أحاديث في منزلة الصبر ومكانته من أمور العبد، وضرورة الصبر على المكاره، وفي والمراد من الصبر الجميل، وعلامات الصابر وعظيم صبر النبي (ص) وتحمله، وهذه أحاديث جليلة جمعها العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار، وقد اقتبس الشيخ حبيب الكاظمي بعض هذه الأحاديث وحذف أسانيدها مع مراعاة التبويب، فكانت جواهر البحار الذي بين يديك.
قال الباقر (عليه السلام): الجنّة محفوفة بالمكاره والصبر، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنّة، وجهنّم محفوفة باللذّات والشهوات، فمن أعطى نفسه لذّتها وشهواتها دخل النار.
قال الصادق (عليه السلام): دخل أمير المؤمنين (عليه السلام) المسجد، فإذا هو برجل على باب المسجد كئيب حزين، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): ما لك؟ قال: يا أمير المؤمنين، أصبت بأبي وأخي، وأخشى أن أكون قد وجلت، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): عليك بتقوى الله والصبر، تقدم عليه غداً، والصبر في الأمور بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد، وإذا فارق الصبر الأمور فسدت الأمور.
عن سماعة بن مهران قال: قال لي الكاظم (عليه السلام): ما حبسك عن الحجّ؟ قلت: جعلت فداك، وقع عليّ دين كثير وذهب مالي، وديني الذي قد لزمني هو أعظم من ذهاب مالي، فلولا أنّ رجلاً من أصحابنا أخرجني ما قدرت أن أخرج، فقال (عليه السلام) لي: إن تصبر تغتبط، وإن لا تصبر ينفذ الله مقاديره، راضياً كنت أم كارهاً.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أضيق ما يكون الحرج أقرب ما يكون الفرج. ١
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سيأتي على الناس زمان لا ينال الملك فيه إلّا بالقتل والتجبّر، ولا الغنى إلّا بالغصب والبخل، ولا المحبّة إلّا باستخراج الدين واتّباع الهوى، فمن أدرك ذلك الزمان فصبر على الفقر وهو يقدر على الغنى، وصبر على البغضة وهو يقدر على المحبّة، وصبر على الذلّ وهو يقدر على العزّ، آتاه الله ثواب خمسين صدّيقاً ممّن صدّق بي.
قال الصادق (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله عزّ وجلّ: إنّي جعلت الدنيا بين عبادي قرضاً، فمن أقرضني منها قرضاً أعطيته بكلّ واحدة عشراً إلى سبعمائة ضعف، وما شئت من ذلك، ومن لم يقرضني منها قرضاً فأخذت منه شيئاً قسراً، أعطيته ثلاث خصال لو أعطيت واحدة منهنّ ملائكتي لرضوا بها منّي. ثمّ تلا الصادق (عليه السلام) قول الله تعالی: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۞ أُوْلَئكَ عَلَيهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ﴾ فهذه واحدة من ثلاث خصال، ﴿وَ رَحْمَةٌ> اثنتان، ﴿وَ أُوْلَئكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ ثلاث، ثمّ قال الصادق (عليه السلام): هذا لمن أخذ الله منه شيئاً قسراً.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): علامة الصابر في ثلاث: أوّلها: أن لا يكسل، والثانية: أن لا يضجر، والثالثة: أن لا يشكو من ربّه عزّ وجلّ، لأنّه إذا كسل فقد ضيّع الحقّ، وإذا ضجر لم يؤدّ الشكر، وإذا شكا من ربّه عزّ وجلّ فقد عصاه.
قال الصادق (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ في قول يعقوب (عليه السلام) ﴿فَصَبْرٌ جَميلٌ﴾: بلا شكوى.
سأل النبيّ (صلى الله عليه وآله) جبرئيل (عليه السلام) ما تفسير الصبر؟ قال: تصبر في الضرّاء كما تصبر في السرّاء، وفي الفاقة كما تصبر في الغنى، وفي البلاء كما تصبر في العافية، فلا يشكو حاله عند المخلوق بما يصيبه من البلاء.
قال الصادق (عليه السلام): يا حفص، إنّ من صبر صبر قليلاً، وإنّ من جزع جزع قليلاً، ثمّ قال (عليه السلام): عليك بالصبر في جميع أمورك، فإنّ الله بعث محمّداً (صلى الله عليه وآله) وأمره بالصبر والرفق، فقال: ﴿وَ اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَميلاً﴾، وقال: ﴿ادْفَعْ بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَميمٌ﴾ فصبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتّى قابلوه بالعظام ورموه بها فضاق صدره، فأنزل الله تعالی: ﴿وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ﴾ ثمّ كذّبوه ورموه فحزن لذلك، فأنزل الله: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِى يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَ لَاكِنَّ الظَّلِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ۞ وَ لَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبرُواْ عَلىَ مَا كُذِّبُواْ وَ أُوذُواْ حَتىَّ أَتَئهُمْ نَصرُنَا﴾ فألزم نفسه الصبر _ صلّى الله عليه وآله _.
روي: إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: أين الصابرون؟ فيقوم عنق من الناس فيقال لهم: اذهبوا إلى الجنّة بغير حساب، فتلقّاهم الملائكة فيقولون لهم: أيّ شيء كانت أعمالكم؟ فيقولون: كنّا نصبر على طاعة الله، ونصبر عن معصية الله، فيقولون: ﴿نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلينَ﴾.
روي: أنّه لا يصلح المؤمن إلّا بثلاث خصال: الفقه في الدين، والتقدير في المعيشة، والصبر على النائبة.
قال الصادق (عليه السلام): الصبر يظهر ما في بواطن العباد من النور والصفاء، والجزع يظهر ما في بواطنهم من الظلمة والوحشة، والصبر يدّعيه كلّ أحد، ولا يثبت عنده إلّا المخبتون، والجزع ينكره كلّ أحد، وهو أبين على المنافقين، لأنّ نزول المحنة والمصيبة يخبر عن الصادق والكاذب.
قال الصادق (عليه السلام): كم من صبر ساعة قد أورثت فرحاً طويلاً، وكم من لذّة ساعة قد أورثت حزناً طويلاً.
قال زين العابدين (عليه السلام): خمسة لو رحلتم فيهنّ لأصبتموهنّ: لا يخاف عبد إلّا ذنبه، ولا يرجو إلّا ربّه، ولا يستحیي الجاهل إذا سئل عمّا لا يعلم أن يقول: لا أعلم، والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّك إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور، وإنّك إن جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الله تعالی: إذا وجّهت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده، ثمّ استقبل ذلك بصبر جميل، استحييت منه أن أنصب له ميزاناً أو أنشر له ديواناً.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): كلّ نعيم دون الجنّة حقير، وكلّ بلاء دون النار يسير.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الصبر صبران: فالصبر عند المصيبة حسن جميل، وأحسن من ذلك الصبر عند ما حرّم الله عليك، والذكر ذكران: ذكر الله عزّ وجلّ عند المصيبة، وأكبر من ذلك ذكر الله عند ما حرّم الله فيكون ذلك حاجزاً.
قال الصادق (عليه السلام): أوحى الله تعالی إلى موسى بن عمران (عليه السلام)، ما خلقت خلقاً هو أحبّ إليّ من عبدي المؤمن: إنّي إنّما ابتليه لما هو خير له، وأزوي عنه لما هو خير له، وأعطيه لما هو خير له، وأنا أعلم بما يصلح عليه حال عبدي المؤمن، فليرض بقضائي، وليشكر نعمائي، وليصبر على بلائي، أكتبه في الصدّيقين إذا عمل برضاي وأطاع لأمري.
قال الصادق (عليه السلام): إنّ العبد ليكون له عند الله الدرجة لا يبلغها بعمله، فيبتليه الله في جسده، أو يصاب بماله، أو يصاب في ولده، فإن هو صبر بلّغه إيّاها.
قال الصادق (عليه السلام): ما من مؤمن إلّا وهو مبتلىً ببلاء، منتظر به ما هو أشدّ منه، فإن صبر على البليّة التي هو فيها عافاه الله من البلاء الذي ينتظر به، وإن لم يصبر وجزع نزل به من البلاء المنتظر أبداً حتّى يحسن صبره وعزاؤه.
عن إسحاق بن عمّار قال: قال الصادق (عليه السلام): يا إسحاق، لا تعدّنّ مصيبة _ أعطيت عليها الصبر واستوجبت عليها من الله ثواباً _ بمصيبة، إنّما المصيبة التي يحرم صاحبها أجرها وثوابها، إذا لم يصبر عند نزولها.
قال الصادق (عليه السلام): قد عجز من لم يعدّ لكلّ بلاء صبراً، ولكلّ نعمة شكراً، ولكلّ عسر يسراً، أصبر نفسك عند كلّ بليّة ورزيّة في ولد أو في مال، فإنّ الله إنّما يقبض عاريته وهبته؛ ليبلو شكرك وصبرك.
قال الصادق (عليه السلام): إنّ الله أنعم على قوم فلم يشكروا فصارت عليهم وبالاً، وابتلى قوماً بالمصائب فصبروا فصارت عليهم نعمة.
قال الصادق (عليه السلام): إنّ الصبر والبلاء يستبقان إلى المؤمن فيأتيه البلاء وهو صبور، وإنّ الجزع والبلاء يستبقان إلى الكافر فيأتيه البلاء وهو جزوع.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ للنكبات غايات لا بدّ أن ينتهي إليها، فإذا حكم على أحدكم بها فليتطأطأ لها ويصبر حتّى يجوز، فإنّ إعمال الحيلة فيها _ عند إقبالها _ زائد في مكروهها.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): صبرك على محارم الله أيسر من صبرك على عذاب القبر، من صبر على الله وصل إليه.
قال عليّ (عليه السلام): لا يعدم الصبور الظفر، وإن طال به الزمان.
قال عليّ (عليه السلام): عند تناهي الشدّة تكون الفرجة، وعند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء.
شبكة السراج في الطريق إلى الله
شبكة السراج في الطريق إلى الله؛ موقع ثقافي، إعلامي وتبليغي، يهدف لنشر معارف الإسلام المحمّدي وترويج الثّقافة الدّينيّة، يضمّ بساتين من المحتوى الهادف في مختلف المجالات، مضافا إلى محاضرات ومؤلّفات سماحة الشّيخ حبيب الكاظمي.
تمّت زيارة موقع سراج ١,٢٠٠,٠٠٠ مرة خلال الستة أشهر الماضية، كما ظهر في نتائج بحث المستخدمين ١١,٣٧٠,٠٠٠ مرّة.