وهذه أحاديث جليلة جمعها العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار، وقد اقتبس الشيخ حبيب الكاظمي بعض هذه الأحاديث وحذف أسانيدها مع مراعاة التبويب، فكانت جواهر البحار الذي بين يديك.
.
فهرس جواهر البحار
كتاب العقل والعلم والجهل
كتاب التوحيد
كتاب العدل والمعاد
كتاب الاحتجاج
كتاب النبوة
كتاب تاريخ نبينا (ص)
كتاب الإمامة
كتاب الفتن والمحن
كتاب تاريخ أميرالمؤمنين (ع)
كتاب تاريخ فاطمة والحسنين (ع)
كتاب تاريخ السجاد والباقر والصادق والكاظم (ع)
كتاب تاريخ الرضا والجواد والهادي والعسكري (ع)
كتاب تاريخ الحجة (عج)
كتاب السماء والعالم
كتاب الإيمان والكفر
كتاب العشرة
كتاب الآداب والسنن
كتاب الروضة
كتاب الطهارة
كتاب الصلاة
كتاب القرآن
كتاب الأدعية والأذكار
كتاب الزكاة والصدقة
كتاب الصوم
كتاب أعمال السنين والشهور
كتاب الحج والعمرة
كتاب الجهاد
كتاب المزار
كتاب العقود والإيقاعات
- جواهر البحار
- » تتمة كتاب الإيمان والكفر
- » أحاديث في حبّ الدنيا وذمّها
الحديث: ١
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٥٥
قال الصادق (عليه السلام): رأس كلّ خطيئة حبّ الدنيا.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٧
الحديث: ٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٥٦
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من لم يتعزّ بعزاء الله، تقطّعت نفسه حسرات على الدنيا، ومن أتبع بصره ما في أيدي الناس كثر همّه ولم يشف غيظه، ومن لم ير لله عزّ وجلّ عليه نعمة إلّا في مطعم أو مشرب أو ملبس، فقد قصر عمله ودنا عذابه.
بيــان:
«ومن أتبع نظره ما في أيدي الناس»، أي نظر إلى من هو فوقه من أهل الدنيا وما في أيديهم من نعيمها وزبرجها، نظر رغبة وتحسّر وتمنّ؛ «كثر همّه»: لعدم تيسّرها له، فيغتاظ لذلك ويحسدهم عليها، ولا يمكنه شفاء غيظه إلّا بأن يحصل له ممّا في أيديهم، أو يسلب الله عنهم جميع ذلك، ولا يتيسّر له شيء من الأمرين، فلا يشفى غيظه أبداً، ولا يتهنّأ له العيش ما رأى في نعمة أحداً، ولا يتفكّر في أنّه إنّما منعه الله تعالی ذلك لأنّه علم أنّه سبب هلاكه، فهو يتمنّى حالهم ولا يعلم حقيقة مآلهم كما حكى الله سبحانه عن قوم تمنّوا حال قارون حيث قالوا: <span id="mark"﴾﴿يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِىَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ۞ وَ قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيرٌ لِّمَنْ ءَامَنَ وَ عَمِلَ صَالِحًا وَ لَا يُلَقَّئهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾. فلمّا خسف الله به وبداره الأرض <span id="mark"﴾﴿وَ أَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكاَنَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللّهََ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَ يَقْدِرُ لَوْ لَا أَن مَّنَّ اللهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾، وانتفاء الخسف الظاهري بأهل الأموال والتجبّر من هذه الأمّة، لا يوجب انتهاء الخسف في دركات الشهوات النفسانية ومهاوي التعلّقات الجسمانية، والحرمان عن درجات القرب والكمال، وخسفهم في الآخرة في عظيم النكال وشديد الوبال، أعاذنا الله وساير المؤمنين من جميع ذلك، وسهّل لنا الوصول في الدارين إلى أحسن الأحوال.
«ومَن لم ير أنّ لله عليه نعمة إلّا في مطعم»، أي من توهّم أنّ نعمة الله عليه منحصرة في هذه النعم الظاهرة كالمطعم والمشرب والمسكن وأمثالها، فإذا فقدها أو شيئاً منها ظنّ أنّه ليس لله عليه نعمة فلا ينشط في طاعة الله، وإن عمل شيئاً
_ مع هذه العقيدة الفاسدة، وعدم معرفة منعمه _ لا ينفعه ولا يتقبّل منه، فيكون عمله قاصراً وعذابه دانياً، لأنّ هذه النعم الظاهرة حقيرة في جنب نعم الله العظيمة عليه من الإيمان والهداية والتوفيق والعقل والقوى الظاهرة والباطنة والصحّة ودفع شرّ الأعادي وغيرها بما لا يحصى، بل هذا الفقر أيضاً من أعظم نعم الله عليه <span id="mark"﴾﴿وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها﴾. (ص٨-٩)
«ومن أتبع نظره ما في أيدي الناس»، أي نظر إلى من هو فوقه من أهل الدنيا وما في أيديهم من نعيمها وزبرجها، نظر رغبة وتحسّر وتمنّ؛ «كثر همّه»: لعدم تيسّرها له، فيغتاظ لذلك ويحسدهم عليها، ولا يمكنه شفاء غيظه إلّا بأن يحصل له ممّا في أيديهم، أو يسلب الله عنهم جميع ذلك، ولا يتيسّر له شيء من الأمرين، فلا يشفى غيظه أبداً، ولا يتهنّأ له العيش ما رأى في نعمة أحداً، ولا يتفكّر في أنّه إنّما منعه الله تعالی ذلك لأنّه علم أنّه سبب هلاكه، فهو يتمنّى حالهم ولا يعلم حقيقة مآلهم كما حكى الله سبحانه عن قوم تمنّوا حال قارون حيث قالوا: <span id="mark"﴾﴿يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِىَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ۞ وَ قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيرٌ لِّمَنْ ءَامَنَ وَ عَمِلَ صَالِحًا وَ لَا يُلَقَّئهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾. فلمّا خسف الله به وبداره الأرض <span id="mark"﴾﴿وَ أَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكاَنَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللّهََ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَ يَقْدِرُ لَوْ لَا أَن مَّنَّ اللهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾، وانتفاء الخسف الظاهري بأهل الأموال والتجبّر من هذه الأمّة، لا يوجب انتهاء الخسف في دركات الشهوات النفسانية ومهاوي التعلّقات الجسمانية، والحرمان عن درجات القرب والكمال، وخسفهم في الآخرة في عظيم النكال وشديد الوبال، أعاذنا الله وساير المؤمنين من جميع ذلك، وسهّل لنا الوصول في الدارين إلى أحسن الأحوال.
«ومَن لم ير أنّ لله عليه نعمة إلّا في مطعم»، أي من توهّم أنّ نعمة الله عليه منحصرة في هذه النعم الظاهرة كالمطعم والمشرب والمسكن وأمثالها، فإذا فقدها أو شيئاً منها ظنّ أنّه ليس لله عليه نعمة فلا ينشط في طاعة الله، وإن عمل شيئاً
_ مع هذه العقيدة الفاسدة، وعدم معرفة منعمه _ لا ينفعه ولا يتقبّل منه، فيكون عمله قاصراً وعذابه دانياً، لأنّ هذه النعم الظاهرة حقيرة في جنب نعم الله العظيمة عليه من الإيمان والهداية والتوفيق والعقل والقوى الظاهرة والباطنة والصحّة ودفع شرّ الأعادي وغيرها بما لا يحصى، بل هذا الفقر أيضاً من أعظم نعم الله عليه <span id="mark"﴾﴿وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها﴾. (ص٨-٩)
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٧-٨
الحديث: ٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٥٧
قال الصادق (عليه السلام): مرّ عيسى ابن مريم (عليه السلام) على قرية قد مات أهلها وطيرها ودوابّها فقال: أما إنّهم لم يموتوا إلّا بسخطة، ولو ماتوا متفرّقين لتدافنوا، فقال الحواريون: يا روح الله وكلمته، ادع الله أن يحييهم لنا فيخبرونا ما كانت أعمالهم فنجتنبها، فدعا عيسى (عليه السلام) ربّه فنودي من الجوّ أن نادهم.
فقام عيسى (عليه السلام) بالليل على شرف من الأرض فقال: يا أهل هذه القرية، فأجابه منهم مجيب: لبّيك يا روح الله وكلمته، فقال: ويحكم، ما كانت أعمالكم؟ قال: عبادة الطاغوت وحبّ الدنيا، مع خوف قليل، وأمل بعيد، في غفلة ولهو ولعب، فقال: كيف كان حبّكم للدنيا؟ قال: كحبّ الصبيّ لأمّه، إذا أقبلت علينا فرحنا وسررنا، وإذا أدبرت عنّا بكينا وحزنّا، قال: كيف كانت عبادتكم للطاغوت؟ قال: الطاعة لأهل المعاصي.
بيــان:
قال الشیخ البهائي (رحمة الله عليه): لعلّك تظنّ أنّ ما تضمّنه هذا الحديث من أنّ الطاعة لأهل المعاصي عبادة لهم جارٍ على ضرب من التجوّز لا الحقيقة، وليس كذلك بل هو حقيقة، فإنّ العبادة ليست إلّا الخضوع والتذلّل والطاعة والانقياد، ولهذا جعل سبحانه اتّباع الهوى والانقياد إليه عبادة للهوى، فقال: ﴿أَ رَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ﴾ وجعل طاعة الشيطان عبادة له، فقال تعالی: ﴿أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَني آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ﴾.
وإذا كان اتّباع الغير والانقياد إليه عبادة له، فأكثر الخلق عند التحقيق مقيمون على عبادة أهواء نفوسهم الخسيسة الدنيّة، وشهواتهم البهيمية والسبعية على كثرة أنواعها واختلاف أجناسها، وهي أصنامهم التي هم عليها عاكفون، والأنداد التي هم لها من دون الله عابدون، وهذا هو الشرك الخفيّ، نسأل الله سبحانه أن يعصمنا عنه ويطّهر نفوسنا عنه، بمنّه وكرمه. (ص١٣)
قال الشیخ البهائي (رحمة الله عليه): لعلّك تظنّ أنّ ما تضمّنه هذا الحديث من أنّ الطاعة لأهل المعاصي عبادة لهم جارٍ على ضرب من التجوّز لا الحقيقة، وليس كذلك بل هو حقيقة، فإنّ العبادة ليست إلّا الخضوع والتذلّل والطاعة والانقياد، ولهذا جعل سبحانه اتّباع الهوى والانقياد إليه عبادة للهوى، فقال: ﴿أَ رَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ﴾ وجعل طاعة الشيطان عبادة له، فقال تعالی: ﴿أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَني آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ﴾.
وإذا كان اتّباع الغير والانقياد إليه عبادة له، فأكثر الخلق عند التحقيق مقيمون على عبادة أهواء نفوسهم الخسيسة الدنيّة، وشهواتهم البهيمية والسبعية على كثرة أنواعها واختلاف أجناسها، وهي أصنامهم التي هم عليها عاكفون، والأنداد التي هم لها من دون الله عابدون، وهذا هو الشرك الخفيّ، نسأل الله سبحانه أن يعصمنا عنه ويطّهر نفوسنا عنه، بمنّه وكرمه. (ص١٣)
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١۰
الحديث: ٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٥٨
قال الصادق (عليه السلام): ما فتح الله على عبد باباً من أمر الدنيا، إلّا فتح الله عليه من الحرص مثله.
بيــان:
يدلّ على زيادة الحرص بزيادة المال وغيره من مطلوبات الدنيا كما هو المجرّب.
يدلّ على زيادة الحرص بزيادة المال وغيره من مطلوبات الدنيا كما هو المجرّب.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١٦
الحديث: ٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٥٩
قال الصادق (عليه السلام): قال عيسى ابن مريم (عليه السلام): تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير عمل، ولا تعملون للآخرة وأنتم لا ترزقون فيها إلّا بالعمل، ويلكم علماء سوء، الأجر تأخذون، والعمل تضيّعون، يوشك ربّ العمل أن يقبل عمله، ويوشك أن تخرجوا من ضيق الدنيا إلى ظلمة القبر، كيف يكون من أهل العلم من هو في مسيره إلى آخرته، وهو مقبل على دنياه، وما يضرّه أحبّ إليه ممّا ينفعه؟
بيــان:
أريد بربّ العمل العابد الذي يقلّد أهل العلم في عبادته، أعني يعمل بما يأخذ عنهم، وفيه توبيخ لأهل العلم غير العامل.
أريد بربّ العمل العابد الذي يقلّد أهل العلم في عبادته، أعني يعمل بما يأخذ عنهم، وفيه توبيخ لأهل العلم غير العامل.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١٧
الحديث: ٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٦٠
قال الصادق (عليه السلام): من أصبح وأمسى والدنيا أكبر همّه، جعل الله تعالی الفقر بين عينيه، وشتّت أمره، ولم ينل من الدنيا إلّا ما قسّم له، ومن أصبح وأمسى والآخرة أكبر همّه، جعل الله تعالی الغنى في قلبه وجمع له أمره.
بيــان:
«أكبر همّه»، أي قصده أو حزنه؛ «جعل الله الفقر بين عينيه»، لأنّه كلّما يحصل له من الدنيا يزيد حرصه بقدر ذلك فيزيد احتياجه وفقره، أو لضعف توكّله على الله يسدّ الله عليه بعض أبواب رزقه، وقيل: فهو فقير في الآخرة لتقصيره فيما ينفعه فيها، وفي الدنيا لأنّه يطلبها شديداً، والغنيّ من لا يحتاج إلى الطلب، ولأنّ مطلوبه كثيراً ما يفوت عنه، والفقر عبارة عن فوات المطلوب، وأيضاً يبخل عن نفسه وعياله خوفاً من فوات الدنيا وهو فقر حاضر.
«وشتّت أمره»، التشتيت: التفريق، لأنّه لعدم توكّله على ربّه لا ينظر إلّا إلى الأسباب، ويتوسّل بكلّ سبب ووسيلة، فيتحيّر في أمره، ولا يدري وجه رزقه، ولا ينتظم أحواله، أو لشدّة حرصه لا يقنع بما حصل له، ويطلب الزيادة ولا يتيسّر له، فهو دائماً في السعي والطلب ولا ينتفع بشيء، وحمله على تفرّق أمر الآخرة بعيد. (ص١٧-١٨)
«أكبر همّه»، أي قصده أو حزنه؛ «جعل الله الفقر بين عينيه»، لأنّه كلّما يحصل له من الدنيا يزيد حرصه بقدر ذلك فيزيد احتياجه وفقره، أو لضعف توكّله على الله يسدّ الله عليه بعض أبواب رزقه، وقيل: فهو فقير في الآخرة لتقصيره فيما ينفعه فيها، وفي الدنيا لأنّه يطلبها شديداً، والغنيّ من لا يحتاج إلى الطلب، ولأنّ مطلوبه كثيراً ما يفوت عنه، والفقر عبارة عن فوات المطلوب، وأيضاً يبخل عن نفسه وعياله خوفاً من فوات الدنيا وهو فقر حاضر.
«وشتّت أمره»، التشتيت: التفريق، لأنّه لعدم توكّله على ربّه لا ينظر إلّا إلى الأسباب، ويتوسّل بكلّ سبب ووسيلة، فيتحيّر في أمره، ولا يدري وجه رزقه، ولا ينتظم أحواله، أو لشدّة حرصه لا يقنع بما حصل له، ويطلب الزيادة ولا يتيسّر له، فهو دائماً في السعي والطلب ولا ينتفع بشيء، وحمله على تفرّق أمر الآخرة بعيد. (ص١٧-١٨)
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١٧
الحديث: ٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٦١
قال الصادق (عليه السلام): أبعد ما يكون العبد من الله عزّ وجلّ، إذا لم يهمّه إلّا بطنه وفرجه.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١٨-١٩
الحديث: ٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٦٢
قال الصادق (عليه السلام): من كثر اشتباكه بالدنيا كان أشدّ لحسرته عند فراقها.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١٩
الحديث: ٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٦٣
سئل عليّ بن الحسين (عليه السلام): أيّ الأعمال أفضل عند الله؟ قال (عليه السلام): ما من عمل بعد معرفة الله عزّ وجلّ ومعرفة رسوله (صلى الله عليه وآله) أفضل من بغض الدنيا، فإنّ لذلك لشعباً كثيرة، وللمعاصي شعب: فأوّل ما عصي الله به الكبر، معصية إبليس حين ﴿أَبى وَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرينَ﴾، ثمّ الحرص وهي معصية آدم وحوّاء (عليهما السلام) حين قال الله عزّ وجلّ لهما: ﴿فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمينَ﴾ فأخذا ما لا حاجة بهما إليه، فدخل ذلك على ذرّيّتهما إلى يوم القيامة، وذلك أنّ أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه، ثمّ الحسد وهي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله، فتشعّب من ذلك: حبّ النساء، وحبّ الدنيا، وحبّ الرئاسة، وحبّ الراحة، وحبّ الكلام، وحبّ العلوّ والثروة، فصرن سبع خصال، فاجتمعن كلّهنّ في حبّ الدنيا، فقالت الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك: حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة، والدنيا دنياءان: دنيا بلاغ ودنيا ملعونة.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١٩-٢۰
الحديث: ١۰
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٦٤
قال الصادق (عليه السلام) في مناجاة موسى (عليه السلام): يا موسى، إنّ الدنيا دار عقوبة عاقبت فيها آدم (عليه السلام) عند خطيئته، وجعلتها ملعونة، ملعون ما فيها إلّا ما كان فيها لي، يا موسى، إنّ عبادي الصالحين زهدوا في الدنيا بقدر علمهم، وسائر الخلق رغبوا فيها بقدر جهلهم، وما من أحد عظّمها فقرّت عينه فيها، ولا يحقّرها أحد إلّا انتفع بها.
بيــان:
«ملعون ما فيها إلّا ما كان فيها لي»، أقول: هذا معيار كامل للدنيا الملعونة وغيرها، فكلّ ما كان في الدنيا ويوجب القرب إلى الله تعالی من المعارف والعلوم الحقّة والطاعات، وما يتوصّل به إليها من المعيشة بقدر الضرورة والكفاف فهي من الآخرة وليست من الدنيا، وكلّما يصير سبباً للبعد عن الله والاشتغال عن ذكره ويلهي عن درجات الآخرة وكمالاتها، وليس الغرض فيه القرب منه تعالی والوصول إلى رضاه فهي الدنيا الملعونة.
«ملعون ما فيها إلّا ما كان فيها لي»، أقول: هذا معيار كامل للدنيا الملعونة وغيرها، فكلّ ما كان في الدنيا ويوجب القرب إلى الله تعالی من المعارف والعلوم الحقّة والطاعات، وما يتوصّل به إليها من المعيشة بقدر الضرورة والكفاف فهي من الآخرة وليست من الدنيا، وكلّما يصير سبباً للبعد عن الله والاشتغال عن ذكره ويلهي عن درجات الآخرة وكمالاتها، وليس الغرض فيه القرب منه تعالی والوصول إلى رضاه فهي الدنيا الملعونة.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٢١
الحديث: ١١
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٦٥
قال الصادق (عليه السلام): إنّ الشيطان يدبّر ابن آدم في كلّ شيء، فإذا أعياه جثم له عند المال فأخذ برقبته.
بيــان:
الحاصل أنّ الشيطان يدبّر ابن آدم في كلّ شيء، أي يبعثه على ارتكاب كلّ ضلالة ومعصية، أو يكون معه ويلازمه عند عروض كلّ شبهة أو شهوة لعلّه يضلّه أو يزلّه؛ «فإذا أعياه» المستتر راجع إلى ابن آدم والبارز إلى الشيطان، أي لم يقبل منه، ولم يطعه حتّى أعياه، ترصّد له واختفى عند المال، فإذا أتى المال أخذ برقبته فأوقعه فيه بالحرام والشبهة.
والحاصل أنّ المال أعظم مصائد الشيطان، إذ قلّ من لم يفتتن به عند تيسّره له، وكأنّه محمول على الغالب، إذ قد يكون لا يفتتن بالمال ويفتتن بحبّ الجاه وبعض الشهوات الغالبة، وقيل: فإذا أعياه، أي أعجزه عن كلّ شهوة ولذّة، وذلك بأن يشيب كما ورد في حديث آخر: «يشيب ابن آدم ويشبّ فيه خصلتان: الحرص وطول الأمل».
الحاصل أنّ الشيطان يدبّر ابن آدم في كلّ شيء، أي يبعثه على ارتكاب كلّ ضلالة ومعصية، أو يكون معه ويلازمه عند عروض كلّ شبهة أو شهوة لعلّه يضلّه أو يزلّه؛ «فإذا أعياه» المستتر راجع إلى ابن آدم والبارز إلى الشيطان، أي لم يقبل منه، ولم يطعه حتّى أعياه، ترصّد له واختفى عند المال، فإذا أتى المال أخذ برقبته فأوقعه فيه بالحرام والشبهة.
والحاصل أنّ المال أعظم مصائد الشيطان، إذ قلّ من لم يفتتن به عند تيسّره له، وكأنّه محمول على الغالب، إذ قد يكون لا يفتتن بالمال ويفتتن بحبّ الجاه وبعض الشهوات الغالبة، وقيل: فإذا أعياه، أي أعجزه عن كلّ شهوة ولذّة، وذلك بأن يشيب كما ورد في حديث آخر: «يشيب ابن آدم ويشبّ فيه خصلتان: الحرص وطول الأمل».
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٢٢
الحديث: ١٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٦٦
قال الباقر (عليه السلام): مثل الحريص على الدنيا كمثل دودة القزّ، كلّما ازدادت من القزّ على نفسها لفّاً، كان أبعد لها من الخروج حتّى تموت غمّاً.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٢٣
الحديث: ١٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٦٧
قال الصادق (عليه السلام): أغنى الغنى من لم يكن للحرص أسيراً.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٢٣
الحديث: ١٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٦٨
قال الصادق (عليه السلام): لا تشعروا قلوبكم الاشتغال بما قد فات، فتشغلوا أذهانكم عن الاستعداد لما لم يأت.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٢٣
الحديث: ١٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٦٩
قال الصادق (عليه السلام): ما ذئبان ضاريان في غنم قد فارقها رعاؤها أحدهما في أوّلها والآخر في آخرها، بأفسد فيها من حبّ المال والثروة في دين المسلم.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٢٤
الحديث: ١٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٧٠
قال الصادق (عليه السلام): من تعلّق قلبه بالدنيا تعلّق قلبه بثلاث خصال: همّ لا يغني، وأمل لا يدرك، ورجاء لا ينال.
بيــان:
قال بعض المحقّقين: اعلم أنّ معرفة ذمّ الدنيا لا يكفيك ما لم تعرف الدنيا المذمومة ما هي؟ وما الذي ينبغي أن يجتنب وما الذي لا يجتنب؟ فلا بدّ أن نبيّن الدنيا المذمومة المأمور باجتنابها _ لكونها عدوّة قاطعة لطريق الله _ ما هي؟ فنقول: دنياك وآخرتك عبارة عن حالتين من أحوال قلبك، والقريب الداني منهما يسمّى دنيا وهي كلّ ما قبل الموت، والمتراخي المتأخّر يسمّى آخرة وهي ما بعد الموت، فكلّ ما لك فيه حظّ وغرض ونصيب وشهوة ولذّة في عاجل الحال قبل الوفاة فهي الدنيا في حقّك، إلّا أنّ جميع ما لك إليه ميل وفيه نصيب وحظّ فليس بمذموم، بل هي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأوّل: ما يصحبك في الدنيا ويبقى معك ثمرته بعد الموت، وهو شيئان: العلم والعمل فقط، وأعني بالعلم العلم بالله وصفاته وأفعاله وملائكته وكتبه ورسله، وملكوت أرضه وسمائه، والعلم بشريعة نبيّه، وأعني بالعمل العبادة الخالصة لوجه الله، وقد يأنس العالم بالعلم حتّى يصير ذلك ألذّ الأشياء عنده فيهجر النوم والمنكح والمشرب والمطعم في لذّته، لأنّه أشهى عنده من جميعها فقد صار حظّاً عاجلاً في الدنيا، ولكنّا إذا ذكرنا الدنيا المذمومة لم نعدّ هذا من الدنيا أصلاً، بل قلنا: إنّه من الآخرة، وكذلك العابد قد يأنس بعبادته ويستلذّها بحيث لو منعت عنه لكان ذلك أعظم العقوبات عليه، وهذا أيضاً ليس من الدنيا المذمومة.
الثاني: وهو المقابل للقسم الأوّل على الطرف الأقصى كلّ ما فيه حظّ عاجل ولا ثمرة له في الآخرة أصلاً، كالتلذّذ بالمعاصي والتنعّم بالمباحات الزائدة على قدر الضرورات والحاجات الداخلة في جملة الرفاهية والرعونات، كالتنعّم بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث والغلمان والجواري والخيول والمواشي والقصور، والدور المشيّدة ورفيع الثياب ولذائذ الأطعمة، فحظّ العبد من هذه كلّها هي الدنيا المذمومة، وفيما يعدّ فضولاً وفي محلّ الحاجة نظر طويل.
الثالث: ... ولا يبقى مع العبد عند الموت إلّا ثلاث: صفاء القلب، وأنسه بذكر الله، وحبّه لله، وصفاء القلب لا يحصل إلّا بالكفّ عن شهوات الدنيا، والأنس لا يحصل إلّا بكثرة ذكر الله، والحبّ لا يحصل إلّا بالمعرفة، ولا تحصل المعرفة إلّا بدوام الفكر.
فهذه الثلاث هي المنجيات المسعدات بعد الموت، وهي الباقيات الصالحات، أمّا طهارة القلب عن شهوات الدنيا فهي من المنجيات، إذ تكون جنّة بين العبد وبين عذاب الله، وأمّا الأنس والحبّ فهما من المسعدات، وهما موصلان العبد إلى لذّة اللقاء والمشاهدة، وهذه السعادة تتعجّل عقيب الموت إلى أن يدخل الجنّة، فيصير القبر روضة من رياض الجنّة.
وكيف لا يكون كذلك؟ ولم يكن له إلّا محبوب واحد، وكانت العوائق تعوقه عن الأنس بدوام ذكره ومطالعة جماله، فارتفعت العوائق وأفلت من السجن وخلّي بينه وبين محبوبه، فقدم عليه مسروراً آمناً من العوائق آمناً من الفراق.
وكيف لا يكون محبّ الدنيا عند الموت معذّباً، ولم يكن له محبوب إلّا الدنيا وقد غصب منه؟ وحيل بينه وبينه، وسدّت عليه طرق الحيلة في الرجوع إليه، وليس الموت عدماً إنّما هو فراق لمحابّ الدنيا، وقدوم على الله تعالی.
فإذن سالك طريق الآخرة هو المواظب على أسباب هذه الصفات الثلاث، وهي الذكر والفكر والعمل الذي يحفظه من شهوات الدنيا، ويبغّض إليه ملاذّها ويقطعه عنها، وكلّ ذلك لا يمكن إلّا بصحّة البدن، وصحّة البدن لا تنال إلّا بالقوت والملبس والمسكن، ويحتاج كلّ واحد إلى أسباب.
فالقدر الذي لا بدّ منه من هذه الثلاثة، إذا أخذه العبد من الدنيا للآخرة لم يكن من أبناء الدنيا، وكانت الدنيا في حقّه مزرعة الآخرة، وإن أخذ ذلك على قصد التنعّم ولحظّ النفس، صار من أبناء الدنيا والراغبين في حظوظها، إلّا أنّ الرغبة في حظوظ الدنيا تنقسم إلى ما يعرّض صاحبه لعذاب الله في الآخرة، ويسمّى ذلك حراماً، وإلى ما يحول بينه وبين الدرجات العلى، ويعرّضه لطول الحساب، ويسمّى ذلك حلالاً.
والبصير يعلم أنّ طول الموقف في عرصات القيامة لأجل المحاسبة أيضاً عذاب، فمن نوقش في الحساب عذّب، فلذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «حلالها حساب وحرامها عقاب»، وقد قال (صلى الله عليه وآله) أيضاً: «حلالها عذاب»، إلّا أنّه عذاب أخفّ من عذاب الحرام، بل لو لم يكن الحساب لكان ما يفوت من الدرجات العلى في الجنّة، وما يرد على القلب من التحسّر على تفويتها بحظوظ حقيرة خسيسة لا بقاء لها، هو أيضاً عذاب، فالدنيا قليلها وكثيرها، حلالها وحرامها ملعونة إلّا ما أعان على تقوى الله، فإنّ ذلك القدر ليس من الدنيا.
وكلّ من كانت معرفته أقوى وأتقن، كان حذره من نعيم الدنيا أشدّ ولهذا زوى الله تعالی الدنيا عن نبيّنا (صلى الله عليه وآله)، فكان يطوي أيّاماً، وكان يشدّ الحجر على بطنه من الجوع، ولهذا سلّط الله البلاء والمحن على الأنبياء والأولياء ثمّ الأمثل فالأمثل، كلّ ذلك نظراً لهم وامتناناً عليهم، ليتوفّر من الآخرة حظّهم كما يمنع الوالد الشفيق ولده لذيذ الفواكه، ويلزمه ألم الفصد والحجامة شفقة عليه وحبّاً له، لا بخلاً به عليه، وقد عرفت بهذا أنّ كلّ ما ليس لله فهو للدنيا، وما هو لله فليس من الدنيا.
فإن قلت: فما الذي هو لله؟ فأقول: الأشياء ثلاثة أقسام:
منها: ما لا يتصوّر أن يكون لله، وهو الذي يعبّر عنه بالمعاصي والمحظورات وأنواع التنعّمات في المباحات، وهي الدنيا المحضة المذمومة، فهي الدنيا صورة ومعنىً.
ومنها: ما صورتها لله، ويمكن أن يجعل لغير الله، وهي ثلاثة: الفكر والذكر والكفّ عن الشهوات، فهذه الثلاث إذا جرت سرّاً ولم يكن عليها باعث سوى أمر الله واليوم الآخر، فهي لله وليست من الدنيا، وإن كان الغرض من النظر طلب العلم للشرف، وطلب القبول بين الخلق بإظهار المعرفة، أو كان الغرض من ترك الشهوة حفظ المال أو الحميّة لصحّة البدن أو الاشتهار بالزهد، فقد صار هذا من الدنيا بالمعنى، وإن كان يظنّ بصورتها أنّها لله.
ومنها: ما صورتها لحظّ النفس، ويمكن أن يجعل معناه لله، وذلك كالأكل والنكاح وكلّ ما لا يرتبط به بقاؤه وبقاء ولده، فإن كان القصد حظّ النفس فهو من الدنيا، وإن كان القصد الاستعانة على التقوى فهو لله بمعناه وإن كان صورته صورة الدنيا، قال (صلى الله عليه وآله): «من طلب من الدنيا حلالاً مكاثراً مفاخراً لقي الله وهو عليه غضبان، ومن طلبها استعفافاً عن المسألة، وصيانة لنفسه، جاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر» ...
ثمّ قال: اعلم أنّ الدنيا عبارة من أعيان موجودة، وللإنسان فيها حظّ وله في إصلاحها شغل، فهذه ثلاثة أمور قد يظنّ أنّ الدنيا عبارة عن آحادها وليس كذلك، أمّا الأعيان الموجودة التي الدنيا عبارة عنها فهي الأرض وما عليها، قال الله تعالی: <span id="mark"﴾﴿إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ فالأرض فراش للآدميّين ومهاد ومسكن ومستقرّ، وما عليها لهم ملبس ومطعم ومشرب ومنكح ...
فهذه هي الأعيان التي يعبّر عنها بالدنيا وقد جمعها الله تعالی في قوله: <span id="mark"﴾﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنينَ﴾ وهذا من الأنس <span id="mark"﴾﴿وَ الْقَناطيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ﴾ وهذا من الجواهر والمعادن وفيه تنبيه على غيرها من اللآلئ واليواقيت <span id="mark"﴾﴿وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْأَنْعامِ﴾ وهي البهائم والحيوانات <span id="mark"﴾﴿وَ الْحَرْثِ﴾ وهو النبات والزرع.
فهذه هي أعيان الدنيا، إلّا أنّ لها مع العبد علاقتين: علاقة مع القلب وهو حبّه لها وحظّه منها، وانصراف قلبه إليها حتّى تصير قلبه كالعبد أو المحبّ المستهتر بالدنيا، ويدخل في هذه العلاقة جميع صفات القلب المتعلّقة بالدنيا: كالكبر والغلّ والحسد والرياء والسمعة وسوء الظنّ والمداهنة وحبّ الثناء وحبّ التكاثر والتفاخر، فهذه هي الدنيا الباطنة، وأمّا الظاهرة: فهي الأعيان التي ذكرناها.
والعلاقة الثانية مع البدن وهو اشتغاله بإصلاح هذه الأعيان ليصلح لحظوظه وحظوظ غيره، وهي جملة الصناعات والحرف التي الخلق مشغولون بها، والخلق إنّما نسوا أنفسهم ومآلهم ومنقلبهم لهاتين العلاقتين: علاقة القلب بالحبّ، وعلاقة البدن بالشغل، ولو عرف ربّه وعرف نفسه وعرف حكمة الدنيا وسرّها، علم أنّ هذه الأعيان التي سمّيتها دنيا لم تخلق إلّا لعلف الدابّة التي تسير بها إلى الله تعالی، وأعني بالدابّة البدن، فإنّه لا يبقى إلّا بمطعم وملبس ومسكن كما لا يبقى الإبل في طريق الحجّ إلّا بعلف وماء وجلال.
ومثال العبد في نسيانه نفسه ومقصده مثال الحاجّ الذي يقف في منازل الطريق، ولا يزال يعلف الدابّة، ويتعهّدها، وينظّفها، ويكسوها ألوان الثياب، ويحمل إليها أنواع الحشيش، ويبرد لها الماء بالثلج حتّى تفوته القافلة، وهو غافل عن الحجّ وعن مرور القافلة وعن بقائه في البادية فريسة للسباع هو وناقته، والحاجّ البصير لا يهمّه من أمر الجمل إلّا القدر الذي يقوى به على المشي فيتعهّده وقلبه إلى الكعبة والحجّ، وإنّما يلتفت إلى الناقة بقدر الضرورة، فكذلك البصير في سفر الآخرة لا يشغل بتعهّد البدن إلّا بالضرورة، كما لا يدخل بيت الماء إلّا للضرورة، ولا فرق بين إدخال الطعام في البدن وبين إخراجه من البطن.
وأكثر ما شغل الناس عن الله البدن، فإنّ القوت ضروري وأمر الملبس والمسكن أهون، ولو عرفوا سبب الحاجة إلى هذه الأمور واقتصروا عليها لم تستغرقهم أشغال الدنيا، فإنّما استغرقتهم لجهلهم بالدنيا وحكمتها وحظوظهم منها، ولكنّهم جهلوا وغفلوا وتتابعت أشغال الدنيا واتّصلت بعضها ببعض، وتداعت إلى غير نهاية محدودة، فتاهوا في كثرة الأشغال ونسوا مقصودها ...
فهذه أشغال الخلق وهي معائشهم وشيء من هذه الحرف لا يمكن مباشرته إلّا بنوع تعلّم وتعب في الابتداء، وفي الناس من يغفل عن ذلك في الصبا فلا يشتغل به أو يمنعه مانع فيبقى عاجزاً، فيحتاج إلى أن يأكل ممّا سعى فيه غيره فتحدّث منه حرفتان خسيستان: اللصوصية والكدية، وللصوص أنواع ولهم حيل شتّى في ذلك.
وأمّا التكدّي فله أسباب مختلفة، فمنهم من يطلب ذلك بالتمسخر والمحاكاة والشعبذة والأفعال المضحكة، وقد يكون بالأشعار مع النغمة أو غيرها في المدح أو التعشّق أو غيرهما، أو تسليم ما يشبه العوض وليس بعوض، كبيع التعويذات والطلسمات، وكأصحاب القرعة والفال والزجر من المنجّمين، ويدخل في هذا الجنس الوعّاظ المتكدّون على رؤوس المنابر.
فهذه هي أشغال الخلق وأعمالهم التي أكبّوا عليها وجرّهم إلى ذلك كلّه الحاجة إلى القوت والكسوة، ولكن نسوا في أثناء ذلك أنفسهم ومقصودهم ومنقلبهم ومآلهم فضلّوا وتاهوا، وسبق إلى عقولهم الضعيفة بعد أن كدّرها زحمة أشغال الدنيا خيالات فاسدة، وانقسمت مذاهبهم، واختلفت آراؤهم على عدّة أوجه.
فطائفة غلب عليهم الجهل والغفلة، فلم ينفتح أعينهم للنظر إلى عاقبة أمرهم فقالوا: المقصود أن نعيش أيّاماً في الدنيا فنجهد حتّى نكسب القوت، ثمّ نأكل حتّى نقوى على الكسب، ثمّ نكتسب حتّى نأكل فيأكلون ليكسبوا، ويكسبون ليأكلوا، فهذه مذاهب الملّاحين والمتحرّفين، ومن ليس لهم تنعّم في الدنيا ولا قدم في الدين.
وطائفة أخرى زعموا أنّهم تفطّنوا للأمر، وهو أن ليس المقصود أن يشقى الإنسان ولا يتنعّم في الدنيا، بل السعادة في أن يقضي وطره من شهوات الدنيا، وهي شهوة البطن والفرج، فهؤلاء طائفة نسوا أنفسهم، وصرفوا همّهم إلى اتّباع النسوان، وجمع لذائذ الأطعمة، <span id="mark"﴾﴿يَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ﴾، ويظنّون أنّهم إذا نالوا ذلك فقد أدركوا غايات السعادات، فيشغلهم ذلك عن الله واليوم الآخر.
وطائفة ظنّوا أنّ السعادة في كثرة المال والاستغناء بكنز الكنوز، فأسهروا ليلهم ونهارهم في الجمع، فهم يتعبون في الأسفار طول الليل والنهار، ويتردّدون في الأعمال الشاقّة، ويكسبون ويجمعون ولا يأكلون إلّا قدر الضرورة شحّاً وبخلاً عليها أن تنقص، وهذه لذّتهم وفي ذلك دأبهم وحركتهم إلى أن يأتيهم الموت، فيبقى تحت الأرض، أو يظفر به من يأكله في الشهوات واللذّات، فيكون للجامع تعبها ووبالها، وللآكل لذّتها وحسابها، ثمّ إنّ الذين يجمعون ينظرون إلى أمثال ذلك في أشباههم وأمثالهم فلا يعتبرون.
وطائفة زعموا أنّ السعادة في حسن الاسم وانطلاق الألسن بالثناء والمدح بالتجمّل والمروّة، فهؤلاء يتعبون في كسب المعائش، ويضيّقون على أنفسهم في المطعم والمشرب، ويصرفون جميع مالهم إلى الملابس الحسنة والدوابّ النفيسة، ويزخرفون أبواب الدور، وما يقع عليه أبصار الناس، حتّى يقال: إنّه غنيّ وإنّه ذو ثروة، ويظنّون أنّ ذلك هو السعادة، فهمّتهم في ليلهم ونهارهم في تعهّد موقع نظر الناس.
وطائفة أخرى ظنّوا أنّ السعادة في الجاه والكرامة بين الناس وانقياد الخلق بالتواضع والتوقير، فصرفوا همّتهم إلى استجرار الناس إلى الطاعة بطلب الولاية، وتقلّد الأعمال السلطانية، لينفذوا أمرهم بها على طائفة من الناس، ويرون أنّهم إذا اتّسعت ولايتهم، وانقادت لهم رعاياهم فقد سعدوا سعادة عظيمة وأنّ ذلك غاية المطلب، وهذا أغلب الشهوات على قلوب المتغافلين من الناس، فهؤلاء شغلهم حبّ تواضع الناس لهم عن التواضع لله وعن عبادته وعن التفكّر في آخرتهم ومعادهم.
ووراء هذا طوائف يطول حصرها، تزيد على نيّف وسبعين فرقة كلّهم ضلّوا وأضلّوا عن سواء السبيل، وإنّما جرّهم إلى جميع ذلك حاجة المطعم والملبس والمسكن، فنسوا ما يراد له هذه الأمور الثلاثة والقدر الذي يكفي منها، وانجرّت بهم أوائل أسبابها إلى أواخرها، وتداعت لهم إلى مبادي لم يمكنهم الترقّي منها.
فمن عرف وجه الحاجة إلى هذه الأسباب والأشغال، وعرف غاية المقصود منها فلا يخوض في شغل وحرفة وعمل إلّا وهو عالم بمقصوده، وعالم بحظّه ونصيبه منه، وأنّ غاية مقصوده تعهّد بدنه بالقوّة والكسوة حتّى لا يهلك، وذلك إن سلك فيه سبيل التقليل اندفعت الأشغال، وفرِغ القلب، وغلب عليه ذكر الآخرة، وانصرفت الهمّة إلى الاستعداد له، وإن تعدّى به قدر الضرورة، كثرت الأشغال وتداعى البعض إلى البعض وتسلسل إلى غير نهاية، فتشعّب به الهموم، ومن تشعّب به الهموم في أودية الدنيا فلا يبال الله في أيّ وادٍ أهلكه.
فهذا شأن المنهمكين في أشغال الدنيا، وتنبّه لذلك طائفة فأعرضوا عن الدنيا، فحسدهم الشيطان، فلم يتركهم وأضلّهم في الإعراض أيضاً، حتّى انقسموا إلى طوائف: فظنّت طائفة أنّ الدنيا دار بلاء ومحنة، وأنّ الآخرة دار سعادة لكلّ من وصل إليها، سواء تعبّد في الدنيا أو لم يتعبّد، فرأوا أنّ الصواب في أن يقتلوا أنفسهم للخلاص من محنة الدنيا، وإليه ذهب طوائف من عبّاد الهند فهم يتهجّمون على النار ويقتلون أنفسهم بالإحراق، ويظنّون أنّ ذلك خلاص منهم من
سجن الدنيا.
وظنّت طائفة أخرى أنّ القتل لا يخلّص، بل لا بدّ أوّلاً من إماتة الصفات البشريّة، وقلعها عن النفس بالكلّية، وأنّ السعادة في قطع الشهوة والغضب، ثمّ أقبلوا على المجاهدة، فشدّوا على أنفسهم حتّى هلك بعضهم بشدّة الرياضة، وبعضهم فسد عقله وجنّ، وبعضهم مرض وانسدّت عليه طرق العبادة.
وبعضهم عجز عن قمع الصفات بالكلّية، فظنّ أنّ ما كلّفه الشرع محال، وأنّ الشرع تلبيس لا أصل له، فوقع في الإلحاد والزندقة، وظهر لبعضهم أنّ هذا التعب كلّه لله، وأنّ الله مستغنٍ عن عبادة العباد لا ينقصه عصيان عاصٍ، ولا يزيده عبادة عابد، فعادوا إلى الشهوات، وسلكوا مسلك الإباحة فطووا بساط الشرع والأحكام، وزعموا أنّ ذلك من صفاء توحيدهم، حيث اعتقدوا أنّ الله مستغنٍ عن
عبادة العباد.
وظنّ طائفة أخرى أنّ المقصود من العبادات المجاهدة حتّى يصل العبد بها إلى معرفة الله تعالی، فإذا حصلت المعرفة فقد وصل، وبعد الوصال يستغني عن الوسيلة والحيلة، فتركوا السعي والعبادة، وزعموا أنّه ارتفع محلّهم في معرفة الله سبحانه عن أن يمتحنوا بالتكاليف، وإنّما التكليف على عوامّ الخلق.
ووراء هذا مذاهب باطلة وضلالة هائلة وخيالات فاسدة، يطول إحصاؤها إلى أن يبلغ نيّفاً وسبعين فرقة، وإنّما الناجي منها فرقة واحدة وهي السالكة ما كان عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصحابه، وهو أن لا يتركوا الدنيا بالكلّية، ولا يقمع في الشهوات بالكلّية.
أمّا الدنيا فيأخذ منها قدر الزاد، وأمّا الشهوات فيقمع منها ما يخرج عن طاعة الشرع والعقل، فلا يتّبع كلّ شهوة، ولا يترك كلّ شهوة بل يتّبع العدل، ولا يترك كلّ شيء من الدنيا، ولا يطلب كلّ شيء من الدنيا، بل يعلم مقصود كلّ ما خلق من الدنيا، ويحفظه على حدّ مقصوده، فيأخذ من القوت ما يقوى به البدن على العبادة، ومن المسكن ما يحفظ به من اللصوص والحرّ والبرد ومن الكسوة كذلك، حتّى إذا فرغ القلب من شغل البدن أقبل على الله بكنه همّه، واشتغل بالذكر والفكر طول العمر، وبقي ملازماً لسياسة الشهوات، ومراقباً لها حتّى لا تجاوز حدود الورع والتقوى، ولا يعلم تفصيل ذلك إلّا بالاقتداء بالفرقة الناجية الذين صحّت عقائدهم، واتّبعوا الرسول (صلى الله عليه وآله) وأئمّة الهدى (عليهم السلام) في أقوالهم وأفعالهم، فإنّهم ما كانوا يأخذون الدنيا للدنيا بل للدين، وما كانوا يترهّبون ويهجرون الدنيا بالكلّية، وما كان لهم في الأمور تفريط ولا إفراط بل كانوا بين ذلك قواماً، وذلك هو العدل والوسط بين الطرفين، وهو أحبّ الأمور إلى الله تعالی والله المستعان. (ص٢٥-٣٦)
قال بعض المحقّقين: اعلم أنّ معرفة ذمّ الدنيا لا يكفيك ما لم تعرف الدنيا المذمومة ما هي؟ وما الذي ينبغي أن يجتنب وما الذي لا يجتنب؟ فلا بدّ أن نبيّن الدنيا المذمومة المأمور باجتنابها _ لكونها عدوّة قاطعة لطريق الله _ ما هي؟ فنقول: دنياك وآخرتك عبارة عن حالتين من أحوال قلبك، والقريب الداني منهما يسمّى دنيا وهي كلّ ما قبل الموت، والمتراخي المتأخّر يسمّى آخرة وهي ما بعد الموت، فكلّ ما لك فيه حظّ وغرض ونصيب وشهوة ولذّة في عاجل الحال قبل الوفاة فهي الدنيا في حقّك، إلّا أنّ جميع ما لك إليه ميل وفيه نصيب وحظّ فليس بمذموم، بل هي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأوّل: ما يصحبك في الدنيا ويبقى معك ثمرته بعد الموت، وهو شيئان: العلم والعمل فقط، وأعني بالعلم العلم بالله وصفاته وأفعاله وملائكته وكتبه ورسله، وملكوت أرضه وسمائه، والعلم بشريعة نبيّه، وأعني بالعمل العبادة الخالصة لوجه الله، وقد يأنس العالم بالعلم حتّى يصير ذلك ألذّ الأشياء عنده فيهجر النوم والمنكح والمشرب والمطعم في لذّته، لأنّه أشهى عنده من جميعها فقد صار حظّاً عاجلاً في الدنيا، ولكنّا إذا ذكرنا الدنيا المذمومة لم نعدّ هذا من الدنيا أصلاً، بل قلنا: إنّه من الآخرة، وكذلك العابد قد يأنس بعبادته ويستلذّها بحيث لو منعت عنه لكان ذلك أعظم العقوبات عليه، وهذا أيضاً ليس من الدنيا المذمومة.
الثاني: وهو المقابل للقسم الأوّل على الطرف الأقصى كلّ ما فيه حظّ عاجل ولا ثمرة له في الآخرة أصلاً، كالتلذّذ بالمعاصي والتنعّم بالمباحات الزائدة على قدر الضرورات والحاجات الداخلة في جملة الرفاهية والرعونات، كالتنعّم بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث والغلمان والجواري والخيول والمواشي والقصور، والدور المشيّدة ورفيع الثياب ولذائذ الأطعمة، فحظّ العبد من هذه كلّها هي الدنيا المذمومة، وفيما يعدّ فضولاً وفي محلّ الحاجة نظر طويل.
الثالث: ... ولا يبقى مع العبد عند الموت إلّا ثلاث: صفاء القلب، وأنسه بذكر الله، وحبّه لله، وصفاء القلب لا يحصل إلّا بالكفّ عن شهوات الدنيا، والأنس لا يحصل إلّا بكثرة ذكر الله، والحبّ لا يحصل إلّا بالمعرفة، ولا تحصل المعرفة إلّا بدوام الفكر.
فهذه الثلاث هي المنجيات المسعدات بعد الموت، وهي الباقيات الصالحات، أمّا طهارة القلب عن شهوات الدنيا فهي من المنجيات، إذ تكون جنّة بين العبد وبين عذاب الله، وأمّا الأنس والحبّ فهما من المسعدات، وهما موصلان العبد إلى لذّة اللقاء والمشاهدة، وهذه السعادة تتعجّل عقيب الموت إلى أن يدخل الجنّة، فيصير القبر روضة من رياض الجنّة.
وكيف لا يكون كذلك؟ ولم يكن له إلّا محبوب واحد، وكانت العوائق تعوقه عن الأنس بدوام ذكره ومطالعة جماله، فارتفعت العوائق وأفلت من السجن وخلّي بينه وبين محبوبه، فقدم عليه مسروراً آمناً من العوائق آمناً من الفراق.
وكيف لا يكون محبّ الدنيا عند الموت معذّباً، ولم يكن له محبوب إلّا الدنيا وقد غصب منه؟ وحيل بينه وبينه، وسدّت عليه طرق الحيلة في الرجوع إليه، وليس الموت عدماً إنّما هو فراق لمحابّ الدنيا، وقدوم على الله تعالی.
فإذن سالك طريق الآخرة هو المواظب على أسباب هذه الصفات الثلاث، وهي الذكر والفكر والعمل الذي يحفظه من شهوات الدنيا، ويبغّض إليه ملاذّها ويقطعه عنها، وكلّ ذلك لا يمكن إلّا بصحّة البدن، وصحّة البدن لا تنال إلّا بالقوت والملبس والمسكن، ويحتاج كلّ واحد إلى أسباب.
فالقدر الذي لا بدّ منه من هذه الثلاثة، إذا أخذه العبد من الدنيا للآخرة لم يكن من أبناء الدنيا، وكانت الدنيا في حقّه مزرعة الآخرة، وإن أخذ ذلك على قصد التنعّم ولحظّ النفس، صار من أبناء الدنيا والراغبين في حظوظها، إلّا أنّ الرغبة في حظوظ الدنيا تنقسم إلى ما يعرّض صاحبه لعذاب الله في الآخرة، ويسمّى ذلك حراماً، وإلى ما يحول بينه وبين الدرجات العلى، ويعرّضه لطول الحساب، ويسمّى ذلك حلالاً.
والبصير يعلم أنّ طول الموقف في عرصات القيامة لأجل المحاسبة أيضاً عذاب، فمن نوقش في الحساب عذّب، فلذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «حلالها حساب وحرامها عقاب»، وقد قال (صلى الله عليه وآله) أيضاً: «حلالها عذاب»، إلّا أنّه عذاب أخفّ من عذاب الحرام، بل لو لم يكن الحساب لكان ما يفوت من الدرجات العلى في الجنّة، وما يرد على القلب من التحسّر على تفويتها بحظوظ حقيرة خسيسة لا بقاء لها، هو أيضاً عذاب، فالدنيا قليلها وكثيرها، حلالها وحرامها ملعونة إلّا ما أعان على تقوى الله، فإنّ ذلك القدر ليس من الدنيا.
وكلّ من كانت معرفته أقوى وأتقن، كان حذره من نعيم الدنيا أشدّ ولهذا زوى الله تعالی الدنيا عن نبيّنا (صلى الله عليه وآله)، فكان يطوي أيّاماً، وكان يشدّ الحجر على بطنه من الجوع، ولهذا سلّط الله البلاء والمحن على الأنبياء والأولياء ثمّ الأمثل فالأمثل، كلّ ذلك نظراً لهم وامتناناً عليهم، ليتوفّر من الآخرة حظّهم كما يمنع الوالد الشفيق ولده لذيذ الفواكه، ويلزمه ألم الفصد والحجامة شفقة عليه وحبّاً له، لا بخلاً به عليه، وقد عرفت بهذا أنّ كلّ ما ليس لله فهو للدنيا، وما هو لله فليس من الدنيا.
فإن قلت: فما الذي هو لله؟ فأقول: الأشياء ثلاثة أقسام:
منها: ما لا يتصوّر أن يكون لله، وهو الذي يعبّر عنه بالمعاصي والمحظورات وأنواع التنعّمات في المباحات، وهي الدنيا المحضة المذمومة، فهي الدنيا صورة ومعنىً.
ومنها: ما صورتها لله، ويمكن أن يجعل لغير الله، وهي ثلاثة: الفكر والذكر والكفّ عن الشهوات، فهذه الثلاث إذا جرت سرّاً ولم يكن عليها باعث سوى أمر الله واليوم الآخر، فهي لله وليست من الدنيا، وإن كان الغرض من النظر طلب العلم للشرف، وطلب القبول بين الخلق بإظهار المعرفة، أو كان الغرض من ترك الشهوة حفظ المال أو الحميّة لصحّة البدن أو الاشتهار بالزهد، فقد صار هذا من الدنيا بالمعنى، وإن كان يظنّ بصورتها أنّها لله.
ومنها: ما صورتها لحظّ النفس، ويمكن أن يجعل معناه لله، وذلك كالأكل والنكاح وكلّ ما لا يرتبط به بقاؤه وبقاء ولده، فإن كان القصد حظّ النفس فهو من الدنيا، وإن كان القصد الاستعانة على التقوى فهو لله بمعناه وإن كان صورته صورة الدنيا، قال (صلى الله عليه وآله): «من طلب من الدنيا حلالاً مكاثراً مفاخراً لقي الله وهو عليه غضبان، ومن طلبها استعفافاً عن المسألة، وصيانة لنفسه، جاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر» ...
ثمّ قال: اعلم أنّ الدنيا عبارة من أعيان موجودة، وللإنسان فيها حظّ وله في إصلاحها شغل، فهذه ثلاثة أمور قد يظنّ أنّ الدنيا عبارة عن آحادها وليس كذلك، أمّا الأعيان الموجودة التي الدنيا عبارة عنها فهي الأرض وما عليها، قال الله تعالی: <span id="mark"﴾﴿إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ فالأرض فراش للآدميّين ومهاد ومسكن ومستقرّ، وما عليها لهم ملبس ومطعم ومشرب ومنكح ...
فهذه هي الأعيان التي يعبّر عنها بالدنيا وقد جمعها الله تعالی في قوله: <span id="mark"﴾﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنينَ﴾ وهذا من الأنس <span id="mark"﴾﴿وَ الْقَناطيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ﴾ وهذا من الجواهر والمعادن وفيه تنبيه على غيرها من اللآلئ واليواقيت <span id="mark"﴾﴿وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْأَنْعامِ﴾ وهي البهائم والحيوانات <span id="mark"﴾﴿وَ الْحَرْثِ﴾ وهو النبات والزرع.
فهذه هي أعيان الدنيا، إلّا أنّ لها مع العبد علاقتين: علاقة مع القلب وهو حبّه لها وحظّه منها، وانصراف قلبه إليها حتّى تصير قلبه كالعبد أو المحبّ المستهتر بالدنيا، ويدخل في هذه العلاقة جميع صفات القلب المتعلّقة بالدنيا: كالكبر والغلّ والحسد والرياء والسمعة وسوء الظنّ والمداهنة وحبّ الثناء وحبّ التكاثر والتفاخر، فهذه هي الدنيا الباطنة، وأمّا الظاهرة: فهي الأعيان التي ذكرناها.
والعلاقة الثانية مع البدن وهو اشتغاله بإصلاح هذه الأعيان ليصلح لحظوظه وحظوظ غيره، وهي جملة الصناعات والحرف التي الخلق مشغولون بها، والخلق إنّما نسوا أنفسهم ومآلهم ومنقلبهم لهاتين العلاقتين: علاقة القلب بالحبّ، وعلاقة البدن بالشغل، ولو عرف ربّه وعرف نفسه وعرف حكمة الدنيا وسرّها، علم أنّ هذه الأعيان التي سمّيتها دنيا لم تخلق إلّا لعلف الدابّة التي تسير بها إلى الله تعالی، وأعني بالدابّة البدن، فإنّه لا يبقى إلّا بمطعم وملبس ومسكن كما لا يبقى الإبل في طريق الحجّ إلّا بعلف وماء وجلال.
ومثال العبد في نسيانه نفسه ومقصده مثال الحاجّ الذي يقف في منازل الطريق، ولا يزال يعلف الدابّة، ويتعهّدها، وينظّفها، ويكسوها ألوان الثياب، ويحمل إليها أنواع الحشيش، ويبرد لها الماء بالثلج حتّى تفوته القافلة، وهو غافل عن الحجّ وعن مرور القافلة وعن بقائه في البادية فريسة للسباع هو وناقته، والحاجّ البصير لا يهمّه من أمر الجمل إلّا القدر الذي يقوى به على المشي فيتعهّده وقلبه إلى الكعبة والحجّ، وإنّما يلتفت إلى الناقة بقدر الضرورة، فكذلك البصير في سفر الآخرة لا يشغل بتعهّد البدن إلّا بالضرورة، كما لا يدخل بيت الماء إلّا للضرورة، ولا فرق بين إدخال الطعام في البدن وبين إخراجه من البطن.
وأكثر ما شغل الناس عن الله البدن، فإنّ القوت ضروري وأمر الملبس والمسكن أهون، ولو عرفوا سبب الحاجة إلى هذه الأمور واقتصروا عليها لم تستغرقهم أشغال الدنيا، فإنّما استغرقتهم لجهلهم بالدنيا وحكمتها وحظوظهم منها، ولكنّهم جهلوا وغفلوا وتتابعت أشغال الدنيا واتّصلت بعضها ببعض، وتداعت إلى غير نهاية محدودة، فتاهوا في كثرة الأشغال ونسوا مقصودها ...
فهذه أشغال الخلق وهي معائشهم وشيء من هذه الحرف لا يمكن مباشرته إلّا بنوع تعلّم وتعب في الابتداء، وفي الناس من يغفل عن ذلك في الصبا فلا يشتغل به أو يمنعه مانع فيبقى عاجزاً، فيحتاج إلى أن يأكل ممّا سعى فيه غيره فتحدّث منه حرفتان خسيستان: اللصوصية والكدية، وللصوص أنواع ولهم حيل شتّى في ذلك.
وأمّا التكدّي فله أسباب مختلفة، فمنهم من يطلب ذلك بالتمسخر والمحاكاة والشعبذة والأفعال المضحكة، وقد يكون بالأشعار مع النغمة أو غيرها في المدح أو التعشّق أو غيرهما، أو تسليم ما يشبه العوض وليس بعوض، كبيع التعويذات والطلسمات، وكأصحاب القرعة والفال والزجر من المنجّمين، ويدخل في هذا الجنس الوعّاظ المتكدّون على رؤوس المنابر.
فهذه هي أشغال الخلق وأعمالهم التي أكبّوا عليها وجرّهم إلى ذلك كلّه الحاجة إلى القوت والكسوة، ولكن نسوا في أثناء ذلك أنفسهم ومقصودهم ومنقلبهم ومآلهم فضلّوا وتاهوا، وسبق إلى عقولهم الضعيفة بعد أن كدّرها زحمة أشغال الدنيا خيالات فاسدة، وانقسمت مذاهبهم، واختلفت آراؤهم على عدّة أوجه.
فطائفة غلب عليهم الجهل والغفلة، فلم ينفتح أعينهم للنظر إلى عاقبة أمرهم فقالوا: المقصود أن نعيش أيّاماً في الدنيا فنجهد حتّى نكسب القوت، ثمّ نأكل حتّى نقوى على الكسب، ثمّ نكتسب حتّى نأكل فيأكلون ليكسبوا، ويكسبون ليأكلوا، فهذه مذاهب الملّاحين والمتحرّفين، ومن ليس لهم تنعّم في الدنيا ولا قدم في الدين.
وطائفة أخرى زعموا أنّهم تفطّنوا للأمر، وهو أن ليس المقصود أن يشقى الإنسان ولا يتنعّم في الدنيا، بل السعادة في أن يقضي وطره من شهوات الدنيا، وهي شهوة البطن والفرج، فهؤلاء طائفة نسوا أنفسهم، وصرفوا همّهم إلى اتّباع النسوان، وجمع لذائذ الأطعمة، <span id="mark"﴾﴿يَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ﴾، ويظنّون أنّهم إذا نالوا ذلك فقد أدركوا غايات السعادات، فيشغلهم ذلك عن الله واليوم الآخر.
وطائفة ظنّوا أنّ السعادة في كثرة المال والاستغناء بكنز الكنوز، فأسهروا ليلهم ونهارهم في الجمع، فهم يتعبون في الأسفار طول الليل والنهار، ويتردّدون في الأعمال الشاقّة، ويكسبون ويجمعون ولا يأكلون إلّا قدر الضرورة شحّاً وبخلاً عليها أن تنقص، وهذه لذّتهم وفي ذلك دأبهم وحركتهم إلى أن يأتيهم الموت، فيبقى تحت الأرض، أو يظفر به من يأكله في الشهوات واللذّات، فيكون للجامع تعبها ووبالها، وللآكل لذّتها وحسابها، ثمّ إنّ الذين يجمعون ينظرون إلى أمثال ذلك في أشباههم وأمثالهم فلا يعتبرون.
وطائفة زعموا أنّ السعادة في حسن الاسم وانطلاق الألسن بالثناء والمدح بالتجمّل والمروّة، فهؤلاء يتعبون في كسب المعائش، ويضيّقون على أنفسهم في المطعم والمشرب، ويصرفون جميع مالهم إلى الملابس الحسنة والدوابّ النفيسة، ويزخرفون أبواب الدور، وما يقع عليه أبصار الناس، حتّى يقال: إنّه غنيّ وإنّه ذو ثروة، ويظنّون أنّ ذلك هو السعادة، فهمّتهم في ليلهم ونهارهم في تعهّد موقع نظر الناس.
وطائفة أخرى ظنّوا أنّ السعادة في الجاه والكرامة بين الناس وانقياد الخلق بالتواضع والتوقير، فصرفوا همّتهم إلى استجرار الناس إلى الطاعة بطلب الولاية، وتقلّد الأعمال السلطانية، لينفذوا أمرهم بها على طائفة من الناس، ويرون أنّهم إذا اتّسعت ولايتهم، وانقادت لهم رعاياهم فقد سعدوا سعادة عظيمة وأنّ ذلك غاية المطلب، وهذا أغلب الشهوات على قلوب المتغافلين من الناس، فهؤلاء شغلهم حبّ تواضع الناس لهم عن التواضع لله وعن عبادته وعن التفكّر في آخرتهم ومعادهم.
ووراء هذا طوائف يطول حصرها، تزيد على نيّف وسبعين فرقة كلّهم ضلّوا وأضلّوا عن سواء السبيل، وإنّما جرّهم إلى جميع ذلك حاجة المطعم والملبس والمسكن، فنسوا ما يراد له هذه الأمور الثلاثة والقدر الذي يكفي منها، وانجرّت بهم أوائل أسبابها إلى أواخرها، وتداعت لهم إلى مبادي لم يمكنهم الترقّي منها.
فمن عرف وجه الحاجة إلى هذه الأسباب والأشغال، وعرف غاية المقصود منها فلا يخوض في شغل وحرفة وعمل إلّا وهو عالم بمقصوده، وعالم بحظّه ونصيبه منه، وأنّ غاية مقصوده تعهّد بدنه بالقوّة والكسوة حتّى لا يهلك، وذلك إن سلك فيه سبيل التقليل اندفعت الأشغال، وفرِغ القلب، وغلب عليه ذكر الآخرة، وانصرفت الهمّة إلى الاستعداد له، وإن تعدّى به قدر الضرورة، كثرت الأشغال وتداعى البعض إلى البعض وتسلسل إلى غير نهاية، فتشعّب به الهموم، ومن تشعّب به الهموم في أودية الدنيا فلا يبال الله في أيّ وادٍ أهلكه.
فهذا شأن المنهمكين في أشغال الدنيا، وتنبّه لذلك طائفة فأعرضوا عن الدنيا، فحسدهم الشيطان، فلم يتركهم وأضلّهم في الإعراض أيضاً، حتّى انقسموا إلى طوائف: فظنّت طائفة أنّ الدنيا دار بلاء ومحنة، وأنّ الآخرة دار سعادة لكلّ من وصل إليها، سواء تعبّد في الدنيا أو لم يتعبّد، فرأوا أنّ الصواب في أن يقتلوا أنفسهم للخلاص من محنة الدنيا، وإليه ذهب طوائف من عبّاد الهند فهم يتهجّمون على النار ويقتلون أنفسهم بالإحراق، ويظنّون أنّ ذلك خلاص منهم من
سجن الدنيا.
وظنّت طائفة أخرى أنّ القتل لا يخلّص، بل لا بدّ أوّلاً من إماتة الصفات البشريّة، وقلعها عن النفس بالكلّية، وأنّ السعادة في قطع الشهوة والغضب، ثمّ أقبلوا على المجاهدة، فشدّوا على أنفسهم حتّى هلك بعضهم بشدّة الرياضة، وبعضهم فسد عقله وجنّ، وبعضهم مرض وانسدّت عليه طرق العبادة.
وبعضهم عجز عن قمع الصفات بالكلّية، فظنّ أنّ ما كلّفه الشرع محال، وأنّ الشرع تلبيس لا أصل له، فوقع في الإلحاد والزندقة، وظهر لبعضهم أنّ هذا التعب كلّه لله، وأنّ الله مستغنٍ عن عبادة العباد لا ينقصه عصيان عاصٍ، ولا يزيده عبادة عابد، فعادوا إلى الشهوات، وسلكوا مسلك الإباحة فطووا بساط الشرع والأحكام، وزعموا أنّ ذلك من صفاء توحيدهم، حيث اعتقدوا أنّ الله مستغنٍ عن
عبادة العباد.
وظنّ طائفة أخرى أنّ المقصود من العبادات المجاهدة حتّى يصل العبد بها إلى معرفة الله تعالی، فإذا حصلت المعرفة فقد وصل، وبعد الوصال يستغني عن الوسيلة والحيلة، فتركوا السعي والعبادة، وزعموا أنّه ارتفع محلّهم في معرفة الله سبحانه عن أن يمتحنوا بالتكاليف، وإنّما التكليف على عوامّ الخلق.
ووراء هذا مذاهب باطلة وضلالة هائلة وخيالات فاسدة، يطول إحصاؤها إلى أن يبلغ نيّفاً وسبعين فرقة، وإنّما الناجي منها فرقة واحدة وهي السالكة ما كان عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصحابه، وهو أن لا يتركوا الدنيا بالكلّية، ولا يقمع في الشهوات بالكلّية.
أمّا الدنيا فيأخذ منها قدر الزاد، وأمّا الشهوات فيقمع منها ما يخرج عن طاعة الشرع والعقل، فلا يتّبع كلّ شهوة، ولا يترك كلّ شهوة بل يتّبع العدل، ولا يترك كلّ شيء من الدنيا، ولا يطلب كلّ شيء من الدنيا، بل يعلم مقصود كلّ ما خلق من الدنيا، ويحفظه على حدّ مقصوده، فيأخذ من القوت ما يقوى به البدن على العبادة، ومن المسكن ما يحفظ به من اللصوص والحرّ والبرد ومن الكسوة كذلك، حتّى إذا فرغ القلب من شغل البدن أقبل على الله بكنه همّه، واشتغل بالذكر والفكر طول العمر، وبقي ملازماً لسياسة الشهوات، ومراقباً لها حتّى لا تجاوز حدود الورع والتقوى، ولا يعلم تفصيل ذلك إلّا بالاقتداء بالفرقة الناجية الذين صحّت عقائدهم، واتّبعوا الرسول (صلى الله عليه وآله) وأئمّة الهدى (عليهم السلام) في أقوالهم وأفعالهم، فإنّهم ما كانوا يأخذون الدنيا للدنيا بل للدين، وما كانوا يترهّبون ويهجرون الدنيا بالكلّية، وما كان لهم في الأمور تفريط ولا إفراط بل كانوا بين ذلك قواماً، وذلك هو العدل والوسط بين الطرفين، وهو أحبّ الأمور إلى الله تعالی والله المستعان. (ص٢٥-٣٦)
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٢٤
الحديث: ١٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٧١
قال جابر الجعفي: دخلت على الباقر (عليه السلام) فقال: يا جابر، والله، إنّي لمحزون وإنّي لمشغول القلب، قلت: جعلت فداك، وما شغلك وما حزن قلبك؟ فقال (عليه السلام): يا جابر، إنّه من دخل قلبه صافي خالص دين الله، شغل قلبه عمّا سواه.
يا جابر، ما الدنيا وما عسى أن تكون الدنيا؟ هل هي إلّا طعام أكلته، أو ثوب لبسته، أو امرأة أصبتها؟
يا جابر، إنّ المؤمنين لم يطمئنّوا إلى الدنيا ببقائهم فيها، ولم يأمنوا قدومهم الآخرة.
يا جابر، الآخرة دار قرار والدنيا دار فناء وزوال، ولكنّ أهل الدنيا أهل غفلة، وكأنّ المؤمنين هم الفقهاء أهل فكرة وعبرة، لم يصمّهم عن ذكر الله ما سمعوا بآذانهم، ولم يعمهم عن ذكر الله ما رأوا من الزينة، ففازوا بثواب الآخرة كما فازوا بذلك العلم.
واعلم يا جابر، أنّ أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤونة، وأكثرهم لك معونة، تذكر فيعينونك، وإن نسيت ذكّروك، قوّالون بأمر الله، قوّامون على أمر الله، قطعوا محبّتهم بمحبّة ربّهم، ووحشوا الدنيا لطاعة مليكهم، ونظروا إلى الله تعالی وإلى محبّته بقلوبهم، وعلموا أنّ ذلك هو المنظور إليه لعظيم شأنه، فأنزل الدنيا كمنزل نزلته ثمّ ارتحلت عنه، أو كمال وجدته في منامك واستيقظت وليس معك منه شيء، إنّي إنّما ضربت لك هذا مثلاً لأنّها عند أهل اللبّ والعلم بالله كفيئ الظلال.
يا جابر، فاحفظ ما استرعاك الله من دينه وحكمته، ولا تسألنّ عمّا لك عنده إلّا ما له عند نفسك، فإن تكن الدنيا على غير ما وصفت لك، فتحوّل إلى دار المستعتب، فلعمري، لربّ حريص على أمر قد شقي به حين أتاه، ولربّ كاره لأمر قد سعد به حين أتاه، وذلك قول الله تعالی: ﴿وَ لِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ الْكافِرينَ﴾.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٣٦-٣٧
الحديث: ١٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٧٢
قال الصادق (عليه السلام): من زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه، وبصّره عيوب الدنيا داءها ودواءها، وأخرجه من الدنيا سالماً إلى دار السلام.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٤٨
الحديث: ١٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٧٣
روي أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) سأل جبرئيل (عليه السلام) عن تفسير الزهد، فقال جبرئيل (عليه السلام): الزاهد يحبّ من يحبّ خالقه، ويبغض من يبغض خالقه، ويتحرّج من حلال الدنيا، ولا يلتفت إلى حرامها، فإنّ حلالها حساب وحرامها عقاب، ويرحم جميع المسلمين كما يرحم نفسه، ويتحرّج من الكلام فيما لا يعنيه كما يتحرّج من الحرام، ويتحرّج من كثرة الأكل كما يتحرّج من الميتة التي قد اشتدّ نتنها، ويتحرّج من حطام الدنيا وزينتها كما يجتنب النار أن يغشاها، وأن يقصّر أمله وكان بين عينيه أجله.
المصدر الأصلي: معاني الأخبار
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٤٨
الحديث: ٢۰
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٧٤
قال الصادق (عليه السلام): جعل الخير كلّه في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا. قال الصادق (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا يجد الرجل حلاوة الإيمان في قلبه حتّى لا يبالي من أكل الدنيا»، ثمّ قال (عليه السلام): حرام على قلوبكم أن تعرف حلاوة الإيمان حتّى تزهد في الدنيا.
بيــان:
«جعل الخير كلّه»، لما كان الزهد في الدنيا سبباً لحصول جميع السعادات العلمية والعملية شبه تلك الكمالات بالأمتعة المخزونة في بيت والزهد بمفتاح ذلك البيت؛ «لا يجد الرجل» شبّه (صلى الله عليه وآله) الإيمان بشيء حلو في ميل الطبع السليم إليه وأثبت له الحلاوة على الاستعارة المكنيّة والتخييلية أو استعار لفظ الحلاوة لآثار الإيمان التي تلتذّ الروح بها؛ «حتّى لا يبالي من أكل الدنيا»، يحتمل أن يكون «مَن» اسم موصول و«أكل» فعلاً ماضياً وأن يكون «مِن» حرف جرّ و«أكل» مصدراً، فعلى الأوّل: المعنى: أنّه لا يعتني بشأن الدنيا بحيث لا يحسد أحداً عليها ولو كانت كلّها لقمة في فم كلب لم يغتمّ لذلك ولم ير ذلك له كثيراً، وعلى الثاني أيضاً يرجع إلى ذلك، أو المعنى: لا يعتني بأكل الدنيا والتصرّف فيها. (ص٤٩-٥۰)
«جعل الخير كلّه»، لما كان الزهد في الدنيا سبباً لحصول جميع السعادات العلمية والعملية شبه تلك الكمالات بالأمتعة المخزونة في بيت والزهد بمفتاح ذلك البيت؛ «لا يجد الرجل» شبّه (صلى الله عليه وآله) الإيمان بشيء حلو في ميل الطبع السليم إليه وأثبت له الحلاوة على الاستعارة المكنيّة والتخييلية أو استعار لفظ الحلاوة لآثار الإيمان التي تلتذّ الروح بها؛ «حتّى لا يبالي من أكل الدنيا»، يحتمل أن يكون «مَن» اسم موصول و«أكل» فعلاً ماضياً وأن يكون «مِن» حرف جرّ و«أكل» مصدراً، فعلى الأوّل: المعنى: أنّه لا يعتني بشأن الدنيا بحيث لا يحسد أحداً عليها ولو كانت كلّها لقمة في فم كلب لم يغتمّ لذلك ولم ير ذلك له كثيراً، وعلى الثاني أيضاً يرجع إلى ذلك، أو المعنى: لا يعتني بأكل الدنيا والتصرّف فيها. (ص٤٩-٥۰)
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٤٩
الحديث: ٢١
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٧٥
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ من أعون الأخلاق على الدين الزهد في الدنيا.
بيــان:
«إنّ من أعون الأخلاق»، وذلك لأنّ الاشتغال بالدنيا، وصرف الفكر في طرق تحصيلها، ووجه ضبطها، ورفع موانعها، مانع عظيم من تفرّغ القلب للأمور الدينية وتفكّره فيها، بل حبّها لا يجتمع مع حبّ الله تعالی وطاعته وطلب الآخرة، كما روي أنّ الدنيا والآخرة ضرّتان إذ الميل بأحدهما يضرّ بالآخر.
«إنّ من أعون الأخلاق»، وذلك لأنّ الاشتغال بالدنيا، وصرف الفكر في طرق تحصيلها، ووجه ضبطها، ورفع موانعها، مانع عظيم من تفرّغ القلب للأمور الدينية وتفكّره فيها، بل حبّها لا يجتمع مع حبّ الله تعالی وطاعته وطلب الآخرة، كما روي أنّ الدنيا والآخرة ضرّتان إذ الميل بأحدهما يضرّ بالآخر.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٥۰
الحديث: ٢٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٧٦
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الزهد كلّه بين كلمتين في القرآن، قال الله سبحانه: ﴿لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ﴾، فمن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه.
المصدر الأصلي: نهج البلاغة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٥٢
الحديث: ٢٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٧٧
قال الصادق (عليه السلام): كلّ قلب فيه شكّ أو شرك فهو ساقط، وإنّما أرادوا بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٥٢
الحديث: ٢٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٧٨
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ علامة الراغب في ثواب الآخرة زهده في عاجل زهرة الدنيا، أما إنّ زهد الزاهد في هذه الدنيا لا ينقصه ممّا قسم الله له عزّ وجلّ فيها وإن زهد، وإنّ حرص الحريص على عاجل زهرة الدنيا لا يزيده فيها وإن حرص، فالمغبون من حرم حظّه من الآخرة.
بيــان:
والحاصل أنّ الرزق لكلّ أحد مقدّر، وإن كان وصولها إليه مشروطاً بقدر من السعي على ما أمره الشارع من غير إفراط يمنعه عن الطاعات، ولا تقصير كثير بترك السعي مطلقاً، ولا مدخل لكثرة السعي في كثرة الرزق، فمن ترك الطاعات وارتكب المحرّمات في ذلك حرم ثواب الآخرة، ولا يزيد رزقه في الدنيا فهو مغبون، وهذا على القول بأنّ مقدار الرزق معيّن مقدّر ولا يزيد بالسعي ولا ينقص بتركه، وعلى القول بأنّ الرزق المقدّر الواجب على الله تعالی هو القدر الضروري ويزيد بالكسب بالسعي، فيحتاج الخبر إلى تأويل بعيد. (ص٥٣)
والحاصل أنّ الرزق لكلّ أحد مقدّر، وإن كان وصولها إليه مشروطاً بقدر من السعي على ما أمره الشارع من غير إفراط يمنعه عن الطاعات، ولا تقصير كثير بترك السعي مطلقاً، ولا مدخل لكثرة السعي في كثرة الرزق، فمن ترك الطاعات وارتكب المحرّمات في ذلك حرم ثواب الآخرة، ولا يزيد رزقه في الدنيا فهو مغبون، وهذا على القول بأنّ مقدار الرزق معيّن مقدّر ولا يزيد بالسعي ولا ينقص بتركه، وعلى القول بأنّ الرزق المقدّر الواجب على الله تعالی هو القدر الضروري ويزيد بالكسب بالسعي، فيحتاج الخبر إلى تأويل بعيد. (ص٥٣)
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٥٢
الحديث: ٢٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٧٩
قال الصادق (عليه السلام): مرّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بجدي ١ أسكّ ٢ ملقىً على مزبلة ميّتاً، فقال لأصحابه: كم يساوي هذا؟ فقالوا: لعلّه لو كان حيّاً لم يساو درهماً، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): والذي نفسي بيده، للدنيا أهون على الله من هذا الجدي على أهله.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٥٥
(١) «الْجَدْي»: من أولاد المعز، وهو ما بلغ ستّة أشهر أو سبعة. مجمع البحرين، ج١، ص٨١.
(٢) «الأَسَكّ»: مصطلم الأذنين ومقطوعهما. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج٢، ص٣٨٤.
(٢) «الأَسَكّ»: مصطلم الأذنين ومقطوعهما. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج٢، ص٣٨٤.
الحديث: ٢٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٨٠
قال الصادق (عليه السلام): إذا تخلّى المؤمن من الدنيا سما، ووجد حلاوة حبّ الله، وكان عند أهل الدنيا كأنّه قد خولط، وإنّما خالط القوم حلاوة حبّ الله، فلم يشتغلوا بغيره.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٥٦
الحديث: ٢٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٨١
قال الصادق (عليه السلام): إنّ القلب إذا صفا ضاقت به الأرض حتّى يسمو.
بيــان:
شبّه (عليه السلام) حصول الإيمان الكامل في القلب بحيث يظهر أثره في الجوارح بإدراك طعم شيء لذيذ مع أنّ اللذّات الروحانية أعظم من اللذّات الجسمانية.
«كأنّه قد خولط»، يقال: خولط فلان في قلبه إذا اختلّ عقله، فقوله: خولط بهذا المعنى وخالط بمعنى الممازجة، وهذا أعلى درجات المحبّين، حيث استقرّ حبّ الله تعالی في قلوبهم، وأخرج حبّ كلّ شيء غيره منها، فلا يلتفتون إلى غيره تعالی، ويتركون معاشرة عامّة الخلق لمباينة طوره أطوارهم، فهم يعدّونه سفيهاً مخالطاً كما نسبوا الأنبياء (عليهم السلام) إلى الجنون لذلك.
«إنّ القلب إذا صفا»، أي أنّ القلب أي الروح الإنساني لمّا كان من عالم الملكوت، وإنّما أهبط إلى هذا العالم الأدنى، أو ابتلي بالتعلّق بالبدن لتحصيل الكمالات، وحيازة السعادات _ كما أنّ الثوب قد يلوّث ببعض الكثافات ليصير بعد الغسل أشدّ بياضاً وأصفى ممّا كان _ فإذا اختار الشقاوة وتشبّث بهذه العلائق الجسمانية والشهوات الظلمانية، لحق بالأنعام بل هو أضلّ سبيلاً، وإن تمسّك بعروة الشريعة الحقّة وعمل بالنواميس الإلهية والرياضات البدنية حتّى انفتح له عين اليقين، فنظر إلى الدنيا ولذّاتها بتلك العين الصحيحة، رآها ضيّقة مظلمة فانية موحشة غدّارة غرّارة ملوّثة بأنواع النجاسات المعنوية والصفات الدنيّة، استوحش منها وتذكّر عالمه الأصلي فرغب إليها وتعلّق بها فجانب المتعلّقين بهذا العالم وآنس بالمتعلّقين بالملأ الأعلى، فلحق بهم وضاقت به الأرض وصارت همّته رفيعة عالية، فلم يرض إلّا بالصعود إلى سدرة المنتهى وجنّة المأوى، فهم مع كونهم بين الخلق أرواحهم معلّقة بالملأ الأعلى، ويستسعدون بقرب المولى.
أو يقال: لمّا كانت الأرض أعظم أجزاء الإنسان، وكانت قواه الظاهرة والباطنة مائلة إليها بالطبع لكمال النسبة بينهما، كانت الدواعي إلى زهراتها حاضرة، والبواعث إلى لذّاتها ظاهرة، فربما اشتغل بها واكتسب الأخلاق والأعمال الفاسدة لتحصيل المقاصد حتّى تصير النفس تابعة لها، راضية بأثرها، مشغوفة بعملها، متكدّرة بالشهوات، منغمسة في اللذّات، فتحبّ الاستقرار في الأرض وتركن إليها، وأمّا إذا منعت تلك القوى عن مقتضاها، وصرفتها عن هواها، وروّضتها بمقامع الشريعة، وأدّبتها بآداب الطريقة حتّى غلبت عليها وصفت عن كدوراتها وطهرت عن خبائث لذّاتها وتحلّت بالأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة والآداب السنيّة والأطوار الرضيّة، ضاقت بها الأرض حتّى تسمو إلى عالم النور، فتشاهد العالم الأعلى بالعيان، وتنظر إلى الحقّ بعين العرفان، ويزداد لها نور الإيمان والإيقان، فتعاف جملة الدنيا والاستقرار في الأرض، فبدنها في هذه الدنيا وهي في العالم الأعلى، فيصير كما قال (عليه السلام): «لولا الآجال التي كتبت عليهم لم يستقرّ أرواحهم في أبدانهم طرفة عين»، ولذا قال مولى المؤمنين (عليه السلام) عند الشهادة: «فزت وربّ الكعبة» (ص٥٧-٥٩)
شبّه (عليه السلام) حصول الإيمان الكامل في القلب بحيث يظهر أثره في الجوارح بإدراك طعم شيء لذيذ مع أنّ اللذّات الروحانية أعظم من اللذّات الجسمانية.
«كأنّه قد خولط»، يقال: خولط فلان في قلبه إذا اختلّ عقله، فقوله: خولط بهذا المعنى وخالط بمعنى الممازجة، وهذا أعلى درجات المحبّين، حيث استقرّ حبّ الله تعالی في قلوبهم، وأخرج حبّ كلّ شيء غيره منها، فلا يلتفتون إلى غيره تعالی، ويتركون معاشرة عامّة الخلق لمباينة طوره أطوارهم، فهم يعدّونه سفيهاً مخالطاً كما نسبوا الأنبياء (عليهم السلام) إلى الجنون لذلك.
«إنّ القلب إذا صفا»، أي أنّ القلب أي الروح الإنساني لمّا كان من عالم الملكوت، وإنّما أهبط إلى هذا العالم الأدنى، أو ابتلي بالتعلّق بالبدن لتحصيل الكمالات، وحيازة السعادات _ كما أنّ الثوب قد يلوّث ببعض الكثافات ليصير بعد الغسل أشدّ بياضاً وأصفى ممّا كان _ فإذا اختار الشقاوة وتشبّث بهذه العلائق الجسمانية والشهوات الظلمانية، لحق بالأنعام بل هو أضلّ سبيلاً، وإن تمسّك بعروة الشريعة الحقّة وعمل بالنواميس الإلهية والرياضات البدنية حتّى انفتح له عين اليقين، فنظر إلى الدنيا ولذّاتها بتلك العين الصحيحة، رآها ضيّقة مظلمة فانية موحشة غدّارة غرّارة ملوّثة بأنواع النجاسات المعنوية والصفات الدنيّة، استوحش منها وتذكّر عالمه الأصلي فرغب إليها وتعلّق بها فجانب المتعلّقين بهذا العالم وآنس بالمتعلّقين بالملأ الأعلى، فلحق بهم وضاقت به الأرض وصارت همّته رفيعة عالية، فلم يرض إلّا بالصعود إلى سدرة المنتهى وجنّة المأوى، فهم مع كونهم بين الخلق أرواحهم معلّقة بالملأ الأعلى، ويستسعدون بقرب المولى.
أو يقال: لمّا كانت الأرض أعظم أجزاء الإنسان، وكانت قواه الظاهرة والباطنة مائلة إليها بالطبع لكمال النسبة بينهما، كانت الدواعي إلى زهراتها حاضرة، والبواعث إلى لذّاتها ظاهرة، فربما اشتغل بها واكتسب الأخلاق والأعمال الفاسدة لتحصيل المقاصد حتّى تصير النفس تابعة لها، راضية بأثرها، مشغوفة بعملها، متكدّرة بالشهوات، منغمسة في اللذّات، فتحبّ الاستقرار في الأرض وتركن إليها، وأمّا إذا منعت تلك القوى عن مقتضاها، وصرفتها عن هواها، وروّضتها بمقامع الشريعة، وأدّبتها بآداب الطريقة حتّى غلبت عليها وصفت عن كدوراتها وطهرت عن خبائث لذّاتها وتحلّت بالأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة والآداب السنيّة والأطوار الرضيّة، ضاقت بها الأرض حتّى تسمو إلى عالم النور، فتشاهد العالم الأعلى بالعيان، وتنظر إلى الحقّ بعين العرفان، ويزداد لها نور الإيمان والإيقان، فتعاف جملة الدنيا والاستقرار في الأرض، فبدنها في هذه الدنيا وهي في العالم الأعلى، فيصير كما قال (عليه السلام): «لولا الآجال التي كتبت عليهم لم يستقرّ أرواحهم في أبدانهم طرفة عين»، ولذا قال مولى المؤمنين (عليه السلام) عند الشهادة: «فزت وربّ الكعبة» (ص٥٧-٥٩)
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٥٦
الحديث: ٢٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٨٢
قال الصادق (عليه السلام): إنّ أوّل ما عصي الله به ستّ: حبّ الدنيا، وحبّ الرئاسة، وحبّ الطعام، وحبّ النساء، وحبّ النوم، وحبّ الراحة.
المصدر الأصلي: المحاسن
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٦۰
الحديث: ٢٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٨٣
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ في طلب الدنيا إضراراً بالآخرة، وفي طلب الآخرة إضراراً بالدنيا، فأضرّوا بالدنيا،فإنّها أحقّ بالإضرار.
بيــان:
اعلم أنّ الدنيا تطلق على معانٍ:
الأوّل: حياة الدنيا وهي ليست بمذمومة على الإطلاق، وليست ممّا يجب بغضه وتركه، بل المذموم منها أن يحبّ البقاء في الدنيا للمعاصي والأمور الباطلة، أو يطوّل الأمل فيها ويعتمد عليها، فبذلك يسوّف التوبة والطاعات، وينسى الموت، ويبادر بالمعاصي والملاهي، اعتماداً على أنّه يتوب في آخر عمره عند مشيبه، ولذلك يجمع الأموال الكثيرة، ويبني الأبنية الرفيعة، ويكره الموت لتعلّقه بالأموال، وحبّه للأزواج والأولاد، ويكره الجهاد والقتل في سبيل الله لحبّه للبقاء، أو يترك الصوم وقيام الليل وأمثال ذلك لئلّا يصير سبباً لنقص عمره.
والحاصل أنّ من يحبّ العيش والبقاء والعمر للأغراض الباطلة فهو مذموم، ومن يحبّه للطاعات وكسب الكمالات وتحصيل السعادات فهو ممدوح، وهو عين الآخرة فلذا طلب الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) طول العمر والبقاء في الدنيا، وقد قال سيّد الساجدين (عليه السلام): «عمّرني ما كان عمري بذلة في طاعتك، فإذا كان عمري مرتعاً للشيطان، فاقبضني إليك»، ولو لم يكن الكون في الدنيا صلاحاً للعباد لتحصيل الذخائر للمعاد، لما أسكن الله الأرواح المقدّسة في تلك الأبدان الكثيفة.
الثاني: الدينار والدرهم وأموال الدنيا وأمتعتها، وهذه أيضاً ليست مذمومة بأسرها، بل المذموم منها ما كان من حرام أو شبهة أو وسيلة إليها، وما يلهي عن ذكر الله، ويمنع عبادة الله، أو يحبّها حبّاً لا يبذلها في الحقوق الواجبة والمستحبّة، وفي سبل طاعة الله كما مدح الله تعالی جماعة حيث قال: ﴿رِجالٌ لا تُلْهيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إيتاءِ الزَّكاةِ﴾.
وبالجملة المذموم من ذلك الحرص عليها وحبّها، وشغل القلب بها، والبخل بها في طاعة الله، وجعلها وسيلة لما يبعّد عن الله، وأمّا تحصيلها لصرفها في مرضاة الله وتحصيل الآخرة بها، فهي من أفضل العبادات وموجبة لتحصيل السعادات، وقد روي في الصحيح عن ابن أبي يعفور قال: قلت للصادق (عليه السلام): إنّا لنحبّ الدنيا، فقال (عليه السلام) لي: تصنع بها ماذا؟ ... قلت: أتزوّج منها وأحجّ وأنفق على عيالي، وأنيل إخواني وأتصدّق، قال (عليه السلام) لي: «ليس هذا من الدنيا، هذا من الآخرة». وقد روي: «نعم المال الصالح للعبد الصالح، ونعم العون الدنيا على الآخرة».
الثالث: التمتّع بملاذّ الدنيا من المأكولات والمشروبات والملبوسات والمنكوحات والمركوبات والمساكن الواسعة وأشباه ذلك، وقد وردت أخبار كثيرة في استحباب التلذّذ بكثير من ذلك، ما لم يكن مشتملاً على حرام أو شبهة أو إسراف وتبذير، وفي ذمّ تركها والرهبانيّة، وقد قال تعالی: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زينَةَ اللَّهِ الَّتي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾.
فإذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الذي يظهر من مجموع الآيات والأخبار على ما نفهمه: أنّ الدنيا المذمومة مركّبة من مجموع أمور يمنع الإنسان من طاعة الله وحبّه وتحصيل الآخرة، فالدنيا والآخرة ضرّتان متقابلتان، فكلّما يوجب رضى الله سبحانه وقربه فهو من الآخرة، وإن كان بحسب الظاهر من أعمال الدنيا كالتجارات والصناعات والزراعات التي يكون المقصود منها تحصيل المعيشة للعيال، لأمره تعالی به، وصرفها في وجوه البرّ وإعانة المحتاجين والصدقات وصون الوجه عن السؤال وأمثال ذلك، فإنّ هذه كلّها من أعمال الآخرة وإن كان عامّة الخلق يعدّونها من الدنيا.
والرياضات المبتدعة، والأعمال الريائية _ وإن كان مع الترهّب وأنواع المشقّة _ فإنّها من الدنيا لأنّها ممّا يبعّد عن الله ولا يوجب القرب إليه كأعمال الكفّار والمخالفين، فربّ مترهّب متقشّف يعتزل النّاس ويعبد الله ليلاً ونهاراً وهو أحبّ الناس للدنيا، وإنّما يفعل ذلك ليخدع الناس ويشتهر بالزهد والورع، وليس في قلبه إلّا جلب قلوب الناس، ويحبّ المال والجاه والعزّة وجميع الأمور الباطلة أكثر من سائر الخلق، وجعل ترك الدنيا ظاهراً مصيدة لتحصيلها، وربّ تاجر طالب للأجر لا يعدّه الناس شيئاً وهو من الطالبين للآخرة، لصحّة نيّته وعدم حبّه للدنيا.
وجملة القول في ذلك: أنّ المعيار في العلم بحسن الأشياء وقبحها وما يجب فعلها وتركها الشريعة المقدّسة، وما صدر في ذلك عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام)، فما علم من الآيات والأخبار أنّ الله سبحانه أمر به وطلبه من عباده، سواء كان صلاة أو صوماً أو حجّاً أو تجارة أو زراعة أو صناعة أو معاشرة للخلق أو عزلة أو غيرها، وعملها بشرائطها وآدابها بنيّة خالصة فهي من الآخرة، وما لم يكن كذلك فهو من الدنيا المذمومة المبعّدة عن الله وعن الآخرة.
وهي على أنواع: فمنها: ما هوحرام وهو ما يستحقّ به العقاب: سواء كان عبادة مبتدعة، أو رياء وسمعة، أو معاشرة الظلمة، أو ارتكاب المناصب المحرّمة، أو تحصيل الأموال من الحرام، أو للحرام وغير ذلك ممّا يستحقّ به العقاب.
ومنها ما هو مكروه: كارتكاب الأفعال والأعمال والمكاسب المكروهة، وكتحصيل الزوائد من الأموال والمساكن والمراكب وغيرها، ممّا لم يكن وسيلة لتحصيل الآخرة، وتمنع من تحصيل السعادات الأخروية.
ومنها ما هو مباح: كارتكاب الأعمال التي لم يأمر الشارع بها، ولم ينه عنها إذا لم تصر مانعة عن تحصيل الآخرة وإن كانت نادرة، ويمكن إيقاع كثير من المباحات على وجه تصير عبادة، كالأكل والنوم للقوّة على العبادة، وأمثال ذلك وربما كان ترك المباحات بظنّ أنّها عبادة بدعة موجبة لدخول النار، كما يصنعه كثير من أرباب البدع. (ص٦١-٦٤)
اعلم أنّ الدنيا تطلق على معانٍ:
الأوّل: حياة الدنيا وهي ليست بمذمومة على الإطلاق، وليست ممّا يجب بغضه وتركه، بل المذموم منها أن يحبّ البقاء في الدنيا للمعاصي والأمور الباطلة، أو يطوّل الأمل فيها ويعتمد عليها، فبذلك يسوّف التوبة والطاعات، وينسى الموت، ويبادر بالمعاصي والملاهي، اعتماداً على أنّه يتوب في آخر عمره عند مشيبه، ولذلك يجمع الأموال الكثيرة، ويبني الأبنية الرفيعة، ويكره الموت لتعلّقه بالأموال، وحبّه للأزواج والأولاد، ويكره الجهاد والقتل في سبيل الله لحبّه للبقاء، أو يترك الصوم وقيام الليل وأمثال ذلك لئلّا يصير سبباً لنقص عمره.
والحاصل أنّ من يحبّ العيش والبقاء والعمر للأغراض الباطلة فهو مذموم، ومن يحبّه للطاعات وكسب الكمالات وتحصيل السعادات فهو ممدوح، وهو عين الآخرة فلذا طلب الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) طول العمر والبقاء في الدنيا، وقد قال سيّد الساجدين (عليه السلام): «عمّرني ما كان عمري بذلة في طاعتك، فإذا كان عمري مرتعاً للشيطان، فاقبضني إليك»، ولو لم يكن الكون في الدنيا صلاحاً للعباد لتحصيل الذخائر للمعاد، لما أسكن الله الأرواح المقدّسة في تلك الأبدان الكثيفة.
الثاني: الدينار والدرهم وأموال الدنيا وأمتعتها، وهذه أيضاً ليست مذمومة بأسرها، بل المذموم منها ما كان من حرام أو شبهة أو وسيلة إليها، وما يلهي عن ذكر الله، ويمنع عبادة الله، أو يحبّها حبّاً لا يبذلها في الحقوق الواجبة والمستحبّة، وفي سبل طاعة الله كما مدح الله تعالی جماعة حيث قال: ﴿رِجالٌ لا تُلْهيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إيتاءِ الزَّكاةِ﴾.
وبالجملة المذموم من ذلك الحرص عليها وحبّها، وشغل القلب بها، والبخل بها في طاعة الله، وجعلها وسيلة لما يبعّد عن الله، وأمّا تحصيلها لصرفها في مرضاة الله وتحصيل الآخرة بها، فهي من أفضل العبادات وموجبة لتحصيل السعادات، وقد روي في الصحيح عن ابن أبي يعفور قال: قلت للصادق (عليه السلام): إنّا لنحبّ الدنيا، فقال (عليه السلام) لي: تصنع بها ماذا؟ ... قلت: أتزوّج منها وأحجّ وأنفق على عيالي، وأنيل إخواني وأتصدّق، قال (عليه السلام) لي: «ليس هذا من الدنيا، هذا من الآخرة». وقد روي: «نعم المال الصالح للعبد الصالح، ونعم العون الدنيا على الآخرة».
الثالث: التمتّع بملاذّ الدنيا من المأكولات والمشروبات والملبوسات والمنكوحات والمركوبات والمساكن الواسعة وأشباه ذلك، وقد وردت أخبار كثيرة في استحباب التلذّذ بكثير من ذلك، ما لم يكن مشتملاً على حرام أو شبهة أو إسراف وتبذير، وفي ذمّ تركها والرهبانيّة، وقد قال تعالی: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زينَةَ اللَّهِ الَّتي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾.
فإذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الذي يظهر من مجموع الآيات والأخبار على ما نفهمه: أنّ الدنيا المذمومة مركّبة من مجموع أمور يمنع الإنسان من طاعة الله وحبّه وتحصيل الآخرة، فالدنيا والآخرة ضرّتان متقابلتان، فكلّما يوجب رضى الله سبحانه وقربه فهو من الآخرة، وإن كان بحسب الظاهر من أعمال الدنيا كالتجارات والصناعات والزراعات التي يكون المقصود منها تحصيل المعيشة للعيال، لأمره تعالی به، وصرفها في وجوه البرّ وإعانة المحتاجين والصدقات وصون الوجه عن السؤال وأمثال ذلك، فإنّ هذه كلّها من أعمال الآخرة وإن كان عامّة الخلق يعدّونها من الدنيا.
والرياضات المبتدعة، والأعمال الريائية _ وإن كان مع الترهّب وأنواع المشقّة _ فإنّها من الدنيا لأنّها ممّا يبعّد عن الله ولا يوجب القرب إليه كأعمال الكفّار والمخالفين، فربّ مترهّب متقشّف يعتزل النّاس ويعبد الله ليلاً ونهاراً وهو أحبّ الناس للدنيا، وإنّما يفعل ذلك ليخدع الناس ويشتهر بالزهد والورع، وليس في قلبه إلّا جلب قلوب الناس، ويحبّ المال والجاه والعزّة وجميع الأمور الباطلة أكثر من سائر الخلق، وجعل ترك الدنيا ظاهراً مصيدة لتحصيلها، وربّ تاجر طالب للأجر لا يعدّه الناس شيئاً وهو من الطالبين للآخرة، لصحّة نيّته وعدم حبّه للدنيا.
وجملة القول في ذلك: أنّ المعيار في العلم بحسن الأشياء وقبحها وما يجب فعلها وتركها الشريعة المقدّسة، وما صدر في ذلك عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام)، فما علم من الآيات والأخبار أنّ الله سبحانه أمر به وطلبه من عباده، سواء كان صلاة أو صوماً أو حجّاً أو تجارة أو زراعة أو صناعة أو معاشرة للخلق أو عزلة أو غيرها، وعملها بشرائطها وآدابها بنيّة خالصة فهي من الآخرة، وما لم يكن كذلك فهو من الدنيا المذمومة المبعّدة عن الله وعن الآخرة.
وهي على أنواع: فمنها: ما هوحرام وهو ما يستحقّ به العقاب: سواء كان عبادة مبتدعة، أو رياء وسمعة، أو معاشرة الظلمة، أو ارتكاب المناصب المحرّمة، أو تحصيل الأموال من الحرام، أو للحرام وغير ذلك ممّا يستحقّ به العقاب.
ومنها ما هو مكروه: كارتكاب الأفعال والأعمال والمكاسب المكروهة، وكتحصيل الزوائد من الأموال والمساكن والمراكب وغيرها، ممّا لم يكن وسيلة لتحصيل الآخرة، وتمنع من تحصيل السعادات الأخروية.
ومنها ما هو مباح: كارتكاب الأعمال التي لم يأمر الشارع بها، ولم ينه عنها إذا لم تصر مانعة عن تحصيل الآخرة وإن كانت نادرة، ويمكن إيقاع كثير من المباحات على وجه تصير عبادة، كالأكل والنوم للقوّة على العبادة، وأمثال ذلك وربما كان ترك المباحات بظنّ أنّها عبادة بدعة موجبة لدخول النار، كما يصنعه كثير من أرباب البدع. (ص٦١-٦٤)
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٦١
الحديث: ٣۰
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٨٤
قال الباقر (عليه السلام): ملك ينادي كلّ يوم: ابن آدم، لد للموت، واجمع للفناء، وابن للخراب.
بيــان:
«لد للموت»، اللام لام العاقبة، كما في قوله تعالی: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً﴾ والأمر ليس على حقيقته، بل الغرض: اعلموا أنّ ولادتكم عاقبتها الموت.
«لد للموت»، اللام لام العاقبة، كما في قوله تعالی: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً﴾ والأمر ليس على حقيقته، بل الغرض: اعلموا أنّ ولادتكم عاقبتها الموت.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٦٤
الحديث: ٣١
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٨٥
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما لي والدنيا؟ وما أنا والدنيا؟ إنّما مثلي ومثلها كمثل راكب رفعت له شجرة في يوم صائف ١، فقال ٢ تحتها ثمّ راح وتركها.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٦٨
(١) «اليوم الصائِف»: الحارّ. مجمع البحرين، ج٥، ص٨٣.
(٢) «فقال»: إمّا من «القائلة» بمعنی «الظُهَيرة»، يقال: أتانا عند القائلة، وإمّا من «القائلة» بمعنى «القيلولة»، وهي النوم في الظهيرة. راجع: مرآة العقول، ج٨، ص٣۰٢.
(٢) «فقال»: إمّا من «القائلة» بمعنی «الظُهَيرة»، يقال: أتانا عند القائلة، وإمّا من «القائلة» بمعنى «القيلولة»، وهي النوم في الظهيرة. راجع: مرآة العقول، ج٨، ص٣۰٢.
الحديث: ٣٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٨٦
قال الصادق (عليه السلام): وكان فيما وعظ به لقمان ابنه: يا بنيّ، إنّ الناس قد جمعوا قبلك لأولادهم، فلم يبق ما جمعوا، ولم يبق من جمعوا له، وإنّما أنت عبد مستأجر قد أمرت بعمل ووعدت عليه أجراً، فأوف عملك، واستوف أجرك، ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع أخضر، فأكلت حتّى سمنت، فكان حتفها عند سمنها، ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها، وتركتها ولم ترجع إليها آخر الدهر، أخربها ولا تعمرها، فإنّك لم تؤمر بعمارتها.
واعلم أنّك ستسأل غداً إذا وقفت بين يدي الله عزّ وجلّ عن أربع: شبابك فيما أبليته؟ وعمرك فيما أفنيته؟ ومالك ممّا اكتسبته؟ وفيما أنفقته؟ فتأهّب لذلك وأعدّ له جواباً، ولا تأس على ما فاتك من الدنيا، فإنّ قليل الدنيا لا يدوم بقاؤه، وكثيرها لا يؤمن بلاؤه، فخذ حذرك، وجدّ في أمرك، واكشف الغطاء عن وجهك، وتعرّض لمعروف ربّك، وجدّد التوبة في قلبك، واكمش ١ في فراغك قبل أن يقصد قصدك ويقضي قضاؤك ويحال بينك وبين ما تريد.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٦٩
(١) «اكمِش»: أعجِل وأسرِع. لسان العرب، ج٦، ص٣٤٣.
الحديث: ٣٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٨٧
سأل أبو حنيفة الصادق (عليه السلام) عن هذه الآية: ﴿لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعيمِ﴾، فقال (عليه السلام) له: ما النعيم عندك، يا نعمان؟ قال: القوت من الطعام والماء البارد، فقال (عليه السلام): لئن أوقفك الله بين يديه يوم القيامة حتّى يسألك عن كلّ أكلة أكلتها، أو شربة شربتها ليطولنّ وقوفك بين يديه، قال: فما النعيم؟ جعلت فداك، قال (عليه السلام): نحن أهل البيت النعيم الذي أنعم الله بنا على العباد. ١
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٧۰-٧١
(١) رواه المجلسي (رحمة الله عليه) بدون ذكر المصدر. فللوقوف علیه، راجع: مجمع البيان، ج١۰، ص٨١٣.
الحديث: ٣٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٨٨
قال الصادق (عليه السلام): فيما ناجى الله عزّ وجلّ به موسى (عليه السلام): يا موسى، لا تركن إلى الدنيا ركون الظالمين، وركون من اتّخذها أباً وأمّاً.
يا موسى، لو وكلتك إلى نفسك لتنظر إليها إذاً لغلب عليك حبّ الدنيا وزهرتها.
يا موسى، نافس في الخير واسبقهم إليه، فإنّ الخير كاسمه، واترك من الدنيا ما بك الغنى عنه، ولا تنظر عينك إلى كلّ مفتون بها، وموكّل إلى نفسه.
واعلم أنّ كلّ فتنة بدوها حبّ الدنيا، ولا تغبط أحداً بكثرة المال، فإنّ مع كثرة المال تكثر الذنوب لواجب الحقوق، ولا تغبطنّ أحداً برضى الناس عنه حتّى تعلم أنّ الله راضٍ عنه، ولا تغبطنّ أحداً بطاعة الناس له، فإنّ طاعة الناس له واتّباعهم إيّاه على غير الحقّ هلاك له ولمن اتّبعه.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٧٣
الحديث: ٣٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٨٩
قال الصادق (عليه السلام): إنّ في كتاب عليّ (عليه السلام): إنّما مثل الدنيا كمثل الحيّة، ما ألين مسّها وفي جوفها السمّ الناقع، ١ يحذرها الرجل العاقل ويهوي إليها الصبيّ الجاهل.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٧٥
(١) «الناقِع»: القاتل. راجع: النهاية في غريب الحديث والأثر، ج٥، ص ١۰٩.
الحديث: ٣٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٩٠
قال الصادق (عليه السلام): كتب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى بعض أصحابه يعظه: أوصيك ونفسي بتقوى من لا تحلّ معصيته، ولا يرجى غيره، ولا الغنى إلّا به، فإنّ من اتّقى الله عزّ وقوي وشبع وروي، ورفع عقله عن أهل الدنيا، فبدنه مع أهل الدنيا وقلبه وعقله معاين الآخرة. فأطفأ بضوء قلبه ما أبصرت عيناه من حبّ الدنيا، فقذّر حرامها، وجانب شبهاتها، وأضرّ _ والله _ بالحلال الصافي إلّا ما لا بدّ منه من كسرة يشدّ بها صلبه، وثوب يواري به عورته من أغلظ ما يجد وأخشنه، ولم يكن له في ما لا بدّ منه ثقة ولا رجاء، فوقعت ثقته ورجاؤه على خالق الأشياء، فجدّ واجتهد وأتعب بدنه حتّى بدت الأضلاع وغارت العينان، فأبدل الله له من ذلك قوّة في بدنه وشدّة في عقله، وما ذخر له في الآخرة أكثر … .
بيــان:
«فأبدل الله له»، لأنّه تعالی قال: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزيدَنَّكُمْ﴾ فمن بذل ما أعطاه الله من الأموال الفانية، عوّضه الله من الأموال الباقية أضعافها، ومن بذل قوّته البدنية في طاعة الله أبدله الله قوّة روحانية لا يفنى في الدنيا والآخرة، فتبدو منه المعجزات وخوارق العادات والكرامات، وما لا يقدر عليه بالقوى الجسمانية، ومن بذل علمه في الله وعمل به، ورّثه الله علماً لدنّياً يزيد في كلّ ساعة.
ومن بذل عزّه الفاني الدنيوي في رضا الله تعالی، أعطاه الله عزّاً حقيقياً لا يتبدّل بالذلّ أبداً، كما أنّ الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) لمّا بذلوا عزّهم الدنيوي في سبيل الله، أعطاهم الله عزّة في الدارين لا يشبه عزّ غيرهم، فيلوذ الناس بقبورهم وضرائحهم المقدّسة، والملوك يعفّرون وجوههم على أعتابهم، ويتبرّكون بذكرهم.
ومن بذل حياته البدنية في الجهاد في سبيله، عوّضه الله حياة أبدية يتصرّفون بعد موتهم في عوالم الملك والملكوت، ولذا قال تعالى: ﴿وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلُوا في سَبيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾، ومن بذل نور بصره وسمعه في الطاعة، أعطاه الله نوراً منه به ينظر في ملكوت السماوات والأرض، وبه يسمع كلام الملائكة المقرّبين، ووحي ربّ العالمين، كما ورد: «المؤمن ينظر بنور الله»، وورد: «بي يسمع وبي يبصر»، وإذا تخلّى من إرادته وجعلها تابعة لإرادة الله، جعله بحيث لا يشاء إلّا أن يشاء الله، وكان الله هو الذي يدبّر في بدنه وقلبه وعقله وروحه، والكلام هنا دقيق لا تفي به العبارة والبيان، وفي هذا المقام تزلّ الأقدام. (ص٧٨)
«فأبدل الله له»، لأنّه تعالی قال: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزيدَنَّكُمْ﴾ فمن بذل ما أعطاه الله من الأموال الفانية، عوّضه الله من الأموال الباقية أضعافها، ومن بذل قوّته البدنية في طاعة الله أبدله الله قوّة روحانية لا يفنى في الدنيا والآخرة، فتبدو منه المعجزات وخوارق العادات والكرامات، وما لا يقدر عليه بالقوى الجسمانية، ومن بذل علمه في الله وعمل به، ورّثه الله علماً لدنّياً يزيد في كلّ ساعة.
ومن بذل عزّه الفاني الدنيوي في رضا الله تعالی، أعطاه الله عزّاً حقيقياً لا يتبدّل بالذلّ أبداً، كما أنّ الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) لمّا بذلوا عزّهم الدنيوي في سبيل الله، أعطاهم الله عزّة في الدارين لا يشبه عزّ غيرهم، فيلوذ الناس بقبورهم وضرائحهم المقدّسة، والملوك يعفّرون وجوههم على أعتابهم، ويتبرّكون بذكرهم.
ومن بذل حياته البدنية في الجهاد في سبيله، عوّضه الله حياة أبدية يتصرّفون بعد موتهم في عوالم الملك والملكوت، ولذا قال تعالى: ﴿وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلُوا في سَبيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾، ومن بذل نور بصره وسمعه في الطاعة، أعطاه الله نوراً منه به ينظر في ملكوت السماوات والأرض، وبه يسمع كلام الملائكة المقرّبين، ووحي ربّ العالمين، كما ورد: «المؤمن ينظر بنور الله»، وورد: «بي يسمع وبي يبصر»، وإذا تخلّى من إرادته وجعلها تابعة لإرادة الله، جعله بحيث لا يشاء إلّا أن يشاء الله، وكان الله هو الذي يدبّر في بدنه وقلبه وعقله وروحه، والكلام هنا دقيق لا تفي به العبارة والبيان، وفي هذا المقام تزلّ الأقدام. (ص٧٨)
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٧٥
الحديث: ٣٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٩١
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ما قلعت باب خيبر بقوّة جسمانية، بل بقوّة ربّانية.
المصدر الأصلي: الطرائف
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٧٦
الحديث: ٣٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٩٢
قال الصادق (عليه السلام): مثل الدنيا كمثل ماء البحر، كلّما شرب منه العطشان ازداد عطشاً حتّى يقتله.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٧٩
الحديث: ٣٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٩٣
قال الرضا (عليه السلام): قال عيسى ابن مريم (عليه السلام) للحواريّين: يا بني إسرائيل، لا تأسوا على ما فاتكم من الدنيا، كما لا يأسى أهل الدنيا على ما فاتهم من دينهم إذا أصابوا دنياهم.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٨۰
الحديث: ٤۰
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٩٤
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك، فإن كان لك فلا تبطر ١ ، وإن كان عليك فاصبر، فكلاهما عنك سينحسر ٢.
المصدر الأصلي: كنز الفوائد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٨١
(١) «البَطَر»: الطغيان عند النعمة وطول الغنى. لسان العرب، ج٤، ص٦٩.
(٢) «انْحَسَر»: انكشف. راجع الطراز الأول، ج٧، ص٢٨٢.
(٢) «انْحَسَر»: انكشف. راجع الطراز الأول، ج٧، ص٢٨٢.
الحديث: ٤١
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٩٥
قال عليّ (عليه السلام): الزاهد في الدنيا كلّما ازدادت له تحلّياً ازداد عنها تخلّياً.
المصدر الأصلي: كنز الفوائد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٨١
الحديث: ٤٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٩٦
قال عليّ (عليه السلام): إذا طلبت شيئاً من الدنيا فزوي عنك، فاذكر ما خصّك الله به من دينك، وصرفه عن غيرك، فإنّ ذلك أحرى أن تستحقّ نفسك بما فاتك.
المصدر الأصلي: كنز الفوائد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٨١
الحديث: ٤٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٩٧
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): كونوا في الدنيا أضيافاً، واتّخذوا المساجد بيوتاً، وعوّدوا قلوبكم الرقّة، وأكثروا التفكّر والبكاء، ولا تختلفنّ بكم الأهواء، تبنون ما لا تسكنون، وتجمعون ما لا تأكلون، وتأملون ما لا تدركون.
المصدر الأصلي: كنز الفوائد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٨١
الحديث: ٤٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٩٨
قال عليّ (عليه السلام): دار بالبلاء محفوفة وبالغدر معروفة، لا تدوم أحوالها ولا يسلم نزّالها، أحوال مختلفة وتارات متصرّفة، العيش فيها مذموم والأمان منها معدوم، وإنّما أهلها فيها أغراض مستهدفة، ترميهم بسهامها وتفنيهم بحمامها.
المصدر الأصلي: نهج البلاغة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٨٢
الحديث: ٤٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٢٩٩
قال عليّ (عليه السلام): فإنّ تقوى الله مفتاح سداد وذخيرة معاد، وعتق من كلّ ملكة ونجاة من كلّ هلكة، بها ينجح الطالب وينجو الهارب وتنال الرغائب.
المصدر الأصلي: نهج البلاغة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٨٣
الحديث: ٤٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٠٠
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): واعلموا عباد الله، أنّ المؤمن لا يصبح ولا يمسي إلّا ونفسه ظنون عنده، فلا يزال زارياً عليها ومستزيداً لها، فكونوا كالسابقين قبلكم، والماضين أمامكم، قوّضوا من الدنيا تقويض الراحل، وطووها طيّ المنازل.
المصدر الأصلي: عدّة الداعي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٨٥
الحديث: ٤٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٠١
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ الله عزّ وجلّ يقول: ويل للذين يختلون الدنيا بالدين، وويل للذين يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، وويل للذين يسير المؤمن فيهم بالتقيّة، أ بي يغترّون؟ أم عليّ يجترؤون؟ فبي حلفت لأتيحنّ لهم فتنة تترك الحليم منهم حيران.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٨٥
الحديث: ٤٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٠٢
كان النبيّ (صلى الله عليه وآله) إذا قدم من سفر بدأ بفاطمة (عليها السلام) فدخل عليها فأطال عندها المكث، فخرج مرّة في سفر فصنعت فاطمة (عليها السلام) مسكتين من ورق وقلادة وقرطين وستراً لباب البيت، لقدوم أبيها وزوجها (عليهما السلام). فلمّا قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخل عليها فوقف أصحابه على الباب لا يدرون يقفون أو ينصرفون لطول مكثه عندها، فخرج عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد عرف الغضب في وجهه حتّى جلس عند المنبر.
فظنّت فاطمة (عليها السلام) أنّه إنّما فعل ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما رأى من المسكتين والقلادة والقرطين والستر، فنزعت قلادتها وقرطيها ومسكتيها، ونزعت الستر، فبعثت به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقالت للرسول: قل له: تقرأ عليك ابنتك السلام وتقول: اجعل هذا في سبيل الله، فلمّا أتاه قال: فعلت، فداها أبوها _ ثلاث مرّات _ ليست الدنيا من محمّد ولا من آل محمّد (عليهم السلام)، ولو كانت الدنيا تعدل عند الله من الخير جناح بعوضة ما سقى فيها كافراً شربة ماء، ثمّ قام فدخل عليها.
المصدر الأصلي: الأمالي للصدوق
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٨٦-٨٧
الحديث: ٤٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٠٣
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ الله جلّ جلاله أوحى إلى الدنيا أن أتعبي من خدمك، واخدمي من رفضك.
المصدر الأصلي: الأمالي للصدوق
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٨٧
الحديث: ٥۰
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٠٤
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في بعض خطبه: أيّها الناس، إنّ الدنيا دار فناء والآخرة دار بقاء، فخذوا من ممرّكم لمقرّكم ولا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم، ففي الدنيا حييتم وللآخرة خلقتم، وإنّما الدنيا كالسمّ يأكله من لا يعرفه، إنّ العبد إذا مات قالت الملائكة: ما قدّم؟ وقال الناس: ما أخّر؟ فقدّموا فضلاً يكن لكم، ولا تؤخّروا كلّاً يكن عليكم، فإنّ المحروم من حرم خير ماله، والمغبوط من ثقّل بالصدقات والخيرات موازينه، وأحسن في الجنّة بها مهاده، وطيّب على الصراط بها مسلكه.
المصدر الأصلي: عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، الأمالي للصدوق
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٨٨-٨٩
الحديث: ٥١
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٠٥
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) للشامي الذي أتاه: يا شيخ، إنّ الدنيا خضرة حلوة ولها أهل، وإنّ الآخرة لها أهل، ظلفت ١ أنفسهم عن مفاخرة أهل الدنيا لا يتنافسون في الدنيا، ولا يفرحون بغضارتها، ولا يحزنون لبؤسها، يا شيخ، من خاف البيات قلّ نومه، ما أسرع الليالي والأيّام في عمر العبد فاخزن لسانك، وعدّ كلامك، يقلّ كلامك إلّا بخير، يا شيخ، ارض للناس ما ترضى لنفسك، وآت إلى الناس ما تحبّ أن يؤتى إليك.
المصدر الأصلي: الأمالي للصدوق
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٨٩
(١) «ظَلَفَه عن الأَمر»: مَنَعَه. لسان العرب، ج٩، ص٢٣١.
الحديث: ٥٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٠٦
شكا رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) الحاجة فقال (عليه السلام): اعلم أنّ كلّ شيء تصيبه من الدنيا فوق قوتك، فإنّما أنت فيه خازن لغيرك.
المصدر الأصلي: الخصال
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٩۰
الحديث: ٥٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٠٧
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أشدّ ما يتخوّف على أمّتي ثلاثة: زلّة عالم، أو جدال منافق بالقرآن، أو دنيا تقطع رقابكم، فاتّهموها على أنفسكم.
المصدر الأصلي: الخصال
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٩٢
الحديث: ٥٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٠٨
قال السجّاد (عليه السلام): اتّق الله وأجمل في الطلب، ولا تطلب ما لم يخلق، فإنّ من طلب ما لم يخلق تقطّعت نفسه حسرات، ولم ينل ما طلب، ثمّ قال: وكيف ينال ما لم يخلق؟ فقال الرجل: وكيف يطلب ما لم يخلق؟ فقال (عليه السلام): من طلب الغنى والأموال والسعة في الدنيا فإنّما يطلب ذلك للراحة، والراحة لم تخلق في الدنيا ولا لأهل الدنيا، إنّما خلقت الراحة في الجنّة ولأهل الجنّة، والتعب والنصب خلقا في الدنيا ولأهل الدنيا، وما أعطي أحد منها حفنة إلّا أعطي من الحرص مثليها، ومن أصاب من الدنيا أكثر كان فيها أشدّ فقراً، لأنّه يفتقر إلى الناس في حفظ أمواله، ويفتقر إلى كلّ آلة من آلات الدنيا، فليس في غنى الدنيا راحة، ولكنّ الشيطان يوسوس إلى ابن آدم أنّ له في جمع ذلك راحة، وإنمّا يسوقه إلى التعب في الدنيا والحساب عليه في الآخرة، ثمّ قال (عليه السلام): كلّا، ما تعب أولياء الله في الدنيا للدنيا بل تعبوا في الدنيا للآخرة.
المصدر الأصلي: الخصال
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٩٢-٩٣
الحديث: ٥٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٠٩
قال الصادق (عليه السلام): مطلوبات الناس في الدنيا الفانية أربعة: الغنى، والدعة، وقلّة الاهتمام، والعزّ.
فأمّا الغنى: فموجود في القناعة، فمن طلبه في كثرة المال لم يجده.
وأمّا الدعة: فموجود في خفّة المحمل، فمن طلبها في ثقله لم يجدها.
وأمّا قلّة الاهتمام: فموجودة في قلّة الشغل، فمن طلبها مع كثرته لم يجدها.
وأمّا العزّ: فموجود في خدمة الخالق، فمن طلبه في خدمة المخلوق لم يجده.
المصدر الأصلي: معاني الأخبار، علل الشرائع، الخصال
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٩٣
الحديث: ٥٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣١٠
قال الصادق (عليه السلام): قال سلمان (رحمة الله عليه): عجبت لستّ! ثلاث أضحكتني وثلاث أبكتني: فأمّا الذي أبكتني: ففراق الأحبّة محمّد وحزبه، وهول المطّلع، والوقوف بين يدي الله عزّ وجل، وأمّا الذي أضحكتني: فطالب الدنيا والموت يطلبه، وغافل ليس بمغفول عنه، وضاحك ملء فيه، لا يدري أ رضى الله أم سخط؟
المصدر الأصلي: الخصال
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٩٤
الحديث: ٥٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣١١
قال سلمان الفارسي _ وقد أكره على طعام _: حسبي إنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنّ أكثر الناس شبعاً في الدنيا أكثرهم جوعاً في الآخرة، يا سلمان، إنّما الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر.
المصدر الأصلي: الأمالي للطوسي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٩٩
الحديث: ٥٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣١٢
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): كم من مستدرج بالإحسان إليه، مغرور بالستر عليه، مفتون بحسن القول فيه، وما أبلى الله عبداً بمثل الإملاء له.
المصدر الأصلي: الأمالي للطوسي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١۰۰
الحديث: ٥٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣١٣
قال جابر بن عبد الله الأنصاري: كنّا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) بالبصرة، فلمّا فرغ من قتال من قتله، أشرف علينا من آخر الليل، فقال (عليه السلام): ما أنتم فيه؟ فقلنا: في ذمّ الدنيا، فقال: علام تذمّ الدنيا، يا جابر؟ ثمّ حمد الله وأثنى عليه، وقال (عليه السلام): أمّا بعد، فما بال أقوام يذمّون الدنيا، انتحلوا الزهد فيها؟ الدنيا منزل صدق لمن صدقها، ومسكن عافية لمن فهم عنها، ودار غنىً لمن تزوّد منها، فيها مسجد أنبياء الله ومهبط وحيه ومصلّى ملائكته ومسكن أحبّائه ومتجر أوليائه، اكتسبوا فيها الرحمة، وربحوا منها الجنّة.
فمن ذا يذمّ الدنيا يا جابر، وقد آذنت ببينها، ونادت بانقطاعها، ونعت نفسها بالزوال، ومثّلت ببلائها البلاء، وشوّقت بسرورها إلى السرور، راحت بفجيعة، وابتكرت بنعمة وعافية، ترهيباً وترغيباً، يذمّها قوم عند الندامة، ويحمدها آخرون عند السلامة، خدمتهم جميعاً فصدقتهم، وذكّرتهم فذكروا، ووعظتهم فاتّعظوا، وخوّفتهم فخافوا، وشوّقتهم فاشتاقوا.
فأيّها الذامّ للدنيا، المغترّ بغرورها، متى استذمّت إليك؟ بل متى غرّتك بنفسها؟ أ بمصارع آبائك من البلى، أم بمضاجع أمّهاتك من الثرى، كم مرّضت بيديك وعلّلت بكفّيك؟ تستوصف لهم الدواء، وتطلب لهم الأطبّاء، لم تدرك فيه طلبتك، ولم تسعف فيه بحاجتك …
فمضيت معه حتّى أتينا القبور، فقال: يا أهل التربة ويا أهل الغربة، أمّا المنازل فقد سكنت، وأمّا المواریث فقد قسمت، وأمّا الأزواج فقد نكحن، هذا خبر ما عندنا، فما خبر ما عندكم؟
ثمّ أمسك عنّي مليّاً ثمّ رفع رأسه فقال: والذي أقلّ السماء فعلت، وسطح الأرض فدحت، لو أذن للقوم في الكلام لقالوا: إنّا وجدنا خير الزاد التقوى. ثمّ قال (عليه السلام): يا جابر، إذا شئت فارجع.
المصدر الأصلي: تحف العقول
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١۰١
الحديث: ٦۰
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣١٤
قال الكاظم (عليه السلام) عند قبر: إنّ شيئاً هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوّله، وإنّ شيئاً هذا أوّله لحقيق أن يخاف آخره.
المصدر الأصلي: معاني الأخبار
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١۰٣
الحديث: ٦١
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣١٥
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ما بال من خالفكم أشدّ بصيرة في ضلالتهم، وأبذل لما في أيديهم منكم؟ ما ذاك إلّا أنّكم ركنتم إلى الدنيا فرضيتم بالضيم، وشححتم على الحطام وفرّطتم فيما فيه عزّكم وسعادتكم، وقوّتكم على من بغى عليكم، لا من ربّكم تستحيون فيما أمركم، ولا لأنفسكم تنظرون، وأنتم في كلّ يوم تضامون، ولا تنتبهون من رقدتكم، ولا ينقضي فتوركم.
المصدر الأصلي: الخصال
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١۰٤
الحديث: ٦٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣١٦
روي أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان ينادي في كلّ ليلة حين يأخذ الناس مضاجعهم، بصوت يسمعه كافّة من في المسجد ومن جاوره من الناس: تزوّدوا، رحمكم الله، فقد نودي فيكم بالرحيل، وأقلّوا العرجة على الدنيا، وانقلبوا بصالح ما يحضركم من الزاد، فإنّ أمامكم عقبة كؤوداً، ومنازل مهولة لا بدّ من الممرّ بها والوقوف عليها، إمّا برحمة من الله نجوتم من فضاعتها، وإمّا هلكة ليس بعدها انجبار، يا لها حسرة على ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجّة، وتؤدّيه أيّامه إلى شقوة، جعلنا الله وإيّاكم ممّن لا تبطره نعمة، ولا تحلّ به بعد الموت نقمة، فإنّما نحن به وله، وبيده الخير وهو على كلّ شيء قدير.
المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١۰٦
الحديث: ٦٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣١٧
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أيّها الناس، أصبحتم أغراضاً تنتضل فيكم المنايا، وأموالكم نهب للمصائب، ما طعمتم في الدنيا من طعام فلكم فيه غصص، وما شربتم من شراب فلكم فيه شرق، وأشهد بالله ما تنالون من الدنيا نعمة تفرحون بها إلّا بفراق أخرى تكرهونها.
أيّها الناس … إنّا خلقنا وإيّاكم للبقاء لا للفناء، لكنّ من دار إلى دار تنقلون، فتزوّدوا لما أنتم صائرون إليه وخالدون فيه، والسلام.
المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١۰٦
الحديث: ٦٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣١٨
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): احذروا هذه الدنيا الخدّاعة الغدّارة، التي قد تزيّنت بحليّها وفتنت بغرورها وغرّت بآمالها وتشوّفت لخطابها، فأصبحت كالعروس المجلوّة والعيون إليها ناظرة، والنفوس بها مشغوفة، والقلوب إليها تائقة ١، وهي لأزواجها كلّهم قاتلة، فلا الباقي بالماضي معتبر، ولا الآخر بسوء أثرها على الأوّل مزدجر، ولا اللبيب فيها بالتجارب منتفع.
أبت القلوب لها إلّا حبّاً، والنفوس إلّا صبّاً، والناس لها طالبان: طالب ظفر بها فاغترّ فيها، ونسي التزوّد منها للظعن، فقلّ فيها لبثه حتّى خلت منها يده وزلّت عنها قدمه، وجاءته أسرّ ما كان بها منيّته، فعظمت ندامته وكثرت حسرته وجلّت مصيبته، فاجتمعت عليه سكرات الموت، فغير موصوف ما نزل به.
وآخر اختلج عنها قبل أن يظفر بحاجته، ففارقها بغرّته وأسفه، ولم يدرك ما طلب منها، ولم يظفر بما رجا فيها، فارتحلا جميعاً من الدنيا بغير زاد، وقدما على غير مهاد.
فاحذروا الدنيا الحذر كلّه، وضعوا عنكم ثقل همومها، لما تيقّنتم لو شك زوالها، وكونوا أسرّ ما تكونون فيها أحذر ما تكونون لها، فإنّ طالبها كلّما اطمأنّ منها إلى سرور أشخصه عنها مكروه، وكلّما اغتبط منها بإقبال نغّصه عنها إدبار، وكلّما ثبتت عليه منها رجلاً طوت عنه كشحاً، فالسارّ فيها غارّ، والنافع فيها ضارّ، وصلّ رخاؤها بالبلاء، وجعل بقاؤها إلى الفناء، فرحها مشوب بالحزن، وآخر همومها إلى الوهن …
ولو كان خالقها جلّ وعزّ لم يخبر عنها خبراً، ولم يضرب لها مثلاً، ولم يأمر بالزهد فيها والرغبة عنها، لكانت وقائعها وفجائعها قد أنبهت النائم، ووعظت الظالم وبصّرت العالم، وكيف وقد جاء عنها من الله تعالی زاجر، وأتت منه فيها البيّنات والبصائر، فما لها عند الله عزّ وجلّ قدر ولا وزن، ولا خلق _ فيما بلغنا _ خلقاً أبغض إليه منها، ولا نظر إليها مذ خلقها.
ولقد عرضت على نبيّنا (صلى الله عليه وآله) بمفاتيحها وخزائنها، لا ينقصه ذلك من حظّه من الآخرة، فأبى أن يقبلها لعلمه أنّ الله عزّ وجلّ أبغض شيئاً فأبغضه، وصغّر شيئاً فصغّره، وأن لا يرفع ما وضعه الله جلّ ثناؤه، وأن لا يكثر ما أقلّه الله عزّ وجلّ، ولو لم يخبرك عن صغرها عند الله إلّا أنّ الله عزّ وجلّ صغّرها عن أن يجعل خيرها ثواباً للمطيعين وأن يجعل عقوبتها عقاباً للعاصين، لكفى.
وممّا يدلّك على دناءة الدنيا أنّ الله جلّ ثناؤه زواها عن أوليائه وأحبّائه نظراً واختياراً، وبسطها لأعدائه فتنة واختباراً، فأكرم عنها محمّداً نبيّه (صلى الله عليه وآله) حين عصب على بطنه من الجوع، وحماها موسى (عليه السلام) نجيّه المكلّم، وكانت ترى خضرة البقل من صفاق بطنه من الهزال، وما سأل الله عزّ وجلّ يوم أوى إلى الظلّ، إلّا طعاماً يأكله لما جهده من الجوع …
والله، لو أنّ الدنيا كانت من أراد منها شيئاً وجده حيث تنال يده _ من غير طلب ولا تعب ولا مؤونة ولا نصب ولا ظعن ولا دأب _ غير أنّ ما أخذ منها من شيء لزمه حقّ الله فيه والشكر عليه، وكان مسؤولاً عنه محاسباً به، لكان يحقّ على العاقل أن لا يتناول منها إلّا قوته وبلغة يومه، حذراً من السؤال وخوفاً من الحساب وإشفاقاً من العجز عن الشكر، فكيف بمن تجشّم في طلبها من خضوع رقبته، ووضع خدّه وفرط عنائه والاغتراب عن أحبابه وعظيم أخطاره، ثمّ لا يدري ما آخر ذلك؟ الظفر أم الخیبة؟ ..
المصدر الأصلي: عيون الحكم والمواعظ
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١۰٨-١١١
(١) «التائقة»: المُسرعة. راجع: أساس البلاغة، ص٦٦.
الحديث: ٦٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣١٩
قال عليّ (عليه السلام): انظروا إلى الدنيا نظر الزاهدين فيها، فإنّها _ والله _ عن قليل تزيل الثاوي الساكن وتفجع المترف الآمن، لا يرجع ما تولّى عنها، فأدبر ولا يدرى ما هو آتٍ منها فينتظر، سرورها مشوب بالحزن، وآخر الحياة فيها إلى الضعف والوهن، فلا يغرّنّكم كثرة ما يعجبكم فيها لقلّة ما يصحبكم منها، رحم الله عبداً تفكّر واعتبر، فأبصر إدبار ما قد أدبر وحضور ما قد حضر، وكأنّ ما هو كائن من الدنيا عن قليل لم يكن، وكأنّ ما هو كائن من الآخرة لم يزل، وكلّ ما هو آتٍ قريب، ألا وإنّ الدنيا دار لا يسلم منها إلّا فيها، ولا ينجى بشيء كان لها ابتلي الناس بها فتنة، فما أخذوه منها لها أخرجوا منه وحوسبوا عليه، وما أخذوه منها لغيرها قدّموا عليه وأقاموا فيه، وإنّها لذوي العقول كفيء الظلّ، بينا تراه سابغاً حتّى قلص وزائداً حتّى نقص.
المصدر الأصلي: عيون الحكم والمواعظ
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١١٨-١١٩
الحديث: ٦٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٢٠
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): حلاوة الدنيا مرارة الآخرة، ومرارة الآخرة حلاوة الدنيا.
المصدر الأصلي: روضة الواعظين
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١١٩
الحديث: ٦٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٢١
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ما أصف داراً أوّلها عناء، وآخرها فناء، في حلالها حساب وفي حرامها عقاب، من استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن، ومن ساعاها فاتته، ومن قعد عنها آتته، ومن أبصر بها بصّرته، ومن أبصر إليها أعمته.
المصدر الأصلي: روضة الواعظين
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١٢۰
الحديث: ٦٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٢٢
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وإنّ العبد إذا تخلّى بسيّده في جوف الليل المظلم، وناجاه أثبت الله النور في قلبه، فإذا قال: يا ربّ، يا ربّ، ناداه الجليل جلّ جلاله: لبيّك عبدي، سلني أعطك، وتوكّل عليّ أكفك، ثمّ يقول جلّ جلاله لملائكته: يا ملائكتي … انظروا إلى عبدي، قد تخلّى في جوف هذا الليل المظلم، والبطّالون لاهون والغافلون نيام، اشهدوا أنّي قد غفرت له.
المصدر الأصلي: روضة الواعظين
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١٢۰
الحديث: ٦٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٢٣
قال الصادق (عليه السلام): كان عيسى بن مريم (عليه السلام) يقول لأصحابه: يا بني آدم … اهربوا من الدنيا إلى الله، وأخرجوا قلوبكم عنها، فإنّكم لا تصلحون لها ولا تصلح لكم، ولا تبقون لها ولا تبقى لكم، هي الخدّاعة الفجّاعة، المغرور من اغترّ بها، المفتون من اطمأنّ إليها، الهالك من أحبّها وأرادها، فتوبوا إلى الله بارئكم و﴿اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَ اخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَ لا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً﴾ … .
المصدر الأصلي: روضة الواعظين
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١٢۰
الحديث: ٧۰
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٢٤
قال الصادق (عليه السلام): إن قدرتم ألّا تعرفوا فافعلوا، وما عليك إن لم يثن عليك الناس، وما عليك أن تكون مذموماً عند الناس إذا كنت عند الله محموداً، إنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول: لا خير في الدنيا، إلّا لأحد رجلين: رجل يزداد كلّ يوم إحساناً، ورجل يتدارك سيّئة بالتوبة، وأنّى له بالتوبة؟ والله، لو سجد حتّى ينقطع عنقه ما قبل الله منه إلّا بولايتنا.
المصدر الأصلي: روضة الواعظين
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١٢١
الحديث: ٧١
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٢٥
قال عليّ (عليه السلام): الدنيا قد نعت إليك نفسها، وتكشّفت لك عن مساويها، وإيّاك أن تغترّ بما ترى من إخلاد أهلها إليها وتكالبهم عليها، فإنّهم كلاب عاوية وسباع ضارية، يهرّ بعضها على بعض، يأكل عزيزها ذليلها ويقهر كبيرها صغيرها، نعم معقّلة وأخرى مهملة، قد أضلّت عقولها وركبت مجهولها.
المصدر الأصلي: تنبيه الخاطر
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١٢٣
الحديث: ٧٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٢٦
قال أبو ذرّ (رحمة الله عليه): يومك جملك إذا أخذت برأسه أتاك ذنبه. يعني: إذا كنت من أوّل النهار في خير لم تزل فيه إلى آخره.
المصدر الأصلي: تنبيه الخاطر
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١٢٤
الحديث: ٧٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٢٧
قال لقمان لابنه: يا بنيّ … لا تدخل في الدنيا دخولاً يضرّ بآخرتك، ولا تتركها تركاً تكون كلاًّ على الناس.
المصدر الأصلي: تنبيه الخاطر
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١٢٤
الحديث: ٧٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٢٨
عن إسحاق بن غالب قال: قال الصادق (عليه السلام): يا إسحاق، كم ترى أصحاب هذه الآية ﴿إِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَ إِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ﴾؟ ثمّ قال (عليه السلام): هم أكثر من ثلثي الناس.
المصدر الأصلي: كتاب الحسين بن سعيد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١٢٥
الحديث: ٧٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٢٩
قال جابر: قال لي الباقر (عليه السلام): يا جابر، أنزل الدنيا منك كمنزل نزلته ثمّ أردت التحرّك منه من يومك ذلك، أو كمال اكتسبته في منامك واستيقظت فليس في يدك منه شيء، وإذا كنت في جنازة فكن كأنّك أنت المحمول وكأنّك سألت ربّك الرجعة إلى الدنيا لتعمل عمل من عاش، فإنّ الدنيا عند العلماء مثل الظلّ.
المصدر الأصلي: كتاب الحسين بن سعيد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١٢٦
الحديث: ٧٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٣٠
من خبر ضرار بن ضمرة الضبابي ١ عند دخوله على معاوية ومسألته عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وهو قائم في محرابه، قابض على لحيته، يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا، يا دنيا، إليك عنّي، أ بي تعرّضت أم إليّ تشوّقت؟ لا حان حينك، هيهات غرّي غيري، لا حاجة لي فيك، قد طلّقتك ثلاثاً لا رجعة فيها، فعيشك قصير وخطرك يسير وأملك حقير، آه، من قلّة الزاد وطول الطريق وبعد السفر وعظيم المورد وخشونة المضجع.
المصدر الأصلي: نهج البلاغة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١٢٨
(١) لم نجد لهذا الرجل ذكراً إلّا من حیث هذا الخبر. راجع: قاموس الرجال، ج٥، ص٥٣٩؛ أعيان الشيعة، ج٧، ص٤۰٤.
الحديث: ٧٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٣١
قال عليّ (عليه السلام): والله، لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق ١ خنزير في يد مجذوم.
المصدر الأصلي: نهج البلاغة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١٣۰
(١) «العُرَاق»: العظم الذي قد أخذ عنه اللحم. كتاب العين، ج١، ص١٥٤.
الحديث: ٧٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٣٢
قال عليّ (عليه السلام): الناس أبناء الدنيا، ولا يلام الرجل على حبّ أمّه ١ .
المصدر الأصلي: نهج البلاغة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١٣١
(١) ليس المراد بهذه الرواية رفع اللائمة عمّن يحبّ الدنيا من جهة تشبيهها بالأمّ التي تنبغي محبّتها، بل المراد أنّ ميل الانسان إلى الدنيا ميل غريزي كميل الأمومة بين الأمّ وولدها، ولكن هذا لا يعني أبداً أنّ هذا الميل ممدوح، فالشهوة كذلك أمر مفطور عليه العبد، ولكنّه مطلوب من العبد أن يسخّرها فيما يحبّه مولاه، وهكذا الأمر في كلّ موارد الشهوات التي حبّبت إلى الإنسان في قوله تعالی: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ﴾. وعليه فإنّ الرواية لا تدلّ على أزيد من هذا التزيين، من دون دلالة على إعذار العبد في حبّ ما زيّن له.
الحديث: ٧٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٣٣
قال عليّ (عليه السلام): من هوان الدنيا على الله أنّه لا يعصى إلّا فيها، ولا ينال ما عنده إلّا بتركها.
المصدر الأصلي: نهج البلاغة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١٣٢
الحديث: ٨۰
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٣٤
قال عليّ (عليه السلام): أ لا حرّ يدع هذه اللماظة لأهلها؟ إنّه ليس لأنفسكم ثمن إلّا الجنّة، فلا تبيعوها إلّا بها.
المصدر الأصلي: نهج البلاغة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١٣٣
الحديث: ٨١
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٣٥
قال عليّ (عليه السلام): الدنيا خلقت لغيرها ولم تخلق لنفسها.
المصدر الأصلي: نهج البلاغة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١٣٣
الحديث: ٨٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٣٦
قال عليّ (عليه السلام): عباد الله، الآن فاعملوا والألسن مطلقة والأبدان صحيحة والأعضاء لدنة ١ ، والمتقلّب فسيح والمجال عريض قبل إرهاق الفوت وحلول الموت، فحقّقوا عليكم نزوله، ولا تنتظروا قدومه.
المصدر الأصلي: نهج البلاغة
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١٣٤
(١) «اللَدْنة»: لَيِّنَة. تاج العروس، ج١٨، ص٥۰٧.