- جواهر البحار
- » تتمة كتاب الصوم
- » أحاديث في ليلة القدر وفضلها
قال عليّ بن أبي حمزة: كنت عند الصادق (عليه السلام) فقال له أبو بصير: ما الليلة التي يرجى فيها ما يرجى؟ قال (عليه السلام): في إحدى وعشرين أوثلاث وعشرين، قال: فإن لم أقو على كلتيهما، قال (عليه السلام): ما أيسر ليلتين فيما تطلب، قلت: فربما رأينا الهلال عندنا، وجاءنا من يخبرنا بخلاف ذلك في أرض أخرى، فقال (عليه السلام): ما أيسر أربع ليال تطلبها فيها، قلت: جعلت فداك، ليلة ثلاث وعشرين ليلة الجهني؟ فقال (عليه السلام): إنّ ذلك ليقال.
قلت: إنّ سليمان بن خالد روى في تسعة عشر يكتب وفد الحاجّ، فقال: يا أبا محمّد، يكتب وفد الحاجّ في ليلة القدر والمنايا والبلايا والأرزاق، وما يكون إلى مثلها في قابل، فاطلبها في إحدى وثلاث وصلّ في كلّ واحدة منهما مائة ركعة، وأحيهما إن استطعت إلى النور، واغتسل فيهما، قلت: فإن لم أقدر على ذلك وأنا قائم؟ قال (عليه السلام): فصلّ وأنت جالس، قلت: فإن لم أستطع؟ قال (عليه السلام): فعلى فراشك، قلت: فإن لم أستطع؟ قال (عليه السلام): فلا عليك أن تكتحل أوّل ليلة بشيء من النوم، فإنّ أبواب السماء تفتّح في شهر رمضان، وتصفّد الشياطين، وتقبل أعمال المؤمنين، نعم الشهر رمضان، كان يسمّى على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المرزوق.
كان الصادق (عليه السلام) مريضاً مدنفاً ١ فأمر فأخرج إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكان فيه حتّى أصبح ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان.
قال الصادق (عليه السلام): تأخذ المصحف في ثلاث ليالٍ من شهر رمضان فتنشره وتضعه بين يديك وتقول: «اللّهمّ إنّي أسألك بكتابك المنزل، وما فيه وفيه اسمك الأكبر، وأسماؤك الحسنى، وما يخاف ويرجى، أن تجعلني من عتقائك من النار» وتدعو بما بدا لك من حاجة.
قال الصادق (عليه السلام): إنّ ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان هي ليلة الجهني، ﴿فيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكيمٍ﴾، وفيها تثبت البلايا والمنايا والآجال والأرزاق والقضايا، وجميع ما يحدث الله فيها إلى مثلها من الحول، فطوبى لعبد أحياها راكعاً وساجداً، ومثّل خطاياه بين عينيه ويبكي عليها، فإذا فعل ذلك رجوت أن لا يخيب إن شاء الله.
قال الصادق (عليه السلام): يأمر الله ملكاً ينادي في كلّ يوم من شهر رمضان في الهواء: أبشروا عبادي، فقد وهبت لكم ذنوبكم السالفة، وشفّعت بعضكم في بعض في ليلة القدر، إلّا من أفطر على مسكر أو حقد على أخيه المسلم.
روي أنّ الله يصرف السوء والفحشاء وجميع أنواع البلاء في الليلة الخامسة والعشرين عن صوّام شهر رمضان، ثمّ يعطيهم النور في أسماعهم وأبصارهم، وإنّ الجنّة تزيّن في يومه وليلته.
قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام): أخبرنا عن ليلة القدر؟ قال: ما أخلو من أن أكون أعلمها فأستر علمها، ولست أشكّ أنّ الله إنّما يسترها عنكم نظراً لكم، لأنّكم لو أعلمكموها عملتم فيها وتركتم غيرها، وأرجو أن لاتخطئكم إن شاء الله.
سأل رجل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الروح، قال: ليس هو جبرئيل؟ قال عليّ (عليه السلام): جبرئيل من الملائكة والروح غير جبرئيل، وكان الرجل شاكّاً فكبر ذلك عليه، فقال: لقد قلت عظيماً، ما أحد من الناس يزعم أنّ الروح غير جبرئيل، قال (عليه السلام): أنت ضالّ تروي عن أهل الضلال، يقول الله عزّ وجلّ لنبيّه: ﴿أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ۞ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ﴾، فالروح غير الملائكة، وقال تعالى: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ۞ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ﴾، وقال تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً﴾، وقال تعالى لآدم وجبرئيل يومئذٍ مع الملائكة: ﴿إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ ۞ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ﴾، فسجد جبرئيل مع الملائكة للروح، وقال تعالى لمريم: ﴿فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيّاً﴾، وقال لمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ۞ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ۞ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ۞ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ﴾، والزبر: الذكر، والأوّلين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم، فالروح واحدة والصور شتّى.
قال الباقر (عليه السلام): علامة ليلة القدر أن تهبّ ريح، فإن كانت في برد دفئت، وإن كانت في حرّ بردت.
قال الباقر (عليه السلام): أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل من جهينة فقال: يا رسول الله، إنّ لي إبلاً وغنماً وغلمة، وأحبّ أن تأمرني بليلة أدخل فيها من شهر رمضان فأشهد الصلاة، فدعاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسارّه في أذنه، فكان الجهني إذا كانت ليلة ثلاث وعشرين دخل بإبله وغنمه وأهله وولده وغلمته، فبات تلك الليلة بالمدينة، فإذا أصبح خرج بمن دخل معه، فرجع إلى مكانه.
كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يطوي فراشه، ويشدّ مئزره في العشر الأواخر من شهر رمضان، وكان يوقظ أهله ليلة ثلاث وعشرين، وكان يرشّ وجوه النيام بالماء في تلك الليلة.
كانت فاطمة (عليها السلام)لاتدع أحداً من أهلها ينام تلك الليلة، وتداويهم بقلّة الطعام، وتتأهّب لها من النهار، وتقول (عليها السلام): محروم من حرم خيرها.
قال الصادق (عليه السلام): صبيحة يوم ليلة القدر مثل ليلة لقدر، فاعمل واجتهد.
قال عبد الله بن مسكان: قال الصادق (عليه السلام): إذا كان ليلة القدر نزلت الملائكة والروح والكتبة إلى السماء الدنيا، فيكتبون ما يكون من قضاء الله تعالى في تلك السنة، فإذا أراد الله أن يقدّم شيئاً أو يؤخّره أو ينقص شيئاً أو يزيد، أمر الملك أن يمحو ما يشاء، ثمّ أثبت الذي أراد، قلت: وكلّ شيء هو عند الله مثبت في كتاب؟ قال (عليه السلام): نعم، قلت: فأيّ شيء يكون بعده؟ قال (عليه السلام): سبحان الله، ثمّ يحدث الله أيضاً ما يشاء تبارك وتعالى.
قال أبو المهاجر: قال الباقر (عليه السلام): يا أبا المهاجر، لا يخفى علينا ليلة القدر، إنّ الملائكة يطوفون بنا فيها.
قال الصدوق (رحمه الله)في الخصال: اتّفق مشايخنا في ليلة القدر على أنّها ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، والغسل فيها من أوّل الليل وهو يجزي إلى آخره. (ص١٦)
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): هذا شهر رمضان، شهر مبارك افترض الله صيامه، تفتّح فيه أبواب الجنان، وتصفّد فيه الشياطين، وفيه ليلة خير من ألف شهر، فمن حرمها حرم _ يردّد ذلك ثلاث مرّات _.
قال عليّ (عليه السلام): قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا عليّ، أ تدري ما معنى ليلة القدر؟ فقلت: لا، يا رسول الله، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ الله تبارك وتعالى قدّر فيها ماهو كائن إلى يوم القيامة، فكان فيما قدّر عزّ وجلّ ولايتك وولاية الأئمّة من ولدك إلى يوم القيامة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اعلموا أيّها الناس، أنّه من ورد عليه شهر رمضان وهو صحيح سويّ فصام نهاره، وقام ورداً من ليله، وواظب على صلواته، وهجر إلى جمعته، وغدا إلى عيده، فقد أدرك ليلة القدر، وفاز بجائزة الربّ، فقال الصادق (عليه السلام): فاز _ والله _ بجوائز ليست كجوائز العباد.
قال الصادق (عليه السلام): من قرأ سورة العنكبوت والروم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين، فهو _ والله _ من أهل الجنّة، لا أستثني فيه أحداً، ولا أخاف أن يكتب الله عليّ في يميني إثماً، وإنّ لهاتين السورتين من الله مكاناً.
قال الحسن بن العبّاس بن حریش: قال الصادق (عليه السلام): إنّ القلب الذي يعاين ما ينزل في ليلة القدر لعظيم الشأن، قلت: وكيف ذاك يا أبا عبد الله؟ قال (عليه السلام): ليشقّ _ والله _ بطن ذلك الرجل ثمّ يؤخذ إلى قلبه، يكتب على قلب ذلك الرجل بمداد النور فذلك جميع العلم، ثمّ يكون القلب مصحفاً للبصر، ويكون اللسان مترجماً للأذن، إذا أراد ذلك الرجل علم شيء نظر ببصره وقلبه، فكأنّه ينظر في كتاب، قلت له بعد ذلك: فكيف العلم في غيرها؟ أ يشقّ القلب فيه أم لا؟ قال (عليه السلام): لايشقّ، لكنّ الله يلهم ذلك الرجل بالقذف في القلب، حتّى يخيّل إلى الأذن أنّها تكلّم بما شاء الله من علمه، والله واسع عليم.
قال داود بن فرقد: سألت الصادق (عليه السلام) عن ليلة القدر التي تنزّل فيها الملائكة، فقال (عليه السلام): ﴿تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ۞ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾، ثمّ قال لي الصادق (عليه السلام): ممّن؟ وإلى من؟ وما ينزل؟
قال سعید بن یسار: كنت عند المعلّى بن خنيس، إذ جاء رسول الصادق (عليه السلام) فقلت له: سله عن ليلة القدر، فلمّا رجع قلت له: سألته؟ قال: نعم، فأخبرني بما أردت وما لم أرد، قال (عليه السلام): إنّ الله يقضي فيها مقادير تلك السنة، ثمّ يقذف به إلى الأرض، فقلت: إلى من؟ فقال (عليه السلام): إلى من ترى يا عاجز _ أو يا ضعيف _.