- جواهر البحار
- » تتمة كتاب الصلاة
- » أحاديث في أحكام الجماعة
قال الصادق (عليه السلام): قرأ ابن الكوّاء خلف أمير المؤمنين (عليه السلام): ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ﴾، فأنصت له أمير المؤمنين (عليه السلام).
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ الله وملائكته يصلّون على الصفّ المقدّم، فازدحم الناس وكانت دور بني عذرة بعيدة من المسجد، فقالوا: لنبيعنّ دورنا ولنشترينّ دوراً قريبة من المسجد حتّى ندرك الصفّ المتقدّم، فنزلت: ﴿وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا الۡمُسۡتَقۡدِمِينَ مِنكُمۡ وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا الۡمُسۡتَٔۡخِرِينَ﴾.
بيان وتحقيق مهمّ: الظاهر أنّ المراد بالمجهول من لا يعلم دينه، وإلّا فلم يكن حاجة إلى ذكر المجاهر بالفسق والغالي الذي يغلو في حقّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة (عليهم السلام) بالقول بالربوبية ونحوها، وإن كان يقول بقولك، أي يعتقد إمامة الأئمّة وخلافتهم وفضلهم وإن كان مقتصداً، أي متوسّطاً في العقائد بأن لا يكون غالياً ولا مفرّطاً.
ثمّ اعلم أنّه لا خلاف بين الأصحاب في اشتراط إيمان الإمام وعدالته والإيمان هنا الإقرار بالأصول الخمسة على وجه يعدّ إمامياً، وأمّا العدالة فقد اختلف كلام الأصحاب فيها اختلافاً كثيراً في باب الإمامة وباب الشهادة، والظاهر أنّه لا فرق عندهم في معنى العدالة في المقامين وإن كان يظهر من الأخبار أنّ الأمر في الصلاة أسهل منه في الشهادة.
ولعلّ السرّ فيه أنّ الشهادة يبتني عليها الفروج والدماء والأموال والحدود والمواريث، فينبغي الاهتمام فيها بخلاف الصلاة، فإنّه ليس الغرض إلّا اجتماع المؤمنين وائتلافهم واستجابة دعواتهم، ونقص الإمام وفسقه وكفره وحدثه وجنابته لا يضرّ بصلاة المأموم كما سيأتي، فلذا اكتفي فيه بحسن ظاهر الإمام وعدم
العلم بفسقه.
ثمّ الأشهر في معناها أن لا يكون مرتكباً للكبائر ولا مصرّاً على الصغائر، وللعلماء في تفسير الكبيرة اختلاف شديد، فقال قوم: هي كلّ ذنب توّعد الله عليه بالعقاب في الكتاب العزيز، وقال بعضهم: هي كلّ ذنب رتّب عليه الشارع حدّاً أو صرّح فيه بالوعيد، وقال طائفة: هي كلّ معصية تؤذن بقلّة اكتراث فاعلها بالدين، وقال جماعة: هي كلّ ذنب علمت حرمته بدليل قاطع، وقيل: كلّما توعّد عليه توعّداً شديداً في الكتاب والسنّة، وقيل: ما نهى الله عنه في سورة النساء من أوّله إلى قوله تعالى: ﴿إِن تَجۡتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنۡهَوۡنَ عَنۡهُ﴾ الآية.
وقال قوم: الكبائر سبع: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرّم الله، وقذف المحصنة، وأكل مال اليتيم، والزنا، والفرار من الزحف، وعقوق الوالدين، وقيل: إنّها تسع بزيادة السحر والإلحاد في بيت الله، أي الظلم فيه، وزاد عليه في بعض الروايات للعامّة أكل الربا، وعن عليّ (عليه السلام): زيادة على ذلك شرب الخمر والسرقة.
وزاد بعضهم على السبعة السابقة ثلاث عشرة أخرى: اللواط، والسحر، والربا، والغيبة، واليمين الغموس، وشهادة الزور، وشرب الخمر، واستحلال الكعبة، والسرقة، ونكث الصفقة، والتعرّب بعد الهجرة، واليأس من روح اللهف والأمن من مكر الله.
وقد يزاد أربع عشرة أخرى: أكل الميتة، ولحم الخنزير، وما أهلّ لغير الله به من غير ضرورة، والسحت، والقمار، والبخس في الكيل، والوزن، ومعونة الظالمين، وحبس الحقوق من غير عسر، والإسراف، والتبذير، والخيانة، والاشتغال بالملاهي، والإصرار على الذنوب.
وقد يعدّ منها أشياء أخر: كالقيادة، والدياثة، والغصب، والنميمة، وقطيعة الرحم، وتأخير الصلاة عن وقتها، والكذب خصوصاً على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وضرب المسلم بغير حقّ، وكتمان الشهادة، والسعاية إلى الظالمين، ومنع الزكاة المفروضة، وتأخير الحجّ عن عام الوجوب، والظهار، والمحاربة، وقطع الطريق.
والمعروف بين أصحابنا القول الأوّل من هذه الأقوال، وهو الصحيح، ويدلّ عليه أخبار كثيرة. (ص٢٤-٢٦)
قال ميسّر: كنت أنا وعلقمة الحضرمي وأبو حسّان العجلي وعبد الله بن عجلان ننتظر الباقر (عليه السلام) فخرج علينا فقال (عليه السلام): مرحباً وأهلاً، والله، إنّي لأحبّ ريحكم وأرواحكم وأنتم لعلى دين الله، فقال علقمة: فمن كان على دين الله تشهد أنّه من أهل الجنّة؟ فمكث هنيئة ثمّ قال (عليه السلام): نوّروا أنفسكم، فإن لم تكونوا قرفتم الكبائر فأنا أشهد، قلنا: وما الكبائر؟ قال (عليه السلام): هي في كتاب الله على سبع، قلنا: فعدّها علينا، جعلنا فداك، قال (عليه السلام): الشرك بالله العظيم، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا بعد البيّنة، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، وقتل المؤمن، وقذف المحصنة، قلنا: ما منّا أحد أصاب من هذه شيئاً، قال (عليه السلام): فأنتم إذاً.
قال محمّد بن مسلم: قلت للصادق (عليه السلام): جعلت فداك، ما لنا نشهد على من خالفنا بالكفر وبالنار، ولا نشهد على أنفسنا ولا على أصحابنا أنّهم في الجنّة؟ فقال (عليه السلام): من ضعفكم إذا لم يكن فيكم شيء من الكبائر فاشهدوا أنّكم في الجنّة، قلت: أيّ شيء الكبائر؟ فقال (عليه السلام): أكبر الكبائر الشرك، وعقوق الوالدين، والتعرّب بعد الهجرة، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، وأكل مال اليتيم ظلماً، والربا بعد البيّنة، وقتل المؤمن، فقلت: الزنا والسرقة؟ قال (عليه السلام): ليس من ذلك.
واختلف أيضاً في معنى الإصرار على الصغائر، فقيل: هو الإكثار منها سواء كان من نوع واحد أو من أنواع مختلفة، وقيل: المداومة على نوع واحد منها، ونقل بعضهم قولاً بأنّ المراد به عدم التوبة وهو ضعيف.
وقسّم بعض علمائنا الإصرار إلى فعلي وحكمي، فالفعلي هو الدوام على نوع واحد منها بلا توبة، أو الإكثار من جنسها بلا توبة، والحكمي هو العزم على فعل تلك الصغيرة بعد الفراغ منها.
وهذا ممّا ارتضاه جماعة من المتأخّرين، والنصّ خالٍ عن بيان ذلك، لكنّ الأنسب بالمعنى اللغوي المداومة على نوع واحد منها والعزم على المعاودة إليها، قال الجوهري: أصررت على الشيء، أي أقمت ودمت، وقال في النهاية: أصرّ على الشيء يصرّ إصراراً إذا لزمه وداومه وثبت عليه، وفي القاموس: أصرّ على الأمر: لزم، وأمّا الإكثار من الذنوب وإن لم يكن من نوع واحد بحيث يكون ارتكابه للذنب أكثر من اجتنابه عنه إذا عن له من غير توبة فالظاهر أنّه قادح في العدالة بلا خلاف في ذلك بينهم.
وفي كون العزم على الفعل بعد الفراغ منه قادحاً فيه محلّ إشكال، لكن روى الكليني عن جابر عن الباقر (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَلَمۡ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ﴾، قال: «الإصرار أن يذنب الذنب ولا يستغفر ولا يحدّث نفسه بتوبة فذلك الإصرار». والحديث المشهور «لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار» يومئ إلى أنّ الإصرار يحصل بعدم الاستغفار بقرينة المقابلة، وفي العرف يقال: فلان مصرّ على هذا الأمر إذا كان عازماً على العود إليه، فالقول بكون العزم داخلاً في الإصرار لا يخلو من قوّة، والمشهور لا سيّما بين المتأخّرين اعتبار المروّة في الإمامة والشهادة، ولا شاهد له من جهة النصوص، وفي ضبط معناها عبارات لهم متقاربة المعنى، وحاصلها مجانبة ما يؤذن بخسّة النفس ودناءة الهمّة من المباحات والمكروهات وصغائر المحرّمات التي لا تبلغ حدّ الإصرار كالأكل في الأسواق والمجامع في أكثر البلاد، والبول في الشوارع المسلوكة، وكشف الرأس في المجامع، وتقبيل أمته وزوجته في المحاضر، ولبس الفقيه لباس الجندي، والإكثار من المضحكات، والمضايقة في اليسير التي لا تناسب حاله، ويختلف ذلك بحسب اختلاف الأشخاص والأعصار والأمصار والعادات المختلفة.
والحقّ أنّ ما لم يخالف ذلك الشرع ولم يرد فيه نهي لا يقدح في العدالة ولا دليل عليه وليس في الأخبار منه أثر، بل ورد خلافه في أخبار كثيرة، ومن كان أشرف من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان يركب الحمار العاري، ويردف خلفه، ويأكل ماشياً إلى الصلاة كما روي، وكأنّهم اقتفوا في ذلك أثر العامّة، فإنّها مذكورة في كتبهم، ولذا لم يذكر المحقّق (رحمه الله) ذلك في معناها وأعرض منه كثير من القدماء والمتأخّرين ...
ثمّ اعلم أنّ المتأخّرين من علمائنا اعتبروا في العدالة الملكة، وهي صفة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى والمروّة، ولم أجدها في النصوص ولا في كلام من تقدّم على العلّامة من علمائنا ولا وجه لاعتبارها ...
وقد ورد في أخبار كثيرة إذا عرض للإمام عارض أخذ بيد رجل من القوم فيقدمه، ومن تأمّل في عادة الأعصار السابقة في مواظبتهم على الجماعات وترغيب الشارع في ذلك وإشهادهم على البيوع والإجارات وسائر المعاملات وسنن الحكّام في قبول الشهادات والأمراء الذين عيّنهم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) والحسن (عليه السلام) لذلك ولما هو أعظم منه لا ينبغي أن يرتاب في فسحة الأمر في العدالة في المقامين ...
والذي يظهر لي من الأخبار أنّ المعتبر في الشهادة عدم معلومية الفسق وحسن الظاهر، وفي الصلاة مع ذلك المواظبة على الجمعة والجماعة وعدم الإخلال بذلك بغير عذر، ولو ظهر فسق نادراً وعلم من ظواهر أحواله التأثّر والتألّم والندامة فهذا يكفي في عدم الحكم بفسقه، ولو علم منه عدم المبالاة أو التجاهر والتظاهر، فهذا قادح لعدالته. (ص٢٩-٣٤)
قال الصادق (عليه السلام): من أذنب ذنباً فعلم أنّ الله مطّلع عليه، إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له، غفر له وإن لم يستغفر.
وإنّما أطنبنا الكلام في هذا المقام لئلّا يصغي المؤمن المتديّن إلى شبهات شياطين الجنّ والإنس ووساوسهم فيترك فضيلة الجماعة وفريضة الجمعة الثابتتين بالأخبار المتواترة بمحض الاحتياط في العدالة التي سبيلها ما عرفت، ومع ذلك ينبغي أن لا يترك الناقد الخبير المتديّن البصير الاحتياط في أمر دينه وصلاته ويطلب من يثق بدينه وقراءته وزهده وعبادته، فإن لم يجد فليحتط إمّا بتقديم الصلاة قبلها أو الإعادة بعدها، وذلك بعد أن يفرغ نفسه ويخلّي قلبه عن دواعي الحقد والحسد وسائر الأمراض النفسانية والأغراض الفاسدة، فإذا فعل ذلك فسيرشده الله إلى ما يحبّ ويرضى، كما قال تعالی: ﴿وَالَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَا﴾. (ص٤١)
قال الباقر (عليه السلام): كان الحسن والحسين (عليهما السلام) يقرءان خلف الإمام.
تبيين: «خلف الإمام»، أي أئمّة الجور الذين كانوا في زمانهما (عليهما السلام) كانا يصلّيان خلفهم تقية ولا ينويان الاقتداء بهم، وكانا يقرءان ويصلّيان لأنفسهما.
ويستحبّ حضور جماعتهم استحباباً مؤكّداً كما ذكره الأكثر، ودلّت عليه الأخبار، ويجب عند التقيّة، لكن يستحبّ أن يصلّي في بيته ثمّ يأتي ويصلّي معهم إن أمكن، وإلّا فيجب أن يقرأ لنفسه ولا تسقط القراءة عنه بالائتمام بهم على المشهور، بل قال في المنتهى: لا نعرف فيه خلافاً ولا يجب الجهر بالقراءة في الجهرية، وتجزئة الفاتحة وحدها مع تعذّر قراءة السورة وإن قلنا بوجوبها ولا خلاف فيها ظاهراً.
ولو ركع الإمام قبل إكمال الفاتحة فقيل: إنّه يقرأ في ركوعه، وقيل: تسقط القراءة للضرورة كما قطع به في التهذيبحتّى قال: إنّ الإنسان إذا لم يلحق القراءة معهم جاز له ترك القراءة، والاعتداد بتلك الصلاة بعد أن يكون قد أدرك الركوع والأحوط الإعادة حينئذٍ، وكذا لو قرأ في النفس تقية. (ص٤٧)
قال أبوعبيدة الحذّاء: سأل بعضنا الصادق (عليه السلام) عن القوم يجتمعون فتحضر الصلاة، فيقول بعضهم لبعض: تقدّم يا فلان، فقال (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يتقدّم القوم أقرؤهم، فإن كانوا في القراءة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنّاً، فإن كانوا في السنّ سواء فليؤمّهم أعلمهم بالسنّة وأفقههم في الدين، ولا يتقدّم أحدهم الرجل في منزله ولا صاحب سلطان في سلطانه.
وروي في حديث آخر: فإن كانوا في السنّ سواء فأصبحهم وجهاً.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله، فانظروا من توفدون في دينكم وصلاتكم.
«الوافد»: القادم الوارد رسولاً وقاصداً لأمير للزيارة والاسترفاد ونحوهما، والإبل السابق للقطار، فعلى الأوّل وهو الأظهر، المعنى: أنّه رسول إلى الله تعالى ليسأل ويطلب لهم الحاجة والمغفرة منه تعالی، ولا محالة يكون مثل هذا أفضل القوم وأعلمهم وأشرفهم، وقيل: المراد أنّه وافد من الله سبحانه إليهم ليقرأ كلام الله عليهم، ولا يخفى بعده وتوجيهه على الأخيرين ظاهر.
قال أبوذرّ (رحمه الله): إنّ إمامك شفيعك إلى الله عزّ وجلّ، فلا تجعل شفيعك إلى الله عزّ وجلّ سفيهاً ولا فاسقاً.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من أمّ قوماً وفيهم من هو أعلم منه أو أفقه لم يزل أمرهم إلى سفال إلى يوم القيامة.
قال أمیرالمؤمنین (عليه السلام) للأشتر: فإذا قمت في صلاتك للناس فلا تكوننّ منفّراً ولا مضيّعاً، فإنّ في الناس من به العلّة وله الحاجة، وقد سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين وجّهني إلى اليمن: كيف أصلّي بهم؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): صلّ بهم كصلاة أضعفهم وكن بالمؤمنين رحيماً.
صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالناس يوماً فخفّف في الركعتين الأخيرتين، فلمّا انصرف قال له الناس: يا رسول الله، رأيناك خففت، هل حدث في الصلاة أمر؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): وما ذلك، قالوا: خفّفت في الركعتين الأخيرتين، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أ وما سمعتم صراخ الصبيّ؟
وفي حديث آخر: خشيت أن يشتغل به خاطر أبيه.
قال حذيفة: إنّ أبا بكر أراد أن يصلّي بالناس في مرض النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بغير إذنه، فلمّا سمع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك خرج إلى المسجد متّكئاً على عليّ (عليه السلام) وفضل بن العبّاس، فتقدّم إلى المحراب وجذب أبا بكر من ورائه، فنحّاه عن المحراب، فصلّى الناس خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو جالس، وبلال يسمع الناس التكبير حتّى قضى صلاته.
قال زرارة: كنت جالساً عند الباقر (عليه السلام) ذات يوم، فدخل عليه رجل فقال له: جعلت فداك، إنّي رجل جار مسجد لقوم، فإذا أنا لم أصلّ معهم وقعوا فيّ وقالوا: هو كذا وهو كذا، فقال (عليه السلام): أما إن قلت ذاك لقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من سمع النداء فلم يجبه من غير علّة فلا صلاة له، لا تدع الصلاة خلفهم وخلف كلّ إمام، فلمّا خرج قلت له: جعلت فداك، كبر عليّ قولك لهذا الرجل حين استفتاك، فإن لم يكونوا مؤمنين؟ قال: فضحك الباقر (عليه السلام)، ثمّ قال (عليه السلام): ما أراك بعد إلّا هاهنا، يا زرارة، فأيّة علّة تريد أعظم من أنّه لا يؤتمّ به؟
قال الصادق (عليه السلام): من أسبغ وضوءه في بيته وتطيب ثمّ مشى من بيته غير مستعجل وعليه السكينة والوقار إلى مصلّاه رغبة في جماعة المسلمين، لم يرفع قدماً ولم يضع أخرى إلّا كتبت له حسنة ومحيت عنه سيّئة ورفعت له درجة، فإذا دخل المسجد وقال: «بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن الله وإلى الله وما شاء الله ولا قوّة إلّا بالله، اللّهمّ افتح لي أبواب رحمتك ومغفرتك وأغلق عنّي أبواب سخطك وغضبك، اللّهمّ منك الروح والفرج، اللّهمّ إليك غدوّي ورواحي وبفنائك أنخت، أبتغي رحمتك ورضوانك، وأتجنّب سخطك اللّهمّ وأسألك الروح والراحة والفرج، ثمّ قال: اللّهمّ إنّي أتوجّه إليك بمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، فاجعلني من أوجه من توجّه إليك بهما، وأقرب من تقرّب إليك بهما، وقرّبني بهما منك زلفى ولا تباعدني عنك، آمين ربّ العالمين»، ثمّ افتتح الصلاة مع الإمام جماعة إلّا وجبت له من الله المغفرة والجنّة من قبل أن يسلّم الإمام.
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ أئمّتكم قادتكم إلى الله، فانظروا بمن تقتدون في دينكم وصلاتكم.
قال الصادق (عليه السلام): إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أقيموا صفوفكم، فإنّي أراكم من خلفي كما أراكم من بين يديّ، ولا تختلفوا فيخالف الله بين قلوبكم.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إمام القوم وافدهم، فقدّموا في صلاتكم أفضلكم.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): سوّوا صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم ولا تخالفوا بينها، فتختلفوا ويتخلّلكم الشيطان تخلّل أولاد الحذف.
و«الحذف»: ضرب من الغنم الصغار السود، واحدتها حذفة، فشبّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تخلّل الشيطان الصفوف إذا وجد فيها خللاً بتخلّل أولاد الغنم ما بين كبارها.
قال الصادق (عليه السلام): يا معشر الشيعة، إنّكم قد نسبتم إلينا، كونوا لنا زيناً ولا تكونوا شيناً، كونوا مثل أصحاب عليّ (عليه السلام) في الناس، إن كان الرجل منهم ليكون في القبيلة فيكون إمامهم ومؤذّنهم وصاحب أماناتهم وودائعهم، عودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم وصلّوا في مساجدهم ولا يسبقوكم إلى خير، فأنتم _ والله _ أحقّ منهم به.