قال الباقر (عليه السلام) والصادق (عليه السلام): زيارة قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ١ وزيارة قبر الحسين (عليه السلام) تعدل حجّة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال ابن أبي یعفور: سمعت الصادق (عليه السلام) يقول لرجل من مواليه: يا فلان، أ تزور قبر أبي عبد الله الحسين بن عليّ (عليه السلام)؟ قال: نعم، إنّي أزوره بين ثلاث سنين مرّة، فقال (عليه السلام) له وهو مصفرّ وجهه: أما والله الذي لا إله إلّا هو، لو زرته كان أفضل ممّا أنت فيه، فقال له: جعلت فداك، أ كلّ هذا الفضل؟ فقال (عليه السلام): نعم، والله، لو أنّي حدّثتكم بفضل زيارته وبفضل قبره، لتركتم الحجّ رأساً وما حجّ منكم أحد، ويحك، أ ما علمت أنّ الله اتّخذ كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يتّخذ مكّة حرماً؟
قال ابن أبي يعفور: فقلت له: قد فرض الله على الناس حجّ البيت ولم يذكر زيارة قبر الحسين (عليه السلام)، فقال (عليه السلام): وإن كان كذلك، فإنّ هذا شيء جعله الله هكذا، أ ما سمعت قول أبي أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث يقول: «إنّ باطن القدم أحقّ بالمسح من ظاهر القدم، ولكنّ الله تعالى فرض هذا على العباد»؟ أ وما علمت أنّ الموقف لو كان في الحرم كان أفضل لأجل الحرم؟ ولكنّ الله تعالى صنع ذلك في غير الحرم.
قال الصادق (عليه السلام): كان الحسين بن عليّ (عليه السلام) ذات يوم في حجر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يلاعبه ويضاحكه، فقالت عائشة: يا رسول الله، ما أشدّ إعجابك بهذا الصبيّ! فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لها: ويلك، وكيف لا أحبّه ولا أعجب به، وهو ثمرة فؤادي وقرّة عيني؟ أما إنّ أمّتي ستقتله، فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجّة من حججي، قالت: يا رسول الله، حجّة من حججك؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم، وحجّتين من حججي، قالت: يا رسول الله، حجّتين من حججك؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم، وأربعة. قال (عليه السلام): فلم تزل تزاده ويزيد ويضعّف، حتّى بلغ تسعين حجّة من حجج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأعمارها.
قال الصادق (عليه السلام): إنّ الله تبارك وتعالى يتجلّى لزوّار قبر الحسين (عليه السلام) قبل أهل عرفات، ويقضي حوائجهم ويغفر ذنوبهم ويشفّعهم في مسائلهم، ثمّ يثنّي بأهل عرفات فيفعل ذلك بهم.
قال بعض أصحابنا: قلت للصادق (عليه السلام): إنّ فلاناً أخبرني أنّه قال لك: إنّي حججت تسع عشرة حجّة وتسع عشرة عمرة، فقلت له: حجّ حجّة أخرى واعتمر عمرة أخرى تكتب لك زيارة قبر الحسين (عليه السلام)، فقال (عليه السلام): أيّما أحبّ إليك؟ أن تحجّ عشرين حجّة وتعتمر عشرين عمرة، أو تحشر مع الحسين (عليه السلام)؟ فقلت: لا، بل أحشر مع الحسين (عليه السلام)، قال (عليه السلام): فزر الحسین (عليه السلام).
قال الرضا (عليه السلام): أ ما علمت أنّ البيت يطوف به كلّ يوم سبعون ألف ملك، حتّى إذا أدركهم الليل صعدوا، ونزل غيرهم فطافوا بالبيت حتّى الصباح؟ وإنّ الحسين (عليه السلام) لأكرم على الله من البيت، وإنّه في وقت كلّ صلاة لينزل عليه سبعون ألف ملك، شعث غبر، لا تقع عليهم النوبة إلى يوم القيامة.
لعلّ اختلافات هذه الأخبار في قدر الفضل والثواب، محمولة على اختلاف الأشخاص والأعمال وقلّة الخوف والمسافة وكثرتهما، فإنّ كلّ عمل من أعمال الخير يختلف ثوابها باختلاف مراتب الإخلاص والمعرفة والتقوى وسائر الشرايط التي توجب كمال العمل، على أنّه يظهر من كثير من الأخبار أنّهم كانوا يراعون أحوال السائل في ضعف إيمانه وقوّته، لئلّا يصير سبباً لإنكاره وكفره، وأنّهم كانوا يكلّمون الناس على قدر عقولهم. (ص٤٤)
روي أنّه دخل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً إلى فاطمة (عليها السلام)، فهيّأت له طعاماً من تمر وقرص وسمن، فاجتمعوا على الأكل هو وعليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)، فلمّا أكلوا سجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأطال سجوده، ثمّ بكى، ثمّ ضحك، ثمّ جلس، وكان أجرأهم في الكلام عليّ (عليه السلام)، فقال: يا رسول الله، رأينا منك اليوم ما لم نره من قبل ذلك، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّي لمّا أكلت معكم فرحت وسررت بسلامتكم واجتماعكم، فسجدت لله تعالى شكراً.
فهبط جبرئيل (عليه السلام) يقول: سجدت شكراً لفرحك بأهلك؟ فقلت: نعم، فقال: أ لا أخبرك بما يجري عليهم بعدك؟ فقلت: بلى، يا أخي يا جبرئيل، فقال: أمّا ابنتك، فهي أوّل أهلك لحاقاً بك بعد أن تظلم، ويؤخذ حقّها، وتمنع إرثها، ويظلم بعلها، ويكسر ضلعها، وأمّا ابن عمّك، فيظلم ويمنع حقّه ويقتل، وأمّا الحسن (عليه السلام)، فإنّه يظلم ويمنع حقّه ويقتل بالسمّ، وأمّا الحسين (عليه السلام) فإنّه يظلم ويمنع حقّه، وتقتل عترته، وتطؤه الخيول، وينهب رحله، وتسبى نساؤه وذراريه، ويدفن مرمّلاً بدمه، ويدفنه الغرباء، فبكيت وقلت: وهل يزوره أحد؟ قال: يزوره الغرباء، قلت: فما لمن زاره من الثواب؟ قال: يكتب له ثواب ألف حجّة وألف عمرة، كلّها معك، فضحك.