- جواهر البحار
- » كتاب القرآن
- » أحاديث في أنّ علم القرآن كلّه عند الأئمّة (ع)
قال عليّ (عليه السلام): ما نزلت في القرآن آية إلّا وقد علمت أين نزلت وفيمن نزلت وفي أيّ شيء نزلت وفي سهل نزلت أم في جبل نزلت، قيل: فما نزل فيك؟ فقال (عليه السلام): لو لا أنّكم سألتموني ما أخبرتكم، نزلت فيّ الآية ﴿إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾، فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المنذر وأنا الهادي إلى ما جاء به.
قالت أمّ سلمة (رض): سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه الذي قبض فيه يقول وقد امتلأت الحجرة من أصحابه: «أيّها الناس، يوشك أن أقبض قبضاً سريعاً، فينطلق بي وقد قدّمت إليكم القول معذرة إليكم، ألا إنّي مخلّف فيكم كتاب ربّي عزّ وجلّ، وعترتي أهل بيتي»، ثمّ أخذ بيد عليّ (عليه السلام) فرفعها فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): هذا عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ، خليفتان بصيران لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض، فأسألهما ماذا خلّفت فيهما.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ألا إنّ العلم الذي هبط به آدم من السماء إلى الأرض، وجميع ما فضّلت به النبيّون إلى خاتم النبيّين عندي وعند عترة خاتم النبيّين، فأين يتاه بكم؟ بل أين تذهبون؟
قال الباقر (عليه السلام): إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أفضل الراسخين في العلم، فقد علم جميع ما أنزل الله عليه من التأويل والتنزيل، وما كان الله لينزّل عليه شيئاً لم يعلّمه التأويل، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كلّه.
قال الصادق (عليه السلام): إنّ اللّه أنزل في القرآن تبيان كلّ شيء حتّى _ واللّه _ ما ترك اللّه شيئاً يحتاج العباد إليه إلّا بيّنه للناس حتّى لا يستطيع عبد أن يقول: «لو كان هذا نزل في القرآن» إلّا وقد أنزل اللّه فيه.
قال الباقر (عليه السلام): إنّ الله لم يدع شيئاً تحتاج إليه الأمّة إلى يوم القيامة إلّا أنزله في كتابه، وبيّنه لرسوله، وجعل لكلّ شيء حدّاً، وجعل عليه دليلاً يدلّ عليه.
قال إبراهیم بن عبد الحمید عن أبیه: قلت للكاظم (عليه السلام): جعلت فداك، أخبرني عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ورث من النبيّين كلّهم؟ قال (عليه السلام) لي: نعم، من لدن آدم إلى أن انتهت إلى نفسه، ما بعث الله نبيّاً إلّا وكان محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) أعلم منه … فقد ورثنا نحن هذا القرآن، ففيه ما يقطّع به الجبال، ويقطّع به البلدان، ويحيي به الموتى … فما كتبه للماضين جعله الله في أمّ الكتاب، إنّ الله يقول في كتابه: ﴿وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا في كِتابٍ مُبينٍ﴾، ثمّ قال: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا﴾، فنحن الذين اصطفانا الله، فورّثنا هذا الذي فيه كلّ شيء.
قال حمّاد اللحّام: قال الصادق (عليه السلام): «نحن _ والله _ نعلم ما في السماوات وما في الأرض، وما في الجنّة وما في النار، وما بين ذلك» فبهتّ أنظر إليه، فقال (عليه السلام): يا حمّاد، إنّ ذلك من كتاب الله، إنّ ذلك من كتاب الله، إنّ ذلك من كتاب الله، ثمّ تلا هذه الآية: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ في كُلِّ أُمَّةٍ شَهيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمينَ﴾، إنّه من كتاب الله فيه تبيان كلّ شيء، فيه تبيان كلّ شيء.
قال الصادق (عليه السلام): إنّي لأعلم ما في السماوات وما في الأرضين، وأعلم ما في الجنّة، وأعلم ما في النار، وأعلم ما كان وما يكون، ثمّ مكث هنيئة فرأى أنّ ذلك كبر على من سمعه، فقال: علمت ذلك من كتاب الله، إنّ الله يقول: «فيه تبيان كلّ شيء» ١ .
قال الشعبي: ما أحد أعلم بكتاب الله بعد نبيّ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).
قال عليّ (عليه السلام): والله، ما نزلت آية إلّا وقد علمت فيما نزلت، وأين نزلت، أ بليل نزلت أم بنهار نزلت، في سهل أو جبل، إنّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً، ولساناً سؤولاً.
قال عليّ (عليه السلام): لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً في تفسير فاتحة الكتاب.
قال جابر بن یزید الجعفي: قال الصادق (عليه السلام): يا جابر، إنّ للقرآن بطناً، وللبطن ظهراً، ثمّ قال: يا جابر، وليس شيء أبعد من عقول الرجال منه، إنّ الآية لتنزل أوّلها في شيء، وأوسطها في شيء، وآخرها في شيء، وهو كلام متّصل متصرّف على وجوه.
قال الصادق (عليه السلام) لرجل من أهل الكوفة وسأله عن شيء: لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبرئيل في دورنا ونزوله على جدّي بالوحي والقرآن والعلم، أ فيستقي الناس العلم من عندنا فيهدونهم وضللنا نحن؟ هذا محال.
قال سلیم بن قیس الهلالي: قال لی عليّ (عليه السلام): ما نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آية من القرآن إلّا أقرأنيها وأملأها عليّ فكتبتها بخطّي، وعلّمني تأويلها وتفسيرها، وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، ودعا الله عزّ وجلّ أن يعلّمني فهمها وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله عزّ وجلّ، ولا علماً أملاه عليّ فكتبته، وما ترك شيئاً علّمه الله عزّ وجلّ من حلال ولا حرام ولا أمر ولا نهي، وما كان أو يكون من طاعة أو معصية إلّا علّمنيه وحفظته، فلم أنس منه حرفاً واحداً.
ثمّ وضع يده على صدري، ودعا الله تبارك وتعالى بأن يملأ قلبي علماً وفهماً وحكمةً ونوراً، ولم أنس من ذلك شيئاً، ولم يفتني من ذلك شيء لم أكتبه، فقلت: يا رسول الله، أ تتخوّف عليّ النسيان فيما بعد؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): لست أتخوّف عليك نسياناً ولا جهلاً، وقد أخبرني ربّي عزّ وجلّ أنّه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الذين يكونون من بعدك.
فقلت: يا رسول الله، ومن شركائي من بعدي؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): الذين قرنهم الله عزّ وجلّ بنفسه وبي، فقال: ﴿أَطيعُوا اللَّهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ فقلت: يا رسول الله، ومن هم؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): الأوصياء منّي إلى أن يردوا عليّ الحوض، كلّهم هادٍ مهتدٍ، لا يضرّهم من خذلهم، هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقهم ولا يفارقونه، فبهم تنصر أمّتي، وبهم يمطرون، وبهم يدفع عنهم البلاء، وبهم يستجاب دعاؤهم، فقلت: يا رسول الله، سمّهم لي، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ابني هذا _ ووضع رأسه على رأس الحسن (عليه السلام) _ ثمّ ابني هذا _ ووضع يده على رأس الحسين (عليه السلام) _ ثمّ ابن له يقال له عليّ، سيولد في حياتك فأقرئه منّي السلام، ثمّ تكملة اثني عشر إماماً.
قال سلیم: قلت: بأبي أنت وأمّي، فسمّهم لي، فسمّاهم رجلاً رجلاً، فقال (عليه السلام): فيهم _ والله _ يا أخا بني هلال، مهديّ أمّة محمّد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، والله، إنّي لأعرف من يبايعه بين الركن والمقام، وأعرف أسماء آبائهم وقبائلهم.
قال الصادق (عليه السلام): ما من أمر يختلف فيه اثنان إلّا وله أصل في كتاب الله، لكن لا تبلغه عقول الرجال.
قال الصادق (عليه السلام): قال الله لموسى: ﴿وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾، فعلمنا أنّه لم يكتبه لموسى الشيء كلّه، وقال الله لعيسى: ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذي يَخْتَلِفُونَ فيه﴾، وقال الله لمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿وَجِئْنا بِكَ شَهيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾.
قال أبو حامد الغزالي في وصف مولانا عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ما هذا لفظه: وقال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام): «إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل لسانه في فمي، فانفتح في قلبي ألف باب من العلم، مع كلّ باب ألف باب، وقال (عليه السلام): لو ثنيت لي وسادة وجلست عليها لحكمت لأهل التوراة بتوراتهم، ولأهل الإنجيل بإنجيلهم، ولأهل القرآن بقرآنهم»، وهذه الكثرة في السعة والافتتاح في العلم لا يكون إلّا لدنّياً سماوياً إلهياً.
قال ابن عبّاس: عليّ (عليه السلام) علم علماً علّمه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علّمه الله، فعلم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من علم الله، وعلم عليّ (عليه السلام) من علم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلمي من علم عليّ (عليه السلام)، وما علمي وعلم أصحاب محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) في علم عليّ (عليه السلام) إلّا كقطرة في سبعة أبحر.