وهذه أحاديث جليلة جمعها العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار، وقد اقتبس الشيخ حبيب الكاظمي بعض هذه الأحاديث وحذف أسانيدها مع مراعاة التبويب، فكانت جواهر البحار الذي بين يديك.
.
فهرس جواهر البحار
كتاب العقل والعلم والجهل
كتاب التوحيد
كتاب العدل والمعاد
كتاب الاحتجاج
كتاب النبوة
كتاب تاريخ نبينا (ص)
كتاب الإمامة
كتاب الفتن والمحن
كتاب تاريخ أميرالمؤمنين (ع)
كتاب تاريخ فاطمة والحسنين (ع)
كتاب تاريخ السجاد والباقر والصادق والكاظم (ع)
كتاب تاريخ الرضا والجواد والهادي والعسكري (ع)
كتاب تاريخ الحجة (عج)
كتاب السماء والعالم
كتاب الإيمان والكفر
كتاب العشرة
كتاب الآداب والسنن
كتاب الروضة
كتاب الطهارة
كتاب الصلاة
كتاب القرآن
كتاب الأدعية والأذكار
كتاب الزكاة والصدقة
كتاب الصوم
كتاب أعمال السنين والشهور
كتاب الحج والعمرة
كتاب الجهاد
كتاب المزار
كتاب العقود والإيقاعات
الحديث: ١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢١٥
روي أنّ أسوداً دخل على عليّ عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي سرقت، فطهّرني، فقال عليه السلام: لعلّك سرقت من غير حرز _ ونحّى رأسه عنه _ فقال: يا أمير المؤمنين، سرقت من حرز، فطهّرني، فقال عليه السلام: لعلّك سرقت غير نصاب _ ونحّى رأسه عنه _ فقال: يا أمير المؤمنين، سرقت نصاباً، فلمّا أقرّ ثلاث مرّات، قطعه أمير المؤمنين عليه السلام. فذهب وجعل يقول في الطريق: قطعني أمير المؤمنين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين، ويعسوب الدين، وسيّد الوصيّين وجعل يمدحه، فسمع ذلك منه الحسن والحسين عليهما السلام وقد استقبلاه فدخلا علىّ أمير المؤمنين عليه السلام وقالا: رأينا أسوداً يمدحك في الطريق، فبعث أمير المؤمنين عليه السلام من أعاده إلى عنده، فقال عليه السلام: قطعتك وأنت تمدحني؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنّك طهّرتني وإنّ حبّك قد خالط لحمي وعظمي، فلو قطعتني إرباً إرباً لما ذهب حبّك من قلبي، فدعا له أمير المؤمنين عليه السلام ووضع المقطوع إلى موضعه، فصحّ وصلح كما كان.
المصدر الأصلي: الخرائج والجرائح
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص٢٠٢
الحديث: ٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢١٦
قال سعد الباهلي: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وآله وكان محموماً، فدخلنا عليه مع عليّ عليه السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ألمت بي أمّ ملدم ١ فحسر عليّ عليه السلام يده اليمنى وحسر رسول الله صلى الله عليه وآله يده اليمنى، فوضعها عليّ عليه السلام على صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: يا أمّ ملدم، اخرجي، فإنّه عبد الله ورسوله، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله استوى جالساً ثمّ طرح عنه الإزار وقال: يا عليّ، إنّ الله فضّلك بخصال، وممّا فضّلك به أن جعل الأوجاع مطيعة لك، فليس من شيء تزجره إلّا انزجر بإذن الله.
المصدر الأصلي: الخرائج والجرائح
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص٢٠٢-٢٠٣
(١)«أمّ مِلْدَم»: كنية الحمّى. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج٤، ص ٢٤٦.
الحديث: ٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢١٧
إنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا بلغه ما فعل بسر بن أرطاة ١ باليمن قال: اللّهمّ، إنّ بسراً قد باع دينه بالدنيا، فأسلبه عقله ولا تبق من دينه ما يستوجب به عليك رحمتك، فبقي بسر حتّى اختلط، وكان يدعو بالسيف، فاتّخذ له سيف من خشب وكان يضرب به حتّى يغشى عليه، فإذا أفاق قال: السيف السيف، فيدفع إليه فيضرب به، فلم يزل كذلك حتّى مات.
المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب، الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص٢٠٤
(١) بسر بن أرطاة (م ٨٦ه): كان رجلاً فتّاكاً، وشهد صفّين مع معاوية وسیّره إلی الیمن، فلمّا نزلها ذبح ابني عبیدالله ابن عبّاس عامل عليّ عليه السلام بها. راجع: أسد الغابة، ج١، ص٢١٣-٢١٤.
الحديث: ٤
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢١٨
نشد عليّ عليه السلام في المسجد، فقال: أنشد الله رجلاً سمع النبيّ صلى الله عليه وآله يقول: «من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ، وال من والاه وعاد من عاداه»، فقام اثنا عشر بدريّاً: ستّة من الجانب الأيمن، وستّة من الجانب الأيسر، فشهدوا بذلك.
فقال زيد بن أرقم: وكنت أنا فيمن سمع ذلك فكتمته، فذهب الله ببصري، وكان يندم على ما فاته من الشهادة ويستغفر الله.
المصدر الأصلي: الإرشاد
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص٢٠٥
الحديث: ٥
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢١٩
روي أنّ عليّاً عليه السلام رفع يده إلى السماء وهو يقول: اللّهمّ، إنّ طلحة بن عبد الله أعطاني صفقة يمينه طائعاً، ثمّ نكث بيعتي، اللّهمّ فعاجله ولا تمهله، اللّهمّ، وإنّ الزبير بن العوّام قطع قرابتي، ونكث عهدي، وظاهر عدوّي، وهو يعلم أنّه ظالم لي، فاكفنيه كيف شئت وأنّى شئت.
المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص٢٠٦
الحديث: ٦
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٢٠
قال جابر بن عبد الله الأنصاری: استشهد أمير المؤمنين عليه السلام أنس بن مالك والبراء بن عازب والأشعث وخالد بن يزيد قول النبيّ صلى الله عليه وآله: «من كنت مولاه فعليّ مولاه»، فكتموا، فقال لأنس: لا أماتك الله حتّى يبتليك ببرص لا تغطّيه العمامة، وقال للأشعث: لا أماتك الله حتّى يذهب بكريمتيك، وقال لخالد: لا أماتك الله إلّا ميتة الجاهلية، وقال للبراء: لا أماتك الله إلّا حيث هاجرت.
فقال جابر: والله، لقد رأيت أنساً وقد ابتلي ببرص يغطّيه بالعمامة فما تستره، ورأيت الأشعث وقد ذهبت كريمتاه وهو يقول: الحمد لله الذي جعل دعاء أمير المؤمنين عليه السلام عليّ بالعمى في الدنيا، ولم يدع عليّ في الآخرة فأعذّب.
وأمّا خالد فإنّه لمّا مات دفنوه في منزله، فسمعت بذلك كندة فجاءت بالخيل والإبل فعقرتها على باب منزله، فمات ميتة جاهلية. وأمّا البراء فإنّه ولّي من جهة معاوية باليمن فمات بها، ومنها كان هاجر وهي السراة.
المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص٢٠٦-٢٠٧
الحديث: ٧
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٢١
روي أنّ عليّاً عليه السلام دعا على ولد العبّاس بالشتات، فلم يروا بني أمّ أبعد قبوراً منهم. فعبد الله بالمشرق، ومعبد بالمغرب، وقثم بمنفعة الرواح، وثمامة بالأرجوان، ومتمّم بالخازر، وفي ذلك يقول كثير:
دعا دعوة ربّه مخلصاً
فیا لك عن قاسم ما أبرّا
دعا بالنوی فتناءت بهم
معارفة الدار برّاً وبحراً
فمن مشرق ظلّ ثاوٍ به
ومن مغرب منهم ما أضرّا
المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص٢٠٧-٢٠٨
الحديث: ٨
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٢٢
قال عليّ عليه السلام: «اللّهمّ أرحني منهم، فرّق الله بيني وبينكم، أبدلني الله بهم خيراً منهم، وأبدلهم شرّاً منّي»، فما كان إلّا يومه حتّى قتل.
وفي رواية: «اللّهمّ إنّني قد كرهتهم وكرهوني، ومللتهم وملّوني، فأرحني وأرحهم» فمات تلك الليلة.
المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص٢٠٨-٢٠٩
الحديث: ٩
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٢٣
وأبين إحدى يدي هشام بن عديّ الهمداني في حرب صفّين، فأخذ عليّ عليه السلام يده وقرأ شيئاً وألصقها، فقال: يا أمير المؤمنين، ما قرأت؟ قال عليه السلام: فاتحة الكتاب، قال: فاتحة الكتاب؟ _ كأنّه استقلّها _ فانفصلت يده نصفين، فتركه عليّ عليه السلام ومضى.
المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص٢١١
الحديث: ١٠
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٢٤
قال رشيد الهجري: كنت في بعض الطريق مع عليّ بن أبي طالب عليه السلام إذا التفت، فقال: يا رشيد، أ ترى ما أرى؟ قلت: لا، يا أمير المؤمنين، وإنّه ليكشف لك من الغطاء ما لا يكشف لغيرك، قال عليه السلام: إنّي أرى رجلاً في ثبج من نار، يقول: «يا عليّ، استغفر لي»، لا غفر الله له.
المصدر الأصلي: مناقب آل أبي طالب
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص٢١١-٢١٢
الحديث: ١١
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٢٥
قال عبد الواحد بن زید: خرجت إلى مكّة فبينما أنا أطوف، فإذا بجارية خماسية وهي متعلّقة بستارة الكعبة، وهي تخاطب جارية مثلها وهي تقول: لا، وحقّ المنتجب بالوصيّة، الحاكم بالسويّة، الصحيح البيّنة، زوج فاطمة المرضيّة عليها السلام، ما كان كذا وكذا، فقلت لها: يا جارية، من صاحب هذه الصفة؟ قالت: ذلك _ والله _ علم الأعلام، وباب الأحكام، وقسيم الجنّة والنار، وربّانيّ هذه الأمّة ورأس الأئمّة، أخو النبيّ صلى الله عليه وآله ووصيّه وخليفته في أمّته، ذلك مولاي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقلت لها: يا جارية، بم يستحقّ عليّ عليه السلام منك هذه الصفة؟
قالت: كان أبي _ والله _ مولاه، فقتل بين يديه يوم صفّين. ولقد دخل يوماً على أمّي وهي في خبائها، وقد ارتكبتني وأخاً لي من الجدرّي ما ذهب به أبصارنا، فلمّا رآنا تأوّه وأنشأ يقول:
ما إن تأوّهت من شيء رزیت به
كما تأوّهت للأطفال في الصغر
قد مات والدهم من كان یكفلهم
في النائبات وفي الأسفار والحضر
ثمّ أدنانا إليه، ثمّ أمرّ يده المباركة على عينيّ وعيني أخي، ثمّ دعا بدعوات ثمّ شال يده، فها أنا، بأبي أنت، والله، أنظر إلى الجمل على فرسخ، كلّ ذلك ببركته عليه السلام، فحللت خريطتي فدفعت إليها دينارين، بقيّة نفقة كانت معي. فتبسّمت في وجهي وقالت: مه، خلّفنا أكرم سلف على خير خلف، فنحن اليوم في كفالة أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه السلام، ثمّ قالت: أ تحبّ عليّاً عليه السلام؟ قلت: أجل، قالت: أبشر، فقد استمسكت ﴿بِالعُرْوَةِ الوُثْقَىَ﴾ التي ﴿لاَ انفِصَامَ لَهَا﴾، قال: ثمّ ولّت وهي تقول:
ما بثّ حبّ عليّ في ضمیر فتیً
إلّا له شهرت من ربّه النعم
ولا له قدم زلّ الزمان بها
إلّا له ثبتت من بعدها قدم
ما سرّني أنّنی من غیر شیعته
وأنّ لی ما حواه العرب والعجم
المصدر الأصلي: بشارة المصطفى صلى الله عليه وآله
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص٢٢٠-٢٢١
الحديث: ١٢
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٢٦
قال حبّة العرني: خرجت مع أمير المؤمنين عليه السلام إلى الظهر، فوقف بوادي السلام كأنّه مخاطب لأقوام، فقمت بقيامه حتّى أعييت، ثمّ جلست حتّى مللت، ثمّ قمت حتّى نالني مثل ما نالني أوّلاً، ثمّ جلست حتّى مللت. ثمّ قمت وجمعت ردائي فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّي قد أشفقت عليك من طول القيام، فراحة ساعة، ثمّ طرحت الرداء ليجلس عليه.
فقال عليه السلام: يا حبّة، إن هو إلّا محادثة مؤمن أو مؤانسته، قلت: يا أمير المؤمنين، وإنّهم لكذلك؟ قال عليه السلام: نعم، ولو كشف لك لرأيتهم حلقاً حلقاً، محتبين يتحادثون، فقلت: أجسام أم أرواح؟ فقال عليه السلام: أرواح، وما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الارض إلّا قيل لروحه: الحقي بوادي السلام، وإنّها لبقعة من جنّة عدن.
المصدر الأصلي: الكافي
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص٢٢٣
الحديث: ١٣
/
ترتيب جواهر البحار: ٢٢٢٧
قال الحسين عليه السلام: كنت مع عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الطواف في ليلة ديجوجة ١ قليلة النور، وقد خلا الطواف ونام الزوّار وهدأت العيون، إذ سمع مستغيثاً مستجيراً مترحّماً بصوت حزين من قلب موجع وهو يقول:
یا من یجیب دعا المضطرّ في الظلم
یا كاشف الضرّ والبلوی مع السقم
قد نام وفدك حول البیت وانتبهوا
یدعو وعینك يا قیّوم لم تنم
هب لي بجودك فضل العفو عن جرمي
یا من أشار إلیه الخلق في الحرم
إن كان عفوك لا یلقاه ذو سرف
فمن یجود علی العاصین بالنعم
قال الحسين بن عليّ عليه السلام: فقال لي أبي: يا أبا عبد الله، أ سمعت المنادي لذنبه، المستغيث ربّه؟ فقلت: نعم، قد سمعته.
فقال عليه السلام: اعتبره، عسى أن تراه، فما زلت أختبط في طخياء الظلام وأتخلّل بين النيام، فلمّا صرت بين الركن والمقام بدا لي شخص منتصب، فتأمّلته فإذا هو قائم.
فقلت: السلام عليك أيّها العبد المقرّ المستقيل المستغفر المستجير، أجب بالله ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وآله، فأسرع في سجوده وقعوده وسلّم، فلم يتكلّم حتّى أشار بيده بأن تقدّمني، فتقدّمته، فأتيت به أمير المؤمنين عليه السلام فقلت: دونك ها هو.
فنظر إليه فإذا هو شابّ حسن الوجه، نقيّ الثياب، فقال عليه السلام له: ممّن الرجل؟فقال له: من بعض العرب، فقال عليه السلام له: ما حالك وممّ بكاؤك واستغاثتك؟
فقال: ما حال من أخذ بالعقوق، فهو في ضيق ارتهنه المصاب، وغمره الاكتئاب، فإن تاب فدعاؤه لا يستجاب؟ فقال له عليّ عليه السلام: ولم ذاك؟ فقال: إنّي كنت ملتهياً في العرب باللعب والطرب، أديم العصيان في رجب وشعبان، وما أراقب الرحمن، وكان لي والد شفيق رفيق يحذّرني مصارع الحدثان، ويخوّفني العقاب بالنيران، ويقول: كم ضجّ منك النهار والظلام، والليالي والأيّام، والشهور والأعوام، والملائكة الكرام؟ وكان إذا ألحّ عليّ بالوعظ، زجرته وانتهرته ووثبت عليه وضربته.
فعمدت يوماً إلى شيء من الورق وكانت في الخباء، فذهبت لآخذها وأصرفها فيما كنت عليه فمانعني عن أخذها، فأوجعته ضرباً ولويت ٢ يده وأخذتها ومضيت، فأومأ بيده إلى ركبته يريد النهوض من مكانه ذلك، فلم يطق يحرّكها من شدّة الوجع والألم، فأنشأ يقول:
جرت رحم بیني وبین منازل
سواء كما یستنزل القطر طالبه
وربّیت حتّی صار جلداً شمردلاً
إذا قام ساوی غارب العجل غاربه
وقدكنت أوتیه من الزاد في الصبا
إذا جاع منه صفوه وأطایبه
فلمّا استوی في عنفوان شبابه
وأصبح كالرمح الردیني خاطبه
تهضمني ما لي كذا ولوي یدي
لوی یده الله الذي هو غالبه
ثمّ حلف بالله، ليقدمنّ إلى بيت الله الحرام فيستعدي الله عليّ، فصام أسابيع وصلّى ركعات، ودعا وخرج متوجّهاً على عيرانة ٣ ، يقطع بالسير عرض الفلاة، ويطوي الأودية ويعلو الجبال، حتّى قدم مكة يوم الحجّ الأكبر، فنزل عن راحلته وأقبل إلى بيت الله الحرام، فسعى وطاف به وتعلّق بأستاره وابتهل بدعائه وأنشأ يقول:
یا من إلیه أتی الحجّاج بالجهد
فوق المهادي من أقصی غایة البعد
إنّی أتیتك يا من لا یخیب من
یدعوه مبتهلاً بالواحد الصمد
هذا منازل من یرتاع من عققي
فخذ بحقّي يا جبّار من ولدي
حتّی تشلّ بعون منك جانبه
یا من تقدّس لم یولد ولم یلد
قال: فوالذي سمك السماء وأنبع الماء، ما استتمّ دعاءه حتّى نزل بي ما ترى، ثمّ كشف عن يمينه فإذا بجانبه قد شلّ، فأنا منذ ثلاث سنين أطلب إليه أن يدعو لي في الموضع الذي دعا به عليّ فلم يجبني، حتّى إذا كان العام، أنعم عليّ فخرجت به على ناقة عشراء أجدّ السير حثيثاً رجاء العافية، حتّى إذا كنّا على الأراك وحطمة وادي السياك، نفر طائر في الليل فنفرت منها الناقة التي كان عليها، فألقته إلى قرار الوادي، فارفضّ بين الحجرين فقبرته هناك، وأعظم من ذلك أنّي لا أعرف إلّا المأخوذ بدعوة أبيه.
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أتاك الغوث، أتاك الغوث، أ لا أعلّمك دعاء علّمنيه رسول الله صلى الله عليه وآله، وفيه اسم الله الأكبر الأعظم الأكرم الذي يجيب به من دعاه، ويعطي به من سأله، ويفرّج به الهمّ، ويكشف به الكرب، ويذهب به الغمّ، ويبرئ به السقم، ويجبر به الكسير، ويغني به الفقير، ويقضي به الدين، ويردّ به العين، ويغفر به الذنوب، ويستر به العيوب؟ …
قال الحسين عليه السلام: فكان سروري بفائدة الدعاء أشدّ من سرور الرجل بعافيته. ثمّ ذكر الدعاء على ما سيأتي في كتابه، ثمّ قال عليه السلام للفتى: إذا كانت الليلة العاشرة فادع وائتني من غد بالخبر، قال الحسين بن عليّ عليه السلام: وأخذ الفتى الكتاب ومضى.
فلمّا كان من غد ما أصبحنا حسناً، حتّى أتى الفتى إلينا سليماً معافیاً والكتاب بيده وهو يقول: هذا _ والله _ الاسم الأعظم، استجيب لي وربّ الكعبة.
قال له عليّ عليه السلام: حدّثني، قال: لمّا هدأت العيون بالرقاد، واستحلك ٤ جلباب الليل، رفعت يدي بالكتاب ودعوت الله بحقّه مراراً، فأجبت في الثانية: حسبك، فقد دعوت الله باسمه الأعظم، ثمّ اضطجعت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في منامي، وقد مسح يده الشريفة عليّ وهو يقول: احتفظ باسم الله العظيم، فإنّك على خير. فانتبهت معافیاً كما ترى فجزاك الله خيراً.
المصدر الأصلي: مهج الدعوات
/
المصدر من بحار الأنوار: ج٤١
، ص٢٢٤-٢٢٨
(١) «الدَّیْجوج»: مُظلمة. لسان العرب، ج٢، ص٢٦٥.
(٢) «لَوَى يَده»: ثَناها. لسان العرب، ج١٥، ص٢٦٢.
(٣) «العَيْرَانَة»: الناقة السريعة في نشاط. راجع: الطراز الأوّل، ج٨، ص٤٧٢.
(٤) «استَحْلَكَ»: شدّ السواد. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج١، ص٤٢٨.
(٢) «لَوَى يَده»: ثَناها. لسان العرب، ج١٥، ص٢٦٢.
(٣) «العَيْرَانَة»: الناقة السريعة في نشاط. راجع: الطراز الأوّل، ج٨، ص٤٧٢.
(٤) «استَحْلَكَ»: شدّ السواد. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج١، ص٤٢٨.