Search
Close this search box.
Layer 5
.
فهرس جواهر البحار
كتاب العقل والعلم والجهل
كتاب العدل والمعاد
كتاب النبوة
كتاب تاريخ نبينا (ص)
كتاب الإمامة
كتاب تاريخ أميرالمؤمنين (ع)
كتاب تاريخ فاطمة والحسنين (ع)
كتاب تاريخ السجاد والباقر والصادق والكاظم (ع)
كتاب تاريخ الرضا والجواد والهادي والعسكري (ع)
كتاب تاريخ الحجة (عج)
كتاب السماء والعالم
كتاب الإيمان والكفر
كتاب العشرة
كتاب الآداب والسنن
كتاب الروضة
كتاب الطهارة
كتاب الصلاة
كتاب القرآن
كتاب الأدعية والأذكار
كتاب الصوم
كتاب الحج والعمرة
كتاب المزار
كتاب العقود والإيقاعات

أحاديث في الأحداث التي جرت على الإمام الحسين (ع) منذ هلاك معاوية والبيعة ليزيد وحتى شهادته (ع) في كربلاء، وهذه أحاديث جليلة جمعها العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار، وقد اقتبس الشيخ حبيب الكاظمي بعض هذه الأحاديث وحذف أسانيدها مع مراعاة التبويب، فكانت جواهر البحار الذي بين يديك.

الحديث: ١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٥٨١

فلمّا هلك معاوية، وتولّى الأمر بعده يزيد لعنه الله، بعث عامله على مدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو عمّه عتبة بن أبي سفيان، فقدم المدينة وعليها مروان بن الحكم _ وكان عامل معاوية _ فأقامه عتبة من مكانه وجلس فيه لينفذ فيه أمر يزيد، فهرب مروان فلم يقدر عليه، وبعث عتبة إلى الحسين بن عليّ (عليه السلام)، فقال: إنّ أمير المؤمنين أمرك أن تبايع له.

فقال الحسين (عليه السلام): يا عتبة، قد علمت أنّا أهل بيت الكرامة ومعدن الرسالة، وأعلام الحقّ الذين أودعه اللهعزّ وجلّ قلوبنا، وأنطق به ألسنتنا فنطقت بإذن الله عزّ وجلّ، ولقد سمعت جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنّ الخلافة محرّمة على ولد أبي سفيان، وكيف أبايع أهل بيت قد قال فيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا؟

فلمّا سمع عتبة ذلك دعا الكاتب وكتب: بسم الله الرحمن الرحيم؛ إلى عبد الله يزيد أمير المؤمنين من عتبة بن أبي سفيان؛ أمّا بعد، فإنّ الحسين بن علي ليس يرى لك خلافةً ولا بيعةً، فرأيك في أمره، والسلام.

فلمّا ورد الكتاب على يزيد لعنه الله، كتب الجواب إلى عتبة: أمّا بعد، فإذا أتاك كتابي هذا فعجّل عليّ بجوابه، وبيّن لي في كتابك كلّ من في طاعتي، أو خرج عنها، وليكن مع الجواب رأس الحسين بن عليّ …

وبلغ عبيد الله بن زياد لعنه الله الخبر وأنّ الحسين (عليه السلام) قد نزل الرهيمة، فأسرى إليه حرّ بن يزيد في ألف فارس.

قال الحرّ: فلمّا خرجت من منزلي متوجّهاً نحو الحسين (عليه السلام) نوديت ثلاثاً: يا حرّ، أبشر بالجنّة، فالتفتّ فلم أر أحداً، فقلت: ثكلت الحرّ أمّه، يخرج إلى قتال ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويبشَّر بالجنّة، فرهقه عند صلاة الظهر، فأمر الحسين (عليه السلام) ابنه فأذّن وأقام، وقام الحسين (عليه السلام) فصلّى بالفريقين. فلمّا سلّم وثب الحرّ بن يزيد، فقال: السلام عليك يا بن رسول الله ورحمة الله وبركاته.

فقال الحسين (عليه السلام): وعليك السلام، من أنت يا عبد الله؟ فقال: أنا الحرّ بن يزيد، فقال (عليه السلام): يا حرّ، أ علينا أم لنا؟ فقال الحرّ: والله، يا بن رسول الله، لقد بعثت لقتالك، وأعوذ بالله أن أحشر من قبري وناصيتي مشدودة إليّ، ويديّ مغلولة إلى عنقي، وأكبّ على حرّ وجهي في النار، يا بن رسول الله، أين تذهب؟ ارجع إلى حرم جدّك، فإنّك مقتول …

ثمّ سار الحسين (عليه السلام) حتّى نزل القطقطانة فنظر إلى فسطاط مضروب، فقال: لمن هذا الفسطاط؟ فقيل: لعبد الله بن الحر الحنفي، فأرسل إليه الحسين (عليه السلام) فقال: أيّها الرجل، إنّك مذنب خاطئ، وإنّ الله عزّ وجلّ آخذك بما أنت صانع إن لم تتب إلى الله تبارك وتعالی في ساعتك هذه، فتنصرني ويكون جدّي شفيعك بين يدى الله تبارك وتعالى، فقال: يا بن رسول الله، والله، لو نصرتك لكنت أوّل مقتول بين يديك، ولكنّ هذا فرسي، خذه إليك، فوالله، ما ركبته قطّ وأنا أروم شيئاً إلّا بلغته، ولا أراداني أحد إلّا نجوت عليه، فدونك فخذه، فأعرض عنه الحسين (عليه السلام) بوجهه ثمّ قال: لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك، ﴿وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُدًا﴾، ولكن فرّ، فلا لنا ولا علينا، فإنّه من سمع واعيتنا أهل البيت ثمّ لم يجبنا، كبّه الله على وجهه في نار جهنّم …

فبلغ عبيد الله بن زياد أنّ عمر بن سعد يسامر الحسين (عليه السلام) ويحدّثه، ويكره قتاله، فوجّه إليه شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف فارس، وكتب إلى عمر بن سعد: إذا أتاك كتابي هذا فلا تمهلنّ الحسين بن عليّ وخذ بكظمه، وحل بين الماء وبينه، كما حيل بين عثمان وبين الماء يوم الدار. فلمّا وصل الكتاب إلى عمر بن سعد لعنه الله أمر مناديه فنادى: إنّا قد أجّلنا حسيناً وأصحابه يومهم وليلتهم. فشقّ ذلك على الحسين (عليه السلام) وعلى أصحابه.

فقام الحسين (عليه السلام) في أصحابه خطيباً، فقال: اللّهمّ، إنّي لا أعرف أهل بيت أبرّ ولا أزكى ولا أطهر من أهل بيتي، ولا أصحاباً هم خير من أصحابي، وقد نزل بي ما قد ترون، وأنتم في حلٍّ من بيعتي، ليست لي في أعناقكم بيعة، ولا لي عليكم ذمّة، وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً وتفرّقوا في سواده، فإنّ القوم إنّما يطلبوني، ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري.

فقام إليه عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب، فقال: يا بن رسول الله، ما ذا يقول لنا الناس إن نحن خذلنا شيخنا وكبيرنا وسيّدنا وابن سيّد الأعمام وابن نبيّنا سيّد الأنبياء؟ لم نضرب معه بسيف، ولم نقاتل معه برمح، لا، والله، أو نرد موردك، ونجعل أنفسنا دون نفسك، ودماءنا دون دمك، فإذا نحن فعلنا ذلك فقد قضينا ما علينا، وخرجنا ممّا لزمنا، وقام إليه رجل يقال له زهير بن القين البجلي، فقال: يا بن رسول الله، وددت أنّي قتلت ثمّ نشرت، ثمّ قتلت ثمّ نشرت، ثمّ قتلت ثمّ نشرت فيك وفي الذين معك مائة قتلة، وأنّ الله دفع بي عنكم أهل البيت، فقال له ولأصحابه: جزيتم خيراً.

ثمّ إنّ الحسين (عليه السلام) أمر بحفيرة، فحفرت حول عسكره شبه الخندق، وأمر فحشيت حطباً وأرسل عليّاً ابنه (عليه السلام) في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً ليستقوا الماء وهم على وجلٍ شديد، وأنشأ الحسين (عليه السلام) يقول:

يا دهر أفّ لك من خليل
كم لك في الإشراق والأصيل

من طالبٍ وصاحب قتيل
والدهر لا يقنع بالبديل

وإنّما الأمر إلى الجليل
وكلُّ حيّ سالك سبيلي

ثمّ قال لأصحابه: قوموا فاشربوا من الماء يكن آخر زادكم، وتوضّأوا واغتسلوا واغسلوا ثيابكم لتكون أكفانكم، ثمّ صلّى بهم الفجر وعبّأهم تعبئة الحرب، وأمر بحفيرته التي حول عسكره فأضرمت بالنار، ليقاتل القوم من وجه واحد.

وأقبل رجل من عسكر عمر بن سعد على فرس له يقال له ابن أبي جويرية المزني، فلمّا نظر إلى النار تتّقد صفّق بيده ونادى: يا حسين وأصحاب حسين، أبشروا بالنار، فقد تعجّلتموها في الدنيا.

فقال الحسين (عليه السلام): اللّهمّ أذقه عذاب النار في الدنيا، فنفر به فرسه وألقاه في تلك النار فاحترق.

ثمّ برز من عسكر عمر بن سعد رجل آخر يقال له تميم بن حصين الفزاري، فنادى: يا حسين ويا أصحاب حسين، أ ما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنّه بطون الحيّات؟ والله، لا ذقتم منه قطرة حتّى تذوقوا الموت جزعاً، فقال الحسين (عليه السلام): من الرجل؟ فقيل: تميم بن حصين، فقال الحسين (عليه السلام): هذا وأبوه من أهل النار، اللّهمّ اقتل هذا عطشاً في هذا اليوم، فخنقه العطش حتّى سقط عن فرسه، فوطأته الخيل بسنابكها فمات …

فبلغ العطش من الحسين (عليه السلام) وأصحابه، فدخل عليه رجل من شيعته _ يقال له: يزيد بن الحصين الهمداني _ … فقال: يا بن رسول الله، تأذن لي فأخرج إليهم فأكلّمهم؟ فأذن له فخرج إليهم، فقال: يا معشر الناس، إنّ الله عزّ وجلّ بعث محمّداً (صلى الله عليه وآله) بالحقّ بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وهذا ماء الفرات، تقع فيه خنازير السواد وكلابها، وقد حيل بينه وبين ابنه، فقالوا: يا يزيد، فقد أكثرت الكلام، فاكفف، فوالله، ليعطشنّ الحسين كما عطش من كان قبله.

فقال الحسين (عليه السلام): اقعد يا يزيد، ثمّ وثب الحسين (عليه السلام) متوكّياً على سيفه، فنادى بأعلا صوته، فقال: أنشدكم الله، هل تعرفوني؟ قالوا: نعم، أنت ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسبطه.

قال (عليه السلام): أنشدكم الله، هل تعلمون أنّ جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قالوا: اللّهمّ، نعم.

قال (عليه السلام): أنشدكم الله، هل تعلمون أنّ أمّي فاطمة بنت محمّد (صلى الله عليه وآله)؟ قالوا: اللّهمّ، نعم.

قال (عليه السلام): أنشدكم الله، هل تعلمون أنّ أبي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)؟ قالوا: اللّهمّ، نعم.

قال (عليه السلام): أنشدكم الله، هل تعلمون أنّ جدّتي خديجة بنت خويلد أوّل نساء هذه الأمّة إسلاماً؟ قالوا: اللّهمّ، نعم.

قال (عليه السلام): أنشدكم الله، هل تعلمون أنّ سيّد الشهداء حمزة عمّ أبي؟ قالوا: اللّهمّ، نعم.

قال (عليه السلام): فأنشدكم الله، هل تعلمون أنّ جعفر الطيّار في الجنّة عمّي؟ قالوا: اللّهمّ، نعم.

قال (عليه السلام): فأنشدكم الله، هل تعلمون أنّ هذا سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا متقلّده؟ قالوا: اللّهمّ، نعم.

قال (عليه السلام): فأنشدكم الله، هل تعلمون أنّ هذه عمامة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنا لابسها؟ قالوا: اللّهمّ، نعم.

قال (عليه السلام): فأنشدكم الله، هل تعلمون أنّ عليّاً (عليه السلام) كان أوّلهم إسلاماً، وأعلمهم علماً، وأعظمهم حلماً، وأنّه وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة؟ قالوا: اللّهمّ، نعم.

قال (عليه السلام): فبم تستحلّون دمي وأبي الذائد عن الحوض غداً يذود عنه رجالاً، كما يذاد البعير الصادر عن الماء، ولواء الحمد في يدي جدّي يوم القيامة؟ قالوا: علمنا ذلك كلّه ونحن غير تاركيك حتّى تذوق الموت عطشاً.

فأخذ الحسين (عليه السلام) بطرف لحيته _ وهو يومئذٍ ابن سبع وخمسين سنة _ ثمّ قال: اشتدّ غضب الله على اليهود حين قالوا: ﴿عُزَيۡرٌ ٱبۡنُ ٱللَّهِ﴾، واشتدّ غضب الله على النصارى حين قالوا: المسيح ابن الله، واشتدّ غضب الله على المجوس حين عبدوا النار من دون الله، واشتدّ غضب الله على قوم قتلوا نبيّهم، واشتدّ غضب الله على هذه العصابة الذين يريدون قتل ابن نبيّهم.

فضرب الحرّ بن يزيد فرسه، وجاز عسكر عمر بن سعد إلى عسكر الحسين (عليه السلام) واضعاً يده على رأسه وهو يقول: اللّهمّ إليك أنيب، فتب عليّ، فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد نبيّك، يا بن رسول الله، هل لي من توبة؟ قال (عليه السلام): نعم، تاب الله عليك، قال: يا بن رسول الله، ائذن لي فأقاتل عنك، فأذن له فبرز وهو يقول:

أضرب في أعناقكم بالسيف عن
خير من حلّ بلاد الخيف

فقتل منهم ثمانية عشر رجلاً ثمّ قتل، فأتاه الحسين (عليه السلام) ودمه يشخب، فقال: بخّ بخّ، يا حرّ، أنت حرّ كما سمّيت في الدنيا والآخرة، ثمّ أنشأ الحسين (عليه السلام) يقول:

لنعم الحرّ حرّ بني رياح
ونعم الحرّ مختلف الرماح

ونعم الحرّ إذ نادى حسيناً
فجاد بنفسه عند الصباح

ثمّ برز من بعده زهير بن القين البجلي وهو يقول مخاطباً للحسين (عليه السلام):

اليوم نلقى جدّك النبيّا
وحسناً والمرتضى عليّاً

فقتل منهم تسعة عشر رجلاً ثمّ صرع وهو يقول:

أنا زهير وأنا ابن القين
أذبّكم بالسيف عن حسين

ثمّ برز من بعده حبيب بن مظهّر الأسدي وهو يقول:

أنا حبيب وأبي مطهّر
لنحن أزكى منكم وأطهر
ننصر خير الناس حين يذكر

فقتل منهم أحداً وثلاثين رجلاً، ثمّ قتل (رحمة الله عليه).

وبرز من بعده وهب بن وهب، وكان نصرانياً أسلم على يدي الحسين (عليه السلام) هو وأمّه فاتّبعوه إلى كربلا، فركب فرساً، وتناول بيده عود الفسطاط، فقاتل وقتل من القوم سبعة أو ثمانية ثمّ استؤسر. فأتي به عمر بن سعد فأمر بضرب عنقه، فضربت عنقه ورمي به إلى عسكر الحسين (عليه السلام)، وأخذت أمّه سيفه وبرزت، فقال لها الحسين (عليه السلام): يا أمّ وهب، اجلسي، فقد وضع الله الجهاد عن النساء، إنّك وابنك مع جدّي محمّد (صلى الله عليه وآله) في الجنّة.

وبرز من بعده عليّ بن الحسين (عليه السلام)، فلمّا برز إليهم دمعت عين الحسين (عليه السلام)، فقال: اللّهمّ كن أنت الشهيد عليهم، فقد برز إليهم ابن رسولك وأشبه الناس وجهاً وسمتاً به، فجعل يرتجز وهو يقول:

أنا عليّ بن الحسين بن عليّ
نحن وبيت الله أولى بالنبيّ
أ ما ترون كيف أحمي عن أبي؟

فقتل منهم عشره ثمّ رجع إلى أبيه، قال: يا أبه، العطش، فقال له الحسين (عليه السلام): صبراً يا بنيّ، يسقيك جدّك بالكأس الأوفى، فرجع فقاتل حتّى قتل منهم أربعة وأربعين رجلاً ثمّ قتل. وبرز من بعده القاسم بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وهو يقول:

لا تجزعي نفسي فكلّ فانٍ
اليوم تلقين ذرى الجنان

فقتل منهم ثلاثة ثمّ رمي عن فرسه _ رضی الله عنه _ .

ونظر الحسين (عليه السلام) يميناً وشمالاً ولا يرى أحداً، فرفع رأسه إلى السماء فقال: اللّهمّ، إنّك ترى ما يصنع بولد نبيّك، وحال بنو كلاب بينه وبين الماء، ورمي بسهم فوقع في نحره وخرّ عن فرسه، فأخذ السهم فرمى به، فجعل يتلقّى الدم بكفّه، فلمّا امتلأت لطخ بها رأسه ولحيته ويقول: ألقى الله عزّ وجلّ وأنا مظلوم متلطّخ بدمي، ثمّ خرّ على خدّه الأيسر صريعاً.

وأقبل عدوّ الله سنان الإيادي وشمر بن ذي الجوشن العامري _ لعنهما الله _ في رجال من أهل الشام حتّى وقفوا على رأس الحسين (عليه السلام)، فقال بعضهم لبعض: ما تنتظرون؟ أريحوا الرجل، فنزل سنان بن الأنس الإيادي، وأخذ بلحية الحسين (عليه السلام) وجعل يضرب بالسيف في حلقه وهو يقول: والله، إنّي لأجتزّ رأسك وأنا أعلم أنّك ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخير الناس أباً وأمّاً، وأقبل فرس الحسين (عليه السلام) حتّى لطخ عرفه وناصيته بدم الحسين (عليه السلام)، وجعل يركض ويصهل، فسمعت بنات النبيّ (صلى الله عليه وآله) صهيله، فخرجن فإذا الفرس بلا راكب، فعرفن أنّ حسيناً (عليه السلام) قد قتل، وخرجت أمّ كلثوم بنت الحسين (عليه السلام) واضعاً يدها على رأسها تندب وتقول: وا محمّداه، هذا الحسين بالعراء، قد سلب العمامة والرداء.

وأقبل سنان حتّى أدخل رأس الحسين بن عليّ (عليه السلام) على عبيد الله بن زياد، وهو يقول:

إملأ ركابي فضّة وذهباً
أنا قتلت الملك المحجّبا

قتلت خير الناس أمّاً وأباً
وخيرهم إذ يُنسبون نسباً

فقال له عبيد الله بن زياد: ويحك، فإن علمت أنّه خير الناس أباً وأمّاً، لم قتلته إذاً؟ فأمر به فضربت عنقه وعجّل الله بروحه إلى النار.

وأرسل ابن زياد قاصداً إلى أمّ كلثوم بنت الحسين (عليه السلام)، فقال لها: الحمد لله الذي قتل رجالكم، فكيف ترون ما فعل بكم؟ فقالت: يا بن زياد، لئن قرّت عينك بقتل الحسين (عليه السلام)، فطالما قرّت عين جدّه (صلى الله عليه وآله) به وكان يقبّله ويلثم شفتيه، ويضعه على عاتقه. يا بن زياد، أعدّ لجدّه جواباً، فإنّه خصمك غداً.

المصدر الأصلي: الأمالي للصدوق
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣١٢-٣٢٢
الحديث: ٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٥٨٢

كتب يزيد إلى الوليد يأمره باخذ البيعة على أهلها، وخاصّة على الحسين (عليه السلام) ويقول: إن أبى عليك فاضرب عنقه، وابعث إليّ برأسه، فأحضر الوليد مروان واستشاره في أمر الحسين (عليه السلام)، فقال: إنّه لا يقبل، ولو كنت مكانك ضربت عنقه، فقال الوليد: ليتني لم أك شيئاً مذكوراً.

ثمّ بعث إلى الحسين (عليه السلام) فجاءه في ثلاثين من أهل بيته ومواليه …: فغضب الحسين (عليه السلام) ثمّ قال: ويلي عليك يا بن الزرقاء، أنت تأمر بضرب عنقي؟ كذبت والله، وأثمت، ثمّ أقبل على الوليد، فقال: أيّها الأمير، إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله، وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون، أيّنا أحقّ بالبيعة والخلافة؟ ثمّ خرج (عليه السلام).

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٢٤-٣٢٥
الحديث: ٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٥٨٣

خرج الحسين (عليه السلام) من منزله ذات ليلة وأقبل إلى قبر جدّه (صلى الله عليه وآله)، فقال: السلام عليك يا رسول الله، أنا الحسين بن فاطمة (عليها السلام)، فرخك وابن فرختك وسبطك الذي خلّفتني في أمّتك، فاشهد عليهم يا نبيّ الله، أنّهم قد خذلوني، وضيّعوني، ولم يحفظوني، وهذه شكواي إليك حتّى ألقاك، ثمّ قام فصفّ قدميه فلم يزل راكعاً ساجداً …  ثمّ جعل يبكي عند القبر حتّى إذا كان قريباً من الصبح، وضع رأسه على القبر فأغفي ١ ، فإذا هو برسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله وبين يديه، حتّى ضمّ الحسين (عليه السلام) إلى صدره وقبّل بين عينيه وقال: حبيبي يا حسين، كأنّي أراك عن قريب مرمّلاً بدمائك، مذبوحاً بأرض كرب وبلاء من عصابة من أمّتي، وأنت مع ذلك عطشان لا تُسقى، وظمآن لا تُروى، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة، حبيبي يا حسين، إنّ أباك وأمّك وأخاك قدموا عليّ وهم مشتاقون إليك، وإنّ لك في الجنان لدرجات لن تنالها إلّا بالشهادة.

فجعل الحسين (عليه السلام) في منامه ينظر إلى جدّه، ويقول: يا جدّاه، لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا، فخذني إليك وأدخلني معك في قبرك، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا بدّ لك من الرجوع إلى الدنيا حتّى ترزق الشهادة، وما قد كتب الله لك فيها من الثواب العظيم، فإنّك وأباك وأخاك وعمّك وعمّ أبيك، تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة، حتّى تدخلوا الجنّة.

فانتبه الحسين (عليه السلام) من نومه فزعاً مرعوباً، فقصّ رؤياه على أهل بيته وبني عبد المطّلب، فلم يكن في ذلك اليوم في مشرق ولا مغرب قوم أشدّ غمّاً من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا أكثر باكٍ ولا باكية منهم. وتهيّأ الحسين (عليه السلام) للخروج من المدينة، ومضى في جوف الليل إلى قبر أمّه فودّعها، ثمّ مضى إلى قبر أخيه الحسن (عليه السلام) ففعل كذلك …

ثمّ دعا الحسين (عليه السلام) بدواة وبياض وكتب هذه الوصيّة لأخيه محمّد: بسم الله الرحمن الرحيم؛ هذا ما أوصى به الحسين بن عليّ بن أبي طالب إلى أخيه محمّد المعروف بابن الحنفية، أنّ الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله، جاء بالحقّ من عند الحقّ، وأنّ الجنّة والنار حقّ، ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبعَثُ مَن فِي القُبُورِ﴾. وأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي (صلى الله عليه وآله)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ وهو خير الحاكمين، وهذه وصيّتي يا أخي إليك، ﴿وَمَا تَوفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وَإِلَيهِ أُنِيبُ﴾.

ثمّ طوى الحسين (عليه السلام) الكتاب وختمه بخاتمه، ودفعه إلى أخيه محمّد ثمّ ودّعه وخرج في جوف الليل.

المصدر الأصلي: تسلية المجالس
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٢٧-٣٣۰
(١) «أَغْفَى»: نام نومة خفيفة. راجع: النهاية في غريب الحديث والأثر، ج٣، ص٣٧٦.
الحديث: ٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٥٨٤

قال الصادق (عليه السلام): لمّا سار الحسين (عليه السلام) من المدينة لقيه أفواج من الملائكة المسوّمة في أيديهم الحراب على نجب من نجب الجنّة، فسلّموا عليه، وقالوا: يا حجّة الله على خلقه بعد جدّه وأبيه وأخيه، إنّ الله سبحانه أمدّ جدّك بنا في مواطن كثيرة، وإنّ الله أمدّك بنا، فقال (عليه السلام) لهم: الموعد حفرتي وبقعتي التي استشهد فيها وهي كربلا، فإذا وردتها فأتوني، فقالوا: يا حجّة الله، مرنا نسمع ونطع، فهل تخشى من عدوّ يلقاك فنكون معك؟ فقال (عليه السلام): لا سبيل لهم عليّ، ولا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي. وأتته أفواج مسلمي الجنّ، فقالوا: يا سيّدنا، نحن شيعتك وأنصارك، فمرنا بأمرك وما تشاء، فلو أمرتنا بقتل كلّ عدوّ لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك، فجزاهم الحسين (عليه السلام) خيراً، وقال لهم: أ وما قرأتم كتاب الله المنزل على جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله): ﴿أَينَمَا تَكُونُوا يُدرِككُّمُ المَوتُ وَلَو كُنتُم فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾؟ وقال سبحانه: ﴿لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيهِمُ القَتلُ إِلَى مَضَاجِعِهِم﴾.

وإذا أقمت بمكاني فبماذا يبتلي هذا الخلق المتعوس؟ وبما ذا يختبرون؟ ومن ذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء؟ وقد اختارها الله يوم دحا الأرض، وجعلها معقلاً لشيعتنا، ويكون لهم أماناً في الدنيا والآخرة، ولكن تحضرون يوم السبت، وهو يوم عاشورا الذي في آخره أقتل، ولا يبقى بعدي مطلوب من أهلي ونسبي وإخوتي وأهل بيتي، ويسار برأسي إلى يزيد لعنه الله.

فقالت الجنّ: نحن _ والله _ يا حبيب الله وابن حبيبه، لولا أنّ أمرك طاعة، وأنّه لا يجوز لنا مخالفتك، قتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك، فقال (عليه السلام) لهم: نحن _ والله _ أقدر عليهم منكم، ولكن ﴿لِيَهلِكَ مَن هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحيَى مَن حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ﴾.

المصدر الأصلي: تسلية المجالس
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٣۰-٣٣١
الحديث: ٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٥٨٥

وتلاقت الرسل كلّها عنده فقرأ الكتب وسأل الرسل عن الناس، ثمّ كتب مع هانئ بن هانئ، وسعيد بن عبد الله _ وكانا آخر الرسل _: بسم الله الرحمن الرحيم؛ من الحسين بن عليّ إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين، أمّا بعد، فإنّ هانئاً وسعيداً قدما عليّ بكتبكم، وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم، وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلّكم أنّه ليس علينا إمام، فأقبل، لعلّ الله أن يجمعنا بك على الحقّ والهدى، وأنا باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل، فإن كتب إليّ بأنّه قد اجتمع رأي ملئكم، وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم، فإنّي أقدم إليكم وشيكاً إن شاء الله، فلعمري، ما الإمام إلّا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحقّ، الحابس نفسه على ذلك لله، والسلام.

و دعا الحسين (عليه السلام) مسلم بن عقيل فسرّحه مع قيس بن مسهر الصيداوي وعمارة بن عبد الله السلولي وعبد الرحمن بن عبد الله الأزدي وأمره بالتقوى وكتمان أمره واللطف، فإن رأى الناس مجتمعين مستوسقين، عجّل إليه بذلك.

ثمّ أقبل حتّى دخل الكوفة فنزل في دار المختار بن أبي عبيدة _ وهي التي تدعى اليوم دار مسلم بن المسيّب _ وأقبلت الشيعة تختلف إليه، فكلّما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين (عليه السلام) وهم يبكون، وبايعه الناس حتّى بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً، فكتب مسلم إلى الحسين (عليه السلام) يخبره ببيعة ثمانية عشر ألفاً ويأمره بالقدوم، وجعلت الشيعة تختلف إلى مسلم بن عقيل حتّى علم بمكانه، فبلغ النعمان بشير ذلك _ وكان والياً على الكوفة من قبل معاوية فأقرّه يزيد عليها _ فصعد المنبر فحمد الله
وأثنى عليه، ثمّ قال:

أمّا بعد، فاتّقوا الله، عباد الله، ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة، فإنّ فيها تهلك الرجال، وتسفك الدماء، وتغصب الأموال، إنّي لا أقاتل من لا يقاتلني، ولا آتي على من لم يأت عليّ، ولا أنبّه نائمكم ولا أتحرّش بكم، ولا آخذ بالقرف ولا الظنّة ولا التهمة، ولكنّكم إن أبديتم صفحتكم لي، ونكثتم بيعتكم، وخالفتم إمامكم، فوالله الذي لا إله غيره، لأضربنّكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن لي منكم ناصر. أما إنّي أرجو أن يكون من يعرف الحقّ منكم أكثر ممّن يرديه الباطل. فقام إليه عبد الله بن مسلم بن ربيعة الحضرمي حليف بني أميّة، فقال له: إنّه لا يصلح ما ترى إلّا الغشم، وهذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوّك رأي المستضعفين. فقال له النعمان: أن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحبّ إلي من أن أكون من الأعزّين في معصية الله، ثمّ نزل.

وخرج عبد الله بن مسلم وكتب إلى يزيد بن معاوية كتاباً: أمّا بعد، فإنّ مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة، وبايعه الشيعة للحسين بن عليّ بن أبي طالب، فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قويّاً ينفذ أمرك، ويعمل مثل عملك في عدوّك، فإنّ النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعّف. ثمّ كتب إليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه، ثمّ كتب إليه عمر بن سعد بن أبي وقّاص مثل ذلك.

فلمّا وصلت الكتب إلى يزيد، دعا سرحون مولى معاوية، فقال: ما رأيك؟ إنّ الحسين (عليه السلام) قد نفذ إلى الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له، وقد بلغني عن النعمان ضعف وقول سيّئ، فمن ترى أن أستعمل على الكوفة؟ _ وكان يزيد عاتباً على عبيد الله بن زياد _ فقال له سرحون: أ رأيت لو نشر لك معاوية حيّاً ما كنت آخذاً برأيه؟ قال: بلى، فأخرج سرحون عهد عبيد الله على الكوفة، وقال: هذا رأي معاوية، مات وقد أمر بهذا الكتاب فضمّ المصرين إلى عبيد الله، فقال له يزيد: أفعل، ابعث بعهد عبيد الله بن زياد إليه.

ثمّ دعا مسلم بن عمرو الباهلي وكتب إلى عبيد الله معه: أمّا بعد، فإنه كتب إليّ شيعتي من أهل الكوفة، ويخبرونني أنّ ابن عقيل فيها يجمع الجموع ليشقّ عصا المسلمين، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي الكوفة، فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتّى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه، والسلام.

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٣٤-٣٣٧
الحديث: ٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٥٨٦

أقبل ابن زياد إلى الكوفة، ومعه مسلم بن عمرو الباهلي وشريك بن الأعور الحارثي، وحشمه وأهل بيته حتّى دخل الكوفة، وعليه عمامة سوداء وهو متلثّم والناس قد بلغهم إقبال الحسين (عليه السلام) إليهم، فهم ينتظرون قدومه فظنّوا حين رأوا عبيد الله أنّه الحسين (عليه السلام)، فأخذ لا يمرّ على جماعة من الناس إلّا سلّموا عليه، وقالوا: مرحباً بك يا بن رسول الله، قدمت خير مقدم، فرأى من تباشرهم بالحسين (عليه السلام) ما ساءه.

فقال مسلم بن عمرو _ لمّا أكثروا _: تأخّروا، هذا الأمير عبيد الله بن زياد، وسار حتّى وافى القصر بالليل ومعه جماعة قد التفّوا به، لا يشكّون أنّه الحسين (عليه السلام)، فأغلق النعمان بن بشير عليه وعلى خاصّته، فناداه بعض من كان معه ليفتح لهم الباب، فاطّلع عليه النعمان وهو يظنّه الحسين (عليه السلام). فقال: أنشدك الله إلّا تنحّيت، والله، ما أنا بمسلّم إليك أمانتي، وما لي في قتالك من إرب، فجعل لا يكلّمه، ثمّ إنّه دنا وتدلّى النعمان من شرف القصر فجعل يكلّمه، فقال: افتح، لا فتحت، فقد طال ليلك، وسمعها إنسان خلفه، فنكص إلى القوم الذين اتّبعوه من أهل الكوفة على أنّه الحسين (عليه السلام)، فقال: يا قوم، ابن مرجانة، والذي لا إله غيره، ففتح له النعمان فدخل وضربوا الباب في وجوه الناس وانفضّوا.

وأصبح فنادى في الناس: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فخرج إليهم فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أمّا بعد، فإنّ أمير المؤمنين يزيد ولّاني مصركم وثغركم وفيئكم، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم، والإحسان إلى سامعكم ومطيعكم كالوالد البرّ، وسوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي، فليتّق امرؤ على نفسه، الصدق ينبيء عنك لا الوعيد، ثمّ نزل.

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٤۰-٣٤١
الحديث: ۷
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٥٨٧

ولمّا سمع مسلم بن عقيل (رحمة الله عليه) مجيء عبيد الله إلى الكوفة ومقالته التي قالها، وما أخذ به العرفاء والناس، خرج من دار المختار حتّى انتهى إلى دار هانئ بن عروة، فدخلها. فأخذت الشيعة تختلف إليه في دار هانئ على تستّر واستخفاء من عبيد الله، وتواصوا بالكتمان، فدعا ابن زياد مولىً له _ يقال له معقل _ فقال: خذ ثلاثة آلاف درهم واطلب مسلم بن عقيل والتمس أصحابه، فإذا ظفرت بواحد منهم أو جماعة فأعطهم هذه الثلاثة آلاف درهم، وقل لهم: استعينوا بها على حرب عدوّكم، وأعلمهم أنّك منهم، فإنّك لو قد أعطيتهم إيّاها لقد اطمأنّوا إليك ووثقوا بك، ولم يكتموك شيئاً من أمورهم وأخبارهم، ثمّ اغد عليهم ورح حتّى تعرف مستقرّ مسلم بن عقيل، وتدخل عليه.

ففعل ذلك، وجاء حتّى جلس إلى مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم، وهو يصلّي فسمع قوماً يقولون: هذا يبايع للحسين (عليه السلام)، فجاء وجلس إلى جنبه حتّى فرغ من صلاته.

ثمّ قال: يا عبد الله، إنّي امرؤ من أهل الشام، أنعم الله عليّ بحبّ أهل البيت وحبّ من أحبّهم، وتباكى له وقال: معي ثلاثة آلاف درهم، أردت بها لقاء رجل منهم، بلغني أنّه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكنت أريد لقاءه، فلم أجد أحداً يدلّني عليه ولا أعرف مكانه، فإنّي لجالس في المسجد الآن إذ سمعت نفراً من المؤمنين يقولون: هذا رجل له علم بأهل هذا البيت، وإنّي أتيتك لتقبض منّي هذا المال، وتدخلني على صاحبك، فإنّي أخ من إخوانك، وثقة عليك، وإن شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه.

فقال له ابن عوسجة: احمد الله على لقائك إيّاي، فقد سرّني ذلك لتنال الذي تحبّ، ولينصرنّ الله بك أهل بيت نبيّه (عليهم السلام)، ولقد ساءني معرفة الناس إيّاي بهذا الأمر قبل أن يتمّ، مخافة هذه الطاغية وسطوته، فقال له معقل: لا يكون إلّا خيراً، خذ البيعة عليّ، فأخذ بيعته وأخذ عليه المواثيق المغلظة ليناصحنّ وليكتمنّ، فأعطاه من ذلك ما رضي به.

ثمّ قال له: اختلف إليّ أيّاماً في منزلي، فإنّي طالب لك الإذن على صاحبك، وأخذ يختلف مع الناس، فطلب له الاذن فأذن له، وأخذ مسلم بن عقيل بيعته، وأمر أبا ثمامة الصائدي بقبض المال منه وهو الذي كان يقبض أموالهم، وما يعين به بعضهم بعضاً، ويشتري لهم به السلاح، وكان بصيراً وفارساً من فرسان العرب ووجوه الشيعة، وأقبل ذلك الرجل يختلف إليهم فهو أوّل داخل وآخر خارج، حتّى فهم ما احتاج إليه ابن زياد من أمرهم، فكان يخبره به وقتاً فوقتاً.

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٤١-٣٤٣
الحديث: ٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٥٨٨

وكان شريك بن الأعور الهمداني جاء من البصرة مع عبيد الله بن زياد، فمرض فنزل دار هانئ أيّاماً، ثمّ قال لمسلم: إنّ عبيد الله يعودني وإنّي مطاوله الحديث، فاخرج إليه بسيفك فاقتله، وعلامتك أن أقول: اسقوني ماء، ونهاه هانئ عن ذلك.

فلمّا دخل عبيد الله على شريك وسأله عن وجعه، وطال سؤاله ورأى أنّ أحداً لا يخرج، فخشي أن يفوته فأخذ يقول:

ما الانتظار بسلمی أن تحیّیها
كأس المنیّة بالتعجیل اسقوها

فتوهّم ابن زياد وخرج، فلمّا دخل القصر أتاه مالك بن يربوع التميمي بكتاب أخذه من يدي عبد الله بن يقطر فإذا فيه: للحسين بن عليّ (عليه السلام): أمّا بعد، فإنّي أخبرك أنّه قد بايعك من أهل الكوفة كذا، فإذا أتاك كتابي هذا فالعجل العجل، فإنّ الناس كلّهم معك، وليس لهم في يزيد رأي ولا هوىً، فأمر ابن زياد بقتله.

المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٤٣
الحديث: ٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٥٨٩

قال هانئ لمسلم: إنّي لا أحبّ أن يقتل في داري، فلمّا خرج مسلم قال له شريك: ما منعك من قتله؟ قال: خصلتان: أمّا إحداهما فكراهية هانئ أن يقتل في داره، وأمّا الأخرى فحديث حدّثنيه الناس عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): أنّ الإيمان قيد الفتك، فلا يفتك مؤمن. فقال له هانئ: أما والله، لو قتلته لقتلت فاسقاً فاجراً كافراً.

المصدر الأصلي: مقاتل الطالبیّین
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٤٤
الحديث: ١۰
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٥٩٠

فلمّا سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرّقون، وكانت المرأة تأتي ابنها أو أخاها فتقول: انصرف، الناس يكفونك، ويجيء الرجل إلى ابنه أو أخيه ويقول: غداً تأتيك أهل الشام، فما تصنع بالحرب والشرّ؟ انصرف، فيذهب به فينصرف، فما زالوا يتفرّقون حتّى أمسى ابن عقيل، وصلّى المغرب وما معه إلّا ثلاثون نفساً في المسجد. فلمّا رأى أنّه قد أمسى وليس معه إلّا أولئك النفر، وخرج متوجّهاً إلى أبواب كندة فلم يبلغ الأبواب إلّا ومعه منهم عشرة، ثمّ خرج من الباب وإذا ليس معه إنسان يدلّه، فالتفت فإذا هو لا يحسّ أحداً يدلّه على الطريق، ولا يدلّه على منزله، ولا يواسيه بنفسه إن عرض له عدوّ، فمضى على وجهه متلدّداً ١ في أزقّة الكوفة لا يدري أين يذهب؟ حتّى خرج إلى دور بني جبلة من كندة، فمضى حتّى أتى إلى باب امرأة _ يقال لها طوعة _ أمّ ولد كانت للأشعث بن قيس، وأعتقها وتزوّجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالاً، وكان بلال قد خرج مع الناس، وأمّه قائمة تنتظره.

فسلّم عليها ابن عقيل، فردّت عليه السلام، فقال لها: يا أمة الله، اسقيني ماء، فسقته وجلس ودخلت ثمّ خرجت، فقالت: يا عبد الله، أ لم تشرب؟ قال: بلى، قالت: فاذهب إلى أهلك، فسكت، ثمّ أعادت مثل ذلك فسكت، ثمّ قالت في الثالثة: سبحان الله، يا عبد الله، قم _ عافاك الله _ إلى أهلك، فإنّه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا أحلّه لك. فقام وقال: يا أمة الله، ما لي في هذا المصر أهل ولا عشيرة، فهل لك في أجر ومعروف، ولعلّي مكافيك بعد هذا اليوم، قالت: يا عبد الله، وما ذاك؟ قال: أنا مسلم بن عقيل، كذّبني هؤلاء القوم، وغرّوني وأخرجوني، قالت: أنت مسلم؟ قال: نعم، قالت: ادخل، فدخل إلى بيت دارها غير البيت الذي تكون فيه، وفرشت له وعرضت عليه العشاء فلم يتعشّ، ولم يكن بأسرع من أن جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت والخروج منه.

فقال لها: والله، إنّه ليريبني كثرة دخولك إلى هذا البيت وخروجك منه منذ الليلة، إنّ لك لشأناً، قالت له: يا بنيّ، اله عن هذا، قال: والله، لتخبريني، قالت له: أقبل على شأنك، ولا تسألني عن شيء، فألحّ عليها، فقالت: يا بنيّ، لا تخبرنّ أحداً من الناس بشيء ممّا أخبرك به، قال: نعم، فأخذت عليه الأيمان، فحلف لها، فأخبرته فاضطجع وسكت …

وأصبح ابن تلك العجوز، فغدا إلى عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث، فأخبره بمكان مسلم بن عقيل عند أمّه … فبعث معه عبيد الله بن عباس السلمي في سبعين رجلاً من قيس، حتّى أتوا الدار التي فيها مسلم بن عقيل (رحمة الله عليه)، فلمّا سمع وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال علم أنّه قد أتي، فخرج إليهم بسيفه واقتحموا عليه الدار، فشدّ عليهم يضربهم بسيفه حتّى أخرجهم من الدار، ثمّ عادوا إليه فشدّ عليهم كذلك، فاختلف هو وبكر بن حمران الأحمري ضربتين، فضرب بكر فم مسلم، فقطع شفته العليا وأسرع السيف في السفلى وفصلت له ثنيتاه، وضرب مسلم في رأسه ضربة منكرة، وثنّاه بأخرى على حبل العاتق، كادت تطلع إلى جوفه.

فلمّا رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق البيت، وأخذوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار في أطنان القصب ثمّ يرمونها عليه من فوق البيت، فلمّا رأى ذلك خرج عليهم مصلتاً بسيفه في السكّة، فقال محمّد بن الأشعث: لك الأمان، لا تقتل نفسك وهو يقاتلهم … فأتى ببغلة فحمل عليها، واجتمعوا حوله ونزعوا سيفه، وكأنّه عند ذلك يئس من نفسه فدمعت عيناه، ثمّ قال: هذا أوّل الغدر، فقال له محمّد بن الأشعث: أرجو أن لا يكون عليك بأس، قال: وما هو إلّا الرجاء؟ أين أمانكم؟ ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعونَ﴾، وبكى.

فقال له عبيد الله بن العبّاس: إنّ من يطلب مثل الذي طلبت إذا ينزل به مثل ما نزل بك لم يبك، قال: والله، إنّي ما لنفسي بكيت، ولا لها من القتل أرثي، وإن كنت لم أحبّ لها طرفة عين تلفاً، ولكنّي أبكي لأهلي المقبلين، إنّي أبكي للحسين (عليه السلام) وآل الحسين (عليهم السلام) … .

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٥۰-٣٥٣
(١) «التَلَدُّد»: الالتفات إلی الیمین والشمال. لسان العرب، ج٣، ص٣٩۰.
الحديث: ١١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٥٩١

ثمّ قال ابن زياد: اصعدوا به فوق القصر، فاضربوا عنقه ثمّ أتبعوه جسده، فقال مسلم (رحمة الله عليه): والله، لو كان بيني وبينك قرابة ما قتلتني، فقال ابن زياد: أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف؟

فدعا بكر بن حمران الأحمري، فقال له: اصعد، فليكن أنت الذي تضرب عنقه، فصعد به، وهو يكـبّر ويستغفر الله ويصلّي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويقول: اللّهمّ احكم بيننا وبين قوم غرّونا وكذّبونا وخذلونا، وأشرفوا به على موضع الحذّائين اليوم، فضرب عنقه وأتبع رأسه جثّته.

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٥٧
الحديث: ١٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٥٩٢

قال الواقدي وزرارة بن صالح: لقينا الحسين بن عليّ (عليه السلام) قبل خروجه إلى العراق بثلاثة أيّام، فأخبرناه بهوى الناس بالكوفة، وأنّ قلوبهم معه وسيوفهم عليه، فأومأ بيده نحو السماء ففتحت أبواب السماء ونزلت الملائكة عدداً لا يحصيهم إلّا الله تعالی، فقال (عليه السلام): لولا تقارب الأشياء وحبوط الأجر لقاتلتهم بهؤلاء، ولكن أعلم يقيناً أنّ هناك مصرعي ومصرع أصحابي، ولا ينجو منهم إلّا ولدي عليّ.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٦٤
الحديث: ١٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٥٩٣

جاء محمّد ابن الحنفية إلى الحسين (عليه السلام) في الليلة التي أراد الحسين (عليه السلام) الخروج في صبيحتها عن مكّة، فقال له: يا أخي، إنّ أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك، وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى، فإن رأيت أن تقيم فإنّك أعزّ من بالحرم وأمنعه، فقال: يا أخي، قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم، فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت.

فقال له ابن الحنفية: فإن خفت ذلك فصر إلى اليمن أو بعض نواحي البرّ، فإنّك أمنع الناس به، ولا يقدر عليك أحد، فقال (عليه السلام): أنظر فيما قلت. فلمّا كان السحر، ارتحل الحسين (عليه السلام)، فبلغ ذلك ابن الحنفية، فأتاه فأخذ بزمام ناقته _ وقد ركبها _ فقال: يا أخي، أ لم تعدني النظر فيما سألتك؟ قال (عليه السلام): بلى، قال: فما حداك على الخروج عاجلاً؟ قال (عليه السلام): أتاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ما فارقتك، فقال: يا حسين، اخرج، فإنّ الله قد شاء أن يراك قتيلاً.

فقال محمّد ابن الحنفية: ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعونَ﴾، فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال؟ قال (عليه السلام): فقال (صلى الله عليه وآله) لي: إنّ الله قد شاء أن يراهنّ سبايا، فسلّم عليه ومضى.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٦٤
الحديث: ١٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٥٩٤

قال الفرزدق: حججت بأمّي في سنة ستّين، فبينما أنا أسوق بعيرها حتّى دخلت الحرم، إذ لقيت الحسين (عليه السلام) خارجاً من مكّة معه أسيافه وتراسه، فقلت: لمن هذا القطار؟ فقيل: للحسين بن عليّ (عليه السلام) فأتيته وسلّمت عليه، وقلت له: أعطاك الله سؤلك وأمّلك فيما تحبّ، بأبي أنت وأمّي، يا بن رسول الله، ما أعجلك عن الحجّ؟ قال (عليه السلام): لو لم أعجل لأخذت، ثمّ قال (عليه السلام) لي: من أنت؟ قلت: رجل من العرب. ولا والله، ما فتشني عن أكثر من ذلك، ثمّ قال (عليه السلام) لي: أخبرني عن الناس خلفك، فقلت: الخبير سألت، قلوب الناس معك وأسيافهم عليك، والقضاء ينزل من السماء، والله يفعل ما يشاء. قال (عليه السلام): صدقت ﴿لِلَّهِ الأَمرُ مِن قَبلُ وَمِن بَعدُ﴾، و﴿كُلَّ يَومٍ﴾ ربّنا ﴿هُوَ فِي شَأنٍ﴾، إن نزل القضاء بما نحبّ فنحمد الله على نعمائه، وهو المستعان على أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء، فلم يبعد من كان الحقّ نيّته، والتقوى سيرته، فقلت له: أجل، بلّغك الله ما تحبّ وكفاك ما تحذر، وسألته عن أشياء من نذور ومناسك فأخبرني بها، وحرّك راحلته وقال (عليه السلام): السلام عليك، ثمّ افترقنا.

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٦٥
الحديث: ١٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٥٩٥

روي أنّه (عليه السلام) لمّا عزم على الخروج إلى العراق، قام خطيباً، فقال: الحمد لله، وما شاء الله، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله، وصلّى الله على رسوله وسلّم. خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخيّر لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي يتقطّعها عسلان الفلوات، بين النواويس وكربلا، فيملأنّ منّي أكراشاً جوفاً، وأجربة سغباً، لا محيص عن يوم خطّ بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه، ويوفّينا أجور الصابرين، لن تشذّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس تقرّ بهم عينه، وتنجّز لهم وعده، من كان فينا باذلاً مهجته، موطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا، فإنّي راحل مصبحاً إن شاء الله.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٦٦-٣٦٧
الحديث: ١٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٥٩٦

فلمّا قارب [قیس بن مصهر] دخول الكوفة، اعترضه الحصين بن نمير ليفتّشه، فأخرج قيس الكتاب ومزّقه، فحمله الحصين إلى ابن زياد، فلمّا مثل بين يديه قال له: من أنت؟ قال: أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وابنه (عليهما السلام)، قال: فلماذا خرقت الكتاب؟ قال: لئلّا تعلم ما فيه، قال: وممّن الكتاب وإلى من؟ قال: من الحسين بن عليّ (عليه السلام) إلى جماعة من أهل الكوفة، لا أعرف أسماءهم، فغضب ابن زياد، فقال: والله، لا تفارقني حتّى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم، أو تصعد المنبر وتلعن الحسين بن عليّ (عليه السلام) وأباه وأخاه وإلّا قطعتك إرباً إرباً.

فقال قيس: أمّا القوم فلا أخبرك بأسمائهم، وأمّا لعنة الحسين وأبيه وأخيه (عليهم السلام) فأفعل، فصعد المنبر وحمد الله وصلّى على النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأكثر من الترحّم على عليّ وولده (عليهم السلام)، ثمّ لعن عبيد الله بن زياد وأباه، ولعن عتاة بني أميّة عن آخرهم، ثمّ قال: أنا رسول الحسين (عليه السلام) إليكم وقد خلّفته بموضع كذا، فأجيبوه.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٧۰
الحديث: ١٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٥٩٧

فأمر به عبيد الله بن زياد أن يرمى من فوق القصر، فرمي به فتقطّع. وروي أنّه وقع إلى الأرض مكتوفاً فتكسّرت عظامه وبقي به رمق، فأتاه رجل _ يقال له عبد الملك بن عمر اللخمي _ فذبحه، فقيل له في ذلك وعيب عليه، فقال: أردت أن أريحه.

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٧۰
الحديث: ١٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٥٩٨

حدّث جماعة من فزارة ومن بجيلة قالوا: كنّا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكّة، وكنّا نسائر الحسين (عليه السلام) فلم يكن شيء أبغض علينا من أن ننازله في منزل، وإذا سار الحسين (عليه السلام) فنزل في منزل لم نجد بدّاً من أن ننازله، فنزل الحسين (عليه السلام) في جانب ونزلنا في جانب، فبينا نحن جلوس نتغذّى من طعام لنا إذ أقبل رسول الحسين (عليه السلام) حتّى سلّم، ثمّ دخل.

فقال: يا زهير بن القين، إنّ أبا عبد الله الحسين (عليه السلام) بعثني إليك لتأتيه، فطرح كلّ إنسان منّا ما في يده، حتّى كأنّما على رؤوسنا الطير، فقالت له امرأته: سبحان الله، أ يبعث إليك ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثمّ لا تأتيه؟ لو أتيته فسمعت كلامه ثمّ انصرفت. فأتاه زهير بن القين، فما لبث أن جاء مستبشراً قد أشرق وجهه، فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه، قوّض وحمل إلى الحسين (عليه السلام)، ثمّ قال لامرأته: أنت طالق، الحقي بأهلك، فإنّي لا أحّب أن يصيبك بسببي إلّا خير، وقد عزمت على صحبة الحسين (عليه السلام) لأفديه بروحي، وأقيه بنفسي، ثمّ أعطاها مالها وسلّمها إلى بعض بني عمّها ليوصلها إلى أهلها، فقامت إليه وبكت وودّعته، وقالت: خار الله لك، أسألك أن تذكرني في القيامة عند جدّ الحسين (عليه السلام).

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٧١-٣٧٢
الحديث: ١٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٥٩٩

أتاه خبر مسلم في زبالة ثمّ إنّه سار، فلقيه الفرزدق، فسلّم عليه ثمّ قال: يا بن رسول الله، كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمّك مسلم بن عقيل وشيعته؟ فاستعبر الحسين (عليه السلام) باكياً ثمّ قال: رحم الله مسلماً، فلقد صار إلى روح الله وريحانه، وتحيّته ورضوانه، أما إنّه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا، ثمّ أنشأ يقول:

فإن تكن الدنيا تعدّ نفيسة
فدار ثواب الله أعلى وأنبل

وإن تكن الأبدان للموت أُنشئت
فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل

وإن تكن الأرزاق قسماً مقدّراً
فقلة حرص المرء في الرزق أجمل

وإن تكن الأموال للترك جمعها
فما بال متروك به الحرّ يبخل

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٧٤
الحديث: ٢۰
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٠٠

فأخرج للناس كتاباً فقرأ عليهم فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم؛ أمّا بعد، فإنّه قد أتانا خبر فظيع: قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد الله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا، فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج، ليس عليه ذمام.

فتفرّق الناس عنه، وأخذوا يميناً وشمالاً حتّى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة، ونفر يسير ممّن انضمّوا إليه، وإنّما فعل ذلك لأنّه (عليه السلام) علم أنّ الأعراب الذين اتّبعوه إنّما اتّبعوه وهم يظنّون أنّه يأتي بلداً قد استقامت له طاعة أهلها، فكره أن يسيروا معه إلّا وهم يعلمون على ما يقدمون …

ثمّ قال (عليه السلام): والله، لا يدعونني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي، فإذا فعلوا سلّط الله عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ فرق الأمم، ثمّ سار من بطن العقبة حتّى نزل شراف ١ ، فلمّا كان السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء وأكثروا، ثمّ سار حتّى انتصف النهار، فبينما هو يسير إذ كـبّر رجل من أصحابه، فقال له الحسين (عليه السلام): الله أكبر، لما كـبّرت؟ فقال: رأيت النخل، قال جماعة ممّن صحبه: والله، إنّ هذا المكان ما رأينا فيه نخلة قطّ، فقال الحسين (عليه السلام): فما ترونه؟ قالوا: والله، نراه أسنّة الرماح وآذان الخيل، قال: وأنا _ والله _ أرى ذلك … فقال الحسين (عليه السلام) لفتيانه: اسقوا القوم وارووهم من الماء، ورشّفوا الخيل ترشيفاً ٢ ، ففعلوا وأقبلوا يملؤون القصاع والطساس من الماء، ثمّ يُدنونها من الفرس، فإذا عبَّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه وسقي آخر، حتّى سقوها عن آخرها.

فقال عليّ بن الطعّان المحاربي: كنت مع الحرّ يومئذٍ، فجئت في آخر من جاء من أصحابه، فلمّا رأى الحسين (عليه السلام) ما بي وبفرسي من العطش قال: أنخ الراوية، و«الراوية» عندي السقا، ثمّ قال (عليه السلام): يا بن الأخ، أنخ الجمل، فأنخته، فقال (عليه السلام): اشرب، فجعلت كلّما شربت سال الماء من السقاء، فقال الحسين (عليه السلام): اخنث السقاء _ أي اعطفه _ فلم أدر كيف أفعل؟ فقام فخنثه، فشربت وسقيت فرسي …

فلمّا حضرت الإقامة، خرج الحسين (عليه السلام) في إزار ورداء ونعلين، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس، إنّي لم آتكم حتّى أتتني كتبكم، وقدمت عليّ رسلكم أن أقدم علينا، فليس لنا إمام، لعلّ الله أن يجمعنا وإيّاكم على الهدى والحقّ، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم، فأعطوني ما أطمئنّ إليه من عهودكم ومواثيقكم، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين، انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم، فسكتوا عنه ولم يتكلّموا كلمة.

فقال للمؤذّن: أقم، فأقام الصلاة، فقال للحرّ: أ تريد أن تصلّي بأصحابك؟ فقال الحرّ: لا، بل تصلّي أنت ونصلّي بصلاتك. فصلّى بهم الحسين (عليه السلام) ثمّ دخل فاجتمع عليه أصحابه، وانصرف الحرّ إلى مكانه الذي كان فيه، فدخل خيمة قد ضربت له، فاجتمع إليه خمسمائة من أصحابه وعاد الباقون إلى صفّهم الذي كانوا فيه، ثمّ أخذ كلّ رجل منهم بعنان فرسه وجلس في ظلّها.

فلمّا كان وقت العصر أمر الحسين (عليه السلام) أن يتهيّأوا للرحيل ففعلوا، ثمّ أمر مناديه فنادى بالعصر، وأقام فاستقدم الحسين (عليه السلام)، وقام فصلّى بالقوم ثمّ سلّم وانصرف إليهم بوجهه، فحمد الله وأثنى عليه وقال: أمّا بعد، أيّها الناس، فإنّكم إن تتّقوا الله وتعرفوا الحقّ لأهله، يكن أرضى لله عنكم، ونحن أهل بيت محمّد (صلى الله عليه وآله) أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان، فإن أبيتم إلّا الكراهة لنا والجهل بحقّنا، وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم وقدمت عليّ به رسلكم انصرفت عنكم.

فقال له الحرّ: أنا _ والله _ ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر؟ فقال الحسين (عليه السلام) لبعض أصحابه: يا عقبة بن سمعان، أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إليّ، فأخرج خرجين مملوءين صحفاً فنثرت بين يديه، فقال له الحرّ: لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك، وقد أمرنا أنّا إذا لقيناك لا نفارقك حتّى نقدمك الكوفة على عبيد الله بن زياد.

فقال الحسين (عليه السلام): الموت أدنى إليك من ذلك، ثمّ قال لأصحابه: فقوموا فاركبوا، فركبوا وانتظر حتّى ركبت نساؤه، فقال لأصحابه: انصرفوا، فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الإنصراف، فقال الحسين (عليه السلام) للحرّ: ثكلتك أمّك، ما تريد؟ فقال له الحرّ: أما لو غيرك من العرب يقولها لي، وهو على مثل الحال التي أنت عليها، ما تركت ذكر أمّه بالثكل كائناً من كان، ولكن _ والله _ ما لي من ذكر أمّك من سبيل إلّا بأحسن ما نقدر عليه، فقال له الحسين (عليه السلام): فما تريد؟ قال: أريد أن أنطلق بك إلى الأمير عبيد الله بن زياد، فقال: إذاً _ والله _ لا أتّبعك، فقال: إذاً _ والله _ لا أدعك، فترادّا القول ثلاث مرّات.

فلمّا كثر الكلام بينهما قال له الحرّ: إنّي لم أومر بقتالك، إنّما أمرت أن لا أفارقك حتّى أقدّمك الكوفة، فإذ أبيت فخذ طريقاً لا يدخلك الكوفة ولا يردّك إلى المدينة، يكون بيني وبينك نصفاً حتّى أكتب إلى الأمير عبيد الله بن زياد، فلعلّ الله أن يرزقني العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك، فخذ ههنا.

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٧٤-٣٧٨
(١) «شَراف»: اسم موضع، وقیل: ماء لبني أسد. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج٢، ص٤٦٣.
(٢) «رَشَفَ»: مَصَّ. وقیل: فوق المصّ. لسان العرب، ج٩، ص١١٩.
الحديث: ٢١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٠١

قال عقبة بن سمعان: فسرنا معه ساعة، فخفق (عليه السلام) وهو على ظهر فرسه خفقة، ثمّ انتبه وهو يقول: ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعونَ﴾ و﴿الحَمدُ للَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾. ففعل ذلك مرّتين أو ثلاثاً، فأقبل إليه ابنه عليّ بن الحسين (عليه السلام) فقال: ممّ حمدت الله واسترجعت؟ قال (عليه السلام): يا بنيّ، إنّي خفقت خفقة، فعنّ لي ١ فارس على فرس وهو يقول: القوم يسيرون، والمنايا تسير إليهم، فعلمت أنّها أنفسنا نعيت إلينا، فقال له: يا أبت، لا أراك الله سوءاً، أ لسنا على الحقّ؟ قال (عليه السلام): بلى، والله الذي مرجع العباد إليه، فقال: فإنّنا إذاً لا نبالي أن نموت محقّين، فقال له الحسين (عليه السلام): جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده.

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٧٩-٣٨۰
(١) «عَنّ لي»: ظَهَرَ أمامی. راجع: كتاب العين،ج١، ص٩۰.
الحديث: ٢٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٠٢

فقام الحسين (عليه السلام) خطيباً في أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: إنّه قد نزل من الأمر ما قد ترون، وإنّ الدنيا تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها، ولم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، أ لا ترون إلى الحقّ لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء ربّه حقّاً حقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة، والحياة مع الظالمين إلّا برماً.

فقام زهير بن القين فقال: قد سمعنا _ هداك الله يا بن رسول الله _ مقالتك ولو كانت الدنيا لنا باقية، وكنّا فيها مخلّدين، لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها. ووثب هلال بن نافع البجلي فقال: والله، ما كرهنا لقاء ربّنا، وإنّا على نيّاتنا وبصائرنا، نوالي من والاك، ونعادي من عاداك. وقام برير بن خضير، فقال: والله، يا ابن رسول الله، لقد منّ الله بك علينا أن نقاتل بين يديك، فيقطّع فيك أعضاؤنا ثمّ يكون جدّك شفيعنا يوم القيامة.

ثمّ إنّ الحسين (عليه السلام) ركب وسار، كلّما أراد المسير يمنعونه تارة ويسايرونه أخرى، حتّى بلغ كربلا وكان ذلك في اليوم الثامن ١ من المحرّم.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٨١
(١) كذا في البحار ولكن في المصدر: «الثاني». راجع: اللهوف، ص٨۰.
الحديث: ٢٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٠٣

فقال له زهير: فسر بنا حتّی ننزل بكربلاء فإنّها على شاطئ الفرات، فنكون هنالك، فإن قاتلونا قاتلناهم، واستعنّا الله عليهم، فدمعت علينا الحسين (عليه السلام)، ثمّ قال: اللّهمّ، إنّي أعوذ بك من الكرب والبلاء.

المصدر الأصلي: المناقب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٨١
الحديث: ٢٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٠٤

فوثب إلى الحسين (عليه السلام) رجل من شيعته _ يقال له هلال بن نافع البجلي _ فقال: يا بن رسول الله، أنت تعلم أنّ جدّك رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يقدر أن یشرب الناس محبّته ولا أن يرجعوا إلى أمره ما أحبّ، وقد كان منهم منافقون يعدونه بالنصر ويضمرون له الغدر، يلقونه بأحلى من العسل ويخلفونه بأمرّ من الحنظل، حتّى قبضه الله إليه، وإنّ أباك عليّاً (عليه السلام) قد كان في مثل ذلك، فقوم قد أجمعوا على نصره وقاتلوا معه الناكثين والقاسطين والمارقين، حتّى أتاه أجله فمضى إلى رحمة الله ورضوانه، وأنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة، فمن نكث عهده وخلع بيعته فلن يضرّ إلّا نفسه، والله مغنٍ عنه. فسر بنا راشداً معافاً مشرّقاً إن شئت، وإن شئت مغرّباً، فوالله، ما أشفقنا من قدر الله، ولا كرهنا لقاء ربّنا وإنّا على نيّاتنا وبصائرنا، نوالي من والاك ونعادي من عاداك.

المصدر الأصلي: المناقب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٨٢-٣٨٣
الحديث: ٢٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٠٥

فجمع الحسين (عليه السلام) ولده وإخوته وأهل بيته، ثمّ نظر إليهم، فبكى ساعة ثمّ قال: اللّهمّ إنّا عترة نبيّك محمّد (صلى الله عليه وآله)، وقد أخرجنا وطردنا وأزعجنا عن حرم جدّنا وتعدّت بنو أميّة علينا، اللّهمّ فخذ لنا بحقّنا، وانصرنا على القوم الظالمين …

ثمّ أقبل على أصحابه، فقال: الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون. ثمّ قال: أ هذه كربلاء؟ فقالوا: نعم، يا بن رسول الله، فقال (عليه السلام): هذا موضع كرب وبلاء، ههنا مناخ ركابنا، ومحطّ رحالنا، ومقتل رجالنا، ومسفك دمائنا.

المصدر الأصلي: المناقب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٨٣
الحديث: ٢٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٠٦

ورجعت خيل ابن سعد حتّى نزلوا على شاطئ الفرات، فحالوا بين الحسين (عليه السلام) وأصحابه وبين الماء، وأضرّ العطش بالحسين (عليه السلام) وأصحابه، فأخذ الحسين (عليه السلام) فأساً وجاء إلى وراء خيمة النساء، فخطا في الأرض تسع عشرة خطوة نحو القبلة ثمّ حفر هناك، فنبعت له عين من الماء العذب، فشرب الحسين (عليه السلام) وشرب الناس بأجمعهم، وملأوا أسقيتهم، ثمّ غارت العين، فلم ير لها أثر.

وبلغ ذلك ابن زياد فأرسل إلى عمر بن سعد: بلغني أنّ الحسين يحفر الآبار، ويصيب الماء، فيشرب هو وأصحابه، فانظر إذا ورد عليك كتابي، فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت، وضيّق عليهم، ولا تدعهم يذوقوا الماء، وافعل بهم كما فعلوا بالزكيّ عثمان، فعندها ضيّق عمر بن سعد عليهم غاية التضييق.

فلمّا اشتدّ العطش بالحسين (عليه السلام)، دعا بأخيه العبّاس، فضمّ إليه ثلاثين فارساً وعشرين راكباً، وبعث معه عشرين قربة، فأقبلوا في جوف الليل حتّى دنوا من الفرات، فقال عمرو بن الحجّاج: من أنتم؟ فقال رجل من أصحاب الحسين (عليه السلام) _ يقال له هلال بن نافع البجلي _: ابن عمّ لك، جئت أشرب من هذا الماء، فقال عمرو: اشرب هنيئاً، فقال هلال: ويحك، تأمرني أن أشرب والحسين بن عليّ (عليه السلام) ومن معه يموتون عطشاً؟ فقال عمرو: صدقت، ولكن أمرنا بأمر لا بدّ أن ننتهي إليه. فصاح هلال بأصحابه فدخلوا الفرات، وصاح عمرو بالناس واقتتلوا قتالاً شديداً، فكان قوم يقاتلون، وقوم يملأون حتّى ملأوها، ولم يقتل من أصحاب الحسين (عليه السلام) أحد؛ ثمّ رجع القوم إلى معسكرهم، فشرب الحسين (عليه السلام) ومن كان معه، ولذلك سمّي العبّاس (عليه السلام) السقّاء.

ثمّ أرسل الحسين (عليه السلام) إلى عمر بن سعد _ لعنه الله _: أنّي أريد أن أكلّمك، فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك، فخرج إليه ابن سعد في عشرين وخرج إليه الحسين (عليه السلام) في مثل ذلك، فلمّا التقيا أمر الحسين (عليه السلام) أصحابه فتنحّوا عنه، وبقي معه أخوه العبّاس، وابنه عليّ الأكبر، وأمر عمر بن سعد أصحابه فتنحّوا عنه، وبقي معه ابنه حفص وغلام له، فقال له الحسين (عليه السلام): ويلك يا بن سعد، أ ما تتّقي الله الذي إليه معادك؟ أ تقاتلني وأنا ابن من علمت؟ ذر هؤلاء القوم وكن معي، فإنّه أقرب لك إلى الله تعالی، فقال عمر بن سعد: أخاف أن يهدم داري، فقال الحسين (عليه السلام): أنا أبنيها لك، فقال: أخاف أن تؤخذ ضيعتي، فقال الحسين (عليه السلام): أنا أخلف عليك خيراً منها من مالي بالحجاز، فقال: لي عيال وأخاف عليهم، ثمّ سكت ولم يجبه إلى شيء.

فانصرف عنه الحسين (عليه السلام)، وهو يقول: ما لك؟ ذبحك الله على فراشك عاجلاً ولا غفر لك يوم حشرك، فوالله، إنّي لأرجو أن لا تأكل من برّ العراق إلّا يسيراً، فقال ابن سعد: «في الشعير كفاية عن البرّ» مستهزئاً بذلك القول.

المصدر الأصلي: تسلیة المجالس
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٨٧-٣٨٩
الحديث: ٢٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٠٧

ونادى عبد الله بن حصين الأزدي _ وكان عداده في بجيلة _ قال بأعلى صوته: يا حسين، أ لا تنظرون إلى الماء كأنّه كبد السماء، والله، لا تذوقون منه قطرة واحدة حتّى تموتوا عطشاً، فقال الحسين (عليه السلام): اللّهمّ اقتله عطشاً ولا تغفر له أبداً، قال حميد بن مسلم: والله، لعدته في مرضه بعد ذلك، فوالله الذي لا إله غيره، لقد رأيته يشرب الماء حتّى يبغر ١ ثمّ يقيئه، ويصيح: العطش العطش، ثمّ يعود ويشرب حتّى يبغر ثمّ يقيئه ويتلظّى عطشاً، فما زال ذلك دأبه حتّى لفظ نفسه.

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٨٩
(١) «البَغْرُ»: الشرب بلا رِيّ. لسان العرب، ج٤، ص٧٢.
الحديث: ٢٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٠٨

وكتب ابن زياد إلى عمر بن سعد: لم أبعثك إلى الحسين لتكفّ عنه، ولا لتطاوله ولا لتمنّيه السلامة والبقاء، ولا لتعتذر عنه، ولا لتكون له عندي شفيعاً، انظر، فإن نزل حسين وأصحابه على حكمي واستسلموا فابعث بهم إليّ سلماً، وإن أبوا فازحف إليهم حتّى تقتلهم وتمثّل بهم، فإنّهم لذلك مستحقّون، فإن قتلت حسيناً فأوطئ الخيل صدره وظهره، فإنّه عاتٍ ظلوم، ولست أرى أنّ هذا يضرّ بعد الموت شيئاً، ولكن عليّ قول قد قلته، لو قد قتلته لفعلته هذا به، فإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا، وخلّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر، فإنّا قد أمرناه بأمرنا، والسلام.

فأقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد، فلمّا قدم عليه وقرأه، قال له عمر: ما لك؟ ويلك، لا قرّب الله دارك، وقبّح الله ما قدمت به عليّ، والله، إنّي لأظنّك نهيته عمّا كتبت به إليه، وأفسدت علينا أمراً قد كنّا رجونا أن يصلح، لا يستسلم _ والله _ حسين، إنّ نفس أبيه لبين جنبيه، فقال له شمر: أخبرني ما أنت صانع؟ أ تمضي لأمر أميرك وتقاتل عدوّه، وإلّا فخلّ بيني وبين الجند والعسكر، قال: لا، ولا كرامة لك، ولكن أنا أتولّى ذلك، فدونك، فكن أنت على الرجّالة.

ونهض عمر بن سعد إلى الحسين (عليه السلام) عشيّة الخميس لتسع مضين من المحرّم، وجاء شمر حتّى وقف على أصحاب الحسين (عليه السلام)، وقال: أين بنو أختنا؟ فخرج إليه جعفر والعبّاس وعبد الله وعثمان بنو عليّ (عليه السلام)، فقالوا: ما تريد؟ فقال: أنتم يا بني أختي آمنون، فقال له الفئة: لعنك الله ولعن أمانك، أ تؤمننا وابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا أمان له؟

ثمّ نادى عمر: يا خيل الله اركبي، وبالجنّة أبشري، فركب الناس ثمّ زحف نحوهم بعد العصر والحسين (عليه السلام) جالس أمام بيته محتبئ بسيفه، إذ خفق برأسه على ركبتيه، وسمعت أخته الصيحة، فدنت من أخيها وقالت: يا أخي، أ ما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت؟ فرفع الحسين (عليه السلام) رأسه فقال: إنّي رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الساعة في المنام، وهو يقول لي:
إنّك تروح إلينا.

فلطمت أخته وجهها، ونادت بالويل، فقال لها الحسين (عليه السلام): ليس لكِ الويل يا أخته، اسكتي، رحمك الله.

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٩۰-٣٩١
الحديث: ٢٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٠٩

يا أختاه، إنّي رأيت الساعة جدّي محمّداً وأبي عليّاً وأمّي فاطمة وأخي الحسن (عليهم السلام) وهم يقولون: يا حسين، إنّك رائح إلينا عن قريب _ وفي بعض الروايات: غداً _؛ فلطمت زينب (عليها السلام) على وجهها وصاحت، فقال لها الحسين (عليه السلام): مهلاً، لا تشمتي القوم بنا.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٩١
الحديث: ٣۰
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦١٠

فقال له العبّاس بن علي (عليه السلام): يا أخي، أتاك القوم، فنهض ثمّ قال: اركب أنت يا أخي، حتّى تلقاهم وتقول لهم: ما لكم؟ وما بدا لكم؟ وتسألهم عمّا جاء بهم، فأتاهم العبّاس في نحو من عشرين فارساً فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر، فقال لهم العبّاس: ما بدا لكم وما تريدون؟ قالوا: قد جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو نناجزكم، قال: فلا تعجلوا حتّى أرجع إلى أبي عبد الله، فأعرض عليه ما ذكرتم، فوقفوا فقالوا: القه وأعلمه، ثمّ القنا بما يقول لك، فانصرف العبّاس راجعاً يركض إلى الحسين (عليه السلام) يخبره الخبر، ووقف أصحابه يخاطبون القوم، ويعظونهم ويكفّونهم عن قتال الحسين (عليه السلام).

فجاء العبّاس إلى الحسين (عليه السلام) وأخبره بما قال القوم، فقال: ارجع إليهم، فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى غد، وتدفعهم عنّا العشيّة، لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أنّي قد كنت أحبّ الصلاة له، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار.

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٩١-٣٩٢
الحديث: ٣١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦١١

وجمع الحسين (عليه السلام) أصحابه عند قرب المساء، قال عليّ بن الحسين زين العابدين (عليه السلام): فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم، وأنا إذ ذاك مريض، فسمعت أبي يقول لأصحابه: أثني على الله أحسن الثناء، وأحمده على السرّاء والضرّاء، اللّهمّ، إنّي أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوّة، وعلّمتنا القرآن، وفقّهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة، فاجعلنا من الشاكرين. أمّا بعد، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ وأوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي خيراً، ألا وإنّي لأظنّ يوماً لنا من هؤلاء، ألا وإنّي قد أذنت لكم، فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم حرج منّي ولا ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً.

فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر: لم نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبداً، بدأهم بهذا القول العبّاس بن عليّ (عليه السلام) وأتبعته الجماعة عليه فتكلّموا بمثله ونحوه.

فقال الحسين (عليه السلام): يا بني عقيل، حسبكم من القتل بمسلم بن عقيل، فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم، فقالوا: سبحان الله، ما يقول الناس؟ نقول: إنّا تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام، ولم نرم معهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف، ولا ندري ما صنعوا، لا، والله، ما نفعل ذلك ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلنا، ونقاتل معك حتّى نرد موردك، فقبّح الله العيش بعدك.

وقام إليه مسلم بن عوسجة، فقال: أ نحن نخلّي عنك؟ وبما نعتذر إلى الله في أداء حقّك؟ لا، والله، حتّى أطعن في صدورهم برمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة، والله، لا نخلّيك حتّى يعلم الله أنّا قد حفظنا غيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيك. أما والله، لو علمت أنّي أقتل ثمّ أحيا ثمّ أحرق ثمّ أحيا ثمّ أذرى ١ ، يفعل ذلك بي سبعين مرّة، ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة؟ ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً. وقام زهير بن القين، فقال: والله، لوددت أنّي قتلت ثمّ نشرت ثمّ قتلت حتّى أقتل هكذا ألف مرّة، وأنّ الله يدفع بذلك القتل عن نفسك، وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك.

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٩٢-٣٩٣
(١) «الإذراء»: ضربك الشيء ترمي به. كتاب العین، ج٨، ص١٩٤.
الحديث: ٣٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦١٢

قيل لمحمّد بن بشر الحضرمي في تلك الحال: قد أسر ابنك بثغر الريّ، فقال: عند الله أحتسبه ونفسي، ما أحبّ أن يؤسر وأنا أبقى بعده، فسمع الحسين (عليه السلام) قوله، فقال: رحمك الله، أنت في حلّ من بيعتي، فاعمل في فكاك ابنك، فقال: أكلتني السباع حيّاً إن فارقتك، قال: فأعط ابنك هذه الأثواب البرود، يستعين بها في فداء أخيه، فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار.

وبات الحسين (عليه السلام) وأصحابه تلك الليلة، ولهم دويّ كدويّ النحل، ما بين راكع وساجد، وقائم وقاعد، فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر عمر بن سعد اثنان وثلاثون رجلاً.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٣٩٤
الحديث: ٣٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦١٣

فجعل برير يضاحك عبد الرحمن، فقال له عبد الرحمن: يا برير، أ تضحك؟ ما هذه ساعة باطل، فقال برير: لقد علم قومي أنّني ما أحببت الباطل كهلاً ولا شابّاً، وإنّما أفعل ذلك استبشاراً بما نصير إليه. فوالله، ما هو إلّا أن نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعاجلهم ساعة، ثمّ نعانق الحور العين.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١
الحديث: ٣٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦١٤

قال عليّ بن الحسين (عليه السلام): إنّي جالس في تلك الليلة التي قتل أبي في صبيحتها وعندي عمّتي زينب تمرّضني، إذا اعتزل أبي خباء له وعنده فلان مولى أبي ذر الغفاري وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول:

يا دهر أفّ لك من خليل
كم لك بالإشراق والأصيل

من صاحبٍ وطالبٍ قتيل
والدهر لايقنع بالبديل

وإنّما الأمر إلى الجليل
وكلّ حيّ سالك سبيلي

فأعادها مرّتين، أو ثلاثاً حتّى فهمتها وعلمت ما أراد فخنقتني العبرة، فرددتها ولزمت السكوت، وعلمت أنّ البلاء قد نزل، وأمّا عمّتي، فلمّا سمعت ما سمعت _ وهي امرأة ومن شأن النساء الرقّة والجزع _ فلم تملك نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها وهي حاسرة حتّى انتهت إليه، وقالت: وا ثكلاه، ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت أمّي فاطمة، وأبي عليّ، وأخي الحسن (عليهم السلام)، يا خليفة الماضي، وثمال الباقي.

فنظر إليها الحسين (عليه السلام) وقال لها: يا أخته، لايذهبنّ حلمك الشيطان، وترقرقت عيناه بالدموع، وقال: لو ترك القطا ليلاً لنام، فقالت: يا ويلتاه، أ فتغتصب نفسك اغتصاباً؟ فذلك أقرح لقلبي وأشدّ على نفسي، ثمّ لطمت وجهها، وهوت إلى جيبها وشقّته، وخرّت مغشيّة عليها.

فقام إليها الحسين (عليه السلام) فصبّ على وجهها الماء وقال لها: يا أختاه، اتّقي الله وتعزّي بعزاء الله، واعلمي، أنّ أهل الأرض يموتون، وأهل السماء لايبقون، وأنّ كلّ شيء هالك إلّا وجه الله تعالی، الذي خلق الخلق بقدرته، ويبعث الخلق ويعودون، وهو فرد وحده، وأبي خير منّي، وأمّي خير منّي، وأخي خير منّي، ولي ولكلّ مسلم برسول الله (صلى الله عليه وآله) أسوة، فعزّاها بهذا ونحوه، وقال لها: يا أختاه، إنّي أقسمت عليك فأبرّي قسمي، لاتشقّي عليّ جيباً، ولا تخمشي عليّ وجهاً، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت.

ثمّ جاء بها حتّى أجلسها عندي. ثمّ خرج إلى أصحابه فأمرهم أن يقرن بعضهم بيوتهم من بعض، وأن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض، وأن يكونوا بين البيوت، فيقبلوا القوم في وجه واحد، والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم قد حفّت بهم، إلّا الوجه الذي يأتيهم منه عدوّهم.

ورجع (عليه السلام) إلى مكانه فقام ليلته كلّها يصلّي ويستغفر ويدعو ويتضرّع، وقام أصحابه كذلك يصلّون ويدعون ويستغفرون.

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١-٣
الحديث: ٣٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦١٥

فلمّا كان وقت السحر خفق الحسين (عليه السلام) برأسه خفقة ثمّ استيقظ، فقال: أ تعلمون ما رأيت في منامي الساعة؟ فقالوا: وما الذي رأيت يا بن رسول الله؟

فقال (عليه السلام): رأيت كأنّ كلاباً قد شدّت عليّ لتنهشني، وفيها كلب أبقع رأيته أشدّها عليّ، وأظنّ أنّ الذي يتولّى قتلي رجل أبرص من بين هؤلاء القوم، ثمّ إنّي رأيت بعد ذلك جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه جماعة من أصحابه وهو يقول لي: يا بنيّ، أنت شهيد آل محمّد (عليهم السلام)، وقد استبشر بك أهل السماوات وأهل الصفيح الأعلى، فليكن إفطارك عندي الليلة، عجّل ولا تؤخّر، فهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء، فهذا ما رأيت وقد أزف الأمر، واقترب الرحيل من هذه الدنيا، لا شكّ في ذلك.

المصدر الأصلي: المناقب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٣
الحديث: ٣٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦١٦

قال عليّ بن الحسين (عليه السلام): لمّا أصبحت الخيل تقبل على الحسين (عليه السلام) رفع يديه وقال: اللّهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب، ورجائي في كلّ شدّة، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدّة، كم من كرب يضعف عنه الفؤاد وتقلّ فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدوّ، أنزلته بك وشكوته إليك رغبة منّي إليك عمّن سواك، ففرّجته وكشفته، فأنت وليّ كلّ نعمة، وصاحب كلّ حسنة، ومنتهى كلّ رغبة.

فأقبل القوم يجولون حول بيت الحسين (عليه السلام)، فيرون الخندق في ظهورهم والنار تضطرم في الحطب والقصب الذي كان ألقي فيه، فنادى شمر بن ذي الجوشن بأعلى صوته: ياحسين، أ تعجّلت بالنار قبل يوم القيامة؟ فقال الحسين (عليه السلام): من هذا، كأنّه شمر بن ذي الجوشن؟ فقالوا: نعم، فقال (عليه السلام) له: يا بن راعية المعزى، أنت ﴿أَولَى بِهَا صِلِيًّا﴾.

ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين (عليه السلام) من ذلك، فقال له: دعني حتّى أرميه، فإنّ الفاسق من أعداء الله وعظماء الجبّارين، وقد أمكن الله منه، فقال له الحسين (عليه السلام): لا ترمه، فانّي أكره أن أبدأهم بقتال.

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٤-٥
الحديث: ٣٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦١٧

وتقدّم الحسين (عليه السلام) حتّى وقف بإزاء القوم، فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنّهم السيل، ونظر إلى ابن سعد واقفاً في صناديد الكوفة، فقال: الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال، متصرّفة بأهلها حالاً بعد حال، فالمغرور من غرّته والشقيّ من فتنته، فلا تغرنّكم هذه الدنيا، فإنّها تقطع رجاء من ركن إليها، وتخيّب طمع من طمع فيها، وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم، وأعرض بوجهه الكريم عنكم، وأحلّ بكم نقمته، وجنّبكم رحمته، فنعم الربّ ربّنا، وبئس العبيد أنتم، أقررتم بالطاعة، وآمنتم بالرسول محمّد (صلى الله عليه وآله)، ثمّ إنّكم زحفتم إلى ذرّيّته وعترته تريدون قتلهم، لقد استحوذ عليكم الشيطان، فأنساكم ذكر الله العظيم، فتبّاً لكم ولما تريدون، ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعونَ﴾، هؤلاء قوم ﴿كَفَرُوا بَعدَ إِيمَانِهِم﴾، ﴿فَبُعدًا لِّلقَومِ الظَّالِمِينَ﴾.

المصدر الأصلي: تسلية المجالس
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٥-٦
الحديث: ٣٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦١٨

ودعا الحسين (عليه السلام) براحلته فركبها ونادى بأعلى صوته: يا أهل العراق _ وجلّهم يسمعون _ فقال: أيّها الناس، اسمعوا قولي ولاتعجلوا، حتّى أعظكم بما يحقّ لكم عليّ، وحتّى أعذر عليكم، فإن أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد، وإن لم تعطوني النصف من أنفسكم فأجمعوا رأیكم ﴿ثُمَّ لاَ يَكُن أَمرُكُم عَلَيكُم غُمَّةً ثُمَّ اقضُوا إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ﴾، ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾، ثمّ حمد الله وأثنى عليه وذكر الله بما هو أهله، وصلّى على النبيّ (صلى الله عليه وآله) وعلى ملائكته وعلى أنبيائه، فلم يسمع متكلّم قطّ قبله ولابعده، أبلغ منه في منطق.

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٦
الحديث: ٣٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦١٩

ثمّ قال لهم الحسين (عليه السلام): فإن كنتم في شكّ من هذا، أ فتشكّون أنّي ابن بنت نبيّكم؟ فوالله، ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري فيكم ولا في غيركم، ويحكم، أ تطلبوني بقتيل منكم قتلته؟ أو مال لكم استهلكته؟ أو بقصاص من جراحة؟ فأخذوا لايكلّمونه.

فنادى: يا شبث بن ربعيّ، يا حجّار بن أبجر، يا قيس بن الأشعث، يا يزيد بن الحارث، أ لم تكتبوا إليّ أن قد أينعت الثمار، واخضرّ الجناب، وإنّما تقدم على جند لك مجنّد؟ فقال له قيس بن الأشعث: ما ندري ما تقول؟ ولكن انزل على حكم بني عمّك، فإنّهم لن يروك إلّا ما تحبّ، فقال لهم الحسين (عليه السلام): لا، والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد، ثمّ نادى: يا عباد الله، ﴿إِنِّي عُذتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم أَن تَرجُمُونِ﴾، وأعوذ ﴿بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤمِنُ بِيَومِ الحِسَابِ﴾.

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٧
الحديث: ٤٠
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٢٠

وأحاطوا بالحسين (عليه السلام) من كلّ جانب، حتّى جعلوه في مثل الحلقة، فخرج (عليه السلام) حتّى أتى الناس فاستنصتهم، فأبوا أن ينصتوا حتّى قال لهم: ويلكم، ما عليكم أن تنصتوا إليّ فتسمعوا قولي، وإنّما أدعوكم إلى سبيل الرشاد، فمن أطاعني كان من المرشدين، ومن عصاني كان من المهلكين، وكلّكم عاصٍ لأمري، غير مستمع قولي، فقد ملئت بطونكم من الحرام، وطبع على قلوبكم، ويلكم، أ لا تنصتون؟ أ لا تسمعون؟ فتلاوم أصحاب عمر بن سعد بينهم، وقالوا: أنصتوا له.

فقام الحسين (عليه السلام) ثمّ قال: تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحاً، أ فحين استصرختمونا ولهين متحيّرين، فأصرختكم مؤدّين مستعدّين، سللتم علينا سيفاً في رقابنا، وحششتم علينا نار الفتن خباها عدوّكم وعدوّنا، فأصبحتم إلباً ١ على أوليائكم، ويداً عليهم لأعدائكم، بغير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، إلّا الحرام من الدنيا أنالوكم، وخسيس عيش طمعتم فيه، من غير حدث كان منّا ولا رأي تفيل لنا، فهلّا _ لكم الويلات _ إذ كرهتمونا وتركتمونا، تجهّزتموها والسيف لم يشهر، والجأش طامن، والرأي لم يستحصف، ولكن أسرعتم علينا كطيرة الذباب، وتداعيتم كتداعي الفراش.

فقبحاً لكم، فإنّما أنتم من طواغيت الأمّة وشذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ونفثة الشيطان، وعصبة الآثام، ومحرّفي الكتاب، ومطفئي السنن، وقتلة أولاد الأنبياء، ومبيري عترة الأوصياء، وملحقي العهّار بالنسب، ومؤذي المؤمنين، وصرّاخ أئمّة المستهزئين، ﴿الَّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ﴾

ألا إنّ الدعيّ بن الدعيّ قد ركز بين اثنتين: بين القلّة والذلّة، وهيهات ما آخذ الدنيّة، أبى الله ذلك ورسوله وجدود طابت وحجور طهرت وأنوف حميّة ونفوس أبيّة، لاتؤثر مصارع اللئام على مصارع الكرام، ألا قد أعذرت وأنذرت، ألا إنّي زاحف بهذه الأسرة، على قلّة العتاد وخذلة الأصحاب، ثمّ أنشأ يقول:

فإن نهزم فهزّامون قدماً
وإن نُهزم فغير مهزّمينا

وما إن طبنا جبن ولكن
منايانا ودولة آخرينا

ألا ثمّ لا تلبثون بعدها إلّا كريث ما يركب الفرس، حتّى تدور بكم الرحى، عهد عهده إليّ أبي عن جدّي، ﴿فَأَجمِعُوا أَمرَكُم وَشُرَكَاءكُم﴾، ﴿ثُمَّ كِيدُونِ﴾ جميعاً ﴿فَلاَ تُنظِرُونِ﴾، ﴿إِنِّي تَوَكَّلتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم﴾، ﴿مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّستَقِيمٍ﴾.

اللّهمّ احبس عنهم قطر السماء، وابعث عليهم سنين كسني يوسف، وسلّط عليهم غلام ثقيف، يسقيهم كأساً مصبّرة، ولايدع فيهم أحداً إلّا قتله قتلة بقتلة، وضربة بضربة، ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم، فإنّهم غرّونا وكذّبونا وخذلونا، وأنت ﴿رَّبَّنَا عَلَيكَ تَوَكَّلنَا وَإِلَيكَ أَنَبنَا وَإِلَيكَ المَصِيرُ﴾.

ثمّ قال (عليه السلام): أين عمر بن سعد؟ ادعوا لي عمر، فدعي له، وكان كارهاً لايحبّ أن يأتيه، فقال: يا عمر، أنت تقتلني؟ تزعم أن يولّيك الدعيّ بن الدعيّ بلاد الريّ وجرجان، والله، لاتتهنّأ بذلك أبداً، عهداً معهوداً، فاصنع ما أنت صانع، فإنّك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة، ولكأنّي برأسك على قصبة قد نصب بالكوفة، يتراماه الصبيان ويتّخذونه غرضاً بينهم.

فاغتاظ عمر من كلامه، ثمّ صرف بوجهه عنه ونادى بأصحابه: ما تنتظرون به؟ احملوا بأجمعكم، إنّما هي أكلة واحدة.

ثمّ إنّ الحسين (عليه السلام) دعا بفرس رسول الله (صلى الله عليه وآله) المرتجز فركبه، وعبّأ أصحابه.

المصدر الأصلي: المناقب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٨-١۰
(١) «الإلْبْ»: القوم یجتمعون علی عداوة إنسان. النهایة في غریب الحدیث والأثر، ج١، ص٥٩.
الحديث: ٤١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٢١

فلمّا رأى الحرّ بن يزيد أنّ القوم قد صمّموا على قتال الحسين (عليه السلام) قال لعمر بن سعد: أي عمر، أ مقاتل أنت هذا الرجل؟ قال: إي والله، قتالاً شديداً أيسره أن تسقط الرؤوس، وتطيح الأيدي، قال: أ فما لكم فيما عرضه عليكم رضاً؟ قال عمر: أما لوكان الأمر إليّ لفعلت، ولكن أميرك قد أبى.

فأقبل الحرّ حتّى وقف من الناس موقفاً ومعه رجل من قومه يقال له قرّة بن قيس، فقال له: يا قرّة، هل سقيت فرسك اليوم؟ قال: لا، قال: فما تريد أن تسقيه؟ قال قرّة: فظننت والله، إنّه يريد أن يتنحّى ولايشهد القتال، فكره أن أراه حين يصنع ذلك، فقلت له: لم أسقه وأنا منطلق، فاسقيه، فاعتزل ذلك المكان الذي كان فيه، فوالله، لو أنّه اطّلعني على الذي يريد، لخرجت معه إلى الحسين (عليه السلام)، فأخذ يدنو من الحسين (عليه السلام) قليلاً قليلاً، فقال له مهاجر بن أوس: ما تريد يا بن يزيد؟ أ تريد أن تحمل؟ فلم يجبه فأخذه مثل الأفكل _ وهي الرعدة _. فقال له المهاجر: إنّ أمرك لمريب، والله، ما رأيت منك في موقف قطّ مثل هذا، ولو قيل لي: من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك، فما هذا الذي أرى منك؟ فقال له الحرّ: إنّي والله، أخيّر نفسي بين الجنّة والنار، فوالله، لا أختار على الجنّة شيئاً، ولو قطّعت وأحرقت.

ثمّ ضرب فرسه فلحق الحسين (عليه السلام) فقال له: جعلت فداك يا بن رسول الله، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وسايرتك في الطريق، وجعجعت بك في هذا المكان، وما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضته عليهم، ولايبلغون منك هذه المنزلة، والله، لو علمت أنّهم ينتهون بك إلى ما ركبت مثل الذي ركبت، وأنا تائب إلى الله ممّا صنعت، فترى لي من ذلك توبة؟ فقال له الحسين (عليه السلام): نعم، يتوب الله عليك، فانزل، فقال: أنا لك فارساً خير منّي راجلاً أقاتلهم على فرسي ساعة، وإلى النزول ما يصير آخر أمري، فقال له الحسين (عليه السلام): فاصنع _ يرحمك الله _ ما بدا لك.

فاستقدم أمام الحسين (عليه السلام) فقال: يا أهل الكوفة، لأمّكم الهبل والعبر، أ دعوتم هذا العبد الصالح حتّى إذا أتاكم أسلمتموه؟ وزعمتم أنّكم قاتلوا أنفسكم دونه، ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه؟ أمسكتم بنفسه، وأخذتم بكلكله، وأحطتم به من كلّ جانب لتمنعوه التوجّه إلى بلاد الله العريضة، فصار كالأسير في أيديكم، لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضرّاً، وحلأتموه ونساءه وصبيته وأهله عن ماء الفرات الجاري، تشربه اليهود والنصارى والمجوس، وتمرّغ فيه خنازير السواد وكلابهم، وها هم قد صرعهم العطش، بئسما خلّفتم محمّداً (صلى الله عليه وآله) في ذرّيّته، لا سقاكم الله يوم الظمأ، فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل، فأقبل حتّى وقف أمام الحسين (عليه السلام).

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١۰-١٢
الحديث: ٤٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٢٢

نادى عمر بن سعد: يا دريد، ادن‏ رايتك،‏ فأدناها ثمّ وضع سهماً في كبد قوسه ثمّ رمى، وقال: اشهدوا أنّي أوّل من رمى الناس‏.

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٢
الحديث: ٤٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٢٣

فرمى أصحابه كلّهم، فما بقي من أصحاب الحسين (عليه السلام) إلّا أصابه من سهامهم. قيل: فلمّا رموهم هذه الرمية، قلّ أصحاب الحسين (عليه السلام) وقتل في هذه الحملة خمسون رجلاً.

المصدر الأصلي: تسلیة المجالس
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٢
الحديث: ٤٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٢٤

فقال (عليه السلام) لأصحابه: قوموا _ رحمكم الله _ إلى الموت الذي لا بدّ منه، فإنّ هذه السهام رسل القوم إليكم؛ فاقتتلوا ساعة من النهار حملة وحملة، حتّى قتل من أصحاب الحسين (عليه السلام) جماعة، فعندها ضرب الحسين (عليه السلام) يده على لحيته، وجعل يقول: اشتدّ غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولداً، واشتدّ غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة، واشتدّ غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه، واشتدّ غضبه على قوم اتّفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيّهم، أما والله، لا أجيبهم إلى شيء ممّا يريدون حتّى ألقى الله تعالی وأنا مخضب بدمي … ثمّ صاح (عليه السلام): أ ما من مغيث يغيثنا لوجه الله؟ أ ما من ذابّ يذبّ عن حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟

المصدر الأصلي: تسلیة المجالس
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٢
الحديث: ٤٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٢٥

إنّ الحرّ أتى الحسين (عليه السلام) فقال: يا بن رسول الله، كنت أوّل خارج عليك، فأذن لي لأكون أوّل قتيل بين يديك، وأوّل من يصافح جدّك غداً … وجعل ينشد ويقول:

إنّي أنا الحرّ ومأوى الضيف
أضرب في أعناقكم بالسيف‏

عن خير من حلّ بأرض الخيف
أضربكم ولا أرى من حيف‏

المصدر الأصلي: تسلیة المجالس
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٣-١٤
الحديث: ٤٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٢٦

روي أنّ الحرّ لمّا لحق بالحسين (عليه السلام)، قال رجل من تميم _ يقال له يزيد بن سفيان: أما والله، لو لحقته لأتبعته السنان، فبينما هو يقاتل وإنّ فرسه لمضروب على أذنيه وحاجبيه، وإنّ الدماء لتسيل، إذ قال الحصين: يا يزيد، هذا الحرّ الذي كنت تتمنّاه، قال: نعم، فخرج إليه فما لبث الحرّ أن قتله، وقتل أربعين فارساً وراجلاً، فلم يزل يقاتل حتّى عرقب فرسه، وبقي راجلاً وهويقول:

إنّي أنا الحرّ ونجل الحرّ
أشجع من ذي لبد هزبر

ولست بالجبّان عند الكرّ
لكنّني الوقّاف عند الفرّ

ثمّ لم يزل يقاتل حتّى قتل، رحمه الله. فاحتمله أصحاب الحسين (عليه السلام) حتّى وضعوه بين يدي الحسين (عليه السلام) وبه رمق، فجعل الحسين (عليه السلام) يمسح وجهه، ويقول: أنت الحرّ كما سمّتك أمّك، وأنت الحرّ في الدنيا، وأنت الحرّ في الآخرة.

ورثاه رجل من أصحاب الحسين (عليه السلام) وقيل: بل رثاه عليّ بن الحسين (عليه السلام):

لنعم الحرّ حرّ بني رياح
صبور عند مختلف الرماح

ونعم الحرّ إذ نادى حسيناً
فجاد بنفسه عند الصياح

فيا ربّي أضفه في جنان
وزوّجه مع الحور الملاح

المصدر الأصلي: تسلیة المجالس
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٤
الحديث: ٤٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٢٧

وكان كلّ من أراد الخروج ودّع الحسين (عليه السلام)، وقال: السلام عليك يا بن رسول الله، فيجيبه: وعليك السلام ونحن خلفك، ويقرأ (عليه السلام): ﴿فَمِنهُم مَّن قَضَى نَحبَهُ وَمِنهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبدِيلًا﴾.

ثمّ برز برير بن خضير الهمداني بعد الحرّ _ وكان من عباد الله الصالحين _ فبرز وهويقول:

أنا برير وأبي خضير
ليث يروع الأسد عند الزئر

يعرف فينا الخير أهل الخير
أضربكم ولا أرى من ضير

كذاك فعل الخير من برير

وجعل يحمل على القوم وهويقول: اقتربوا منّي يا قتلة المؤمنين، اقتربوا منّي يا قتلة أولاد البدريّين، اقتربوا منّي يا قتلة أولاد رسول ربّ العالمين وذرّيّته الباقين، وكان برير أقرأ أهل زمانه، فلم يزل يقاتل حتّى قتل ثلاثين رجلاً.

فبرز إليه رجل يقال له يزيد بن معقل، فقال لبرير: أشهد أنّك من المضلّين، فقال له برير: هلمّ فلندع الله أن يلعن الكاذب منّا، وأن يقتل المحقّ منّا المبطل، فتصاولا فضرب يزيد لبرير ضربة خفيفة لم يعمل شيئاً، وضربه برير ضربة قدّت المغفر، ووصلت إلى دماغه، فسقط قتيلاً.

قال: فحمل رجل من أصحاب ابن زياد، فقتل بريراً، رحمه الله.

المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب، تسلیة المجالس
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٥
الحديث: ٤٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٢٨

ثمّ برز من بعده وهب بن عبد الله بن حباب الكلبي وقد كانت معه أمّه يومئذٍ، فقالت: قم يا بنيّ، فانصر ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: أفعل يا أمّاه ولا أقصّر، ثمّ حمل فلم يزل يقاتل حتّى قتل منهم جماعة، فرجع إلى أمّه وامرأته، فوقف عليهما فقال: يا أمّاه، أ رضيت؟ فقالت: ما رضيت أو تقتل بين يدي الحسين (عليه السلام)، فقالت امرأته: بالله، لاتفجعني في نفسك، فقالت أمّه: يا بنيّ، لا تقبل قولها وارجع، فقاتل بين يدي ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فيكون غداً في القيامة شفيعاً لك بين يدي الله.

فلم يزل يقاتل حتّى قتل تسعة عشر فارساً واثني عشر راجلاً، ثمّ قطّعت يداه فأخذت امرأته عموداً وأقبلت نحوه وهي تقول: فداك أبي وأمّي، قاتل دون الطيّبين حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأقبل كي يردّها إلى النساء فأخذت بجانب ثوبه، وقالت: لن أعود أو أموت معك، فقال الحسين (عليه السلام): جزيتم من أهل بيتي خيراً، ارجعي إلى النساء، رحمك الله، فانصرفت وجعل يقاتل حتّى قتل، رضوان الله عليه.

فذهبت امرأته تمسح الدم عن وجهه، فبصر بها شمر، فأمر غلاماً له فضربها بعمود كان معه فشدخها وقتلها، وهي أوّل امرأة قتلت في عسكر الحسين (عليه السلام).

المصدر الأصلي: مثیر الأحزان
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٦-١٧
الحديث: ٤٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٢٩

ثمّ حمل عمرو بن الحجاج لعنه الله في ميمنته من نحو الفرات، فاضطربوا ساعة، فصرع مسلم بن عوسجة وانصرف عمرو وأصحابه، وانقطعت الغبرة فإذا مسلم صريع.

المصدر الأصلي: الإرشاد، المناقب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص١٩-٢۰
الحديث: ٥٠
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٣٠

فسقط مسلم بن عوسجة إلى الأرض وبه رمق، فمشى إليه الحسين (عليه السلام) ومعه حبيب بن مظاهر، فقال له الحسين (عليه السلام): رحمك الله يا مسلم، ﴿فَمِنهُم مَّن قَضَى نَحبَهُ وَمِنهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبدِيلًا﴾؛ ثمّ دنا منه حبيب، فقال: يعزّ عليّ مصرعك يا مسلم، أبشر بالجنّة، فقال له قولاً ضعيفاً: بشّرك الله بخير، فقال له حبيب: لولا أعلم أنّي في الأثر لأحببت أن توصي إليّ بكلّ ما أهمّك، فقال مسلم: فإنّي أوصيك بهذا _ وأشار إلى الحسين (عليه السلام) _ فقاتل دونه حتّى تموت، فقال حبيب: لأنعمتك عيناً، ثمّ مات _ رضوان الله علیه _ .

وصاحت جارية له: ياسيّداه، يا بن عوسجتاه، فنادى أصحاب ابن سعد مستبشرين: قتلنا مسلم بن عوسجة، فقال شبث بن ربعي لبعض من حوله: ثكلتكم أمّهاتكم، أما إنّكم تقتلون أنفسكم بأيديكم وتذّلون عزّكم، أ تفرحون بقتل مسلم بن عوسجة؟ أما والذي أسلمت له، لربّ موقف له في المسلمين كريم، لقد رأيته يوم آذربيجان قتل ستّة من المشركين، قبل أن تلتام خيول المسلمين.

المصدر الأصلي: تسلیة المجالس
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٢۰
الحديث: ٥١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٣١

فلم يزل يقتل من أصحاب الحسين (عليه السلام) الواحد والاثنان فيبين ذلك فيهم لقلّتهم، ويقتل من أصحاب عمر العشرة فلا يبين فيهم ذلك لكثرتهم. فلمّا رأى ذلك أبوثمامة الصيداوي قال للحسين (عليه السلام): يا أبا عبد الله، نفسي لنفسك الفداء، هؤلاء اقتربوا منك، ولا والله، لا تقتل حتّى أقتل دونك، وأحبّ أن ألقى الله ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة.

فرفع الحسين (عليه السلام) رأسه إلى السماء وقال: ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلّين، نعم هذا أوّل وقتها، ثمّ قال: سلوهم أن يكفّوا عنّا حتّى نصلّي. فقال الحصين بن نمير: إنّها لا تقبل، فقال حبيب بن مظاهر: لا تقبل الصلاة زعمت من ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتقبل منك يا ختّار؟ فحمل عليه حصين بن نمير، وحمل عليه حبيب، فضرب وجه فرسه بالسيف، فشبّ به الفرس، ووقع عنه الحصين فاحتوشته ١ أصحابه فاستنقذوه.

فقال الحسين (عليه السلام) لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله: تقدّما أمامي حتّى أصلّي الظهر، فتقدّما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتّى صلّى بهم صلاة الخوف. وروي أنّ سعيد بن عبد الله الحنفي تقدّم أمام الحسين (عليه السلام)، فاستهدف لهم يرمونه بالنبل، كلّما أخذ الحسين (عليه السلام) يميناً وشمالاً قام بين يديه، فما زال يرمى به حتّى سقط إلى الأرض وهو يقول: اللّهمّ العنهم لعن عاد وثمود، اللّهمّ أبلغ نبيّك السلام عنّي، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح، فإنّي أردت بذلك نصرة ذرّيّة نبيّك. ثمّ مات _ رضوان الله علیه _ . فوجد به ثلاثة عشر سهماً سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح.

المصدر الأصلي: المناقب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٢١
(١) «احْتَوَشَ القوم علی فلان»: إذا جعلوا وسطهم. النهایة في غریب الحدیث والأثر،‌ ج١،‌ ص ٤٦١.
الحديث: ٥٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٣٢

فخرج عمرو بن قرظة الأنصاري، فاستأذن الحسين (عليه السلام) فأذن له، فقاتل قتال المشتاقين إلى الجزاء، وبالغ في خدمة سلطان السماء، حتّى قتل جمعاً كثيراً من حزب ابن زياد، وجمع بين سداد وجهاد، وكان لا يأتي إلى الحسين (عليه السلام) سهم إلّا اتّقاه بيده، ولا سيف إلّا تلقّاه بمهجته، فلم يكن يصل إلى الحسين (عليه السلام) سوء حتّى أثخن بالجراح، فالتفت إلى الحسين (عليه السلام) وقال: يا بن رسول الله، أ وفيت؟ قال (عليه السلام): نعم، أنت أمامي في الجنّة، فاقرئ رسول الله (صلى الله عليه وآله) منّي السلام، وأعلمه أنّي في الأثر، فقاتل حتّى قتل _ رضوان الله علیه _ .

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٢٢
الحديث: ٥٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٣٣

ثمّ تقدّم جون مولى أبي ذرّ الغفاري وكان عبداً أسود، فقال له الحسين (عليه السلام): أنت في إذن منّي، فإنّما تبعتنا طلباً للعافية، فلا تبتل بطريقنا، فقال: يا بن رسول الله، أنا في الرخاء ألحس قصاعكم، وفي الشدّة أخذلكم، والله، إنّ ريحي لمنتن، وإنّ حسبي للئيم، ولوني لأسود، فتنفّس عليّ بالجنّة، فتطيب ريحي، ويشرف حسبي، ويبيض وجهي، لا، والله، لا أفارقكم حتّى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٢٢
الحديث: ٥٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٣٤

ثمّ قاتل حتّى قتل، فوقف عليه الحسين (عليه السلام) وقال: اللّهمّ بيّض وجهه، وطيّب ريحه، واحشره مع الأبرار، وعرّف بينه وبين محمّد وآل محمّد (عليهم السلام).

وروي عن الباقر (عليه السلام) عن عليّ بن الحسين (عليه السلام): أنّ الناس كانوا يحضرون المعركة، ويدفنون القتلى، فوجدوا جوناً بعد عشرة أيّام، يفوح منه رائحة المسك، رضوان الله عليه.

المصدر الأصلي: تسلية المجالس
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٢٣
الحديث: ٥٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٣٥

فتقدّم سويد بن عمرو بن أبي المطاع، وكان شريفاً كثير الصلاة، فقاتل قتال الأسد الباسل، وبالغ في الصبر على الخطب النازل، حتّى سقط بين القتلى وقد أثخن بالجراح، فلم يزل كذلك وليس به حراك، حتّى سمعهم يقولون: قتل الحسين، فتحامل وأخرج سكّيناً من خفّه، وجعل يقاتل حتّى قتل.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٢٤
الحديث: ٥٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٣٦

ثمّ خرج شابّ قتل أبوه في المعركة وكانت أمّه معه، فقالت له أمّه: اخرج يا بنيّ، وقاتل بين يدي ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فخرج فقال الحسين (عليه السلام): هذا شابّ قتل أبوه، ولعل أمّه تكره خروجه، فقال الشابّ: أمّي أمرتني بذلك، فبرز وهو يقول:

أميري حسين ونعم الأمير
سرور فؤاد البشير النذير

عليّ وفاطمة والداه
فهل تعلمون له من نظير

له طلعة مثل شمس الضحى
له غرّة مثل بدر منير

وقاتل حتّى قتل وجزّ رأسه، ورمي به إلى عسكر الحسين (عليه السلام).

فحملت أمّه رأسه، وقالت: أحسنت يا بنيّ، يا سرور قلبي ويا قرّة عيني، ثمّ رمت برأس ابنها رجلاً، فقتلته وأخذت عمود خيمته، وحملت عليهم وهي تقول:

أنا عجوز سيّدي ضعيفة
خاوية بالية نحيفة

أضربكم بضربة عنيفة
دون بني فاطمة الشريفة

وضربت رجلين فقتلتهما، فأمر الحسين (عليه السلام) بصرفها ودعا لها.

المصدر الأصلي: تسلية المجالس
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٢٧-٢٨
الحديث: ٥٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٣٧

وجاء عابس بن أبي شبيب الشاكري، معه شوذب مولى شاكر، وقال: يا شوذب، ما في نفسك أن تصنع؟ قال: ما أصنع؟ أقاتل حتّى أقتل قال: ذاك الظنّ بك، فتقدّم بين يدي الحسین (عليه السلام) حتّى يحتسبك كما احتسب غيرك، فإنّ هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب فيه الأجر بكلّ ما نقدر عليه، فإنّه لا عمل بعد اليوم وإنّما هو الحساب.

فتقدّم فسلّم على الحسين (عليه السلام) وقال: يا أبا عبد الله، أما والله، ما أمسى على وجه الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليّ ولا أحبّ إليّ منك، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم، أو القتل بشيء أعز عليّ من نفسي ودمي لفعلت. السلام عليك يا أبا عبد الله، اشهد أنّي على هداك وهدى أبيك، ثمّ مضى بالسيف نحوهم.

قال ربيع بن تميم: فلمّا رأيته مقبلاً عرفته وقدكنت شاهدته في المغازي، وكان أشجع الناس، فقلت: أيّها الناس، هذا أسد الأسود، هذا ابن أبي شبيب، لايخرجنّ إليه أحد منكم، فأخذ ينادي: أ لا رجل؟ أ لا رجل؟ فقال عمر بن سعد: ارضخوه بالحجارة من كلّ جانب، فلمّا رأى ذلك ألقى درعه ومغفره، ثمّ شدّ على الناس، فوالله، لقد رأيت يطرد أكثر من مائتين من الناس، ثمّ إنّهم تعطفوا عليه من كلّ جانب، فقتل. فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدّة، هذا يقول: أنا قتلته، والآخر يقول كذلك، فقال عمر بن سعد: لا تختصموا، هذا لم يقتله إنسان واحد، حتّى فرّق بينهم بهذا القول.

ثمّ جاءه عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان، فقالا: يا أبا عبد الله، السلام عليك، إنّه جئنا لنقتل بين يديك، وندفع عنك، فقال: مرحباً بكما، ادنوا منّي، فدنوا منه، وهما يبكيان، فقال: يا ابني أخي ما يبكيكما؟ فوالله، إنّي لارجو أن تكونا بعد ساعة قريري العين، فقالا: جعلنا الله فداك، والله، ماعلى أنفسنا نبكي، ولكن نبكي عليك، نراك قد أحيط بك، ولانقدر على أن ننفعك. فقال: جزاكما الله يا ابني أخي بوجدكما من ذلك ومواساتكما إيّاي بأنفسكما أحسن جزاء المتّقين، ثمّ استقدما وقالا: السلام عليك يا ابن رسول الله، فقال: وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته، فقاتلا حتّى قتلا.

ثمّ خرج غلام تركي كان للحسين (عليه السلام) وكان قارئاً للقرآن، فجعل يقاتل ويرتجز ويقول:

البحر من طعني وضربي يصطلي
والجوّ من سهمي ونبلي يمتلي

إذا حسامي في يميني ينجلي
ينشقّ قلب الحاسد المبجل

فقتل جماعة ثمّ سقط صريعاً، فجاءه الحسين (عليه السلام) فبكى ووضع خدّه على خدّه ففتح عينه، فرأى الحسين (عليه السلام) فتبسّم ثمّ صار إلى ربّه _ رضی الله عنه _ .

المصدر الأصلي: تسلية المجالس
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٢٨-٣۰
الحديث: ٥٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٣٨

ثمّ جاء آخر، فقال: أين الحسين؟ فقال (عليه السلام): ها أنا ذا، قال: أبشر بالنار، قال (عليه السلام): أبشر بربّ رحيم، وشفيع مطاع، من أنت؟ قال: أنا شمر بن ذي الجوشن، قال الحسين (عليه السلام): الله أكبر، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت كأنّ كلباً أبقع يلغ في دماء أهل بيتي، وقال الحسين (عليه السلام): رأيت كأنّ كلاباً تنهشني، وكأنّ فيها كلباً أبقع كان أشدّهم عليّ، وهو أنت _ وكان أبرص _.

قيل للصادق (عليه السلام) كم تتأخّر الرؤيا؟ فذكر (عليه السلام) منام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكان التأويل بعد ستّين سنة.

المصدر الأصلي: مثير الأحزان
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٣١
الحديث: ٥٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٣٩

ولمّا قتل أصحاب الحسين (عليه السلام) ولم يبق إلّا أهل بيته، وهم ولد عليّ، وولد جعفر، وولد عقيل، وولد الحسن، وولده (عليهم السلام) اجتمعوا يودّع بعضهم بعضاً، وعزموا على الحرب. فأوّل من برز من أهل بيته عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب … .

المصدر الأصلي: تسلية المجالس
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٣٢
الحديث: ٦٠
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٤٠

ثمّ خرج من بعده عبد الله بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) _ وفي أكثر الروايات أنّه القاسم بن الحسن (عليه السلام) وهوغلام صغيرلم يبلغ الحلم _ فلمّا نظر الحسين (عليه السلام) إليه قد برز، اعتنقه وجعلا يبكيان حتّى غشي عليهما، ثمّ استأذن الحسين (عليه السلام) في المبارزة، فأبى الحسين (عليه السلام) أن يأذن له، فلم يزل الغلام يقبّل يديه ورجليه حتّى أذن له، فخرج ودموعه تسيل على خدّيه وهو يقول:

إن تنكروني فأنا ابن الحسن
سبط النبيّ المصطفى والمؤتمن

هذا حسين كالأسير المرتهن
بين أناس لا سقوا صوب المزن

وكان وجهه كفلقة القمر، فقاتل قتالاً شديداً حتّى قتل على صغره خمسة وثلاثين رجلاً.

قال حميد: كنت في عسكر ابن سعد، فكنت أنظر إلى هذا الغلام عليه قميص وإزار ونعلان، قد انقطع شسع أحدهما، ما أنسى أنّه كان اليسرى.

فقال عمرو بن سعد الأزدي: والله، لأشدّنّ عليه، فقلت: سبحان الله، وماتريد بذلك؟ والله، لوضربني مابسطت إليه يدي، يكفيه هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه، قال: والله، لأفعلنّ، فشدّ عليه، فما ولّى حتّى ضرب رأسه بالسيف، ووقع الغلام لوجهه، ونادى: يا عمّاه، فجاء الحسين (عليه السلام) كالصقر المنقضّ، فتخلّل الصفوف، وشدّ شدّة الليث الحرب، فضرب عمراً قاتله بالسيف، فاتّقاه بيده فأطنّها من المرفق، فصاح ثمّ تنحّى عنه، وحملت خيل أهل الكوفة ليستنقذوا عمراً من الحسين (عليه السلام)، فاستقبلته بصدورها، وجرحته بحوافرها، ووطئته حتّى مات الغلام، فانجلت الغبرة فإذا بالحسين (عليه السلام) قائم على رأس الغلام، وهو يفحص برجله، فقال الحسين (عليه السلام): يعزّ _ والله _ على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا يعينك، أو يعينك فلا يغني عنك، بعداً لقوم قتلوك.

ثمّ احتمله فكأنّي أنظر إلى رجلي الغلام يخطّان في الأرض، وقد وضع صدره على صدره، فقلت في نفسي: ما يصنع؟ فجاء حتّى ألقاه بين القتلى من أهل بيته، ثمّ قال: اللّهمّ أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، ولا تغفر لهم أبداً، صبراً يا بني عمومتي، صبراً يا أهل بيتي، لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً.

المصدر الأصلي: مقاتل الطالبيّين، تسلية المجالس
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٣٤-٣٦
الحديث: ٦١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٤١

قال العبّاس بن عليّ (عليه السلام) لأخيه من أبيه وأمّه عبد الله بن عليّ: تقدّم بين يديّ حتّى أراك وأحتسبك، فإنّه لا ولد لك، فتقدّم بين يديه وشدّ عليه هانئ بن ثبيت الحضرمي فقتله، وبهذا الإسناد أنّ العبّاس بن عليّ (عليه السلام) قدّم أخاه جعفراً بين يديه، فشدّ عليه هانئ بن ثبيت الذي قتل أخاه فقتله … وكان العبّاس رجلاً وسيماً جميلاً يركب الفرس المطهّم ١ ورجلاه يخطان في الأرض، وكان يقال له قمر بني هاشم، وكان لواء الحسين (عليه السلام) معه.

المصدر الأصلي: مقاتل الطالبيّين
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٣٩
(١) «المُطَهَّم»: الحسن التامّ. كلّ شیء دمنه علی حدثه فهو بارع الجمال. لسان العرب، ج١٢، ص٣٧٢.
الحديث: ٦٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٤٢

قال الباقر (عليه السلام): إنّ زيد بن رقاد وحكيم بن الطفيل الطائي قتلا العبّاس بن عليّ (عليه السلام)، وكانت أمّ البنين أمّ هؤلاء الأربعة الإخوة القتلى، تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها، فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي.

المصدر الأصلي: مقاتل الطالبيّين
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٤۰
الحديث: ٦٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٤٣

وكان العبّاس السقّاء قمر بني هاشم صاحب لواء الحسين (عليه السلام)، وهو أكبر الإخوان، مضى يطلب الماء فحملوا عليه وحمل عليهم وجعل يقول:

لا أرهب الموت إذا الموت رقا
حتّى أواري في المصاليت لقى

نفسي لنفس المصطفى الطهر وقا
إنّي أنا العبّاس أغدو بالسقا

ولا أخاف الشرّ يوم الملتقى

ففرّقهم فكمن له زيد بن ورقاء من وراء نخلة، وعاونه حكيم بن الطفيل السنبسي، فضربه على يمينه فأخذ السيف بشماله، وحمل وهو يرتجز:

والله إن قطعتم يميني
إنّي أحامي أبداً عن ديني

وعن إمام صادق اليقين
نجل النبيّ الطاهر الأمين

فقاتل حتّى ضعف، فكمن له الحكم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة، فضربه على شماله فقال:

يا نفس لا تخشي من الكفّار
وأبشري برحمة الجبّار

مع النبيّ السيّد المختار
قد قطعوا ببغيهم يساري

فأصلهم يا ربّ حرّ النار

فضربه ملعون بعمود من حديد فقتله، فلمّا رآه الحسين (عليه السلام) صريعاً على شاطئ الفرات بكى … .

المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب، تسلیة المجالس
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٤۰-٤١
الحديث: ٦٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٤٤

إنّ العبّاس لمّا رأى وحدته أتى أخاه، وقال: يا أخي، هل من رخصة؟ فبكى الحسين (عليه السلام) بكاء شديداً، ثمّ قال: ياأخي، أنت صاحب لوائي، وإذا مضيت تفرّق عسكري ١ .

فقال العبّاس: قدضاق صدري وسئمت من الحياة، وأريد أن أطلب ثأري من هؤلاء المنافقين، فقال الحسين (عليه السلام): فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلاً من الماء.

فذهب العبّاس ووعظهم وحذّرهم فلم ينفعهم، فرجع إلى أخيه فأخبره، فسمع الأطفال ينادون: العطش العطش، فركب فرسه وأخذ رمحه والقربة، وقصد نحو الفرات فأحاط به أربعة آلاف ممّن كانوا موكّلين بالفرات، ورموه بالنبال فكشفهم، وقتل منهم على ما روي ثمانين رجلاً، حتّى دخل الماء.

فلمّا أراد أن يشرب غرفة من الماء، ذكر عطش الحسين (عليه السلام) وأهل بيته، فرمى الماء وملأ القربة وحملها على كتفه الأيمن، وتوجّه نحو الخيمة، فقطعوا عليه الطريق وأحاطوا به من كلّ جانب، فحاربهم حتّى ضربه نوفل الأزرق على يده اليمنى فقطعها، فحمل القربة على كتفه الأيسر، فضربه نوفل فقطع يده اليسرى من الزند، فحمل القربة بأسنانه فجاءه سهم فأصاب القربة وأريق ماؤها، ثمّ جاءه سهم آخر فأصاب صدره. فانقلب عن فرسه وصاح إلى أخيه الحسين (عليه السلام): أدركني.

فلمّا أتاه رآه صريعاً فبكى وحمله إلى الخيمة ثمّ قالوا: ولمّا قتل العبّاس قال الحسين (عليه السلام): الآن انكسر ظهري، وقلّت حيلتي ٢ .

/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٤١-٤٢
(١) أشكل البعض في هامش البحار هنا على هذه الفقرة من الروایة بأنّه لم يبق من أصحاب الحسين (عليه السلام) سوى العبّاس (عليه السلام)، وعليه فلا معنى للتعبير بتفرّق العسكر لانتفاء موضوعه. والجواب: _ مع قطع النظر عن المناقشة في سندها ومصدرها _ أنّ التعبير بالتفرّق إنّما هو من أجل الدلالة على زوال آخر هيئة لجيش الإمام الحسين (عليه السلام)، فالراية كانت بيد أشجع من في معسكره وهو العبّاس (عليه السلام) فيصدق ببقائه أنّ المعسكر لا زال باقياً، أضف إلى القول أنّ معسكر الحسين (عليه السلام) يطلق على كلّ من معه من أهل بيته وعياله وأصحابه، وعليه فإنّه بقتل العبّاس (عليه السلام) يتفرّق عسكره _ بلحاظ هذا الجمع _ إذ ما بقي لهم بعد العبّاس (عليه السلام) ناصر ولا معين.
(٢) قد روی العلّامة المجلسي (رحمة الله عليه) هذه الروایة عن بعض تأليفات أصحابنا ولم یسمّه.
الحديث: ٦٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٤٥

ثمّ تقدّم عليّ بن الحسين (عليه السلام)، وأمّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي، وهو يومئذٍ ابن ثماني عشرة سنة، ويقال: ابن خمس وعشرين سنة.

المصدر الأصلي: مقاتل الطالبیّین، تسلیة المجالس
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٤٢
الحديث: ٦٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٤٦

قالوا ١ : ورفع الحسين (عليه السلام) سبابته نحو السماء وقال: اللّهمّ اشهد على هؤلاء القوم، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسولك، كنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إلى وجهه، اللّهمّ امنعهم بركات الأرض، وفرّقهم تفريقاً، ومزّقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترض الولاة عنهم أبداً، فإنّهم دعونا لينصرونا، ثمّ عدوا علينا يقاتلوننا.

ثمّ صاح الحسين (عليه السلام) بعمر بن سعد: ما لك؟ قطع الله رحمك، ولا بارك الله لك في أمرك، وسلّط عليك من يذبحك بعدي على فراشك، كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثمّ رفع الحسين (عليه السلام) صوته وتلا: ﴿إِنَّ اللّهََ اصطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبرَاهِيمَ وَآلَ عِمرَانَ عَلَى العَالَمِينَ ۞ ذُرِّيَّةً بَعضُهَا مِن بَعضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾، ثمّ حمل عليّ بن الحسين (عليه السلام) على القوم، وهويقول:

أنا عليّ بن الحسين بن عليّ
من عصبة جدّ أبيهم النبيّ

والله لا يحكم فينا ابن الدعيّ
أطعنكم بالرمح حتّى ينثني

أضربكم بالسيف أحمي عن أبي
ضرب غلام هاشمي علوي

فلم يزل يقاتل حتّى ضجّ الناس من كثرة من قتل منهم.

وروي أنّه قتل على عطشه مائة وعشرين رجلاً، ثمّ رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة، فقال: يا أبه، العطش قد قتلني، وثقل الحديد أجهدني، فهل إلى شربة من ماء سبيل أتقوّى بها على الأعداء؟

فبكى الحسين (عليه السلام) وقال: يا بنيّ، يعزّ على محمّد (صلى الله عليه وآله) وعلى عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وعليّ أن تدعوهم فلا يجيبوك، وتستغيث بهم فلا يغيثوك، يا بنيّ، هات لسانك، فأخذ بلسانه فمصّه، ودفع إليه خاتمه وقال (عليه السلام): أمسكه في فيك وارجع إلى قتال عدوّك، فإنّي أرجو أنّك لا تمسي حتّى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً، فرجع إلى القتال وهويقول:

الحرب قد بانت لها الحقائق
وظهرت من بعدها مصادق

والله ربّ العرش لا نفارق
جموعكم أو تغمد البوارق

فلم يزل يقاتل حتّى قتل تمام المائتين.

ثمّ ضربه منقذ بن مرّة العبدي على مفرق رأسه ضربة صرعته، وضربه الناس بأسيافهم، ثمّ اعتنق فرسه فاحتمله الفرس إلى عسكر الأعداء، فقطّعوه بسيوفهم إرباً إرباً، فلمّا بلغت الروح التراقي قال رافعاً صوته: يا أبتاه، هذا جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً، وهو يقول: العجل العجل، فإنّ لك كأساً مذخورة حتّى تشربها الساعة.

فصاح الحسين (عليه السلام) وقال: قتل الله قوماً قتلوك، ما أجرأهم على الرحمن وعلى رسوله، وعلى انتهاك حرمة الرسول! على الدنيا بعدك العفا.

قال حميد بن مسلم: فكأنّي أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنّها الشمس الطالعة تنادي بالويل والثبور، وتقول: يا حبيباه، يا ثمرة فؤاداه، يا نور عيناه، فسألت عنها، فقيل: هي زينب بنت عليّ (عليها السلام)، وجاءت وانكبّت عليه، فجاء الحسين (عليه السلام) فأخذ بيدها فردّها إلى الفسطاط، وأقبل بفتيانه وقال: احملوا أخاكم، فحملوه من مصرعه، فجاءوا به حتّى وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه.

/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٤٢-٤٤
(١) والمراد: جماعة أصحاب المقاتل.
الحديث: ٦٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٤٧

لمّا برز عليّ بن الحسين (عليه السلام) إليهم، أرخى الحسين (عليه السلام) عينيه فبكى، ثمّ قال: اللّهمّ، فكن أنت الشهيد عليهم، فقد برز إليهم غلام أشبه الخلق برسول الله (صلى الله عليه وآله)، فجعل يشدّ عليهم، ثمّ يرجع إلى أبيه فيقول: يا أبه، العطش.

فيقول له الحسين (عليه السلام): اصبر حبيبي، فإنّك لا تمسي حتّى يسقيك رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكأسه. وجعل يكرّ كرّة بعد كرّة، حتّى رمي بسهم فوقع في حلقه فخرقه، وأقبل يتقلّب في دمه ثمّ نادى: يا أبتاه، عليك السلام، هذا جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرئك السلام ويقول: عجّل القدوم علينا، وشهق شهقة فارق الدنيا.

المصدر الأصلي: مقاتل الطالبيّين
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٤٥
الحديث: ٦٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٤٨

قالوا ١ : وخرج غلام _ وبيده عمود _ من تلك الأبنية، وفي أذنيه درّتان وهو مذعور، فجعل يلتفت يميناً وشمالاً، وقرطاه يتذبذبان، فحمل عليه هانئ بن ثبيت فقتله، فصارت شهربانو تنظر إليه ولاتتكلّم كالمدهوشة، ثمّ التفت الحسين (عليه السلام) عن يمينه فلم ير أحداً من الرجال، والتفت عن يساره فلم ير أحداً، فخرج عليّ بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) وكان مريضاً لايقدر أن يقلّ سيفه، وأمّ كلثوم تنادي خلفه: يا بنيّ، ارجع؛ فقال: يا عمّتاه، ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فقال الحسين (عليه السلام): يا أمّ كلثوم، خذيه لئلّا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمّد (عليهم السلام)، ولمّا فجع الحسين (عليه السلام) بأهل بيته وولده، ولم يبق غيره وغير النساء والذراري، نادى: هل من ذابّ يذبّ عن حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ هل من موحّد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجوا لله في إغاثتنا؟ وارتفعت أصوات النساء بالعويل، فتقدّم (عليه السلام) إلى باب الخيمة فقال: ناولوني عليّاً ابني الطفل حتّى أودّعه، فناولوه الصبيّ.

/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٤٥-٤٦
(١) ذكرنا أنّ المراد منهم: جماعة أصحاب المقاتل.
الحديث: ٦٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٤٩

دعا ابنه عبد الله، فجعل يقبّله وهويقول: ويل لهؤلاء القوم إذا كان جدّك محمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله) خصمهم، والصبيّ في حجره، إذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه في حجر الحسين (عليه السلام)، فتلقّى الحسين (عليه السلام) دمه حتّى امتلأت كفّه، ثمّ رمى به إلى السماء.

المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٤٦
الحديث: ٧٠
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٥٠

ثمّ قال (عليه السلام): هوّن عليّ ما نزل بي أنّه بعين الله، قال الباقر (عليه السلام): فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض، ثمّ قال: لا يكون أهون عليك من فصيل، اللّهمّ، إن كنت حبست عنّا النصر، فاجعل ذلك لما هوخير لنا.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٤٦-٤٧
الحديث: ٧١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٥١

إنّ الحسين (عليه السلام) لمّا نظر إلى اثنين وسبعين رجلاً من أهل بيته صرعى، التفت إلى الخيمة ونادى: يا سكينة، يا فاطمة، يا زينب، يا أمّ كلثوم، عليكنّ منّي السلام. فنادته سكينة: يا أبه، استسلمت للموت؟ فقال (عليه السلام): كيف لا يستسلم من لا ناصر له ولا معين؟ فقالت: يا أبه، ردّنا إلى حرم جدّنا، فقال (عليه السلام): هيهات، لو ترك القطا لنام، فتصارخن النساء فسكّتهنّ الحسين (عليه السلام)، وحمل على القوم ١ .

/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٤٧
(١) وحكی العلّامة المجلسي (رحمة الله عليه) هذه الروایة وجادة من بعض الكتب ولم یسمّه.
الحديث: ٧٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٥٢

عبد الله بن الحسين (عليه السلام) وأمّه الرباب بنت امرئ القيس، وهي التي يقول فيها أبو عبد الله الحسين (عليه السلام):

لعمرك إنّني لأحبّ داراً
تكون بها سكينة والرباب

أحبّهما وأبذل جلّ مالي
وليس لعاتب عندي عتاب

وسكينة التي ذكرها ابنته من الرباب، واسم سكينة أمينة، وإنّما غلب عليها سكينة، وليس باسمها.

المصدر الأصلي: مقاتل الطالبیّین
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٤٧
الحديث: ٧٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٥٣

ثمّ وقف (عليه السلام) قبالة القوم وسيفه مصلت في يده آيساً من الحياة، عازماً على الموت وهويقول:

أنا ابن عليّ الطهر من آل هاشم
كفاني بهذا مفخراً حين أفخر

وجدّي رسول الله أكرم من مضى
ونحن سراج الله في الخلق نزهر

وفاطم أمّي من سلالة أحمد
وعمّي يدعى ذا الجناحين جعفر

وفينا كتاب الله أنزل صادقاً
وفينا الهدى والوحي بالخير يذكر

ونحن أمان الله للناس كلّهم
نسر بهذا في الأنام ونجهر

ونحن ولاة الحوض نسقي ولاتنا
بكأس رسول الله ما ليس ينكر

وشيعتنا في الناس أكرم شيعة
ومبغضنا يوم القيامة يخسر

المصدر الأصلي: الاحتجاج
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٤٨-٤٩
الحديث: ٧٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٥٤

ثمّ إنّه دعا الناس إلى البراز، فلم يزل يقتل كلّ من دنا منه من عيون الرجال، حتّى قتل منهم مقتلة عظيمة، ثمّ حمل (عليه السلام) على الميمنة، وقال: الموت خير من ركوب العار، ثمّ على الميسرة وهويقول:

أنا الحسين بن عليّ
آليت أن لا انثني

أحمي عيالات أبي
أمضي على دين النبيّ

المصدر الأصلي: تسلیة المجالس
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٤٩
الحديث: ٧٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٥٥

واشتدّ العطش بالحسين (عليه السلام) فركب المسناة يريد الفرات، والعبّاس أخوه بين يديه، فاعترضه خيل ابن سعد فرمى رجل من بني دارم الحسين (عليه السلام) بسهم فأثبته في حنكه الشريف، فانتزع (عليه السلام) السهم وبسط يده تحت حنكه، حتّى امتلات راحتاه من الدم ثمّ رمى به، وقال: اللّهمّ، إنّي أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيّك، ثمّ اقتطعوا العبّاس عنه، وأحاطوا به من كلّ جانب حتّى قتلوه وكان المتولّي لقتله زيد بن ورقاء الحنفي وحكيم بن الطفيل السنبسي، فبكى الحسين (عليه السلام) لقتله بكاء شديداً.

المصدر الأصلي: الإرشاد، اللهوف، مثیر الأحزان
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٥۰
الحديث: ٧٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٥٦

قال بعض الرواة: فوالله، ما رأيت مكثوراً ١ قطّ قد قتل ولده وأهل بيته وصحبه أربط جأشاً منه، وإن كانت الرجال لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه، فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكمّلوا ألفاً فينهزمون بين يديه، كأنّهم الجراد المنتشر، ثمّ يرجع إلى مركزه وهو يقول: لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٥۰
(١) «المَكْثُور»: المغلوب، وهو الذي تكاثر عليه الناس فقهروه. لسان العرب، ج٥، ص١٣٣.
الحديث: ٧٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٥٧

فصاح بهم الحسين (عليه السلام): ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم، وارجعوا إلى أحسابكم إذ كنتم أعراباً، فناداه شمر فقال: ما تقول يا بن فاطمة؟ قال (عليه السلام): أقول: أنا الذي أقاتلكم وتقاتلوني، والنساء ليس عليهنّ جناح، فامنعوا عتاتكم عن التعرّض لحرمي ما دمت حيّاً.

فقال شمر: لك هذا، ثمّ صاح شمر: إليكم عن حرم الرجل، فاقصدوه في نفسه، فلعمري، لهو كفو كريم. فقصده القوم وهو في ذلك يطلب شربة من ماء، فكلّما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم، حتّى أحلّوه عنه.

المصدر الأصلي: تسلیة المجالس، المناقب، اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٥١
الحديث: ٧٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٥٨

ثمّ رماه رجل من القوم _ يكنّى أبا الحتوف الجعفي _ بسهم فوقع السهم في جبهته، فنزعه من جبهته، فسالت الدماء على وجهه ولحيته، فقال (عليه السلام): اللّهمّ، إنّك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العصاة، اللّهمّ أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تذر على وجه الأرض منهم أحداً، ولا تغفر لهم أبداً.

ثمّ حمل عليهم كالليث المغضب، فجعل لا يلحق منهم أحداً إلّا نفحه بسيفه فقتله، والسهام تأخذه من كلّ ناحية وهو يتّقيها بنحره وصدره، ويقول: يا أمة السوء، بئسما خلفتم محمّداً (صلى الله عليه وآله) في عترته، أما إنّكم لن تقتلوا بعدي عبداً من عباد الله فتهابوا قتله، بل يهون عليكم عند قتلكم إيّاي، وأيم الله، إنّي لأرجو أن يكرمني ربّي بالشهادة بهوانكم، ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لاتشعرون.

فصاح به الحصين بن مالك السكوني فقال: يا بن فاطمة، وبماذا ينتقم لك منّا؟ قال (عليه السلام): يلقى بأسكم بينكم ويسفك دماءكم، ثمّ يصبّ عليكم العذاب الأليم، ثمّ لم يزل يقاتل حتّى أصابته جراحات عظيمة.

المصدر الأصلي: مقاتل الطالبیّین
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٥٢
الحديث: ٧٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٥٩

كانت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ، وروي: أنّها كانت كلّها في مقدّمه.

المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٥٢
الحديث: ٨٠
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٦٠

قالوا: فوقف (عليه السلام) يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال، فبينما هو واقف إذ أتاه حجر فوقع في جبهته، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن وجهه، فأتاه سهم محدّد مسموم له ثلاث شعب، فوقع السهم في صدره _ وفي بعض الروايات على قلبه _ فقال الحسين (عليه السلام): بسم الله وبالله، وعلى ملّة رسول الله، ورفع رأسه إلى السماء وقال: إلهي، إنّك تعلم أنّهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن نبيّ غيره، ثمّ أخذ السهم فأخرجه من قفاه، فانبعث الدم كالميزاب، فوضع يده على الجرح، فلمّا امتلأت رمى به إلى السماء، فما رجع من ذلك الدم قطرة، وما عرفت الحمرة في السماء حتّى رمى الحسين (عليه السلام) بدمه إلى السماء، ثمّ وضع يده ثانياً، فلمّا امتلأت لطّخ بها رأسه ولحيته، وقال: هكذا أكون حتّى ألقى جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا مخضوب بدمي، وأقول: يا رسول الله، قتلني فلان وفلان.

ثمّ ضعف عن القتال فوقف، فكلّما أتاه رجل وانتهى إليه انصرف عنه، حتّى جاءه رجل من كندة يقال له: مالك بن اليسر، فشتم الحسين (عليه السلام) وضربه بالسيف على رأسه وعليه برنس، فامتلأ دماً، فقال له الحسين (عليه السلام): لا أكلت بها ولا شربت، وحشرك الله مع الظالمين، ثمّ ألقى البرنس ولبس قلنسوة واعتمّ عليها _ وقد أعيا _ وجاء الكندي وأخذ البرنس _ وكان من خزّ _ فلمّا قدم بعد الوقعة على امرأته، فجعل يغسل الدم عنه فقالت له امرأته: أ تدخل بيتي بسلب ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ اخرج عنّي، حشا الله قبرك ناراً، فلم يزل بعد ذلك فقيراً بأسوء حال، ويبست يداه وكانتا في الشتاء ينضحان دماً، وفي الصيف تصيران يابستين كأنّهما عودان.

/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٥٣
الحديث: ٨١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٦١

فلبثوا هنيئة ثمّ عادوا إليه وأحاطوا به، فخرج عبد الله بن الحسن بن عليّ (عليهم السلام) _ وهوغلام لم يراهق من عند النساء يشتدّ _ حتّى وقف إلى جنب الحسين (عليه السلام) فلحقته زينب بنت عليّ (عليه السلام) لتحبسه، فقال الحسين (عليه السلام): احبسيه يا أختي، فأبى وامتنع امتناعاً شديداً، وقال: لا، والله، لا أفارق عمّي، وأهوى أبجر بن كعب _ وقيل حرملة بن كاهل _ إلى الحسين (عليه السلام) بالسيف، فقال له الغلام: ويلك يا بن الخبيثة، أ تقتل عمّي؟ فضربه بالسيف، فاتّقاه الغلام بيده فأطنّها ١ إلى الجلد، فإذا هي معلّقة، فنادى الغلام: يا أمّاه، فأخذه الحسين (عليه السلام) فضمّه إليه وقال: يا بن أخي، اصبر على مانزل بك، واحتسب في ذلك الخير، فإنّ الله يلحقك بآبائك الصالحين.

المصدر الأصلي: الإرشاد، اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٥٣-٥٤
(١) «فأَطَنَّ ساقَه»: قطعها. لسان العرب، ج١٣، ص٢٦٨ _ ٢٦٩
الحديث: ٨٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٦٢

فرماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه، وهوفي حجر عمّه الحسين (عليه السلام). ثمّ إنّ شمربن ذي الجوشن حمل على فسطاط الحسين (عليه السلام) فطعنه بالرمح. ثمّ قال: عليّ بالنار أحرقه على من فيه، فقال له الحسين (عليه السلام): يا بن ذي الجوشن، أنت الداعي بالنار لتحرق على أهلي؟ أحرقك الله بالنار، وجاء شبث فوبّخه، فاستحيى وانصرف.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٥٤
الحديث: ٨٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٦٣

خرجت زينب من الفسطاط وهي تنادي: وا أخاه، وا سيّداه، وا أهل بيتاه، ليت السماء أطبقت على الأرض، وليت الجبال تدكدكت على السهل، وصاح الشمر: ما تنتظرون بالرجل؟ فحملوا عليه من كلّ جانب فضربه زرعة بن شريك على كتفه، وضرب الحسين (عليه السلام) زرعة فصرعه، وضربه آخر على عاتقه المقدّس بالسيف ضربة كبا بها لوجهه، وكان قد أعيا، وجعل (عليه السلام) ينوء ويكبو، فطعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته، ثمّ انتزع الرمح فطعنه في بواني صدره، ثمّ رماه سنان أيضاً بسهم فوقع السهم في نحره، فسقط وجلس قاعداً، فنزع السهم من نحره وقرن كفّيه جميعاً، وكلّما امتلأتا من دمائه خضّب بهما رأسه ولحيته، وهويقول: هكذا حتّى ألقى الله مخضّباً بدمي، مغصوباً على حقّي.

فقال عمر بن سعد لرجل عن يمينه: انزل _ ويحك _ إلى الحسين، فأرحه، فبدر إليه خولي بن يزيد الأصبحي ليجتزّ رأسه فأرعد، فنزل إليه سنان بن أنس النخعي فضربه بالسيف في حلقه الشريف، وهويقول: والله، إنّي لأجتزّ رأسك وأعلم أنّك ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وخير الناس أباً وأمّاً، ثمّ اجتزّ رأسه المقدّس المعظّم _ صلّى الله عليه وسلّم وكـرّم _.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٥٤-٥٥
الحديث: ٨٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٦٤

وخرجت زينب بنت عليّ (عليها السلام) وقرطاها يجولان بين أذنيها وهي تقول: ليت السماء انطبقت على الأرض، يا عمر بن سعد، أ يقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟ ودموع عمر تسيل على خدّيه ولحيته، وهو يصرف وجهه عنها، والحسين (عليه السلام) جالس، وعليه جبّة خزّ، وقد تحاماه الناس.

فنادى شمر: ويلكم، ماتنتظرون به؟ اقتلوه، ثكلتكم أمّهاتكم، فضربه زرعة بن شريك، فأبان كفّه اليسرى ثمّ ضربه على عاتقه ثمّ انصرفوا عنه، وهو يكبو مرّة ويقوم أخرى، فحمل عليه سنان في تلك الحال فطعنه بالرمح فصرعه، وقال لخولي بن يزيد: اجتزّ رأسه، فضعف وارتعدت يده، فقال له سنان: فتّ الله عضدك، وأبان يدك.

فنزل إليه شمر لعنه الله وكان اللعين أبرص، فضربه برجله فألقاه على قفاه، ثمّ أخذ بلحيته، فقال الحسين (عليه السلام): أنت الأبقع الذي رأيتك في منامي؟ فقال: أ تشبّهني بالكلاب؟ ثمّ جعل يضرب بسيفه مذبح الحسين (عليه السلام).

المصدر الأصلي: تسلیة المجالس، المناقب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٥٥-٥٦
الحديث: ٨٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٦٥

جاء إليه شمر وسنان بن أنس، والحسين (عليه السلام) بآخر رمق يلوك لسانه من العطش، ويطلب الماء، فرفسه شمر لعنه الله برجله، وقال: يا بن أبي تراب، أ لست تزعم أنّ أباك على حوض النبيّ (صلى الله عليه وآله) يسقي من أحبّه، فاصبر حتّى تأخذ الماء من يده، ثمّ قال لسنان: اجتزّ رأسه قفاء، فقال سنان: والله، لا أفعل، فيكون جدّه محمّد (صلى الله عليه وآله) خصمي.

فغضب شمر لعنه الله وجلس على صدر الحسين (عليه السلام)، وقبض على لحيته وهمّ بقتله، فضحك الحسين (عليه السلام) فقال له: أ تقتلني ولا تعلم من أنا؟ فقال: أعرفك حقّ المعرفة، أمّك فاطمة الزهراء، وأبوك عليّ المرتضى، وجدّك محمّد المصطفى، وخصمك العليّ الأعلى، أقتلك ولا أبالي، فضربه بسيفه اثنتا عشرة ضربة، ثمّ جزّ رأسه _ صلوات الله وسلامه عليه ولعن الله قاتله ومقاتله والسائرين إليه بجموعهم _.

المصدر الأصلي: المناقب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٥٦
الحديث: ٨٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٦٦

فلمّا قتل (عليه السلام) ارتفعت في السماء في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مظلمة، فيها ريح حمراء، لا ترى فيها عين ولا أثر، حتّى ظنّ القوم أنّ العذاب قد جاءهم، فلبثوا كذلك ساعة ثمّ انجلت عنهم.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٥٧
الحديث: ٨٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٦٧

قال هلال بن نافع: إنّي لواقف مع أصحاب عمر بن سعد إذ صرخ صارخ: أبشر أيّها الأمير، فهذا شمر قد قتل الحسين، قال: فخرجت بين الصفّين فوقفت عليه، وإنّه ليجود بنفسه، فوالله، ما رأيت قطّ قتيلاً مضمّخاً بدمه، أحسن منه ولا أنور وجهاً، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيبته عن الفكرة في قتله، فاستسقى في تلك الحالة ماء، فسمعت رجلاً يقول: لا تذوق الماء حتّى ترد الحامية، فتشرب من حميمها، فسمعته يقول: أنا أرد الحامية، فأشرب من حميمها؟ بل أرد على جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأسكن معه في داره ﴿فِي مَقعَدِ صِدقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقتَدِرٍ﴾ ، وأشرب من ﴿مَّاء غَيرِ آسِنٍ﴾، وأشكو إليه ما ركبتم منّي وفعلتم بي، قال: فغضبوا بأجمعهم، حتّى كأنّ الله لم يجعل في قلب أحد منهم من الرحمة شيئاً، فاجتزّوا رأسه وإنّه ليكلّمهم، فتعجّبت من قلّة رحمتهم، وقلت: والله، لا أجامعكم على أمر أبداً.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٥٧
الحديث: ٨٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٦٨

وأخذ خاتمه بجدل بن سليم الكلبي فقطع إصبعه (عليه السلام) مع الخاتم.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٥٨
الحديث: ٨٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٦٩

وجاءت جارية من ناحية خيم الحسين (عليه السلام)، فقال لها رجل: يا أمة الله، إنّ سيّدك قتل، قالت الجارية: فأسرعت إلى سيّدتي وأنا أصيح، فقمن في وجهي وصحن، وتسابق القوم على نهب بيوت آل الرسول (عليهم السلام) وقرّة عين الزهراء البتول (عليها السلام)، حتّى جعلوا ينزعون ملحفة المرأة عن ظهرها، وخرجن بنات الرسول (صلى الله عليه وآله) وحرمه يتساعدن على البكاء، ويندبن لفراق الحماة والأحبّاء.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٥٨
الحديث: ٩٠
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٧٠

ثمّ أخرجوا النساء من الخيمة، وأشعلوا فيها النار، فخرجن حواسر مسلبات حافيات ٍباكيات، يمشين سبايا في أسر الذلّة، وقلن: بحقّ الله، إلّا ما مررتم بنا على مصرع الحسين (عليه السلام). فلمّا نظرت النسوة إلى القتلى، صحن وضربن وجوههنّ.

قال [الراوي]: فوالله، لا أنسى زينب بنت عليّ (عليها السلام) وهي تندب الحسين (عليه السلام) وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب: وا محمّداه، صلّى عليك مليك السماء، هذا حسين مرمّل بالدماء، مقطّع الأعضاء، وبناتك سبايا، إلى الله المشتكى، وإلى محمّد المصطفى، وإلى عليّ المرتضى، وإلى حمزة سيّد الشهداء، وا محمّداه، هذا حسين بالعراء، يسفي عليه الصبا، قتيل أولاد البغايا، ياحزناه، ياكرباه، اليوم مات جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يا أصحاب محمّداه، هؤلاء ذرّيّة المصطفى يساقون سوق السبايا.

وفي بعض الروايات: يا محمّداه، بناتك سبايا، وذرّيّتك مقتّلة، تسفي عليهم ريح الصبا، وهذا حسين مجزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والرداء، بأبي من عسكره في يوم الاثنين نهبا، بأبي من فسطاطه مقطّع العرى، بأبي من لاهو غائب فيرتجى، ولاجريح فيداوى، بأبي من نفسي له الفداء، بأبي المهموم حتّى قضى، بأبي العطشان حتّى مضى، بأبي من شيبته تقطر بالدماء، بأبي من جدّه رسول إله السماء، بأبي من هو سبط نبيّ الهدى، بأبي محمّد المصطفى، بأبي خديجة الكبرى، بأبي عليّ المرتضى، بأبي فاطمة الزهراء سيّدة النساء، بأبي من ردّت عليه الشمس حتّى صلّى، فأبكت _ والله _ كلّ عدوّ وصديق.

المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٥٨-٥٩
الحديث: ٩١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٧١

ثمّ إنّ سكينة اعتنقت جسد الحسين (عليه السلام)، فاجتمع عدّة من الأعراب حتّى جرّوها عنه، ثمّ نادى عمر بن سعد في أصحابه: من ينتدب للحسين فيوطئ الخيل ظهره؟ فانتدب منهم عشرة وهم: إسحاق بن حوية الذي سلب الحسين (عليه السلام) قميصه، وأخنس بن مرثد، وحكيم بن الطفيل السنبسي، وعمرو بن صبيح الصيداوي، ورجاء بن منقذ العبدي، وسالم بن خيثمة الجعفي، وواحظ بن ناعم، وصالح بن وهب الجعفي، وهانئ بن ثبيت الحضرمي، وأسيد بن مالك، فداسوا الحسين (عليه السلام) بحوافر خيلهم حتّى رضّوا ظهره وصدره.

وجاء هؤلاء العشرة حتّى وقفوا على ابن زياد، فقال أسيد بن مالك _ أحد العشرة _: فقال ابن زياد: من أنتم؟ فقالوا: نحن الذين وطئنا بخيولنا ظهر الحسين حتّى طحنا جناجن صدره، فأمر لهم بجائزة يسيرة.

قال أبوعمرو الزاهد: فنظرنا في هؤلاء العشرة، فوجدناهم جميعاً أولاد زناء وهؤلاء أخذهم المختار، فشدّ أيديهم وأرجلهم بسكك الحديد، وأوطأ الخيل ظهورهم حتّى هلكوا.

بيــان:
 أقول: المعتمد عندي ما سيأتي في رواية الكافي١ أنّه لم يتيسّر لهم ذلك٢.
المصدر الأصلي: اللهوف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٥٩-٦۰
(١) فللوقوف علی الروایة، راجع: الكافي، ج١، ص٤٦٥.
(٢) وللعلّامة المجلسي (رحمة الله عليه) تحقیق في هذا الباب، راجع: مرآة العقول، ج٥، ص٣٧١.
الحديث: ٩٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٧٢

وأقبل فرس الحسين (عليه السلام) وقد عدا من بين أيديهم أن لايؤخذ، فوضع ناصيته في دم الحسين (عليه السلام) ثمّ أقبل يركض نحو خيمة النساء، وهو يصهل ويضرب برأسه الأرض عند الخيمة حتّى مات، فلمّا نظر أخوات الحسين (عليه السلام) وبناته وأهله إلى الفرس ليس عليه أحد، رفعن أصواتهنّ بالبكاء والعويل، ووضعت أمّ كلثوم يدها على أمّ رأسها ونادت: «وا محمّداه، وا جدّاه، وا نبيّاه، وا أبا القاسماه، وا عليّاه، وا جعفراه، وا حمزتاه، وا حسناه، هذا حسين بالعراء، صريع بكربلا، مجزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والرداء»، ثمّ غشي عليها.

فأقبل أعداء الله _ لعنهم الله _ حتّى أحدقوا بالخيمة، ومعهم شمر، فقال: ادخلوا فاسلبوا بزّتهنّ.

فدخل القوم _ لعنهم الله _ فأخذوا ما كان في الخيمة حتّى أفضوا إلى قرط كان في أذن أمّ كلثوم أخت الحسين (عليه السلام) فأخذوه وخرموا أذنها، حتّى كانت المرأة لتنازع ثوبها على ظهرها حتّى تغلب عليه، وأخذ قيس بن الأشعث لعنه الله قطيفة الحسين (عليه السلام) فكان يسمّى قيس القطيفة، وأخذ نعليه رجل من بني أود يقال له الأسود، ثمّ مال الناس على الورس والحليّ والحلل والإبل فانتهبوها.

المصدر الأصلي: كتاب المناقب، تسلية المجالس
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٦۰
الحديث: ٩٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٧٣

إنّ فاطمة الصغرى قالت: كنت واقفة بباب الخيمة، وأنا أنظر إلى أبي وأصحابي، مجزّرين كالأضاحي على الرمال، والخيول على أجسادهم تجول، وأنا أفكّر فيما يقع علينا بعد أبي من بني أميّة، أ يقتلوننا أو يأسروننا؟ فإذا برجل على ظهر جواده، يسوق النساء بكعب رمحه وهنّ يلذن بعضهنّ ببعض، وقد أخذ ما عليهنّ من أخمرة وأسورة، وهنّ يصحن: وا جدّاه، وا أبتاه، واعليّاه، وا قلّة ناصراه، وا حسناه، أ ما من مجير يجيرنا؟ أ ما من ذائد يذود عنّا؟

قالت: فطار فؤادي وارتعدت فرائصي، فجعلت أجيل بطرفي يميناً وشمالاً على عمّتي أمّ كلثوم خشية منه أن يأتيني، فبينا أنا على هذه الحالة وإذا به قد قصدني ففررت منهزمة، وأنا أظنّ أنّي أسلم منه، وإذا به قد تبعني، فذهلت خشية منه، وإذا بكعب الرمح بين كتفي، فسقطت على وجهي، فخرم أذني وأخذ قرطي ومقنعتي، وترك الدماء تسيل على خدّي، ورأسي تصهره الشمس، وولّى راجعاً إلى الخيم، وأنا مغشيً عليّ، وإذا أنا بعمّتي عندي تبكي وهي تقول: قومي نمضي، ما أعلم ماجرى على البنات وأخيك العليل ١ ؟

/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٦۰-٦١
(١) قد رأی العلّامة المجلسي (رحمة الله عليه) هذه الروایة في بعض الكتب ولم یسمّه.
الحديث: ٩٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٧٤

وأقام ابن سعد يومه ذلك وغده إلى الزوال، فجمع قتلاه فصلّى عليهم ودفنهم، وترك الحسين (عليه السلام) وأصحابه منبوذين بالعراء، فلمّا ارتحلوا إلى الكوفة عمد أهل الغاضرية من بني أسد، فصلّوا عليهم ودفنوهم.

وقال ابن شهر آشوب: وكانوا يجدون لأكثرهم قبوراً، ويرون طيوراً بيضاً.

المصدر الأصلي: كتاب المناقب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٦٢
الحديث: ٩٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٧٥

قالت الرواة: كنّا إذا ذكرنا عند محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام) قتل الحسين (عليه السلام)، قال (عليه السلام): قتلوا سبعة عشر إنساناً، كلّهم ارتكض في بطن فاطمة (عليها السلام)، يعني (عليه السلام) بنت أسد أمّ عليّ (عليه السلام).

المصدر الأصلي: مثير الأحزان
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٦٣
الحديث: ٩٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٧٦

قال عبد الله بن سنان: دخلت على سيّدي جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) في يوم عاشورا، فألفيته كاسف اللون، ظاهر الحزن، ودموعه تنحدر من عينيه، كاللؤلؤ المتساقط، فقلت: يا بن رسول الله، ممّ بكاؤك؟ لا أبكى الله عينيك؟

فقال (عليه السلام) لي: أ وفي غفلة أنت؟ أ ما علمت أنّ الحسين بن عليّ (عليه السلام) أصيب في مثل هذا اليوم؟ قلت: يا سيّدي، فما قولك في صومه؟

فقال (عليه السلام) لي: صمه من غير تبييت، وأفطره من غير تشميت، ولا تجعله يوم صوم كملاً، وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء، فإنّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم، تجلّت الهيجاء عن آل رسول الله (عليهم السلام) وانكشفت الملحمة عنهم، وفي الأرض منهم ثلاثون صريعاً في مواليهم، يعزّ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) مصرعهم، ولو كان في الدنيا يومئذٍ حيّاً لكان (عليه السلام) هو المعزّى بهم.

المصدر الأصلي: مصباح المتهجّد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٦٣
الحديث: ٩٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٧٧

قالت فاطمة بنت الحسين (عليه السلام): دخلت العامّة علينا الفسطاط، وأنا جارية صغيرة، وفي رجلي خلخالان من ذهب، فجعل رجل يفضّ الخلخالين من رجلي وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك يا عدوّ الله؟ فقال: كيف لا أبكي وأنا أسلب ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقلت: لا تسلبني، قال: أخاف أن يجيء غيري فيأخذه، قالت: وانتهبوا ما في الأبنية، حتّى كانوا ينزعون الملاحف عن ظهورنا.

المصدر الأصلي: الأمالي للصدوق
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٨٢
الحديث: ٩٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٧٨

قال الصادق (عليه السلام): لقي المنهال بن عمرو عليّ بن الحسين بن عليّ (عليه السلام)، فقال له: كيف أصبحت يا بن رسول الله؟ قال (عليه السلام): ويحك، أ ما آن لك أن تعلم كيف أصبحت؟ أصبحنا في قومنا مثل بني إسرائيل في آل فرعون، يذبّحون أبناءنا ويستحيون نساءنا، وأصبح خير البريّة بعد محمّد (صلى الله عليه وآله) يلعن على المنابر، وأصبح عدوّنا يعطى المال والشرف، وأصبح من يحبّنا محقوراً منقوصاً حقّه، وكذلك لم يزل المؤمنون، وأصبحت العجم تعرف للعرب حقّها بأنّ محمّداً (صلى الله عليه وآله) كان منها، وأصبحت العرب تعرف لقريش حقّها بأنّ محمّداً (صلى الله عليه وآله) كان منها، وأصبحت قريش تفتخر على العرب بأنّ محمّداً (صلى الله عليه وآله) كان منها، وأصبحت العرب تفتخر على العجم بأنّ محمّداً (صلى الله عليه وآله) كان منها، وأصبحنا أهل بيت محمّد (صلى الله عليه وآله) لا یعرف لنا حقّ؟ فهكذا أصبحنا.

المصدر الأصلي: تفسير القمي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٨٤
الحديث: ٩٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٧٩

قال‏ أبو سعيد عقيصا: سمعت الحسين بن عليّ (عليه السلام) وخلا به عبد الله بن الزبير، فناجاه طويلاً، ثمّ أقبل الحسين (عليه السلام) بوجهه إليهم، وقال: إنّ هذا يقول لي: كن حماماً من حمام الحرم، ولأن أقتل وبيني وبين الحرم باع أحبّ إليّ من أن أقتل وبيني وبينه شبر، ولأن أقتل بالطفّ أحبّ إلیّ من أن أقتل بالحرم.

المصدر الأصلي: كامل الزيارة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٨٥
الحديث: ١٠٠
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٨٠

قال الباقر (عليه السلام): إنّ الحسين (عليه السلام) خرج من مكّة قبل التروية بيوم، فشيّعه عبد الله بن الزبير فقال: يا أبا عبد الله، قد حضر الحجّ وتدعه وتأتي العراق؟ فقال: يا بن الزبير، لأن أدفن بشاطئ الفرات أحبّ إليّ من أن أدفن بفناء الكعبة.

المصدر الأصلي: كامل الزيارة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٨٦
الحديث: ١٠١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٨١

من معجزاته (عليه السلام) أنّه لمّا أراد العراق، قالت له أمّ سلمة: لا تخرج إلى العراق، فقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: «يقتل ابني الحسين بأرض العراق» وعندي تربة دفعها إليّ في قارورة.

فقال (عليه السلام): إنّي _ والله _ مقتول كذلك، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضاً، وإن أحببت أن أراك مضجعي ومصرع أصحابي، ثمّ مسح بيده على وجهها ففسح الله عن بصرها، حتّى رأیا ذلك كلّه، وأخذ تربة فأعطاها من تلك التربة أيضاً في قارورة أخرى وقال (عليه السلام): إذا فاضت دماً فاعلمي أنّي قتلت.

فقالت أمّ سلمة: فلمّا كان يوم عاشورا، نظرت إلى القارورتين بعد الظهر، فإذا هما قد فاضتا دماً، فصاحت. ولم يقلّب في ذلك اليوم حجر ولا مدر إلّا وجد تحته دم عبيط.

المصدر الأصلي: الخرائج والجرائح
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٨٩
الحديث: ١٠٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٨٢

إن الحسن والحسين (عليهما السلام) دخلا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين يديه جبرئيل فجعلا يدوران حوله يشبهانه بدحية الكلبي فجعل جبرئيل يومئ بيده كالمتناول شيئاً فإذا في يده تفّاحة وسفرجلة ورمّانة، فناولهما وتهلّلت وجوههما وسعيا إلى جدّهما فأخذ منهما فشمّها، ثمّ قال: صيرا إلى أمّكما بما معكما، وبدوكما بأبيكما أعجب، فصارا كما أمرهما فلم يأكلوا حتّى صار النبيّ (صلى الله عليه وآله) إليهم، فأكلوا جميعاً فلم يزل كلّما أكل منه عاد إلى ما كان حتّى قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله).

قال الحسين (عليه السلام): فلم يلحقه التغيير والنقصان أيّام فاطمة بنت رسول الله (عليها السلام) حتّى توفّيت، فلمّا توفّيت فقدنا الرمّان وبقي التفّاح والسفرجل أيّام أبي، فلمّا استشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) فقد السفرجل وبقي التفّاح على هيئته عند الحسن (عليه السلام) حتّى مات في سمّه، وبقيت التفّاحة إلى الوقت الذي حوصرت عن الماء فكنت أشمّها إذا عطشت فيسكن لهب عطشي، فلمّا اشتدّ عليّ العطش عضضتها وأيقنت بالفناء.

قال عليّ بن الحسين (عليه السلام): سمعته يقول ذلك قبل مقتله بساعة، فلمّا قضى نحبه وجد ريحها في مصرعه، فالتمست فلم ير لها أثر فبقي ريحها بعد الحسين (عليه السلام)، ولقد زرت قبره فوجدت ريحها يفوح من قبره، فمن أراد ذلك من شيعتنا الزائرين للقبر، فليلتمس ذلك في أوقات السحر، فإنّه يجده إذا كان مخلصاً.

المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٩١-٩٢
الحديث: ١٠٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٨٣

مرّ ميثم التمّار على فرس له، فاستقبل حبيب بن مظاهر الأسدي عند مجلس بني أسد، فتحدّثا حتّى اختلفت أعناق فرسيهما، ثمّ قال حبيب: لكأنّي بشيخ أصلع ضخم البطن، يبيع البطّيخ عند دار الرزق، قد صلب في حبّ أهل بيت نبيّه (عليهم السلام) يبقر بطنه على الخشبة.

فقال ميثم: وإنّي لأعرف رجلاً أحمر له ضفيرتان، يخرج لنصرة ابن بنت نبيّه (عليه السلام)، ويقتل ويجال برأسه بالكوفة، ثمّ افترقا فقال أهل المجلس: ما رأينأ أحداً أكذب من هذين. فلم يفترق أهل المجلس حتّى أقبل رشيد الهجري، فطلبهما فسأل أهل المجلس عنهما فقالوا: افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا، فقال رشيد: رحم الله ميثماً، نسي، ويزاد في عطاء الذي يجيء بالرأس مائة درهم، ثمّ أدبر فقال القوم: هذا _ والله _ أكذبهم، فقال القوم: والله، ماذهبت الأيّام والليالي حتّى رأيناه مصلوباً على باب دار عمرو بن حريث، وجيء برأس حبيب بن مظاهر وقد قتل مع الحسين (عليه السلام)، ورأينا كلّ ما قالوا.

المصدر الأصلي: معرفة الرجال
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٩٢-٩٣
الحديث: ١٠٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٦٨٤

لقي رجل الحسين بن عليّ (عليه السلام) بالثعلبية _ وهو يريد كربلاء _ فدخل عليه‏ فسلّم عليه، فقال له الحسين (عليه السلام): من أيّ البلاد أنت؟ قال: من أهل الكوفة، قال (عليه السلام): أما والله، يا أخا أهل الكوفة، لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبرئيل (عليه السلام) من دارنا ونزوله بالوحي على جدّي، يا أخا أهل الكوفة، أ فمستقى الناس العلم من عندنا فعلموا وجهلنا؟ هذا ما لا يكون‏.

المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٥
، ص٩٣-٩٤
تذنیب: قد مضى في كتاب الإمامة وكتاب الفتن أخبار كثيرة دالّة على أنّ كلّاً منهم (عليهم السلام) كان مأموراً بأمور خاصّة مكتوبة في الصحف السماوية النازلة على الرسول (صلى الله عليه وآله)، فهم كانوا يعملون بها. ولا ينبغي قياس الأحكام المتعلّقة بهم على أحكامنا، وبعد الاطّلاع على أحوال الأنبياء (عليهم السلام)، وأنّ كثيراً منهم كانوا يبعثون فرادى على ألوف من الكفرة، ويسبّون آلهتهم، ويدعونهم إلى دينهم، ولا يبالون بما ينالهم من المكاره والضرب والحبس والقتل، والإلقاء في النار وغير ذلك لا ينبغي الاعتراض على أئمّة الدين في أمثال ذلك.
مع أنّه بعد ثبوت عصمتهم بالبراهين والنصوص المتواترة لا مجال للاعتراض عليهم، بل يجب التسليم لهم في كلّ ما يصدر عنهم.
على أنّك لو تأمّلت حقّ التأمّل، علمت أنّه (عليه السلام) فدى نفسه المقدّسة دين جدّه، ولم يتزلزل أركان دول بني أميّة إلّا بعد شهادته، ولم يظهر للناس كفرهم وضلالتهم إلّا عند فوزه بسعادته، ولو كان (عليه السلام) يسالمهم ويوادعهم كان يقوى سلطانهم، ويشتبه على الناس أمرهم، فيعود بعد حين أعلام الدين طامسة، وآثار الهداية مندرسة.
مع أنّه قد ظهر لك من الأخبار السابقة أنّه (عليه السلام) هرب من المدينة خوفاً من القتل إلى مكّة، وكذا خرج من مكّة بعد ما غلب على ظنّه أنّهم يريدون غيلته وقتله، حتّى لم يتيسّر له _ فداه نفسي وأبي وأمّي وولدي _ أن يتمّ حجّه، فتحلّل و﴿خَرَجَ مِنهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾، وقد كانوا _ لعنهم الله _ ضيّقوا عليه جميع الأقطار، ولم يتركوا له موضعاً للفرار.
ولقد رأيت في بعض الكتب المعتبرة أنّ يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر عظيم وولّاه أمر الموسم، وأمّره على الحاجّ كلّهم، وكان قد أوصاه بقبض الحسين (عليه السلام) سرّاً وإن لم يتمكّن منه بقتله غيلة، ثمّ إنّه دسّ مع الحاجّ في تلك السنة ثلاثين رجلاً من شياطين بني أميّة، وأمرهم بقتل الحسين (عليه السلام) على أيّ حال اتّفق.
فلمّا علم الحسين (عليه السلام) بذلك، حلّ من إحرام الحجّ، وجعلها عمرة مفردة.
وقد روي بأسانيد أنّه لمّا منعه محمّد بن الحنفية عن الخروج إلى الكوفة قال: والله يا أخي، لوكنت في جحر هامّة من هوامّ الأرض، لاستخرجوني منه حتّى يقتلوني. بل الظاهر أنّه (عليه السلام) لو كان يسالمهم ويبايعهم لا يتركونه لشدّة عداوتهم، وكثرة وقاحتهم، بل كانوا يغتالونه بكلّ حيلة، ويدفعونه بكلّ وسيلة، وإنّما كانوا يعرضون البيعة عليه أوّلاً لعلمهم بأنّه لا يوافقهم في ذلك، أ لا ترى إلى مروان لعنه الله كيف كان يشير على والي المدينة بقتله قبل عرض البيعة عليه؟
وكان عبيد الله بن زياد _ عليه لعائن الله إلى يوم التناد _ يقول: اعرضوا عليه، فلينزل على أمرنا، ثمّ نرى فيه رأينا. أ لا ترى كيف أمّنوا مسلماً ثمّ قتلوه؟ فأمّا معاوية لعنه الله فإنّه مع شدّة عداوته وبغضه لأهل البيت (عليهم السلام) كان ذا دهاء ونكراء حزم، وكان يعلم أنّ قتلهم علانية يوجب رجوع الناس عنه، وذهاب ملكه وخروج الناس عليه. فكان يداريهم ظاهراً على أيّ حال، ولذا صالحه الحسن (عليه السلام) ولم يتعرّض له الحسين (عليه السلام)، ولذلك كان يوصي ولده اللعين بعدم التعرّض للحسين (عليه السلام) لأنّه كان يعلم أن ذلك يصير سبباً لذهاب دولته.
اللّهمّ العن كلّ من ظلم أهل بيت نبيّك، وقتلهم وأعان عليهم ورضي بما جریعليهم من الظلم والجور لعناً وبيلاً، وعذّبهم عذاباً أليماً، واجعلنا من خيار شيعة آل محمّد (عليهم السلام) وأنصارهم، والطالبين بثأرهم مع قائمهم _ صلوات الله عليهم أجمعين _. (ص٩٨-١۰۰)