قال الفخر الرازي: اعلم أنّ أمر الشيطان ووسوسته، عبارة عن هذه الخواطر التي نجدها في أنفسنا، وقد اختلف الناس في هذه الخواطر من وجوه:
أحدها: اختلفوا في ماهيّاتها، فقال بعض: إنّها حروف وأصوات خفيّة.
قالت الفلاسفة: إنّها تصوّرات الحروف والأصوات وأشباهها، وتخيّلاتها على مثال الصور المنطبعة في المرايا، فإنّ تلك الصور تشبه تلك الأشياء من بعض الوجوه، وإن لم تكن مشابهة لها من كلّ الوجوه ولقائلٍ أن يقول: صور هذه الحروف وتخيّلاتها، هل تشبه هذه الحروف في كونها حروفاً أو لا تشبهها؟
فإن كان الأوّل فتصوّر الحروف حروف، فعاد القول إلى أنّ هذه الخواطر أصوات وحروف خفيّة، وإن كان الثاني لم يكن تصوّرات هذه الحروف حروفاً، لكنّي أجد من نفسي هذه الحروف والأصوات، مترتّبة منتظمة على حسب انتظامها في الخارج، والعربيّ لا يتكلّم في قلبه إلّا بالعربية، وكذا الأعجميّ، وتصوّرات هذه الحروف، وتعاقبها وتواليها في الخارج، فثبت أنّها في أنفسها حروف وأصوات خفيّة…
ثمّ إن قلنا: بأنّ الشيطان والملك ذوات قائمة بأنفسها، غير متحيّزة البتّة، لم يبعد كونها قادرة على مثل هذه الأفعال، وإن قلنا: بأنّها أجسام لطيفة، لم يبعد أيضاً أن يقال: إنّها وإن كانت لا تتولّج بواطن البشر، إلّا أنّهم يقدرون على إيصال هذا الكلام إلى بواطن البشر.
ولا يبعد أيضاً أن يقال: إنّها لغاية لطافتها، يقدر على النفوذ في مضائق بواطن البشر، ومخارق جسمه، وتوصل الكلام إلى قلبه ودماغه، ثمّ إنّها مع لطافتها تكون مستحكمة التركيب، بحيث يكون اتّصال بعض أجزائه بالبعض اتّصالاً لا ينفصل، فلا جرم لا يقتضي نفوذها في هذه المضائق والمخارق انفصالها، وتفرّق أجزائها، وكلّ هذه الاحتمالات ممّا لا دليل على فسادها، والأمر في معرفة حقائقها عند الله تعالی، وممّا يدلّ على إثبات إلهام الملائكة بالخير قوله تعالی:﴿إِذ يوحي رَبُّكَ إِلَى المَلائِكَةِ أَنّي مَعَكُم فَثَبِّتُوا الَّذينَ آمَنوا﴾، أي ألهموهم بالثبات.
ويدلّ عليه من الأخبار قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): « للشيطان لمّة بابن آدم وللملك لمّة». وفي الحديث أيضاً: « إذا ولد المولود لبني آدم، قرن إبليس به شيطاناً، وقرن الله به ملكاً، فالشيطان جاثم على أذن قلبه الأيسر، والملك قائم على أذن قلبه الأيمن، فهما يدعوانه».
ومن الصوفية والفلاسفة من فسّر الملك الداعي إلى الخير بالقوّة العقلية، وفسّر الشيطان الداعي إلى الشرّ بالقوّة الشهوانية والغضبية، ودلّت الآية على أنّ الشيطان لا يأمر إلّا بالقبائح، لأنّ الله تعالى ذكره بكلمة ﴿إنَّمَا﴾ وهي للحصر، وقال بعض العارفين: إنّ الشيطان قد يدعو إلى الخير، لكن لغرض أن يجرّه منه إلى الشرّ، وذلك إلى أنواع: إمّا أن يجرّه من الأفضل إلى الفاضل السهل، أو من السهل إلى الأفضل الأشقّ، ليصير ازدياد المشقّة سبباً لحصول النفرة عن الطاعة بالكلّية.
قال الطبرسي (رحمه الله): ورأيت في كلام الشيخ المفيد أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان (رحمه الله)، أنّه يجوّز أن يقدر الله تعالى الجنّ ومن جرى مجراهم، على أن يتجمّعوا ويعتمدوا ببعض جواهرهم على بعض، حتّى يتمكّن الناس من رؤيتهم ويتشبّهوا بغيرهم من أنواع الحيوان، لأنّ أجسامهم من الرقّة على ما يمكن ذلك فيها، وقد وجدنا الإنسان يجمع الهوى ويفرّقه، ويغيّر صور الأجسام الرخوة ضروباً من التغيير وأعيانها لم تزد ولم تنقص.
وقد استفاض الخبر بأنّ إبليس، تراءى لأهل دار الندوة في صورة شيخ من أهل نجد، وحضر يوم بدر في صورة سراقة، وأنّ جبرئيل (عليه السلام) ظهر لأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في صورة دحية الكلبي، قال: وغير محال أيضاً أن يغيّر الله صورهم، ويكثّفها في بعض الأحوال، فيراهم الناس لضرب من الامتحان.
قال الفخر الرازي: ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيۡكُم مِّن سُلۡطَانٍ إِلَّآ أَن دَعَوۡتُكُمۡ فَٱسۡتَجَبۡتُمۡ لِي﴾ تدلّ هذه الآیة على أنّ الشيطان الأصلي هو النفس، وذلك لأنّ الشيطان بيّن أنّه ما أتى إلّا بالوسوسة، فلولا الميل الحاصل بسبب الشهوة والغضب والوهم والخيال، لم يكن لوسوسته تأثير البتّة، فدلّ هذا على أنّ الشيطان الأصلي هو النفس. فإن قال قائل: بيّنوا لنا حقيقة الوسوسة، قلنا: الفعل إنّما يصدر عن الإنسان لحصول أمور أربعة، يترتّب بعضها على البعض، ترتيباً لازماً طبيعيّاً.
بيانه: أنّ أعضاء الإنسان _ بحكم السلامة الأصلية، والصلاحية الطبيعية _ صالحة للفعل والترك والإقدام والإحجام، فلمّا لم يحصل في القلب ميل إلى ترجيح الفعل على الترك أو بالعكس، فإنّه يمتنع صدور الفعل، وذلك الميل هو الإرادة الجازمة والقصد الجازم، ثمّ إنّ تلك الإرادة الجازمة لا تحصل إلّا عند حصول علم واعتقاد أو ظنّ، بأنّ ذلك الفعل سبب للنفع أو سبب للضرر، فإن لم يحصل فيه هذا الاعتقاد لم يحصل ميل لا إلى الفعل ولا إلى الترك.
فالحاصل: أنّ الإنسان إذا أحسّ بشيء، ترتّب عليه شعور بكونه ملائماً له، أو بكونه منافراً له، أو بكونه غير ملائم ولا منافر فإن حصل الشعور بكونه ملائماً له، ترتّب عليه الميل الجازم إلى الفعل وإن حصل الشعور بكونه منافراً له، ترتّب عليه الميل الجازم إلى الترك وإن لم يحصل لا هذا ولا ذاك، لم يحصل ميل لا إلى الشيء ولا إلى ضدّه، بل بقي الإنسان كما كان، وعند حصول ذلك الميل الجازم، تصير القدرة مع ذلك الميل موجباً للفعل.
إذا عرفت هذا فنقول: صدور الفعل عن مجموعي القدرة والداعي الخالص أمر واجب، فلا يكون للشيطان مدخل فيه وصدور الميل عن تصوّر كونه خيراً، أو تصوّر كونه شراً أمر واجب، فلا يكون للشيطان مدخل فيه وحصول تصوّر كونه خيراً، أو تصوّر كونه شرّاً غير مطلق الشعور بذاته أمر لازم، فلا مدخل للشيطان فيه فلم يبق للشيطان مدخل في هذه المقامات، إلّا في أن ذكّره شيئاً بأن يلقي إليه حديثه، مثل أن كان الإنسان غافلاً عن صورة امرأة، فيلقي الشيطان حديثها في خاطره، والشيطان لا قدرة له إلّا في هذا المقام، وهو عين ما حكى الله تعالی عنه أنّه قال: ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيۡكُم مِّن سُلۡطَانٍ إِلَّآ أَن دَعَوۡتُكُمۡ فَٱسۡتَجَبۡتُمۡ لِي﴾، يعني ما كان منّي إلّا هجس هذه الدعوة، فأمّا بقيّة المراتب ما صدرت منّي وما كان لي أثر البتّة.
بقي في هذا المقام سؤالان:
الأوّل: كيف يعقل تمكّن الشيطان من النفوذ في داخل أعضاء الإنسان، وإلقاء الوسوسة إليه؟
والجواب: للناس في الملائكة والشياطين قولان:
الأوّل: ما سوى الله بحسب القسمة العقلية على أقسام ثلاثة: المتحيّز، والحالّ في المتحيّز، والذي لا يكون متحيّزاً ولا حالّاً فيه.
وهذا القسم الثالث لم يقم الدليل البتّة على فساد القول به، بل الدلائل الكثيرة قامت على صحّة القول به، وهذا هو المسمّى بالأرواح، فهذه الأرواح إن كانت طاهرة مقدّسة من عالم الروحانيات المقدّسة فهم الملائكة، وإن كانت خبيثة داعية إلى الشرور، وعالم الأجساد، ومنازل الظلمات فهم الشياطين.
إذا عرفت هذا فنقول: فعلى هذا التقدير الشيطان لا يكون جسماً يحتاج إلى الولوج في داخل البدن، بل هو جوهر روحاني، خبيث الفعل، مجبول على الشرّ والنفس الإنسانية أيضاً كذلك، فلا يبعد على هذا التقدير أن يلقي شيء من تلك الأرواح أنواعاً من الوساوس، والأباطيل إلى جوهر النفس الإنسانية….
وأمّا القول الثاني: وهو أنّ الملائكة والشياطين، لا بدّ وأن تكون أجساماً، فنقول على هذا التقدير يمتنع أن يقال: أنّها أجسام كثيفة، بل لا بدّ من القول بأنّها أجسام لطيفة، والله سبحانه ركّبها تركيباً عجيباً، وهي أن تكون مع لطافتها لا تقبل التفرّق والتمزّق والفساد والبطلان، ونفوذ الأجرام اللطيفة في عمق الأجرام الكثيفة غير مستبعد.
أ لا ترى أنّ الروح الإنسانية جسم لطيف، ثمّ إنّه نفذ في داخل عمق البدن، وإذا عقل ذلك، فكيف يستبعد نفوذ أنواع كثيرة من الأجسام اللطيفة في داخل هذا البدن؟
أ ليس أنّ جرم النار سرى في جرم الفحم، وماء الورد سرى في ورق الورد، ودهن السمسم سرى في جسم السمسم؟ فكذا ههنا فظهر بما قرّرنا أنّ القول بإثبات الجنّ والشياطين أمر لا تحيله العقول، ولا تبطله الدلائل، وأنّ الإصرار على الإنكار ليس إلّا من نتيجة الجهل، وقلّة الفطنة.
ولمّا ثبت أنّ القول بالشياطين ممكن في الجملة فنقول:
الأخلق والأَولى أن يقال: الملائكة على هذا القول مخلوقون من النور، وأنّ الشياطين مخلوقون من الدخان واللهب، كما قال تعالی: ﴿وَالجانَّ خَلَقناهُ مِن قَبلُ مِن نارِ السَّمومِ﴾، وهذا الكلام من المشهورات عند قدماء الفلاسفة، فكيف يليق بالعاقل أن يستبعده من صاحب شريعتنا (عليه السلام)؟
قال الباقر (عليه السلام): ليس من يوم وليلة إلّا وجميع الجنّ والشياطين، تزور أئمّة الضلال، ويزور أئمّة الهدى عددهم من الملائكة، حتّى إذا أتت ليلة القدر، فهبط فيها من الملائكة إلى أولي الأمر خلق الله، أو قال: قيّض الله من الشياطين بعددهم، ثمّ زاروا وليّ الضلالة، فأتوه بالإفك والكذب حتّى لعلّه يصبح فيقول: رأيت كذا وكذا، فلو سأل وليّ الأمر عن ذلك لقال: رأيت شيطاناً، أخبرك بكذا وكذا، حتّى يفسّر له تفسيراً، ويعلّمه الضلالة التي هو عليها.
قال الصادق (عليه السلام): لمّا نزلت هذه الآية ﴿وَالَّذينَ إِذا فَعَلوا فاحِشَةً أَو ظَلَموا أَنفُسَهُم ذَكَرُوا اللَّهَ فَاستَغفَروا لِذُنوبِهِم﴾ صعد إبليس جبلاً بمكّة _ يقال له ثور _ فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه، فقالوا: يا سيّدنا، لم دعوتنا؟ قال: نزلت هذه الآية، فمن لها؟ فقام عفريت من الشياطين، فقال: أنا لها بكذا وكذا، قال: لست لها، فقام آخر فقال مثل ذلك، فقال: لست لها، فقال الوسواس الخنّاس: أنا لها، قال: بماذا؟ قال: أعدهم وأمنّيهم حتّى يواقعوا الخطيئة، فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار، فقال: أنت لها، فوكّله بها إلى يوم القيامة.
سئل الصادق (عليه السلام) عن الخنّاس، قال (عليه السلام): إنّ إبليس يلتقم القلب، فإذا ذكر الله خنس ١ ، فلذلك سمّي الخنّاس.
قال الصادق (عليه السلام): إذا أتى أحدكم أهله فليذكر الله، فإنّ من لم يذكر الله عند الجماع فكان منه ولد كان شرك شيطان، ويعرف ذلك بحبّنا وبغضنا.
قال أبوحمزة الثمالي: قال السجّاد (عليه السلام): يا ثمالي، إنّ الصلاة إذا أقيمت، جاء الشيطان إلى قرين الإمام، فيقول: هل ذكر ربّه؟ فإن قال: نعم، ذهب، وإن قال: لا، ركب على كتفيه، فكان إمام القوم حتّى ينصرفوا، فقلت: جعلت فداك، ليس يقرؤون القرآن؟ قال (عليه السلام): بلى، ليس حيث تذهب يا ثمالي، إنّما هو الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.
في وصايا النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لعليّ (عليه السلام): يا عليّ، النوم على أربعة: نوم الأنبياء على أقفيتهم ونوم المؤمنين على أيمانهم ونوم الكفّار والمنافقين على يسارهم ونوم الشياطين على وجوههم.
قال الصادق (عليه السلام): ما من قلب إلّا وله أذنان: على أحدهما ملَك مرشد، وعلى الأخرى شيطان مفتّن، هذا يأمره وهذا يزجره، الشيطان يأمره بالمعاصي والملك يزجره عنها، وهو قول الله عزّ وجلّ: ﴿عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ ۞ مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾.
قال الصادق (عليه السلام): إنّ للقلب أذنين، فإذا همّ العبد بذنب، قال له روح الإيمان: لا تفعل، وقال له الشيطان: افعل، وإذا كان على بطنها، نزع منه روح الإيمان.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ الله حرّم الجنّة على كلّ فحّاش بذيّ قليل الحياء، لا يبالي ما قال ولا ما قيل له، فإنّك إن فتّشته لم تجده إلّا لغيّة أو شرك شيطان، قيل: يا رسول الله، وفي الناس شرك شيطان؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم):
أ ما تقرأ قول الله عزّ وجلّ ﴿وَشَارِكۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَادِ﴾؟
عن حفص بن غياث قال: قال الصادق (عليه السلام): ظهر إبليس ليحيى بن زكريا (عليه السلام) وإذا عليه معاليق من كلّ شيء، فقال له يحيى: ما هذه المعاليق يا إبليس؟ فقال: هذه الشهوات التي أصبتها من ابن آدم، قال: فهل لي منها شيء؟ قال: ربما شبعت، فثقّلتك عن الصلاة والذكر. قال يحيى: لله عليّ أن لا أملأ بطني من طعام أبداً، فقال إبليس: لله عليّ أن لا أنصح مسلماً أبداً، ثمّ قال الصادق (عليه السلام): يا حفص، ولله على جعفر وآل جعفر أن لايملؤوا بطونهم من طعام أبداً، ولله على جعفر وآل جعفر أن لا يعملوا للدنيا أبداً.
قال عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): إنّ لإبليس كحلاً وسفوفاً ولعوقاً: فأمّا كحله فالنوم، وأمّا سفوفه فالغضب، وأمّا لعوقه فالكذب.
قال الصادق (عليه السلام): ما من أحد يموت من المؤمنين، أحبّ إلى إبليس من موت فقيه.
قال الصادق (عليه السلام): إنّ العبد إذا سجد، فأطال السجود، نادى إبليس: يا ويله، أطاع وعصيت، وسجد وأبيت.
قال الصادق (عليه السلام): إذا كان يوم القيامة نشر الله تبارك وتعالى رحمته حتّى يطمع إبليس في رحمته.
قال الصادق (عليه السلام): جاء إبليس إلى موسى بن عمران (عليه السلام) وهو يناجى ربّه، فقال له ملك من الملائكة: ما ترجو منه، وهو في هذه الحال يناجي ربّه؟ فقال: أرجو منه ما رجوت من أبيه آدم.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لمّا أسري بي إلى السماء، حملني جبرئيل على كتفه الأيمن، فنظرت إلى بقعة بأرض الجبل حمراء، أحسن لوناً من الزعفران، وأطيب ريحاً من المسك، فإذا فيها شيخ على رأسه برنس، فقلت لجبرئيل: ما هذه البقعة الحمراء، التي هي أحسن لوناً من الزعفران، وأطيب ريحاً من المسك؟ قال: بقعة شيعتك، وشيعة وصيّك عليّ (عليه السلام) فقلت: من الشيخ صاحب البرنس؟ قال: إبليس، قال ١ : فما يريد منهم؟ قال: يريد أن يصدّهم عن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) ويدعوهم إلى الفسق والفجور، فقلت: يا جبرئيل، أهوِ بنا إليهم، فأهوى بنا إليهم، أسرع من البرق الخاطف، والبصر اللامح، فقلت: قم يا ملعون، فشارك أعداءهم في أموالهم وأولادهم ونسائهم، فإنّ شيعتي وشيعة عليّ (عليه السلام) ليس لك عليهم سلطان، فسميّت قم.
قال الرضا (عليه السلام): إنّ اسم إبليس الحارث، وإنّما قول الله عزّ وجلّ يا إبليس، يا عاصي، وسمّي إبليس؛ لأنّه أبلس من رحمة الله.
قال الصادق (عليه السلام): قال إبليس: خمسة أشياء ليس لي فيهنّ حيلة، وسائر الناس في قبضتي: من اعتصم بالله عن نيّة صادقة، واتّكل عليه في جميع أموره، ومن كثر تسبيحه في ليله ونهاره، ومن رضي لأخيه المؤمن ما يرضاه لنفسه، ومن لم يجزع على المصيبة حين تصيبه، ومن رضي بما قسم الله له، ولم يهتمّ لرزقه.
قال الصادق (عليه السلام): أمر الله إبليس بالسجود لآدم، فقال: يا ربّ، وعزّتك، إن أعفيتني من السجود لآدم لأعبدنّك عبادة ما عبدك أحد قطّ مثلها، قال الله جلّ جلاله: إنّي أحبّ أن أطاع من حيث أريد.
قال الصادق (عليه السلام): صعد عيسى (عليه السلام) على جبل بالشام _ يقال له أريحا _، فأتاه إبليس في صورة ملك فلسطين، فقال له: يا روح الله، أحييت الموتى، وأبرأت الأكمه والأبرص، فاطرح نفسك عن الجبل، فقال (عليه السلام): إنّ ذلك أذن لي فيه، وإنّ هذا لم يؤذن لي فيه.
قال زرارة: قلت للباقر (عليه السلام): ﴿لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَاطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ۞ ثُمَّ لَأٓتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ وَعَنۡ أَيۡمَٰنِهِمۡ وَعَن شَمَآئِلِهِمۡ وَلَا تَجِدُ أَكۡثَرَهُمۡ شَٰاكِرِينَ﴾، فقال الباقر (عليه السلام): يا زرارة، إنّما صمد لك ولأصحابك، فأمّا الآخرين فقد فرغ منهم.
سئل الصادق (عليه السلام) عن قول الله: ﴿إِنَّمَا سُلۡطَانُهُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوۡنَهُ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ مُشۡرِكُونَ﴾، قال: ليس له أن يزيلهم عن الولاية، فأمّا الذنوب وأشباه ذلك فإنّه ينال منهم، كما ينال من غيرهم.
قال محمّد الخزاعي: سمعت الصادق (عليه السلام) يذكر في حديث غدير خم، أنّه لمّا قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لعليّ (عليه السلام) ما قال، وأقامه للناس، صرخ إبليس صرخة، فاجتمعت له العفاريت، فقالوا: يا سيّدنا، ما هذه الصرخة؟ فقال: ويلكم، يومكم كيوم عيسى، والله، لأضلنّ فيه الخلق، قال: فنزل القرآن: ﴿وَلَقَدۡ صَدَّقَ عَلَيۡهِمۡ إِبۡلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾، فصرخ إبليس صرخة، فرجعت إليه العفاريت، فقالوا: يا سيّدنا، ما هذه الصرخة الأخرى؟ فقال: ويحكم، حكى الله _ والله _ كلامي قرآناً وأنزل عليه: ﴿وَلَقَدۡ صَدَّقَ عَلَيۡهِمۡ إِبۡلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾، ثمّ رفع رأسه إلى السماء، ثمّ قال: وعزّتك وجلالك، لألحقنّ الفريق بالجميع، قال: فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم):
﴿بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾ ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَانٌ﴾.
ثمّ صرخ إبليس صرخة، فرجعت إليه العفاريت، فقالوا: يا سيّدنا، ما هذه الصرخة الثالثة؟ قال: والله، من أصحاب عليّ (عليه السلام) ولكن وعزّتك وجلالك يا ربّ، لأزيننّ لهم المعاصي حتّى أبغّضهم إليك.
فقال الصادق (عليه السلام): والذي بعث بالحقّ محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم)، للعفاريت والأبالسة على المؤمن أكثر من الزنابير على اللحم، والمؤمن أشدّ من الجبل، والجبل تدنو إليه بالفأس فتنحّت منه، والمؤمن لا يستقلّ عن دينه.
قال الباقر (عليه السلام): إنّ إبليس _ عليه لعائن الله _ يبثّ جنود الليل من حين تغيب الشمس وتطلع، فأكثروا ذكر الله عزّ وجلّ في هاتين الساعتين، وتعوّذوا بالله من شرّ إبليس وجنوده، وعوّذوا صغاركم في هاتين الساعتين، فإنهما ساعتا غفلة.
قال الكاظم (عليه السلام): ليس شيء أنكى ١ لإبليس وجنوده، من زيارة الإخوان في الله بعضهم لبعض، وقال: وإنّ المؤمنين يلتقيان فيذكران الله، ثمّ يذكران فضلنا أهل البيت، فلا يبقى على وجه إبليس مضغة إلّا تخدّد ٢ ، حتّى أنّ روحه لتستغيث من شدّة ما تجد من الألم، فتحسّ ملائكة السماء وخزّان الجنان، فيلعنونه حتّى لا يبقى ملك مقرّب إلّا لعنه، فيقع خاسئاً حسيراً مدحوراً.
(٢) «تَخَدَّدَ»: هُزل ونقص. لسان العرب، ج٣، ص١٦١.
قال الصادق (عليه السلام): إنّ الشيطان يدبّر ابن آدم في كلّ شيء، فإذا أعياه ١ جثم له عند المال، فأخذ برقبته.
قال الصادق (عليه السلام): يقول إبليس لجنوده: ألقوا بينهم الحسد والبغي، فإنّهما يعدلان عند الله الشرك.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه: أ لا أخبركم بشيء إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم، كما تباعد المشرق من المغرب؟ قالوا: بلى، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): الصوم يسوّد وجهه، والصدقة تكسر ظهره، والحبّ في الله، والموازرة على العمل الصالح، يقطع دابره، والاستغفار يقطع وتينه.
في النهاية: يقطع دابرهم، أي جميعهم حتّى لا يبقى منهم أحد، و«دابر القوم»:
آخر من يبقى منهم، ويجيء في آخرهم، وقال: «الوتين»: عرق في القلب إذا قطع مات صاحبه.
قال الصادق (عليه السلام): ليس من عبد إلّا ويوقظ في كلّ ليلة مرّة أو مرّتين أو مراراً، فإن قام كان ذلك، وإلّا فحّج الشيطان فبال في أذنه، أ ولا يرى أحدكم أنّه إذا قام _ ولم يكن ذلك منه _ قام وهو متخثّر ثقيل كسلان؟
قال في النهاية: فيه « أنه بال قائماً ففحّج رجليه»، أي فرّقهما وباعد ما بينهما، والفحج: تباعد ما بين الفخذين.
وقال فيه: «من نام حتّى أصبح فقد بال الشيطان في أذنه»، قيل: معناه سخر منه وظهر عليه، حتّى نام عن طاعة الله، كقول الشاعر: «بال سهيل في الفضيح ففسد» أي لمّا كان الفضيح يفسد بطلوع سهيل، كان ظهوره عليه مفسداً له.
وفي حديث آخر مرسلاً: أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: فإذا نام شغر الشيطان برجله، فبال في أذنه.
وحديث ابن مسعود: « كفى بالرجل شرّاً أن يبول الشيطان في أذنه» وكلّ هذا على سبيل المجاز والتمثيل. (ص٢٦٣)
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت: يا رسول الله، ما هذه الرنّة؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): هذا الشيطان قد آيس من عبادته. إنّك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلّا أنّك لست بنبيّ ولكنّك وزير، وإنّك لعلى خير.
بلغنا أنّ إبليس تمثّل ليحيى بن زكريا (عليه السلام) فقال له: أنصحك؟ فقال: لا أريد ذلك، ولكن أخبرني عن بني آدم، فقال: هم عندنا ثلاثة أصناف: صنف منهم أشدّ الأصناف عندنا، نقبل على أحدهم حتّى نفتنه في دينه ونستمكن منه، فيفزع إلى الاستغفار والتوبة، فيفسد علينا كلّ شيء نصيبه منه، ثمّ نعود إليه فيعود إلى الاستغفار والتوبة، فلا نيأس منه ولا نحن ندرك منه حاجتنا، فنحن معه في عناء، وصنف هم في أيدينا بمنزلة الكرة في أيدي صبيانكم، نتلقّفهم كيف شئنا قدكفينا مؤنة أنفسهم، وصنف منهم مثلك معصومون لا نقدر منهم على شيء.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا تغوّلت بكم الغيلان، فأذّنوا بأذان الصلاة.
قال الشهيد (رحمه الله) في الذكري: في الجعفريّات عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا تغوّلت بكم الغيلان فأذّنوا بأذان الصلاة. ورواه العامّة، وفسّره الهروي بأنّ العرب تقول: إنّ الغيلان في الفلوات تراءى للناس، تتغوّل تغوّلاً أي تتلوّن تلوّناً، فتضلّهم عن الطريق وتهلكهم. وروي في الحديث: «لا غول» وفيه إبطال لكلام العرب، فيمكن أن يكون الأذان، لدفع الخيال الذي يحصل في الفلوات، وإن لم تكن له حقيقة، وفي مضمر سليمان الجعفري سمعته يقول: « أذّن في بيتك، فإنّه يطرد الشيطان، ويستحبّ من أجل الصبيان»، وهذا يمكن حمله على أذان الصلاة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.
قال الراوندي (رحمه الله) في ضوء الشهاب: «فيعال» من شطن: إذا تباعد، فكأنّه يتباعد إذا ذكر الله تعالی، وقيل: إنّه «فعلان» من شاط يشيط: إذا احترق غضباً، لأنّه يحترق ويغضب إذا أطاع العبد، فيقول (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ الشيطان لا يزال يراقب العبد، ويوسوس إليه في نومه ويقظته، وهو جسم لطيف هوائي يمكنه أن يصل إلى ذلك، والإنسان غاوٍ غافل، فيوصل كلامه ووسواسه إلى باطن أذنه، فيصير إلى قلبه، والله تعالی هو العالم بكيفية ذلك، فأمّا وسواسه فلا شكّ فيه.
والشيطان هنا اسم جنس ولا يريد به إبليس فحسب، وذلك لأنّ له أولاداً وأعواناً، وذكر جريانه من ابن آدم مجرى الدم مثل، ولا يعني به أنّه يدخل عروقه وأوراده وتجاويف أعضائه، بل المعنى: أنّه لا يزايله، كما يقال: فلان يلازمني ملازمة الظلّ، وملازمة الحفيظين، وملازمة الروح الجسد، وملازمة القرن الشاة إلى غير ذلك، وكلام العرب إشارات وتلويحات، والكلام إذا ذهب عنه المجاز والاستعارة زالت طلاوته، وفارقه رونقه، وبقي مغسولاً، وكان سيّدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أفصح الناس.
وفي كلام بعضهم: احترس من الشيطان، فإنّه عدوّ مبين، يراك ولا تراه، ويكيدك وأنت لا تعلم، وهو قديم وأنت حديث، وأنت سليم الصدر وهو خبيث. وفائدة الحديث: إعلام أنّ الشيطان يلازمك ويراصدك من حيث لا تعلم، فعليك بالاحتراز منه والتوقّي من مكره وكيده ووسوسته. (ص٢٦٩)
قال عطیّة: ذكرت للصادق (عليه السلام)المنكوح من الرجال، فقال (عليه السلام): ليس يبلي الله بهذا البلاء أحداً وله فيه حاجة إنّ في أدبارهم أرحاماً منكوسة، وحياء أدبارهم كحياء المرأة، قد شرك فيهم ابن لإبليس يقال له زوال، فمن شرك فيه من الرجال كان منكوحاً، ومن شارك فيه من النساء، كانت من الموارد، والعامل على هذا من الرجال، إذا بلغ أربعين سنة لم يتركه.
قال السجّاد (عليه السلام): كان عابد من بني إسرائيل، فقال إبليس لجنده: من له؟ فإنّه قد غمّني، فقال واحد منهم: أنا له، فقال: في أيّ شيء؟ قال: أزيّن له الدنيا، قال: لست بصاحبه، قال الآخر: فأنا له، قال: في أيّ شيء؟ قال: في النساء، قال: لست بصاحبه، قال الثالث: أنا له، قال: في أيّ شيء؟ قال: في عبادته، قال: أنت له.
فلمّا جنّه الليل طرقه، فقال: ضيف، فأدخله، فمكث ليلته يصلّي حتّى أصبح، فمكث ثلاثاً يصلّي ولا يأكل ولا يشرب، فقال له العابد: يا عبد الله، ما رأيت مثلك، فقال له: إنّك لم تصب شيئاً من الذنوب وأنت ضعيف العبادة، قال: وما الذنوب التي أصيبها؟ قال: خذ أربعة دراهم، فتأتي فلانة البغيّة، فتعطيها درهماً للحمّ، ودرهماً للشراب، ودرهماً لطيبها ودرهماً لها، فتقضي حاجتك منها.
قال: فنزل وأخذ أربعة دراهم، فأتى بابها فقال: يا فلانة، يا فلانة، فخرجت فلمّا رأته قالت: مفتون والله، مفتون والله، قالت له: ما تريد؟ قال: خذي أربعة دراهم، فهيّئ لي طعاماً وشراباً وطيباً، وتعالي حتّى آتيك، فذهبت فدارت فإذا هي بقطعة من حمار ميّت فأخذته، ثمّ عمدت إلى بول عتيق فجعلته في كوز، ثمّ جاءت به إليه، فقال: هذا طعامك؟ قالت:
نعم، قال: لا حاجه لي فيه، وهذا شرابك؟ فلا حاجة لي فيه، اذهبي فتهيّئي، فتقذّرت جهدها، ثمّ جاءته، فلمّا شمّها قال: لا حاجة لي فيك، فلمّا أصبحت كتب على بابها: إنّ الله قد غفر لفلانة البغيّة بفلان العابد.
قال العسكري (عليه السلام): الشيطان هو البعيد من كلّ خير، الرجيم: المرجوم باللعن، المطرود من بقاع الخير.
قال الصادق (عليه السلام): لمّا أعطى الله تبارك وتعالى إبليس ما أعطاه من القوّة، قال آدم (عليه السلام): يا ربّ، سلّطت إبليس على ولدي، وأجريته فيهم مجرى الدم في العروق، وأعطيته ما أعطيته، فما لي ولولدي؟
فقال: لك ولولدك السيّئة بواحدة، والحسنة بعشرة أمثالها.
قال (عليه السلام): يا ربّ، زدني، قال: التوبة مبسوطة إلى حين تبلغ النفس الحلقوم، قال: يا ربّ، زدني، قال: أغفر ولا أبالي، قال: حسبي.
قلت: جعلت فداك، بماذا استوجب إبليس من الله أن أعطاه ما أعطاه؟ قال: بشيء كان منه، شكره الله عليه، قلت: وما كان منه _ جعلت فداك _ ؟ قال: ركعتان ركعهما في السماء أربعة آلاف سنة.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): لولا أنّ الشياطين يحومون على قلوب بني آدم، لنظروا إلى ملكوت السماوات والأرض.
قال الفخر الرازي: في تحقيق الكلام في الوسوسة على الوجه الذي قرّره الشيخ الغزالي في كتاب الإحياء قال: القلب مثل قبّة لها أبواب، تنصبّ إليها الأحوال من كلّ باب، أو مثل هدف ترمى إليه السهام من كلّ جانب، أو مثل مرآة منصوبة يجتاز عليها الأشخاص، فيتراءى فيها صورة بعد صورة، أو مثل حوض ينصبّ إليه مياه مختلفة من أنهار مفتوحة.
واعلم أنّ مداخل هذه الآثار المجدّدة في القلب ساعة فساعة، إمّا من الظاهر: كالحواسّ الخمس، وإمّا من الباطن: كالخيال، والشهوة، والغضب، والأخلاق المركّبة في مزاج الإنسان فإنّه إذا أدرك بالحواسّ شيئاً حصل منه أثر في القلب، وكذا إذا هاجت الشهوة أو الغضب، حصل من تلك الأحوال آثار في القلب، وأمّا إذا منع الإنسان عن الإدراكات الظاهرة، فالخيالات الحاصلة في النفس تبقى وينتقل الخيال من الشيء إلى الشيء، وبحسب انتقال الخيال، ينتقل القلب من حال إلى حال. فالقلب دائماً في التغيّر والتأثّر من هذه الأسباب، وأخصّ الآثار الحاصلة في القلب هي الخواطر، وأعني بالخواطر ما يعرض فيه من الأفكار والأذكار، وأعني بهذا إدراكات وعلوماً: إمّا على سبيل التجدّد وإمّا على سبيل التذكّر. فإنّما تسمّى خواطر من حيث أنّها تخطر بالخيال بعد أن كان القلب غافلاً عنها، فالخواطر هي المحرّكات للإرادات، والإرادات محرّكة للأعضاء.