Search
Close this search box.
Layer 5
فهرس تفسير المتدبرين
فَأَمَّا مَن طَغَىٰ ٣٧ وَءَاثَرَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا ٣٨ فَإِنَّ ٱلۡجَحِيمَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ ٣٩ وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ٤٠ فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ ٤١ يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرۡسَىٰهَا ٤٢ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكۡرَىٰهَآ ٤٣ إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَىٰهَآ ٤٤ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخۡشَىٰهَا ٤٥ كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَهَا لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا عَشِيَّةً أَوۡ ضُحَىٰهَا ٤٦
  • تلاوة الآيات ٣٧ إلى ٤٦

ارتباط الظاهر بالباطن

إن أرضية الطغيان في العبد ﴿طَغى﴾ توجب أن يؤثر الحياة الدنيا على الآخرة ﴿وَآثَرَ﴾ فقد جعلتهما الآية الكريمة مقترنتين ، كما أن أرضية الخوف من مقام الرب ﴿خافَ﴾ توجب نهي النفس عن الهوى ﴿وَنَهَى﴾ كما يستفاد من هذه السورة أيضا  . . والقاعدة العامة المستفادة من مجموع القران الكريم هي أن الأرضية الباطنية للإنسان ، منشأ لكثير من الآثار الظاهرية .

مشكلة التعلق

إن المشكلة ليست في مفردات الحياة الدنيا والمتمثلة : بالنساء ، والبنين ، والقناطير المقنطرة ، والخيل المسومة ، والأنعام ، والحرث[١] ، وإنما في إيثارها على رضا الرب المتعال ﴿وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا﴾ وفي تزيّنها في صدور العباد ﴿لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ﴾[٢] وفي كونها موجبةً لطغيان العبد ﴿ليطغى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى﴾[٣]  . . وبعبارة جامعة : إن المشكلة كامنة في العُلقة ، لا في العلاقة .

[١] . ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنينَ وَ الْقَناطيرِ الْمُقَنْطَرَةِ﴾ سورة آل عمران : الآية ١٤ .
[٢] . سورة الحجر : الآية ٣٩ .
[٣] . سورة العلق : الآية ٧ .

مقام الربّ

قيل في تفسير ﴿مَقامَ رَبِّهِ﴾ الذي يوجب الخوف منه تعالى وجوه ، منها :
مقامه للحساب يوم القيامة ، فكأن المراد مقام العبد عند ربه عند نصب الموازين .
علمه بأفعال العبد ومراقبته له ، من جهة أنه تعالى قائم على كل نفس بما كسبت[٤] .
أنها جهة الربوبية وما يستلزمها من شؤون الربوبية .
والذي يجمع هذا كله في مقام التأثير هو عمل العبد على تنمية ذلك الباطن الذي يدرك هذه المعاني ، ويوجب النهي عن الهوى ، والذي يؤدي بدوره إلى سلامة الجوارح أخيرا  . . وعليه ، فإن العمل الجوانحي مقدم على العمل الجوارحي ، تقدم العلة على المعلول ، وتقدم الفرش على النقش .

[٤] . ﴿أَ فَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى‏ كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ﴾ سورة الرعد : الآية ٣٣ .

أثر الخوف

إن الالتفات إلى مقام الرب يستلزم أن يرى الإنسان أن جميع تقلباته بمرأى من قِبل الله تعالى ، وهذا الالتفات لِمن موجبات الاستقامة على الطريقة في السر والعلن ، وبذلك تنتفي أو تقل حالات التذبذب بين الإقبال والإدبار  والتي يشتكي منها حتى الأولياء .
ومما يؤيد أن المراد من مقام الرب ما ذكرناه آنفا ، ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال : «مَن علم أنّ اللّه يراه، ويسمع ما يقول، ويعلم من خير أو شرّ؛ فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال؛ فذلك الذي خاف مقام ربّه، ونهى النفس عن الهوى»[٥] .

[٥] . الكافي : ج ٢ ص ٧٠ .

مناشئ الخوف

إن خوف الإنسان قد يكون :
لسبب طبيعي خارج ذاته : كخوف الإنسان من حيوان مفترس أو عدو بشري .
لتقصير مرتبط بذاته : كخوف الجاني من العذاب عند القصاص .
للإحساس بعظمة مَن يعتقد بعظمته : كخوف التلميذ من اُستاذه خوفا ، يشوبه الإحساس بهيبته .
وعليه ، فإن خوف أولياء الله تعالى إنما هو من القِسم الثالث ، لعدم وجود مخوف بذاته ، ولا لتحقق تقصير من فعله ، بل للنظر إلى مقام العظمة المورث لحالة من حالات الخوف المقدس .

ردع النفس

لا بُد أن يكون تعامل الإنسان مع هواه ﴿وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى﴾ كتعامل الأب مع الابن الجاهل الذي لا يعرف مصلحته ، فيهوي إلى ما فيه رداه فيردعه ردعا ، وهذا يختلف عن النهي عند الآمرين بالمعروف بالوعظ المجرد .
وعليه ، فلا يكون التعامل مع الهوى في النفس ، كتعامل الناصح مع غيره والذي يكون عادة بين النظيرين .

السنة الإلهية

إن القانون الإلهي سارٍ على جميع المخلوقات سواء في عالم الآفاق أو الأنفس ، ومن هنا فإن الآية تُعطي الضابطة العامة : فـ ﴿مَن طَغَى﴾ سقط في منحدر (الردى) إذ الجحيم مأواه و﴿مَنْ خَافَ﴾ وصل إلى ذروة (الهدى) إذ الجنة مأواه ، لوضوح أن مَن اتبع طريق الأسباب وصل إلى المسببات ، تماما كما هو الأمر كذلك في عالم الطبيعة .

توقيت القيامة

إن البعض قد يستغرق في الجزئيات التي ليست لها ثمرة عملية ، مثلُه في ذلك كمثل المشركين الذين كانوا يسألون عن وقت الساعة ، فجابههم القرآن الكريم بقوله ﴿فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها﴾ ردعا لهم عن هذا التطفل الذي لا طائل تحته ، وكذلك بقوله تعالى ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾ .
ومن الممكن أن نُسرّي مثل هذا التوبيخ ، إلى مَن يبحث عن توقيت الفرج ـ  مثلا ـ دون أن يُعدّ نفسه لإعانة صاحب الفرج ، وإلى مَن يتحرى فلسفة الأحكام معوّلا التزامه عليها .

الاستئثار ببعض العلم

إن الله تعالى رغم أنه فتح باب العلوم (الظاهرة) لعامة العباد ، وباب العلوم (الخفية) لخصوص الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) ؛ إلا أنه استأثر ببعض العلوم التي لا يحيط البشر بشيء منها ، ومن تلك العلوم ما يتعلق بالساعة ، فمنتهى علمها إنما هو عند عالم الغيب والشهادة ﴿إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا﴾ .
وهذا كله لا ينافي أن يطلب العبد من ربه علما واسعا كثيرا بحسب سعة إنائه ، بل يطلب منه أن يوسع من إنائه أولا ، ثم يغدق عليه من عطائه ثانيا!

الإنذار والتبشير

إن الأنبياء (عليهم السلام) بُعثوا مبشرين ومنذرين ، ولكن لا يعني ذلك أن نسبة الإنذار والتبشير على حد سواء بالنسبة الی كل الطبقات ، إذ إن الإنذار يتأكد للقوم الغافلين المعاندين دون التبشير ، ولهذا ذكرت الآية خصوص الإنذار لمنكري القيامة ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا﴾ .
وعليه ، فإن المؤمن في دعوته إلى الله تعالى ، يوازن بين الإنذار والتبشير بحسب حالات من يتعامل معهم .

شرط قبول الدعوة

إن الأنبياء (عليهم السلام) جاءوا لرفع المستوى التكاملي لكل فرد ، ولكن التأثر بدعوتهم يحتاج إلى أرضية إجمالية للقبول ، وهو ما يستلزم وجود حالة ـ  ولو إجمالية ـ من الخشية بالنسبة إلى المبدأ تارة ﴿إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن﴾[٦] وإلى المعاد تارة اُخرى ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا﴾ .
وعليه ، فإن مَن ليس بناؤه على التأثر والإتباع النفسي في (الداخل) ، فإنه لا يمكنه أن يتبع الأنبياء في(الخارج) مصداقا لقوله تعالى ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾[٧] .

[٦] . سورة يس : الآية ١١ .
[٧] . سورة البقرة : الآية ٦ .

فنائية الدنيا

إن الالتفات إلى حقيقة فنائية الدنيا وقصرها بالنسبة إلى الآخرة ، لمن موجبات ردع العبد عن التوغل في الشهوات ؛ لأن العاقل بطبيعته يتجاوز عن الربح الأقل لحيازة الربح الأكثر ؛ فكيف إذا لم تكن هناك نسبة بينهما؟!  . . إذ ما نسبة الحياة الأبدية إلى لبثٍ في عشية أو ضحى ﴿كَأَنَّهُم يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّعَشِيَّةً أَوْ ضُحاها﴾ بل إلى ساعة كما في قوله تعالى ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ﴾[٨]

[٨] . سورة الروم : الآية ٥٥ .