- جواهر البحار
- » تتمة كتاب الطهارة
- » أحاديث في ذكر الصابرين والصابرات
قال معاوية بن قرّة: كان أبو طلحة يحبّ ابنه حبّاً شديداً، فمرض فخافت أمّ سليم على أبي طلحة الجزع حين قرب موت الولد، فبعثته إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم). فلمّا خرج أبو طلحة من داره توفّي الولد، فسجّته أمّ سليم بثوب، وعزلته في ناحية من البيت، ثمّ تقدّمت إلى أهل بيتها وقالت لهم: لا تخبروا أبا طلحة بشيء، ثمّ أنّها صنعت طعاماً ثمّ مسّت شيئاً من الطيب، فجاء أبو طلحة من عند الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: ما فعل ابني؟ فقالت له: هدأت نفسه، ثمّ قال: هل لنا ما نأكل؟ فقامت فقرّبت إليه الطعام، ثمّ تعرّضت له، فوقع عليها، فلمّا اطمأنّ قالت له: يا أبا طلحة، أ تغضب من وديعة كانت عندنا فرددناها إلى أهلها؟ فقال: سبحان الله، لا، فقالت: ابنك كان عندنا وديعةً فقبضه الله تعالی، فقال أبو طلحة: فأنا أحقّ بالصبر منك، ثمّ قام من مكانه فاغتسل وصلّى ركعتين ثمّ انطلق إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره بصنيعها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فبارك الله لكما في وقعتكما، ثمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الحمد لله الذي جعل في أمّتي مثل صابرة بني إسرائيل … .
قال أنس بن مالك: دخلنا على رجل من الأنصار وهو مريض، فلم نبرح حتّى قضى، فبسطنا عليه ثوباً وأمّ له عجوز كبيرة عند رأسه، فقلنا لها: يا هذه، احتسبي مصيبتك على الله عزّ وجلّ، فقالت: ومات ابني؟ قلنا: نعم، قالت: حقّاً تقولون؟ قلنا: نعم، فمدّت يدها فقالت: اللّهمّ، إنّك تعلم أنّي أسلمت لك، وهاجرت إلى رسولك رجاء أن تعينني عند كلّ شدّة ورخاء، فلا تحمل عليّ هذه المصيبة اليوم، فكشف الثوب عن وجهه ثمّ ما برحنا حتّى طعمنا معه.
قال الشهید (رحمه الله): وهذا الدعاء من المرأة _ رحمها الله _ إدلال على الله، واستيناس منه يقع للمحبّين كثيراً فيقبل دعاءهم، وإن كان في التذكير بنحو ذلك ما يظهر منه قلّة الأدب لو وقع من غيرهم، ولذلك بحث طويل وشواهد من الكتاب والسنّة يخرج ذكره عن مناسبة المقام. (ص١٥١-١٥٢)
قال يونس (عليه السلام) لجبرئیل: دلّني على أعبد أهل الأرض، فدلّه على رجل قد قطع الجذام يديه ورجليه، وذهب ببصره وسمعه، وهو يقول: متّعتني بها ما شئت، وسلبتني ما شئت، وأبقيت لي فيك الأمل، يا برّ يا وصول.
مرّ عيسى (عليه السلام) برجل أعمى أبرص مقعد ١ ، مضروب الجنبين بالفالج، وقد تناثر لحمه من الجذام، وهو يقول: «الحمد لله الذي عافاني ممّا ابتلى به كثيراً من خلقه»، فقال له عيسى (عليه السلام): يا هذا، وأيّ شيء من البلاء أراه مصروفاً عنك؟ فقال: يا روح الله، أنا خير ممّن لم يجعل الله في قلبه ما جعل في قلبي من معرفته، فقال له: صدقت، هات يدك، فناوله يده، فإذا هو أحسن الناس وجهاً وأفضلهم هيئة، قد أذهب الله عنه ما كان به، فصحب عيسى (عليه السلام) وتعبّد معه.
كان لسليمان بن داود (عليه السلام) ابن يحبّه حبّاً شديداً، فمات فحزن عليه حزناً شديداً، فبعث الله عزّ وجلّ إليه ملكين في هيئة البشر، فقال: ما أنتما؟ قالا: خصمان، قال: اجلسا بمجلس الخصوم، فقال أحدهما: إنّي زرعت زرعاً فأتى هذا فأفسده، فقال سليمان (عليه السلام): ما يقول هذا؟ قال: أصلحك الله، إنّه زرع في الطريق، وإنّي مررت فنظرت يميناً وشمالاً فإذا الزرع، فركبت قارعة الطريق، وكان في ذلك فساد زرعه، فقال سليمان (عليه السلام): ما حملك على أن تزرع في الطريق؟ أ ما علمت أنّ الطريق سبيل الناس، ولا بدّ للناس من أن يسلكوا سبيلهم، فقال له أحد الملكين: أ وما علمت _ يا سليمان _ أنّ الموت سبيل الناس، ولا بدّ للناس أن يسلكوا سبيلهم؟ فكأنّما كشف عن سليمان (عليه السلام) الغطاء، ولم يجزع على ولده بعد ذلك.
روي أنّه كان بمكّة مقعدان كان لهما ابن شابّ، فكان إذا أصبح نقلهما فأتى بهما المسجد، فكان يكتسب عليهما يومه، فإذا كان المساء احتملهما فأقبل بهما، فافتقده النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فسأل عنه، فقيل له: مات، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لو ترك أحد لأحد ترك ابن المقعدين.