قال الصادق (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ جبرئيل أتاني فقال: إنّا معشر الملائكة لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا تمثال جسد ولا إناء يبال فيه.
قال هشام بن الحكم: سأل الزنديق فيما سأل الصادق (عليه السلام) فقال: ما علّة الملائكة الموكّلين بعباده يكتبون عليهم ولهم والله عالم السرّ وما هو أخفى؟ قال (عليه السلام): استعبدهم بذلك وجعلهم شهوداً على خلقه ليكون العباد لملازمتهم إيّاهم أشدّ على طاعة الله مواظبة أو عن معصيته أشدّ انقباضاً وكم من عبد يهمّ بمعصية فذكر مكانها فارعوى وكفّ، فيقول: ربّي يراني وحفظتي علي بذلك تشهد وإنّ الله برأفته ولطفه أيضاً وكلّهم بعباده يذبّون عنهم مردة الشياطين وهوامّ الأرض وآفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن الله إلى أن يجيء أمر الله عزّ وجلّ.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): حدّثني جبرئيل أنّ الله عزّ وجل أهبط إلى الأرض ملكاً، فأقبل ذلك الملك يمشي، حتّى وقع إلى باب عليه رجل يستأذن على ربّ الدار، فقال له الملك: ما حاجتك إلى ربّ هذه الدار؟ قال: أخ لي مسلم، زرته في الله تبارك وتعالى، قال له الملك: ما جاء بك إلّا ذاك؟ فقال: ما جاء بي إلّا ذاك، قال: فإنّي رسول الله إليك، وهو يقرئك السلام ويقول: وجبت لك الجنّة، وقال الملك: إنّ الله عزّ وجلّ يقول: أيّما مسلم زار مسلماً، فليس إيّاه زار، إيّاي زار، وثوابه عليّ الجنّة.
قال الصادق (عليه السلام): من زار أخاه في الله، في مرض أو صحّة، لا يأتيه خداعاً ولا استبدالاً، وكّل الله به سبعين ألف ملك، ينادون في قفاه: أن طبت وطابت لك الجنّة، فأنتم زوّار الله، وأنتم وفد الرحمن، حتّى يأتي منزله فقال له يسير: جعلت فداك، فإن كان المكان بعيداً؟ قال (عليه السلام): نعم، يا يسير، وإن كان المكان مسير سنة، فإنّ الله جواد والملائكة كثير، يشيّعونه حتّى يرجع إلى منزله.
قال الباقر (عليه السلام): إنّ المؤمن ليخرج إلى أخيه يزوره، فيوكّل الله عزّ وجلّ به ملَكاً، فيضع جناحاً في الأرض وجناحاً في السماء يطلبه، فإذا دخل على منزله نادى الجبّار تبارك وتعالى: أيّها العبد المعظّم لحقّي، المتّبع لآثار نبيّي، حقّ عليّ إعظامك، سلني أعطك، ادعني أجبك، اسكت أبتدئك، فإذا انصرف شيّعه الملَك، يظلّه بجناحه حتّى يدخل إلى منزله، ثمّ يناديه تبارك وتعالى: أيّها العبد المعظّم لحقّي، حقّ عليّ إكرامك، قد أوجبتُ لك جنّتي، وشفّعتك في عبادي.
قال الباقر (عليه السلام): كان فيما ناجى الله عزّ وجلّ به موسى (عليه السلام) قال: يا موسى، أكرم السائل ببذل يسيرٍ أو بردٍّ جميل، إنّه يأتيك من ليس بإنس ولا جانّ، ملائكة من ملائكة الرحمن، يبلونك فيما خوّلتك، ويسألونك فيما نوّلتك، فانظر كيف أنت صانع يا بن عمران.
قال الصادق (عليه السلام): من صام لله عزّ وجلّ يوماً في شدّة الحرّ فأصابه ظمأ، وكّل الله به ألف ملَك، يمسحون وجهه ويبشّرونه.
قال الصادق (عليه السلام): ليس خلق أكثر من الملائكة، إنّه لينزّل كلّ ليلة من السماء سبعون ألف ملَك، فيطوفون بالبيت الحرام ليلتهم، وكذلك في كلّ يوم.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): لقي ملَك رجلاً على باب دار كان ربّها غائباً، فقال له الملَك: يا عبد الله، ما جاء بك إلى هذه الدار؟ فقال: أخ لي أردت زيارته، قال: أ لرحم ماسّة بينك وبينه؟ أم نزعتك إليه حاجة؟ قال: ما بيننا رحم أقرب من رحم الإسلام، وما نزعتني إليه حاجة، ولكنّي زرته في الله ربّ العالمين. قال: فأبشر فإنّي رسول الله إليك، وهو يقرئك السلام ويقول لك: إيّاي قصدت، وما عندي أردت بصنعك، فقد أوجبت لك الجنّة، وعافيتك من غضبي، ومن النار حيث أتيته.
قال الباقر (عليه السلام): لمّا قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بات آل محمّد (عليهم السلام) بليلة أطول ليلة ظنّوا أنّهم لا سماء تظلّهم ولا أرض تقلّهم مخافة، لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتر الأقربين والأبعدين في الله، فبينما هم كذلك إذ أتاهم آتٍ لا يرونه ويسمعون كلامه، فقال: السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته، في الله عزاء من كلّ مصيبة، ونجاة من كلّ هلكة، ودرك لما فات، إنّ الله اختاركم وفضّلكم وطهّركم، وجعلكم أهل بيت نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) واستودعكم علمه، وأورثكم كتابه، وجعلكم تابوت علمه، وعصا عزّه، وضرب لكم مثلاً من نوره، وعصمكم من الزلل، وآمنكم من الفتن.
فتعزّوا بعزاء الله، فإنّ الله لم ينزع منكم رحمته، ولم يدل منكم عدوه ١ ، فأنتم أهل الله الذين بكم تمّت النعمة، واجتمعت الفرقة، وائتلفت الكلمة، وأنتم أولياء الله، من تولّاكم نجا، ومن ظلمكم يزهق، مودّتكم من الله في كتابه واجبة على عباده المؤمنين، والله على نصركم إذا يشاء قدير، فاصبروا لعواقب الأمور، فإنّها إلى الله تصير، فقد قبلكم الله من نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وديعة، واستودعكم أولياءه المؤمنين في الأرض، فمن أدّى أمانته آتاه الله صدقه. فأنتم الأمانة المستودعة، والمودّة الواجبة، ولكم الطاعة المفترضة، وبكم تمّت النعمة، وقد قبض الله نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أكمل الله به الدين، وبيّن لكم سبيل المخرج، فلم يترك للجاهل حجّة، فمن تجاهل أو جهل، أو أنكر أو نسي أو تناسى فعلى الله حسابه، والله من وراء حوائجكم. فاستعينوا بالله على من ظلمكم، واسألوا الله حوائجكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فسأله يحيى بن أبي القاسم، فقال: جعلت فداك، ممّن أتتهم التعزية؟ فقال (عليه السلام): من الله عزّ وجلّ.
عن أبي بصیر قال: قال الصادق (عليه السلام): يا أبا محمّد، إنّ لله _ عزّ ذكره _ ملائكة يسقطون الذنوب عن ظهور شيعتنا، كما تسقط الريح الورق من الشجر في أوان سقوطه وذلك قوله عزّ وجلّ: ﴿يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ﴾، ﴿وَيَسۡتَغۡفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾، والله، ما أراد بهذا غيركم.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّي أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطّت السماء، وحقّ لها أن تئطّ، ما فيها موضع أربع أصابع، إلّا وملك واضع جبهته لله ساجداً، والله، لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذّذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. لوددت أنّي كنت شجرة تعضد.
«أطّت السماء»: قال في النهاية: الأطيط: صوت الأقتاب، وأطيط الإبل أصواتها وحنينها، أي إنّ كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتّى أطّت. وهذا مثل وإيذان بكثرة الملائكة، وإن لم يكن ثمّ أطيط، وإنّما هو كلام تقريب أريد منه تقرير عظمة الله.
وقال: «الصعدات»: الطرق، جمع صُعُد، وصُعُد: جمع صعيد، كطريق وطُرُق وطرقات، وقيل: هي جمع «صعدة» كظلمة، وهي فناء باب الدار وممرّ الناس بين الأندية.
وقال الطيبي في شرح هذا الحديث: أي فخرجتم إلى الطرقات والصحارى وممرّ الناس، كفعل المحزون الذي يضيق به المنزل، فيطلب الفضاء لبثّ الشكوى، وقال في قوله: «لوددت أنّي شجرة تعضد»: هو بكلام أبي ذر أشبه، والنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أعلم بالله من أن يتمنّى عليه حالاً أوضع عمّا هو فيه. وأقول: هو إظهار الخوف منه تعالی، وهو لا ينافي القرب منه سبحانه، بل يؤكّده ﴿إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰٓاءُ﴾. (ص٢٠٠)
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): نقّوا أفواهكم بالخلال، فإنّها مسكن الملكين الحافظين الكاتبين، وإنّ مدادهما الريق، وقلمهما اللسان، وليس شيء أشدّ عليهما من فضل الطعام في الفم.
قال الفخر الرازي: واعلم أنّ الله ذكر في القرآن أصنافهم وأوصافهم وأمّا الأصناف:
فأحدها: حملة العرش ﴿وَيَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ﴾.
وثانيها: الحافّون حول العرش ﴿وَتَرَى ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ حَآفِّينَ﴾.
وثالثها: أكابر الملائكة، فمنهم جبرئيل وميكائيل لقوله ﴿وَجِبۡرِيلَ وَمِيكَالَ﴾، ثمّ إنّه وصف جبرئيل بأمور:
الأوّل: أنّه صاحب الوحي إلى الأنبياء ﴿نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُ﴾. والثاني: أنّه قدّمه على ميكائيل.
والثالث: جعله ثاني نفسه ﴿فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ﴾. الرابع: سمّاه روح القدس.
الخامس: ينصر أولياءه، ويقهر أعداءه، مع آلافٍ من الملائكة مسوّمين.
السادس: أنّه مدحه بصفات ستّة ﴿إِنَّهُ لَقَوۡلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ _ إلى قوله _ ﴿أَمِين﴾.
ومنهم إسرافيل صاحب الصور، وعزرائيل قابض الأرواح، وله أعوان عليه.
ورابعها: ملائكة الجنّة ﴿وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَدۡخُلُونَ عَلَيۡهِم مِّن كُلِّ بَابٍ﴾. وخامسها: ملائكة النار ﴿عَلَيۡهَا تِسۡعَةَ عَشَرَ﴾، وقوله: ﴿وَمَا جَعَلۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَـٰٓئِكَةٗ﴾، ورئيسهم مالك ﴿يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَ﴾، وأسماء جملتهم الزبانية ﴿سَنَدۡعُ ٱلزَّبَانِيَةَ﴾.
وسادسها: الموكّلون ببني آدم، لقوله تعالی: ﴿عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ ۞ مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾، وقوله تعالی: ﴿لَهُۥ مُعَقِّبَاتٌ﴾، وقوله ﴿وَيُرۡسِلُ عَلَيۡكُمۡ حَفَظَةً﴾.
وثامنها: الموكّلون بأحوال هذا العالم ﴿وَٱلصَّافَّاتِ صَفّاً﴾، وقوله ﴿فَٱلۡمُدَبِّرَٰتِ أَمۡراً﴾.
وعن ابن عبّاس قال: إنّ لله ملائكة _ سوى الحفظة _ يكتبون ما يسقط من ورق الشجر، فإذا أصاب أحدكم عجزة بأرض فلاة فليناد: أعينوا عباد الله رحمكم الله.
وأمّا أوصاف الملائكة فمن وجوه:
أحدها: أنّهم رسل الله ﴿جَاعِلِ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ رُسُلاً﴾، وقوله: ﴿ٱللَّهُ يَصۡطَفِي مِنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ رُسُلاً﴾.
وثانيها: قربهم من الله بالشرف، وهو المراد من قوله سبحانه: ﴿وَمَنۡ عِندَهُ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ﴾، وقوله: ﴿بَلۡ عِبَادٌ مُّكۡرَمُونَ﴾. وثالثها: وصف طاعاتهم، وذلك من وجوه:
الأوّل: قوله تعالی حكاية عنهم: ﴿وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾، وقولهم ﴿وَإِنَّا لَنَحۡنُ ٱلصَّآفُّونَ ۞ وَإِنَّا لَنَحۡنُ ٱلۡمُسَبِّحُونَ﴾، والله تعالی ما كذبهم في ذلك.
الثاني: مبادرتهم إلى امتثال أمر الله، وهو قوله: ﴿فَسَجَدَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ كُلُّهُمۡ أَجۡمَعُونَ﴾.
الثالث: أنّهم لا يفعلون إلّا بوحيه وأمره وهو قوله تعالی: ﴿لَا يَسۡبِقُونَهُ بِٱلۡقَوۡلِ وَهُم بِأَمۡرِهِ يَعۡمَلُونَ﴾.
ورابعها: وصف قدرتهم وذلك بوجوه:
الأوّل: أنّ حملة العرش _ وهم ثمانية _ يحملون العرش والكرسيّ الذي هو أصغر من العرش، أعظم من حملة السماوات السبع، لقوله تعالی: ﴿وَسِعَ كُرۡسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ﴾.
والثاني: أنّ علوّ العرش شيء لا يحيط به الوهم، ويدلّ عليه قوله تعالی: ﴿تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٍ كَانَ مِقۡدَارُهُ خَمۡسِينَ أَلۡفَ سَنَةٍ﴾، ثمّ إنّهم لشدّة قدرتهم ينزلون منه في لحظة واحدة.
الثالث: قوله تعالی: ﴿وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ﴾، فصاحب الصور بلغ في القوّة إلى حيث أنّ بنفخة واحدة منه، يصعق من في السماوات والأرض، وبالثانية منه يعودون أحياء.
الرابع: أنّ جبرئيل بلغ من قوّته أن قلع جبال آل لوط، وبلادهم دفعة واحدة.
وخامسها: وصف خوفهم ويدلّ عليه بوجوه:
الأوّل: أنّهم مع كثرة عبادتهم، وعدم إقدامهم على الزلاّت يكونون خائفين وجلين، حتّى كأنّ عباداتهم معاصي، قال تعالی: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوۡقِهِمۡ﴾، وقال: ﴿وَهُم مِّنۡ خَشۡيَتِهِ مُشۡفِقُونَ﴾.
الثاني: قوله تعالی: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمۡ﴾، روي في التفسير: أنّ الله تعالی إذا تكلّم بالوحي، سمعه أهل السماوات مثل صوت السلسلة على الصفوان، ففزعوا، فإذا انقضى الوحي، قال بعضهم لبعض: ماذا قال ربّكم؟ قالوا: الحقّ وهو العليّ الكبير
الثالث: روى البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عبّاس قال: بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بناحية ومعه جبرئيل (عليه السلام) إذا انشقّ أفق السماء، فأقبل جبرئيل يتضاءل ويدخل بعضه في بعض، إلى آخر ما سيأتي برواية السيوطي في الباب الآتي.
قال السجّاد (عليه السلام) _ وكان من دعائه في الصلاة على حملة العرش وكلّ ملك مقرّب _: اللّهمّ وحملة عرشك الذين لا يفترون من تسبيحك، ولا يسأمون من تقديسك، ولا يستحسرون عن عبادتك، ولا يؤثرون التقصير على الجدّ في أمرك، ولا يغفلون عن الوله إليك، وإسرافيل صاحب الصور الشاخص، الذي ينتظر منك الإذن، وحلول الأمر، فينبّه بالنفخة صرعى رهائن القبور، وميكائيل ذو الجاه عندك، والمكان الرفيع من طاعتك، وجبريل الأمين على وحيك، المطاع في أهل سماواتك، المكين لديك، المقرّب عندك، والروح الذي هو على ملائكة الحجب، والروح الذي هو من أمرك.
اللّهمّ فصلِّ عليهم وعلى الملائكة الذين من دونهم، من سكّان سماواتك، وأهل الأمانة على رسالاتك، والذين لا يدخلهم سأمة من دؤوب، ولا إعياء من لغوب ولا فتور، ولا تشغلهم عن تسبيحك الشهوات، ولا يقطعهم عن تعظيمك سهو الغفلات، الخشّع الأبصار، فلا يرومون النظر إليك، النواكس الأعناق، الذين قد طالت رغبتهم فيما لديك، المستهترون بذكر آلائك، والمتواضعون دون عظمتك وجلال كبريائك، والذين يقولون إذا نظروا إلى جهنّم تزفر على أهل معصيتك: سبحانك، ما عبدناك حقّ عبادتك. فصلّ عليهم وعلى الروحانيّين من ملائكتك، وأهل الزلفة عندك، وحملة الغيب إلى رسلك، والمؤتمنين على وحيك، وقبائل الملائكة الذين اختصصتهم لنفسك، وأغنيتهم عن الطعام والشراب بتقديسك، وأسكنتهم بطون أطباق سماواتك … .
قال الصادق (عليه السلام): إنّ الله تبارك وتعالى جعل لملك الموت أعواناً من الملائكة يقبضون الأرواح، بمنزلة صاحب الشرطة له أعوان من الإنس، يبعثهم في حوائجه، فتتوفّاهم الملائكة، ويتوفّاهم ملك الموت عن الملائكة، مع ما يقبض هو، ويتوفّاهم الله عزّ وجلّ عن ملك الموت.
قال أصبغ بن نباتة: إنّ سلمان (رض) قال لي: اذهب بي إلى المقبرة، فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لي: يا سلمان، سيكلّمك ميّت إذا دنت وفاتك فلمّا ذهبت به إليها ونادى الموتى، أجابه واحد منهم، فسأله سلمان عمّا رأى من الموت وما بعده، فأجابه بقصص طويلة، وأهوال جليلة وردت عليه _ إلى أن قال _: لمّا ودّعني أهلي وأرادوا الانصراف من قبري، أخذت في الندم فقلت: يا ليتني كنت من الراجعين.
فأجابني مجيب من جانب القبر: ﴿كَلَّآ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ﴾. فقلت له: من أنت؟ قال: أنا منبّه، أنا ملك وكّلني الله عزّ وجلّ بجميع خلقه، لأنبّههم بعد مماتهم، ليكتبوا أعمالهم على أنفسهم، بين يدي الله عزّ وجلّ، ثمّ إنّه جذبني وأجلسني وقال لي: اكتب عملك، فقلت: إنّي لا أحصيه، فقال لي: أ ما سمعت قول ربّك: ﴿أَحۡصَاهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ﴾؟ ثمّ قال لي: اكتب وأنا أملي عليك، فقلت: أين البياض؟ فجذب جانباً من كفني، فإذا هو ورق، فقال: هذه صحيفتك، فقلت: من أين القلم؟ فقال: سبابتك، قلت: من أين المداد؟ قال: ريقك، ثمّ أملى عليّ ما فعلته في دار الدنيا، فلم يبق من أعمالي صغيرة ولا كبيرة إلّا أملاها، كما قال تعالی: ﴿وَيَقُولُونَ يَٰوَيۡلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَداً﴾. ثمّ إنّه أخذ الكتاب وختمه بخاتم وطوّقه في عنقي، فخيّل لي أنّ جبال الدنيا جميعاً قد طوّقوها في عنقي، فقلت له: يا منبّه، ولم تفعل بي كذا؟ قال: أ لم تسمع قول ربّك: ﴿وَكُلَّ إِنسَٰانٍ أَلۡزَمۡنَٰاهُ طَـٰٓئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخۡرِجُ لَهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰامَةِ كِتَٰاباً يَلۡقَاهُ مَنشُوراً ۞ ٱقۡرَأۡ كِتَٰابَكَ كَفَىٰ بِنَفۡسِكَ ٱلۡيَوۡمَ عَلَيۡكَ حَسِيباً﴾؟ فهذا تخاطب به يوم القيامة، ويؤتى بك وكتابك بين عينيك منشوراً، تشهد فيه على نفسك. ثمّ انصرف عنّي.