- جواهر البحار
- » تتمة كتاب الصلاة
- » أحاديث في وجوب صلاة الجمعة وفضلها
قال الصادق (عليه السلام): إنّي لأركب في الحاجة التي كفاها الله، ما أركب فيها إلّا التماس أن يراني الله أضحي في طلب الحلال، أ ما تسمع قول الله عزّ وجلّ: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَوٰةُ فَانتَشِرُواْ فِي الۡأَرۡضِ وَابۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ اللَّهِ﴾؟ أ رأيت لو أنّ رجلاً دخل بيتاً وطيّن عليه بابه، ثمّ قال: رزقي ينزل عليّ، أ كان يكون هذا؟ أما إنّه أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم، قيل: من هؤلاء الثلاثة؟ قال (عليه السلام): رجل يكون عنده المرأة فيدعو عليها فلا يستجاب له؛ لأنّ عصمتها في يده، لو شاء أن يخلّي سبيلها لخلّى سبيلها، والرجل يكون له الحقّ على الرجل فلا يشهد عليه فيجحده حقّه، فيدعو عليه فلا يستجاب له لأنّه ترك ما أمر به، والرجل يكون عنده الشيء فيجلس في بيته ولا ينتشر ولا يطلب ولا يلتمس حتّى يأكله، ثمّ يدعو فلا يستجاب له.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): من ذكر الله في السوق مخلصاً عند غفلة الناس وشغلهم بما فيه، كتب له ألف حسنة، ويغفر الله له يوم القيامة مغفرة لم يخطر على قلب بشر.
بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب يوم الجمعة إذ قدم دحية بن خليفة الكلبي من الشام بتجارة، وكان إذا قدم لم يبق بالمدينة عاتق إلّا أتته، وكان يقدم إذا قدم بكلّ ما يحتاج إليه من دقيق أو برّ أو غيره، وينزل عند أحجار الزيت _ وهو مكان في سوق المدينة _ ثمّ يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه، فيخرج إليه الناس ليتبايعوا معه، فقدم ذات جمعة وكان ذلك قبل أن يسلم، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائم على المنبر يخطب، فخرج الناس فلم يبق في المسجد إلّا اثنا عشر رجلاً وامرأة، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): لولا هؤلاء لسوّمت لهم الحجارة من السماء، وأنزل الله هذه الآية: ﴿وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡواً انفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلۡ مَا عِندَ اللَّهِ خَيۡرٌ مِّنَ اللَّهۡوِ وَمِنَ التِّجَٰرَةِ وَاللَّهُ خَيۡرُ الرَّٰزِقِينَ﴾.
[الوجه الأول] أنّه سبحانه أكّد في الآية المنزّلة لذلك ضروباً من التأكيد:
الأوّل: إقباله تبارك وتعالى إليهم بالخطاب تنشيطاً للمكلّفين، وجبراً لكلفة التكليف بلذّة المخاطبة.
الثاني: أنّه ناداهم بياء الموضوعة لنداء البعيد تعظيماً لشأن المنادى له، وتنبيهاً على أنّه من العظم والجلالة بحيث المخاطب في غفلة منه وبعد عنه، وإن كان في نهاية التيقّظ والتذكّر له.
الثالث: أنّه أطنب الكلام تعظيماً لشأن ما فيه الكلام، وإيماء إلى أنّه من الشرافة والكرامة بحيث يتلذّذ المتكلّم بما تكلّم فيه كما يتلذّذ بذكر المحبوبين، ووصفهم بصفاتهم والإطناب في أحوالهم.
الرابع: أنّه أجمل أوّلاً المنادى، حيث عبّر بأيّ العامّة لكلّ شيءٍ تخييلاً، لأنّ هذا الأمر لعظم شأنه ممّا لا يمكن المتكلّم أن يعلم أوّل الأمر وبادئ الرأي أنّه بمن يليق ومن يكون له؟ حتّى إذا تفكّر وتدبّر علم من يصلح له ويليق به.
الخامس: أنّه أتى بكلمة«ها»التي للتنبيه لمثل ما قلناه في «يا».
السادس: أنّه عبّر عنهم بصيغة الغائب، تنبيهاً على بعدهم لمثل ما قلناه في «يا».
السابع: أنّه طوّل في اسمهم ليحصل لهم التنبيه الكامل، فإنّهم في أوّل النداء يأخذون في التنبّه، فكلّما طال النداء واسم المنادى ازداد تنبّههم.
الثامن: أنّه خصّ المؤمنين بالنداء مع أنّ غيرهم مكلّفون بالشرائع، تنبيهاً على أنّ الأمر من عظمه بحيث لا يليق به إلّا المؤمنون.
التاسع: أنّه عظّم المخاطبين به بذكر اسمهم ثلاث مرّات من الإجمال والتفصيل، فإنّ ﴿أَيُّهَا﴾ مجمل ﴿وَالَّذِينَ﴾ مفصّل بالنسبة إليه ثمّ الصلة تفصيل للموصول.
العاشر: أنّه عظّمهم بصيغة الغيبة.
الحادي عشر: أنّه خصّ المعرفة بالنداء، تنبيهاً على أنّه لا يليق بالخطاب إلّا رجال معهودون معروفون بالإيمان.
الثاني عشر: أنّه علّق الحكم على وصف الإيمان، تنبيهاً على علّيته له واقتضائه إيّاه.
الثالث عشر: أنّه أمرهم بالسعي الذي هو الإسراع بالمشي إمّا حقيقةً أو مجازاً كما مرّ، والثاني أبلغ.
الرابع عشر: أنّه رتّبه على الشرط بالفاء الدالّة على عدم التراخي.
الخامس عشر: أنّه عبّر عنها بذكر الله، فوضع الظاهر موضع الضمير إن فسّر بالصلاة للدلالة على أنّها ذكر الله، فمن تركها كان ناسياً لذكر الله غافلاً عنه، وإن فسّر بالخطبة أيضاً يجرى فيه مثله.
السادس عشر: تعقيبه بالأمر بترك ما يشغل عنه من البيع.
السابع عشر: تعقيبه بقوله ﴿ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٌ لَّكُمۡ﴾ وهو يتضمّن وجوهاً من التأكيد:
الأوّل: نفس تعقيب هذا الكلام لسابقه، والثاني: الإشارة بصيغة البعيد المتضمّن لتعظيم المشار إليه، والثالث: تنكير ﴿خَيۡرٌ﴾ إن لم نجعله اسم تفضيل لأنّه
أيضاً للتعظيم.
الثامن عشر: تعقيبه بقوله ﴿إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ﴾ وهو يتضمّن التأكيد من وجوه:
الأوّل: نفس هذا الكلام، فإنّ العرف يشهد بأنّه يذكر في الأمور العظام المرغّب فيها: «إن كنت تعلم ما فيه من الخير لفعلته».
الثاني: الدلالة على أنّ من توانى فيه فإنّما هو لجهله بما فيه من الفضل، ففيه تنزيل لبعض العالمين منزلة الجاهلين، ودلالة على أنّه لا يمكن أن يصدر الترك أو التواني فيه عن أحد إلّا عن جهل بما فيه.
الثالث: أنّه ترك الجزاء ليذهب الوهم كلّ مذهب ممكن، وهو نهاية في المبالغة.
الرابع: أنّه ترك مفعول العلم، فإمّا أن يكون لتنزيله منزلة اللازم فيدلّ على أنّه يكفى في الرغبة والمسارعة إليه وترك ما يشغل عنه الاتّصاف بمجرّد العلم والكون من أهله أو ترك إبهاماً له لتعظيمه وليذهب الوهم كلّ مذهب ممكن فيكون المفهوم أنّ كلّ من علم شيئاً من الأشياء أسرع إليها لأنّ فضلها من البديهيات التي ليس شيء أجلى منها.
[الوجه الثاني]: ما أكّد الحكم به بعد هذه الآية وهو أيضاً من وجوه:
الأوّل: قوله: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَوٰةُ﴾ فإنّه بناء على كون الأمر للإباحة كما هو الأشهر والأظهر هنا، دلّ بمفهوم الشرط على عدم إباحة الانتشار قبل الصلاة.
الثاني: أنّ أصل هذا الكلام نوع تأكيد للحكم بإزاحة علّتهم في ذلك، أي إن كان غرضكم التجارة فهو ميسور ومقدور بعد الصلاة، فلم تتركون الصلاة لذلك؟
الثالث: تعليق الفلاح بما مرّ كما مرّ.
الرابع: الإتيان به بلفظ الترجّي ليعلموا أنّ تحصيل الفلاح أمر عظيم لا يمكن الجزم بحصوله بقليل من الأعمال، ولا مع عدم حصول شرائط القبول، فيكون أحثّ لهم على العمل ورعاية شرائطه.
الخامس: لومهم على ترك الصلاة والتوجّه إلى التجارة واللهو أشدّ لوم.
السادس: بيان المثوبات المترتّبة على حضور الصلاة.
السابع: إجمال هذه المثوبات إيذاناً بأنّه لا يمكن وصفه، ولا يكتنه كنهه، ولا يصل عقول المخاطبين إليه.
الثامن: بيان أنّ اللذّات الأخروية ليست من جنس المستلذّات الدنيوية وإنّها خير منها بمراتب.
التاسع: بيان أنّه الرازق والقادر عليه، فلا ينبغي ترك طاعته وخدمته لتحصيل الرزق، فإنّه قادر على أن يحرمكم مع ترك الطاعة ويرزقكم مع فعلها.
العاشر: بيان أنّه خير الرازقين على سبيل التنزّل، أي لو كان غيره رازق فهو خير منه، فكيف ولا رازق سواه؟ ويحتاج إليه كلّ ما عداه.
الحادي عشر: تعقيب هذه السورة بسورة المنافقين إيذاناً بأنّ تارك هذه الفضيلة من غير علّة منافق، كما ورد في الأخبار الكثيرة من طرق الخاصّة والعامّة، وبه يظهر سرّ تلك الأخبار، ويشهد له الأمر بقراءتهما في الجمعة، وصلوات ليلة الجمعة ويومها، وتکـرّر ذكر الله فيهما على وجه واحد.
وروی الكليني في الحسن كالصحيح عن الباقر (عليه السلام) قال: إنّ الله أكرم بالجمعة المؤمنين فسنّها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بشارة لهم، والمنافقين توبيخاً للمنافقين، ولا ينبغي تركها، فمن تركها متعمّداً فلا صلاة له. (ص١٣٣-١٣٨)
تفصیل: ولنذكر الأحكام المستنبطة من تلك الآیات مجملاً:
الأوّل: أنّ تلك الآيات تدلّ على وجوب صلاة الجمعة عيناً في جميع الأزمان، ولنذكر أوّلاً الاختلافات الواقعة فيها، ثمّ لنتعرّض لوجه الاستدلال بالآيات على ما هو الحقّ عندي، منها: اعلم أنّه لا خلاف بين الأمّة في وجوب صلاة الجمعة وجوباً عينياً في الجملة، وإنّما الخلاف في بعض شرائطها والكلام على وجوه، تفصيلها: أنّه هل يشترط الإمام أو نائبه أم لا؟ وعلى تقدير الاشتراط هل هو شرط الانعقاد أو شرط الوجوب، فبدونها يستحبّ؟ وإن كان شرط الانعقاد فهل هو مخصوص بزمن حضور الإمام أو عامّ؟ أو أنّه مخصوص بإمكان الوصول بأحدهما حتّى لو تعذّر كفى إمام الجماعة، أو عامّ حتّى لو تعذّر لم تنعقد؟ ...
ثمّ أقول: إذا عرفت هذه الاختلافات، فالذي يترجّح عندي منها الوجوب المضيّق العيني في جميع الأزمان، وعدم اشتراط الإمام أو نائبه الخاصّ أو العامّ، بل يكفي العدالة المعتبرة في الجماعة، والعلم بمسائل الصلاة إمّا اجتهاداً أو تقليداً أعمّ من الاجتهاد والتقليد المصطلح بين الفقهاء، أو العالم والمتعلّم على اصطلاح المحدّثين.
نعم، يظهر من الأخبار زائداً على إمام الجماعة، القدرة على إيراد الخطبة البليغة المناسبة للمقام بحسب أحوال الناس، والأمكنة والأزمنة، والأعوام والشهور والأيّام، والعلم بآدابها وشرائطها ... . (ص١٣٩-١٤٧)
قال الباقر (عليه السلام): إذا كان حين يبعث الله تبارك وتعالى العبادات بالأيّام، يعرفها الخلائق باسمها وحليتها، يقدمها يوم الجمعة له نور ساطع تتبعه سائر الأيّام كأنّها عروس كريمة ذات وقار، تهدى إلى ذي حلم ويسار، ثمّ يكون يوم الجمعة شاهداً وحافظاً لمن سارع إلى الجمعة، ثمّ يدخل المؤمنون الجنّة على قدر سبقهم إلى الجمعة.
قال الباقر (عليه السلام): صلاة الجمعة فريضة، والاجتماع إليها فريضة مع الإمام، فإن ترك رجل من غير علّة ثلاث جمع فقد ترك ثلاث فرائض، ولا يدع ثلاث فرائض من غير علّة إلّا منافق.
سئل الكاظم (عليه السلام) عن القراءة في الجمعة بما يقرأ؟ قال (عليه السلام): بسورة الجمعة و﴿إِذَا جَآءَكَ الۡمُنَٰفِقُونَ﴾ وإن أخذت في غيرها، وإن كان ﴿قُلۡ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ فاقطعها من أوّلها وارجع إليها.
قال الباقر (عليه السلام): القنوت في الوتر كقنوتك يوم الجمعة، تقول في دعاء القنوت: اللّهمّ تمّ نورك فهديت، فلك الحمد ربّنا، وبسطت يدك فأعطيت، فلك الحمد ربّنا، وعظم حلمك فعفوت، فلك الحمد ربّنا … اللّهمّ، إنّا نشكو غيبة نبيّنا، وشدّة الزمان علينا، ووقوع الفتن، وتظاهر الأعداء، وكثرة عدّونا، وقلّة عددنا، فافرج ذلك يا ربّ، بفتح منك تعجّله، ونصر منك تعزّه، وإمام عدل تظهره، إله الحقّ ربّ العالمين.
سئل الباقر عن قول الله ﴿حَٰفِظُواْ عَلَى الصَّلَوَٰتِ وَالصَّلَوٰةِ الۡوُسۡطَىٰ﴾، قال (عليه السلام): صلاة الظهر، وفيها فرض الله الجمعة، وفيها الساعة التي لا يوافقها عبد مسلم فيسأل خيراً إلّا أعطاه الله إيّاه.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كلّ واعظ قبلة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أربعة يستأنفون العمل: المريض إذا بريء، والمشرك إذا أسلم، والحاجّ إذا فرغ، والمنصرف من الجمعة.
قال عليّ (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الإتيان إلى الجمعة زيارة وجمال، قيل: يا أمير المؤمنين، وما الجمال؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): ضوء الفريضة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كيف بكم إذا تهيّأ أحدكم للجمعة كما يتهيّأ اليهود عشيّة الجمعة لسبتهم؟
نهى عليّ (عليه السلام) أن يشرب الدواء يوم الخميس مخافة أن يضعف عن الجمعة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): التهجير إلى الجمعة حجّ فقراء أمّتي.
«التهجير إلى الجمعة»: المبادرة إليها بإدراك أوّل الخطبة أو المباكرة إلى المسجد، قال في النهاية فيه: لو يعلم الناس ما في التهجير لاستبقوا إليه، وقيل: أراد السير في الهاجرة وشدة الحرّ عقيب الزوال أو قريباً منه. (ص١٩٨)
قال الباقر (عليه السلام): أوّل وقت يوم الجمعة ساعة تزول الشمس إلى أن تمضي ساعة تحافظ عليها، فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا يسأل الله تعالى فيها خيراً إلّا أعطاه الله تعالى.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا كان يوم الجمعة كان على باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأوّل فالأوّل، فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاؤوا يستمعون الذكر.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): يجلس الناس من الله يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعات: الأوّل والثاني والثالث.
قال الصادق (عليه السلام): فضّل الله الجمعة على غيرها من الأيّام، وإنّ الجنان لتزخرف وتزيّن يوم الجمعة لمن أتاها، وإنّكم لتتسابقون إلى الجنّة على قدر سبقكم إلى الجمعة، وإنّ أبواب السماء لتفتح لصعود أعمال العباد.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): من غسل يوم الجمعة واغتسل، ثمّ بكّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ، كان له بكلّ خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): مشيك إلى المسجد وانصرافك إلى أهلك في الأجر سواء.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): من سافر يوم الجمعة دعا عليه ملكاه أن لا يصاحب في سفره، ولا تقضى له حاجة.
نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الاحتباء وقت الخطبة، قيل: والمعنيّ فيه أنّ الحبوة تجلب النوم، فتعرض طهارته للنقض ويمنع من استماع الخطبة.
قال الصادق (عليه السلام): إنّي لأحبّ للرجل أن لا يخرج من الدنيا حتّى يتمتّع ولو مرّة، وأن يصلّي الجمعة في جماعة.
سئل الصادق (عليه السلام) عن الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة، فقال: ما بين فراغ الإمام من الخطبة إلى أن تستوي الصفوف بالناس، وساعة أخرى من آخر النهار إلى غروب الشمس.
وكان من دعاء السجّاد (عليه السلام) في يوم الأضحى ويوم الجمعة: اللّهمّ، هذا يوم مبارك ميمون، والمسلمون فيه مجتمعون في أقطار أرضك، يشهد السائل منهم والطالب والراغب والراهب … اللّهمّ، إنّ هذا المقام لخلفائك وأصفيائك، ومواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها، قد ابتزّوها وأنت المقدّر لذلك … حتّى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزّين، يرون حكمك مبدلاً، وكتابك منبوذاً … وعجّل الفرج والروح والنصرة والتمكين والتأييد لهم …
لا يخفى على العارف بأساليب البلاغة، أنّ هذا الدعاء يدلّ على مطلوبية اجتماع المؤمنين في الجمعة والأعياد للصلاة والدعاء والسؤال والرغبة، وبثّ الحوائج في جميع الأحوال والأزمان؛ لأنّه معلوم أنّ أدعية الصحيفة الشريفة ممّا أملاها (عليه السلام) لتقرأها الشيعة إلى آخر الدهر، وهي كالقرآن المجيد من البركات المستمّرة إلى يوم الوعيد.
الأوّل: إطباق الشيعة على ترك الإتيان بها علانية في الأعصار الماضية خوفاً من المخالفين، لأنّهم كانوا يعيّنون لذلك أئمّة مخصوصين في البلاد، ولم يكن يتمكّن أحد من الإتيان بها إلّا معهم، وكان يلزم المشاهير من العلماء الحضور في مساجدهم، ولو كانوا يفعلون في بيوتهم كان نادراً مع نهاية السعي في الاستتار، فظنّ أنّ تركهم إنّما هو لعدم الإذن.
الثاني: أنّ المخالفين كانوا يشنعون عليهم بترك الجمعة، ولم يمكنهم الحكم بفسقهم وكفرهم، فكانوا يعتذرون بعدم إذن الإمام، وعدم حضوره دفعاً لتشنيعهم، وكان غرضهم عدم الإذن للتقيّة، وعلى هذا يظهر وجه تشويش كلام الشيخ (رحمه الله) وتنافر أجزائه كما لا يخفى على المتأمّل.
فاعتبر أيّها العاقل الخبير، أنّه يجوز لمنصف أن يعوّل على مثل هذا الإجماع مع هذا التشويش والاضطراب والاختلاف بين ناقليه مع ما عرفت مع ما في أصله من البعد والوهن، ويعرض عن مدلولات الآيات والأخبار الصريحة الصحيحة.
وهل يشترط في التكليف بالكتاب والسنّة عمل الشيخ (رحمه الله) ومن تأخّر عنه إلى زمان الشهيد حيث يعتبر أقوال أولئك ولا يعتبر أقوال هؤلاء؟ مع أنّه لا ريب أنّ هؤلاء أدقّ فهماً وأذكى ذهناً وأكثر تتبّعاً منهم، وترى أفكارهم أقرب إلى الصواب في أكثر الأبواب، وابتداء الفحص والتدقيق وترك التقليد للسلف نشأ من زمان الشهيد الأوّل (رحمه الله)، وإن أحدث المحقّق والعلّامة؟رحهما؟ شيئاً من ذلك.
قال الشهيد الثاني _ نوّر الله ضريحه _ في كتاب الرعاية: إنّ أكثر الفقهاء الذين نشأوا بعد الشيخ، كانوا يتّبعونه في الفتوى تقليداً له لكثرة اعتقادهم فيه وحسن ظنّهم به، فلمّا جاء المتأخّرون، وجدوا أحكاماً مشهورة قد عمل بها الشيخ ومتابعوه، فحسبوها شهرة بين العلماء، وما دروا أنّ مرجعها إلى الشيخ، وأنّ الشهرة إنّما حصلت بمتابعته، ثمّ قال: وممّن اطّلع على هذا الذي تبيّنته وتحقّقته من غير تقليد الشيخ الفاضل سديد الدين محمود الحمّصي والسيد رضيّ الدين ابن طاووس وجماعة ...
وليس في هذه الأخبار مع كثرتها تعرّض لشرط الإمام ولا من نصبه، ولا لاعتبار حضوره في إيجاب هذه الفريضة المعظّمة، فكيف ينبغي للمسلم الذي يخاف الله إذا سمع مواقع أمر الله ورسوله وأئمّته بهذه الفريضة، وإيجابها على كلّ مسلم أن يقصّر في أمرها، ويهملها إلى غيرها، ويتعلّل بخلاف بعض العلماء فيها؟ وأمر الله تعالی ورسوله وخاصّته (عليه السلام) أحقّ، ومراعاته أولى، ﴿فَلۡيَحۡذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. (ص٢٢٦-٢٢٨)
كان أمير المؤمنين (عليه السلام) یمشي إلى الجمعة حافياً تعظيماً لها، ويعلّق نعليه بيده اليسرى ويقول: إنّه موطن لله، وهذا منه تواضع لله جلّ وعزّ، لا على أنّ ذلك شيء يجب.
عن عليّ بن الحسين (عليه السلام) أنّه كان يشهد الجمعة مع أئمّة الجور تقيّة ولا يعتدّ بها، ويصلّي الظهر لنفسه.
قال عليّ (عليه السلام): لأن أجلس عن الجمعة أحبّ إليّ من أن أقعد، حتّى إذا جلس الإمام جئت أتخطّى رقاب الناس.
قال الصادق (عليه السلام): وينبغي للإمام يوم الجمعة أن يتطيّب، ويلبس أحسن ثيابه، ويتعمّم.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إتيان الجمعة زيارة وجمال، قيل له: وما الجمال؟ قال (عليه السلام): قضوا الفريضة وتزاوروا.
قال عليّ (عليه السلام): لكم في تزاوركم مثل أجر الحاجّين.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فأبعده الله، ومن أدرك ليلة القدر فلم يغفر له فأبعده الله، ومن حضر الجمعة مع المسلمين فلم يغفر له فأبعده الله، ومن أدرك والديه أو أحدهما فلم يغفر له فأبعده الله، ومن ذكرت عنده فصلّى عليّ فلم يغفر له فأبعده الله.