Search
Close this search box.
Layer 5
فهرس تفسير المتدبرين
ءَأَنتُمۡ أَشَدُّ خَلۡقًا أَمِ ٱلسَّمَآءُۚ بَنَىٰهَا ٢٧ رَفَعَ سَمۡكَهَا فَسَوَّىٰهَا ٢٨ وَأَغۡطَشَ لَيۡلَهَا وَأَخۡرَجَ ضُحَىٰهَا ٢٩ وَٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ دَحَىٰهَآ ٣٠ أَخۡرَجَ مِنۡهَا مَآءَهَا وَمَرۡعَىٰهَا ٣١ وَٱلۡجِبَالَ أَرۡسَىٰهَا ٣٢ مَتَٰعٗا لَّكُمۡ وَلِأَنۡعَٰمِكُمۡ ٣٣ فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلۡكُبۡرَىٰ ٣٤ يَوۡمَ يَتَذَكَّرُ ٱلۡإِنسَٰنُ مَا سَعَىٰ ٣٥ وَبُرِّزَتِ ٱلۡجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ ٣٦
  • تلاوة الآيات ٢٧ إلى ٣٦

عظمة الخلقة

إن القرآن الكريم يؤكد في آية ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ﴾ وفي آية اُخرى ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾[١] على حقيقة أن خلق السماوات أعظم من خلق الإنسان!  . . ومن هنا جعل القدرة على خلق الأشد تعقيدا ؛ دليلا على القدرة على إعادة خلق الأقل في ذلك ، وهذا ما يُفسّر حالة المؤمن عندما يتأمل في خلق السماوات ـ  وخاصة عند القيام في جوف الليل ـ فإنه يستحضر حقيقة أن المتأمَّل فيه وهو الكون ؛ أعظم من المتأمِّل وهو الإنسان نفسه ؛ ممّا يوجب بدوره إحساسا بالتصاغر والتذلل!

[١] . سورة غافر : الآية ٥٧ .

إثارة التساؤل

إن من طرق التأثير على المخاطب هو استثارته بالسؤال ـ  حتى لو كان الجواب عنده واضحا ـ وذلك لتحريك فكره في مسار ما يريده المتكلم  . . ومن هنا ، يسأل الرب المتعال عباده ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ﴾ ليعترفوا بضعفهم في بواطنهم .

الآيات في الآفاق

إن الطريق المتعارف لتذكير العباد بخالقهم هو ذكر الآيات الآفاقية ، ولهذا يُكثر القرآن الكريم من ذكر السماوات والأرض ـ  ومنها هذه الآيات ـ للانتقال من المحسوس إلى المعقول ، ولكن هناك من العباد مَن لا يحتاج إلى هذا الطريق المتعارف ، وهم الذين تجلّى لهم الله تعالى في أنفسهم بنوع من أنواع التجلي .

الاستمتاع بالنعم

ليس من المعيب أبدا أن يستمتع الإنسان بمتاع الدنيا من دون أن يعيقه ذلك عن عبادة ربه ، فإن الله تعالى ذَكر نعمة الأرض ـ  وما أخرج منها من الماء والمرعى وكذلك الجبال ـ في سياق النعم الإلهية ، وحاشا أن يمنّ على العباد بما فيه صدّ عن سبيله ، ويؤكد هذه الحقيقة أيضا قوله تعالى ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾[٢] .

[٢] . سورة الأعراف : الآية ٣٢ .

حقيقة الزهد

إن المتاع عندما يُنسب للغير ، يُفهم منه ضمنا أن صاحب المتاع في رتبة أعلى منه ؛ لاستيلائه عليه وتصرفه فيه ، ولهذا صار صاحبا ومالكا له ؛ ولكن مَن عشق هذا المتاع صار مملوكا له ، والحال أن القرآن الكريم يريد منا أن نكون نحن أصحاب المتاع ﴿مَتَاعًا لَّكُمْ﴾ لا أن يكون المتاع صاحبا لنا  . . ولهذا قيل في حقيقة الزهد أنها عدم مالكية الأشياء للإنسان[٣] ، لا عدم مملوكيتها له .

[٣] . التحقيق في کلمات القرآن : ج٤ ص ٣٥٦ .

أفضلية الإنسان

إن الله تعالى ينسب متاع الدنيا إلى البشر والأنعام على حد سواء ﴿لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ ولكن المائز فيما بينهما إنما يكون في أمور اُخرى ألا وهو التعقل والتفكر ؛ ومن هنا صار الإنسان حيوانا ناطقا .

الابتلاء الأكبر

إن مصيبة العبد يوم القيامة بلوازم عمله ، أعظم من كل مصيبة مرت عليه ، ومن هنا سميت بـ ﴿الطَّامَّةُ الْكُبْرى‏﴾ أي الغالبة ، ووصفت بالكبرى للتأكيد على فداحتها! وعليه ، فإن تصوّر هذا المعنى يوجب تحمل مصائب الدنيا ؛ دفعا لما هو أشد منها!

المحاسبة في الدنيا

إن الإنسان في عرصات القيامة ـ  وخاصة عندما تُبرّز الجحيم لأهلها ـ في ذكر مستمر لسعيه في الحياة الدنيا ﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى﴾ وهذا بحد ذاته عذاب لأهله ؛ لأنه يقارن بين المقدمات الماضية والنتائج المستمرة ؛ فيرى حقيقة أن اللذائذ قد فنت ، والتبعات قد لازمت!
فكم من المناسب أن يكون هذا التذكر ـ  وهو في دار الدنيا ـ تداركا لما يمكن تداركه ، وهذا هو لب المحاسبة والمراقبة التي يجعل الإمام الكاظم (عليه السلام) تاركها خارجا عنهم بقوله : «ليس منّا مَن لم يحاسب نفسه كل يوم»[٤] .

[٤] . بحار الأنوار : ج ١ ص١٥٢ .