Search
Close this search box.
Layer 5
فهرس تفسير المتدبرين
فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ ٧ فَسَوۡفَ يُحَاسَبُ حِسَابٗا يَسِيرٗا ٨ وَيَنقَلِبُ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ مَسۡرُورٗا ٩ وَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ وَرَآءَ ظَهۡرِهِۦ ١٠ فَسَوۡفَ يَدۡعُواْ ثُبُورٗا ١١ وَيَصۡلَىٰ سَعِيرًا ١٢ إِنَّهُۥ كَانَ فِيٓ أَهۡلِهِۦ مَسۡرُورًا ١٣ إِنَّهُۥ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ ١٤ بَلَىٰٓۚ إِنَّ رَبَّهُۥ كَانَ بِهِۦ بَصِيرٗا ١٥
  • تلاوة الآيات ٧ إلى ١٥

الأصناف الثلاثة

إن هذه الآية تبيّن صنفين من أهل المحشر ، وهم : المؤمنون الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم ﴿أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ والكافرون غير المعترفين بالحشر الذين يأخذون كتبهم من وراء ظهورهم ﴿أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ﴾ إما من باب :
طمس الوجوه وإرجاعها إلى الخلف ﴿مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾[١] .
إنهم يأخذون كتبهم بشمائلهم ثم يخفونها وراء ظهورهم ؛ فصدَق هذا العنوان عليهم .
ومن الممكن القول : بأن هناك صنفا ثالثا هم عصاة المؤمنين ، يأخذون كتبهم بشمائلهم ؛ فكانوا في قبال الصنفين الأولين .

[١] . سورة الإنسان : الآية ٤٧ .

معنى الحساب اليسير

إن الحساب اليسير في قوله تعالى ﴿فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً﴾ قد يكون :
بعرض الكتاب على صاحبه بما فيه من السيئات من دون مداقة فيه ؛ فيصدق عليه الحساب من جهة ، واليسر من جهة اُخرى .
وقد يكون من جهة التجاوز عن السيئات أو تبديلها إلى الحسنات إما : ببركة الشفاعة ، أو فعل ما يوجب التيسير في الحساب ، فقد جاء في الحديث الشريف : «ثلاث من كنّ فيه؛ حاسبه اللّه حسابا يسيرا، وأدخله الجنّة برحمته . . » قالوا : وما هي يا رسول الله؟!  . . قال : «تعطي من حرمك، وتصل من قطعك، وتعفو عمّن ظلمك»[٢] .

[٢] . مجمع البيان : ج١٠ ص٦٩٩ .

أنواع الرجوع

إن هناك فرقا كبيرا بين رجوع المؤمن إلى أهله يوم القيامة وبين غيره ، فالمؤمن يرجع إلى أهله ليعيش معهم أبد الآبدين في سرور وحبور ﴿وَيَنْقَلِبُ إلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً﴾ سواء فسّرنا ذلك بأزواجه من الحور العين المنتظرات لقدومه ، أو بزوجته وأولاده الذين يلحقون به في الجنة ، أو بالمؤمنين الصالحين من قرنائه ، فإنهم في حكم أهله لسنخية الإيمان .
وهذا كله بخلاف سرور الكفار ، فإنه سرور تصرّم في الدنيا وأعقبه حزن دائم ، لمفارقته لمَن كان مسرورا فيهم حيث أسلموه لنفسه ، فما الفائدة في أنه ﴿كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً﴾ و﴿كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَق﴾[٣] بصيغة الماضي والحال أنه الآن ﴿يَصْلى‏ سَعِيراً﴾ بصيغة المضارع داعيا على نفسه بالويل والهلاك ﴿فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً﴾ .

[٣] . سورة غافر : الآية ٧٥ .

السرور بالفضل الإلهي

إن سرور المؤمن في الدنيا سرور له ما يبرّره صدقا وواقعا ، وذلك لأن ما يوجب له السرور هو فضل من الله ورحمة ، فسروره برضا الرب أكثر ممّا يكشف عنه من النعمة النازلة عليه ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ ممّا يَجْمَعُون﴾[٤] وكأن ما أوجب لهم السرور هو ما كان كاشفاً عن رضا الله تعالى عنهم .
وهذا كله بخلاف سرور أهل الدنيا ؛ فإنه أقرب إلى المرح المقترن بالغفلة ، ولذا عبّر عنه القرآن الكريم بأنه بغير حق حيث قال تعالى ﴿ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ﴾[٥]  . . فأي قيمة للباطل وإن كان في قالب السرور؟

[٤] . سورة يونس : الآية ٥٨ .
[٥] . سورة غافر : الآية ٧٥ .

فضائح القيامة

إن كان تقسيم الكتب يمينا أو شمالا أو من وراء الظهر واقعا في جمع أهل المحشر وفي محضرهم ؛ استلزم ذلك الفضيحة أمام الأشهاد وهو ما كان يتحاشاه العبد في الدنيا ، أضف إلى أن تغير الوجوه واسودادها الظاهر للعيان والدال على سوء عاقبة أهلها[٦] ، فضيحة اُخرى من فضائح القيامة أمام الخلائق ، وهذا بدوره عذاب نفسي للعصاة قبل دخول النار أيضا .

[٦] . سورة آل عمران : الآية ١٠٦ .

السرور الكاذب

إن من موجبات السرور والمرح الباطل ؛ هي الغفلة عن اليوم الآخِر ، وكذلك الجهل بالجزاء المُبهم الذي ينتظر أهله ، ومن هنا فإن أول ما وصفهم به القرآن الكريم هو ﴿إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ﴾ أي لا يرجع إلى الله تعالى ، وقد ورد في الخبر : «ليس العيد لمَن لبس الجديد ، وإنما العيد لمَن أمن الوعيد»[٧]!
وعليه ، فلو طرأ على العبد ما يوجب له السرور الكاذب ، فما عليه إلا أن يتذكّر هول ما هو مُقدِم عليه أولا ، ومراقبة الله تعالى له ثانيا حيث قال تعالى ﴿بَلى‏ إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً﴾ ليعود إلى رشده  . . وقد ذُكر الأمران في هذه الآيات معا كمُزيل لمثل هذا السرور ؛ ألا وهو تذكر أنه يرجع إلى الله تعالى ، وأنه بصير به .

[٧] . نهج البلاغة : ٨٥٢ .