أحاديث في كرامات الإمام علي بن الحسين السجاد (ع) ومعجزاته، وفي قصة سقوط الإمام الباقر (ع) في البئر في صغره، وفي إحيائه الموتى، وهذه أحاديث جليلة جمعها العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار، وقد اقتبس الشيخ حبيب الكاظمي بعض هذه الأحاديث وحذف أسانيدها مع مراعاة التبويب، فكانت جواهر البحار الذي بين يديك.
.
فهرس جواهر البحار
كتاب العقل والعلم والجهل
كتاب التوحيد
كتاب العدل والمعاد
كتاب الاحتجاج
كتاب النبوة
كتاب تاريخ نبينا (ص)
كتاب الإمامة
كتاب الفتن والمحن
كتاب تاريخ أميرالمؤمنين (ع)
كتاب تاريخ فاطمة والحسنين (ع)
كتاب تاريخ السجاد والباقر والصادق والكاظم (ع)
كتاب تاريخ الرضا والجواد والهادي والعسكري (ع)
كتاب تاريخ الحجة (عج)
كتاب السماء والعالم
كتاب الإيمان والكفر
كتاب العشرة
كتاب الآداب والسنن
كتاب الروضة
كتاب الطهارة
كتاب الصلاة
كتاب القرآن
كتاب الأدعية والأذكار
كتاب الزكاة والصدقة
كتاب الصوم
كتاب أعمال السنين والشهور
كتاب الحج والعمرة
كتاب الجهاد
كتاب المزار
كتاب العقود والإيقاعات
الحديث: ١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٧٠
قال محمّد بن شهاب الزهري: كنت عند عليّ بن الحسين (عليه السلام) فجاءه رجل من أصحابه، فقال له عليّ بن الحسين (عليه السلام): ما خبرك أيّها الرجل؟ فقال الرجل: خبري _ يا بن رسول الله _ أنّي أصبحت وعليّ أربعمائة دينار دين، لا قضاء عندي لها، ولي عيال ثقال ليس لي ما أعود عليهم به، فبكى عليّ بن الحسين (عليه السلام) بكاءً شديداً، فقلت له: ما يبكيك يا بن رسول الله؟ فقال (عليه السلام): وهل يعدّ البكاء إلّا للمصائب والمحن الكبار؟ قالوا: كذلك يا بن رسول الله، قال (عليه السلام): فأيّة محنة ومصيبة أعظم على حرّ مؤمن من أن يرى بأخيه المؤمن خلّة فلا يمكنه سدّها، ويشاهده على فاقة فلا يطيق رفعها؟
فتفرّقوا عن مجلسهم ذلك، فقال بعض المخالفين _ هو يطعن على عليّ بن الحسين (عليه السلام) _: عجباً لهؤلاء! يدّعون مرّة أنّ السماء والأرض وكلّ شيء يطيعهم، وأنّ الله لا يردّهم عن شيء من طلباتهم، ثمّ يعترفون أخرى بالعجز عن إصلاح حال خواصّ إخوانهم!
فاتّصل ذلك بالرجل صاحب القصّة، فجاء إلى عليّ بن الحسين (عليه السلام)، فقال له: يا بن رسول الله، بلغني عن فلان كذا وكذا، وكان ذلك أغلظ عليّ من محنتي، فقال عليّ بن الحسين (عليه السلام): فقد أذن الله في فرجك، يا فلانة، احملي سحوري وفطوري، فحملت قرصتين، فقال عليّ بن الحسين (عليه السلام) للرجل: خذهما، فليس عندنا غيرهما، فإنّ الله يكشف عنك بهما، وينيلك خيراً واسعاً منهما.
فأخذهما الرجل ودخل السوق لا يدري ما يصنع بهما، يتفكّر في ثقل دينه وسوء حال عياله، ويوسوس إليه الشيطان: أين موقع هاتين من حاجتك؟ فمرّ بسمّاك قد بارت عليه سمكة قد أراحت ١ ، فقال له: سمكتك هذه بائرة عليك وإحدى قرصتيّ هاتين بائرة عليّ، فهل لك أن تعطيني سمكتك البائرة، وتأخذ قرصتي هذه البائرة؟ فقال: نعم، فأعطاه السمكة وأخذ القرصة.
ثمّ مرّ برجل معه ملح قليل مزهود فيه، فقال: هل لك أن تعطيني ملحك هذا المزهود فيه بقرصتي هذه المزهود فيها؟ قال: نعم، ففعل فجاء الرجل بالسمكة والملح فقال: أصلح هذه بهذا، فلمّا شقّ بطن السمكة وجد فيه لؤلؤتين فاخرتين، فحمد الله عليهما، فبينما هو في سروره ذلك إذ قرع بابه، فخرج ينظر من بالباب فإذا صاحب السمكة وصاحب الملح قد جاءا، يقول كلّ واحد منهما له: يا عبد الله، جهدنا أن نأكل نحن أو أحد من عيالنا هذا القرص فلم تعمل فيه أسناننا، وما نظنّك إلّا وقد تناهيت في سوء الحال ومرنت على الشقاء، قد رددنا إليك هذا الخبز وطيّبنا لك ما أخذته منّا، فأخذ القرصتين منهما، فلمّا استقرّ بعد انصرافهما عنه قرع بابه، فإذا رسول عليّ بن الحسين (عليه السلام) فدخل فقال: إنّه يقول لك: إنّ الله قد أتاك بالفرج، فاردد إلينا طعامنا، فإنّه لا يأكله غيرنا، وباع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم قضى منه دينه وحسنت بعد ذلك حاله.
فقال بعض المخالفين: ما أشدّ هذا التفاوت! بينا عليّ بن الحسين (عليه السلام) لا يقدر أن يسدّ منه فاقة إذ أغناه هذا الغناء العظيم، كيف يكون هذا؟ وكيف يعجز عن سدّ الفاقة من يقدر على هذا الغناء العظيم؟ فقال عليّ بن الحسين (عليه السلام): هكذا قالت قريش للنبيّ (صلى الله عليه وآله): كيف يمضي إلى بيت المقدس، ويشاهد ما فيه من آثار الأنبياء من مكّة، ويرجع إليها في ليلة واحدة من لا يقدر أن يبلغ من مكّة إلى المدينة إلّا في اثني عشر يوماً؟ وذلك حين هاجر منها.
ثمّ قال عليّ بن الحسين (عليه السلام): جهلوا _ والله _ أمر الله وأمر أوليائه معه، إنّ المراتب الرفيعة لا تنال إلّا بالتسليم لله جلّ ثناؤه، وترك الاقتراح عليه والرضا بما يدبّرهم به، إنّ أولياء الله صبروا على المحن والمكاره صبراً لم يساوهم فيه غيرهم، فجازاهم اللهعزّ وجلّ بأن أوجب لهم نجح جميع طلباتهم، لكنّهم مع ذلك لا يريدون منه إلّا ما يريده لهم.
المصدر الأصلي: الأمالي للصدوق
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٦
، ص٢۰-٢٢
(١) «أَراح»: وجد ريحه. لسان العرب، ج٢، ص٤٥٦.
الحديث: ٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٧١
قال عبد الله بن عطاء التمیمي: كنت مع عليّ بن الحسين (عليه السلام) في المسجد، فمرّ عمر بن عبد العزيز، عليه شراكا فضّة _ وكان من أحسن الناس وهو شابّ _ فنظر إليه عليّ بن الحسين (عليه السلام) فقال: يا عبد الله بن عطاء، أ ترى هذا المترف؟ إنّه لن يموت حتّى يلي الناس، قلت: هذا الفاسق؟ قال (عليه السلام): نعم، فلا يلبث فيهم إلّا يسيراً حتّى يموت، فإذا هو مات لعنه أهل السماء واستغفر له أهل الأرض.
المصدر الأصلي: بصائر الدرجات
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٦
، ص٢٣
الحديث: ٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٧٢
قال أبوحمزة الثمالي: كنت عند عليّ بن الحسين (عليه السلام) وعصافير على الحائط قبالته يصحن، فقال (عليه السلام): يا أبا حمزة، أ تدري ما يقلن؟ قال (عليه السلام): يتحدّثن، إنّ لهنّ وقتاً يسألن فيه قوتهنّ، يا أبا حمزة، لا تنامنّ قبل طلوع الشمس، فإنّي أكرهها لك، إنّ الله يقسم في ذلك الوقت أرزاق العباد، وعلى أيدينا يجريها.
المصدر الأصلي: بصائر الدرجات
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٦
، ص٢٣-٢٤
الحديث: ٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٧٣
إنّه (عليه السلام) كان قائماً يصلّي حتّى وقف ابنه محمّد (عليه السلام) وهو طفل إلى بئر في داره بالمدينة بعيدة القعر، فسقط فيها فنظرت إليه أمّه فصرخت وأقبلت نحو البئر، تضرب بنفسها حذاء البئر وتستغيث وتقول: يا ابن رسول الله، غرق ولدك محمّد، وهو لا ينثني عن صلاته وهو يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر.
فلمّا طال عليها ذلك قالت _ حزناً على ولدها _: ما أقسى قلوبكم يا أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأقبل على صلاته ولم يخرج عنها إلّا عن كمالها وإتمامها، ثمّ أقبل عليها وجلس على أرجاء البئر ومدّ يده إلى قعرها، وكانت لا تنال إلّا برشاء طويل، فأخرج ابنه محمّداً (عليه السلام) على يديه يناغي ويضحك لم يبتلّ له ثوب ولا جسد بالماء، فقال: هاك يا ضعيفة اليقين بالله.
فضحكت لسلامة ولدها وبكت لقوله (عليه السلام): يا ضعيفة اليقين بالله، فقال: لا تثريب عليك اليوم، لو علمت أنّي كنت بين يدي جبّار لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عنّي، أ فمن يرى راحماً بعده؟ ١
المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٦
، ص٣٤-٣٥
(١) اعلم أنّه لا ينافي ذلك جواز قطع الصلاة _ بل وجوبه _ لأمر راجح كإنقاذ النفس المحترمة، وخاصّة أنّ الأمر له علاقة بحياة المعصوم وهو الإمام الباقر (عليه السلام) وذلك بالقول أنّ الإمام كان يعلم _ بما له من علم الغيب _ أنّه لا يخشى على ولده، وأنّ الله تعالی كتب له النجاة ممّا هو فيه، ومن هنا لم يجد (عليه السلام) مسوّغاً لقطع صلاته، وهذا بخلاف أمّه التي لم يكن لها مثل هذا اليقين.
الحديث: ٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٧٤
قال عليّ بن الحسين (عليه السلام): خرجت حتّى انتهيت إلى هذا الحائط فاتّكيت عليه، فإذا رجل عليه ثوبان أبيضان ينظر في تجاه وجهي، ثمّ قال: يا عليّ بن الحسين، ما لي أراك كئيباً حزيناً؟ أ على الدنيا حزنك؟ فرزق الله حاضر للبرّ والفاجر، قلت: ما على هذا حزني وإنّه لكما تقول، قال: فعلى الآخرة؟ فهو وعد صادق يحكم فيه ملك قاهر، فعلام حزنك؟
قلت: أتخوّف من فتنة ابن الزبير، قال (عليه السلام): فضحك، ثمّ قال: يا عليّ بن الحسين، هل رأيت أحداً توكّل على الله فلم يكفه؟ قلت: لا، قال: يا عليّ بن الحسين، هل رأيت أحداً خاف الله فلم ينجه؟ قلت: لا، فقال: يا عليّ بن الحسين، هل رأيت أحداً سأل الله فلم يعطه؟ قلت: لا، ثمّ نظرت فإذا ليس قدّامي أحد، وكان الخضر (عليه السلام).
المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٦
، ص٣٧
الحديث: ٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٧٥
قال حمّاد بن حبيب الكوفي القطّان: انقطعت عن القافلة عند زبالة ١ ، فلمّا أن أجنّني الليل أويت إلى شجرة عالية، فلمّا اختلط الظلام إذا أنا بشابّ قد أقبل، عليه أطمار بيض يفوح منه رائحة المسك، فأخفيت نفسي ما استطعت، فتهيّأ للصلاة، ثمّ وثب قائماً وهو يقول: يا من حاز كلّ شيء ملكوتاً، وقهر كلّ شيء جبروتاً، أولج قلبي فرح الإقبال عليك، وألحقني بميدان المطيعين لك.
ثمّ دخل في الصلاة، فلمّا رأيته وقد هدأت أعضاؤه، وسكنت حركاته، قمت إلى الموضع الذي تهيّأ فيه إلى الصلاة، فإذا أنا بعين تنبع فتهيّأت للصلاة ثمّ قمت خلفه، فإذا بمحراب كأنّه مثّل في ذلك الوقت، فرأيته كلّما مرّ بالآية التي فيها الوعد والوعيد يردّدها بانتحاب وحنين، فلمّا أن تقشّع الظلام وثب قائماً وهو يقول: «يا من قصده الضالّون فأصابوه مرشداً، وأمّه الخائفون فوجدوه معقلاً، ولجأ إليه العابدون فوجدوه موئلاً، متى راحة من نصب لغيرك بدنه؟ ومتى فرح من قصد سواك بنيّته؟ إلهي، قد تقشّع الظلام ولم أقض من خدمتك وطراً، ولا من حياض مناجاتك صدراً، صلّ على محمّد وآله، وافعل بي أولى الأمرين بك يا أرحم الراحمين».
فخفت أن يفوتني شخصه، وأن يخفى عليّ أمره، فتعلّقت به، فقلت: بالذي أسقط عنك هلاك التعب، ومنحك شدة لذيذ الرهب، إلّا ما لحقتني منك جناح رحمة، وكنف رقّة، فإنّي ضالّ، فقال: لو صدق توكّلك ما كنت ضالّاً، ولكن اتّبعني واقف أثري، فلمّا أن صار تحت الشجرة أخذ بيدي وتخيّل لي أنّ الأرض يمتدّ من تحت قدميّ، فلمّا انفجر عمود الصبح قال لي: أبشر، فهذه مكّة، فسمعت الضجّة ورأيت الحجّة، فقلت له: بالذي ترجوه يوم الأزفة، يوم الفاقة، من أنت؟ فقال: إذا أقسمت، فأنا عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب.
المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٦
، ص٤۰-٤١
(١) «زُبالة»: من ضواحي المدينة. تاج العروس، ج١٤، ص٣۰١.
الحديث: ٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٧٦
خرج عليّ بن الحسين (عليه السلام) إلى مكّة حاجّاً، حتّى انتهى إلى وادٍ بين مكّة والمدينة، فإذا هو برجل يقطع الطريق، فقال لعليّ (عليه السلام): انزل، قال (عليه السلام): تريد ماذا؟ قال: أريد أن أقتلك وآخذ ما معك، قال (عليه السلام): فأنا أقاسمك ما معي وأحلّلك، فقال اللصّ: لا، قال (عليه السلام): فدع معي ما أتبلّغ به، فأبى، قال (عليه السلام): فأين ربّك؟ قال: نائم، فإذا أسدان مقبلان بين يديه، فأخذ هذا برأسه وهذا برجليه، قال (عليه السلام): زعمت أنّ ربّك عنك نائم.
المصدر الأصلي: الخرائج والجرائح
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٦
، ص٤١
الحديث: ٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٧٧
كان عليّ بن الحسين (عليه السلام) في سفر، وكان يتغدّى وعنده رجل، فأقبل غزال في ناحية يتقمّم وكانوا يأكلون على سفرة في ذلك الموضع، فقال له عليّ بن الحسين (عليه السلام): ادن فكل، فأنت آمن، فدنا الغزال، فأقبل يتقمّم من السفرة، فقام الرجل الذي كان يأكل معه بحصاة فقذف بها ظهره، فنفر الغزال ومضى، فقال له عليّ بن الحسين (عليه السلام): أخفرت ذمّتي؟ لا كلّمتك كلمة أبداً.
المصدر الأصلي: كشف الغمّة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٦
، ص٤٣
الحديث: ٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٧٨
قال الباقر (عليه السلام): خرج أبو محمّد عليّ بن الحسين (عليه السلام) إلى مكّة في جماعة من مواليه وناس من سواهم، فلمّا بلغ عسفان ١ ضرب مواليه فسطاطه في موضع منها، فلمّا دنا عليّ بن الحسين (عليه السلام) من ذلك الموضع، قال لمواليه: كيف ضربتم في هذا الموضع؟ وهذا موضع قوم من الجنّ هم لنا أولياء ولنا شيعة، وذلك يضرّ بهم ويضيّق عليهم.
فقلنا: ما علمنا ذلك، وعمدوا إلى قلع الفسطاط، وإذا هاتف نسمع صوته ولا نرى شخصه وهو يقول: يا بن رسول الله، لا تحوّل فسطاطك من موضعه، فإنّا نحتمل لك ذلك، وهذا اللطف قد أهديناه إليك، ونحبّ أن تنال منه لنسرّ بذلك، فإذا جانب الفسطاط طبق عظيم، وأطباق معه فيها عنب ورمّان وموز وفاكهة كثيرة، فدعا السجّاد (عليه السلام) من كان معه، فأكل وأكلوا من تلك الفاكهة.
المصدر الأصلي: أمان الأخطار
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٦
، ص٤٥
(١) «عُسْفَان»: قرية جامعة بين مكّة والمدينة. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج٣، ص٢٣٧.
الحديث: ١۰
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٧٧٩
روي أنّ رجلاً مؤمناً من أكابر بلاد بلخ كان يحجّ البيت ويزور النبيّ (صلى الله عليه وآله) في أكثر الأعوام وكان يأتي عليّ بن الحسين (عليه السلام) ويزوره ويحمل إليه الهدايا والتحف ويأخذ مصالح دينه منه ثمّ يرجع إلى بلاده، فقالت له زوجته: أراك تهدي تحفاً كثيرة ولا أراه يجازيك عنها بشيء؟ فقال: إنّ الرجل الذي نهدي إليه هدايانا هو ملك الدنيا والآخرة وجميع ما في أيدي الناس تحت ملكه، لأنّه خليفة الله في أرضه وحجّته على عباده وهو ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإمامنا.
فلمّا سمعت ذلك منه أمسكت عن ملامته، ثمّ إنّ الرجل تهيّأ للحجّ مرّة أخرى في السنة القابلة، وقصد دار عليّ بن الحسين (عليه السلام) فاستأذن عليه، فأذن له، فدخل فسلّم عليه وقبّل يديه ووجد بين يديه طعاماً فقرّبه إليه وأمره بالأكل معه، فأكل الرجل ثمّ دعا بطست وإبريق فيه ماء، فقام الرجل وأخذ الإبريق وصبّ الماء على يدي الإمام (عليه السلام)، فقال (عليه السلام): يا شيخ، أنت ضيفنا، فكيف تصبّ على يدي الماء؟ فقال: إنّي أحبّ ذلك، فقال الإمام (عليه السلام): لمّا أحببت ذلك، فوالله، لأرينّك ما تحبّ وترضى وتقرّ به عيناك.
فصبّ الرجل على يديه الماء حتّى امتلأ ثلث الطست، فقال الإمام (عليه السلام) للرجل: ما هذا؟ فقال: ماء، قال الإمام (عليه السلام): بل هو ياقوت أحمر، فنظر الرجل فإذا هو قد صار ياقوتاً أحمر بإذن الله تعالی .
ثمّ قال (عليه السلام): يا رجل، صبّ الماء، فصبّ حتّى امتلأ ثلثا الطست، فقال (عليه السلام): ما هذا؟ قال: هذا ماء، قال (عليه السلام): بل هذا زمرّد أخضر، فنظر الرجل فإذا هو زمرّد أخضر.
ثمّ قال (عليه السلام): صبّ الماء، فصبّه على يديه، حتّى امتلأ الطست، فقال (عليه السلام): ما هذا؟ فقال: هذا ماء، قال (عليه السلام): بل هذا درّ أبيض، فنظر الرجل إليه فإذا هو درّ أبيض.
فامتلأ الطست من ثلاثة ألوان درّ وياقوت وزمرّد، فتعجّب الرجل وانكبّ على يديه، يقبّلهما، فقال (عليه السلام): يا شيخ، لم يكن عندنا شيء نكافيك على هداياك إلينا، فخذ هذه الجواهر عوضاً عن هديّتك واعتذر لنا عند زوجتك، لأنّها عتبت علينا، فأطرق الرجل رأسه وقال: يا سيّدي، من أنبأك بكلام زوجتي؟ فلا أشكّ أنّك من أهل بيت النبوّة، ثمّ إنّ الرجل ودّع الإمام (عليه السلام) وأخذ الجواهر وسار بها إلى زوجته وحدّثها بالقصّة، فسجدت لله شكراً وأقسمت على بعلها بالله العظيم أن يحملها معه إليه (عليه السلام).
فلمّا تجهّز بعلها للحجّ في السنة القابلة أخذها معه، فمرضت في الطريق وماتت قريباً من المدينة، فأتى الرجل الإمام (عليه السلام) باكياً وأخبره بموتها، فقام الإمام (عليه السلام) وصلّى ركعتين، ودعا الله سبحانه بدعوات، ثمّ التفت إلى الرجل، وقال (عليه السلام) له: ارجع إلى زوجتك، فإنّ اللهعزّ وجلّ قد أحياها بقدرته وحكمته وهو ﴿يُحيِي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾.
فقام الرجل مسرعاً، فلمّا دخل خيمته وجد زوجته جالسة على حال صحّتها، فقال لها: كيف أحياك الله؟ قالت: والله، لقد جاءني ملك الموت وقبض روحي وهمّ أن يصعّد بها، فإذا أنا برجل صفته كذا وكذا وجعلت تعدّ أوصافه، وبعلها يقول: نعم، صدقت، هذه صفة سيّدي ومولاي عليّ بن الحسين (عليه السلام)، قالت: فلمّا رآه ملك الموت مقبلاً انكبّ على قدميه يقبّلهما ويقول: السلام عليك يا حجّة الله في أرضه، السلام عليك يا زين العابدين، فردّ عليه السلام وقال له: يا ملك الموت، أعد روح هذه المرأة إلى جسدها، فإنّها كانت قاصدة إلينا وإنّي قد سألت ربّي أن يبقيها ثلاثين سنة أخرى ويحييها حياة طيّبة لقدومها إلينا زائرة لنا، فقال الملك: سمعاً وطاعة لك يا وليّ الله، ثمّ أعاد روحي إلى جسدي وأنا أنظر إلى ملك الموت قد قبّل يده وخرج عنّي فأخذ الرجل بيد زوجته، وأدخلها إليه (عليه السلام) وهو ما بين أصحابه فانكبّت على ركبتيه تقبّلهما، وهي تقول: هذا _ والله _ سيّدي ومولاي، وهذا هو الذي أحياني الله ببركة دعائه، قال: فلم تزل المرأة مع بعلها مجاورين عند الإمام (عليه السلام) بقيّة أعمارهما إلى أن ماتا؟رهما؟. ١
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٦
، ص٤٧-٤٩
(١) وهذه الروایة رآها العلّامة المجلسي (رحمة الله عليه) في بعض تألیفات أصحابنا ورواها عنه.