Search
Close this search box.
Layer 5
فهرس تفسير المتدبرين
إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِي نَعِيمٖ ١٣ وَإِنَّ ٱلۡفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٖ ١٤ يَصۡلَوۡنَهَا يَوۡمَ ٱلدِّينِ ١٥ وَمَا هُمۡ عَنۡهَا بِغَآئِبِينَ ١٦ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا يَوۡمُ ٱلدِّينِ ١٧ ثُمَّ مَآ أَدۡرَىٰكَ مَا يَوۡمُ ٱلدِّينِ ١٨ يَوۡمَ لَا تَمۡلِكُ نَفۡسٞ لِّنَفۡسٖ شَيۡـٔٗاۖ وَٱلۡأَمۡرُ يَوۡمَئِذٖ لِّلَّهِ ١٩
  • تلاوة الآيات ١٣ إلى ١٩

المعيار لدخول الجنة

إن آية ﴿إِنَّ الْأَبْرارَ﴾ تشير بذِكرها للأبرار إلى جهة (البِر) كمبدأ للوصف عند أهل النعيم ولم تشر إلى جهة العبادة مثلا ، وقد يُستفاد من هذا التعبير أن جهة الإحسان في أهل النعيم من الملاكات المهمة لدخول الجنة ، وإن كان قبول هذا الإحسان منوطا بالتقوى .
وليُعلم أن كون الأبرار في نعيم ـ  بقول مطلق ـ قد يعم الدارين معا ، فيفيد أنهم في راحة دائمة ؛ وخاصة عند التعبير بأن النعيم ظرف لهم ﴿لَفِي﴾ ، وقد نقل الرازي في تفسيره عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال : «النعيم المعرفة والمشاهدة»[١] وهذا شاهد على أن هذا القِسم من النعيم للأبرار متحقق في الدنيا قبل الآخرة ، وإن كان في الآخرة بشكل أجلى .

[١] . مفاتيح الغيب : ج٣١ ص٨٠ .

معنى الفجار

لا يخفى ما في تعبير النعيم من اللطف ﴿لَفِي نَعِيمٍ﴾ إذ ينطبق على كل ما يتنعّم به العبد من صور النعيم ، ويقابلهم الفجار الذين اشتق عنوانهم من نفس مبدأ الاشتقاق في البحر المسجور ، فقيل عنهم إنهم : «هم المنخرقون بالذنوب‏»[٢] فكأنه فجّر نفسه وخرَّقها فتلاشت هيئته المركّبة فزال جماله ، كما يكون الأمر كذلك عند انخراق بدنه ، ومن هنا سمّي الفجر فجرا لأنه يخرق الأفق بالضياء[٣] .

[٢] . الميزان في تفسير القرآن : ج٢٠ ص٢٢٧ .
[٣] . معجم مقاييس اللغة : ج٤ ص٤٧٥ .

الجنة والنار الدنيويتان

إنه من الممكن أن نقول بأن الفجار معذبون في هذه الدنيا فضلا عن الآخرة ، كما تفيد عبارة ﴿لَفِي جَحِيمٍ﴾ إذ إن هذا التعبير ـ  الدال على ظرفية العذاب لأهله ـ لا يستعمل في العذاب المستقبلي إلا من باب استعمال الحال فيما هو محقق الوقوع .
ويؤيد هذا المعنى أيضا قوله تعالى ﴿يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ﴾ فإن نار هذا الجحيم ـ  بأقل درجاتها في الدنيا ـ تشتد يوم القيامة أو قل : يكتوي العاصي بنارها في ذلك اليوم ، وإلا فإن جحيم البُعد عن الله تعالى وعيشة الضنك في الدنيا ، صورة من صور الجحيم المعجَّلة ، كما يؤيد فعلية العذاب في الدنيا ماورد في قوله تعالى ﴿وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ﴾ كما قد يستفاد من قوله تعالى ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾[٤] أن العذاب محيط بالكافرين من كل الجهات ، ومنها جهتا الدنيا والآخرة .

[٤] . سورة التوبة : الآية ٤٩ .

ما لا يدرك من العقاب

إن ظاهر الخطاب في ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ﴾ يدل على أن المخاطب هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وفي ذلك بيان عظمة ما في ذلك اليوم من صور العذاب ، إلى درجة أُخفيت عن أعظم الخلق ؛ فكيف عن غيره؟!  . . والحال أنه أكثرهم ارتباطا بعالم الغيب ؛ فقد رأى من آيات ربه ما وصفه بالكبرى ، ويتأكد التعظيم في درجة هذا العذاب ، من خلال تكرار هذه الآية نفسها مرة اُخرى .

يوم الجزاء

لا يخفى ما في استعمال كلمة (الدين) من إشارة إلى الجزاء الذي هو أهم مَعلم من معالم يوم الفزع الأكبر ، فمحصّل الآية أن ذلك اليوم يوم عظيم سواء من جهة شدة الأهوال ﴿جَحِيمٍ﴾ أو من جهة دقة الجزاء ﴿الدِّينِ﴾ .
وقد جرت عادة القرآن الكريم على استعمال صيغة ﴿مَا أَدْرَاكَ﴾ لبيان عظمة القيامة ؛ كقوله تعالى ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ﴾[٥] و﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ﴾[٦] و﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ﴾[٧] و﴿ما أَدْراكَ مَا الطَّارِق﴾[٨]!

[٥] . سورة الحاقة : الآية ٣ .
[٦] . سورة المدثر : الآية ٢٧ .
[٧] . سورة المرسلات : الآية ١٤ .
[٨] . سورة الطارق : الآية ٢ .

القيامة مظهر الحاكمية

إن حاكمية الله تعالى ثابتة في كل النشآت ﴿وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ للهِ﴾ ولكن التجلي الأعظم لها يكون في عرصات القيامة ، حيث إقرار كل من في الوجود لهذه الحاكمية  بل معاينتهم لها ، وهذا لا ينافي الشفاعة لأنها في طول هذه الحاكمية المطلقة  . . ومن المعلوم أن المؤمن يعيش هذا المعنى في الدنيا قبل الآخرة ؛ ممّا يعطيه حالة من العزة الإيمانية وإن كان ذليلا ظاهرا ، وقد روي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال : «الأمر يومئذ واليوم كله لله ، يا جابر!  . . إذا كان يوم القيامة بادت الحكام ، فلم يبق حاكم إلا الله»[٩] .

[٩] . مجمع البيان : ج١٠ ص٤٥٠ .