Search
Close this search box.
Layer 5
فهرس تفسير المتدبرين
كـَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٖ ٧ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا سِجِّينٞ ٨ كِتَٰبٞ مَّرۡقُومٞ ٩ وَيۡلٞ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُكَذِّبِينَ ١٠ ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوۡمِ ٱلدِّينِ ١١ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِۦٓ إِلَّا كُلُّ مُعۡتَدٍ أَثِيمٍ ١٢ إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ءَايَٰتُنَا قَالَ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ١٣ كـَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ١٤ كـَلَّآ إِنَّهُمۡ عَن رَّبِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ لَّمَحۡجُوبُونَ ١٥ ثُمَّ إِنَّهُمۡ لَصَالُواْ ٱلۡجَحِيمِ ١٦ ثُمَّ يُقَالُ هَٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ ١٧
  • تلاوة الآيات ٧ إلى ١٧

الإحصاء الإلهي

إن جهاز الإحصاء عند الله تعالى في غاية الدقة والجامعية ، فسجلّ السيئات متصف :
بالكتابة ﴿كِتَابٌ مَرْقُومٌ﴾ وما كتبه الكرام الحافظون لا يعقل في حقهم التفريط .
بأنه في ﴿سِجِّينٍ﴾ وهو الموضع الجامع لما حكم فيه على الفجار ، سواء كان المراد بذلك الموضع أطباق جهنم أو غيره ، وهو بدوره مأخوذ من السجن بوصف المبالغة ، عكس محل كتاب الأبرار المتمثل بـ ﴿عليين﴾  . . هذا إن لم يكن قوله تعالى ﴿كِتابٌ مَرْقُومٌ﴾ وصفا لسجين ، وأما إذا كان وصفا له فالسجين هو الكتاب الجامع .

آثار تكرار الذنوب

إن الآية ربطت بين التكذيب بالمعاد وبين التوغّل في الإثم ، إذ إن تراكم المعاصي يوجب الرين على القلب ، فيحجبه عن الحقائق الواضحة ومنها المعاد ، فيُكذّب بها تارة ، ويصف آيات الله تعالى بأنها ﴿أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ تارة اُخرى  . . وقد ورد ما يؤيّد ذلك أيضا في قوله تعالى ﴿ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى‏ أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُن‏﴾[١] فلا يتبجّح أهل المعاصي بسلامة عقائدهم ، لأن هذه السلامة قد تزول فيتحوّل ﴿ما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ إلى مرحلة يعبّر عنها القرآن الكريم ﴿بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ﴾ .
ومن المعلوم أن القلب ـ  وهو مركز القرار في الوجود ـ لو أصيب بالرين ، فإن العبد سيتمادى فيما يمارسه من الحرام إلى درجة مفزعة .

[١] . سورة الروم : الآية ١٠ .

الإصرار على المعاصي

إن الرين مرحلة لاحقة لإصرار العبد على كسب ما لا يُرضي مولاه ، فليحذر أهل الإصرار على المعاصي ـ  وإن كانت المعصية صغيرة ـ من مرحلة الرين ، فقد تتحقق هذه المرحلة فجأة كانفلاق الحجر بعد الطرقة الأخيرة  . . وقد ورد في الخبر : «إنّ العبد إذا أذنب ذنبا ؛ نكتت في قلبه نكتة سوداء ، فإن تاب ونزع واستغفر ؛ صقل قلبه ، وإن عاد ؛ زادت حتى تعلو قلبه ، فذلك الرين الذي ذكر الله في القرآن‏»[٢] .
وهناك أمور اُخرى متعلقة بالقلوب وهي في سياق الرين أيضا ، فقد قيل : أن الرين هو اسوداد القلب من الذنوب ، والطبع أشد من الرين ؛ ومعناه أن يُطبع على القلب ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى﴾[٣] ومنها الختم على القلوب ﴿خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ﴾[٤] .

[٢] . تفسير الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٣٢٥ .
[٣] . سورة محمد : الآية ١٦ .
[٤] . سورة البقرة : الآية ٧ .

معاني كلمة “كَلّا”

إن استعمال كلمة ﴿كَلاَّ﴾ في القرآن لها دلالات ملفتة : فهي كلمة واحدة ؛ ولكنها تفيد الردع تارة ، والنفي تارة اُخرى ، وقد تفيد غيرهما ، فلها معناها الخاص في كل مورد  . . فمن الممكن أن يقال أن المراد بها في :
﴿كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ﴾ هو الردع عن التفوّه بالمقال الباطل ، وهو تهمة الأساطير وكأنه في حكم (صه) لمَن يُراد إسكاته بتحقير ، وما صدر منهم إنما هو لوجود الرين على قلوبهم .
﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُون‏﴾ هو الردع عمّا يوجب رين القلب ، والذي بدوره يوجب مثل هذا التكذيب في الدنيا ، والحجب عن الرب في العقبى .
﴿كلا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّين‏﴾[٥] هو الردع عن التطفيف والتغافل عن يوم الجزاء .

[٥] . سورة المطففين : الآية ٧ .

حجاب الحرمان

إن أهل القيامة رغم انكشاف الحجب عنهم ، ورؤيتهم العينية لمظاهر جلال الله تعالى وكماله ـ  إلى درجة رغبتهم الشديدة في محادثة المولى ـ إلا أن القرآن الكريم يصفهم بـ ﴿إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ فهذه هي محجوبية القرب من الرحمة الإلهية ، ويبيّنه قوله تعالى في موضع آخر ﴿وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِم‏﴾[٦] فهذا السنخ من المحجوبية مستمر معهم في القيامة ، كما كان معهم في دار الدنيا ، وإن ارتفعت عنهم باقي الحجب في عالم البرزخ والقيامة .

[٦] . سورة آل عمران : الآية ٧٧ .