سئل الباقر (عليه السلام) عن فضل ليلة النصف من شعبان، فقال (عليه السلام): هي أفضل ليلة بعد ليلة القدر، وفيما يمنح الله تعالى العباد فضله، ويغفر لهم بمنّه، فاجتهدوا في القربة إلى الله تعالى فيها، فإنّها ليلة آلى الله عزّ وجلّ على نفسه أن لا يردّ فيها سائلاً ما لم يسأل الله معصية، وإنّها الليلة التي جعلها الله لنا أهل البيت، بإزاء ما جعل ليلة القدر لنبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاجتهدوا في الدعاء والثناء على الله، فإنّه من سبّح الله تعالى فيها مائة مرّة، وحمده مائة مرّة، وكـبّره مائة مرّة، وهلّله مائة تهليلة، غفر الله له ما سلف من معاصيه، وقضى له حوائج الدنيا والآخرة، ما التمسه وما علم حاجته إليه، وإن لم يلتمسه منه تفضّلاً على عباده.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كنت نائماً ليلة النصف من شعبان، فأتاني جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمّد، أ تنام في هذه الليلة؟ فقلت: يا جبرئيل، وما هذه الليلة؟ قال: هي ليلة النصف من شعبان، قم يا محمّد، فأقامني ثمّ ذهب بي إلى البقيع.
ثمّ قال لي: ارفع رأسك، فإنّ هذه ليلة تفتح فيها أبواب السماء، فيفتح فيها أبواب الرحمة، وباب الرضوان، وباب المغفرة، وباب الفضل، وباب التوبة، وباب النعمة، وباب الجود، وباب الإحسان، يعتق الله فيها بعدد شعور النعم وأصوافها، ويثبّت الله فيها الآجال، ويقسّم فيها الأرزاق من السنة إلى السنة، وينزل ما يحدث في السنة كلّها.
يا محمّد، من أحياها بتكبير وتسبيح وتهليل ودعاء وصلاة وقراءة وتطوّع واستغفار، كانت الجنّة له منزلاً ومقيلاً، وغفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر.
يا محمّد، من صلّى فيها مائة ركعة: يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مائة مرّة، و﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ عشر مرّات، فإذا فرغ من الصلاة قرأ آية الكرسيّ عشر مرّات، وفاتحة الكتاب عشراً، وسبّح الله مائة مرّة، غفر الله له مائة كبيرة وموبقة موجبة للنار، وأعطى بكلّ سورة وتسبيحة قصراً في الجنّة، وشفّعه الله في مائة من أهل بيته، وشركه في ثواب الشهداء، وأعطاه ما يعطي صائمي هذا الشهر، وقائمي هذه الليلة، من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، فأحيها يا محمّد.
وأمر أمّتك بإحيائها والتقرّب إلى الله تعالى بالعمل فيها، فإنّها ليلة شريفة، ولقد أتيتك يا محمّد، وما في السماء ملك إلّا وقد صفّ قدميه في هذه الليلة بين يدي الله تعالى، قال: فهم بين راكع وقائم وساجد وداعٍ ومكـبّر ومستغفر ومسبّح.
يا محمّد، إنّ الله تعالى يطّلع في هذه الليلة فيغفر لكلّ مؤمن قائم يصلّي، وقاعد يسبّح، وراكع وساجد وذاكر، وهي ليلة لا يدعو فيها داعٍ إلّا استجيب له، ولا سائل إلّا أعطي، ولا مستغفر إلّا غفر له، ولا تائب إلّا تيب عليه، من حرم خيرها يا محمّد، فقد حرم.
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يدعو فيها فيقول: اللّهمّ اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلّغنا به رضوانك، ومن اليقين ما يهون علينا به مصيبات الدنيا، اللّهمّ أمتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوّتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منّا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلّط علينا من لا يرحمنا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
وفي رواية أخرى في فضل هذه المائة ركعة: كلّ ركعة بالحمد مرّة، وعشر مرّات ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ ما وجدناه: قال راوي الحديث: ولقد حدّثني ثلاثون من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنّه من صلّى هذه الصلاة في هذه الليلة نظر الله إليه سبعين نظرة، وقضى له بكلّ نظرة سبعين حاجة، أدناها المغفرة، ثمّ لو كان شقيّاً فطلب السعادة لأسعده الله ﴿يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ﴾، ولو كان والداه من أهل النار ودعا لهما أخرجا من النار بعد أن لا يشركا بالله شيئاً، ومن صلّى هذه الصلاة قضى الله له كلّ حاجة طلب، وأعدّ له في الجنّة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت.
والذي بعثني بالحقّ نبيّاً، من صلّى هذه الصلاة يريد بها وجه الله تعالى، جعل الله له نصيباً في أجر جميع من عبد الله تلك الليلة، ويأمر الكرام الكاتبين أن يكتبوا له الحسنات، ويمحو عنه السيّئات، حتّى لا يبقى له سيّئة.
ولا يخرج من الدنيا حتّى يرى منزله من الجنّة، ويبعث الله إليه ملائكة يصافحونه ويسلّمون عليه، ويخرج يوم القيامة مع الكرام البررة، فإن مات قبل الحول مات شهيداً، ويشفع في سبعين ألفاً من الموحّدين، فلا يضعف عن القيام تلك الليلة إلّا شقيّ.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من تطهّر ليلة النصف من شعبان، فأحسن الطهر، ولبس ثوبين نظيفين، ثمّ خرج إلى مصلّاه فصلّى العشاء الأخرة، ثمّ صلّى بعدها ركعتين: يقرأ في أوّل ركعة الحمد، وثلاث آيات من أوّل البقرة، وآية الكرسيّ، وثلاث آيات من آخرها، ثمّ يقرأ في الركعة الثانية الحمد، و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ سبع مرّات، و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ سبع مرّات، و﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ سبع مرّات، ثمّ يسلّم ويصلّي بعدها أربع ركعات: يقرأ في أوّل ركعة يس، وفي الثانية حم الدخان، وفي الثالثة الم السجدة، وفي الرابعة «تبارك الملك»، ثمّ يصلّي بعدها مائة ركعة: يقرأ في كلّ ركعة بـ ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ عشر مرّات، و«الحمد لله» مرّة واحدة، قضى الله تعالى له ثلاث حوائج: إمّا في عاجل الدنيا، أو في آجل الآخرة، ثمّ إن سأل أن يراني من ليلته رآني.