قال حمّاد بن عيسى: قال لي الصادق (عليه السلام) يوماً: تحسن أن تصلّي يا حمّاد؟ فقلت: يا سيّدي، أنا أحفظ كتاب حريز ١ في الصلاة، فقال (عليه السلام): لا عليك، قم صلّ، فقمت بين يديه متوجهاً إلى القبلة، فاستفتحت الصّلاة وركعت وسجدت، فقال (عليه السلام): يا حمّاد، لا تحسن أن تصلّي، ما أقبح بالرجل أن يأتي عليه ستّون سنة أو سبعون سنة، فما يقيم صلاة واحدة بحدودها تامّة! قال حمّاد: فأصابني في نفسي الذلّ، فقلت: جعلت فداك، فعلّمني الصلاة.
فقام الصادق (عليه السلام) مستقبل القبلة منتصباً فأرسل يديه جميعاً على فخذيه قد ضمّ أصابعه وقرب بين قدميه حتّى كان بينهما قدر ثلاث أصابع مفرّجات، واستقبل بأصابع رجليه جميعاً القبلة لم يحرّفهما عن القبلة بخشوع واستكانة، وقال: «الله أكبر»، ثمّ قرأ الحمد بترتيل و﴿قُلۡ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ ثمّ صبر هنيئة بقدر ما تنفّس وهو قائم، ثمّ قال: «الله أكبر» وهو قائم ثمّ ركع وملأ كفّيه من ركبتيه متفرّجات، وردّ ركبته إلى خلف حتّى استوى ظهره حتّى لو صبّ عليه قطرة من ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره ومدّ عنقه وغمّض عينيه.
ثمّ سبّح ثلاثاً بترتيل فقال: «سبحان ربّي العظيم وبحمده»، ثمّ استوى قائماً، فلمّا استمكن من القيام قال: «سمع الله لمن حمده»، ثمّ كـبّر وهو قائم ورفع يديه حيال وجهه، ثمّ سجد ووضع كفّيه مضمومتي الأصابع بين ركبتيه حيال وجهه فقال: «سبحان ربّي الأعلى وبحمده» ثلاث مرّات، ولم يضع شيئاً من بدنه على شيء وسجد على ثمانية أعظم: الجبهة والكفّين وعيني الركبتين وأنامل إبهامي الرجلين فهذه السبعة فرض، ووضع الأنف على الأرض سنّة وهو الإرغام.
ثمّ رفع رأسه من السجود، فلمّا استوى جالساً قال: «الله أكبر»، ثمّ قعد على جانبه الأيسر قد وضع ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه الأيسر وقال: «أستغفر الله ربّي وأتوب إليه»، ثمّ كـبّر وهو جالس، وسجد السجدة الثانية وقال كما قال في الأولى، ولم يستعن بشيء من جسده على شيء في ركوع ولا سجود، كان مجنّحاً ولم يضع ذراعيه على الأرض.
فصلّى ركعتين على هذا، ثمّ قال (عليه السلام): يا حمّاد، هكذا صلّ، ولا تلتفّ ولا تعبث بيديك وأصابعك، ولا تبزق عن يمينك ولا عن يسارك ولا بين يديك.
تبیین وتوضیح: «ونصب عنقه وغمّض عينيه»، هذا ينافي ما هو المشهور بين الأصحاب من نظر المصلّي حال ركوعه إلى ما بين قدميه، كما يدلّ عليه خبر زرارة، والشيخ في النهاية عمل بالخبرين معاً وجعل التغميض أفضل، والمحقّق عمل بخبر حمّاد، والشهيد بالذكرى جمع بين الخبرين بأنّ الناظر إلى مابين قدميه يقرب صورته من صورة المغمّض، وليس ببعيد إن قلنا: إنّه (عليه السلام) اكتفى بالفعل ولم يبيّن بالقول، والقول بالتخيير أظهر.
فقال: «سبحان ربّي العظيم وبحمده»، أي أنزّه ربّي عمّا لا يليق بعزّ جلاله تنزيهاً، وأنا متلبّس بحمده على ما وفّقني له من تنزيهه وعبادته، كأنّه لمّا أسند التسبيح إلى نفسه خاف أن يكون في هذا الإسناد نوع تبجّح، بأنّه مصدر لهذا الفعل فتدارك ذلك بقوله: وأنا متلبّس بحمده، على أن صيّرني أهلاً لتسبيحه وقابلاً لعبادته.
فـ«سبحان» مصدر بمعنى التنزيه كغفران، ولا يكاد يستعمل إلّا مضافاً منصوباً بفعل مضمر كمعاذ الله، وهو هنا مضاف إلى المفعول، وربّما جوّز كونه مضافاً إلى الفاعل بمعنى التنزّه، والواو في «وبحمده» للحالية، وربما جعلت عاطفة، وقيل: زائدة والباء للمصاحبة، والحمد مضاف إلى المفعول، ومتعلّق الجارّ عامل المصدر، أي سبّحت الله حامداً، والمعنى: نزّهته عمّا لا يليق به وأثبتّ له ما يليق به، ويحتمل كونها للاستعانة، والحمد مضاف إلى الفاعل، أي سبّحته بما حمد به نفسه، إذ ليس كلّ تنزيه محموداً.
وقيل: الواو عاطفة ومتعلّق الجارّ محذوف، أي وبحمده سبّحته لا بحولي وقوّتي، فيكون ممّا أقيم فيه المسبّب مقام السبب، ويحتمل تعلّق الجار بعامل المصدر على هذا التقدير أيضاً، ويكون المعطوف عليه محذوفاً يشعر به العظيم، وحاصله: أنزّه تنزيهاً ربّي العظيم بصفات عظمته وبحمده، والعظيم في صفاته تعالى من يقصر عنه كلّ شيء سواه، أو من اجتمعت له صفات الكمال، أو من انتفت عنه صفات النقص.
قال: «سمع الله لمن حمده»، أي استجاب لكلّ من حمده، وعدّي باللام لتضمينه معنى الاستجابة، كما عدّي بإلى لتضمينه معنى الإصغاء في قوله تعالی:
﴿لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الۡمَلَإِ الۡأَعۡلَىٰ﴾، وفي النهاية: أي أجاب حمده وتقبّله، يقال: اسمع دعائي، أي أجب، لأنّ غرض السائل الإجابة والقبول.
وهذه الكلمة محتملة بحسب اللفظ للدعاء والثناء، وفي رواية المفضّل عن الصادق (عليه السلام)
تصريح بكونها دعاء، فإنّه قال: جعلت فداك، علّمني دعاء جامعاً، فقال (عليه السلام) لي: احمد الله، فإنّه لا يبقى أحد يصلّي إلّا دعا لك، يقول: سمع الله لمن حمده.
ثمّ على تفسير الإرغام بوضع الأنف على التراب، هل تتأدّى سنّة الإرغام بوضعه على مطلق ما يصحّ السجود عليه وإن لم يكن تراباً؟ حكم بعض أصحابنا بذلك وجعل التراب أفضل، وفيه ما فيه، فليتأمّل. (ص١٨٦-١٩٧)
قال الباقر (عليه السلام): عليك بالإقبال على صلاتك، فإنّما يحسب لك منها ما أقبلت عليه منها بقلبك، ولا تعبث فيها بيديك ولا برأسك ولا بلحيتك، ولا تحدّث نفسك ولا تتثاءب ولا تتمطّ ولا تكفّر، فإنما يفعل ذلك المجوس، ولا تقولنّ إذا فرغت من قراءتك «آمين»، فإن شئت قلت: ﴿الۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ الۡعَٰلَمِينَ﴾.
وقال (عليه السلام): لا تلثّم ولا تحتفز ولا تقع على قدميك ولا تفترش ذراعيك ولا تفرقع أصابعك، فإنّ ذلك كلّه نقصان في الصلاة.
وقال (عليه السلام): لا تقم إلى الصلاة متكاسلاً ولا متناعساً ولا متثاقلاً، فإنّها من خلال النفاق وقد نهى الله عزّ وجلّ المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى، يعني: من النوم، وقال للمنافقين:﴿وَإِذَا قَامُوٓاْ إِلَى الصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذۡكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً﴾.
قال الرضا (عليه السلام): إذا أردت أن تقوم إلى الصلاة فلا تقم إليها متكاسلاً ولا متناعساً ولا مستعجلاً ولا متلاهياً، ولكن تأتيها على السكون والوقار والتؤدة، وعليك الخشوع والخضوع متواضعاً لله عزّ وجلّ، متخاشعاً عليك خشية وسيماء الخوف، راجياً خائفاً بالطمأنينة على الوجل والحذر، فقف بين يديه كالعبد الآبق المذنب بين يدي مولاه، فصفّ قدميك وانصب نفسك ولا تلتفت يميناً وشمالاً وتحسب كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك، ولا تعبث بلحيتك ولا بشيء من جوارحك، ولا تفرقع أصابعك ولا تحكّ بدنك، ولا تولع بأنفك ولا بثوبك، ولا تصلّي وأنت متلثّم، ولا يجوز للنساء الصلاة وهنّ متنقّبات، ويكون بصرك في موضع سجودك ما دمت قائماً، وأظهر عليك الجزع والهلع والخوف، وارغب مع ذلك إلى الله عزّ وجلّ، ولا تتّك مرّة على رجلك ومرّة على الأخرى، وتصلّي صلاة مودّع، ترى أنّك لا تصلّي أبداً، واعلم أنّك بين يدي الجبّار، ولا تعبث بشيء من الأشياء، ولا تحدّث لنفسك وافرغ قلبك، وليكن شغلك في صلوتك، وأرسل يديك ألصقهما بفخذيك، فإذا افتتحت الصلاة فكـبّر وارفع يديك بحذاء أذنيك ولا تجاوز بإبهاميك حذاء أذنيك، ولا ترفع يديك بالدعاء في المكتوبة حتّى تجاوز بهما رأسك، ولا بأس بذلك في النافلة والوتر، فإذا ركعت فالقم ركبتيك براحتيك، وتفرّج بين أصابعك واقبض عليهما. وإذا رفعت رأسك من الركوع فانصب قائماً حتّى ترجع مفاصلك كلّها إلى المكان، ثمّ اسجد وضع جبينك على الأرض وأرغم على راحتيك واضمم أصابعك وضعهما مستقبل القبلة، وإذا جلست فلا تجلس على يمينك ولكن انصب بيمينك واقعد على إليتيك، ولا تضع يدك بعضه على بعض، لكن أرسلهما إرسالاً، فإنّ ذلك تكفير أهل الكتاب.
ولا تتمطّى في صلاتك ولا تتجشّأ، وامنعهما بجهدك وطاقتك، فإذا عطست فقل: «الحمد لله»، ولا تطأ موضع سجودك، ولا تتقدّم مرّة ولا تتأخّر أخرى، ولا تصلّ وبك شيء من الأخبثين، وإن كنت في الصلاة فوجدت غمزاً فانصرف، إلّا أن يكون شيئاً تصبر عليه من غير إضرار بالصلاة.
وأقبل على الله بجميع القلب وبوجهك حتّى يقبل الله عليك، وأسبغ الوضوء وعفّر جبينك في التراب، وإذا أقبلت على صلاتك أقبل الله عليك بوجهه، وإذا أعرضت أعرض الله عنك.
قال الرضا (عليه السلام): ربما لم يرفع من الصلاة إلّا النصف أو الثلث والسدس، على قدر إقبال العبد على صلاته، وربما لا يرفع منها شيء يردّ في وجهه كما يردّ الثوب الخلق، وتنادي: ضيّعتني ضيّعك الله كما ضيّعتني، ولا يعطي الله القلب الغافل شيئاً.
وروي: إذا دخل العبد في الصلاة لم يزل الله ينظر إليه حتّى يفرغ منها.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): أ ما يخاف الذي يحوّل وجهه في الصلاة أن يحوّل الله وجهه وجه حمار؟