- جواهر البحار
- » كتاب الأدعية والأذكار
- » أحاديث في علّة الإبطاء في الإجابة
قال أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي: قلت للرضا (عليه السلام): جعلت فداك، إنّي قد سألت الله تبارك وتعالى حاجة منذ كذا وكذا سنة، وقد دخل قلبي من إبطائها شيء، فقال (عليه السلام): يا أحمد، إيّاك والشيطان، أن يكون له عليك سبيلاً حتّى يعرضك،
إنّ الباقر (عليه السلام) كان يقول: إنّ المؤمن يسأل الله الحاجة، فيؤخّر عنه تعجيل حاجته حبّاً لصوته، واستماع نحيبه، ثمّ قال (عليه السلام): والله، لما أخّر الله عن المؤمنين ممّا يطلبون في هذه الدنيا خير لهم ممّا عجّل لهم منها، وأيّ شيء الدنيا؟ إنّ الباقر (عليه السلام) كان يقول: «ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرخاء نحواً من دعائه في الشدّة، ليس إذا ابتلى فتر» فلا تملّ الدعاء، فإنّه من الله تبارك وتعالى بمكان، وعليك بالصدق وطلب الحلال وصلة الرحم، وإيّاك ومكاشفة الرجال.
إنّا أهل بيت نصل من قطعنا، ونحسن إلى من أساء إلينا، فنرى _ والله _ في الدنيا في ذلك العاقبة الحسنة، إنّ صاحب النعمة في الدنيا إذا سأل فأعطي، طلب غير الذي سأل، وصغرت النعمة في عينه فلا يمتنع من شيء أعطي، وإذا كثرت النعم كان المسلم من ذلك على خطر للحقوق، والذي يجب عليه، وما يخاف من الفتنة.
فقال (عليه السلام) لي: أخبرني عنك، لو أنّي قلت قولاً كنت تثق به منّي؟ قلت له: جعلت فداك، وإذا لم أثق بقولك فبمن أثق، وأنت حجة الله تبارك وتعالى على خلقه؟ قال (عليه السلام): فكن بالله أوثق، فإنّك على موعد من الله، أ ليس الله تبارك وتعالى يقول: ﴿وَإِذا سَأَلَكَ عِبادي عَنِّي فَإِنِّي قَريبٌ أُجيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ﴾، وقال: ﴿لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾، وقال: ﴿وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً﴾؟ فكن بالله عزّ وجلّ أوثق منك بغيره، ولا تجعلوا في أنفسكم إلّا خيراً، فإنّكم مغفور لكم.
قال الباقر (عليه السلام): إنّ الله عزّ وجلّ يعطي الدنيا من يحبّ ويبغض، ولا يعطي الآخرة إلّا من أحبّ، وإنّ المؤمن ليسأل ربّه موضع سوط من الدنيا فلا يعطيه، ويسأله الآخرة فيعطيه ما شاء، ويعطي الكافر في الدنيا قبل أن يسأله ما يشاء، ويسأله موضع سوط في الآخرة فلا يعطيه إيّاه.
قيل للصادق (عليه السلام): جعلت فداك، إنّ الله يقول: ﴿ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، فإنّا ندعو فلا يستجاب لنا، قال (عليه السلام): لأنّكم لا تفون لله بعهده، وإنّ الله يقول: ﴿أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾، والله، لو وفيتم له لوفى الله لكم.
قال قوم للصادق (عليه السلام): ندعو فلا يستجاب لنا، قال (عليه السلام): لأنّكم تدعون من لا تعرفونه.
قال الصادق (عليه السلام): بينا إبراهيم خليل الرحمن (عليه السلام) في جبل بيت المقدّس يطلب مرعىً لغنمه إذ سمع صوتاً، فإذا هو رجل قائم يصلّي طوله اثني عشر شبراً، فقال له: يا عبد الله، لمن تصلّي؟ قال: لإله السماء، فقال له إبراهيم (عليه السلام): هل بقي أحد من قومك غيرك؟ قال: لا، قال: فمن أين تأكل؟ قال: أجتني من هذا الشجر في الصيف، وآكله في الشتاء، قال له: فأين منزلك؟ فأومأ بيده إلى جبل، فقال له إبراهيم (عليه السلام): هل لك أن تذهب بي معك فأبيت عندك الليلة؟ فقال: إنّ قدّامي ماء لا يخاض، قال: كيف تصنع؟ قال: أمشي عليه، قال: فاذهب بي معك، فلعلّ الله أن يرزقني ما رزقك.
فأخذ العابد بيده فمضيا جميعاً حتّى انتهيا إلى الماء، فمشى ومشى إبراهيم (عليه السلام) معه حتّى انتهيا إلى منزله، فقال له إبراهيم: أيّ الأيّام أعظم؟ فقال له العابد: يوم الدين، يدان الناس بعضهم من بعض، قال: فهل لك أن ترفع يدك وأرفع يدي، فندعو الله عزّ وجلّ أن يؤمننا من شرّ ذلك اليوم؟ فقال: وما تصنع بدعوتي فوالله، إنّ لي لدعوة منذ ثلاث سنين ما أجبت فيها بشيء، فقال له إبراهيم (عليه السلام): أ ولا أخبرك لأيّ شيء احتبست دعوتك؟ قال: بلى، قال له: إنّ الله عزّ وجلّ إذا أحبّ عبداً احتبس دعوته ليناجيه ويسأله ويطلب إليه، وإذا أبغض عبداً عجّل له دعوته أو ألقى في قلبه اليأس منها، ثمّ قال له: وما كانت دعوتك؟ قال: مرّ بي غنم ومعه غلام له ذؤابة، فقلت: يا غلام، لمن هذا الغنم؟ فقال: لإبراهيم خليل الرحمن، فقلت: اللّهــمّ إن كان لك في الأرض خليل فأرنيه، فقال له إبراهيم (عليه السلام): فقد استجاب الله لك، أنا إبراهيم خليل الرحمن، فعانقه، فلمّا بعث الله محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) جاءت المصافحة.
قال الصادق (عليه السلام): إنّ رجلاً كان في بني إسرائيل قد دعا الله أن يرزقه غلاماً يدعو ثلاثاً وثلاثين سنة، فلمّا رأى أنّ الله تعالى لا يجيبه قال: يا ربّ، أ بعيد أنا منك فلا تسمع منّي؟ أم قريب أنت فلا تجيبني؟ فأتاه آتٍ في منامه فقال له: إنّك تدعو الله بلسان بذيّ، وقلب غلق عات ١ غير نقيّ، وبنيّة غير صادقة، فاقلع من بذائك، وليتّق الله قلبك، ولتحسن نيّتك، ففعل الرجل ذلك، فدعا الله عزّ وجلّ فولد له غلام.
قال الرضا (عليه السلام): إنّ الله يؤخّر إجابة المؤمن شوقاً إلى دعائه، ويقول: صوت أحبّ أن أسمعه، ويعجّل إجابة دعاء المنافق، ويقول: صوت أكره سماعه.
قال الصادق (عليه السلام): إنّ الله كره إلحاح الناس بعضهم لبعض في المسألة، وأحبّ لنفسه، إنّ الله يحبّ أن يسأل ويطلب ما عنده.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): رحم الله عبداً طلب من الله حاجته وألحّ في الدعاء استجيب له أم لم يستجب، وتلا هذه الآية: ﴿أَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيّاً﴾.
يستحبّ للداعي عزيمة المسألة لقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): لا يقل أحدكم: اللّهمّ اغفر لي إن شئت، اللّهمّ ارحمني إن شئت، وليعزم المسألة، فإنّه لا يكره له، وإذا استجاب الله دعاء الداعي فليقل: «الحمد لله الذي بعزّته تتمّ الصالحات» وإذا أبطأ عليه الإجابة فليقل: «الحمد لله على كلّ حال» ويكره للداعي استبطاء الإجابة، وليكن مواظباً على الدعاء والمسألة، لا يسأم الإنسان منهما، لقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): يستجاب للعبد ما لم يعجّل، يقول: قد دعوت فلم يستجب لي.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ الله ليتعهّد عبده المؤمن بأنواع البلاء، كما يتعهّد أهل البيت سيّدهم بطرف الطعام، قال الله تعالى: وعزّتي وجلالي وعظمتي وبهائي، إنّي لأحمي وليّي أن أعطيه في دار الدنيا شيئاً يشغله عن ذكري حتّى يدعوني فأسمع صوته، وإنّي لأعطي الكافر منيته حتّى لا يدعوني فأسمع صوته بغضاً له.
قال الصادق (عليه السلام): إنّ الله إذا أحبّ عبداً غتّه ١ بالبلاء غتّاً، وثجّه ٢ به ثجّاً، فإذا دعاه قال: لبّيك عبدي، لبّيك، لئن عجّلت ما سألت إنّي على ذلك لقادر، ولئن أخّرت فما ذخرت لك عبدي خير لك.
(٢) «الثَّـجُّ»: شــدّة انصباب المطر والدم. كتاب العين، ج٦، ص١٣.
قال الصادق (عليه السلام): إنّ الربّ ليلي حساب المؤمن فيقول: تعرف هذا الحساب؟ فيقول: لا، يا ربّ، فيقول: دعوتني في ليلة كذا وكذا في كذا وكذا، فذخرتها لك، قال: فممّا يرى من عظمة ثواب الله يقول: يا ربّ، ليت أنّك لم تكن عجّلت لي شيئاً وادّخرته لي.
» : قال الصادق (عليه السلام): إنّ الله إذا أحبّ عبداً ابتلاه وتعهّده بالبلاء كما يتعهّد المريض أهله بالطرف، ووكّل به ملكين فقال لهما: اسقما بدنه، وضيّقا معيشته، وعوّقا عليه مطلبه، حتّى يدعوني فإنّي أحبّ صوته، فإذا دعا قال: اكتبا لعبدي ثواب ما سألني، وضاعفا له حتّى يأتيني، وما عندي خير له، فإذا أبغض عبداً وكل به ملكين، فقال: أصحّا بدنه، ووسّعا عليه في رزقه، وسهّلا له مطلبه، وأنسياه ذكري، فإنّي أبغض صوته حتّى يأتيني، وما عندي شرّ له.
أتى رجل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: ادع الله أن يستجيب دعائي، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا أردت ذلك فأطب كسبك.
أتى موسى (عليه السلام) رجلاً يتضرّع تضرّعا عظيماً، ويدعو رافعاً يديه ويبتهل، فأوحى الله إلى موسى: لو فعل كذا وكذا لما استجبت دعاءه؛ لأنّ في بطنه حراماً، وعلى ظهره حراماً، وفي بيته حراماً.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ربما أخّرت من العبد إجابة الدعاء ليكون أعظم لأجر السائل، وأجزل لعطاء الأمل.
قال العسكري (عليه السلام): ادفع المسألة ما وجدت التحمّل يمكنك، فإنّ لكلّ يوم رزقاً جديداً، واعلم أنّ الإلحاح في المطالب يسلب البهاء، ويورث التعب والعناء، فاصبر حتّى يفتح الله لك باباً يسهل الدخول فيه، فما أقرب الصنع من الملهوف! والأمن من الهارب المخوف! فربّما كانت الغير نوعاً من أدب الله، وللحظوظ مراتب، فلا تعجل على ثمرة لم تدرك، فإنّما تنالها في أوانها.
واعلم أنّ المدبّر لك أعلم بالوقت الذي يصلح حالك فيه، فثق بخيرته في جميع أمورك يصلح حالك، ولا تعجل بحوائجك قبل وقتها، فيضيق قلبك وصدرك ويغشاك القنوط، واعلم أنّ للحياء مقداراً، فإن زاد عليه فهو سرف، وإنّ للحزم مقداراً، فإن زاد عليه فهو تهوّر، واحذر كلّ ذكيّ ساكن الطرف، ولو عقل أهل الدنيا خربت.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): من أحبّ أن يستجاب دعاؤه، فليطيّب مطعمه ومكسبه.
قال الصادق (عليه السلام): ترك لقمة حرام أحبّ إلى الله تعالى من صلاة ألفي ركعة تطوّعاً.
قال الصادق (عليه السلام): ردّ دانق حرام يعدل عند الله سبعين حجّة مبرورة.
فيما وعظ الله به عيسى (عليه السلام): يا عيسى، قل لظلمة بني إسرائيل: غسلتم وجوهكم، ودنّستم قلوبكم، أ بي تغترّون؟ أم عليّ تجترؤون؟ تتطيّبون الطيب لأهل الدنيا، وأجوافكم عندي بمنزلة الجيف المنتنة، كأنّكم أقوام ميّتون.
يا عيسى، قل لهم: قلّموا أظفاركم من كسب الحرام، وأصمّوا أسماعكم عن ذكر الخنا، وأقبلوا عليّ بقلوبكم، فإنّي لست أريد صوركم.
يا عيسى، قل لظلمة بني إسرائيل: لا تدعوني والسحت تحت أقدامكم، والأصنام في بيوتكم، فإنّي آليت أن أجيب من دعاني، وإنّ إجابتي إيّاهم لعن لهم حتّى يتفرّقوا.
قال الصادق (عليه السلام): إنّ العبد إذا دعا لم يزل الله في حاجته، ما لم يستعجل.
قال الله تعالی للعبد: لا تملّ من الدعاء، فإنّي لا أملّ من الإجابة.
قال الصادق (عليه السلام): إنّ العبد إذا عجّل فقام لحاجته، يقول الله تعالى: استعجل عبدي، أ تراه يظنّ أنّ حوائجه بيد غيري؟
قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ اللّه يحبّ السائل اللحوح.
قال الصادق (عليه السلام): إنّ العبد الوليّ لله يدعو الله في الأمر ينوبه، فيقال للملك الموكّل به: اقض لعبدي حاجته ولا تعجّلها، فإنّي أشتهي أن أسمع نداءه وصوته.
وإنّ العبد العدوّ لله ليدعو الله في الأمر ينوبه، فيقال للملك الموكّل به: اقض لعبدي حاجته وعجّلها، فإنّي أكره أن أسمع نداءه وصوته، فيقول الناس: ما أعطي هذا إلّا لكرامته، وما منع هذا إلّا لهوانه.
قال أبو بصیر: قال الصادق (عليه السلام): لا يزال المؤمن بخير ورخاء ورحمة من الله ما لم يستعجل فيقنط فيترك الدعاء، قلت له: كيف يستعجل؟ قال (عليه السلام): يقول: قد دعوت منذ كذا وكذا، ولا أرى الإجابة.
قال منصور الصيقل: قلت للصادق (عليه السلام): ربما دعا الرجل فاستجيب له، ثمّ أخّر ذلك إلى حين؟ فقال (عليه السلام): نعم، قلت: ولم ذلك، ليزداد من الدعاء؟
قال (عليه السلام): نعم.
قال إسحاق بن عمّار: قلت للصادق (عليه السلام): يستجاب للرجل الدعاء ثمّ يؤخّر؟ قال (عليه السلام): نعم، عشرون سنة.
قال الصادق (عليه السلام): كان بين قول الله عزّ وجلّ: ﴿قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما﴾ وبين أخذ فرعون أربعون عاماً.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ العبد ليقول: «اللّهمّ اغفر لي» وهو معرض عنه، ثمّ يقول: «اللّهمّ اغفر لي» وهو معرض عنه، ثمّ يقول: «اللّهمّ اغفر لي»، فيقول سبحانه للملائكة: أ لا ترون عبدي سألني المغفرة وأنا معرض عنه، ثمّ سألني المغفرة وأنا معرض عنه، ثمّ سألني المغفرة؟ علم عبدي أنّه لا يغفر الذنوب إلّا أنا، أشهدكم أنّي قد غفرت له.
قال الباقر (عليه السلام): إنّ العبد ليسأل الله حاجة من حوائج الدنيا فيكون من شأن الله تعالى قضاؤها إلى أجل قريب أو بطيء، فيذنب العبد عند ذلك الوقت ذنباً، فيقول للملك الموكّل بحاجته: لا تنجزها له، فإنّه قد تعرّض لسخطي استوجب الحرمان منّي.
قال الله تعالی: يا بن آدم، أنا غنيّ لا أفتقر، أطعني فيما أمرتك، أجعلك غنيّاً لا تفتقر.
يابن آدم، أنا حيّ لا أموت، أطعني فيما أمرتك، أجعلك حيّاً لا تموت، يا بن آدم، أنا أقول للشيء: كن، فيكون، أطعني فيما أمرتك، أجعلك تقول للشيء: كن، فيكون.
قال الباقر (عليه السلام): إنّ الله تعالى أوحى إلى داود (عليه السلام) أن أبلغ قومك أنّه ليس من عبد منهم آمره بطاعتي فيطيعني، إلّا كان حقّاً عليّ أن أطيعه وأعينه على طاعتي، وإن سألني أعطيته، وإن دعاني أجبته، وإن اعتصم بي عصمته، وإن استكفاني كفيته، وإن توكّل عليّ حفظته من وراء عورته، وإن كاده جميع خلقي كنت دونه.
خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) في يوم جمعة خطبة بليغة فقال في آخرها: أيّها الناس، سبع مصائب عظام نعوذ بالله منها: عالم زلّ، وعابد ملّ، ومؤمن خلّ، ومؤتمن غلّ، وغنيّ أقلّ، وعزيز ذلّ، وفقير اعتلّ
فقام إليه رجل فقال: صدقت يا أمير المؤمنين، أنت القبلة إذا ما ضللنا، والنور إذا ما أظلمنا، ولكن نسألك عن قول الله تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم﴾ فما بالنا ندعو فلا يجاب؟
قال (عليه السلام): إنّ قلوبكم خانت بثمان خصال:
أوّلها: أنّكم عرفتم الله فلم تؤدّوا حقّه كما أوجب عليكم، فما أغنت عنكم معرفتكم شيئاً.
والثاني: أنّكم آمنتم برسوله ثمّ خالفتم سنّته وأمتّم شريعته، فأين ثمرة إيمانكم؟
والثالثة: أنّكم قرأتم كتابه المنزل عليكم فلم تعملوا به، وقلتم: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ ثمّ خالفتم.
والرابعة: أنّكم قلتم أنّكم تخافون من النار، وأنتم في كلّ وقت تقدمون إليها بمعاصيكم فأين خوفكم؟
والخامسة: أنّكم قلتم أنّكم ترغبون في الجنّة، وأنتم في كلّ وقت تفعلون ما يباعدكم منها، فأين رغبتكم فيها؟
والسادسة: أنّكم أكلتم نعمة المولى ولم تشكروا عليها.
والسابعة: أنّ الله أمركم بعداوة الشيطان وقال:﴿إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً﴾ فعاديتموه بلا قول، وواليتموه بلا مخالفة.
والثامنة: أنّكم جعلتم عيوب الناس نصب عيونكم، وعيوبكم وراء ظهوركم، تلومون من أنتم أحقّ باللوم منه، فأيّ دعاء يستجاب لكم مع هذا؟ وقد سددتم أبوابه وطرقه، فاتّقوا الله، وأصلحوا أعمالكم، وأخلصوا سرائركم، وأمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، فيستجيب الله لكم دعاءكم.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهنّ عن المنكر، أو ليسلّطنّ الله شراركم على خياركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): سألت الله أن لا يستجيب دعاء حبيب على حبيبه.
روي في خبر ليلة النصف من شعبان وغيره: أنّه يستجاب الدعاء فيها إلّا لقاطع رحم، أو في قطيعة رحم.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ العبد ليدعو الله وهو يحبّه فيقول: يا جبرئيل، اقض لعبدي هذا حاجته وأخّرها، فإنّي أحبّ أن لا أزال أسمع صوته.
قال هشام بن سالم: قلت للصادق (عليه السلام): يا بن رسول الله، ما بال المؤمن إذا دعا ربما استجيب له وربما لم يستجب له؟ وقد قال الله عزّ وجلّ:
﴿وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، فقال (عليه السلام): إنّ العبد إذا دعا الله تبارك وتعالى بنيّة صادقة وقلب مخلص استجيب له بعد وفائه بعهد الله عزّ وجلّ، وإذا دعا الله بغير نيّة وإخلاص لم يستجب له، أ ليس الله يقول: ﴿أَوْفُوا بِعَهْدي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾؟ فمن وفى وفي له.