أحاديث في ذم التكبر والمستكبرين وبيان الكبر في أحاديث أهل البيت (ع) وفي مدح التواضح والحث عليه والتخلق به، وفي حال المتكبرين يوم القيامة وسوء عذابهم، وفي أسباب التكبر، وهذه أحاديث جليلة جمعها العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار، وقد اقتبس الشيخ حبيب الكاظمي بعض هذه الأحاديث وحذف أسانيدها مع مراعاة التبويب، فكانت جواهر البحار الذي بين يديك.
.
فهرس جواهر البحار
كتاب العقل والعلم والجهل
كتاب التوحيد
كتاب العدل والمعاد
كتاب الاحتجاج
كتاب النبوة
كتاب تاريخ نبينا (ص)
كتاب الإمامة
كتاب الفتن والمحن
كتاب تاريخ أميرالمؤمنين (ع)
كتاب تاريخ فاطمة والحسنين (ع)
كتاب تاريخ السجاد والباقر والصادق والكاظم (ع)
كتاب تاريخ الرضا والجواد والهادي والعسكري (ع)
كتاب تاريخ الحجة (عج)
كتاب السماء والعالم
كتاب الإيمان والكفر
كتاب العشرة
كتاب الآداب والسنن
كتاب الروضة
كتاب الطهارة
كتاب الصلاة
كتاب القرآن
كتاب الأدعية والأذكار
كتاب الزكاة والصدقة
كتاب الصوم
كتاب أعمال السنين والشهور
كتاب الحج والعمرة
كتاب الجهاد
كتاب المزار
كتاب العقود والإيقاعات
- جواهر البحار
- » تتمة كتاب الإيمان والكفر
- » أحاديث في الكبر
الحديث: ١
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٨٠
مرّ الحسين بن عليّ (عليه السلام) على مساكين قد بسطوا كساءهم وألقوا كسراً، فقالوا: هلمّ يا بن رسول الله، فثنّى وركه فأكل معهم ثمّ تلا: ﴿إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرينَ﴾.
بيــان:
الآيات والأخبار في ذمّ الكبر ومدح التواضع أكثر من أن تحصى، قال الشهيد _ قدّس الله روحه _: الكبر معصية والأخبار كثيرة في ذلك، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لن يدخل الجنّة من في قلبه مثقال ذرّة من الكبر، فقالوا: يا رسول الله، إنّ أحدنا يحبّ أن يكون ثوبه حسناً وفعله حسناً، فقال (صلى الله عليه وآله): إنّ الله جميل يحبّ الجمال، ولكنّ الكبر بطر الحقّ، وغمص الناس» ...
ثمّ اعلم أنّه لا يتكـبّر إلّا من استعظم نفسه، ولا يستعظمها إلّا وهو يعتقد لها صفة من صفات الكمال، ومجامع ذلك يرجع إلى كمال ديني أو دنيوي: والديني هو العلم والعمل، والدنيوي هو النسب والجمال والقوّة والمال وكثرة الأنصار، فهذه سبعة:
الأوّل: العلم وما أسرع الكبر إلى العلماء، ولذلك قال (صلى الله عليه وآله): «آفة العلم الخيلاء»، فهو يتعزّز بعزّ العلم ويستعظم نفسه ويستحقر الناس وينظر إليهم نظره إلى البهائم، ويتوقّع منهم الإكرام والابتداء بالسلام ويستخدمهم ولا يعتني بشأنهم، هذا فيما يتعلّق بالدنيا، وأمّا في الآخرة: فبأن يرى نفسه عند الله أعلى وأفضل منهم، فيخاف عليهم أكثر ممّا يخافه على نفسه، ويرجو لنفسه أكثر ممّا يرجو لهم، وهذا بأن يسمّى جاهلاً أولى من أن يسمى عالماً، بل العلم الحقيقي هو الذي يعرف الإنسان به نفسه وربّه، وخطر الخاتمة، وحجّة الله على العلماء، وعظم خطر العمل فيه، وهذه العلوم تزيد خوفاً وتواضعاً وتخشّعاً، ويقتضي أن يرى أنّ كلّ الناس خير منه لعظم حجّة الله عليه بالعلم، وتقصيره في القيام بشكر نعمة العلم. فإن قلت: فما بال بعض الناس يزداد بالعلم كبراً وأمناً؟ ... فاعلم أنّ له سببين:
أحدهما: أن يكون اشتغاله بما يسمّى علماً وليس بعلم حقيقي، وإنّما العلم الحقيقي ما يعرف العبد به نفسه وربّه، وخطر أمره في لقاء الله والحجاب عنه، وهذا يورث الخشية والتواضع دون الكبر والأمن، قال الله تعالی: ﴿إِنَّما يَخْشَى اللّهََ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ﴾ فأمّا ما وراء ذلك _ كعلم الطبّ والحساب واللغة والشعر والنحو وفصل الخصومات وطرق المجادلات _ فإذا تجرّد الإنسان لها حتّى امتلأ بها امتلأ كبراً ونفاقاً، وهذه بأن تسمّى صناعات أولى بأن تسمّى علوماً، بل العلم هو معرفة العبودية والربوبية وطريق العبادة، وهذا يورث التواضع غالباً.
السبب الثاني: أن يخوض العبد في العلم وهو خبيث الدخلة، رديّ النفس، سيّئ الأخلاق، فلم يشتغل أوّلاً بتهذيب نفسه وتزكية قلبه بأنواع المجاهدات، ولم يرُض نفسه في عبادة ربّه فبقي خبيث الجوهر، فإذا خاض في العلم أيّ علم كان، صادف العلم من قلبه منزلاً خبيثاً، فلم يطب ثمره ولم يظهر في الخير أثره ...
الثاني: العمل والعبادة، وليس يخلو عن رذيلة العزّ والكبر، واستمالة قلوب الناس الزهّاد والعبّاد، ويترشّح الكبر منهم في الدنيا والدين. أمّا الدنيا: فهو أنّهم يرون غيرهم بزيارتهم أولى من أنفسهم بزيارة غيرهم، ويتوقّعون قيام الناس بحوائجهم وتوقيرهم والتوسيع لهم في المجالس، وذكرهم بالورع والتقوى وتقديمهم على سائر الناس في الحظوظ إلى غير ذلك ممّا مرّ في حقّ العلماء، وكأنّهم يرون عبادتهم منّة على الخلق.
وأمّا في الدين: فهو أن يرى الناس هالكين ويرى نفسه ناجياً، وهو الهالك تحقيقاً مهما رأى ذلك، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): إذا سمعتم الرجل يقول: هلك الناس فهو أهلكهم.
وروي أنّ رجلاً في بني إسرائيل _ يقال له خليع بني إسرائيل لكثرة فساده _ مرّ برجل _ يقال له عابد بني إسرائيل _ وكانت على رأس العابد غمامة تظلّه لمّا مرّ الخليع به فقال الخليع في نفسه: أنا خليع بني إسرائيل كيف أجلس بجنبه؟ وقال العابد: هو خليع بني إسرائيل كيف يجلس إليّ؟ فأنف منه وقال له: قم عنّي، فأوحى الله إلى نبيّ ذلك الزمان: مرهما فليستأنفا العمل، فقد غفرت للخليع وأحبطت عمل العابد، وفي حديث آخر: فتحوّلت الغمامة إلى رأس الخليع.
وهذه آفة لا ينفكّ عنها أحد من العبّاد إلّا من عصمه الله، لكنّ العلماء والعبّاد في آفة الكبر على ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: أن يكون الكبر مستقرّاً في قلبه، يرى نفسه خيراً من غيره إلّا أنّه يجتهد ويتواضع ويفعل فعل من يرى غيره خيراً من نفسه، وهذا قد رسخت في قلبه شجرة الكبر، ولكنّه قطع أغصانها بالكلّية.
الثانية: أن يظهر ذلك على أفعاله بالترفّع في المجالس والتقدّم على الأقران، وإظهار الإنكار على من يقصّر في حقّه، وأدنى ذلك في العالم أن يصعّر خدّه للناس كأنّه معرض عنهم، وفي العابد أن يعبّس وجهه ويقطّب جبينه كأنّه متنزّه عن الناس، مستقذر لهم أو غضبان عليهم، وليس يعلم المسكين أنّ الورع ليس في الجبهة حتّى يقطبها ولا في الوجه حتّى يعبّس، ولا في الخدّ حتّى يصعّر، ولا في الرقبة حتّى يطأطئ، ولا في الذيل حتّى يضمّ، إنّما الورع في القلوب، قال (صلى الله عليه وآله): التقوى ههنا _ وأشار إلى صدره _.
وهؤلاء أخفّ حالاً ممّن هو في المرتبة الثالثة، وهو الذي يظهر الكبر على لسانه حتّى يدعوه إلى الدعوى والمفاخرة والمباهاة وتزكية النفس ...
وأمّا بيان البواعث على التكـبّر، فاعلم أنّ الكبر خلق باطن، وأمّا ما يظهر من الأخلاق والأعمال فهو ثمرتها ونتيجتها، وينبغي أن يسمّى تكـبّراً ويخصّ اسم الكبر بالمعنى الباطن الذي هو استعظام النفس ورؤية قدر لها فوق قدر الغير، وهذا الباب الباطن له موجب واحد وهو العجب، فإنّه إذا أعجب بنفسه وبعلمه وعمله أو بشيء من أسبابه استعظم نفسه وتكـبّر، وأمّا الكبر الظاهر فأسبابه ثلاثة:
سبب في المتكـبّر، وسبب في المتكـبّر عليه، وسبب يتعلّق بغيرهما:
أمّا السبب الذي في المتكـبّر فهو العجب، والذي يتعلق بالمتكـبّر عليه فهو الحقد والحسد، والذي يتعلّق بغيرهما هو الرياء، فالأسباب بهذا الاعتبار أربعة: العجب والحقد والحسد والرياء ...
وأمّا معالجة الكبر واكتساب التواضع فهو علمي وعملي:
أمّا العلمي: فهو أن يعرف نفسه وربّه ويكفيه ذلك في إزالته، فإنّه مهما عرف نفسه حقّ المعرفة علم أنّه أذلّ من كلّ ذليل، وأقلّ من كلّ قليل بذاته، وأنّه لا يليق به إلّا التواضع والذلّة والمهانة، وإذا عرف ربّه علم أنّه لا يليق العظمة والكبرياء إلّا بالله ... فهذا هو العلاج العلمي القاطع لأصل الكبر.
وأمّا العلاج العملي: فهو التواضع بالفعل لله تعالی، ولسائر الخلق بالمواظبة على أخلاق المتواضعين، وما وصل إليه من أحوال الصالحين ومن أحوال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حتّى أنّه كان يأكل على الأرض، ويقول: إنّما أنا عبد آكل كما يأكل العبد.
وقيل لسلمان: لم لا تلبس ثوباً جيّداً؟ فقال: إنّما أنا عبد، فإذا أعتقت يوماً لبست، أشار به إلى العتق في الآخرة، ولا يتمّ التواضع بعد المعرفة إلّا بالعمل، فمن عرف نفسه فلينظر إلى كلّ ما يتقاضاه الكبر من الأفعال، فليواظب على نقيضها حتّى يصير التواضع له خلقاً، وقد ورد في الأخبار الكثيرة علاج الكبر بالأعمال، وبيان أخلاق المتواضعين. قيل: اعلم أنّ التكـبّر يظهر في شمائل الرجل كصعر في وجهه، ونظره شزراً، وإطراقه رأسه، وجلوسه متربّعاً ومتّكئاً، وفي أقواله حتّى في صوته ونغمته وصفته في الإيراد، ويظهر في مشيته وتبختره وقيامه وجلوسه وفي حركاته وسكناته وفي تعاطيه لأفعاله وساير تقلّباته في أقواله وأفعاله وأعماله.
فمن المتكـبّرين من يجمع ذلك كلّه، ومنهم من يتكـبّر في بعض:
فمنها: التكـبّر بأن يحبّ قيام الناس له أو بين يديه، وقد قال عليّ (عليه السلام): «ومن أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار، فلينظر إلى رجل قاعد وبين يديه قوم قيام». وقال أنس: لم يكن شخص أحبّ إليهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكانوا إذا رأوه لا يقومون له، لما يعلمون من كراهته لذلك.
ومنها: أن لا يمشي إلّا ومعه غيره يمشي خلفه، قال أبو الدرداء: لا يزال العبد يزداد من الله بعداً ما مشي خلفه، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بعض الأوقات يمشي مع الأصحاب فيأمرهم بالتقدّم ويمشي في غمارهم.
ومنها: أن لا يزور غيره وإن كان يحصل من زيارته خير لغيره في الدين، وهو ضدّ التواضع.
ومنها: أن يستنكف من جلوس غيره بالقرب منه إلّا أن يجلس بين يديه، والتواضع خلافه، قال أنس: كانت الوليدة من ولائد المدينة تأخذ بيد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا ينزع منها يده حتّى تذهب به حيث شاءت.
ومنها: أن يتوقّى مجالسة المرضى والمعلولين ويتحاشى عنهم وهو كبر، دخل رجل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليه جدري قد يقشّر، وعنده أصحابه يأكلون، فما جلس عند أحد إلّا قام من جنبه، فأجلسه النبيّ (صلى الله عليه وآله) بجنبه.
ومنها: أن لا يتعاطى بيده شغلاً في بيته، والتواضع خلافه.
ومنها: أن لا يأخذ متاعاً ويحمله إلى بيته، وهذا خلاف عادة المتواضعين، كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يفعل ذلك. وقال عليّ (عليه السلام): «لا ينقص الرجل من كماله ما حمل من شيء إلى عياله». وقال بعضهم: رأيت عليّاً اشترى لحماً بدرهم فحمله في ملحفته، فقال: أحمل عنك يا أمير المؤمنين؟ قال: لا، أبو العيال أحقّ أن يحمل.
وبالجملة، فمجامع حسن الأخلاق والتواضع سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فبه ينبغي أن يقتدى، ومنه ينبغي أن يتعلّم، وقد قال ابن أبي سلمة: قلت لأبي سعيد الخدري: ما ترى فيما أحدث الناس من الملبس والمشرب والمركب والمطعم؟ فقال: يا بن أخي، كل لله واشرب لله، وكلّ شيء من ذلك دخله زهو أو مباهاة أو رياء أو سمعة فهو معصية وسرف.
وعالج في بيتك من الخدمة ما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعالج في بيته: كان يعلّف الناضح ويعقل البعير ويقمّ البيت ويحلب الشاة ويخصف النعل ويرقّع الثوب ويأكل مع خادمه ويطحن عنه إذا أعيى ويشتري الشيء من السوق ولا يمنعه الحياء أن يعلّقه بيده، أو يجعله في طرف ثوبه فينقلب إلى أهله يصافح الغنيّ والفقير والصغير والكبير ويسلّم مبتدئاً على كلّ من استقبله من صغير أو كبير، أسود أو أحمر، حرّ أو عبد من أهل الصلاة.
ليس له حلّة لمدخله وحلّة لمخرجه، لا يستحيي من أن يجيب إذا دعي وإن كان أشعث أغبر، ولا يحقّر ما دعي إليه، وإن لم يجد إلّا حشف الدقل لا يرفع غداء لعشاء ولا عشاء لغداء، هيّن المقولة، ليّن الخلقة، كريم الطبيعة، جميل المعاشرة، طلق الوجه، بسّاماً من غير ضحك، محزوناً من غير عبوس، شديداً من غير عنف، متواضعاً من غير مذلّة، جواداً من غير سرف، رحيماً بكلّ ذي قربى، قريباً من كلّ ذميّ ومسلم، رقيق القلب، دائم الإطراق، لم يبشم قطّ من شبع، ولا يمدّ يده إلى طمع.
قال أبو سلمة: فدخلت على عائشة، فحدّثتها كلّ هذا من أبي سعيد، فقالت: ما أخطأ فيه حرفاً، ولقد قصّر ... . (ص١٩٢-٢۰٩)
الآيات والأخبار في ذمّ الكبر ومدح التواضع أكثر من أن تحصى، قال الشهيد _ قدّس الله روحه _: الكبر معصية والأخبار كثيرة في ذلك، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لن يدخل الجنّة من في قلبه مثقال ذرّة من الكبر، فقالوا: يا رسول الله، إنّ أحدنا يحبّ أن يكون ثوبه حسناً وفعله حسناً، فقال (صلى الله عليه وآله): إنّ الله جميل يحبّ الجمال، ولكنّ الكبر بطر الحقّ، وغمص الناس» ...
ثمّ اعلم أنّه لا يتكـبّر إلّا من استعظم نفسه، ولا يستعظمها إلّا وهو يعتقد لها صفة من صفات الكمال، ومجامع ذلك يرجع إلى كمال ديني أو دنيوي: والديني هو العلم والعمل، والدنيوي هو النسب والجمال والقوّة والمال وكثرة الأنصار، فهذه سبعة:
الأوّل: العلم وما أسرع الكبر إلى العلماء، ولذلك قال (صلى الله عليه وآله): «آفة العلم الخيلاء»، فهو يتعزّز بعزّ العلم ويستعظم نفسه ويستحقر الناس وينظر إليهم نظره إلى البهائم، ويتوقّع منهم الإكرام والابتداء بالسلام ويستخدمهم ولا يعتني بشأنهم، هذا فيما يتعلّق بالدنيا، وأمّا في الآخرة: فبأن يرى نفسه عند الله أعلى وأفضل منهم، فيخاف عليهم أكثر ممّا يخافه على نفسه، ويرجو لنفسه أكثر ممّا يرجو لهم، وهذا بأن يسمّى جاهلاً أولى من أن يسمى عالماً، بل العلم الحقيقي هو الذي يعرف الإنسان به نفسه وربّه، وخطر الخاتمة، وحجّة الله على العلماء، وعظم خطر العمل فيه، وهذه العلوم تزيد خوفاً وتواضعاً وتخشّعاً، ويقتضي أن يرى أنّ كلّ الناس خير منه لعظم حجّة الله عليه بالعلم، وتقصيره في القيام بشكر نعمة العلم. فإن قلت: فما بال بعض الناس يزداد بالعلم كبراً وأمناً؟ ... فاعلم أنّ له سببين:
أحدهما: أن يكون اشتغاله بما يسمّى علماً وليس بعلم حقيقي، وإنّما العلم الحقيقي ما يعرف العبد به نفسه وربّه، وخطر أمره في لقاء الله والحجاب عنه، وهذا يورث الخشية والتواضع دون الكبر والأمن، قال الله تعالی: ﴿إِنَّما يَخْشَى اللّهََ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ﴾ فأمّا ما وراء ذلك _ كعلم الطبّ والحساب واللغة والشعر والنحو وفصل الخصومات وطرق المجادلات _ فإذا تجرّد الإنسان لها حتّى امتلأ بها امتلأ كبراً ونفاقاً، وهذه بأن تسمّى صناعات أولى بأن تسمّى علوماً، بل العلم هو معرفة العبودية والربوبية وطريق العبادة، وهذا يورث التواضع غالباً.
السبب الثاني: أن يخوض العبد في العلم وهو خبيث الدخلة، رديّ النفس، سيّئ الأخلاق، فلم يشتغل أوّلاً بتهذيب نفسه وتزكية قلبه بأنواع المجاهدات، ولم يرُض نفسه في عبادة ربّه فبقي خبيث الجوهر، فإذا خاض في العلم أيّ علم كان، صادف العلم من قلبه منزلاً خبيثاً، فلم يطب ثمره ولم يظهر في الخير أثره ...
الثاني: العمل والعبادة، وليس يخلو عن رذيلة العزّ والكبر، واستمالة قلوب الناس الزهّاد والعبّاد، ويترشّح الكبر منهم في الدنيا والدين. أمّا الدنيا: فهو أنّهم يرون غيرهم بزيارتهم أولى من أنفسهم بزيارة غيرهم، ويتوقّعون قيام الناس بحوائجهم وتوقيرهم والتوسيع لهم في المجالس، وذكرهم بالورع والتقوى وتقديمهم على سائر الناس في الحظوظ إلى غير ذلك ممّا مرّ في حقّ العلماء، وكأنّهم يرون عبادتهم منّة على الخلق.
وأمّا في الدين: فهو أن يرى الناس هالكين ويرى نفسه ناجياً، وهو الهالك تحقيقاً مهما رأى ذلك، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): إذا سمعتم الرجل يقول: هلك الناس فهو أهلكهم.
وروي أنّ رجلاً في بني إسرائيل _ يقال له خليع بني إسرائيل لكثرة فساده _ مرّ برجل _ يقال له عابد بني إسرائيل _ وكانت على رأس العابد غمامة تظلّه لمّا مرّ الخليع به فقال الخليع في نفسه: أنا خليع بني إسرائيل كيف أجلس بجنبه؟ وقال العابد: هو خليع بني إسرائيل كيف يجلس إليّ؟ فأنف منه وقال له: قم عنّي، فأوحى الله إلى نبيّ ذلك الزمان: مرهما فليستأنفا العمل، فقد غفرت للخليع وأحبطت عمل العابد، وفي حديث آخر: فتحوّلت الغمامة إلى رأس الخليع.
وهذه آفة لا ينفكّ عنها أحد من العبّاد إلّا من عصمه الله، لكنّ العلماء والعبّاد في آفة الكبر على ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: أن يكون الكبر مستقرّاً في قلبه، يرى نفسه خيراً من غيره إلّا أنّه يجتهد ويتواضع ويفعل فعل من يرى غيره خيراً من نفسه، وهذا قد رسخت في قلبه شجرة الكبر، ولكنّه قطع أغصانها بالكلّية.
الثانية: أن يظهر ذلك على أفعاله بالترفّع في المجالس والتقدّم على الأقران، وإظهار الإنكار على من يقصّر في حقّه، وأدنى ذلك في العالم أن يصعّر خدّه للناس كأنّه معرض عنهم، وفي العابد أن يعبّس وجهه ويقطّب جبينه كأنّه متنزّه عن الناس، مستقذر لهم أو غضبان عليهم، وليس يعلم المسكين أنّ الورع ليس في الجبهة حتّى يقطبها ولا في الوجه حتّى يعبّس، ولا في الخدّ حتّى يصعّر، ولا في الرقبة حتّى يطأطئ، ولا في الذيل حتّى يضمّ، إنّما الورع في القلوب، قال (صلى الله عليه وآله): التقوى ههنا _ وأشار إلى صدره _.
وهؤلاء أخفّ حالاً ممّن هو في المرتبة الثالثة، وهو الذي يظهر الكبر على لسانه حتّى يدعوه إلى الدعوى والمفاخرة والمباهاة وتزكية النفس ...
وأمّا بيان البواعث على التكـبّر، فاعلم أنّ الكبر خلق باطن، وأمّا ما يظهر من الأخلاق والأعمال فهو ثمرتها ونتيجتها، وينبغي أن يسمّى تكـبّراً ويخصّ اسم الكبر بالمعنى الباطن الذي هو استعظام النفس ورؤية قدر لها فوق قدر الغير، وهذا الباب الباطن له موجب واحد وهو العجب، فإنّه إذا أعجب بنفسه وبعلمه وعمله أو بشيء من أسبابه استعظم نفسه وتكـبّر، وأمّا الكبر الظاهر فأسبابه ثلاثة:
سبب في المتكـبّر، وسبب في المتكـبّر عليه، وسبب يتعلّق بغيرهما:
أمّا السبب الذي في المتكـبّر فهو العجب، والذي يتعلق بالمتكـبّر عليه فهو الحقد والحسد، والذي يتعلّق بغيرهما هو الرياء، فالأسباب بهذا الاعتبار أربعة: العجب والحقد والحسد والرياء ...
وأمّا معالجة الكبر واكتساب التواضع فهو علمي وعملي:
أمّا العلمي: فهو أن يعرف نفسه وربّه ويكفيه ذلك في إزالته، فإنّه مهما عرف نفسه حقّ المعرفة علم أنّه أذلّ من كلّ ذليل، وأقلّ من كلّ قليل بذاته، وأنّه لا يليق به إلّا التواضع والذلّة والمهانة، وإذا عرف ربّه علم أنّه لا يليق العظمة والكبرياء إلّا بالله ... فهذا هو العلاج العلمي القاطع لأصل الكبر.
وأمّا العلاج العملي: فهو التواضع بالفعل لله تعالی، ولسائر الخلق بالمواظبة على أخلاق المتواضعين، وما وصل إليه من أحوال الصالحين ومن أحوال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حتّى أنّه كان يأكل على الأرض، ويقول: إنّما أنا عبد آكل كما يأكل العبد.
وقيل لسلمان: لم لا تلبس ثوباً جيّداً؟ فقال: إنّما أنا عبد، فإذا أعتقت يوماً لبست، أشار به إلى العتق في الآخرة، ولا يتمّ التواضع بعد المعرفة إلّا بالعمل، فمن عرف نفسه فلينظر إلى كلّ ما يتقاضاه الكبر من الأفعال، فليواظب على نقيضها حتّى يصير التواضع له خلقاً، وقد ورد في الأخبار الكثيرة علاج الكبر بالأعمال، وبيان أخلاق المتواضعين. قيل: اعلم أنّ التكـبّر يظهر في شمائل الرجل كصعر في وجهه، ونظره شزراً، وإطراقه رأسه، وجلوسه متربّعاً ومتّكئاً، وفي أقواله حتّى في صوته ونغمته وصفته في الإيراد، ويظهر في مشيته وتبختره وقيامه وجلوسه وفي حركاته وسكناته وفي تعاطيه لأفعاله وساير تقلّباته في أقواله وأفعاله وأعماله.
فمن المتكـبّرين من يجمع ذلك كلّه، ومنهم من يتكـبّر في بعض:
فمنها: التكـبّر بأن يحبّ قيام الناس له أو بين يديه، وقد قال عليّ (عليه السلام): «ومن أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار، فلينظر إلى رجل قاعد وبين يديه قوم قيام». وقال أنس: لم يكن شخص أحبّ إليهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكانوا إذا رأوه لا يقومون له، لما يعلمون من كراهته لذلك.
ومنها: أن لا يمشي إلّا ومعه غيره يمشي خلفه، قال أبو الدرداء: لا يزال العبد يزداد من الله بعداً ما مشي خلفه، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بعض الأوقات يمشي مع الأصحاب فيأمرهم بالتقدّم ويمشي في غمارهم.
ومنها: أن لا يزور غيره وإن كان يحصل من زيارته خير لغيره في الدين، وهو ضدّ التواضع.
ومنها: أن يستنكف من جلوس غيره بالقرب منه إلّا أن يجلس بين يديه، والتواضع خلافه، قال أنس: كانت الوليدة من ولائد المدينة تأخذ بيد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا ينزع منها يده حتّى تذهب به حيث شاءت.
ومنها: أن يتوقّى مجالسة المرضى والمعلولين ويتحاشى عنهم وهو كبر، دخل رجل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليه جدري قد يقشّر، وعنده أصحابه يأكلون، فما جلس عند أحد إلّا قام من جنبه، فأجلسه النبيّ (صلى الله عليه وآله) بجنبه.
ومنها: أن لا يتعاطى بيده شغلاً في بيته، والتواضع خلافه.
ومنها: أن لا يأخذ متاعاً ويحمله إلى بيته، وهذا خلاف عادة المتواضعين، كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يفعل ذلك. وقال عليّ (عليه السلام): «لا ينقص الرجل من كماله ما حمل من شيء إلى عياله». وقال بعضهم: رأيت عليّاً اشترى لحماً بدرهم فحمله في ملحفته، فقال: أحمل عنك يا أمير المؤمنين؟ قال: لا، أبو العيال أحقّ أن يحمل.
وبالجملة، فمجامع حسن الأخلاق والتواضع سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فبه ينبغي أن يقتدى، ومنه ينبغي أن يتعلّم، وقد قال ابن أبي سلمة: قلت لأبي سعيد الخدري: ما ترى فيما أحدث الناس من الملبس والمشرب والمركب والمطعم؟ فقال: يا بن أخي، كل لله واشرب لله، وكلّ شيء من ذلك دخله زهو أو مباهاة أو رياء أو سمعة فهو معصية وسرف.
وعالج في بيتك من الخدمة ما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعالج في بيته: كان يعلّف الناضح ويعقل البعير ويقمّ البيت ويحلب الشاة ويخصف النعل ويرقّع الثوب ويأكل مع خادمه ويطحن عنه إذا أعيى ويشتري الشيء من السوق ولا يمنعه الحياء أن يعلّقه بيده، أو يجعله في طرف ثوبه فينقلب إلى أهله يصافح الغنيّ والفقير والصغير والكبير ويسلّم مبتدئاً على كلّ من استقبله من صغير أو كبير، أسود أو أحمر، حرّ أو عبد من أهل الصلاة.
ليس له حلّة لمدخله وحلّة لمخرجه، لا يستحيي من أن يجيب إذا دعي وإن كان أشعث أغبر، ولا يحقّر ما دعي إليه، وإن لم يجد إلّا حشف الدقل لا يرفع غداء لعشاء ولا عشاء لغداء، هيّن المقولة، ليّن الخلقة، كريم الطبيعة، جميل المعاشرة، طلق الوجه، بسّاماً من غير ضحك، محزوناً من غير عبوس، شديداً من غير عنف، متواضعاً من غير مذلّة، جواداً من غير سرف، رحيماً بكلّ ذي قربى، قريباً من كلّ ذميّ ومسلم، رقيق القلب، دائم الإطراق، لم يبشم قطّ من شبع، ولا يمدّ يده إلى طمع.
قال أبو سلمة: فدخلت على عائشة، فحدّثتها كلّ هذا من أبي سعيد، فقالت: ما أخطأ فيه حرفاً، ولقد قصّر ... . (ص١٩٢-٢۰٩)
المصدر الأصلي: تفسير العيّاشي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص١٨٧
الحديث: ٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٨١
قال الصادق (صلى الله عليه وآله): … مرّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بعض طرق المدينة وسوداء تلقط السرقين، فقيل لها: تنحّي عن طريق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالت: إنّ الطريق لمعرض، فهمّ بها بعض القوم أن يتناولها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): دعوها، فإنّها جبّارة.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٢١۰
الحديث: ٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٨٢
قال الصادق (عليه السلام): إنّ المتكـبّرين يجعلون في صور الذرّ يتوطّؤهم الناس حتّى يفرغ الله من الحساب.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٢١٩
الحديث: ٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٨٣
قال عمر بن يزيد: قلت للصادق (عليه السلام): إنّني آكل الطعام الطيّب، وأشمّ الريح الطيّبة، وأركب الدابّة الفارهة، ويتبعني الغلام، فترى في هذا شيئاً من التجبّر، فلا أفعله؟
فأطرق الصادق (عليه السلام) ثمّ قال: إنّما الجبّار الملعون من غمص ١ الناس، وجهل الحقّ، قال عمر: أمّا الحقّ فلا أجهله، والغمص لا أدري ما هو؟ قال (عليه السلام): من حقّر الناس وتجبّر عليهم، فذلك الجبّار.
بيــان:
في النهاية: «دابّة فارهة»، أي نشيطة حادّة قويّة، وكأنّ السائل إنّما سأل عن هذه الأشياء لأنّها سيرة المتكـبّرين لتفرّعها على الكبر، وكون الكبر سبب ارتكابها غالباً، فأجاب (عليه السلام) ببيان معنى التكـبّر، ليعلم أنّها إن كانت مستلزمة للتكـبّر فلا بدّ من تركها وإلّا فلا، كيف وسيأتي أنّ الله جميل يحبّ الجمال، وإطراقه وسكوته (عليه السلام) للإشعار بأنّها في محلّ الخطر ومستلزمة للتكـبّر ببعض معانيه.
في النهاية: «دابّة فارهة»، أي نشيطة حادّة قويّة، وكأنّ السائل إنّما سأل عن هذه الأشياء لأنّها سيرة المتكـبّرين لتفرّعها على الكبر، وكون الكبر سبب ارتكابها غالباً، فأجاب (عليه السلام) ببيان معنى التكـبّر، ليعلم أنّها إن كانت مستلزمة للتكـبّر فلا بدّ من تركها وإلّا فلا، كيف وسيأتي أنّ الله جميل يحبّ الجمال، وإطراقه وسكوته (عليه السلام) للإشعار بأنّها في محلّ الخطر ومستلزمة للتكـبّر ببعض معانيه.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٢٢١
(١) «غَمَصه»: حَقَّرَه واسْتَصْغَره ولم يره شيئاً. لسان العرب، ج٧، ص٦١.
الحديث: ٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٨٤
قال الصادق (عليه السلام): إنّ يوسف (عليه السلام) لمّا قدم عليه الشيخ يعقوب (عليه السلام) دخله عزّ الملك فلم ينزل إليه، فهبط عليه جبرئيل فقال: يا يوسف، ابسط راحتك، فخرج منها نور ساطع فصار في جوّ السماء، فقال يوسف (عليه السلام): ما هذا النور الذي خرج من راحتي؟ فقال: نزعت النبوّة عن عقبك عقوبة لما لم تنزل إلى الشيخ يعقوب، فلا يكون من عقبك نبيّ.
بيــان:
وينبغي حمله على أنّ ما دخله لم يكن تكـبّراً أو تحقيراً لوالده، لكون الأنبياء منزّهين عن أمثال ذلك، بل رأى فيه المصلحة لحفظ عزّته عند عامّة الناس لتمكّنه من سياسة الخلق وترويج الدين، إذ كان نزول الملك عندهم لغيره موجباً لذلّة، وكان رعاية الأدب للأب مع نبوّته ومقاساة الشدائد لحبّه أهمّ وأولى من رعاية تلك المصلحة، فكان هذا منه (عليه السلام) تركاً للأولى، فلذا عوتب عليه، وخرج نور النبوّة من صلبه، لأنّهم لرفعة شأنهم وعلوّ درجتهم يعاتبون بأدنى شيء، فهذا كان شبيهاً بالتكـبّر، ولم يكن تكـبّراً. (ص٢٢٣-٢٢٤)
وينبغي حمله على أنّ ما دخله لم يكن تكـبّراً أو تحقيراً لوالده، لكون الأنبياء منزّهين عن أمثال ذلك، بل رأى فيه المصلحة لحفظ عزّته عند عامّة الناس لتمكّنه من سياسة الخلق وترويج الدين، إذ كان نزول الملك عندهم لغيره موجباً لذلّة، وكان رعاية الأدب للأب مع نبوّته ومقاساة الشدائد لحبّه أهمّ وأولى من رعاية تلك المصلحة، فكان هذا منه (عليه السلام) تركاً للأولى، فلذا عوتب عليه، وخرج نور النبوّة من صلبه، لأنّهم لرفعة شأنهم وعلوّ درجتهم يعاتبون بأدنى شيء، فهذا كان شبيهاً بالتكـبّر، ولم يكن تكـبّراً. (ص٢٢٣-٢٢٤)
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٢٢٣
الحديث: ٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٨٥
قال الصادق (عليه السلام): ما من عبد إلّا وفي رأسه حكمة وملك يمسكها، فإذا تكـبّر قال له: اتّضع، وضعك الله، فلا يزال أعظم الناس في نفسه وأصغر الناس في أعين الناس، وإذا تواضع رفعها الله عزّ وجلّ ثمّ قال له: انتعش نعشك الله، فلا يزال أصغر الناس في نفسه، وأرفع الناس في أعين الناس.
بيــان:
قال الجوهري: حكمة اللجام ما أحاط بالحنك، وقال في النهاية: يقال أحكمت فلاناً، أي منعته، ومنه سمّي الحاكم لأنّه يمنع الظالم، وقيل: هو من حكمت الفرس وأحكمته إذا قدعته وكففته ... وقيل: الحكمة من الإنسان أسفل وجهه مستعار من موضع حكمة اللجام، ورفعها كناية عن الإعزاز لأنّ في صفة الذليل تنكيل رأسه.
و قيل: المراد بالحكمة هنا الحالة المقتضية لسلوك سبيل الهداية على سبيل الاستعارة
وبإمساك الملك إيّاها إرشاده إلى ذلك السبيل ونهيه عن العدول عنه.
قال الجوهري: حكمة اللجام ما أحاط بالحنك، وقال في النهاية: يقال أحكمت فلاناً، أي منعته، ومنه سمّي الحاكم لأنّه يمنع الظالم، وقيل: هو من حكمت الفرس وأحكمته إذا قدعته وكففته ... وقيل: الحكمة من الإنسان أسفل وجهه مستعار من موضع حكمة اللجام، ورفعها كناية عن الإعزاز لأنّ في صفة الذليل تنكيل رأسه.
و قيل: المراد بالحكمة هنا الحالة المقتضية لسلوك سبيل الهداية على سبيل الاستعارة
وبإمساك الملك إيّاها إرشاده إلى ذلك السبيل ونهيه عن العدول عنه.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٢٢٤
الحديث: ٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٨٦
قال الصادق (عليه السلام): ما من رجل تكـبّر أو تجبّر إلّا لذلّة وجدها في نفسه.
بيــان:
ثمّ اعلم أنّ الخبرين يحتملان وجوهاً:
الأوّل: أن يكون المراد أنّ التكـبّر ينشأ من دناءة النفس وخسّتها ورداءتها.
الثاني: أن يكون المعنى أنّ التكـبّر إنّما يكون فيمن كان ذليلاً فعزّ، وأمّا من نشأ في العزّة لا يتكـبّر غالباً، بل شأنه التواضع.
الثالث: أنّ التكـبّر إنّما يكون فيمن لم يكن له كمال واقعي فيتكـبّر لإظهار الكمال.
الرابع: أن يكون المراد المذلّة عند الله، أي من كان عزيزاً ذا قدر ومنزلة عند الله لا يتكـبّر.
الخامس: ما قيل: إنّ اللام لام العاقبة، أي يصير ذليلاً بسبب التكـبّر. (ص٢٢٥-٢٢٦)
ثمّ اعلم أنّ الخبرين يحتملان وجوهاً:
الأوّل: أن يكون المراد أنّ التكـبّر ينشأ من دناءة النفس وخسّتها ورداءتها.
الثاني: أن يكون المعنى أنّ التكـبّر إنّما يكون فيمن كان ذليلاً فعزّ، وأمّا من نشأ في العزّة لا يتكـبّر غالباً، بل شأنه التواضع.
الثالث: أنّ التكـبّر إنّما يكون فيمن لم يكن له كمال واقعي فيتكـبّر لإظهار الكمال.
الرابع: أن يكون المراد المذلّة عند الله، أي من كان عزيزاً ذا قدر ومنزلة عند الله لا يتكـبّر.
الخامس: ما قيل: إنّ اللام لام العاقبة، أي يصير ذليلاً بسبب التكـبّر. (ص٢٢٥-٢٢٦)
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٢٢٥
الحديث: ٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٨٧
قال حفص بن غياث: قال الصادق (عليه السلام): من ذهب أنّ له على الآخر فضلاً فهو من المستكبرين، فقلت: إنّما يرى أنّ له عليه فضلاً بالعافية إذا رآه مرتكباً للمعاصي؟ فقال (عليه السلام): هيهات هيهات، فلعلّه أن يكون غفر له ما أتى وأنت موقوف محاسب، أ ما تلوت قصّة سحرة موسى (عليه السلام)؟
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٢٢٦
الحديث: ٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٨٨
قال الصادق (عليه السلام): أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجل فقال: يا رسول الله، أنا فلان بن فلان _ حتّى عدّ تسعة _ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أما إنّك عاشرهم في النار.
بيــان:
«أما إنّك عاشرهم في النار»، أي إنّ آبائك كانوا كفّاراً وهم في النار، فما معنى افتخارك بهم؟ وأنت أيضاً مثلهم في الكفر باطناً إن كان منافقاً، أو ظاهراً أيضاً إن كان كافراً، فلا وجه لافتخارك أصلاً.
والحاصل أنّ عمدة أسباب الفخر بل أشيعها وأكثرها: الفخر بالآباء وهو باطل: لأنّ الآباء إن كانوا ظلمة أو كفرَة فهم من أهل النار، فينبغي أن يتبرّأ منهم لا أن يفتخر بهم، وإن كانوا باعتبار أنّ لهم مالاً، فليعلم أنّ المال ليس بكمال يقع به الافتخار، بل ورد في ذمّه كثير من الأخبار، ولو كان كمالاً كان لهم لا له، والعاقل لا يفتخر بكمال غيره، وإن كان باعتبار أنّه كان خيراً أو فاضلاً أو عالماً فهذا جهل من حيث إنّه تعزّز بكمال غيره ولذلك قيل:
لئن فخرت بآباء ذوي شرف
لقد صدقت ولكن بئس ما ولدوا
... والسبب الثاني: الحسن والجمال، فإن افتخر به فليعلم أنّه قد يزول بأدنى الأمراض والأسقام، وما هو في عرضة الزوال ليس بكمال يفتخر به، ولينظر أيضاً إلى أصله وما خلق منه كما مرّ، وإلى ما يصير إليه في القبر من جيفة منتنة، وإلى ما في بطنه من الخبائث مثل الأقذار التي في جميع أعضائه، والرجيع الذي في أمعائه، والبول الذي في مثانته، والمخاط الذي في أنفه، والوسخ الذي في أذنيه، والدم الذي في عروقه، والصديد الذي تحت بشرته، إلى غير ذلك من المقابح والفضائح، فإذا عرف ذلك لم يفتخر بجماله الذي هو كخضراء الدمن.
الثالث: القوّة والشجاعة، فمن افتخر بهما فليعلم أنّ الذي خلقه هو أشدّ منه قوّة، وأنّ الأسد والفيل أقوى منه، وأنّ أدنى العلل والأمراض يجعله أعجز من كلّ عاجز، وأذلّ من كلّ ذليل، وأنّ البعوضة لو دخلت في أنفه أهلكته ولم يقدر على دفعها.
الرابع: الغنى والثروة.
والخامس: كثرة الأنصار والأتباع والعشيرة وقرب السلاطين والاقتدار من جهتهم، والكبر والفخر لهذين السببين أقبح، لأنّه أمر خارج عن ذات الإنسان وصفاته، فلو تلف ماله أو غصب أو نهب أو تغيّر عليه السلطان وعزله لبقي ذليلاً عاجزاً، وإنّ من فرق الكفّار من هو أكثر منه مالاً وجاهاً، فالمتكـبّر بهما في غاية الجهل.
السادس: العلم، وهو أعظم الأسباب وأقواها، فإنّه كمال نفساني عظيم عند الله تعالی وعند الخلائق، وصاحبه معظّم عند جميع المخلوقات، فإذا تكـبّر العالم وافتخر فليعلم أنّ خطر أهل العلم أكثر من خطر أهل الجهل، وأنّ الله تعالی يحتمل من الجاهل ما لا يحتمل من العالم، وأنّ العصيان مع العلم أفحش من العصيان مع الجهل، وأنّ عذاب العالم أشدّ من عذاب الجاهل، وأنّه تعالی شبّه العالم غير العامل تارة بالحمار وتارة بالكلب، وأنّ الجاهل أقرب إلى السلامة من العالم لكثرة آفاته، وأنّ الشياطين أكثرهم على العالم، وأنّ سوء العاقبة وحسنها أمر لا يعمله إلّا الله سبحانه، فلعلّ الجاهل يكون أحسن عاقبة من العالم.
السابع: العبادة والورع والزهادة، والفخر فيها أيضاً فتنة عظيمة، والتخلّص منها صعب، فإذا غلب عليه فليتفكّر أنّ العالم أفضل منه فلا ينبغي أن يفتخر عليه، ولا ينبغي أيضاً أن يفتخر على من تأخّر عنه في العمل أيضاً، إذ لعلّ قليل عمله يكون مقبولاً وكثير عمله مردوداً، ولا على الجاهل والفاسق إذ قد يكون لهما خصلة خفيّة، وصفة قلبية موجبة لقرب الربّ سبحانه ورحمته ... ولو فرض خلوّهما عن جميع ذلك بالفعل فلعلّ الأحوال في العاقبة تنعكس، وقد وقع مثل ذلك كثيراً، ولو فرض عدم ذلك فليتصوّر أنّ تكـبّره في نفسه شرك فيحبط عمله، فيصير هو في الآخرة مثلهم بل أقبح منهم، والله المستعان. (ص٢٢٦-٢٢٨)
«أما إنّك عاشرهم في النار»، أي إنّ آبائك كانوا كفّاراً وهم في النار، فما معنى افتخارك بهم؟ وأنت أيضاً مثلهم في الكفر باطناً إن كان منافقاً، أو ظاهراً أيضاً إن كان كافراً، فلا وجه لافتخارك أصلاً.
والحاصل أنّ عمدة أسباب الفخر بل أشيعها وأكثرها: الفخر بالآباء وهو باطل: لأنّ الآباء إن كانوا ظلمة أو كفرَة فهم من أهل النار، فينبغي أن يتبرّأ منهم لا أن يفتخر بهم، وإن كانوا باعتبار أنّ لهم مالاً، فليعلم أنّ المال ليس بكمال يقع به الافتخار، بل ورد في ذمّه كثير من الأخبار، ولو كان كمالاً كان لهم لا له، والعاقل لا يفتخر بكمال غيره، وإن كان باعتبار أنّه كان خيراً أو فاضلاً أو عالماً فهذا جهل من حيث إنّه تعزّز بكمال غيره ولذلك قيل:
لئن فخرت بآباء ذوي شرف
لقد صدقت ولكن بئس ما ولدوا
... والسبب الثاني: الحسن والجمال، فإن افتخر به فليعلم أنّه قد يزول بأدنى الأمراض والأسقام، وما هو في عرضة الزوال ليس بكمال يفتخر به، ولينظر أيضاً إلى أصله وما خلق منه كما مرّ، وإلى ما يصير إليه في القبر من جيفة منتنة، وإلى ما في بطنه من الخبائث مثل الأقذار التي في جميع أعضائه، والرجيع الذي في أمعائه، والبول الذي في مثانته، والمخاط الذي في أنفه، والوسخ الذي في أذنيه، والدم الذي في عروقه، والصديد الذي تحت بشرته، إلى غير ذلك من المقابح والفضائح، فإذا عرف ذلك لم يفتخر بجماله الذي هو كخضراء الدمن.
الثالث: القوّة والشجاعة، فمن افتخر بهما فليعلم أنّ الذي خلقه هو أشدّ منه قوّة، وأنّ الأسد والفيل أقوى منه، وأنّ أدنى العلل والأمراض يجعله أعجز من كلّ عاجز، وأذلّ من كلّ ذليل، وأنّ البعوضة لو دخلت في أنفه أهلكته ولم يقدر على دفعها.
الرابع: الغنى والثروة.
والخامس: كثرة الأنصار والأتباع والعشيرة وقرب السلاطين والاقتدار من جهتهم، والكبر والفخر لهذين السببين أقبح، لأنّه أمر خارج عن ذات الإنسان وصفاته، فلو تلف ماله أو غصب أو نهب أو تغيّر عليه السلطان وعزله لبقي ذليلاً عاجزاً، وإنّ من فرق الكفّار من هو أكثر منه مالاً وجاهاً، فالمتكـبّر بهما في غاية الجهل.
السادس: العلم، وهو أعظم الأسباب وأقواها، فإنّه كمال نفساني عظيم عند الله تعالی وعند الخلائق، وصاحبه معظّم عند جميع المخلوقات، فإذا تكـبّر العالم وافتخر فليعلم أنّ خطر أهل العلم أكثر من خطر أهل الجهل، وأنّ الله تعالی يحتمل من الجاهل ما لا يحتمل من العالم، وأنّ العصيان مع العلم أفحش من العصيان مع الجهل، وأنّ عذاب العالم أشدّ من عذاب الجاهل، وأنّه تعالی شبّه العالم غير العامل تارة بالحمار وتارة بالكلب، وأنّ الجاهل أقرب إلى السلامة من العالم لكثرة آفاته، وأنّ الشياطين أكثرهم على العالم، وأنّ سوء العاقبة وحسنها أمر لا يعمله إلّا الله سبحانه، فلعلّ الجاهل يكون أحسن عاقبة من العالم.
السابع: العبادة والورع والزهادة، والفخر فيها أيضاً فتنة عظيمة، والتخلّص منها صعب، فإذا غلب عليه فليتفكّر أنّ العالم أفضل منه فلا ينبغي أن يفتخر عليه، ولا ينبغي أيضاً أن يفتخر على من تأخّر عنه في العمل أيضاً، إذ لعلّ قليل عمله يكون مقبولاً وكثير عمله مردوداً، ولا على الجاهل والفاسق إذ قد يكون لهما خصلة خفيّة، وصفة قلبية موجبة لقرب الربّ سبحانه ورحمته ... ولو فرض خلوّهما عن جميع ذلك بالفعل فلعلّ الأحوال في العاقبة تنعكس، وقد وقع مثل ذلك كثيراً، ولو فرض عدم ذلك فليتصوّر أنّ تكـبّره في نفسه شرك فيحبط عمله، فيصير هو في الآخرة مثلهم بل أقبح منهم، والله المستعان. (ص٢٢٦-٢٢٨)
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٢٢٦
الحديث: ١۰
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٨٩
قال الصادق (عليه السلام): إنّ في جهنّم لوادياً للمتكـبّرين يقال له سقر، شكا إلى الله شدّة حرّه وسأله أن يتنفّس، فأذن له فتنفّس فأحرق جهنّم.
المصدر الأصلي: تفسير القمي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٢٣٢
الحديث: ١١
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٩٠
قال الباقر (عليه السلام): إنّ الفرح والمرح والخيلاء كلّ ذلك في الشرك والعمل في الأرض بالمعصية.
المصدر الأصلي: تفسير القمي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٢٣٣
الحديث: ١٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٩١
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): عجبت لابن آدم! أوّله نطفة وآخره جيفة، وهو قائم بينهما وعاء للغائط، ثمّ يتكـبّر.
المصدر الأصلي: علل الشرائع
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٢٣٤
الحديث: ١٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٩٢
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا مشت أمّتي المطيطا، وخدمتهم فارس والروم، كان بأسهم بينهم.
بيــان:
«المطيطا»: التبختر ومدّ اليدين في المشي.
«المطيطا»: التبختر ومدّ اليدين في المشي.
المصدر الأصلي: معاني الأخبار
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٢٣٤
الحديث: ١٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٥٣٩٣
قال الصادق (عليه السلام): إنّ المتكـبّرين يجعلون في صور الذرّ، فيطأهم الناس حتّى يفرغوا من الحساب.
المصدر الأصلي: المحاسن
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٧٠
، ص٢٣٧