- جواهر البحار
- » تتمة كتاب الصلاة
- » أحاديث في جوامع أحكام النوافل اليومية
قيل للصادق (عليه السلام): جعلت فداك، ربما فاتتني صلاة الليل الشهر والشهرين والثلاثة فأقضيها بالنهار، أ يجوز ذلك؟ قال (عليه السلام): قرّة عين لك والله _ ثلاثاً _ إنّ الله يقول: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ الَّيۡلَ وَالنَّهَارَ خِلۡفَةٗ﴾، فهو قضاء صلاة النهار بالليل، وقضاء صلاة الليل بالنهار، وهو من سرّ آل محمّد (عليهم السلام) المكنون.
قال الصادق (عليه السلام): إنّ الربّ ليعجّب ملائكته من العبد من عباده يراه يقضي النافلة، فيقول: انظروا إلى عبدي يقضي ما لم أفترض عليه.
قال عبد الله بن سنان: قلت للصادق (عليه السلام) في رجل عليه من النوافل ما لا يدري كم هو؛ لكثرته؟ قال (عليه السلام): يصلّي حتّى لا يدري كم صلّى من كثرته، فيكون قد قضى بقدر ما عليه من ذلك، قلت: فإنّه لا يقدر على القضاء من شغله، قال (عليه السلام): إن شغل في معيشة لا بدّ منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شيء عليه، وإن كان شغله لجمع الدنيا فتشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء، وإلّا لقي الله وهو مستخفّ متهاون، مضيّع لسنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
قلت: فإنّه لا يقدر على القضاء، فهل يصلح له أن يتصدّق؟ فسكت مليّاً ثمّ قال (عليه السلام): نعم، فليتصدّق بقدر طوله، وأدنى ذلك مدّ لكلّ مسكين مكان كلّ صلاة، قلت: وكم الصلاة التي يجب فيها مدّ لكلّ مسكين؟ قال (عليه السلام): لكلّ ركعتين من صلاة الليل والنهار، قلت: لا يقدر، قال (عليه السلام): فمدّ إذاً لكلّ صلاة الليل، ومدّ لصلاة النهار، والصلاة أفضل.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي ذرّ في وصيّته له: يا أبا ذرّ، ما من رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الأرض إلّا شهدت له يوم القيامة، وما من منزل ينزله قوم إلّا وأصبح ذلك المنزل يصلّي عليهم أو يلعنهم، يا أبا ذرّ، ما من رواح ولا صباح إلّا وبقاع الأرض ينادي بعضها بعضاً: يا جارة، هل مرّ عليك اليوم ذاكر لله، أو عبد وضع جبهته عليك ساجداً لله تعالى؟ فمن قائلة لا، ومن قائلة نعم، فإذا قالت: نعم، اهتزّت وانشرحت، وترى أنّ لها الفضل على جارتها.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما من رجل من فقراء شيعتنا إلّا وعليه تبعة، قيل: جعلت فداك، وما التبعة؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): من الإحدى والخمسين ركعة، ومن صوم ثلاثة أيّام من الشهر، فإذا كان يوم القيامة، خرجوا من قبورهم ووجوههم مثل القمر
ليلة البدر.
قال الصادق (عليه السلام): إنّ القلب يحيا ويموت، فإذا حيّ فأدّبه بالتطوّع، وإذا مات فاقصره على الفرائض.
قال الرضا (عليه السلام): إنّ للقلوب إقبالاً وإدباراً _ أو نشاطاً وفتوراً _ فإذا أقبلت بصرت وفهمت، وإذا أدبرت كلّت وملّت، فخذوها عند إقبالها ونشاطها، واتركوها عند إدبارها.
قال الحسن العسكري (عليه السلام): إنّ للقلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل، وإذا أدبرت فاقصروها على الفرائض.
قال السجّاد (عليه السلام): من عمل عملاً من أعمال الخير فليدم عليه سنة، ولا يقطعه دونها شيء.
قال القاضي نعمان: ما أظنّه أراد بهذا أن يقطع بعد السنة، ولكنّه أراد أن يدرّب الناس على عمل الخير ويعوّدهم إيّاه، لأنّ من داوم عملاً سنة لم يقطعه، لأنّه يصير حينئذ عادة، وقد جرّبنا هذا في كثير من الأشياء، فوجدناه كذلك. أقول: وإن كان الأمر غالباً كما ذكره لكن لا ضرورة إلى هذا التكلّف ولا حجر في ترك المستحبّات والنوافل.
قال الصادق (عليه السلام): من قرأ: ﴿قُلۡ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، و﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ الۡقَدۡرِ﴾، وآية الكرسيّ في كلّ ركعة من تطوّعه، فقد فتح له بأعظم أعمال الآدميين، إلّا من أشبهه أو من زاد عليه.
الأوّل: جواز الجلوس فيها اختياراً على المشهور، كما عرفت.
الثاني: عدم وجوب السورة فيها إجماعاً، بخلاف الفريضة فإنّه قد قيل فيها بالوجوب.
الثالث: جواز القران فيها إجماعاً بخلاف الفريضة، فإنّه ذهب جماعة كثيرة إلى عدم الجواز.
الرابع: جواز فعلها راكباً وماشياً اختياراً على التفصيل المتقدّم، بخلاف الفريضة كما عرفت.
الخامس: أنّ الشكّ بين الواحد والاثنين في الفريضة يوجب البطلان، بخلاف النافلة فإنّه يبنى على الأقلّ، كما هو ظاهر أكثر الروايات، أو يتخيّر بين البناء على الأقلّ أو الأكثر، كما هو المشهور.
السادس: أنّ الشكّ في الزائد على الاثنين، يوجب صلاة الاحتياط في الفريضة، بخلاف النافلة فإنّه يبنى على الأقلّ أو هو مخيّر.
السابع: لو عرض في النافلة ما لو عرض في الفريضة لأوجب سجدة السهو لا يوجبها فيها، كالكلام إذ المتبادر من الأخبار الواردة في ذلك الفريضة.
الثامن: أنّ زيادة الركن سهواً في النافلة لا يوجب البطلان بخلاف الفريضة، وقد صرّح بذلك العلّامة في المنتهى، والشهيد في الدروس.
قال في المنتهى: لو قام إلى الثالثة في النافلة فركع ساهياً، أسقط الركوع وجلس وتشهّد.
وقال مالك: يتمّها أربعاً ويسجد للسهو، ثمّ قال: ويؤيّده ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبيد الله الحلبي قال: سألته عن رجل سها في ركعتين من النافلة، فلم يجلس بينهما حتى قام فركع في الثالثة؟ قال (عليه السلام): يدع ركعة ويجلس ويتشهّد ويسلّم، ويستأنف الصلاة.
وأقول: لا يتوهّم أنّ استئناف الصلاة أراد به استئناف الركعتين المتقدّمتين، إذ لم يحتج حينئذٍ إلى التشهّد والسلام، بل المراد استئناف ما شرع فيه من الركعتين الأخيرتين.
وروى الحسن الصيقل في الوتر أيضاً مثل ذلك، وقال في آخره: ليس النافلة مثل الفريضة.
التاسع: أنّ نقصان الركن في الفريضة _ أي تركه إلى أن يدخل في ركن آخر _ يوجب البطلان على المشهور من عدم التلفيق، وفي النافلة يرجع ويأتي به وإن دخل في ركن آخر، لأنّ الأصحاب حملوا أحاديث التلفيق على النافلة، فيدلّ على قولهم بالفرق في ذلك.
العاشر: ذهب ابن أبي عقيل إلى عدم وجوب الفاتحة في النافلة، فهو أحد الفروق على قوله، لكنّه ضعيف.
الحادي عشر: ذهب العلّامة إلى عدم وجوب الاعتدال في رفع الرأس من الركوع والسجود في النافلة، بل جواز ترك كلّ ما لم يكن ركناً في الفريضة، وقد يستدلّ على ذلك بما مرّ نقلاً عن السرائر وقرب الإسناد عن موسى بن جعفر والرضا (عليهما السلام)، قال: سألته عن الرجل يسجد ثمّ لا يرفع يديه من الأرض، بل يسجد الثانية، هل يصلح له ذلك؟ قال (عليه السلام): ذلك نقص في الصلاة. بحمله على النافلة ولا صراحة فيه.
الثاني عشر: جواز قراءة السجدة في النافلة، وعدمه في الفريضة.
الثالث عشر: الإتيان بسجود التلاوة في النافلة، وعدمها في الفريضة كما مرّ.
الرابع عشر: جواز إيقاع النافلة في الكعبة، وعدمه في الفريضة على أحد القولين.
الخامس عشر: لزوم رفع شيء والسجود عليه، إذا صلّى الفريضة على الدابّة، وفي النافلة يكفيه الإيماء، كما دلّ عليه صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله وغيرها، وقد تقدّم القول فيه.
السادس عشر: جواز القراءة في المصحف في النافلة، وعدمه في الفريضة على قول جماعة.
السابع عشر: استحباب إيقاع الفريضة في المسجد، وعدمه في النافلة على المشهور، وقد مرّ بعض ذلك، وسيأتي بعضه. (ص٤٩-٥١)