- جواهر البحار
- » كتاب القرآن
- » أحاديث في ما جاء في كيفية جمع القرآن
خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الناس، وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنادى عليّ (عليه السلام) بأعلى صوته: أيّها الناس، إنّي لم أزل منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مشغولاً بغسله، ثمّ بالقرآن حتّى جمعته كلّه في هذا الثوب الواحد، فلم ينزل الله على نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) آية من القرآن إلّا وقد جمعتها، وليست منه آية إلّا وقد أقرأنيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلّمني تأويلها، ثمّ قال عليّ (عليه السلام): لا تقولوا غداً: ﴿إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلينَ﴾، ثمّ قال لهم عليّ (عليه السلام): لا تقولوا يوم القيامة: إنّي لم أدعكم إلى نصرتي، ولم أذكّركم حقّي، ولم أدعكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته، فقال له عمر: ما أغنانا بما معنا من القرآن عمّا تدعونا إليه، ثمّ دخل عليّ (عليه السلام) بيته.
قال الحسن بن عليّ (عليه السلام) _ في احتجاجه على معاوية _: نحن نقول أهل البيت: إنّ الأئمّة منّا، وإنّ الخلافة لا تصلح إلّا فينا، وإنّ الله جعلنا أهلها في كتابه وسنّة نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنّ العلم فينا، ونحن أهله، وهو عندنا مجموع كلّه بحذافيره، وإنّه لا يحدث شيء إلى يوم القيامة حتّى أرش الخدش، إلّا وهو عندنا مكتوب بإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخطّ عليّ (عليه السلام) بيده.
وزعم قوم أنّهم أولى بذلك منّا حتّى أنت يا بن هند، تدّعي ذلك وتزعم أنّ عمر أرسل إلى أبي أنّي أريد أن أكتب القرآن في مصحف، فابعث إليّ بما كتبت من القرآن، فأتاه فقال (عليه السلام): تضرب _ والله _ عنقي قبل أن يصل إليك، قال: ولم؟ قال (عليه السلام): لأنّ الله تعالی إيّاي عنى، ولم يعنك ولا أصحابك، فغضب عمر ثمّ قال: ابن أبي طالب يحسب أنّ أحداً ليس عنده علم غيره، من كان يقرأ من القرآن شيئاً فليأتني، فإذا جاء رجل فقرأ شيئاً معه وفيه آخر كتبه، وإلّا لم يكتبه، ثمّ قالوا: قد ضاع منه قرآن كثير، بل كذبوا _ والله _ بل هو مجموع محفوظ عند أهله.
قال الباقر (عليه السلام): ما أحد من هذه الأمّة جمع القرآن إلّا وصيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون: المصحف والمسجد والعترة، يقول المصحف: يا ربّ، حرّفوني ومزّقوني، ويقول المسجد: يا ربّ، عطّلوني وضيّعوني، وتقول العترة: يا ربّ، قتلونا وطردونا وشرّدونا، فاجثوا للركبتين للخصومة، فيقول الله جلّ جلاله لي: أنا أولى بذلك.
إنّ عليّاً (عليه السلام) آلى أن لا يضع رداءه على عاتقه إلّا للصلاة حتّى يؤلّف القرآن ويجمعه، فانقطع عنهم مدّة إلى أن جمعه، ثمّ خرج إليهم به في إزار يحمله وهم مجتمعون في المسجد، فأنكروا مصيره بعد انقطاع مع التيه، فقالوا: لأمر ما جاء أبو الحسن؟ فلمّا توسّطهم وضع الكتاب بينهم، ثمّ قال (عليه السلام): إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إنّي مخلّف فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي»، وهذا الكتاب وأنا العترة. ()
قال أبو بكر بن أبي عيّاش: إنّه قرأ رجلان ثلاثين آية من الأحقاف، فاختلفا في قراءتهما فقال ابن مسعود: هذا الخلاف ما أقرأه، فذهبت بهما إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فغضب وعليّ (عليه السلام) عنده، فقال عليّ (عليه السلام): رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يأمركم أن تقرؤوا كما علّمتم.
قال ابن شهر آشوب: وهذا دليل على علم عليّ (عليه السلام) بوجوه القراءات المختلفة.
روي أنّ زيداً لمّا قرأ ﴿التَّابُوة﴾ قال عليّ (عليه السلام): اكتبه ﴿التَّابُوتُ﴾، فكتبه كذلك. ١
قال ابن شهر آشوب (رحمه الله): القرّاء السبعة إلى قراءته يرجعون: فأمّا حمزة والكسائي فيعوّلان على قراءة عليّ (عليه السلام) وابن مسعود، وليس مصحفهما مصحف ابن مسعود، فهما إنّما يرجعان إلى عليّ (عليه السلام)، ويوافقان ابن مسعود فيما يجري مجرى الأعراب، وقد قال ابن مسعود: ما رأيت أحداً أقرء من عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) للقرآن، وأمّا نافع وابن كثير وأبو عمرو فمعظم قراءاتهم يرجع إلى ابن عبّاس، وابن عبّاس قرأ على أبيّ بن كعب وعليّ، والذي قرأه هؤلاء القرّاء يخالف قراءة أبيّ، فهو إذاً مأخوذ عن عليّ (عليه السلام)، وأمّا عاصم فقرأه على أبي عبد الرحمن السلمي، وقال أبو عبد الرحمن: قرأت القرآن كلّه على عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فقالوا: أفصح القراءات قراءة عاصم؛ لأنّه أتى بالأصل، وذلك أنّه يظهر ما أدغمه غيره، ويحقّق من الهمز ما ليّنه غيره، ويفتح من الألفات ما أماله غيره.