قال عمرو بن واقد: قال لي الكاظم (عليه السلام) بعد ما سمّ: لاتأخذوا من تربتي شيئاً لتتبرّكوا به، فإنّ كلّ تربة لنا محرّمة إلّا تربة جدّي الحسين بن عليّ (عليه السلام)، فإنّ الله عزّ وجلّ جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا.
قال الحارث بن المغیرة: قلت للصادق (عليه السلام): إنّي رجل كثير العلل والأمراض، وما تركت دواء إلّا تداويت به، فقال (عليه السلام) لي: أين أنت عن طين قبر الحسين بن عليّ (عليه السلام)؟ فإنّ فيه شفاء من كلّ داء، وأمناً من كلّ خوف، فإذا أخذته فقل هذا الكلام: «اللّهمّ إنّي أسألك بحقّ هذه الطينة، وبحقّ الملك الذي أخذها، وبحقّ النبيّ الذي قبضها، وبحقّ الوصيّ الذي حلّ فيها، صلّ على محمّد وآل محمّد وأهل بيته، وافعل بي كذا وكذا»، ثمّ قال لي الصادق (عليه السلام): أمّا الملك الذي أخذها فهو جبرئيل وأراها النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: هذه تربة ابنك الحسين، تقتله أمّتك من بعدك، والذي قبضها فهو محمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأمّا الوصيّ الذي حلّ فيها فالحسين (عليه السلام) والشهداء _ رضي الله عنهم _.
قلت: قد عرفت، جعلت فداك، الشفاء من كلّ داء، فكيف الأمن من كلّ خوف؟ فقال (عليه السلام): إذا خفت سلطاناً أو غير سلطان، فلا تخرجنّ من منزلك إلّا ومعك من طين قبر الحسين (عليه السلام)، فتقول: «اللّهــمّ إنّي أخذته من قبر وليّك وابن وليّك، فاجعله لي أمناً وحرزاً لما أخاف وما لا أخاف»، فإنّه قد يردّ ما لا يخاف.
قال الحارث بن مغيرة: فأخذت كما أمرني، وقلت ما قال لي، فصحّ جسمي، وكان لي أماناً من كلّ ما خفت وما لم أخف كما قال الصادق (عليه السلام)، فما رأيت مع ذلك _ بحمد الله _ مكروهاً ولا محذوراً.
قال زيد أبو أسامة: كنت في جماعة من عصابتنا بحضرة سيّدنا الصادق (عليه السلام)، فأقبل علينا الصادق (عليه السلام) فقال: إنّ الله جعل تربة جدّي الحسين (عليه السلام) شفاء من كلّ داء وأماناً من كلّ خوف، فإذا تناولها أحدكم فليقبّلها ويضعها على عينيه وليمرّها على سائر جسده، وليقل: «اللّهــمّ بحقّ هذه التربة، وبحقّ من حلّ بها وثوى فيها، وبحقّ أبيه وأمّه وأخيه والأئمّة من ولده، وبحقّ الملائكة الحافّين به، إلّا جعلتها شفاء من كلّ داء، وبرءاً من كلّ مرض، ونجاة من كلّ آفة، وحرزاً ممّا أخاف وأحذر» ثمّ ليستعملها.
قال أبو أسامة: فإنّي أستعملها من دهري الأطول كما قال ووصف الصادق (عليه السلام)، فما رأيت _ بحمد الله _ مكروهاً.
قال محمّد بن مسلم: خرجت إلى المدينة وأنا وجع، فقيل له ١ : محمّد بن مسلم وجع، فأرسل إليّ الباقر (عليه السلام) شراباً مع الغلام مغطّىً بمنديل، فناولنيه الغلام وقال لي: اشربه، فإنّه قد أمرني أن لا أبرح حتّى تشربه، فتناولته فإذا رائحة المسك منه وإذا شراب طيّب الطعم بارد.
فلمّا شربته قال لي الغلام: يقول لك مولاي: إذا شربت فتعال، ففكّرت فيما قال (عليه السلام) لي، وما أقدر على النهوض قبل ذلك على رجل، فلمّا استقرّ الشراب في جوفي، فكأنّما نشطت من عقال، فأتيت بابه فاستأذنت عليه، فصوّت (عليه السلام) بي: صحّ الجسم، ادخل، فدخلت عليه وأنا باكٍ، فسلّمت عليه وقبّلت يده ورأسه.
فقال (عليه السلام) لي: وما يبكيك يا محمّد؟ فقلت: جعلت فداك، أبكي على اغترابي وبعد الشقّة، وقلّة القدرة على المقام عندك أنظر إليك، فقال (عليه السلام) لي: أمّا قلّة القدرة، فكذلك جعل الله أولياءنا وأهل مودّتنا، وجعل البلاء إليهم سريعاً.
وأمّا ما ذكرت من الغربة، فإنّ المؤمن في هذه الدنيا غريب، وفي هذا الخلق المنكوس حتّى يخرج من هذه الدار إلى رحمة الله.
وأمّا ما ذكرت من بعد الشقّة، فلك بالحسین (عليه السلام) أسوة بأرض نائية عنّا بالفرات.
وأمّا ما ذكرت من حبّك قربنا والنظر إلينا، وأنّك لا تقدر على ذلك، فالله يعلم ما في قلبك وجزاؤك عليه.
ثمّ قال (عليه السلام) لي: هل تأتي قبر الحسين (عليه السلام)؟ قلت: نعم، على خوف ووجل، فقال (عليه السلام): ما كان في هذا أشدّ، فالثواب فيه على قدر الخوف، فمن خاف في إتيانه آمن الله روعته ﴿يَوۡمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الۡعَٰلَمِينَ﴾، وانصرف بالمغفرة، وسلّمت عليه الملائكة، وزاره النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وما يصنع ودعا له، وانقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء، واتّبع رضوان الله.
ثمّ قال (عليه السلام) لي: كيف وجدت الشراب؟ فقلت: أشهد أنّكم أهل بيت الرحمة، وأنّك وصيّ الأوصياء، لقد أتاني الغلام بما بعثت وما أقدر على أن أستقلّ على قدميّ، ولقد كنت آيساً من نفسي، فناولني الشراب فشربته، فما وجدت مثل ريحه ولا أطيب من ذوقه ولا طعمه ولا أبرد منه.
فلمّا شربته قال لي الغلام: إنّه أمرني أن أقول لك إذا شربته فأقبل إليّ، وقد علمت شدّة ما بي فقلت: لأذهبنّ إليه ولو ذهبت نفسي، فأقبلت إليك وكأنّي أنشطت من عقال، فالحمد الله الذي جعلكم رحمة لشيعتكم، فقال (عليه السلام): يا محمّد، إنّ الشراب الذي شربته فيه من طين قبور آبائي وهو أفضل ما استشفي به، فلا تعدلنّ به، فإنّا نسقيه صبياننا ونساءنا فنرى فيه كلّ خير، فقلت له: جعلت فداك، إنّا لنأخذ منه ونستشفي به؟ قال (عليه السلام): يأخذه الرجل فيخرجه من الحير وقد أظهره، فلا يمرّ بأحد من الجنّ به عاهة ولا دابّة ولا شيء به آفة إلّا شمّه، فتذهب بركته فيصير بركته لغيره، وهذا الذي نتعالج به ليس هكذا، ولولا ما ذكرت لك ما تمسّح به شيء ولا شرب منه شيء إلّا أفاق من ساعته، وما هو إلّا كحجر الأسود، أتاه أصحاب العاهات والكفر والجاهلية وكان لا يتمسّح به أحد إلّا أفاق، قال (عليه السلام): وكان كأبيض ياقوته فاسودّ حتّى صار إلى ما رأيت، فقلت: جعلت فداك، وكيف أصنع به؟ فقال (عليه السلام): أنت تصنع به مع إظهارك إيّاه ما يصنع غيرك، تستخفّ به فتطرحه في خرجك، وفي أشياء دنسة فيذهب ما فيه ممّا تريد به.
فقلت: صدقت، جعلت فداك، قال (عليه السلام): ليس يأخذه أحد إلّا وهو جاهل بأخذه ولا يكاد يسلم بالناس، فقلت: جعلت فداك، وكيف لي أن آخذه كما تأخذ؟ فقال (عليه السلام) لي: أعطيك منه شيئاً؟ فقلت: نعم، قال (عليه السلام): فإذا أخذته فكيف تصنع به؟ قلت: أذهب به معي، قال: في أيّ شيء تجعله؟ قلت: في ثيابي، قال: فقد رجعت إلى ما كنت تصنع، اشرب عندنا منه حاجتك ولا تحمله، فإنّه لا يسلم لك فسقاني منه مرّتين، فما أعلم أنّي وجدت شيئاً ممّا كنت أجد حتّى انصرفت.
قال الصادق (عليه السلام): لو أنّ مريضاً من المؤمنين يعرف حقّ أبي عبد الله الحسين بن عليّ (عليه السلام) وحرمته وولايته، أخذ من طين قبره مثل رأس أنملة، كان له دواء.
قال ابن أبي یعفور: قلت للصادق (عليه السلام): يأخذ الإنسان من طين قبر الحسين (عليه السلام) فينتفع به ويأخذ غيره فلا ينتفع به؟ فقال: لا، والله الذي لا إله إلّا هو، ما يأخذه أحد وهو يرى أنّ الله ينفعه به إلّا نفعه الله به.
قال الصادق (عليه السلام): إذا أردت حمل الطين طين قبر الحسين (عليه السلام) فاقرأ فاتحة الكتاب، والمعوّذتين، و﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾، و﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾، و﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾، ويس وآية الكرسيّ، وتقول: اللّهــمّ بحقّ محمّد عبدك وحبيبك ونبيّك ورسولك وأمينك، وبحقّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عبدك وأخي رسولك، وبحقّ فاطمة بنت نبيّك وزوجة وليّك، وبحقّ الحسن والحسين، وبحقّ الأئمّة الراشدين، وبحقّ هذه التربة، وبحقّ الملك الموكّل بها، وبحقّ الوصيّ الذي هو فيها، وبحقّ الجسد الذي تضمّنت، وبحقّ السبط الذي ضمّنت، وبحقّ جميع ملائكتك وأنبيائك ورسلك، صلّ على محمّد وآله، واجعل هذا الطين شفاء لي ولمن يستشفي به من كلّ داء وسقم ومرض، وأماناً من كلّ خوف، اللّهــمّ بحقّ محمّد وأهل بيته اجعله علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاء من كلّ داء وسقم وآفة وعاهة وجميع الأوجاع كلّها، إنّك على كلّ شيء قدير، وتقول: اللّهــمّ ربّ هذه التربة المباركة الميمونة، والملك الذي هبط بها، والوصيّ الذي هو فيها، صلّ على محمّد وآل محمّد وسلّم، وانفعني بها، إنّك على كلّ شيء قدير.
قال أبو بكّار: أخذت من التربة التي عند رأس الحسين بن عليّ (عليه السلام) طيناً أحمر، فدخلت على الرضا (عليه السلام) فعرضتها عليه، فأخذها في كفّه ثمّ شمّها ثمّ بكى حتّى جرت دموعه، ثمّ قال (عليه السلام): هذه تربة جدّي.
قال الكاظم (عليه السلام): لا تستغني شيعتنا عن أربع: خمرة يصلّي عليها، وخاتم يتختّم به، وسواك يستاك به، وسبحة من طين قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) فيها ثلاث وثلاثون حبّة، متى قلّبها ذاكراً لله كتب له بكلّ حبّة أربعون حسنة، وإذا قلّبها ساهياً يعبث بها كتب الله له عشرون حسنة.
قال الحمیري: كتبت إلی القائم (عجل الله تعالى فرجه) ١ أسأله هل يجوز أن يسبّح الرجل بطين قبر الحسين (عليه السلام)، وهل فيه فضل؟ فأجاب _ وقرأت التوقيع، ومنه نسخت _: تسبّح به، فما من شيء من التسبيح أفضل منه، ومن فضله أنّ المسبّح ينسى التسبيح ويدير السبحة تكتب له ذلك التسبيح، وكتبت إليه أسأله عن طين القبر يوضع مع الميّت في قبره، هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت: يوضع مع الميّت في قبره، يخلط بحنوطه إن شاء الله.
قال الصادق (عليه السلام): إنّ فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت سبحتها من خيط صوف مفتّل معقود عليه عدد التكبيرات، وكانت (عليها السلام)تديرها بيدها تكـبّر وتسبّح، حتّى قتل حمزة بن عبد المطّلب، فاستعملت تربته وعملت التسابيح فاستعملها الناس، فلمّا قتل الحسين (عليه السلام) عدل بالأمر إليه فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل والمزيّة.
قال الرضا (عليه السلام): من أدار الطين من التربة فقال: «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر» مع كلّ حبّة منها، كتب الله تعالى له بها ستّة آلاف حسنة، ومحا عنه ستّة آلاف سيّئة، ورفع له ستّة آلاف درجة، وأثبت له من الشفاعة مثلها.
وروي أنّ الحور العين إذا أبصرن بواحد من الأملاك يهبط إلى الأرض لأمر مّا، يستهدين منه السبح والتربة من طين قبر الحسين (عليه السلام).
كان للصادق (عليه السلام) خريطة ديباج صفراء فيها تربة الحسین (عليه السلام) فكان إذا حضرت الصلاة صبّه على سجّادته وسجد عليه، ثمّ قال (عليه السلام): السجود على تربة الحسين (عليه السلام) يخرق الحجب السبع.
روي أنّه لمّا حمل عليّ بن الحسين (عليه السلام) إلى يزيد، همّ بضرب عنقه، فوقّفه بين يديه وهو يكلّمه ليستنطقه بكلمة يوجب بها قتله، وعليّ (عليه السلام) يجيبه حسب ما يكلّمه، وفي يده سبحة صغيرة يديرها بأصابعه وهو يتكلّم، فقال له يزيد: أكلّمك وأنت تجيبني وتدير أصابعك بسبحة في يدك فكيف يجوز ذلك؟ فقال (عليه السلام): حدّثني أبي، عن جدّي: أنّه كان إذا صلّى الغداة وانفتل لا يتكلّم حتّى يأخذ سبحة بين يديه فيقول: «اللّهــمّ إنّي أصبحت أسبّحك وأمجّدك وأحمدك وأهلّلك بعدد ما أدير به سبحتي»، ويأخذ السبحة ويديرها وهو يتكلّم بما يريد من غير أن يتكلّم بالتسبيح، وذكر أنّ ذلك محتسب له وهو حرز إلى أن يأوي إلى فراشه، فإذا أوى إلى فراشه قال مثل ذلك القول، ووضع سبحته تحت رأسه، فهي محسوبة له من الوقت إلى الوقت، ففعلت هذا اقتداء بجدّي، فقال له يزيد: لست أكلّم أحداً منكم إلّا ويجيبني بما يعود به، وعفا عنه ووصله وأمر بإطلاقه.