Search
Close this search box.
Layer 5
فهرس تفسير المتدبرين
إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٖ ٦ فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعۡدُ بِٱلدِّينِ ٧ أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَحۡكَمِ ٱلۡحَٰكِمِينَ ٨
  • تلاوة الآيات ٦ إلى ٨

الركنان الأساسيان للدين

إن القرآن الكريم ربط بين الإيمان والعمل الصالح فيما يقرب من خمسين مورد ، ممّا يدل على أن النجاة لا تتم إلا بهما : فالذين ابتغوا غير الإسلام دينا ، أو ابتغوا غير منهج النبي وآله (عليهم السلام) منهجا أخلّوا بالركن الأول ، والذين انحرفوا عن الطريق القويم ولم يعملوا صالحا ، أو خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فقد أخلّوا بالركن الثاني .
والملفت  هنا أن لحن الآيات الدالة على هذه الحقيقة متنوع بين :
ما يذكر العمل الصالح بصيغة الماضي ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾[١] الدال على الثبات .
وما يذكره بصيغة المضارع الدال على الاستمرار ، مضافا إلى ذكر الإيمان كصفة للذات لا للفعل كقوله تعالى ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِن﴾[٢] .
ما يذكره على نحو البشارة منتسبا إلى فرد من المؤمنين كقوله ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحات﴾[٣] أو إلى جماعة منهم ﴿وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنينَ الَّذينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحات﴾[٤] .

[١] . سورة طه : الآية ٧٥ .
[٢] . سورة الأنبياء : الآية ٩٤ .
[٣] . سورة طه : الآية ٧٥ .
[٤] . سورة الإسراء : الآية ٩ .

شروط العطاء الأكمل

إن العطاء الأكمل هو ذلك العطاء :
المتصل : إذ إن حزن ساعة المنع لا تجبره ساعات العطاء السابقة ، فمن البديهي أن الفرح المتصرّم لا يجبر الحزن الفعلي ، ومن هنا وصف الله تعالى الأجر في هذه السورة بأنه غير ممنون أي غير مقطوع .
الذي لا يصاحبه المنّ : لما في ذلك من الأذى على الممنون عليه ، وهو أيضا ممّا قد يُفهم من كلمة غير ممنون .
الذي يشعر معه المُعطی له أنّه يستحق هذا الجزاء : فقد عبّرت الآية عن الأجر بأنه ثابت لهم ﴿فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ فكأنّ هذا الأجر كان استحقاقا لازما لهم ، والحال بأن الله تعالى هو المتفضّل في (أصل الأجر) لأن ما قاموا به هو من لوازم العبودية وفي (حجم الفضل) لأن جزاء الخلود الأبدي لا يقاس بالطاعة الفانية في الدنيا .

أسلوب الإقناع

إن القرآن الكريم يعلّمنا كيف نتعامل مع الخلق في جانب الإقناع النظري ، فبعد ذكر عجائب خلقته في عالم التكوين وإرساله للأنبياء العظام ، يطرح سؤالا تقريعيا حول ما يدعو الناس إلى التكذيب بيوم الجزاء قائلا ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ﴾ ففيه إشعار ضمني بأن هذا الأمر في غاية الغرابة ، وهذا أسلوب من أساليب تحريك العقول الجامدة .
ومن الممكن إرجاع الخطاب للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بما يكون تسكينا لخاطره الشريف ، وعليه يكون المعنى : فمَن يكذبك يا أيها الرسول بالدين بعد ظهور هذه الدلائل المحكمة؟!

مجمل المضامين

إن الله تعالى يلخّص في بعض الموارد أغراض السورة في جملة واحدة فيها ، وتطبيقا لذلك فإنه يمكن القول بأن آية ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ كأنها تعبّر عن النتيجة المتحصّلة لكل ما قيل في صدر هذه السورة ، إذ إن : إبداع الخلق التكويني ، وتخصيص البعض بالنبوة ، وإرجاع البعض إلى الدرجات السفلى ، والأجر المتصل ، وتهديد المكذّب بالدين ؛ كل ذلك فرع حاكميته المطلقة في هذا الوجود .

المشابهة لسورة العصر

إن سياق هذه السورة يشابه سياق سورة العصر ، في تقرير حقيقة مصيرية تخص كل فرد في هذا الوجود ، تتمثل في بيان قاعدة الخسران والتي هي الأصل الأساس في حياة كل فرد ، وأنه لا يمكن الخروج من هذا الأصل الأولي ، إلا بالجمع بين الإيمان والعمل الصالح .
وعليه فإن المرء لو أعفى نفسه من الصعود إلى عالم ﴿أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ فإن النتيجة القهرية هي التسافل إلى عالم ﴿أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾ كتسافل كل جسم ـ  بفعل جاذبية الأرض ـ إذا لم يتكلف الصعود .