قال الصادق (عليه السلام): إنّ رجلاً قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): «والله، إنّي لأحبّك» ثلاث مرّات. فقال عليّ (عليه السلام): والله، ما تحبّني، فغضب الرجل فقال: كأنّك _ والله _ تخبرني ما في نفسي، قال له عليّ (عليه السلام): لا، ولكنّ الله خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام فلم أر روحك فيها.
قال الشيخ المفيد (رحمه الله): فأمّا الخبر بأنّ الله تعالی خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام فهو من أخبار الآحاد وقد روته العامّة كما روته الخاصّة وليس هو مع ذلك ممّا يقطع على الله بصحّته وإن ثبت القول فالمعنى فيه أنّ الله تعالی قدّر الأرواح في علمه قبل اختراع الأجساد واخترع الأجساد واخترع لها الأرواح، فالخلق للأرواح قبل الأجساد خلق تقدير في العلم كما قدّمناه وليس بخلق لذواتها كما وصفناه والخلق لها بالإحداث والاختراع بعد خلق الأجسام، والصور التي تدبّرها الأرواح ولو لا أنّ ذلك كذلك لكانت الأرواح تقوم بأنفسها ولا تحتاج إلى آلات تعلّقها ولكنّا نعرف ما سلف لنا من الأرواح قبل خلق الأجساد كما نعلم أحوالنا بعد خلق الأجساد وهذا محال لا خفاء بفساده.
وأمّا الحديث بـ «أنّ الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف» فالمعنى فيه: أنّ الأرواح التي هي الجواهر البسائط تتناصر بالجنس وتتخاذل بالعوارض، فما تعارف منها باتّفاق الرأي والهوى ائتلف وما تناكر منها بمباينة في الرأي والهوى اختلف وهذا موجود حسّاً ومشاهد وليس المراد بذلك أنّ ما تعارف منها في الذرّ ائتلف كما ذهبت إليه الحشوية كما بيّنّاه من أنّه لا علم للإنسان بحال كان عليها قبل ظهوره في هذا العالم ولو ذكر بكلّ شيء ما ذكر ذلك فوضح بما ذكرناه أنّ المراد بالخبر ما شرحناه والله الموفّق للصواب.
قيام الأرواح بأنفسها أو تعلّقها بالأجساد المثالية ثمّ تعلّقها بالأجساد العنصرية ممّا لا دليل على امتناعه، وأمّا عدم تذكّر الأحوال السابقة فلعلّه لتقلبها في الأطوار المختلفة أو لعدم القوى البدنية أو كون تلك القوى قائمة بما فارقته من الأجساد المثالية أو لإذهاب الله تعالی تذكر هذه الأمور عنها لنوع من المصلحة كما ورد أنّ الذكر والنسيان من صنعه تعالی مع أنّ الإنسان لا يتذكّر كثيراً من أحوال الطفولية والولادة والتأويل الذي ذكره للحديث في غاية البعد لا سيّما مع الإضافات الواردة في الأخبار المتقدّمة.
قال أبو عبد الرحمن: قلت للصادق (عليه السلام) إنّي ربما حزنت فلا أعرف في أهل ولا مال ولا ولد وربما فرحت فلا أعرف في أهل ولا مال ولا ولد؟ فقال (عليه السلام): إنّه ليس من أحد إلّا ومعه ملك وشيطان فإذا كان فرحه كان دنوّ الملك منه وإذا كان حزنه كان دنوّ الشيطان منه وذلك قول الله تبارك وتعالى ﴿الشَّيطانُ يَعِدُكُمُ الفَقرَ وَيَأمُرُكُم بِالفَحشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَغفِرَةً مِنهُ وَفَضلاً وَاللَّهُ واسِعٌ عَليمٌ﴾.
لعلّ المراد أنّ هذا لهم من أجل وساوس الشيطان وأمانيّه في أمور الدنيا الفانية وإن لم يتفطّن به الإنسان، فيظنّ أنّه لا سبب له أو يكون غرض السائل فوت الأهل والمال والولد في الماضي فلا ينافي الهمّ للتفكّر فيها لأجل ما يستقبل أو المراد أنّه لمّا كان شأن الشيطان ذلك يصير محض دنوّه سبباً للهمّ وفي الملك بعكس ذلك في الوجهين.
قال أبو بصير: دخلت على الصادق (عليه السلام) ومعي رجل من أصحابنا فقلت له: جعلت فداك يا ابن رسول الله، إنّي لأغتمّ وأحزن من غير أن أعرف لذلك سبباً؟ فقال الصادق (عليه السلام): إنّ ذلك الحزن والفرح يصل إليكم منّا؛ لأنّا إذا دخل علينا حزن أو سرور كان ذلك داخلاً عليكم ولأنّا وإيّاكم من نور الله عزّ وجلّ، فجعلنا وطينتنا وطينتكم واحدة، ولو تركت طينتكم كما أخذت لكنّا وأنتم سواء، ولكن مزجت طينتكم بطينة أعدائكم فلو لا ذلك ما أذنبتم ذنباً أبداً.
قال أبو بصير: سمعت الصادق (عليه السلام) يقول: المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد إن اشتكى شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده وأرواحهما من روح واحدة وإنّ روح المؤمن لأشدّ اتّصالاً بروح الله من اتّصال شعاع الشمس بها.
قال الباقر (عليه السلام): لمّا احتضر أمير المؤمنين (عليه السلام) جمع بنيه فأوصاهم، ثمّ قال: يا بنيّ، إنّ القلوب جنود مجنّدة تتلاحظ بالمودّة وتتناجى بها وكذلك هي في البغض، فإذا أحببتم الرجل من غير خير سبق منه إليكم فارجوه، وإذا أبغضتم الرجل من غير سوء سبق منه إليكم فاحذروه.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مثل المؤمن في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى بعضه تداعى سائره بالسهر والحمى.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مثل القلب مثل ريشة بأرض تقلّبها الرياح.
قال فضل الله الراوندي (رحمه الله) في ضوء الشهاب: شبّه (عليه السلام) القلب بريشة ساقطة بأرض عراء لا حاجز بها ولا مانع فالريح تطيرها هنا وثمّ، وذلك للاعتقادات والأحوال التي يتقلّب لها ولسرعة انقلابه وقلّة ثبوته ودوامه على حالة واحدة وقد قيل: إنّما سمّي قلباً لتقلّبه وفائدة الحديث: إعلام أنّ القلب سريع الانقلاب لا يبقى على وجه واحد.