- جواهر البحار
- » تتمة كتاب الطهارة
- » أحاديث في نقل الموتى والزيارة بهم
كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا أراد الخلوة بنفسه أتى طرف الغريّ، فبينما هو ذات يوم هناك مشرف على النجف، فإذا رجل قد أقبل من البرّية راكباً على ناقة وقدّامه جنازة، فحين رأى عليّاً (عليه السلام) قصده حتّى وصل إليه وسلّم عليه، فردّ عليه السلام وقال: من أين؟ قال: من اليمن، قال (عليه السلام): وما هذه الجنازة التي معك؟ قال: جنازة أبي لأدفنه في هذه الأرض، فقال له عليّ (عليه السلام): لم لم تدفنه في أرضكم؟ قال: أوصى بذلك وقال: إنّه يدفن هناك رجل يدعى في شفاعته مثل ربيعة ومضر، فقال (عليه السلام) له: أ تعرف ذلك الرجل؟ قال: لا، قال (عليه السلام): أنا _ والله _ ذلك الرجل _ ثلاثاً _ فادفن، فقام ودفنه.
اعلم أنّ المشهور بين الأصحاب كراهة نقل الميّت إلى غير بلد موته من غير المشاهد المشرفّة، بل نقل المحقّق في المعتبر والعلّامة في التذكرة وغيرهما إجماع العلماء عليه، والمشهور بينهم جواز النقل إلى المشاهد بل استحبابه، وقال في المعتبر: إنّه مذهب علمائنا خاصّة، قال: وعليه عمل الأصحاب من زمن الأئمّة (عليهم السلام) إلى الآن، وهو مشهور بينهم لا يتناكرونه ...
قال الشهيد (رحمه الله): ولو كان هناك مقبرة بها قوم صالحون أو شهداء استحبّ الحمل إليها لتناله بركتهم وبركة زيارتهم، ولو كان بمكّة أو بالمدينة فبمقبرتيهما، أمّا الشهيد فالأولى دفنه حيث قتل، لما روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «ادفنوا القتلى في مصارعهم»، ثمّ قال: ويستحبّ جمع الأقارب في مقبرة، لأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا دفن عثمان بن مظعون قال: «ادفن إليه من مات من أهله» ولأنّه أسهل لزيارتهم فيقدّم الأب ثمّ من يليه في الفضل، والذكر على الأنثى.
وقال الشهيد الثاني (رحمه الله): يجب تقييد جواز النقل إلى المشاهد بما إذا لم يخف هتك الميّت لبعد المسافة أو غيرها ولا يخفى متانته، لأنّه هتك لحرمة الميّت وإضرار بالمؤمنين، مع أنّ النقل المنقول عن الأصحاب وفي الأخبار المعتبرة إنّما كان من المسافات القريبة التي لم يستلزم النقل إليها مثل ذلك. (ص٦٩)
لمّا حضرت الحسن (عليه السلام) الوفاة استدعى الحسين (عليه السلام)، فقال له: يا أخي، إنّي مفارقك ولاحق بربّي، فإذا قضيت نحبي فغمّضني وغسّلني وكفّنّي، واحملني على سريري إلى قبر جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأجدّد به عهداً، ثمّ ردّني إلى قبر أمّي فاطمة (عليها السلام) فادفنّي هناك.
روي هذا المضمون في أخبار كثيرة تقدّمت في باب شهادة الحسن (عليه السلام)، ويدلّ على استحباب تقريب الميّت إلى الضرائح المقدّسة والزيارة بهم كما هو الشائع في المشاهد المقدّسة، وعلى استحباب الدفن بقرب الأقارب والصلحاء والمقدّسين، ويشهد بذلك دفن ثلاثة من الأئمّة (عليهم السلام) بعده بجنبه.
وفي الصحاح: «النحب»: النذر والمدّة والوقت، يقال: قضى فلان نحبه، إذا مات.