Search
Close this search box.
Layer 5
فهرس تفسير المتدبرين
فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ ٣٣ يَوۡمَ يَفِرُّ ٱلۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِيهِ ٣٤ وَأُمِّهِۦ وَأَبِيهِ ٣٥ وَصَٰحِبَتِهِۦ وَبَنِيهِ ٣٦ لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُمۡ يَوۡمَئِذٖ شَأۡنٞ يُغۡنِيهِ ٣٧ وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ مُّسۡفِرَةٞ ٣٨ ضَاحِكَةٞ مُّسۡتَبۡشِرَةٞ ٣٩ وَوُجُوهٞ يَوۡمَئِذٍ عَلَيۡهَا غَبَرَةٞ ٤٠ تَرۡهَقُهَا قَتَرَةٌ ٤١ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَفَرَةُ ٱلۡفَجَرَةُ ٤٢
  • تلاوة الآيات ٣٣ إلى ٤٢

أنواع الصيحة

تكرر في القران ذِكر أنواع الصيحة يوم القيامة ، فمنها :
الصيحة المجردة : ﴿صَيْحَةً واحِدَة﴾[١] .
الراجفة : وهي الصيحة العظيمة التي فيها تردد واضطراب .
الصاخة : وهي الصيحة الشديدة التي تصم الأسماع من شدتها .
الناقور : الذي ينبعث منه صوت يخرق الأسماع .
والجامع بين هذه الأصوات جميعا : هو أن هناك صوتا مفزعا يؤذن بالحساب يوم القيامة ، والحال أن الله تعالى في دار الدنيا تلطّف كثيرا في الخطاب ، لبعث العباد على محاسبة النفس قبل محاسبة القيامة : «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا»[٢] وللموت الاختياري قبل الموت الإجباري «موتوا قبل أن تموتوا»[٣] ولزنتها في دار الدنيا قبل أن توزن في الآخرة «وزنوها قبل أن توزنوا»[٤] حيث لا مجال للتدارك بعدها .

[١] . سورة يس : الآية ٥٣ .
[٢] . بحار الأنوار : ج٦٧ ص ٧٣ .
[٣] . بحار الأنوار : ج ٦٩ ص ٥٩ .
[٤] . بحار الأنوار : ج٦٧ ص ٧٣ .

الفرار من الأرحام

إن التعبير بالفرار ممّن ذكرتهم الآية ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ﴾ يدل على عظم ما فيه أهل المحشر ، فهو :
إما لانشغال كل فرد بنفسه ، بما يشغله من أهوال يوم القيامة .
وإما للخوف من مطالبة مَن ذُكر ، لحقوقهم المضيّعة في الدنيا .
وإما فرارا من التورّط بهم ، إذ قد يطلبون منه شيئا من حسناته ، وهو أحوج ما يكون إليها!

أعوان الآخرة

إن مَن يتذكر هذه الآية ـ  وهو في الحياة الدنيا ـ يعيش حالة من الحذر ممّن حوله حتى من أقرب المقربين إليه!  . . والطريق الأمثل للخلاص من تبعاتهم ، هو تحويلهم إلى أعوان لآخرته ، بدلا من أن يكونوا عونا على دنياه فحسب ـ  كما هو ديدن أهل الدنيا ـ إذ لا يريدون من الأولاد إلا  عزة ، وتفاخرا ، وتكاثرا ، بخلاف المؤمن الذي همّه أن يجعل من ذريته صدقة جارية له بعد موته .
وعندئذ فإنه من الطبيعي أن يرحب بهم في عرصات القيامة ، بل يبحث عنهم ليُعين بعضهم بعضا ، ليكونوا في درجة واحدة في الجنة ، ومصداقا لقوله تعالى ﴿وَالَّذينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُم‏﴾[٥] .

[٥] . سورة الطور : الآية ٢١ .

استحضار المعية الإلهية

إن من الملفت في هذه السورة ذكر آية ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ بعد ذكر فرار الإنسان من أهله الأقربين منه ، ممّا يفهم منه أن انشغاله بنفسه هو الذي جعله يلهيه عمّن سواه ، وما انشغاله بنفسه إلا لانكشاف الحجب عنده ، ووقوفه موقف المساءلة بين يدي الله تعالى .
ومن هنا نقول : لو عاش العبد حقيقة المحضرية في الحياة الدنيا لتحققت الثمرتان معا ، أعني عدم تعلّقه المشغل بغير الله تعالى أولا ، وانشغاله بنفسه ثانيا  . . وهو ما دعت إليه الروايات المتعددة في أن يلتفت الإنسان إلى نفسه أولا قبل الالتفات إلى غيره ، والآية الكريمة ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ﴾[٦] شاهدة على ذلك أيضا .

[٦] . سورة التحريم : الآية ٦ .

مصير الأرحام

إن التدرج في الآية بين الأخ والأم والأب والزوجة والابن ، قد يكون بلحاظ التدرج الصعودي في التعلق القلبي ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ﴾ فأوله الأخوة ، وآخره البنوة لأن الولد قطعة من الأبوين وليسا هما قطعة منه  . . ولعل من هذه الجهة نفسها ، جعل القرآن الكريم خصوص الأولاد في سياق الأموال من جهة الافتتان بهما ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾[٧] .

[٧] . سورة الأنفال : الآية ٢٨ .

مرآة الحالات الروحية

إن الوجوه الظاهرية مظهر للحالات الروحية التي يمر بها العبد في الدنيا والآخرة :
أما في الآخرة : فالأمر واضح كما تذكره الآية إلى درجة يكون الأمر فيها حسيا ، ففي جانب الخير هناك الإشراقة في الوجه ﴿مسفرة﴾ وفي جانب الشر هنالك الغبار والظلمة ﴿تَرْهَقُها قَتَرَةٌ﴾ بحيث يعلمه ويراه أهل المحشر ، لانكشاف الغطاء عنهم جميعا .
وأما في الدنيا : فإن هناك مسحة من النور تلفُّ وجه المؤمن وهو يستشعرها ، بل يراها كل مَن أوتي فراسة إيمانية توجب له الرؤية بنور الله تعالى .
ولا يخفى أن نور الوجه يوم القيامة إنما يُكتسب في هذه الدنيا ، وخاصة من خلال قيام الليل وتلاوة القرآن .

الانحراف العقائدي والسلوكي

إن المعصية الموجبة لظلمة الوجه ﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ﴾ يكون من سببين :
الانحراف العقائدي الذي يتمثّل أوجه في الكفر بالله تعالى ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ﴾ .
الانحراف السلوكي المشار إليه بكلمة ﴿الْفَجَرَةُ﴾ .
وعليه ، فلا ينبغي أن يركن مَن هو على عقيدة صحيحة ـ  بل ويرى في قلبه حبا لأولياء الله تعالى ـ إلى ما هو عليه ، إذا لم يكن مستقيما في مقام العمل ، فالفجور عِدلٌ للكفر كما ذكرته الآية في سياق واحد .