- جواهر البحار
- » تتمة كتاب الصلاة
- » أحاديث في فضل المساجد وآدابها وأحكامها
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): جنّبوا مساجدكم مجانينكم وصبيانكم ورفع أصواتكم إلّا بذكر الله تعالی وبيعكم وشراءكم وسلاحكم، وجمّروها في كلّ سبعة أيّام وضعوا المطاهر على أبوابها.
لا خلاف في كراهة تمكين المجانين والصبيان لدخول المساجد، وربما يقيّد الصبيّ بمن لا يوثق به، أمّا من علم منه ما يقتضي الوثوق به لمحافظته على التنزّه من النجاسات وأداء الصلوات فإنّه لايكره تمكينه، بل يستحبّ تمرينه ولا بأس به.
وقيل: المراد بالتعمير: بناؤها وإصلاح ما يستهدم منها وتزيينها وفرشها وإزالة ما يكره النفس منه، مثل كنسها والإسراج فيها. وقيل: المراد: شغلها بالعبادة مثل الصلاة والذكر وتلاوة القرآن ودرس العلوم الدينية، وتجنّبها من أعمال الدنيا واللهو واللعب وعمل الصنائع وحديث الدنيا، ولعلّ التعميم أولى. (ص٣٤٣)
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كونوا في الدنيا أضيافاً، واتّخذوا المساجد بيوتاً، وعوّدوا قلوبكم الرقّة، وأكثروا من التفكّر والبكاء من خشية الله، واجعلوا الموت نصب أعينكم وما بعده من أهوال القيامة، تبنون ما لا تسكنون، وتجمعون ما لا تأكلون، فاتّقوا الله الذي إليه ترجعون.
قال أمير المومنين (عليه السلام): من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخاً مستفاداً في الله، أو علماً مستطرفاً، أو آية محكمة، أو رحمة منتظرة، أو كلمة تردّه عن ردىً، أو يسمع كلمة تدلّه على هدى، أو يترك ذنباً خشية أو حياء.
قال عليّ (عليه السلام): ليس لجار المسجد صلاة إذا لم يشهد المكتوبة في المسجد إذا كان فارغاً صحيحاً.
ظاهره وجوب إيقاع المكتوبة في المسجد وحمل على تأكيد الاستحباب وفوت فضل الصلاة لما مرّ من الأخبار والتقييد بالمكتوبة يدلّ على عدم الاهتمام في إيقاع النافلة فيه والمشهور بين الأصحاب أنّ النافلة في المنزل أفضل ... ونقل عن الشهيد الثاني (رحمه الله) أنّه رجّح في بعض فوائده رجحان فعلها أيضاً في المسجد كالفريضة ولعلّه أقوى لعموم الأخبار ولما روي في الصحيح أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يصلّي صلاة النفل في المسجد. نعم، يشعر بعض الأخبار باستحباب أن يأتي بشيء من صلاته في البيت.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا صلاة لمن لم يصلّ في المسجد مع المسلمين إلّا من علّة، ولا غيبة لمن صلّى في بيته ورغب عن جماعتنا.
قال زرارة: قلت للباقر (عليه السلام): ما تقول في النوم في المساجد؟ فقال (عليه السلام): لا بأس إلّا في المسجدين: مسجد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسجد الحرام. وكان (عليه السلام) يأخذ بيدي في بعض الليالي فيتنحّى ناحية ثمّ يجلس فيتحدّث في المسجد الحرام فربما نام، فقلت له في ذلك، فقال (عليه السلام): إنّما يكره في المسجد الذي كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأمّا الذي في هذا الموضع فليس به بأس.
قال هارون بن خارجة: قال لي الصادق (عليه السلام): كم بين منزلك ومسجد الكوفة؟ فأخبرته، فقال (عليه السلام): ما بقي ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ولا عبد صالح إلّا وقد صلّى فيه، وإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مرّ به ليلة أسري به، فاستأذن ربّه فصلّى فيه ركعتين، والصلاة الفريضة فيه ألف صلاة، والنافلة خمسمائة صلاة، والجلوس فيه من غير تلاوة القرآن عبادة، فأته ولو زحفاً.
كان الصادق (عليه السلام) إذا طلب الحاجة طلبها عند زوال الشمس، فإذا أراد ذلك قدّم شيئاً فتصدّق به وشمّ شيئاً من طيب وراح إلى المسجد فدعا في حاجته بما شاء.
قال عليّ بن یقطین: سألت الكاظم (عليه السلام) عن إنشاد الشعر في الطواف، فقال (عليه السلام): ما كان من الشعر لا بأس به.
قال الصادق (عليه السلام): كان عليّ (عليه السلام) قد جعل بيتاً في داره ليس بالصغير ولا بالكبير لصلاته، وكان إذا كان الليل ذهب معه بصبيّ لا يبيت معه فيصلّي فيه.
يدلّ على استحباب أن لا يكون في البيت وحده في الليل وإن كان في الصلاة كما دلّ عليه غيره، بل يكون معه أحد وإن كان صبيّاً أو الطفل متعيّن إذا كان مصلّياً، لبعده عن الرياء وعدم منافاته لكمال الخشوع والإقبال على العبادة لعدم الاحتشام منه.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون: المصحف والمسجد والعترة، يقول المصحف: يا ربّ، حرّقوني ومزّقوني، ويقول المسجد: يا ربّ، عطّلوني وضيّعوني، وتقول العترة: يا ربّ، قتلونا وطردونا وشرّدونا، فأجثوا للركبتين في الخصومة، فيقول الله عزّ وجلّ لي: أنا أولى بذلك.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا أبا ذرّ، صلاة في مسجدي هذا تعدل مائة ألف صلاة في غيره من المساجد إلّا المسجد الحرام، صلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في غيره، وأفضل من هذا كلّه صلاة يصلّيها الرجل في بيته حيث لا يراه إلّا الله عزّ وجلّ يطلب به وجه الله تعالى …
يا أباذرّ، إسباغ الوضوء على المكاره من الكفّارات، وكثرة الاختلاف إلى المساجد، فذلكم الرباط …
يا أبا ذرّ، كلّ جلوس في المسجد لغو إلّا ثلاثة: قراءة مصلٍّ، أو ذاكر الله تعالى، أو سائل عن علم.
قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «وأفضل من هذا كلّه»: لعلّ الغرض التحريص على تحصيل الإخلاص، والحاصل أنّ الصلاة في البيت مع الاخلاص الكامل أفضل من الصلاة في الأماكن الشريفة بدونه، فالسعي في تحصيل الإخلاص في الأعمال وخلوّها عن شوائب الرياء والأغراض الفاسدة أهمّ من السعي في إيقاعها في الأمكنة الشريفة، فلو اجتمعا كان نوراً على نور ويحتمل تخصيصه بالنوافل والأوّل أظهر.
قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «وكثرة الاختلاف»: أي هي أيضاً من الكفّارات، وهي أيضاً من الرباط، إذ هي ربط النفس على الطاعة، وترقّب للشيطان لئلّا يستولي على القلب فيسلب الايمان، قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «قراءة مصلٍّ»، أي إذا صلّى جالساً، أو المراد بالجلوس مطلق اللبث. (ص٣٧١)
قال الصادق (عليه السلام): خير مساجد نسائكم البيوت.
قال الصادق (عليه السلام) لیونس بن یعقوب: يا يونس، قل لهم: يا مؤلّفة، قد رأيت ما تصنعون، إذا سمعتم الأذان أخذتم نعالكم وخرجتم من المسجد.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): خصال ستّ ما من مسلم يموت في واحدة منهنّ إلّا كان ضامناً على الله أن يدخله الجنّة: منها رجل توضّأ فأحسن الوضوء ثمّ خرج إلى مسجد الصلاة، فإن مات في وجهه كان ضامناً على الله.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ للمساجد أوتاداً، الملائكة جلساؤهم، إذا غابوا افتقدوهم، وإن مرضوا عادوهم، وإن كانوا في حاجة أعانوهم.
قال الرضيّ (رحمه الله): وهذه استعارة، كأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) شبّه المقيمين في المساجد بالأوتاد المضروبة فيها، وذلك من التمثيلات العجيبة الواقعة موقعها، يقال: «فلان وتد المسجد وحمامة المسجد» إذا طالت ملازمته له وانقطاعه إليه، وتشبيهه بالوتد أبلغ، لأنّ الحمامة تنتقل وتزول، والوتد يقيم ولا يريم.
قال الصادق (عليه السلام): إذا بلغت باب المسجد فاعلم أنّك قصدت باب بيت ملك عظيم، لا يطأ بساطه إلّا المطهّرون، ولايؤذن بمجالسة مجلسه إلّا الصدّيقون، وهب القدوم إلى بساط خدمة الملك، فإنّك على خطر عظيم إن غفلت هيبة الملك، واعلم أنّه قادر على ما يشاء من العدل والفضل معك وبك، فإن عطف عليك برحمته وفضله قبل منك يسير الطاعة، وآجرك عليها ثواباً كثيراً، وإن طالبك باستحقاقه الصدق والإخلاص عدلاً بك، حجبك وردّ طاعتك وإن كثرت، وهو فعّال لما يريد.
واعترف بعجزك وتقصيرك وفقرك بين يديه، فإنّك قد توجّهت للعبادة له والمؤانسة، واعرض أسرارك عليه، ولتعلم أنّه لا تخفى عليه أسرار الخلائق أجمعين وعلانيتهم، وكن كأفقر عباده بين يديه، وأخل قلبك عن كلّ شاغل يحجبك عن ربّك، فإنّه لايقبل إلّا الأطهر والأخلص.
وانظر من أيّ ديوان يخرج اسمك؟ فإن ذقت من حلاوة مناجاته ولذيذ مخاطباته، وشربت بكأس رحمته وكراماته من حسن إقباله عليك وإجابته فقد صلحت لخدمته، فادخل فلك الأمن والأمان، وإلّا فقف وقوف مضطرّ قد انقطع عنه الحيل، وقصر عنه الأمل، وقضى عليه الأجل.
فإذا علم الله عزّ وجلّ من قلبك صدق الالتجاء إليه نظر إليك بعين الرحمة والرأفة والعطف، ووفّقك لما يحبّ ويرضى، فإنّه كريم يحبّ الكرامة لعباده المضطرّين إليه، المحترقين على بابه لطلب مرضاته، قال الله عزّ وجلّ: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾.
قال أبوهاشم الجعفري: كنت عند العسكري (عليه السلام) فقال: إذا خرج القائم أمر بهدم المنار والمقاصير التي في المساجد، فقلت في نفسي: لأيّ معنى هذا؟ فأقبل عليّ وقال (عليه السلام): معنى هذا أنّها محدثة مبتدعة، لم يبنها نبيّ ولا حجّة.
المشهور بين الأصحاب كراهة تطويل المنارة أزيد من سطح المسجد، لئلّا يشرف المؤذّنون على الجيران.
قال الباقر (عليه السلام): لو يعلم الناس ما في مسجد الكوفة لأعدّوا له الزاد والرواحل من مكان بعيد، إنّ صلاة فريضة فيه تعدل حجّة، وصلاة نافلة تعدل عمرة.
لنشر هنا إلى بعض الفوائد:
الأولى: أنّه هل يشمل الفضل الوارد للصلاة في المسجد الحرام الصلاة في الكعبة مع كراهة الفريضة فيها؟ إذ الظاهر من النهي عن الصلاة في الكعبة رجحان الصلاة خارج المسجد أيضاً بالنسبة إليها.
الثانية: الظاهر أنّ الثواب المذكور لكلّ من المساجد الشريفة المقدّر المشترك بين الجميع، فلا ينافي كون بعض الأجزاء أفضل من سائرها كما ورد في الأخبار كالحطيم وتحت الميزاب وغيرها من المسجد الحرام، وبعض الأساطين في مسجد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ومسجد الكوفة.
الثالثة: الاختلاف الواقع في عدد فضل الصلاة لكلّ من المساجد الشريفة، لعلّه باعتبار اختلاف الصلوات والمصلّين في المفضّل أو المفضّل عليه أو فيهما، فتأمّل.
الرابعة: الظاهر أنّ تلك الفضيلة في المسجدين مختصّة بما كان في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمّا ما زيد فيهما في زمن خلفاء الجور فكسائر المساجد، بل يمكن المناقشة في كونها مسجداً أيضاً لما ورد في كثير من الأخبار أنّ القائم (عليه السلام) يردّها إلى أربابها، وذهب بعض الأصحاب إلى التعميم، وهو بعيد. (ص٣٧٨-٣٧٩)
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ المسجد ليشكو الخراب إلى ربّه، وإنّه ليتبشبش من عمّاره إذا غاب عنه ثمّ قدم كما يتبشبش أحدكم بغائبه إذا قدم عليه.
«البشّ»: فرح الصديق بالصديق، واللطف في المسألة والإقبال عليه.
قال محمّد بن المنكدر: رأيت الباقر (عليه السلام) في ليلة ظلماء شديدة الظلمة وهو يمشي إلى المسجد، وإنّي أسرعت فدفعت إليه فسلّمت عليه، فردّ عليّ السلام وقال (عليه السلام) لي: يا محمّد بن المنكدر، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): بشّر المشّائين إلى المساجد في ظلم الليل بنور ساطع يوم القيامة.
قال الكاظم (عليه السلام) عن أبيه: أنّ الجنّة والحور لتشتاق إلى من يكسح المساجد ويأخذ منها القذى.
قال الصادق (عليه السلام): عليكم بإتيان المساجد، فإنّها بيوت الله في الأرض، ومن أتاها متطهّراً طهّره الله من ذنوبه وكتب من زوّاره، فأكثروا فيها من الصلاة والدعاء وصلّوا من المساجد في بقاع مختلفة، فإنّ كلّ بقعة تشهد للمصلّي عليها يوم القيامة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة عبادة ما لم يحدث، قيل: يا رسول الله، وما الحدث؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): الاغتياب.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من كنس مسجداً يوم الخميس ليلة الجمعة فأخرج منه من التراب ما يذرّ في العين، غفر له.