والله _ الرجل.

ثمّ شدّوا على فسطاطه وانتهبوه، حتّى أخذوا مصلّاه من تحته، ثمّ شدّ عليه عبد الرحمن بن عبد الله بن جعال الأزدي، فنزع مطرفة عن عاتقه فبقي جالساً متقلّداً بالسيف بغير رداء، ثمّ دعا بفرسه وركبه وأحدق به طوائف من خاصّته وشيعته ومنعوا منه من أراده، فقال (عليه السلام): ادعوا لي ربيعة وهمدان، فدعوا له فأطافوا به، ودفعوا الناس عنه وسار ومعه شوب من غيرهم … .

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٤٦-٤٧
الحديث: ٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٤٨٢

فازدادت بصيرة الحسن (عليه السلام) بخذلان القوم له، وفساد نيّات المحكّمة فيه بما أظهروه له من السبّ والتكفير له، واستحلال دمه، ونهب أمواله، ولم يبق معه من يأمن غوائله إلّا خاصّة من شيعة أبيه وشيعته، وهم جماعة لا يقوم لأجناد الشام.

فكتب إليه معاوية في الهدنة والصلح، وأنفذ إليه بكتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك به وتسليمه إليه، واشترط له على نفسه في إجابته إلى صلحه شروطاً كثيرة، وعقد له عقوداً كان في الوفاء بها مصالح شاملة، فلم يثق به الحسن (عليه السلام)، وعلم باحتياله بذلك واغتياله، غير أنّه لم يجد بدّاً من إجابته إلى ما التمس منه من ترك الحرب وإنفاذ الهدنة، لما كان عليه أصحابه ممّا وصفناه من ضعف البصائر في حقّه والفساد عليه والخلف منهم له، وما انطوى عليه كثير منهم في استحلال دمه وتسليمه إلى خصمه، وما كان من خذلان ابن عمّه له ومصيره إلى عدوّه، وميل الجمهور منهم إلى العاجلة وزهدهم في الآجلة.

فتوثّق (عليه السلام) لنفسه من معاوية لتوكيد الحجّة عليه، والإعذار فيما بينه وبينه عند الله تعالی وعند كافّة المسلمين، واشترط عليه ترك سبّ أمير المؤمنين (عليه السلام) والعدول عن القنوت عليه في الصلوات، وأن يؤمّن شيعته ولا يتعرّض لأحد منهم بسوء، ويوصل إلى كلّ ذي حقّ حقّه، وأجابه معاوية إلى ذلك كلّه، وعاهد عليه وحلف له بالوفاء له.

فلمّا استتمّت الهدنة على ذلك سار معاوية حتّى نزل بالنخيلة، وكان ذلك اليوم يوم الجمعة، فصلّى بالناس ضحى النهار فخطبهم، وقال في خطبته: إنّي _ والله _ ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا، ولا لتحجّوا ولا لتزكّوا، إنّكم لتفعلون ذلك، ولكنّي قاتلتكم لأتأمّر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون، ألا وإنّي كنت منّيت الحسن (عليه السلام) وأعطيته أشياء، وجميعها تحت قدميّ لا أفي بشيء منها له.

ثمّ سار حتّى دخل الكوفة فأقام بها أيّاماً، فلمّا استتمّت البيعة له من أهلها صعد المنبر فخطب الناس وذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) ونال منه، ونال من الحسن (عليه السلام) ما نال، وكان الحسن والحسين (عليهما السلام) حاضرين، فقام الحسين (عليه السلام) ليردّ عليه، فأخذ بيده الحسن (عليه السلام)، فأجلسه، ثمّ قام، فقال: أيّها الذاكر عليّاً (عليه السلام)، أنا الحسن وأبي عليّ (عليه السلام)، وأنت معاوية وأبوك صخر، وأمّي فاطمة (عليها السلام) وأمّك هند، وجدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجدّك حرب، وجدّتي خديجة وجدّتك قتيلة، فلعن الله أخملنا ذكراً وألأمنا حسباً وشرّنا قدماً وأقدمنا كفراً ونفاقاً، فقالت طوائف من أهل المسجد: آمين آمين.

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٤٨-٤٩
الحديث: ٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٤٨٣

دخل معاوية الكوفة بعد فراغه من خطبته بالنخيلة بين يديه خالد بن عرفطة ومعه حبيب بن حمّار يحمل رايته، فلمّا صار بالكوفة دخل المسجد من باب الفيل واجتمع الناس إليه.

…بينما عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) على منبر الكوفة إذ دخل رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، مات خالد بن عرفطة، فقال (عليه السلام): لا، والله، مامات ولا يموت حتّى يدخل من باب المسجد _ وأشار إلى باب الفيل _ ومعه راية ضلالة يحملها حبيب بن حمّار، فوثب إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، أنا حبيب بن حمّار، وأنا لك شيعة. فقال (عليه السلام): فإنّه كما أقول.

قال: فوالله، لقد قدم خالد بن عرفطة على مقدّمة معاوية، يحمل رايته حبيب بن حمّار.

المصدر الأصلي: مقاتل الطالبیّین
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٥٣
الحديث: ٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٤٨٤

قال حجر بن عديّ [للحسن (عليه السلام)]: أما والله، لوددت أنّك متّ في ذلك اليوم ومتنا معك ولم نر هذا اليوم، فإنّا رجعنا راغمين بما كرهنا، ورجعوا مسرورين بما أحبّوا. فلمّا خلا به الحسن (عليه السلام)، قال: يا حجر، قد سمعت كلامك في مجلس معاوية، وليس كلّ إنسان يحبّ ما تحبّ، ولا رأيه كرأيك، وإنّي لم أفعل ما فعلت إلّا إبقاء عليكم، والله تعالی ﴿كُلَّ يَومٍ هُوَ فِي شَأنٍ﴾ … .

المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٥٧
الحديث: ٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٤٨٥

قال الفضل بن شاذان في بعض كتبه: إنّ الحسن (عليه السلام) لمّا قتل أبوه (عليه السلام) خرج في شوّال من الكوفة إلى قتال معاوية فالتقوا بكسكر وحاربه ستّة أشهر، وكان الحسن (عليه السلام) جعل ابن عمّه عبيد الله بن العبّاس على مقدّمته فبعث إليه معاوية بمائة ألف درهم فمرّ بالراية ولحق بمعاوية وبقي العسكر بلا قائد ولا رئيس.

فقام قيس بن سعد بن عبادة، فخطب الناس وقال: أيّها الناس، لا يهولنّكم‏ ذهاب هذا الكذا وكذا، فإنّ هذا وأباه لم يأتيا قطّ بخير وقام يأمر الناس ووثب أهل عسكر الحسن (عليه السلام) بالحسن في شهر ربيع الأوّل فانتهبوا فسطاطه وأخذوا متاعه وطعنه ابن بشر الأسدي في خاصرته فردّوه جريحاً إلى المدائن حتّى تحصن فيها عند عمّ المختار بن أبي عبيد.

المصدر الأصلي: معرفة الرجال
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٦۰-٦١
الحديث: ٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٤٨٦

لمّا وادع الحسن بن عليّ (عليه السلام) معاوية، صعد معاوية المنبر وجمع الناس فخطبهم وقال: إنّ الحسن بن علي رآني للخلافة أهلاً، ولم ير نفسه لها أهلاً، وكان الحسن (عليه السلام) أسفل منه بمرقاة.

فلمّا فرغ من كلامه قام الحسن (عليه السلام) فحمد الله تعالی بما هو أهله، ثمّ ذكر المباهلة، فقال: فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الأنفس بأبي، ومن الأبناء بي وبأخي، ومن النساء بأمّي، وكنّا أهله ونحن آله، وهو منّا ونحن منه، ولمّا نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كساء لأمّ سلمة _ رضي الله عنها _ خيبري، ثمّ قال: اللّهمّ، هؤلاء أهل بيتي وعترتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فلم يكن أحد في الكساء غيري وأخي وأبي وأمّي، ولم يكن أحد تصيبه جنابة في المسجد ويولد فيه إلّا النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأبي، تكرمة من الله لنا وتفضيلاً منه لنا، وقد رأيتم مكان منزلنا من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأمر بسدّ الأبواب فسدّها وترك بابنا، فقيل له في ذلك فقال (صلى الله عليه وآله): «أما إنّي لم أسدّها وأفتح بابه، ولكنّ اللهعزّ وجلّ أمرني أن أسدّها وأفتح بابه»، وإنّ معاوية زعم لكم أنّي رأيته للخلافة أهلاً، ولم أر نفسي لها أهلاً فكذب معاوية، نحن أولى بالناس في كتاب اللهعزّ وجلّ وعلى لسان نبيّه (صلى الله عليه وآله) ولم نزل أهل البيت مظلومين، منذ قبض الله نبيه (صلى الله عليه وآله). فالله بيننا وبين من ظلمنا حقّنا، وتوثّب على رقابنا، وحمل الناس علينا، ومنعنا سهمنا من الفيء، ومنع أمّنا وما جعل لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) … .

/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٦٢-٦٣
الحديث: ١۰
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٤٨٧

ومن كلامه (عليه السلام) ما كتبه في كتاب الصلح الذي استقرّ بينه وبين معاوية حيث رأى حقن الدماء وإطفاء الفتنة، وهو: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما صالح عليه الحسن بن عليّ بن أبي طالب، معاوية بن أبي سفيان: صالحه على أن يسلّم إليه ولاية أمر المسلمين، على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنّة رسوله (صلى الله عليه وآله) وسيرة الخلفاء الصالحين.

وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين، وعلى أنّ الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وعلى أنّ أصحاب عليّ (عليه السلام) وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم.

وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه، وما أخذ الله علىّ أحد من خلقه بالوفاء، وبما أعطى الله من نفسه، وعلى أن لا يبغي للحسن بن عليّ ولا لأخيه الحسين، ولا لأحد من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) غائلة سرّاً ولا جهراً، ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق، شهد عليه بذلك _﴿وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ _ فلان وفلان، والسلام.

المصدر الأصلي: كشف الغمّة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٦٥
الحديث: ١١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٤٨٨

قال الباقر (عليه السلام) لبعض أصحابه: يا فلان، ما لقينا من ظلم قريش إيّانا وتظاهرهم علينا، وما لقي شيعتنا ومحبّونا من الناس؟ إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبض وقد أخبر أنّا أولى الناس بالناس، فتمالأت علينا قريش، حتّى أخرجت الأمر عن معدنه، واحتجّت على الأنصار بحقّنا وحجّتنا تداولتها قريش واحد بعد واحد، حتّى رجعت إلينا فنكثت بيعتنا، ونصبت الحرب لنا، ولم يزل صاحب الأمر في صعود كؤود حتّى قتل. فبويع الحسن (عليه السلام) ابنه وعوهد، ثمّ غدر به وأسلم، ووثب عليه أهل العراق حتّى طعن بخنجر في جنبه وانتهب عسكره، وعولجت خلاخيل أمّهات أولاده، فوادع معاوية وحقن دمه ودماء أهل بيته، وهم قليل حقّ قليل.

ثمّ بايع الحسين (عليه السلام) من أهل العراق عشرون ألفاً ثمّ غدروا به، وخرجوا عليه، وبيعته في أعناقهم فقتلوه، ثمّ لم نزل أهل البيت نستذلّ ونستضام، ونقصى ونمتهن، ونحرّم، ونقتل ونخاف، ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا، ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً يتقرّبون به إلى أوليائهم، وقضاة السوء وعمّال السوء في كلّ بلدة، فحدّثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة، ورووا عنّا ما لم نقله ولم نفعله ليبغّضونا إلى الناس. وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية، بعد موت الحسن (عليه السلام) فقتلت شيعتنا بكلّ بلدة، وقطّعت الأيدي والأرجل على الظنّة، وكان من ذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله، أو هدمت داره.

ثمّ لم يزل البلاء يشتدّ ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين (عليه السلام)، ثمّ جاء الحجّاج فقتلهم كلّ قتلة، وأخذهم بكلّ ظنّة وتهمة، حتّى أنّ الرجل ليقال له: زنديق أو كافر أحبّ إليه من أن يقال: شيعة علي (عليه السلام)، وحتّى صار الرجل الذي يذكر بالخير ولعلّه يكون ورعاً صدوقاً، يحدّث بأحاديث عظيمة عجيبة، من تفضيل من قد سلف من الولاة، ولم يخلق الله تعالی شيئاً منها، ولا كانت ولا وقعت وهو يحسب أنّها حقّ لكثرة من قد رواها ممّن لم يعرف بكذب ولا بقلّة ورع.

المصدر الأصلي: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدید
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٦٨-٦٩