أحاديث في احتجاج الإمام الحسن (ع) على معاوية وعمرو بن العاص ومروان بن الحكم وغيرهم من فسقة بني أمية وفضحهم وتعريتهم مما يتسترون به من ظاهر التدين، وفي مراسلته زياد بن أبيه، وهذه أحاديث جليلة جمعها العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار، وقد اقتبس الشيخ حبيب الكاظمي بعض هذه الأحاديث وحذف أسانيدها مع مراعاة التبويب، فكانت جواهر البحار الذي بين يديك.
.
فهرس جواهر البحار
كتاب العقل والعلم والجهل
كتاب التوحيد
كتاب العدل والمعاد
كتاب الاحتجاج
كتاب النبوة
كتاب تاريخ نبينا (ص)
كتاب الإمامة
كتاب الفتن والمحن
كتاب تاريخ أميرالمؤمنين (ع)
كتاب تاريخ فاطمة والحسنين (ع)
كتاب تاريخ السجاد والباقر والصادق والكاظم (ع)
كتاب تاريخ الرضا والجواد والهادي والعسكري (ع)
كتاب تاريخ الحجة (عج)
كتاب السماء والعالم
كتاب الإيمان والكفر
كتاب العشرة
كتاب الآداب والسنن
كتاب الروضة
كتاب الطهارة
كتاب الصلاة
كتاب القرآن
كتاب الأدعية والأذكار
كتاب الزكاة والصدقة
كتاب الصوم
كتاب أعمال السنين والشهور
كتاب الحج والعمرة
كتاب الجهاد
كتاب المزار
كتاب العقود والإيقاعات
الحديث: ١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٤٨٩
روي عن الشعبي، وأبي مخنف، ويزيد بن أبي حبيب المصري أنّهم قالوا: لم يكن في الإسلام يوم في مشاجرة قوم اجتمعوا في محفل، أكثر ضجيجاً ولا أعلى كلاماً ولا أشدّ مبالغة في قول من يوم اجتمع فيه عند معاوية بن أبي سفيان، عمرو بن عثمان بن عفّان، وعمرو بن العاص، وعتبة بن أبي سفيان، والوليد بن عتبة بن أبي معيط، والمغيرة بن شعبة، وقد تواطؤوا على أمر واحد، فقال عمرو بن العاص لمعاوية: أ لا تبعث إلى الحسن بن عليّ، فتحضره؟ فقد أحيا سيرة أبيه وخفقت النعال خلفه، إن أمر فأطيع، وإن قال فصدّق، وهذان يرفعان به إلى ما هو أعظم منهما، فلو بعثت إليه فقصّرنا به وبأبيه، وسببناه وسببنا أباه، وصعّرنا بقدره وقدر أبيه، وقعدنا لذلك حتّى صدق لك فيه.
فقال لهم معاوية: إنّي أخاف أن يقلّدكم قلائد يبقى عليكم عارهاً حتّى تدخلكم قبوركم، والله، ما رأيته قطّ إلّا كرهت جنابه، وهبت عتابه، وإنّي إن بعثت إليه لأنصفته منكم، قال عمرو بن العاص: أ تخاف أن يتسامى باطله على حقّنا، ومرضه على صحّتنا؟ قال: لا، قال: فابعث إذاً إليه، فقال عتبة: هذا رأي لا أعرفه، والله، ماتستطيعون أن تلقوه بأكثر ولا أعظم ممّا في أنفسكم عليه، ولا يلقاكم إلّا بأعظم ممّا في نفسه عليكم، وإنّه لمن أهل بيت خصم جدل.
فبعثوا إلى الحسن (عليه السلام)، فلمّا أتاه الرسول قال له: يدعوك معاوية، قال: ومن عنده؟ قال الرسول: عنده فلان وفلان، وسمّى كلّاً منهم باسمه، فقال الحسن (عليه السلام): ما لهم ﴿فَخَرَّ عَلَيهِمُ السَّقفُ مِن فَوقِهِم وَأَتَاهُمُ العَذَابُ مِن حَيثُ لاَ يَشعُرُونَ﴾، ثمّ قال: يا جارية، أبلغيني ثيابي، ثمّ قال: اللّهمّ، إنّي أدرأ بك في نحورهم، وأعوذ بك من شرورهم، وأستعين بك عليهم، فاكفنيهم بما شئت وأنّى شئت، من حولك وقوّتك يا أرحم الراحمين، وقال (عليه السلام) للرسول: هذا كلام الفرج.
فلمّا أتى معاوية رحّب به وحيّاه وصافحه، فقال الحسن (عليه السلام): إنّ الذي حيّيت به سلامة، والمصافحة أمنة؟ فقال معاوية: أجل، إنّ هؤلاء بعثوا إليك وعصوني، ليقرّروك أنّ عثمان قتل مظلوماً وأنّ أباك قتله، فاسمع منهم ثمّ أجبهم بمثل ما يكلّمونك، ولا يمنعك مكاني من جوابهم، فقال الحسن (عليه السلام): سبحان الله، البيت بيتك، والإذن فيه إليك، والله، لئن أجبتهم إلى ما أرادوا، إنّي لأستحيي لك من الفحش، ولئن كانوا غلبوك، إنّي لأستحيي لك من الضعف، فبأيّهما تقرّ؟ ومن أيّهما تعتذر؟ أما إنّي لو علمت بمكانهم واجتماعهم لجئت بعدّتهم من بني هاشم، ومع وحدتي هم أوحش منّي مع جمعهم، فإنّ الله عزّ وجلّ لوليّي اليوم وفيما بعد اليوم، فليقولوا فأسمع، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.
فتكلّم عمرو بن عثمان بن عفّان، فقال: ما سمعت كاليوم أن بقي من بني عبد المطّلب على وجه الأرض من أحد بعد قتل الخليفة عثمان بن عفّان، وكان من ابن أختهم، والفاضل في الإسلام منزلة، والخاصّ برسول الله (صلى الله عليه وآله) أثرة، فبئس كرامة الله حتّى سفكوا دمه اعتداء وطلباً للفتنة، وحسداً ونفاسة، وطلب ما ليسوا بآهلين لذلك، مع سوابقه ومنزلته من الله ومن رسوله ومن الإسلام. فيا ذلّاه، أن يكون حسن وسائر بني عبد المطّلب _ قتلة عثمان _ أحياء يمشون على مناكب الأرض وعثمان مضرّج بدمه، مع أنّ لنا فيكم تسعة عشر دماً بقتلى بني أميّة ببدر.
ثمّ تكلّم عمرو بن العاص، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: إي يا بن أبي تراب، بعثنا إليك لنقرّرك أنّ أباك سمّ أبا بكر الصديق، واشترك في قتل عمر الفاروق، وقتل عثمان ذا النورين مظلوماً، فادّعى ما ليس له بحقّ، ووقع فيه، وذكر الفتنة وعيّره بشأنها.
ثمّ قال: إنّكم يا بني عبد المطّلب، لم يكن الله ليعطيكم الملك فترتكبون فيه ما لا يحلّ لكم، ثمّ أنت يا حسن، تحدّث نفسك بأنّك كائن أمير المؤمنين، وليس عندك عقل ذلك ولا رأيه، فكيف وقد سلبته، وتركت أحمق في قريش وذلك لسوء عمل أبيك، وإنّما دعوناك لنسبّك وأباك، ثمّ أنت لا تستطيع أن تعتّب علينا، ولا أن تكذّبنا في شيء به، فإن كنت ترى أنّا كذبناك في شيء وتقوّلنا عليك بالباطل، وادّعينا خلاف الحقّ، فتكلّم، وإلّا فاعلم أنّك وأباك من شرّ خلق الله، أمّا أبوك فقد كفانا الله قتله وتفرّد به، وأمّا أنت فإنّك في أيدينا نتخيّر فيك، والله، أن لو قتلناك ما كان في قتلك إثم عند الله، ولا عيب عند الناس.
ثمّ تكلّم عتبة بن أبي سفيان، فكان أوّل ما ابتدأ به أن قال: يا حسن، إنّ أباك كان شرّ قريش لقريش، أقطعه لأرحامها، وأسفكه لدمائها، وإنّك لمن قتلة عثمان، وإنّ في الحقّ أن نقتلك به، وإنّ عليك القود في كتاب الله عزّ وجلّ وإنّا قاتلوك به، فأمّا أبوك فقد تفرّد الله بقتله فكفاناه، وأمّا رجاؤك للخلافة فلست منها، لا في قدحة زندك، ولا في رجحة ميزانك ١ .
ثمّ تكلّم الوليد بن عقبة بن أبي معيط بنحو من كلام أصحابه، وقال: يا معاشر بني هاشم، كنتم أوّل من دبّ بعيب عثمان، وجمع الناس عليه، حتّى قتلتموه حرصاً على الملك، وقطيعة للرحم، واستهلاك الأمّة وسفك دمائها، حرصاً على الملك، وطلباً للدنيا الخسيسة وحبّاً لها، وكان عثمان خالكم، فنعم الخال كان لكم، وكان صهركم، فكان نعم الصهر لكم، قد كنتم أوّل من حسده وطعن عليه، ثمّ ولّيتم قتله، فكيف رأيتم صنع الله بكم؟
ثمّ تكلّم المغيرة بن شعبة، وكان كلامه وقوله كلّه وقوعاً في عليّ (عليه السلام)، ثمّ قال: يا حسن، إنّ عثمان قتل مظلوماً فلم يكن لأبيك في ذلك عذر بريء، ولا اعتذار مذنب، غير أنّا يا حسن، قد ظننّا لأبيك _ في ضمّه قتلته، وإيوائه لهم وذبّه عنهم _ أنّه بقتله راضٍ، وكان _ والله _ طويل السيف واللسان، يقتل الحيّ ويعيب الميّت، وبنو أميّة خير لبني هاشم من بني هاشم لبني أميّة، ومعاوية خير لك _ يا حسن _ منك لمعاوية.
وقد كان أبوك ناصب رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حياته، وأجلب عليه قبل موته وأراد قتله، فعلم ذلك من أمره رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثمّ كره أن يبايع أبابكر حتّى أتي به قوداً، ثمّ دسّ إليه فسقاه سمّاً فقتله، ثمّ نازع عمر حتّى همّ أن يضرب رقبته، فعمل في قتله، ثمّ طعن على عثمان حتّى قتله، كلّ هؤلاء قد شرك في دمهم، فأيّ منزلة له من الله يا حسن، وقد جعل الله السلطان لوليّ المقتول في كتابه المنزل، فمعاوية وليّ المقتول بغير حقّ، فكان من الحقّ لو قتلناك وأخاك، والله، ما دم عليّ بخطر من دم عثمان، وما كان الله ليجمع فيكم يا بني عبد المطّلب الملك والنبوّة، ثمّ سكت.
فتكلّم أبومحمّد الحسن بن عليّ (عليه السلام)، فقال: الحمد لله الذي هدى أوّلكم بأوّلنا، وآخركم بآخرنا، وصلّى الله على سيّدنا محمّد النبيّ وآله وسلّم، ثمّ قال: اسمعوا منّي مقالتي، وأعيروني فهمكم، وبك أبدء يا معاوية.
ثمّ قال لمعاوية: إنّه لعمر الله يا أزرق، ما شتمني غيرك وما هؤلاء شتموني، ولا سبّني غيرك وما هؤلاء سبّوني، ولكن شتمتني وسببتني فحشاً منك، وسوء رأي، وبغياً وعدواناً وحسداً علينا، وعداوة لمحمّد (صلى الله عليه وآله) قديماً وحديثاً. وإنّه _ والله _ لو كنت أنا وهؤلاء يا أزرق، مثاورين في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحولنا المهاجرون والأنصار، ما قدروا أن يتكلّموا بمثل ما تكلّموا به، ولا استقبلوني بما استقبلوني به، فاسمعوا منّي أيّها الملأ المجتمعون المعاونون عليّ، ولا تكتموا حقّاً علمتموه، ولا تصدّقوا بباطل نطقت به، وسأبدء بك يا معاوية، فلا أقول فيك إلّا دون ما فيك.
أنشدكم بالله، هل تعلمون أنّ الرجل الذي شتمتموه صلّى القبلتين كلتيهما، وأنت تراهما جميعاً ضلالة، تعبد اللات والعزّى؟ وبايع البيعتين كلتيهما بيعة الرضوان وبيعة الفتح، وأنت يا معاوية، بالأولى كافر، وبالأخرى ناكث؟
ثمّ قال (عليه السلام): أنشدكم بالله، هل تعلمون أنّما أقول حقّاً إنّه لقيكم مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بدر ومعه راية النبيّ (صلى الله عليه وآله) ومعك يا معاوية، راية المشركين، تعبد اللات والعزّى، وترى حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمؤمنين فرضاً واجباً، ولقيكم يوم أحد ومعه راية النبيّ (صلى الله عليه وآله) ومعك يا معاوية، راية المشركين، ولقيكم يوم الأحزاب ومعه راية النبيّ (صلى الله عليه وآله) ومعك يا معاوية، راية المشركين؟ كلّ ذلك يفلج الله حجّته، ويحقّ دعوته، ويصدّق أحدوثته، وينصر رايته، وكلّ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) يرى عنه راضياً في المواطن كلّها.
ثمّ أنشدكم بالله، هل تعلمون أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) حاصر بني قريظة وبني النضير، ثمّ بعث عمر بن الخطّاب ومعه راية المهاجرين، وسعد بن معاذ ومعه راية الأنصار، فأمّا سعد بن معاذ فجرح وحمل جريحاً، وأمّا عمر فرجع وهو يجبّن أصحابه ويجبّنه أصحابه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، كرّار غير فرّار، ثمّ لا يرجع حتّى يفتح الله عليه، فتعرّض لها أبوبكر وعمر وغيرهما من المهاجرين والأنصار، وعليّ (عليه السلام) يومئذٍ أرمد شديد الرمد، فدعاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتفل في عينيه فبرأ من الرمد، فأعطاه الراية فمضى ولم يثن حتّى فتح الله عليه بمنّه وطوله، وأنت يومئذٍ بمكّة عدوّ لله ورسوله؟ فهل يسوّى بين رجل نصح لله ولرسوله، ورجل عادى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)؟ ثمّ أقسم بالله ما أسلم قلبك بعد، ولكنّ اللسان خائف، فهو يتكلّم بما ليس في القلب.
ثمّ أنشدكم بالله، أ تعلمون أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) استخلفه على المدينة في غزوة تبوك ولا سخطه ذلك ولا كرهه، وتكلّم فيه المنافقون، فقال: لا تخلّفني يا رسول الله، فإنّي لم أتخلّف عنك في غزوة قطّ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت وصيّي وخليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى، ثمّ أخذ بيد عليّ (عليه السلام) ثمّ قال: أيّها الناس، من تولّاني فقد تولّى الله، ومن تولّى عليّاً (عليه السلام) فقد تولّاني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع عليّاً (عليه السلام) فقد أطاعني، ومن أحبّني فقد أحبّ الله، ومن أحبّ عليّاً (عليه السلام) فقد أحبّني؟
ثمّ قال: أنشدكم بالله، أ تعلمون أنّ رسول الله قال في حجّة الوداع: أيّها الناس، إنّي قد تركت فيكم ما لم تضلّوا بعده: كتاب الله فأحلّوا حلاله، وحرّموا حرامه، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا آمنّا بما أنزل الله من الكتاب، وأحبّوا أهل بيتي وعترتي، ووالوا من والاهم، وانصروهم على من عاداهم، وإنّهما لم يزالا فيكم حتّى يردا عليّ الحوض يوم القيامة، ثمّ دعا _ وهو على المنبر _ عليّاً (عليه السلام) فاجتذبه بيده، فقال: اللّهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، اللّهمّ من عادى عليّاً (عليه السلام) فلا تجعل له في الأرض مقعداً، ولا في السماء مصعدًا، واجعله في أسفل درك من النار؟
أنشدكم بالله، أ تعلمون أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال له: أنت الذائد عن حوضي يوم القيامة، تذود عنه كما يذود أحدكم الغريبة من وسط إبله؟
أنشدكم بالله، أ تعلمون أنّه دخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي توفّي فيه، فبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال عليّ (عليه السلام): ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال (صلى الله عليه وآله): يبكيني أنّي أعلم أنّ لك في قلوب رجال من أمّتي ضغائن لا يبدونها حتّى أتولّى عنك؟
أنشدكم بالله، أ تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين حضرته الوفاة، واجتمع أهل بيته قال: اللّهمّ هؤلاء أهلي وعترتي، اللّهمّ وال من والاهم، وانصرهم على من عاداهم، وقال: إنّما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من دخل فيها نجا، ومن تخلّف عنها غرق.
أنشدكم بالله، أ تعلمون أنّ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد سلّموا عليه بالولاية في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحياته.
أنشدكم بالله، أ تعلمون أنّ عليّاً (عليه السلام) أوّل من حرّم الشهوات كلّها على نفسه من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأنزل اللهعزّ وجلّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُم وَلاَ تَعتَدُوا إِنَّ اللّهََ لاَ يُحِبُّ المُعتَدِينَ ۞ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللّهََ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤمِنُونَ﴾. وكان عنده علم المنايا، وعلم القضايا، وفصل الخطاب، ورسوخ العلم، ومنزل القرآن، وكان في رهط لا نعلمهم يتمّون عشرة نبّأهم الله أنّهم به مؤمنون، وأنتم في رهط قريب من عدّة أولئك لعنوا على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأشهد لكم وأشهد عليكم أنّكم لعناء الله على لسان نبيّه (صلى الله عليه وآله) كلّكم أهل البيت.
وأنشدكم بالله، هل تعلمون أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث إليك لتكتب لبني خزيمة حين أصابهم خالد بن الوليد، فانصرف إليه الرسول، فقال: هو يأكل، فأعاد الرسول إليك ثلاث مرّات، كلّ ذلك ينصرف الرسول ويقول: هو يأكل، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللّهمّ لا تشبع بطنه، فهي _ والله _ في نهمتك وأكلك إلى يوم القيامة؟
ثمّ قال: أنشدكم بالله، هل تعلمون أنّما أقول حقّاً إنّك يا معاوية، كنت تسوق بأبيك على جمل أحمر، ويقوده أخوك هذا القاعد، وهذا يوم الأحزاب، فلعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) الراكب والقائد والسائق، فكان أبوك الراكب، وأنت يا أزرق، السائق، وأخوك هذا القاعد القائد؟
ثمّ أنشدكم بالله، هل تعلمون أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعن أبا سفيان في سبعة مواطن:
أوّلهنّ: حين خرج من مكّة إلى المدينة وأبو سفيان جاء من الشام، فوقع فيه أبو سفيان فسبّه وأوعده وهمّ أن يبطش به، ثمّ صرفه اللهعزّ وجلّ عنه.
والثاني: يوم العير، حيث طردها أبو سفيان ليحرزها من رسول الله (صلى الله عليه وآله).
والثالث: يوم أحد، يوم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الله مولانا ولا مولى لكم، وقال أبو سفيان: لنا العزّى ولا لكم العزّى، فلعنه الله وملائكته ورسوله والمؤمنون أجمعون.
والرابع: يوم حنين، يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش وهوازن، وجاء عيينة بغطفان واليهود فردّهم اللهعزّ وجلّ بغيظهم لم ينالوا خيراً، هذا قول اللهعزّ وجلّ له في سورتين، في كلتيهما يسمّي أبا سفيان وأصحابه كفّاراً، وأنت يا معاوية، يومئذٍ مشرك على رأى أبيك بمكّة، وعليّ (عليه السلام) يومئذٍ مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى رأيه ودينه.
والخامس: قول اللهعزّ وجلّ: ﴿وَالهَديَ مَعكُوفًا أَن يَبلُغَ مَحِلَّهُ﴾، وصددت أنت وأبوك ومشركوا قريش رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلعنه الله لعنة شملته وذرّيّته إلى يوم القيامة.
والسادس: يوم الأحزاب، يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش، وجاء عيينة بن حصن بن بدر بغطفان، فلعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) القادة والأتباع والساقة إلى يوم القيامة، فقيل: يا رسول الله، أ ما في الأتباع مؤمن؟ فقال (صلى الله عليه وآله): لا تصيب اللعنة مؤمناً من الأتباع، وأمّا القادة فليس فيهم مؤمن ولا مجيب ولا ناجٍ.
والسابع: يوم الثنيّة، يوم شدّ على رسول الله اثنا عشر رجلاً سبعة منهم من بني أميّة، وخمسة من سائر قريش، فلعن الله تبارك وتعالی ورسوله (صلى الله عليه وآله) من حلّ الثنيّة غير النبيّ (صلى الله عليه وآله) وسائقه وقائده؟
ثمّ أنشدكم بالله، هل تعلمون أنّ أبا سفيان دخل على عثمان حين بويع في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ فقال: يا بن أخي، هل علينا من عين؟ فقال: لا، فقال أبو سفيان: تداولوا الخلافة فتيان بني أميّة، فوالذي نفس أبي سفيان بيده، ما من جنّة ولا نار؟
وأنشدكم بالله، أ تعلمون أنّ أبا سفيان أخذ بيد الحسين (عليه السلام) حين بويع عثمان وقال: يا بن أخي، اخرج معي إلى بقيع الغرقد، فخرج حتّى إذا توسّط القبور اجترّه فصاح بأعلى صوته: يا أهل القبور، الذي كنتم تقاتلونا عليه، صار بأيدينا وأنتم رميم؛ فقال الحسين بن عليّ (عليه السلام): قبّح الله شيبتك، وقبّح وجهك، ثمّ نتر يده وتركه، فلولا النعمان بن بشير أخذ بيده وردّه إلى المدينة لهلك، فهذا لك يا معاوية، فهل تستطيع أن تردّ علينا شيئاً؟
ومن لعنتك _ يا معاوية _ أنّ أباك أبا سفيان كان يهمّ أن يسلم، فبعثت إليه بشعر معروف مرويّ في قريش عندهم تنهاه عن الإسلام، وتصدّه. ومنها: أنّ عمر بن الخطّاب ولّاك الشام فخنت به، وولاّك عثمان فتربّصت به ريب المنون، ثمّ أعظم من ذلك أنّك قاتلت عليّاً (عليه السلام)، وقد عرفت سوابقه وفضله وعلمه، على أمر هو أولى به منك، ومن غيرك عند الله وعند الناس، ولا دنيّة بل أوطات الناس عشوة، وأرقت دماء خلق من خلق الله بخدعك وكيدك وتمويهك، فعل من لا يؤمن بالمعاد، ولا يخشى العقاب.
فلمّا بلغ الكتاب أجله صرت إلى شرّ مثوى، وعليّ (عليه السلام) إلى خير منقلب، والله لك بالمرصاد، فهذا لك يا معاوية خاصّة، وما أمسكت عنه من مساويك وعيوبك، فقد كرهت به التطويل.
وأمّا أنت يا عمرو بن عثمان، فلم تكن حقيقاً لحمقك أن تتّبع هذه الأمور، فإنّما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة: استمسكي، فإنّي أريد أن أنزل عنك، فقالت لها النخلة: ما شعرت بوقوعك، فكيف يشقّ عليّ نزولك؟ وإنّي _ والله _ ما شعرت أنّك تحسن أن تعادي لي فيشقّ عليّ ذلك، وإنّي لمجيبك في الذي قلت، إنّ سبّك عليّاً (عليه السلام)، أ بنقص في حسبه، أو تباعده من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أو بسوء بلاء في الإسلام، أو بجور في حكم، أو رغبة في الدنيا؟ فإن قلت واحدة منها فقد كذبت. وأمّا قولك: إنّ لكم فينا تسعة عشر دماً بقتلى مشركي بني أميّة ببدر، فإنّ الله ورسوله قتلهم، ولعمري، ليقتلنّ من بني هاشم تسعة عشر وثلاثة بعد تسعة عشر، ثمّ يقتل من بني أميّة تسعة عشر وتسعة عشر في موطن واحد، سوى ما قتل من بني أميّة لا يحصي عددهم إلّا الله.
إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إذا بلغ ولد الوزغ ثلاثين رجلاً أخذوا مال الله بينهم دولاً، وعباده خولاً، وكتابه دغلاً؛ فإذا بلغوا ثلاثمائة وعشراً حقّت عليهم اللعنة ولهم، فإذا بلغوا أربعمائة وخمسة وسبعين كان هلاكهم أسرع من لوك تمرة، فأقبل الحكم بن أبي العاص وهم في ذلك الذكر والكلام؛ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اخفضوا أصواتكم، فإنّ الوزغ يسمع، وذلك حين رآهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن يملك بعده منهم أمر هذه الأمّة _ يعني في المنام _ فساءه ذلك وشقّ عليه، فأنزل اللهعزّ وجلّ في كتابه: ﴿لَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ مِّن أَلفِ شَهرٍ﴾، فأشهد لكم وأشهد عليكم، ما سلطانكم بعد قتل عليّ (عليه السلام) إلّا ألف شهر التي أجّلها اللهعزّ وجلّ في كتابه.
وأمّا أنت يا عمرو بن العاص الشانئ اللعين الأبتر، فانّما أنت كلب، أوّل أمرك أمّك لبغيّة، وإنّك ولدت على فراش مشترك، فتحاكمت فيك رجال قريش، منهم: أبو سفيان بن حرب، والوليد بن المغيرة، وعثمان بن الحارث، والنضر بن الحارث بن كلدة، والعاص بن وائل، كلّهم يزعم أنّك ابنه، فغلبهم عليك من بين قريش ألأمهم حسباً، وأخبثهم منصباً، وأعظمهم بغية، ثمّ قمت خطيباً وقلت: أنا شانئ محمّد (صلى الله عليه وآله)، وقال العاص بن وائل: إنّ محمّداً (صلى الله عليه وآله) رجل أبتر لا ولد له، فلو قد مات انقطع ذكره، فأنزل الله تبارك وتعالى:
﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبتَرُ﴾، فكانت أمّك تمشي إلى عبد قيس لطلب البغية، تأتيهم في دورهم ورحالهم وبطون أوديتهم، ثمّ كنت في كلّ مشهد يشهد رسول الله عدوّه، أشدّهم له عداوة وأشدّهم له تكذيباً.
ثمّ كنت في أصحاب السفينة الذين أتوا النجاشي، والمهجر الخارج إلى الحبشة في الإشاطة ٢ بدم جعفر بن أبي طالب، وسائر المهاجرين إلى النجاشي، فحاق المكر السيّئ بك، وجعل جدّك الأسفل، وأبطل أمنيّتك، وخيّب سعيك، وأكذب أحدوثتك ﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفۡلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلۡعُلۡيَا﴾.
وأمّا قولك في عثمان، فأنت يا قليل الحياء والدين، ألهبت عليه ناراً، ثمّ هربت إلى فلسطين تتربّص به الدوائر، فلمّا أتتك خبر قتله حبست نفسك على معاوية، فبعته دينك يا خبيث، بدنيا غيرك، ولسنا نلومك على بغضنا، ولا نعاقبك على حبّنا، وأنت عدوّ لبني هاشم في الجاهلية والإسلام، وقد هجوت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسبعين بيتاً من شعر، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللّهمّ، إنّي لا أحسن الشعر ولا ينبغي لي أن أقوله، فالعن عمرو بن العاص بكلّ بيت ألف لعنة.
ثمّ أنت يا عمرو المؤثر دنيا غيرك على دينك، أهديت إلى النجاشي الهدايا، ورحلت إليه رحلتك الثانية، ولم تنهك الأولى عن الثانية، كلّ ذلك ترجع مغلولاً حسيراً تريد بذلك هلاك جعفر وأصحابه، فلمّا أخطأك ما رجوت وأمّلت أحلت على صاحبك عمّارة بن الوليد.
وأمّا أنت يا وليد بن عقبة، فوالله، ما ألومك أن تبغض عليّاً (عليه السلام) وقد جلّدك في الخمر ثمانين، وقتل أباك صبراً بيده يوم بدر، أم كيف تسبّه فقد سمّاه الله مؤمناً في عشر آيات من القرآن، وسمّاك فاسقاً، وهو قول اللهعزّ وجلّ: ﴿أَفَمَن كَانَ مُؤمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَستَوُونَ﴾، وقوله: ﴿إِن جَاءكُم فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَومًا بِجَهَالَةٍ فَتُصبِحُوا عَلَى مَا فَعَلتُم نَادِمِينَ﴾.
وما أنت وذكر قريش؟ وإنّما أنت ابن عليج من أهل صفورية يقال له ذكوان، وأمّا زعمك أنّا قتلنا عثمان، فوالله، ما استطاع طلحة والزبير وعائشة أن يقولوا ذلك لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فكيف تقوله أنت؟ ولو سألت أمّك من أبوك؟ إذ تركت ذكوان فألصقتك بعقبة بن أبي معيط، اكتست بذلك عند نفسها سناء ورفعة، مع ما أعدّ الله لك ولأبيك وأمّك من العار والخزى في الدنيا والآخرة، وما الله بظلّام للعبيد.
ثمّ أنت يا وليد _ والله _ أكبر في الميلاد ممّن تدّعي له النسب، فكيف تسبّ عليّاً (عليه السلام)؟ ولو اشتغلت بنفسك لبيّنت نسبك إلى أبيك لا إلى من تدّعي له، ولقد قالت لك أمّك: يا بنيّ، أبوك _ والله _ ألأم وأخبث من عقبة.
وأمّا أنت يا عتبة بن أبي سفيان، فوالله، ما أنت بحصيف فأجاوبك، ولا عاقل فأعاتبك، وما عندك خير یرجى، ولا شرّ يخشى، وما كنت ولو سببت عليّاً (عليه السلام) لأغار به عليك، لأنّك عندي لست بكفو لعبد عبد عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فأردّ عليك وأعاتبك، ولكنّ اللهعزّ وجلّ لك ولأبيك وأمّك وأخيك بالمرصاد، فأنت ذرّيّة آبائك الذين ذكرهم الله في القرآن فقال: ﴿عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ ۞ تَصلَى نَارًا حَامِيَةً ۞ تُسقَى مِن عَينٍ آنِيَةٍ﴾ إلى قوله: ﴿مِن جُوعٍ﴾، وأمّا وعيدك إيّاي بقتلي، فهلّا قتلت الذي وجدته على فراشك مع حليلتك وقد غلبك على فرجها، وشركك في ولدها، حتّى ألصق بك ولداً ليس لك؛ ويلاً لك، لو شغلت نفسك بطلب ثأرك منه كنت جديراً، وبذلك حريّاً، إذ تسوّمني القتل وتوعّدني به.
ولا ألومك أن تسبّ عليّاً (عليه السلام) وقد قتل أخاك مبارزة، واشترك هو وحمزة بن عبد المطّلب في قتل جدّك حتّى أصلاهما الله على أيديهما نار جهنّم، وأذاقهما العذاب الأليم، ونفي عمّك بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وأمّا رجائي الخلافة، فلعمر الله، لئن رجوتها فإنّ لي فيها لملتمساً، وما أنت بنظير أخيك ولا خليفة أبيك، لأنّ أخاك أكثر تمرّداً على الله، وأشدّ طلباً لإراقة دماء المسلمين، وطلب ما ليس له بأهل، يخادع الناس ويمكرهم، ﴿وَيَمۡكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ﴾، وأمّا قولك: إنّ عليّاً كان شرّ قريش لقريش، فو الله، ما حقّر مرحوماً، ولا قتل مظلوماً.
وأمّا أنت يا مغيرة بن شعبة، فانّك لله عدوّ، ولكتابه نابذ، ولنبيّه مكذّب، وأنت الزاني وقد وجب عليك الرجم، وشهد عليك العدول البررة الأتقياء، فأخّر رجمك، ودفع الحقّ بالباطل، والصدق بالأغاليط، وذلك لما أعدّ الله لك من العذاب الأليم والخزي في الحياة الدنيا: ﴿وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخزَى﴾.
وأنت ضربت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتّى أدميتها وألقت ما في بطنها استذلالاً منك لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومخالفة منك لأمره، وانتهاكاً لحرمته، وقد قال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت سيّدة نساء أهل الجنّة، والله، مصيرك إلى النار، وجاعل وبال ما نطقت به عليك.
فبأيّ الثلاثة سببت عليّاً (عليه السلام): أ نقصاً من حسبه، أم بعداً من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أم سوء بلاء في الإسلام، أم جوراً في حكم، أم رغبة في الدنيا، إن قلت بها فقد كذبت وكذّبك الناس، أ تزعم أنّ عليّاً (عليه السلام) قتل عثمان مظلوماً؟ فعليّ (عليه السلام) _ والله _ أتقى وأنقى من لائمه في ذلك، ولعمري، إن كان عليّاً (عليه السلام) قتل عثمان مظلوماً، فوالله، ما أنت من ذلك في شيء، فما نصرته حيّاً ولا تعصّبت له ميّتاً، وما زالت الطائف دارك، تتبّع البغايا وتحيي أمر الجاهلية، وتميت الإسلام حتّى كان في أمس ما كان.
وأمّا اعتراضك في بني هاشم وبني أميّة فهو ادّعاؤك إلى معاوية، وأمّا قولك في شأن الإمارة، وقول أصحابك في الملك الذي ملكتموه، فقد ملك فرعون مصر أربعمائة سنة وموسى وهارون (عليهما السلام) نبيّان مرسلان يلقيان ما يلقيان، وهو ملك الله يعطيه البرّ والفاجر، وقال اللهعزّ وجلّ: ﴿وَإِن أَدرِي لَعَلَّهُ فِتنَةٌ لَّكُم وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾، وقال: ﴿وَإِذَا أَرَدنَا أَن نُّهلِكَ قَريَةً أَمَرنَا مُترَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيهَا القَولُ فَدَمَّرنَاهَا تَدمِيرًا﴾.
ثمّ قام الحسن (عليه السلام) فنفض ثيابه، وهو يقول: ﴿الخَبِيثَاتُ لِلخَبِيثِينَ وَالخَبِيثُونَ لِلخَبِيثَاتِ﴾، هم _ والله _ يا معاوية، أنت وأصحابك هؤلاء وشيعتك، ﴿وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغفِرَةٌ وَرِزقٌ كَرِيمٌ﴾، هم عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأصحابه وشيعته.
ثمّ خرج وهو يقول: ذق وبال ما كسبت يداك وما جنيت، وما قد أعدّ الله لك ولهم من الخزي في الحياة الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة.
فقال معاوية لأصحابه: وأنتم فذوقوا وبال ما قد جنيتم، فقال له الوليد بن عقبة: والله، ما ذقنا إلّا كما ذقت، ولا اجترأ إلّا عليك، فقال معاوية: أ لم أقل لكم إنّكم لن تنتصفوا من الرجل؟ فهل أطعتموني أوّل مرّة أو انتصرتم من الرجل إذ فضحكم؟ والله، ما قام حتّى أظلم عليّ البيت، وهممت أن أسطو به، فليس فيكم خير اليوم ولا بعد اليوم.
وسمع مروان بن الحكم بما لقي معاوية وأصحابه المذكورون من الحسن بن عليّ (عليه السلام) فأتاهم فوجدهم عند معاوية في البيت، فسألهم ما الذي بلغني عن الحسن (عليه السلام) وزعله ٣ ؟ قالوا: قد كان ذلك، فقال لهم مروان: فهلّا أحضرتموني ذلك؟ فوالله، لأسبّنّه ولأسبّنّ أباه وأهل البيت سبّاً تغنّى به الإماء والعبيد.
فقال معاوية والقوم: لم يفتك شيء، وهم يعلمون من مروان بذر لسان وفحش، فقال مروان: فأرسل إليه يا معاوية، فأرسل معاوية إلى الحسن بن عليّ (عليه السلام) فلمّا جاءه الرسول قال له الحسن (عليه السلام): ما يريد هذا الطاغية منّي؟ والله، لئن أعاد الكلام لأوقرنّ مسامعه ما يبقى عليه عاره وشناره إلى يوم القيامة.
فأقبل الحسن (عليه السلام)، فلمّا أن جاءهم وجدهم بالمجلس على حالتهم التي تركهم فيها، غير أنّ مروان قد حضر معهم في هذا الوقت، فمشى الحسن (عليه السلام) حتّى جلس على السرير مع معاوية وعمرو بن العاص، ثمّ قال الحسن (عليه السلام) لمعاوية: لم أرسلت إليّ؟ قال: لست أنا أرسلت إليك، ولكن مروان الذي أرسل إليك، فقال مروان: أنت يا حسن، السبّاب رجال قريش؟ فقال (عليه السلام): وما الذي أردت؟ فقال: والله، لأسبّنّك وأباك وأهل بيتك سبّاً تغنّى به الإماء والعبيد.
فقال الحسن بن عليّ (عليه السلام): أمّا أنت يا مروان، فلست أنا سببتك ولا سببت أباك، ولكنّ اللهعزّ وجلّ لعنك ولعن أباك وأهل بيتك وذرّيّتك، وما خرج من صلب أبيك إلى يوم القيامة على لسان نبيّه محمّد (صلى الله عليه وآله)، والله يا مروان، ما تنكر أنت ولا أحد ممّن حضر هذه اللعنة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لك ولأبيك من قبلك، وما زادك الله يا مروان، بما خوّفك إلّا طغياناً كبيراً، صدق الله وصدق رسوله، يقول: ﴿وَالشَّجَرَةَ المَلعُونَةَ فِي القُرآنِ وَنُخَوِّفُهُم فَمَا يَزِيدُهُم إِلَّا طُغيَانًا كَبِيرًا﴾، وأنت يا مروان، وذرّيّتك الشجرة الملعونة في القرآن عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فوثب معاوية فوضع يده على فم الحسن (عليه السلام) وقال: يا أبا محمّد، ما كنت فحّاشاً، فنفض الحسن (عليه السلام) ثوبه وقام وخرج، فتفرّق القوم عن المجلس بغيظ وحزن وسواد الوجوه.
المصدر الأصلي: الاحتجاج
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٧۰-٨٦
(١) قوله: «لا في قدحة زندك»، «القدحة» _ بالكسر: اسم من اقتداح النار، و _ بالفتح: للمرّة، وهي كناية عن التدبير في الملك واستخراج الأمور بالنظر؛ و«رجحة الميزان»: كناية عن كونه أفضل من غيره في الكمالات. راجع: بحار الأنوار، ج٤٤، ص٨٦.
(٢) «الإشاطة»: الإهلاك. لسان العرب، ج٧، ص٣٣٨.
(٣) «الزَّعَل»: النَّشاط. لسان العرب، ج١١، ص٣۰٣.
(٢) «الإشاطة»: الإهلاك. لسان العرب، ج٧، ص٣٣٨.
(٣) «الزَّعَل»: النَّشاط. لسان العرب، ج١١، ص٣۰٣.
الحديث: ٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٤٩٠
مرّ الحسن بن عليّ (عليه السلام) في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحلقة فيها قوم من بني أميّة فتغامزوا به، وذلك عند ما تغلّب معاوية على ظاهر أمره فرآهم وتغامزهم به، فصلّى ركعتين ثمّ قال: قد رأيت تغامزكم، أما والله، لا تملكون يوماً إلّا ملكنا يومين، ولا شهراً إلّا ملكنا شهرين، ولا سنة إلّا ملكنا سنتين، وإنّا لنأكل في سلطانكم ونشرب ونلبس وننكح ونركب، وأنتم لا تأكلون في سلطاننا ولا تشربون ولا تنكحون، فقال له رجل: فكيف يكون ذلك يا أبا محمّد؟ وأنتم أجود الناس وأرأفهم وأرحمهم، تأمنون في سلطان القوم، ولا يأمنون في سلطانكم؟ فقال (عليه السلام): لأنّهم عادونا بكيد الشيطان، وكيد الشيطان ضعيف، وعاديناهم بكيد الله وكيد الله شديد.
المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٩۰
الحديث: ٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٤٩١
طلب زياد رجلاً من أصحاب الحسن (عليه السلام) ممّن كان في كتاب الأمان، فكتب إليه الحسن (عليه السلام): من الحسن بن عليّ إلى زياد، أمّا بعد، فقد علمت ما كنّا أخذنا من الأمان لأصحابنا، وقد ذكر لي فلان أنّك تعرّضت له، فأحبّ أن لا تتعرّض له إلّا بخير، والسلام.
فلمّا أتاه الكتاب وذلك بعد أن ادّعاه معاوية، غضب حيث لم ينسبه إلى أبي سفيان، فكتب إليه: من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن، أمّا بعد، فإنّه أتاني كتابك في فاسق يؤويه الفسّاق من شيعتك وشيعة أبيك، وأيم الله، لأطلبنّه بين جلدك ولحمك، وإنّ أحبّ الناس إليّ لحماً أنا آكله للحم أنت منه، والسلام.
فلمّا قرأ الحسن (عليه السلام) الكتاب بعث به إلى معاوية، فلمّا قرأه غضب وكتب: من معاوية بن أبي سفيان إلى زياد، أمّا بعد، فإنّ لك رأيين: رأياً من أبي سفيان ورأياً من سميّة، فأمّا رأيك من أبي سفيان فحلم وحزم، وأمّا رأيك من سميّة فما يكون من مثلها؟ إنّ الحسن بن عليّ كتب إليّ أنّك عرضت لصاحبه، فلا تعرّض له، فإنّي لم أجعل لك عليه سبيلاً.
المصدر الأصلي: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدید
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤٤
، ص٩٢-٩٣