- جواهر البحار
- » تتمة كتاب الصلاة
- » أحاديث في آداب القيام إلى الصلاة
قال الحسن بن عليّ الوشّاء: دخلت على الرضا (عليه السلام) وبين يديه إبريق يريد أن يتوضّأ منه للصلاة، فدنوت لأصبّ عليه، فأبى ذلك، وقال (عليه السلام): مه يا حسن، فقلت له: لم تنهاني أن أصبّ عليك؟ تكره أن أوجر؟ فقال (عليه السلام): تؤجر أنت وأوزر أنا؟ فقلت له: وكيف ذلك؟ فقال (عليه السلام): أ ما سمعت الله يقول: ﴿فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلاً صَٰلِحاً وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَۢا﴾؟ ها أنا ذا أتوضّأ للصّلاة وهي العبادة، فأكره أن يشركني فيها أحد.
قال رجل لمعاذ بن جبل: حدّثني بحديث سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحفظته من دقّة ما حدّثك به، قال: نعم، وبكى معاذ ثمّ قال: بأبي وأمّي، حدّثني وأنا رديفه، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): بينا نحن نسير إذ رفع بصره إلى السماء، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): الحمد لله الذي يقضي في خلقه ما أحبّ، ثمّ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): يا معاذ، قلت: لبّيك يا رسول الله إمام الخير ونبيّ الرحمة، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): أحدّثك ما حدّث نبيّ أمّته، إن حفظته نفعك عيشك، وإن سمعته ولم تحفظه انقطعت حجّتك عند الله.
ثمّ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ الله خلق سبعة أملاك قبل أن يخلق السموات، فجعل في كلّ سماء ملكاً قد جلّلها بعظمته، وجعل على كلّ باب من أبواب السماوات ملكاً بوّاباً، فتكتب الحفظة عمل العبد من حين يصبح إلى حين يمسي، ثمّ ترتفع الحفظة بعمله وله نور كنور الشمس حتّى إذا بلغ السماء الدنيا فتزكّيه وتكثّره، فيقول الملك: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، أنا ملك الغيبة، فمن اغتاب لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري، أمرني بذلك ربّي.
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): ثمّ تجيء الحفظة من الغد ومعهم عمل صالح، فتمرّ به وتزكّيه وتكثّره حتّى يبلغ السماء الثانية، فيقول الملك الذي في السماء الثانية: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، إنّما أراد بهذا عرض الدنيا، أنا صاحب الدنيا لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري.
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): ثمّ تصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجاً بصدقة وصلاة، فتعجب به الحفظة وتجاوزه إلى السماء الثالثة، فيقول الملك: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه وظهره، أنا ملك صاحب الكبر، فيقول: إنّه عمل وتكـبّر فيه على الناس في مجالسهم، أمرني ربّي أن لا أدع عمله يتجاوزني إلى غيري.
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): وتصعد الحفظة بعمل العبد، يزهر كالكوكب الدريّ في السماء له دويّ بالتسبيح والصوم والحجّ، فتمرّ به إلى ملك السماء الرابعة، فيقول لهم الملك: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه وبطنه، أنا ملك العجب، إنّه كان يعجب بنفسه، وإنّه عمل وأدخل نفسه العجب، أمرني ربّي لا أدع عمله يتجاوزني إلى غيري.
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): وتصعد الحفظة بعمل العبد كالعروس المزفوفة إلى أهلها، فتمرّ به إلى ملك السماء الخامسة بالجهاد والصلاة ما بين الصلاتين، ولذلك العمل رنين كرنين الإبل عليه ضوء كضوء الشمس، فيقول الملك: قفوا، أنا ملك الحسد، واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه واحملوه على عاتقه، إنّه كان يحسد من يتعلّم أو يعمل لله بطاعته، وإذا رأى لأحد فضلاً في العمل والعبادة حسده ووقع فيه، فيحملونه على عاتقه ويلعنه عمله.
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): وتصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وزكاة وحجّ وعمرة، فيتجاوز إلى السماء السادسة فيقول الملك: قفوا، أنا صاحب الرحمة، اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه واطمسوا عينيه، لأنّ صاحبه لم يرحم شيئاً إذا أصاب عبداً من عباد الله ذنباً للآخرة أو ضرّاً في الدنيا شمت به، أمرني ربّي أن لا أدع عمله يجاوزني، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): وتصعد الحفظة بعمل العبد بفقه واجتهاد وورع، وله صوت كالرعد وضوء كضوء البرق، ومعه ثلاثة آلاف ملك، فتمرّ به إلى ملك السماء السابعة فيقول الملك: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، أنا ملك الحجاب، أحجب كلّ عمل ليس لله، إنّه أراد رفعة عند القوّاد وذكراً في المجالس وصيتاً في المدائن، أمرني ربّي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري ما لم يكن لله خالصاً.
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): وتصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجاً به من صلاة وزكاة وصيام وحجّ وعمرة وحسن خلق وصمت وذكر كثير، تشيّعه ملائكة السماوات والملائكة السبعة بجماعتهم، فيطوف الحجب كلّها حتّى يقوموا بين يديه سبحانه، فيشهدوا له بعملٍ ودعاء، يقول الله: أنتم حفظة عمل عبدي، وأنا رقيب على ما في نفسه، إنّه لم يردّني بهذا العمل، عليه لعنتي، فتقول الملائكة: عليه لعنتك ولعنتنا.
ثمّ بكى معاذ، قال: قلت: يا رسول الله، ما أعمل؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): اقتد بنبيّك _ يا معاذ _ في اليقين، قال: قلت: أنت رسول الله وأنا معاذ، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): وإن كان في عملك تقصير يا معاذ، فاقطع لسانك عن إخوانك وعن حملة القرآن، ولتكن ذنوبك عليك لا تحملها على إخوانك، ولا تزكّ نفسك بتذميم إخوانك، ولا ترفع نفسك بوضع إخوانك، ولا تراء بعملك، ولا تدخل من الدنيا في الآخرة، ولا تفحش في مجلسك، لكي يحذروك بسوء خلقك، ولا تناج مع رجل وأنت مع آخر، ولا تتعظّم على الناس، فينقطع عنك خيرات الدنيا، ولا تمزّق الناس، فتمزّقك كلاب أهل النار، قال الله تعالى: ﴿وَالنَّٰشِطَٰتِ نَشۡطاً﴾، أ فتدري ما الناشطات؟ كلاب أهل النار تنشط اللحم والعظم.
قلت: ومن يطيق هذه الخصال؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): يا معاذ، أما إنّه يسير على من يسّره الله عليه.
قال الصادق (عليه السلام): إنّ رجلاً دخل مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جالس، فقام الرجل يصلّي فكـبّر ثمّ قرأ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): عجّل العبد على ربّه، ثمّ دخل رجل آخر فصلّى على محمّد وآله، وذكر الله وكـبّر وقرأ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): سل تعط.
إنّ في وقت ذكره تعالى التضرّع والابتهال مناسب مطلوب لا سيّما وقت هذا الذكر المخصوص، أعني: تكبير الافتتاح؛ لأنّه وقت إحضار نيّة الصلاة والإخلاص والقربة، وقطع النظر عن جميع الأغراض، فناسب رفع اليد إلى الله ونفض اليد عمّا سواه وتنزيهه عن مشابهة من عداه. (ص٣٦٤)
في القول عند التوجّه إلى القبلة: اللّهمّ، إليك توجّهت، ورضاك طلبت، وثوابك ابتغيت، وبك آمنت، وعليك توكّلت، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وافتح مسامع قلبي لذكرك، وثبّتني على دينك، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمةً، إنّك أنت الوهّاب.
قال السيّد ابن طاوس (رحمه الله): ويقول بعد ثلاث تكبيرات من تكبيرات الافتتاح ما رواه الحلبي وغيره عن الصادق (عليه السلام): «اللّهمّ، أنت الملك الحقّ، لا إله إلّا أنت، سبحانك وبحمدك، عملت سوءاً وظلمت نفسي، فاغفر لي ذنبي، إنّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت»، ثمّ يكـبّر تكبيرتين ويقول: «لبّيك وسعديك، والخير في يديك، والشرّ ليس إليك، والمهديّ من هديت، عبدك وابن عبديك بين يديك، منك وبك ولك وإليك، لا ملجأ ولا منجا ولا مفرّ منك إلّا إليك، سبحانك وحنانيك، تباركت وتعاليت، سبحانك ربّ البيت الحرام» ثمّ يكـبّر تكبيرتين أخريين كما أشرنا إليه، ثمّ يتوجّه كما كنّا نبّهنا عليه ويقول: ﴿وَجَّهۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضَ﴾ على ملّة إبراهيم، ودين محمّد، ومنهاج عليّ، <حَنِيفاً مُّسۡلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الۡمُشۡرِكِينَ﴾، ﴿إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الۡعَٰلَمِينَ ۞ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرۡتُ وَأَنَا۠ أَوَّلُ الۡمُسۡلِمِينَ﴾، وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
«لبّيك وسعديك»، أي إقامة على طاعتك بعد إقامة، وإسعاداً لك بعد إسعاد، يعني: مساعدة على امتثال أمرك بعد المساعدة، وفي النهاية: «لبّيك»، أي إجابتي لك يا ربّ، وهو مأخوذ من لبّ بالمكان وألبّ إذا أقام به، وألبّ على كذا إذا لم يفارقه، ولم يستعمل إلّا على لفظ التثنية في معنى التكرير، أي إجابة بعد إجابة، وهو منصوب على المصدر بعامل لا يظهر، كأنّك قلت: ألبّ إلباباً بعد إلباب، وقيل: معناه اتّجاهي وقصدي _ يا ربّ _ إليك، من قولهم: داري تلبّ دارك، أي تواجهها، وقيل: معناه إخلاصي لك من قولهم: حسب لباب إذا كان خالصاً محضاً، ومنه لبّ الطعام ولبابه، وزاد في القاموس معنى آخر، قال: أو معناه: محبّتي لك، من امرأة لبّة: محبّة زوجها.
قال صفوان الجمّال: شهدت الصادق (عليه السلام) واستقبل القبلة قبل التكبير، وقال (عليه السلام): اللّهمّ لا تؤيسني من روحك، ولا تقنّطني من رحمتك، ولا تؤمنّي مكرك، فإنّه ﴿لَا يَأۡمَنُ مَكۡرَ اللَّهِ إِلَّا الۡقَوۡمُ الۡخَٰسِرُونَ﴾.
قال الصادق (عليه السلام): إذا قمت إلى الصلاة فقل: اللّهمّ، إنّي أقدّم إليك محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بين يدي حاجتي، وأتوجّه به إليك، فاجعلني به وجيهاً عندك في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين، واجعل صلاتي به مقبولة، وذنبي به مغفوراً، ودعائي به مستجاباً، إنّك أنت الغفور الرحيم.
وأمّا القربة فهي أصعب الأمور، ولا يتيسّر تصحيحها عند إرادة الصلاة، بل يتوقّف على مجاهدات عظيمة وتفكّرات صحيحة، وإزالة حبّ الدنيا والأموال والاعتبارات الدنيوية عن النفس، والتوسّل في جميع ذلك بجناب الحقّ تعالى، ليتيسّر له إحدى المعاني السابقة بحسب استعداده وقابليّته، وما صادفه من توفيق الله وهدايته فإنّ كلّاً ﴿يَعۡمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ﴾ ونيّة كلّ امرئ تابع لما استقرّ في قلبه من حبّ الله أو حبّ الدنيا أو حبّ الجاه أو المال أو غير ذلك، وقلع عروق هذه الأغراض عن النفس في غاية العسر والإشكال، ومعها تصحيح النيّة من قبيل المحال، ولذا ورد «نيّة المؤمن خير من عمله» والمراد إخلاص القصد من أغراضه وعلله.
ولمّا جعل أكثر الخلق خطور البال النيّة، صاروا من هذا الإشكال والضيق في غاية الفسحة، فكم من عابد من أهل الدنيا يظنّ أنّ نيّته خالصة لله، ولا يعبد في جميع عمره إلّا نفسه وهواه، فيسعى غاية السعي فيما يحمده الناس من الطاعات، وإذا عرضت له عبادة لا يرتضيها الناس ولا يحمدون عليها، يصير عندها كالأموات، ومن تتبّع أغراض النفوس وداءها ودواءها، يعرف ذلك بأدنى تأمّل في أحوال نفسه وإلّا فلا يستيقظ من سنة هذه الغفلة إلّا عند حلول رمسه. (ص٣٧٢-٣٧٣)
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مرّ برجل يصلّي وقد رفع يديه فوق رأسه، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ما لي أرى أقواماً يرفعون أيديهم فوق رؤوسهم كأنّها آذان خيل شمس؟
قال الصادق (عليه السلام): كان أمير المؤمنين (عليه السلام): يقول لأصحابه: من أقام الصلاة وقال قبل أن يحرم ويكـبّر: «يا محسن قد أتاك المسيء، وقد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسيء، وأنت المحسن وأنا المسيء، فبحقّ محمّد وآل محمّد صلّ على محمّد وآل محمد، وتجاوز عن قبيح ما تعلم منّي» فيقول الله: ملائكتي، اشهدوا أنّي قد عفوت عنه، وأرضيت عنه أهل تبعاته.