- جواهر البحار
- » تتمة كتاب الإيمان والكفر
- » أحاديث في حبّ الله تعالى
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): أحبّوا الله لما يغذوكم به من نعمة، وأحبّوني لحبّ الله عزّ وجلّ، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي.
قال الصادق (عليه السلام): كان فيما ناجى الله عزّ وجلّ به موسى بن عمران (عليه السلام) أن قال له: يا بن عمران، كذب من زعم أنّه يحبّني، فإذا جنّه الليل نام عنّي، أ ليس كلّ محبّ يحبّ خلوة حبيبه؟! ها أنا ذا يا بن عمران، مطّلع على أحبّائي، إذا جنّهم الليل حوّلت أبصارهم من قلوبهم، ومثّلت عقوبتي بين أعينهم، يخاطبونّي عن المشاهدة، ويكلّمونّي عن الحضور، يا بن عمران، هب لي من قلبك الخشوع، ومن بدنك الخضوع، ومن عينك الدموع في ظلم الليل، وادعني، فإنّك تجدني قريباً مجيباً.
قال الصادق (عليه السلام): ما أحبّ الله عزّ وجلّ من عصاه، ثمّ تمثّل فقال:
تعصي الإله وأنت تظهر
حبّه هذا محال في الفعال بديع
لو كان حبّك صادقاً لأطعته
إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع
قيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله، علّمني شيئاً إذا أنا فعلته أحبّني الله من السماء وأحبّني الناس من الأرض، فقال (صلى الله عليه وآله) له: ارغب فيما عند الله عزّ وجلّ، يحبّك الله، وازهد فيما عند الناس، يحبّك الناس.
قال الصادق (عليه السلام): خمسة لا ينامون: الهامّ بدم يسفكه، وذو مال كثير لا أمين له، والقائل في الناس الزور والبهتان عن عرض من الدنيا يناله، والمأخوذ بالمال الكثير ولا مال له، والمحبّ حبيباً يتوقّع فراقه.
قال الصادق (عليه السلام): إنّ الناس يعبدون الله عزّ وجلّ على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبة إلى ثوابه، فتلك عبادة الحرصاء وهو الطمع، وآخرون يعبدونه خوفاً من النار، فتلك عبادة العبيد وهي الرهبة، ولكنّي أعبده حبّاً له، فتلك عبادة الكرام وهو الأمن، لقوله تعالى: ﴿وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهََ فَاتَّبِعُوني يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾، فمن أحبّ الله عزّ وجلّ أحبّه الله، ومن أحبّه الله عزّ وجلّ كان من الآمنين.
قال عليّ (عليه السلام): من أراد منكم أن يعلم كيف منزلته عند الله، فلينظر كيف منزلة الله منه عند الذنوب، كذلك منزلته عند الله تبارك وتعالى.
قال الباقر (عليه السلام): إنّ الله تبارك وتعالى يقول: ابن آدم، تطوّلت عليك بثلاثة: سترت عليك ما لو يعلم به أهلك ما واروك، وأوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدّم خيراً، وجعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم تقدّم خيراً
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): من لم يعلم فضل نعم الله عليه إلّا في مطعمه ومشربه، فقد قصر علمه ودنا عذابه.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): قد أوحى إليّ ربّي جلّ وتعالى أن أذكّركم بأنعمه، وأنذركم بما أفيض عليكم من كتابه، وتلا: ﴿وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ﴾، ثمّ قال (صلى الله عليه وآله) لهم: قولوا الآن قولكم، ما أوّل نعمة رغبكم الله فيها وبلاكم بها؟ فخاض القوم جميعاً، فذكروا نعم الله التي أنعم عليهم، وأحسن إليهم بها من المعاش والرياش والذرّيّة والأزواج، إلى سائر ما بلاهم الله عزّ وجلّ به من أنعمه الظاهرة.
فلمّا أمسك القوم أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على عليّ (عليه السلام)، فقال: يا أبا الحسن قل، فقد قال أصحابك، فقال (عليه السلام): وكيف لي بالقول؟ فداك أبي وأمّي، وإنّما هدانا الله بك، قال (صلى الله عليه وآله): ومع ذلك فهات.
قل ما أوّل نعمة بلاك الله عزّ وجلّ وأنعم عليك بها؟ قال (عليه السلام): أن خلقني جلّ ثناؤه ولم أك شيئاً مذكوراً.
قال (صلى الله عليه وآله): صدقت، فما الثانية؟ قال (عليه السلام): أن أحسن بي، إذ خلقني فجعلني حيّاً لا مواتاً.
قال (صلى الله عليه وآله): صدقت، فما الثالثة؟ قال (عليه السلام): أن أنشأني فله الحمد في أحسن صورة وأعدل تركيب.
قال (صلى الله عليه وآله): صدقت، فما الرابعة؟ قال (عليه السلام): أن جعلني متفكّراً واعياً لا بلهاً ساهياً.
قال (صلى الله عليه وآله): صدقت، فما الخامسة؟ قال (عليه السلام): أن جعل لي شواعر أدرك ما ابتغيت بها، وجعل لي سراجاً منيراً.
قال (صلى الله عليه وآله): صدقت، فما السادسة؟ قال (عليه السلام): أن هداني لدينه ولم يضلّني عن سبيله.
قال (صلى الله عليه وآله): صدقت، فما السابعة؟ قال (عليه السلام): أن جعل لي مردّاً في حياة لا انقطاع لها.
قال (صلى الله عليه وآله): صدقت، فما الثامنة؟ قال (عليه السلام): أن جعلني ملكاً مالكاً لا مملوكاً.
قال (صلى الله عليه وآله): صدقت، فما التاسعة؟ قال (عليه السلام): أن سخّر لي سماءه وأرضه وما فيهما وما بينهما من خلقه.
قال (صلى الله عليه وآله): صدقت، فما العاشرة؟ قال (عليه السلام): أن جعلنا سبحانه ذكراناً قوّاماً على حلائلنا لا إناثاً.
قال (صلى الله عليه وآله): صدقت، فما بعد هذا؟ قال (عليه السلام): كثرت نعم الله _ يا نبيّ الله _ فطابت، ﴿وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها﴾.
فتبسّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: لتهنك الحكمة، ليهنك العلم يا أبا الحسن، فأنت وارث علمي، والمبيّن لأمّتي ما اختلفت فيه من بعدي، من أحبّك لدينك وأخذ بسبيلك، فهو ممّن هدي إلى صراط مستقيم، ومن رغب عن هداك وأبغضك وتخلّاك، لقي الله يوم القيامة لا خلاق له.
قال الباقر (عليه السلام): أوحى الله تعالی إلى موسى (عليه السلام): أحببني وحبّبني إلى خلقي، قال موسى: يا ربّ، إنّك لتعلم أنّه ليس أحد أحبّ إليّ منك، فكيف لي بقلوب العباد؟ فأوحى الله إليه: فذكّرهم نعمتي وآلائي، فإنّهم لا يذكرون منّي إلّا خيراً.
قال الصادق (عليه السلام): حبّ الله إذا أضاء على سرّ عبد أخلاه عن كلّ شاغل، وكلّ ذكر سوى الله عند ظلمة، والمحبّ أخلص الناس سرّاً لله، وأصدقهم قولاً، وأوفاهم عهداً، وأزكاهم عملاً، وأصفاهم ذكراً، وأعبدهم نفساً، تتباهى الملائكة عند مناجاته وتفتخر برؤيته، وبه يعمر الله تعالى بلاده، وبكرامته يكرم عباده، يعطيهم إذا سألوا بحقّه، ويدفع عنهم البلايا برحمته، فلو علم الخلق ما محلّه عند الله ومنزلته لديه، ما تقرّبوا إلى الله إلّا بتراب قدميه.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): حبّ الله نار لا يمرّ على شيء إلّا احترق، ونور الله لا يطلع على شيء إلّا أضاء، وسحاب الله ما يظهر من تحته شيء إلّا غطّاه، وريح الله
ما تهبّ في شيء إلّا حرّكته، وماء الله يحيا به كلّ شيء، وأرض الله ينبت منها كلّ شيء، فمن أحبّ الله أعطاه كلّ شيء من المال والملك.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): إذا أحبّ الله عبداً من أمّتي، قذف في قلوب أصفيائه وأرواح ملائكته وسكّان عرشه محبّته ليحبّوه، فذلك المحبّ حقّاً، طوبى له ثمّ طوبى له، وله عند الله شفاعة يوم القيامة.
قال الصادق (عليه السلام): المشتاق لا يشتهي طعاماً، ولا يلتذّ بشراب، ولا يستطيب رقاداً، ولا يأنس حميماً، ولا يأوي داراً، ولا يسكن عمراناً، ولا يلبس ليّناً، ولا يقرّ قراراً، ويعبد الله ليلاً ونهاراً، راجياً أن يصير إلى ما اشتاق إليه، ويناجيه بلسان شوقه معبّراً عمّا في سريرته، كما أخبر الله عزّ وجلّ عن موسى (عليه السلام) في ميعاد ربّه بقوله: ﴿وَ عَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى﴾، فسّر النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن حاله: أنّه لا أكل ولا شرب ولا نام ولا اشتهى شيئاً من ذلك في ذهابه ومجيئه أربعين يوماً، شوقاً إلى الله عزّ وجلّ، فإذا دخلت ميدان الشوق فكـبّر على نفسك ومرادك من الدنيا، وودّع جميع المألوفات، وأحرم عن سوى معشوقك …
و مثل المشتاق مثل الغريق، ليس له همّة إلّا خلاصه، وقد نسي كلّ شيء دونه.
قال الصادق (عليه السلام): لا يمحّض رجل الإيمان بالله، حتّى يكون الله أحبّ إليه من نفسه وأبيه وأمّه وولده وأهله وماله، ومن الناس كلّهم.
قال الصادق (عليه السلام): إنّ أولي الألباب الذين عملوا بالفكرة، حتّى ورثوا منه حبّ الله، فإنّ حبّ الله إذا ورثه القلب واستضاء به أسرع إليه اللطف، فإذا نزل اللطف صار من أهل الفوائد.
فإذا صار من أهل الفوائد تكلّم بالحكمة، وإذا تكلّم بالحكمة، صار صاحب فطنة، فإذا نزل منزلة الفطنة عمل في القدرة، فإذا عمل في القدرة عرف الأطباق السبعة، فإذا بلغ هذه المنزلة صار يتقلّب في فكر بلطف وحكمة وبيان، فإذا بلغ هذه المنزلة جعل شهوته ومحبّته في خالقه.
فإذا فعل ذلك نزل المنزلة الكبرى، فعاين ربّه في قلبه، وورث الحكمة بغير ما ورثه الحكماء، وورث العلم بغير ما ورثه العلماء، وورث الصدق بغير ما ورثه الصدّيقون.
إنّ الحكماء ورثوا الحكمة بالصمت، وإنّ العلماء ورثوا العلم بالطلب، وإنّ الصدّيقين ورثوا الصدق بالخشوع وطول العبادة، فمن أخذه بهذه المسيرة إمّا أن يسفل وإمّا أن يرفع، وأكثرهم الذي يسفل ولا يرفع، إذا لم يرع حقّ الله ولم يعمل بما أمر به، فهذه صفة من لم يعرف الله حقّ معرفته ولم يحبّه حقّ محبّته، فلا يغرّنّك صلاتهم وصيامهم ورواياتهم وعلومهم، فإنّهم حمر مستنفرة.
قال عليّ (عليه السلام): من أحبّ أن يعلم كيف منزلته عند الله، فلينظر كيف منزلة الله عنده، فإنّ كلّ من خيّر له أمران: أمر الدنيا وأمر الآخرة، فاختار أمر الآخرة على الدنيا، فذلك الذي يحبّ الله، ومن اختار أمر الدنيا فذلك الذي لا منزلة لله عنده.
قال الصادق (عليه السلام): القلب حرم الله، فلا تسكن حرم الله غير الله.
في أخبار داود (عليه السلام): يا داود، أبلغ أهل أرضي، أنّي حبيب من أحبّني، وجليس من جالسني، ومونس لمن أنس بذكري، وصاحب لمن صاحبني، ومختار لمن اختارني، ومطيع لمن أطاعني، ما أحبّني أحد أعلم ذلك يقيناً من قلبه إلّا قبلته لنفسي، وأحببته حبّاً لا يتقدّمه أحد من خلقي. من طلبني بالحقّ وجدني، ومن طلب غيري لم يجدني، فارفضوا يا أهل الأرض، ما أنتم عليه من غرورها، وهلمّوا إلى كرامتي ومصاحبتي ومجالستي ومؤانستي، وآنسوني أؤنسكم، وأسارع إلى محبّتكم.
وأوحى الله إلى بعض الصدّيقين: إنّ لي عباداً من عبيدي يحبّونّي وأحبّهم، ويشتاقون إليّ وأشتاق إليهم، ويذكرونّي وأذكرهم، فإن أخذت طريقهم أحببتك، وإن عدلت عنهم مقتّك، قال: يا ربّ، وما علامتهم؟ قال: يراعون الظلال بالنهار كما يراعي الشفيق غنمه، ويحنّون إلى غروب الشمس كما تحنّ الطير إلى أوكارها عند الغروب، فإذا جنّهم الليل، واختلط الظلام، وفرشت الفرش، ونصبت الأسرّة، وخلا كلّ حبيب بحبيبه، نصبوا إليّ أقدامهم، وافترشوا إليّ وجوههم، وناجوني بكلامي وتملّقوني بأنعامي، ما بين صارخ وباكٍ، وبين متأوّه وشاكٍ، وبين قائم وقاعد، وبين راكع وساجد، بعيني ما يتحمّلون من أجلي، وبسمعي ما يشكون من حبّي، أوّل ما أعطيهم ثلاثاً:
الأوّل: أقذف من نوري في قلوبهم، فيخبرون عنّي كما أُخبر عنهم.
والثاني: لو كانت السماوات والأرضون وما فيهما من مورايثهم لاستقللتها لهم.
والثالث: أقبل بوجهي عليهم، أ فترى من أقبلت عليه بوجهي يعلم أحد ما أريد أن أعطيه؟
قال موسى (عليه السلام): يا ربّ، أخبرني عن آية رضاك عن عبدك، فأوحى الله تعالی إليه: إذا رأيتني أهيّئ عبدي لطاعتي، وأصرفه عن معصيتي، فذلك آية رضاي.