- جواهر البحار
- » تتمة كتاب السماء والعالم
- » أحاديث في تأثير السحر والعين وحقيقتهما
قال الطبرسي (رحمه الله) في قوله ﴿لَا تَدۡخُلُواْ مِنۢ بَابٍ وَاحِدٍ﴾: خاف عليهم العين، لأنّهم كانوا ذوي جمال وهيئة وكمال، وهم إخوة أولاد رجل واحد، عن ابن عبّاس والحسن وقتادة والضحّاك والسدّي وأبو مسلم. وقيل: خاف عليهم حسد الناس إيّاهم، وأن يبلغ الملك قوّتهم وبطشهم، فيحبسهم أو يقتلهم خوفاً على ملكه، عن الجبّائي، وأنكر العين وذكر أنّه لم يثبت بحجّة.
وجوّزه كثير من المحقّقين، ورووا فيه الخبر عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): « إنّ العين حقّ تستنزل الحالق»، والحالق: المكان المرتفع من الجبل وغيره، فجعل (صلى الله عليه وآله وسلم) العين كأنّها تحطّ ذروة الجبل من قوّة أخذها، وشدّة بطشها. وورد في الخبر أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعوّذ الحسن والحسين (عليهما السلام) بأن يقول:« أعيذكما بكلمات الله التامّة، من كلّ شيطان وهامّة، ومن كلّ عين لامّة».
وروي أنّ إبراهيم (عليه السلام) عوّذ ابنيه، وأنّ موسى (عليه السلام) عوّذ ابني هارون بهذه العوذة. وروي أنّ بني جعفر بن أبي طالب كانوا غلماناً بيضاً، فقالت أسماء بنت عميس: يا رسول الله، إنّ العين إليهم سريعة، أ فأسترقي لهم من العين؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم. وروي أنّ جبرئيل (عليه السلام) رقى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلّمه الرقية، وهي: «بسم الله أرقيك من كلّ عين حاسد، الله يشفيك». وروي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: لو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين».
نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الرقى بغير كتاب الله عزّ وجلّ، وما يعرف من ذكره وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ هذه الرقى، ممّا أخذه سليمان بن داود (عليه السلام) على الجنّ والهوامّ.
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ العين لتدخل الرجل القبر، والجمل القدر.
قال فضل الله الراوندى (رحمه الله) في ضوء الشهاب: أنّ المؤثّر فيما يعينه العاين، قدرة الله عزّ وجلّ الذي يفعل ما يشاء، ويغيّر المستحسن من الأشياء عن حاله، اعتباراً للناظر، وإعلاماً أنّ الدنيا لا يدوم نعيمها، ولا يبقى ما فيها على وتيرة واحدة.
والعين ماذا تكاد تفعل بنظرها؟ ليت شعري؟ ولو كان للعين نفسها أثر، لكان يصحّ أن ينظر العاين إلى بعض أعدائه، الذين يريد إهلاكهم وقلعهم، فيهلكهم بالنظر وهذا باطل. والعين كالجماد إذا انفردت عن الجملة فماذا تصنع؟ وللفلاسفة في هذا كلام لا أريد أن أطواه. وفائدة الحديث: إعلام أنّ الله تعالی قد يغيّر بعض ما يستحسنه الإنسان إظهاراً لقدرته، واعتباراً للمعتبر من خليقته. (ص٢٠-٢١)
قال معمّر بن خلّاد: كنت مع الرضا (عليه السلام) بخراسان على نفقاته، فأمرني أن أتّخذ له غالية ١ ، فلمّا اتّخذتها فأعجب بها فنظر إليها فقال لي: يا معمّر، إنّ العين حقّ، فاكتب في رقعة: الحمد، و﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ﴾ والمعوّذتين، وآية الكرسيّ، واجعلها في غلاف القارورة.
روي عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال: العين حقّ، وليس تأمنها منك على نفسك ولا منك على غيرك. فإذا خفت شيئاً من ذلك فقل: «ما شاء الله، لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم» ثلاثاً.
ولو تعلّمه ليتوقّى به أو ليدفع به المتنبّي بالسحر فالظاهر جوازه، وربما وجب على الكفاية كما هو خيرة الدروس، ويجوز حلّه بالقرآن والأقسام كما ورد في رواية القلاء.
وهل له حقيقة، أو هو تخييل؟ الأكثر على الثاني، ويشكل بوجدان أثره في كثير من الناس على الحقيقة، والتأثّر بالوهم إنّما يتمّ لو سبق للقابل علم بوقوعه، ونحن نجد أثره فيمن لا يشعر به أصلاً حتّى يضرّ به ولو حمل تخييله على ما تظهر من تأثيره، في حركات الحيّات والطيران ونحوهما أمكن، لا في مطلق التأثير وإحضار الجانّ وشبه ذلك، فإنّه أمر معلوم لا يتوجّه دفعه.
ثمّ قال: والكهانة عمل يوجب طاعة بعض الجانّ له، واتّباعه له بحيث يأتيه بالأخبار، وهو قريب من السحر
ثمّ قال: والشعبذة عرّفوها بأنّها الحركات السريعة، التي تترتّب عليها الأفعال العجيبة، بحيث يتلبّس على الحسّ الفرق بين الشيء وشبهه، لسرعة الانتقال منه إلى شبهه ...
قال المازري: والفرق بين السحر والمعجزة والكرامة، أنّ السحر يكون بمعاناة أقوال وأفعال، حتّى يتمّ للساحر ما يريد، والكرامة لا تحتاج إلى ذلك، بل إنّما تقع غالباً اتّفاقاً، وأمّا المعجزة فتمتاز من الكرامة بالتحدّي ...
أقول: الذي ظهر لنا ممّا مضى من الآيات والأخبار والآثار، أنّ للسحر تأثيراً ما في بعض الأشخاص والأبدان، كإحداث حبّ أو بغض أو همّ أو فرح، وأمّا تأثيره في إحياء شخص، أو قلب حقيقة إلى أخرى، كجعل الإنسان بهيمة، فلا ريب في نفيهما، وأنّهما من المعجزات وكذا في كلّ ما يكون من هذا القبيل، كإبراء الأكمه والأبرص، وإسقاط يد بغير جارحة، أو وصل يد مقطوع، أو إجراء الماء الكثير من بين الأصابع، أو من حجر صغير وأشباه ذلك.
والظاهر أنّ الإماتة أيضاً كذلك، فإنّه بعيد أن يقدر الإنسان على أن يقتل رجلاً بغير ضرب وجرح وسمّ، وتأثير ظاهر في بدنه، وإن أمكن أن يكون الله تعالی، جعل لبعض الأشياء تأثيراً في ذلك، ونهى عن فعله، كما أنّه سبحانه جعل الخمر مسكراً، ونهى عن شربه، وجعل الحديد قاطعاً ومنع من استعماله في غير ما أحلّه، وكذا التمريض، لكنّه أقلّ استبعاداً.
وأمّا حدوث الحبّ والبغض والهمّ وأمثالها، فالظاهر أنّ الله تعالی، جعل لها تأثيراً وحرّمها كما أومانأ إليه، وهذا ممّا لا ينكره العقل، ويحتمل أن يكون للشياطين أيضاً مدخلاً في ذلك ويقلّ أو يبطل تأثيرها، بالتوكّل والدعاء والآيات والتعويذات.
ولذا كان شيوع السحر والكهانة وأمثالهما في الفترات بين الرسل، وخفاء آثار النبوّة، واستيلاء الشياطين أكثر، وتضعف وتخفى تلك الأمور عند نشر آثار الأنبياء، وسطوع أنوارهم كأمثال تلك الأزمنة، فإنّه ليس من دار ولا بيت، إلّا وفيه مصاحف كثيرة، وكتب جمّة من الأدعية والأحاديث، وليس من أحد إلّا ومعه مصحف أو عوذة أو سورة شريفة، وقلوبهم وصدورهم مشحونة بذلك، فلذا لا نرى منها أثراً بيّناً في تلك البلاد، إلّا نادراً في البلهاء والضعفاء والمنهمكين في المعاصي، وقد نسمع ظهور بعض آثارها في أقاصي البلاد، لظهور آثار الكفر وندور أنوار الإيمان فيها، كأقاصي بلاد الهند والصين والترك.
وأمّا تأثير السحر في النبيّ والإمام، فالظاهر عدم وقوعه، وإن لم يقم برهان على امتناعه، إذا لم ينته إلى حدّ يخلّ بغرض البعثة، كالتخبيط والتخليط، فإنّه إذا كان الله سبحانه أقدر الكفّار _ لمصالح التكليف _ على حبس الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) وضربهم وجرحهم وقتلهم بأشنع الوجوه، فأيّ استحالة على أن يقدروا على فعل يؤثّر فيهم همّاً ومرضاً؟
لكن لمّا عرفت أنّ السحر يندفع بالعوذ والآيات والتوكّل، وهم (عليه السلام) معادن جميع ذلك، فتأثيره فيهم مستبعد، والأخبار الواردة في ذلك أكثرها عامية، أو ضعيفة ومعارضة بمثلها، فيشكل التعويل عليها في إثبات مثل ذلك.
وأمّا العين فالظاهر من الآيات والأخبار أنّ لها تحقّقاً أيضاً، إمّا بأن جعل الله تعالی لذلك تأثيراً، وجعل علاجه التوكّل، والتوسّل بالآيات، والأدعية الواردة في ذلك، أو بأنّ الله تعالی يفعل في المعين فعلاً عند حدوث ذلك، لضرب من المصلحة، وقد أومأنا إلى وجه آخر فيما مرّ.
وبالجملة لا يمكن إنكار ذلك رأساً، لما يشاهد من ذلك عيناً، وورود الأخبار به مستفيضاً، والله يعلم وحججه (عليهم السلام) حقائق الأمور. (ص٣١-٤٢)